القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : الملك الأَمجَد الكل
المجموع : 6
أَرِقْتُ هوًى والليلُ مُرخي الذوائبِ
أَرِقْتُ هوًى والليلُ مُرخي الذوائبِ / ووكَّلَني وجدي برعي الكواكبِ
ونامتْ عيونُ الهاجدينَ ن ولم أنمْ / غراماً ووجداً في دياجي الغياهبِ
لي اللّهُ مِن قلبٍ يُعَلَّلُه المُنى / فيصبو إلى وعدِ الأماني الكواذبِ
ومِن رسمِ دارٍ قد تبدَّلَ ربعها / على الكرهِ مِن سُماّرِه بالنواعبِ
ومِن مقلةِ لا يعرفِ الغُمْضَ جفنُها / إِذا هجعَ الرُّكبانُ فوقَ النجائبِ
متى لاحَ برقٌ أو ترنَّمَ طائرٌ / تكنَّفني التَّذكارُ مِن كلَّ جانبِ
كأنَّ عليَّ الوجدَ حتمٌ ولم يزلْ / عليَّ طَوالَ الدهرِ ضربةَ لازبِ
أفي كلَّ يومٍ لا أزالُ موكَّلاً / بتَسآلِ آثارٍ عَفَتْ وملاعبِ
تحيفَّها ريبُ الزمانِ فأصبحتْ / مسارحَ أرواحِ الصَّبا والجنائبِ
واِنْ لمعَ البرقُ الحِجازيُّ شاقَني / تألُّقُهُ فوقَ الرُّبى والأهاضيبِ
يلوحُ ويخبو ومضُه فكأنَّه / وميضُ الثنايا مِن شفاهِ الحبائبِ
يُكَلَّفُني وجدي ركوبَ مطامعي / وما زالَ يعلو بي صِعابَ المراكبِ
ولم أَرَ أَمضي من جفونِ سهامِها / إليَّ ترامي عن قِسيِّ الحواجبِ
لقد منعتْ أجفانَ عينيِّ نومَها / فليس إليها ما حَييتُّ بآيبِ
وما كنتُ أدري والنوى مطمئَّنْةٌ / بأنَّ المنايا في ارتحاليِ الوكائبِ
ولا أنذَ أقمارَ الخدورش يُرى لها / مغاربُ تهواها النوى في الغواربِ
تُباعِدُها ايدي المطيَّ ودارُها / على البعدِ ما بينَ الحشاة الترائبِ
فهل تُبْلِغَنَّي حبَّها بعدَ بُعْدِها / مراسيلُ افنتْها طِوالُ السباسبِ
تَدافعُ في أرسانِها فكانَّها / على البيدِ شَطْرٌ رثَّ مِن خَطَّ كاتبِ
وما ظَمِئتْ إلا وقلتُ مسارعاً / لعينَّي جودا بالدموعِ السواكبِ
فَتَغْنَى بها عمّا يطيبُ على الظما / من المنهلِ العذبِ الزَّلالِ لشاربِ
ومَنْ لي بسقياها الدموعَ وقد غدتْ / تُجَمَّعُ شملي بالظباءِ الكواعبِ
فلا نفعَ في قُربِ الديارِ إذا دَنَتْ / ولم ارَ شملَ الوصلِ بالمتقارب
عفا الّلهُ عن ليلى واِنْ كان هجرُها / يُجرِّعُني أمثالَ سُمِّ العقاربِ
فكم ليلةٍ قد بِتُّ فيها مِنَ الهوى / مساهرَ أضواءِ النجومِ الثواقبِ
ولو أن مِن دوني ودونِ مزارِها / صدورُ العوالي أوشِفارُ القواضبِ
وأحماسُ حربٍ فوقَ كلِّ طِمِرَّةٍ / نمتْها كما اختارتْ عتاقُ السَّلاهبِ
طرقتُ حِماها لستُ أحفلٌ بالقنا / تَنَضْنَعنُ نحويِ في عَجاجِ الكتائبِ
ولا سَورةِ الغيرانِ بينَ صِحابهِ / يُسارِقُني لحظَ العدوِّ المراقبِ
