المجموع : 528
فَلا حَمَلَت بَعدَ الفَرَزدَقِ حُرَّةٌ
فَلا حَمَلَت بَعدَ الفَرَزدَقِ حُرَّةٌ / وَلا ذاتُ حَملٍ مِن نَفاسٍ تَعَلَّتِ
هُوَ الوافِدُ المَجبورُ وَالحامِلُ الَّذي / إِذا النَعلُ يَوماً بِالعَشيرَةِ زَلَّتِ
هَنيئاً مَريئاً غَيرَ داءٍ مُخامِرٍ
هَنيئاً مَريئاً غَيرَ داءٍ مُخامِرٍ / لِعَزَّةَ مِن أَعراضِنا ما اِستَحَلَّتِ
أَسيئي بِنا أَو أَحسِني لا مَلومَةً / لَدَينا وَلا مَقلِيَّةً إِن تَقَلَّتِ
غَشيتُ دِيارَ الحَيِّ بِالبَكَراتِ
غَشيتُ دِيارَ الحَيِّ بِالبَكَراتِ / فَعارِمَةٍ فَبَرقَةِ العِيَراتِ
فَغَولٍ فَحِلّيتٍ بِأَكنافِ مُنعَجٍ / إِلى عاقِلٍ فَالجُبِّ ذي الأَمَراتِ
ظَلَلتُ رِدائي فَوقَ رَأسِيَ قاعِداً / أَعُدُّ الحَصى ما تَنقَضي عَبَراتي
أَعِنّي عَلى التَهمامِ وَالذِكَراتِ / يَبِتنَ عَلى ذي الهَمِّ مُعتَكِراتِ
بِلَيلِ التَمامِ أَو وَصَلنَ بِمِثلِهِ / مُقايَسَةً أَيّامُها نَكِراتِ
كَأَنّي وَرِدفي وَالقِرابَ وَنُمرُقي / عَلى ظَهرِ عيرٍ وارِدِ الخَبِراتِ
أَرَنَّ عَلى حُقبٍ حَيالٍ طَروقَةٍ / كَذَودِ الأَجيرِ الأَربَعِ الأَشَراتِ
عَنيفٍ بِتَجميعِ الضَرائِرِ فاحِشٍ / شَتيمٍ كَذِلقِ الزُجِّ ذي ذَمَراتِ
وَيَأكُلنَ بُهمى جَعدَةً حَبَشِيَّةً / وَيَشرَبنَ بَردَ الماءِ في السَبَراتِ
فَأَورَدَها ماءً قَليلاً أَنيسُهُ / يُحاذِرنَ عَمراً صاحِبَ القُتُراتِ
تَلِثُّ الحَصى لَثّاً بِسُمرٍ رَزينَةٍ / مَوازِنَ لا كُزمٍ وَلا مَعِراتِ
وَيُرخينَ أَذناباً كَأَنَّ فُروعَها / عُرا خِلَلٍ مَشهورَةٍ ضَفِراتِ
وَعَنسٍ كَأَلواحِ الإِرانِ نَسَأتُها / عَلى لاحِبٍ كَالبُردِ ذي الحَبَراتِ
فَغادَرتُها مِن بَعدِ بُدنِ رَذِيَّةٍ / تُغالي عَلى عوجٍ لَها كَدِناتِ
وَأَبيَضَ كَالمِخراقِ بَلَّيتُ حَدَّهُ / وَهَبَّتَهُ في الساقِ وَالقَصَراتِ
أَعَينِ أَلا فَاِبكي لِصَخرٍ بِدَرَّةٍ
أَعَينِ أَلا فَاِبكي لِصَخرٍ بِدَرَّةٍ / إِذا الخَيلُ مِن طولِ الوَجيفِ اِقشَعَرَّتِ
إِذا زَجَروها في الصَريخِ وَطابَقَت / طِباقَ كِلابٍ في الهِراشِ وَهَرَّتِ
شَدَدتَ عِصابَ الحَربِ إِذ هِيَ مانِعٌ / فَأَلقَت بِرِجلَيها مَرِيّاً فَدَرَّتِ
وَكانَت إِذا ما رامَها قَبلُ حالِبٌ / تَقَتهُ بِإيزاغٍ دَماً وَاِقمَطَرَّتِ
