أرِيحُ الصَّبا هَبَّتْ عَلَى زَهرِ الرُّبَا
أرِيحُ الصَّبا هَبَّتْ عَلَى زَهرِ الرُّبَا / فأصْبَحَ منها كلُّ قُطْرٍ مُطَيَّبا
أمِ الرَّاحُ أهْدَتْ للرِّياحِ خمارَها / فأسْكَرَ مَسْرَاهَا الوُجُودَ وطَيَّبا
ألمْ تَرَني هَزَّ التَّصابي مَعاطِفي / وراجَعَني ما راقَ مِنْ رَوْنَقِ الصِّبا
فمنْ مُخْبِري ماذا السُّرُورُ الذي سَرَى / فلا بُدَّ حَتْماً أنْ يكونَ لهُ نَبَا
فقالوا أعادَ اللَّهُ للناسِ فَخْرَهُم / وَلِيَّاً إلى كلِّ القلوبِ مَحَبَّبا
فقلت أَفَخْرُ الدِّينِ عثمانُ قال لي / بَلَى قُلْ له أهْلاً وَسَهْلاً وَمَرْحَبا
وقال الورَى للَّهِ دَرُّكَ قادِماً / سُقِينا به من رحمةِ اللَّهِ صَيِّبا
ونادَى مُنادٍ بينهم بِقدُومِهِ / فَرَهَّبَ منهُم سامِعينَ ورَغَّبا
فأَوْسَعَهُمْ فضلاً فآمَنَ خائِفاً / وَأنْصَفَ مظلوماً وَأخْصبَ مُجْدِبا
وقد أخَذَتْ منه البسيطةُ زِينةً / فَفَضَّضَ منها الزهرَ حَلْياً وذَهَّبا
فيا فرحَةَ الدُّنيا وَفَرحَةَ أهلها / بِيَوْمٍ له مِنْ وَجْهِ عثمانَ أعربا
وشاهد منهُ صُورةً يُوسُفِيَّةً / تباهَى بها في الحُسْنِ وَالبَأْسِ مَوْكِبا
مُفَوِّضُ أمْرِ العالمينَ لِرَأْيه / فكان بهمْ أوْلَى وأدرَى وأذْرَبَا
أعيدُوا على أسماعِنا طِيبَ ذِكْرِهِ / لِيُطْفِئَ وجْداً في القلوب تَلَهَّبَا
ولا تَحْجُبُوا الأبصارَ عَنْ حُسْنِ وجهِه / فقدْ كانَ عنها بالبِعادِ مُحَجَّبا
وَلِيٌّ إذا ضاقتْ يَدِي وَذكَرْتُهُ / مَلَكْتُ نِصَاباً أوْ تَوَلَّيْتُ مَنْصِبا
تَوَسَّلْ به في كلِّ ما أنتَ طالبٌ / فكم نلتُ منهُ بالتوسُّلِ مطلبا
وعِشْ آمِناً في جاهِهِ إِنَّ جاهَهُ / لِقُصَّادِهِ راضَ الزمانَ وهَذَّبا
تَغَرَّبْتُ يَوْماً عَنْ بِلادِي وزُرْتُهُ / فَنِلْتُ غِنَىً ما نَالَهُ مَنْ تَغَرَّبَا
على أنني ما زِلْتُ مِنْ بَرَكاتِهِ / غنِيّاً وفي نَعْمائِهِ مُتَقَلِّبَا
وكُنْتُ لِمَا يَرْضَاهُ بالغيبِ فاعِلاً / وَكُنْتُ لِمَا لَمْ يَرْضَهُ مُتَجَنِّبا
ولا كان دِيناري مِنَ النُّصحِ بَهرَجاً / لَدَيْهِ ولا بَرْقِي مِنَ الوُدِّ خُلَّبا
أمَوْلايَ أَنْسَيْتَ الوَرَى ذِكْرَ مَنْ مَضَى / وأغنى نَداك المادحينَ وأَتعَبا
ولِي أدبٌ حُرٌّ أُحَرِّمُ بَيْعَهُ / وما كانَ بَيْعُ الحُرِّ لِلحُرِّ مَذْهَبَا
وقد أَهْجُرُ العذْبَ الزُّلالَ عَلَى الصَّدَى / إذَا كَدَّرَتْ لِي السَّمْهَريَّةُ مَشْرَبا