كأنَّ صميمَ العزِّ في كلِّ هجمةٍ / على الموتِ مابينَ الحُماةِ المصاعبِ
أقارعُهم في درعٍ عزمي وقد حكتْ / مساميرُ أدراعي عيونَ الجنادبِ
هنالكَ أردي القِرنَ وهو مصمِّمٌ / وأشياعَهُ في الملتقى غيرَ هائبِ
وما زلتُ في الحربِ الزَّبونِ مُبَشِّراً / لأوجهِ آمالي بنيلِ المطالبِ
حقيقٌ بأنْ يبكي الديارَ غريبُها
حقيقٌ بأنْ يبكي الديارَ غريبُها / بأدمعِ عينٍ لا تَجِفُّ غروبُها
ديارٌ على بعدِ المسافةِ شاقَني / نضارتُها قبلَ الفراقِ وطيبُها
شهيٌّ إلى هذي النفوسِ حِمامُها / اِذا بانَ عنها بعدَ قربٍ حبيبُها
تناءَى فما أبقى وقد بانَ أُنسُه / عنِ الجِزعِ لي مِن راحةٍ أستطيبُها
فللّهِ أغصانُ الوصالِ لقد ذوى / سريعاً بحكمِ البينِ منها رطيبُها
وللهِ ليلاتٌ يطولُ على المدى / نحيبي على أمثالِها ونحيبُها
متى ذكرتْها النفسُ ذابتْ صبابةً / وتَذكارُ أيامِ اللقاءِ يُذيبُها
ليالي قلبي في الغرامِ كأنَّما / يُجِنُّ الذي باتتْ تُجِنُّ قلوبُها
قريبٌ الينا الأُنسُ منهنَّ كلمَّا / تباعدَ عن ليلى الغداةَ رقيبُها
فيا حبذا تلكَ الليالي وطيبُها / ويا حبذا اِحسانُها وذنوبُها
وما ذاتُ طوقٍ لا تزالُ على الغَضا / تنوحُ اشتياقاً والهديلُ يُجيبُها
باكثرَ مِن قلبي حنيناً إلى الحمى / اِذا عَنَّ مِن تلكَ الرياحِ هبوبُها
قد طالَ بعدَكِ في الديارِ وقوفي / أُذري مدامعَ ناظرٍ مطروفِ
ولهانَ لستُ بسامعٍ في ربعِها / ولعَ العذولِ بمؤلمِ التعنيفِ
حيرانَ أسألُ كلَّ رسمٍ داثرٍ / والدمعُ وِردي والسَّقامُ حليفي
ولربَّ مقروحِ الفؤادِ مرَّوعٍ / بالبينِ مسلوبِ الرقادِ نحيفِ
يهوى الغزالَ الحاجريَّ ودونَه / غَربانِ غَربُ أسنَّةٍ وسيوفِ
يرتاحُ للآرواحِ أن نسمتْ له / سحراً وتلكَ عُلالةُ المشغوفِ
حرّانُ مَنْ لغليلهِ أن يرتوي / يوماً ببردِ رضابهِ المرشوفِ
شاكٍ الىالأطلالِ بعدَ رحيلهِ / المَ الفراقِ وغُلَّةَ الملهوفِ
مضنًى يقولُ لحظَّهِ في وجدِه / هل كنتَ فيما كنتَ غيرَ طفيفِ
ولِجُرحِ حبَّةِ قلبهِ يومَ النوى / لا كنتَ مِن جُرحٍ بها مقروفِ
أفنيتُ في ذا الوجدِ كلَّ ذخيرةٍ / أعددتُها من تالدٍ وطريفِ
ووقفتُ أسألُ كلَّ ربعٍ ماحلٍ / عن جيرةٍ بالرقمتينِ خُلُوفِ
كلِفاً بأربابِ الخصورِ دقيقةٍ / مِن تحت أغصانِ القدودِ الهِيفِ
غبرَ الزمانُ وما أرى مِن وعدِهمْ / شيئاً سوى التعليلِ والتسويفِ
مِن كلَّ جائلةِ الوشاحِ رشيقةٍ / مِن فوقِ خَصرٍ كالجَديلِ قَصيفِ
تَغْنَى رماحُ قدودهنَّ اِذا انبرتْ / تحكي رماحَ الخطَّ عن تثقيفِ