وَكانَ أَبو حَسّانَ صَخرٌ أَصابَها / فَأَرغَثَها بِالرُمحِ حَتّى أَقَرَّتِ
كَراهِيَّةٌ وَالصَبرُ مِنكَ سَجِيَّةٌ / إِذا ما رَحى الحَربِ العَوانِ اِستَدَرَّتِ
أَقاموا جَنابَي رَأسِها وَتَرافَدوا / عَلى صَعبِها يَومَ الوَغى فَاِسبَطَرَّتِ
عَوانٌ ضَروسٌ ما يُنادى وَليدُها / تَلَقَّحُ بِالمُرّانِ حَتّى اِستَمَرَّتِ
حَلَفتَ عَلى أَهلِ اللِواءِ لَيوضَعَن / فَما أَحنَثَتكَ الخَيلُ حَتّى أَبَرَّتِ
وَخَيلٌ تُنادى لا هَوادَةَ بَينَها / مَرَرتَ لَها دونَ السَوامِ وَمُرَّتِ
كَأَنَّ مُدِلّاً مِن أُسودٍ تَبالَةٍ / يَكونُ لَها حَيثُ اِستَدارَت وَكَرَّتِ
لَهفي عَلى صَخرٍ فَإِنّي أَرى لَهُ
لَهفي عَلى صَخرٍ فَإِنّي أَرى لَهُ / نَوافِلَ مِن مَعروفِهِ قَد تَوَلَّتِ
وَلَهفي عَلى صَخرٍ لَقَد كانَ عِصمَةً / لِمَولاهُ إِن نَعلٌ بِمَولاهُ زَلَّتِ
يَعودُ عَلى مَولاهُ مِنهُ بِرَأفَةٍ / إِذا ما المَوالي مِن أَخيها تَخَلَّتِ
وَكُنتَ إِذا كَفٌّ أَتَتكَ عَديمَةً / تُرَجّي نَوالاً مِن سَحابِكَ بُلَّتِ
وَمُختَنِقٍ راخى اِبنُ عَمروٍ خِناقَهُ / وَغُمَّتَهُ عَن وَجهِهِ فَتَجَلَّتِ
وَظاعِنَةٍ في الحَيِّ لَولا عَطاؤُهُ / غَداةَ غَدٍ مِن أَهلِها ما اِستَقَلَّتِ
وَكُنتَ لَنا عَيشاً وَظِلَّ رَبابَةٍ / إِذا نَحنُ شِئنا بِالنَوالِ اِستَهَلَّتِ
فَتىً كانَ ذا حِلمٍ أَصيلٍ وَتُؤدَةٍ / إِذا ما الحُبى مِن طائِفِ الجَهلِ حُلَّتِ
وَما كَرَّ إِلّا كانَ أَوَّلَ طاعِنٍ / وَلا أَبصَرَتهُ الخَيلُ إِلّا اِقشَعَرَّتِ
فَيُدرِكُ ثَأراً ثُمَّ لَم يُخطِهِ الغِنى / فَمِثلُ أَخي يَوماً بِهِ العَينُ قَرَّتِ
فَإِن طَلَبوا وِتراً بَدا بِتِراتِهِم / وَيَصبِرُ يَحميهِم إِذا الخَيلُ وَلَّتِ
فَلَستُ أَرَزّا بَعدَهُ بِرَزِيَّةٍ / فَأَذكُرَهُ إِلّا سَلَت وَتَجَلَّتِ
أَلَحَّت مُقيماتٌ عَلَينا مُلِحّاتُ
أَلَحَّت مُقيماتٌ عَلَينا مُلِحّاتُ / لَيالٍ وَأَيّامٌ بِنا مُستَحَثّاتُ
نَحِنُّ مِنَ الدُنيا إِلى كُلِّ لَذَّةٍ / وَلَكِنَّ آفاتِ الزَمانِ كَثيراتُ
وَكَم مِن مُلوكٍ شَيَّدوا وَتَحَصَّنوا / فَما سَبَقوا الأَيّامَ شَيئاً وَلا فاتوا
وَكَم مِن أُناسٍ قَد رَأَينا بِغِبطَةٍ / وَلَكِنَّهُم مِن بَعدِ غِبطَتِهِم ماتوا