وأَنْصِبُ أَحْياناً شِباكَ قَنَاعَةٍ / أَصِيدُ بها نُوناً وَضَبَّاً وجُنْدبا
ومَهْمَا رآني شَاعِرٌ مُتَأَسِّدٌ / تَذأَّبَ منها خِيفَةً وتَثَعْلَبَا
أُراقِبُ مَنْ عَاشَرْتُ منهم كأنَّني / أُراقِبُ كلباً أَوْ أُراقِبُ عَقْرَبا
كأني إذا أهْدِيهِمُ عَنْ ضَلالِهِمْ / أُبَصِّرُ أَعْمىً أَوْ أُقَوِّمُ أَحْدَبا
فلا بُورِكَ المُسْتَخْدمونَ عِصابةً / فكمْ ظالمٍ منهم عَلَيَّ تَعَصَّبا
إذَا ما بَرَى أَقْلامَهُ خلْتُ أَنَّه / يَسُنُّ لَهُ ظُفْرَاً وناباً ومِخْلَبَا
يغالِطُني بعضُ النَّصَارَى جَهالةً / إذا أَوْجَبَ المُلْغَى وَأَلْغَى المُوجَّبَا
ومَا كانَ مَنْ عَدَّ الثَّلاثَةَ وَاحداً / بِأَعْلَمَ مِنِّي بالحِسَابِ وأكْتَبَا
وَما الحَقُّ في أَفْوَاهِ قومٍ كأنّها / أَوَانٍ حوَتْ ماءً خَبِيثاً مُطَحْلَبَا
مُفَلَّجَةٍ أَسْنَانُها فكأنَّها / أَصَابَ بها الزِّنْجَارُ أَحْجَارَ كَهرَبا
كأنَّ ثَناياهُم من الخَبَثِ الذي / تَحَصْرَمَ في نِيَّاتِهِمْ وتَزَبَّبا
عجِبْتُ لِأمرٍ آلَ بالشَّيْخ مخْلصاً / إلى أَنْ يُعَرَّى كاللُّصوصِ وَيُضْرَبا
بَكَيْتُ لَهُ لَمَّا كَشَفْتُ ثيابَهُ / وأَبْصرتُ جسماً بالدِّماءِ مُخَضَّبا
وَحَلَّفْتُهُ باللَّهِ ما كانَ ذَنْبُهُ / فأَقْسَمَ لِي باللَّهِ ما كانَ مُذْنِبَا
وَلكنْ حبيبٌ راحَ فِيَّ مُصَدِّقاً / كلامَ عَدُوٍّ ما يزالُ مُكَذّبا
فقلت ومن كان الأَميرُ حبيبَه / فلا بد أَنْ يَرضَى عليه وَيَغْضَبا
فصَبْراً جميلاً فالمُقدَّرُ كائِنٌ / فقد كانَ أمراً لم تجِدْ منهُ مَهْرَبَا
فإبليسُ لَمَّا كانَ ضِدَّاً لِآدمٍ / تَخَتَّلَ في عِصْيانِهِ وَتَسَبَّبَا
وقد كانت العُقْبَى لآدمَ دونَه / فتابَ عليه اللَّهُ مِنْ بعْدُ وَاجْتَبَى
وَمِنْ قبْلِ ذَا قد كُنتُ إذ كُنتَ ذاكِراً / نَهَيْتُكَ أنْ تَلْقَى الأَميرَ مُقَطِّبَا
دَعَاكَ إلى أَمرٍ مُهِمٍّ فجِئْتَهُ / كَأَنَّكَ في عُرْسٍ أَتَيْتَ مُشَبّبا
فلا تنْسَ فينا للأَميرِ قضِيَّةً / فَتَفْتَحَ باباً لِلْعِتَابِ مُجَرَّبا
وَإياكَ أَنْ تُبْطِي عَلَيَّ بِرَاتبي / فيَبْقَى عليكَ اللَّومُ منه مُرَتَّبا
وَخَف صارِماً هَزَّ المَدِيحُ فِرِنْدَهُ / حَبِيبٌ إِليه أَنْ يُهَزَّ ويُنْدَبَا
فلا فارَقتْ منه السَّعَادَةُ قائماً / وَلا فَلَّتَتْ منه الحَوادِثُ مَضْرِبا
ولا زالَ دينُ اللَّهِ يَرْضَى الَّذي قَضَى / به في بَنِي الغالِي وَيأبى الذي أبَى