يا منزلاً قد طالَ نحوَ ربوعهِ / خَبَبي على طولِ المدى ووجيفي
مِن فوقِ كلَّ شِمِلَّةٍ عَيرانَةٍ / في مهمٍ نائى المحلَّ مخوفِ
أحتثُّها شوقاً إلى بانِ الحمى / وظِلالِه والمنزلِ المألوفِ
فهناكَ أقمارُ الخدورِ تَزينُها / هالاتُها في مربعٍ ومصيفِ
وهناكَ أفنيتُ الشبيبةَ طائعاً / لِجوًى على حكمِ الهوى موقوفِ
ما روضةٌ باتَ القطارُ يجودُها / غَنّاءُ ذاتُ تهدُّلٍ ورفيفِ
يمشي النسيمُ بأرضِها متمهََّلاً / فيها كمشي الشاربِ المنزوفِ
فيعيدُ ثوبَ النبتِ في أرجائها / ما بينَ تدبيجٍ إلى تفويفِ
يوماً بأحسنَ من قريضٍ ناصعٍ / نَضَّدتُه كاللؤلؤِ المرصوفِ
تُمليهِ أفكاري فيطغى بحرُه / مدّاً وليس البحرُ بالمنزوفِ
فِقَرٌ إذا ألفتُهنَّ مُنظَّماً / جاءتكَ مثلَ العِقْدِ في التأليفِ
ما جلَّ منه فهو عِقدٌ فاخرٌ / أو دقٌ منه فهو سِمطُ شُنُوفِ
مِن كلَّ قافيةٍ إذا أنشدتٌها / فَغَمتْ بنشرٍ كالعبيرِ مَدوفِ
سَهُلَتْ عليَّ فكلَّما أمهيتُها / بالفكرِ أمستْ وهي غيرُ عيوفِ
تأتي منقَّحةَ الكلامِ شريفةً / من خاطرٍ سهلِ القيادِ شريفِ
متى حانَ مِن شمسِ النهارِ غروبُ
متى حانَ مِن شمسِ النهارِ غروبُ / جرتْ مِن دموعِ المقلتينِ غروبُ
وما الحبُّ إلا زفرةٌ بعدَ زفرةٍ / ودمعٌ على بالي الرسومِ يَصُوبُ
ووجدٌ إذا ما قلتُ تسكنُ نارُه / أثارَ لظاها للنسيمِ هبوبُ
فميعادُ شوقي أن تلوحَ على الحمى / خيامُهمُ أو أن تَهُبَّ جَنُوبُ
خليليَّ قُصّا لي أحاديثَ هاجرٍ / اِذا شئتما عقلي اليَّ يثوبُ
فاِنَّ به قوماً عليَّ أعزَّةً / أحاديثُهمْ للمستهامِ تطيبُ
همُ القومُ ما ألقى نصيراً عليهمُ / فكيف غدا لي في الغرامِ نصيبُ
لقد لازمَ القلبَ المعنَّى ببينِهمْ / خُفُوقٌ على طولِ المدى ووجيبُ
أُناسٌ جفونا والديارُ قريبةٌ / عليه محبٌّ في الغرامِ غريبُ
يساهرُ نجمَ الليلِ عندَ طلوعِه / ويَرْقُبُ شمسَ اليومِ أين تغيبُ
فيا ليت شعري هل يُعيدُ دنوَّهمْ / زمانٌ بشملِ العاشقينَ لعوبُ
اِذا ما بدا برقٌ من الغورِ لائحٌ / شكتْ من تباريحِ الغرامِ قلوبُ
ولمّا نأتْ تلكَ الحُدُوجُ وطوَّحتْ / بهنَّ نوًى تُنضي النياقَ شَعُوبُ
وسارَ فؤادي في الظعائنِ غُدوةً / وراءَ مطايا القومِ وهو جَنيبُ
وسارتْ بهمْ عن منحنى الجِزْعِ أينقٌ / براهنَّ وخدٌ في الفلا ودُؤوبُ
سمحتُ بدمعي في الديارِ وقد غدتْ / وليس بها مِن أهلهنَّ غريبُ
واِنَّي واِنْ ضنُّوا عليَّ بزَوْرَةٍ / تحومُ عليها غُلَّتي وتلوبُ
سأعذرُهمْ فيها واِنْ كنتُ كارهاً / مخافةَ أمرٍ في الغرامِ يُريبُ