لَقَد أَغفَلَ الأَحياءُ حَتّى كَأَنَّهُم / بِما أَغفَلوا مِن طاعَةِ اللَهِ أَمواتُ
أَلا رُبَّما غَرَّ ابنَ آدَمَ أَنَّهُ / لَهُ مُدَّةٌ تَخفى عَلَيهِ وَميقاتُ
وَكُلُّ بَني الدُنيا يُعَلِّلُ نَفسَهُ / بِمَرِّ شُهورٍ وَهيَ لِلعُمرِ آفاتُ
أَخي أَنَّ أَملاكاً تَوافَوا إِلى البِلى / وَكانَت لَهُم في مُدَّةِ العَيشِ آياتُ
أَلَم تَرَ إِذ رُصَّت عَلَيهِم جَنادِلٌ / لَهُم تَحتَها لُبثٌ طَويلٌ مُقيماتُ
دَعِ الشَرَ وَاِبغِ الخَيرَ في مُستَقَرِّهِ / فَلِلخَيرِ عاداتٌ وَلِلشَرِ عاداتُ
وَما لَكَ مِن دُنياكَ مالٌ تَعُدُّهُ / عَلى غَيرِ ما تُعيهِ مِنها وَتَقتاتُ
أُحِبُّ مِنَ الإِخوانِ كُلَّ مُؤاتِ
أُحِبُّ مِنَ الإِخوانِ كُلَّ مُؤاتِ / وَفِيٍّ يَغُضُّ الطَرفَ عَن عَثَراتي
يُوافِقُني في كُلِّ خَيرٍ أُريدُهُ / وَيَحفَظُني حَيّاً وَبَعدَ وَفاتي
وَمَن لي بِهَذا لَيتَ أَنّي أَصَبتُهُ / فَقاسَمتُهُ مالي مِنَ الحَسَناتِ
تَصَفَّحتُ إِخواني فَكانَ أَقَلُّهُم / عَلى كَثرَةِ الإِخوانِ أَهلَ ثِقاتِ
إِلى كَم إِذا ما غِبتُ تُرجى سَلامَتي
إِلى كَم إِذا ما غِبتُ تُرجى سَلامَتي / وَقَد قَعَدَت بي الحادِثاتُ وَقامَتِ
وَعُمِّمتُ مِن نَسجِ القَتيرِ عِمامَةً / رُقومُ البِلى مَرقومَةٌ في عِمامَتي
وَكُنتُ أَرى لي في الشَبابِ عَلامَةً / فَصِرتُ وَإِنّي مُنكِرٌ لِعَلامَتي
وَما هِيَ إِلّا أَوبَةٌ بَعدَ غَيبَةٍ / إِلى الغَيبَةِ القُصوى فَثَمَّ قِيامَتي
كَأَنّي بِنَفسي حَسرَةً وَنَدامَةً / تَقَطَّعُ إِذ لَم تُغنِ عَنّي نَدامَتي
مُنى النَفسِ مِمّا يوطِئُ المَرءَ عَشوَةً / إِذا النَفسُ جالَت حَولَهُنَّ وَحامَتِ
وَمَن أَوطَأَتهُ نَفسُهُ حاجَةً فَقَد / أَساءَت إِلَيهِ نَفسُهُ وَأَلامَتِ
أَما وَالَّذي نَفسي لَهُ لَو صَدَقتُها / لَرَدَّدتُ تَوبيخي لَها وَمَلامَتي
فَلِلَّهِ نَفسٌ أَوطَأَتني مِنَ العَشا / حُزوناً وَلَو قَوَّمتُها لَاستَقامَتِ
وَلِلَّهِ يَومٌ أَيُّ يَومِ فَظاعَةٍ / وَأَفظَعُ مِنهُ بَعدُ يَومُ قِيامَتي
وَلِلَّهِ أَهلي إِذ حَبَوني بِحُفرَةٍ / وَهُم بِهَواني يَطلُبونَ كَرامَتي
وَلِلَّهِ دُنيا لا تَزالُ تَرُدُّني / أَباطيلُها في الجَهلِ بَعدَ استِقامَتي