فمِنْ نفحاتِ الطيبِ واشٍ عليهمُ / نمومٌ ومِنْ جَرْسِ الحُليَّ رقيبُ
ولي من نسيمِ الأبرقَيْنِ إذا سرى / بريّاهمُ بعدَ الهدوَّ طبيبُ
وعندي مِن الأشواقِ ما لم يلاقِه / على قربِ ما بينَ المزارِ كئيبُ
وما بنتُ دوحٍ غابَ عنها قرينُها / وطالتْ نواه فهو ليس يؤوبُ
تُؤرَّقها قمريَّةٌ فوقَ بانةٍ / تُداعي هديلاً عندها فيُجيبُ
اِذا سمعتْ صوتَ الحمائمِ سُحرةً / وقد رفَّ غصنٌ بالغَضا فتجيبُ
أجدَّ لها ذاكَ التغرُّدُ لوعةً / تكادُ لها حَبُّ القلوبِ تذوبُ
فتشتاقُه والشوقُ يُضْرِمُ نارَها / اليه وما بينَ الضلوعِ لهيبُ
كشوقي إذا أنشدتُ شِعري وزادَني / بهمْ طرباً أن المحبَّ طَرُوبُ
قوافٍ إذا فوَّقتُ سهمَ نضيدِها / غدتْ لخفيّاتِ الصَّوابِ تُصيبُ
نسيبٌ كمعتلَّ النسيمِ معطَّراً / غدا في نِجارِ الشعرِ وهو نسيبُ
لكلَّ فؤادٍ منه وجدٌ مُجَدَّدٌ / وفي كلَّ قلبٍ مِن هواه حبيبُ
صباه الهوى ما أحوجَ الخِلْوَ أن يصبو
صباه الهوى ما أحوجَ الخِلْوَ أن يصبو / خليٌّ مِنَ الأشجانِ ما شفَّهُ الحبُّ
أقامَ زماناً ليس يعرفُ ما الهوى / الى أن تولَّتْهُ البراقعُ والنُّقْبُ
رمتْهُ على عمدٍ فلم تُخطِ قلبَهُ / سهامُ عيونٍ راشَهنَّ له الهُدبُ
عيونُ مهاً تنبو السيوفُ مواضياً / وتلكَ العيونُ البابليةُ لا تنبو
ولم تبدَّى السربُ قلتُ لصاحبي / لأمرٍ تبدَّى في مراتِعه السَّربُ
فلم يُستَتمَّ إلا وقد غدا / فؤادي بحكمِ الوجدِ وهو له نهبُ
الى اللهِ أشكو مِن غرامٍ إذا خبتْ / لوافحُ نيرانِ الغَضا فهو لا يخبو
ومِن جيرةٍ بانوا فأصبحتُ بعدَهمْ / مقيماً بجسمٍ ليس يَصحَبُه قلبُ
ومِن مقلةٍ لم يَفْنَ فائضُ غَربِها / على الدارِ إلا فاضَ مِن بعدِه غَربُ
اِذا انهلَّ في تلكَ المرابعِ دمعُها / تضاءلَ شؤبوبٌ به العارضُ السَّكْبُ
تَحدَّرَ في بالي الرسومِ كأنَّه / عقيبَ نوى سكانِها لؤلؤٌ رطبُ
أسا البعدُ في حقي بغيرِ جنايةٍ / غداةَ النوى أضعافَ ما أحسنَ القربُ
فلّلهِ قلبي كم يُجَنُّ جنونُه / بليلاهُ في تلكَ الديارِ وكم يصبو
وكم يشتكي جدَّ الفراقِ وعندها / بأنَّ النوى والهجرَ مِن مثلِها لِعبُ
ومُضْنَى هوًى يشتاقُ قوماً ترحَّلوا / وسارتْ بهم عنه الغريريَّةُ الصُّهْبُ
بكى بسحابِ الدمعِ حتى تعجبتْ / على الدارِ مِن تَهمالِ أدمعِه السُّحْبُ
وسافَ ترابَ الربعِ شوقاً كأنَّما / تبدَّلَ مسكاً بعدَهمْ ذلكَ التربُ
وعاينَ هاتيكَ الديارَ خوالياً / فما شاقَهُ النادي ولا المنزلُ الرحبُ
وأصبحَ فيها بعدما بانَ أهلُها / وأدمعُه فيهنَّ وهي له شُرْبُ