وَلِلَّهِ أَصحابُ المَلاعِبِ لَو صَفَت / لَهُم لَذَّةُ الدُنيا بِهِنَّ وَدامَتِ
وَلِلَّهِ عَينٌ أَيقَنَت أَنَّ جَنَّةً / وَناراً يَقينٌ صادِقٌ ثُمَّ نامَتِ
أَلَيسَ قَريباً كُلُّ ما هُوَ آتِ
أَلَيسَ قَريباً كُلُّ ما هُوَ آتِ / فَما لي وَما لِلشَكِّ وَالشُبُهاتِ
أُنافِسُ في طيبِ الطَعامِ وَكُلُّهُ / سَواءٌ إِذا ما جاوَزَ اللَهَواتِ
وَأَسعى لِما فَوقَ الكَفافِ وَكُلَّما / تَرَفَّعتُ فيهِ ازدَدتُ في الحَسَراتِ
وَأَطمَعُ في المَحيا وَعَيشِيَ إِنَّما / مَسالِكُهُ مَوصولَةٌ بِمَماتِ
وَلِلمَوتِ داعٍ مُسمِعٌ غَيرَ أَنَّني / أَرى الناسَ عَن داعيهِ في غَفَلاتِ
فَلِلَّهِ عَقلي إِنَّ عَقلي لَناقِصٌ / وَلَو تَمَّ عَقلي لَاغتَنَمتُ حَياتي
وَلِلَّهِ نَفسي إِنَّها لَبَخيلَةٌ / عَلَيَّ بِما جادَت بِهِ لَأُلاتِ
جَمَعتَ مِنَ الدُنيا وَحُزتَ وَمُنّيتا
جَمَعتَ مِنَ الدُنيا وَحُزتَ وَمُنّيتا / وَما لَكَ إِلّا ما وَهَبتَ وَأَمضَيتا
وَما لَكَ مِمّا يَأكُلُ الناسُ غَيرُ ما / أَكَلتَ مِنَ المالِ الحَلالِ فَأَفنَيتا
وَما لَكَ إِلّا كُلُّ شَيءٍ جَعَلتَهُ / أَمامَكَ لا شَيءٌ لِغَيرِكَ بَقَّيتا
وَما لَكَ مِمّا يَلبَسُ الناسُ غَيرَ ما / كَسَوتَ وَإِلّا ما لَبِستَ فَأَبلَيتا
وَما أَنتَ إِلّا في مَتاعٍ وَبُلغَةٍ / كَأَنَّكَ قَد فارَقتَها وَتَخَلَّيتا
فَلا تَغبِطَنَّ الحَيَّ في طولِ عُمرِهِ / بِشَيءٍ تَرى إِلّا بِما تَغبِطُ المَيتا
أَلا أَيُّهَذا المُستَهينُ بِنَفسِهِ / أَراكَ وَقَد ضَيَّعتَها وَتَناسَيتا
إِذا ما غُبِنتَ الفَضلَ في الدينِ لَم تُبَل / وَإِن كانَ في الدُنيا قَطَبتَ وَبالَيتا
وَإِن كانَ شَيءٌ تَشتَهِهِ رَأَيتَهُ / وَإِن كانَ ما لا تَشتَهِهِ تَعامَيتا
لَهِجتَ بِأَنواعِ الأَباطيلِ غِرَّةً / وَأَدنَيتَ أَقواماً عَلَيها وَأَقصَيتا
وَجَمَّعتَ ما لا يَنبَغي لَكَ جَمعُهُ / وَقَصَّرتَ عَمّا يَنبَغي وَتَوانَيتا
وَصَغَّرتَ في الدُنيا مَساكِنَ أَهلِها / فَباهَيتَ فيها بِالبِناءِ وَعالَيتا
وَأَلقَيتَ جِلبابَ الحَيا عَنكَ ضِلَّةً / فَأَصبَحتَ مُختالاً فَخوراً وَأَمسَيتا
وَجاهَرتَ حَتّى لَم تَرِع عَن مُحَرَّمٍ / وَلَم تَقتَصِد فيما أَخَذتَ وَأَعطَيتا
وَنافَستَ في الأَموالِ مِن غَيرِ حِلِّها / وَأَسرَفتَ في إِنفاقِها وَتَعَدَّيتا
وَأَجلَيتَ عَنكَ الغُمضَ في كُلِّ حيلَةٍ / تَلَطَّفتَ في الدُنيا بِها وَتَأَنَّيتا
تَمَنّى المُنى حَتّى إِذاما بَلَغتَها / سَمَوتَ إِلى ما فَوقَها فَتَمَنَّيتا
أَيا صاحِبَ الأَبياتِ قَد نُجِّدَت لَهُ / سَتُبدَلُ مِنها عاجِلاً غَيرَها بَيتا
لَكَ الحَمدُ يا ذا المَنِّ شُكراً خَلَقتَنا / فَسَوَّيتَنا فيمَن خَلَقتَ وَسَوَّيتا
وَكَم مِن بَلايا نازِلاتٍ بِغَيرِنا / فَسَلَّمتَنا يا رَبِّ مِنها وَعافَيتا
أَيا رَبِّ مِنّا الضَعفُ إِن لَم تُقَوِّنا / عَلى شُكرِ ما أَبلَيتَ مِنكَ وَأَولَيتا
أَيا رَبِّ نَحنُ الفائِزونَ غَداً لَئِن / تَوَلَّيتَنا يا رَبِّ فيمَن تَوَلَّيتا
أَيا مَن هُوَ المَعروفُ مِن غَيرِ رُؤيَةٍ / تَبارَكتَ يا مَن لا يُرى وَتَعالَيتا
كَأَنَّ المَنايا قَد قَرَعنَ صَفاتي
كَأَنَّ المَنايا قَد قَرَعنَ صَفاتي / وَقَوَّسنَني حَتّى قَصَفنَ قَناتي
وَباشَرتُ أَطباقَ الثَرى وَتَوَجَّهَت / بِنَعيِي إِلى مَن غِبتُ عَنهُ نُعاتي
فَيا عَجَباً مِن طولِ سَهوي وَغَفلَتي / وَما هُوَ آتٍ لا مَحالَةَ آتِ
حُتوفُ المَنايا قاصِداتٌ لِمَن تَرى / مُوافينَ بِالرَوحاتِ وَالغَدَواتِ
وَكَم مِن عَظيمٍ شَأنُهُ لَم تَكُن لَهُ / بِمُهجَتِهِ الأَيامُ مُنتَظِراتِ
رَأَيتُ ذَوي قُرباهُ تَحثي أَكُفُّهُم / عَلَيهِ تُرابَ الأَرضِ مُبتَدِراتِ
وَقامَت عَلَيهِ حُسَّرٌ مِن نِسائِهِ / يُنادينَ بِالوَيلاتِ مُحتَجِراتِ
إِذا أَنتَ لايَنتَ الَّتي خَشُنَت لانَت
إِذا أَنتَ لايَنتَ الَّتي خَشُنَت لانَت / وَإِن أَنتَ هَوَّنتَ الَّتي صَعُبَت هانَت
تَزينُ أُمورٌ أَو تَشينُ كَثيرَةٌ / أَلا رُبَّما شانَت أُمورٌ وَمازانَت
وَتَأتي وَتَمضي الحادِثاتُ سَريعَةً / وَكَم غَدَرَتني الحادِثاتُ وَكَم خانَت
وَلِلدينِ دَيّانٌ غَداً يَومَ فَصلِهِ / تُدانُ نُفوسُ الناسِ فيهِ بِما دانَت
أَما وَالَّذي يُحيى بِهِ وَيُماتُ
أَما وَالَّذي يُحيى بِهِ وَيُماتُ / لَقَلَّ فَتىً إِلّا لَهُ هَفَواتُ
وَما مِن فَتاً إِلّا سَيَبلى جَديدُهُ / وَتُفني الفَتى الرَوحاتُ وَالدَلَجاتُ
يَغُرُّ الفَتى تَحريكُهُ وَسُكونُهُ / وَلا بُدَّ يَوماً تَسكُنُ الحَرَكاتُ