فماذا أرادوا بالفراقِ وبالنوى / لقد كان يكفي منهمُ الصونُ والُحجْبُ
لهم منَّيَ العُتبى على كلَّ حالةٍ / ولي منهمُ في كلَّ حالاتيَ العَتبُ
ويُلزمُني العَذّالُ ذنباً وليس لي / كما زعموا جُرْمٌ بُعَدُّ ولا ذَنْبُ
فيا ليت شعري هل أرى الدارَ بعدما / تناءوا بهمْ تدنو ويلتئمُ الشَّعبُ
ويُدني مزاري منهمُ كلُّ بازلٍ / سواءٌ عليه القربُ والمرتمى السَّهبُ
اِذا ما تبارى والرياحُ إلى مدًى / كبتْ لَغَباً في اِثرِه وهو ولا يكبو
يَغُذُّ برحلي منه في كلَّ مهمٍه / وبي عند حاجاتي إلى مثلِه هَضْبُ
ويسري وتسري الريحُ حسرى وراءَهُ / إلى حيث لم تَبلُغْ مجالهَهُ النُّجْبُ
ويَرْجِعُ ذاكَ البعدُ قرباً وتنثني / به سَجْسَجاً عندي زعازعُه النُّكْبُ
ومما شجاني في الغصونِ ابنُ أيكةٍ / تميلُ به مِن طيبِ تغريدِه القضبُ
ينوحُ ووجهُ الصبحُ قد لاحَ مشرقاً / يقولُ لنوّامِ الدُّجى ويحكُمْ هبّوا
فلم أرَ مثلي في الغرامِ ومثلَه / خليلَيْ وفاءٍ بَزَّ صبرَيهما الحبُّ
غرامٌ إذا ما قلتُ هانَ رأيتُه / وقد بانَ أهلوهِ له مركبٌ صعبُ
وبرقٌ بدا والليلُ ملقٍ جِرانَه / يلوحُ على بعدٍ كما اختُرِطَ العَضبُ
سَهِرْتُ لجرّاهُ إلى أن تمايلتْ / الى الغربِ مِن أقصى مشارِقها الشُّهبُ
أُنظَّمُ شعراً كالِغرِنْدِ كلامُه / شَرودٌ ولا تِيهٌ لديهِ ولا عُجبُ
فسائرُ أشعارِ الخلائقِ جملةً / لِحاءٌ وهذا الشعرُ مِن دونِها لُبُّ
يغنَّي به الساري فَيَسْتَعْبذب الهوى / ويستبعد المرمى فيحدو به الركبُ
لكم مِن فؤادي شاهدٌ ليس يكذبُ
لكم مِن فؤادي شاهدٌ ليس يكذبُ / ومِن دمعِ عيني صامتٌ وهو مُعرِبُ
ولي من شهودِ الحبَّ خدٌّ مُخَدَّدٌ / وقلبٌ على نارِ الغرامِ يُقَلَّبُ
ولي بالرسومِ الخُرسِ مِن بعدِ أهلِها / غرامٌ عليه ما أزالُ أؤنَّبُ
واِنْ عنَّ ذكرُ الراحلينَ عنِ الحِمى / وقفتُ فلا أدري إلى أين أذهبُ
فربعٌ أُناجيهِ وقد ظلَّ خالياً / ودمعٌ أُعانيهِ وقد بات يُسكَبُ
وصبرٌ / وقد بانوا تباعدَ للنوى
ووجدٌ وقد ساروا الى الصبَّ يَقرُبُ /
يُروَعُه لمعُ البروقِ وتارةً / يبيتُ بتغريدِ الحمامِ يُعذَّبُ
ودمعٌ على الخدَّينِ يَهمي سحابُه / اِذا ما انبرتْ الحمائمُ تَندُبُ
ويَشغَفُها بانُ الحمى وظِلالُه / فتُوفي على فرعٍ مِن البانِ تَخطُبُ
فللّهِ مِن نارٍ لا يعرفُ الغمضَ جفنُها / اِذا ما بدا مِن أوّلِ الليلِ كوكبُ
تبيتُ تُراعيه ودونَ لقائها / بمَنْ بانَ عن نعمانَ عنقاءُ مُغرِبُ
فجسمي وقد بانوا الى الحيَّ راجعٌ / وقلبي مع الأحبابِ في الركب يَجنُبُ