وَمَن يَتَتَبَّع شَهوَةً بَعدَ شَهوَةٍ / مُلِحّاً تَقَسَّم عَقلَهُ الشَهَواتُ
وَمَن يَأمَنُ الدُنيا وَلَيسَ لِحُلوِها / وَلا مُرِّها فيما رَأَيتَ ثَباتُ
أَجابَت نُفوسٌ داعِيَ اللَهِ فَانقَضَت / وَأُخرى لِداعي المَوتِ مُنتَظِراتُ
وَما زالَتِ الإِيامُ بِالسُخطِ وَالرِضا / لَهُنَّ وَعيدٌ مَرَّةٌ وَعِداتُ
إِذا اِزدَدتَ مالاً قُلتَ مالي وَثَروَتي / وَمالَكَ إِلّا اللَهُ وَالحَسَناتُ
نَعَت نَفسَها الدُنيا إِلَينا فَأَسمَعَت
نَعَت نَفسَها الدُنيا إِلَينا فَأَسمَعَت / وَنادَت أَلا جَدَّ الرَحيلُ وَوَدَّعَت
عَلى الناسِ بِالتَسليمِ وَالبِرِّ وَالرِضا / فَما ضاقَتِ الحالاتُ حَتّى تَوَسَّعَت
وَكَم مِن مُنىً لِلنَفسِ قَد ظَفِرَت بِها / فَحَنَّت إِلى ما فَوقَها وَتَطَلَّعَت
سَلامٌ عَلى أَهلِ القُبورِ أَحِبَّتي / وَإِن خَلُقَت أَسبابُهُم وَتَقَطَّعَت
فَما مُوِّتَ الأَحياءُ إِلّا لِيُبعَثوا / وَإِلّا لِتُجزى كُلُّ نَفسٍ بِما سَعَت
أَلا مَن لِنَفسٍ في الهَوى قَد تَمادَتِ
أَلا مَن لِنَفسٍ في الهَوى قَد تَمادَتِ / إِذا قُلتُ قَد مالَت عَنِ الجَهلِ عادَتِ
وَحَسبُ امرِئٍ شَرّاً بِإِهمالِ نَفسِهِ / وَإِمكانِها مِن كُلِّ شَيءٍ أَرادَتِ
تَزاهَدتُ في الدُنيا وَإِنّي لَراغِبٌ / أَرى رَغبَتي مَمزوجَةً بِزَهادَتي
وَعَوَّدتُ نَفسي عادَةً فَلَزِمتُها / أَراهُ عَظيماً أَن أُفارِقَ عادَتي
إِرادَةُ مَدخولٍ وَعَقلُ مُقَصِّرٍ / وَلَو صَحَّ لي عَقلي لَصَحَّت إِرادَتي
وَلَو طابَ لي غَرسي لَطابَت ثِمارُهُ / وَلَو صَحَّ لي غَيبي لَسَحَّت شَهادَتي
أَيا نَفسُ ما الدُنيا بِأَهلٍ لِحَيِّها / دَعيها لِأَقوامٍ عَلَيها تَعادَتِ
أَلا قَلَّما تَبقى نُفوسٌ لِأَهلِها / إِذا راوَحَتهُنَّ المَنايا وَغادَتِ
أَلا كُلُّ نَفسٍ طالَ في الغَيِّ عُمرُها / تَموتُ وَإِن كانَت عَنِ المَوتِ حادَتِ
أَلا أَينَ مَن وَلّى بِهِ اللَهوُ وَالصِبا / وَأَينَ قُرونٌ قَبلُ كانَت فَبادَتِ
كَأَن لَم أَكُن شَيئاً إِذا صِرتُ في الثَرى / وَصارَ مِهادي رَضرَضاً وَوِسادَتي
وَما مَلجَأٌ لي غَيرَ مَن أَنا عَبدُهُ / إِلى اللَهِ رَبّي شِقوَتي وَسَعادَتي
مِنَ الناسِ مَيتٌ وَهوَ حَيٌّ بِذِكرِهِ