وقد كان مِن مُرَّ التجنَّي مروَّعاً / فكيف إذا ما عادَ وهو تَجنُّبُ
وما أنا في وجدي بأوَّلِ واثقٍ / تبدَّى له برقٌ مِنَ الوعدِ خُلَّبُ
ولا حائرٍ في عرصةِ الربع واقفٍ / يُحيَّيهِ في شرعِ المطامعِ أشعبُ
يسائلُ عن هندٍ فلمّا ترحّلتْ / أقامَ فحيَّتْهُ على الدارِ زينبُ
لها مِن غزالِ الرملِ حُسْنُ التفاتهِ / اِذا ضَلَّ عنه في الأجارِعِ رَبْرَبُ
ويَسلبُه سحرُ العيونِ اصطبارَهُ / ويَخلُبُه لفظٌ مِنَ الماءِ أعذبُ
ويَصْدِفُها شَعرٌ بفَودَيهِ أشيبٌ / ويَشغَفُه ثغرٌ للمياءَ أشنبُ
ولم أنسَها يومَ الوَداعِ وقد بدا / لتوديعنا ذاكَ البنانُ المخضَّبُ
فلا راحةٌ إلا وقد سارَ أُنْسُها / ولا صبرَ إلا وهو بالهجرِ يُغلَبُ
ومَنْ يُعتِبُ المشتاقُ والنأيُ خصمُه / ومَنْ ذا الذي يوماً على البينِ يَعتِبُ
وأُلزِمتُ ذنباً في الهوى ما اقترفتُهُ / وما كنتُ لولا الدمعُ في الحبَّ أُذنِبُ
حنينٌ إذا جَدَّ الرَّحيلُ رأيتُه / بنفسيَ في اِثرِ الظعائنِ يًلْغُبُ
شوقٌ إلى أهلِ الديارِ يحثُّه / غرامٌ إلى العذريَّ يُعزى ويُنسَبُ
وما مزنةٌ أرختْ على الدارِ وبلَها / ففي كلَّ أرضٍ جدولٌ منه يَثْعَبُ
اِذا ما ارجحنَّتْ في الهواءِ وأرزمتْ / تدلَّى لها فوقَ الخمائلِ هَيدَبُ
واِنْ نضبتْ ممّا تًسُحُّ سحابةٌ / ألحَّتْ عليها دِيمةٌ ليس تَنضُبُ
بأغزرَ مِن دمعي وقد أُخفرَ السُّرى / وأمستْ نياقُ الظاعنينَ تُغرَّبُ
ولا بنتُ دوحٍ في الحدائقِ أصبحت / تنوحُ على بانِ الحِمى وتُطَرَّبُ
لها في أفانينِ الغصونِ ترنُّمٌ / يكادُ بما عندَ الحمامةِ يُعرِبُ
بأطيبَ مِن شعرٍ أُنضَّدُ لفظَهُ / على حَسْبِ ما أختارُه وأُرتَّبُ
قريضٌ غدتْ منه القصائدُ شرَّداً / تُشرَّقُ ما بينَ الورى وتُغَرَّبُ
قصائدُ لو أنَّي تقدَّمتُ أوّلاً / بهنَّ لأطراها نِزارٌ ويَعرُبُ
ولو أنَّها في عصرِ قومٍ تقدَّموا / لكانتْ بأفواهِ البريَّةِ تُخْطَبُ
واِنْ رامَها غيري وحدَّثَ نفسَهُ / ضلالاً بما فيها مِن الفضلِ يَتعَبُ
فهنَّ لأربابِ المنائحِ مفخرٌ / وهنَّ لأربابِ المدائحِ مكسبُ
ويختارُها عقلُ الأريبِ قينثني / اليها ويُمسي عن سواها يُنكَّبُ
وما فاحَ عرفُ المسكِ إلا وجدتَهُ / يُحدَّثُ أن العرفَ منهنَّ أطيبُ
أضرَّ بعيني دمعُها وانسكابُهُ
أضرَّ بعيني دمعُها وانسكابُهُ / على طللٍ أعيا عليَّ جوابُهُ
أخاطبُه بعدَ الأنيسِ وما الذي / يُفيدُ وقد سارَ الفريقُ خطابُهُ
عُلالةُ مشغوفٍ يزيدُ غليلَهُ / ضِرامُ الهوى بعد النوى والتهابُهُ