مِنَ الناسِ مَيتٌ وَهوَ حَيٌّ بِذِكرِهِ / وَحَيٌّ سَليمٌ وَهوَ في الناسِ مَيِّتُ
فَأَمّا الَّذي قَد ماتَ وَالذِكرُ ناشِرٌ / فَمَيتٌ لَهُ دينٌ بِهِ الفَضلُ يُنعَتُ
وَأَمّا الَّذي يَمشي وَقَد ماتَ ذِكرُهُ / فَأَحمَقُ أَفنى دينَهُ وَهوَ أَموَتُ
سَأَضرِبُ أَمثالاً لِمَن كانَ عاقِلاً / يَسيرُ بِها مِنّي رَوِيٌّ مُبَيَّتُ
وَما زالَ مِن قَومي خَطيبٌ وَشاعِرٌ / وَحاكِمُ عَدلٍ فاصِلٌ مُتَثَبِّتُ
وَحَيَّةُ أَرضٍ لَيسَ يُرجى سَليمُها / تَراها إِلى أَعدائِها تَتَفَلَّتُ
تَخَفَّف مِنَ الدُنيا لَعَلَّكَ تُفلِتُ
تَخَفَّف مِنَ الدُنيا لَعَلَّكَ تُفلِتُ / وَإِلّا فَإِنّي لا أَظُنَّكَ تَثبُتُ
أَلَم تَرَ أَنَّ الحِلمَ لِلجَهلِ قاطِعٌ / وَأَنَّ لِسانَ الرُشدِ لِلغَيِّ مُسِكتُ
لِكُلِّ امرِئٍ مِن سَكرَةِ المَوتِ سَكرَةٌ / وَأَيُّ امرِئٍ مِن سَكرَةِ المَوتِ يُفلِتُ
عَجِبتُ لِمَن قَرَّت مَعَ المَوتِ عَينُهُ / لِحَصدِ الرَدى ما ظَلَّتِ الأَرضُ تُنبِتُ
أَلا إِنَّ لي يَوماً أُدانُ كَما دِنتُ
أَلا إِنَّ لي يَوماً أُدانُ كَما دِنتُ / سَيُحصي كِتابي ما أَسَأتُ وَأَحسَنتُ
أَما وَالَّذي أَرجوهُ لِلعَفوِ إِنَّهُ / لَيَعلَمُ ما أَسرَرتُ مِنّي وَأَعلَنتُ
كَفى حَزَناً أَنّي أُحَسِّنُ وَالبِلى / يُقَبِّحُ ما زَيَّنتُ مِنّي وَحَسَّنتُ
وَأَعجَبُ مِن هَذا هَناتٌ تَغُرُّني / تَيَقَّنتُ مِنهُنَّ الَّذي قَد تَيَقَّنتُ
تَصَعَّدتُ مُغتَرّاً وَصَوَّبتُ في المُنى / وَحَرَّكتُ مِن نَفسي إِلَيها وَسَكَّنتُ
وَكَم قَد دَعَتني هِمَّتي فَأَجَبتُها / وَكَم لَوَّثَتني هِمَّتي فَتَلَوَّثتُ
مُعاشَرَةُ الإِنسانِ عِندي أَمانَةٌ / فَإِن خُنتُ إِنساناً فَنَفسي الَّذي خُنتُ
وَلي ساعَةٌ لا شَكَّ فيها وَشيكَةٌ / كَأَنِّيَ قَد حُنِّطتُ فيها وَكُفِّنتُ
أَلَم تَرَ أَنَّ الأَرضَ مَنزِلُ قُلعَةٍ / وَإِن طالَ تَعميري عَلَيها وَأَزمَنتُ
وَإِنّي لَرَهنٌ بِالخُطوبِ مُصَرَّفٌ / وَمُنتَظِرٌ كَأسَ الرَدى حَيثُما كُنتُ
أَيا عَجَبَ الدُنيا لِعَينٍ تَعَجَّبَت
أَيا عَجَبَ الدُنيا لِعَينٍ تَعَجَّبَت / وَيا زَهرَةَ الأَيّامِ كَيفَ تَقَلَّبَت
تُقَلِّبُني الأَيّامُ عَوداً وَبَدأَةً / تَصَعَّدَتِ الأَيّامُ لي وَتَصَوَّبَت
وَعاتَبتُ أَيّامي عَلى ما تَروعُني / فَلَم أَرَ أَيّامي مِنَ الرَوعِ أَعتَبَت
سَأَنعي إِلى الناسِ الشَبابَ الَّذي مَضى / تَخَرَّمَتِ الدُنيا الشَبابَ وَشَيَّبَت
وَلي غايَةٌ يَجري إِلَيها تَنَفُّسي / إِذا ما انقَضَت تَنفيسَةٌ لي تَقَرَّبَت
وَتُضرَبُ لي الأَمثالُ في كُلِّ نَظرَةٍ / وَقَد حَنَّكَتني الحادِثاتُ وَجَرَّبَت
تَطَرَّبُ نَفسي نَحوَ دُنيا دَنِيَّةٍ / إِلى أَيِّ دارٍ وَيحَ نَفسي تَطَرَّبَت
وَأُحضِرَتِ الشُحَّ النُفوسُ فَكُلُّها / إِذا هِيَ هَمَّت بِالسَماحِ تَجَنَّبَت
لَقَد غَرَّتِ الدُنيا قُروناً كَثيرَةً / وَأَتعَبَتِ الدُنيا قُروناً وَأَنصَبَت
هِيَ الدارُ حادي المَوتِ يَحدو بِأَهلِها / إِذا شَرَّقَت شَمسُ النَهارِ وَغَرَّبَت
بُليتُ مِنَ الدُنيا بِغولٍ تَلَوَّنَت / لَها فِتَنٌ قَد فَضَّضَتها وَذَهَّبَت
وَما أَعجَبَ الآجالَ في خُدَعاتِها / وَما أَعجَبَ الأَرزاقَ كَيفَ تَسَبَّبَت
رَأَيتُ بَغيضَ الناسِ مَن لا يُحِبُّهُم / يَفوزُ بِحُبِّ الناسِ نَفسٌ تَحَبَّبَت
بُليتُ بِنَفسي شَرَّ نَفسٍ رَأَيتُها
بُليتُ بِنَفسي شَرَّ نَفسٍ رَأَيتُها / لَجوجٍ تَمادى بي إِذا ما نَهَيتُها
فَكَم مِن قَبيحٍ صِرتُ مُعتَرِفاً بِهِ / وَكَم مِن جِناياتٍ عِظامٍ جَنَيتُها
وَكَم مِن شَفيقٍ باذِلٍ لي نَصيحَةً / وَلَكِنَّني ضَيَّعتُها وَأَبَيتُها
دَعَتني إِلى الدُنيا دَواعٍ مِنَ الهَوى / فَأَرسَلتُ ديني مِن يَدي وَأَتَيتُها
وَلي حِيَلٌ عِندَ المَطامِعِ رُبَّما / تَلَطَّفتُ لِلدُنيا بِها فَرَقَيتُها
أَقولُ لِنَفسي إِذ شَكَت ضيقَ بَيتِها / كَأَنّي بِها في القَبرِ قَد ضاقَ بَيتُها
وَلي في خِصالِ الخَيرِ ضِدٌّ مُعانِدٌ / يُثَبِّطُني عَنها إِذا ما نَوَيتُها
وَلي مُدَّةٌ لا بُدَّ يَوماً سَتَنقَضي / كَأَن قَد أَتاني وَقتُها فَقَضَيتُها
فَلَو كُنتُ في الدُنيا بَصيراً وَقَد نَعَت / إِلى ساكِنيها نَفسَها لَنَعَيتُها
وَلَو أَنَّني مِمَّن يُحاسِبُ نَفسَهُ / لَخالَفتُ نَفسي في الهَوى وَعَصَيتُها
أَياذا الَّذي أَلقَتهُ في الغَيِّ نَفسُهُ / وَمَن غَرَّهُ مِنها عَساها وَلَيتُها
كَفانا بِهَذا مِنكَ جَهلاً وَغِرَّةً / لِأَنَّكَ حَيُّ النَفسِ في الأَرضِ مَيتُها