متى كَظَّهُ مِن جاحمِ الشوقِ زفرةٌ / أعدَّتْ تؤمُّ المازِمَيْنِ ركابُهُ
نجائبُ ما هابتْ مِنَ الخَرْقِ بُعْدَهُ / ولا غرَّها مِن بعدِ ظِمءٍ سرابُهُ
يسائلُ هل عادَ الخليطُ إلى الحمى / وقد طالَ تطلاباً لليلى اغترابُهُ
واِنْ لمعتْ مِن جانبِ الغَورِ لمعةٌ / بكاها بدمعٍ لا يَجِفُّ سحابُهُ
يطولُ على بالي الديارِ بكاؤهُ / ويعلو على خالي الربوعِ انتحابُهُ
بكاءُ مشوقٍ بانَ عنه قرينُهُ / كما بانَ عنه قبلَ ذاكَ شبابُهُ
فيا ليت شعري هل يعودُ زمانُه / كما راعَ قلبي حين طارَ غرابُهُ
وهيهاتَ لا يُرْجَى وقد بانَ عودُهُ / ومَنْ لي به لو كان يُرْجَى اِيابُهُ
اِذا صدَّ مَنْ تهواه من غيرِ علَّةٍ / وأصبحَ فيه لا يُفيدُ عتابُهُ
وزادَ على مُرَّ التجني وأمسيا / يزيدان قبحاً صَدُّه واجتنابُهُ
فسيّانِ بَعْدَ الهجرِ عندي وبعدما / يصدُّ زوراراً بُعْدُهُ واقترابُهُ
أحبَّتنَا رفقاً بصبًّ نقضتمُ / عُرى عهدِه ظلماً فزادَ اكتئابُهُ
وأصبحَ مغلوبَ التجلُّدِ كلَّما / بدتْ مِن أعالي الأبرقَيْنِ هضابُهُ
يَحِنُّ إلى مَنْ حلَّ في جنباتهِ / ويهوى الذي أمستْ تَجِنُّ قِبابُهُ
ويَسلُبهُ ظبيُ العقيقِ سُهادَهُ / ويُسكِرُه مِن غيرِ خَمْرٍ رُضابُهُ
ويُعجِبُهُ مَرُّ النسيم إذا سرى / اليه بعَرْفٍ أَكْسَبَتْهُ ثيابُهُ
ويُذكِرُه طيفُ الخيالِ ازديارَهٌ / اِذا نابَ عن طيبِ الوصالِ كتابُهُ
واِنْ لاحَ مِن أرضِ اليمامةِ بارقٌ / وطالَ على متنِ السحابِ انتصابُهُ
وأومضَ كالسيفِ الصقيلِ مجرداً / وفارقَهُ مِن بعدِ لأي قِرابُهُ
سَقَيْتُ بدمعي ماحِلَ الربعِ فانثنى / على سُحُبِ الأجفانِ يُثني تُرابُهُ
وضاقتْ بهامي الدمعِ منه طلولُهُ / وغُصَّتْ بباديَّ الدموعِ رحابُهُ
وقلتُ له لا تَحْفَلَنَّ بباخلٍ / مِنَ القَطْرِ لا يَهمي عليكَ ربابُهُ
ففي هذه الأجفانِ بحرٌ إذا وَنَتْ / عليكِ عِشارُ السُّحبِ جاشَ عُبابُهُ
وفي هذه الأشعارِ شعرٌ منقَّعٌ / يَعِزُّ على أهلِ القريضِ طِلابُهُ
كشعري الذي أضحى إلى العَرَبِ الأولى / ويكفيهِ مِن دونِ القريضِ انتسابُهُ
يضوعُ إذا أنشدتُه في محافلٍ / مِنَ الناسِ بينَ الخافقينِ مَلابُهُ
واِنْ غابَ عن أفكارِ قومٍ صحيحةٍ / غدا والى فكري الصحيحِ انتسابُهُ
ويَفْعَلُ في العقلِ الصحيحِ سماعُه / مِن السُّكرِ فِعلاً لم ينلْهُ شرابُهُ
اِذا ما أخذتُ الطِرسَ والقلمَ الذي / يسيرُ بهذي السائراتِ لعابُهُ
فأيُّ نظيمٍ ما أُحمَّرُ وجهَهُ / وأيُّ عليمٍ في الزمانِ أهابُهُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025