القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : مَعرُوف الرُّصافِيّ الكل
المجموع : 8
جمالك يا وجه الفضاء عجيب
جمالك يا وجه الفضاء عجيب / وصدرك يأبى الانتهاء رحيب
وعينُك في أم النجوم كبيرةٌ / تضيء على أن الضياء لهيب
وما زلت تغضيها فنُخطئ قصدنا / وتفتحها برّاقةً فنصيب
فيحمرّ منها في الغَدّية مطلع / ويصفرّ منها في العشيّ مغيب
ويخلفها البدر المنير حفيدها / وعنها إذا جنّ الظلام ينوب
وليلٍ كأنّ البدر فيه مليحةٌ / أغازلها والنيّرات رقيب
سريت به والبحر رهوٌ بجانبي / وردُن النسيم الغضّ فيه رطيب
فشاهدت فيه الحسن أزهر مشرقاً / له في العلا وجهٌ أغرّ مهَيب
ورحت وأهل الحيّ في قبضة الكرى / وفي الليل صمتٌ بالسكون مشوب
فكنت كأنّي أسمع الصمت سارياً / له بين أحشاء الفضاء دبيب
ولو أنّ صمت الليل لم يك مطرباً / لما هزّ أعطاف النسيم هبوب
ألا أن وجه البحر بالنور ضاحك / طليق وثغر الماء فيه شنيب
ترقرق منساباً به الماء والسنى / فلم أدر أيّ اللامعين يسيب
وللبدر نورٌ يمنح البحر رونقاً / فيبدو كأنّ الماء فيه ضريب
إذا جمّش البحر النسيم تهلّلت / أسارير فيها للضياء وثوب
وقفت ولألاء السني يستخفّني / فتطرب نفسي والكريم طروب
أردّد بين البدر والبحر ناظري / قيصعد طرفي مرة ويصوب
تأمّلت في حسن العوالم مَوهِناً / فجاش بصدري الشعر وهو نسيب
كأنّي وعُّلويَّ العوالم عاشقَ / أطلّ من الأعلى عليه حبيب
فقام له مستشرفاً ويمينه / تشدّ ضلوعاً تحتهنّ وجيب
ولما رأيت الكون في الأصل واحداً / عجبت لأن الخلق فيه ضروب
ألا أن بطناً واحداً أنتج الورى / كثيرين في أخلاقهم لرغيب
وإن فضاءً شاسعاً قد تضاربت / بأبعاده أيدي القوى لرهيب
وإن اختلاف الآدميين سيرةً / وهم قد سلووا صورة لعجيب
وأعجب ما في الكائنات ابن آدم / فما غيره في الكائنات مريب
يذمّم فعل السوء وهو حليفه / ويحمد قول الصدق وهو كذوب
رأيت الورى كلاًّ يراقب غيره / فكلّ عليه من سواه رقيب
ومن أجل هذا قد نرى كل فاعل / إلى الناس في كلّ الفِعال ينيب
فكم حَمَل في مجمع القوم يُتّقى / به ثعلب عند الخلاء وذيب
ولو باح كلٌّ بالذي هو كاتمٌ / لما كان في هذا الأنام أديب
وليس يجدّ المرء إلاّ تكلُّفاً / وذاك لأن الطبع فيه لعوب
ويجتنب المرء العيوبَ لأنّها / لدى عائبيه لا لديه عيوب
رئاء قديم في الورى شقيت به / قبائل منهم جَمةٌ وشعوب
ورَّبتَ أخلاق يراها خبيثةً / اناس وعند الآخرين تَطيب
وحلم الفتى عند الضعيف فضيلةٌ / ولكنه عند القوىّ مّعيب
وقد يفتري المال الفضائل للورى / وليس لهم مما افتراه نصيب
وللفقر بين الناس وجهٌ تبينّت / به حسنات المرء وهي ذنوب
لقد أحجم المثري فسّموه حازماً / وأحجم ذو فقرٍ فقيل هيوب
وإن يتواضع مُعدمِ فهو صاغرٌ / وإن يتواضع ذو الغنى فنجيب
وذو العُدم ثرثار بكثر كلامه / وذو الوُجد منطيق به ولبيب
وللناس عادات كثير تقودهم / فكلّ امرئ منهم لهنّ جنيب
وهنّ إذا ما يأكلون أكيلهم / وهنّ إذا ما يشربون شريب
أبو أن يحيدوا ضلّة عن طريقها / وإن مسّهم من أجلهن لغوب
هي الداء أعيا الأولين فهل له / على عقمه في الآخرين طبيب
نعى البرق من باريس ساسون فاغتدت
نعى البرق من باريس ساسون فاغتدت / ببغداد أم المجد تبكي وتندب
ولا غروَ أن تبكيه إذ فقدت به / نواطق أعمال عن المجد تعرب
لقد كان ميمون النقيبة كلما / تذوّقته في النفس يحلو ويعذب
تشير إليه المكرمات بكفّها / إذا سئلت أي الرجال المهذّب
ألا لا تقل قد مات ساسون بل فقل / تغوّر من أفق المكارم كوكب
فلا عجب أن راح في الغرب ثاوياً / فإن النجوم الزهر في الغرب تغرب
فقدنا به شيخ البرلمان ينجلي / به ليلة الداجي إذا قام يخطب
وكان إذا ما قال أوجز قوله / ولكنّه في فعله الخير مسهب
وكانت له في الترك قبلاً مكانة / بها كل ذي فضل من الترك معجب
وزين النهى لا يستخفّ حصاته / مع الغيد ملهى أو مع الصيد ملعب
تضجّ الملاهي وهو كالطود شامخ / فلم تلقه إلا من المجد يطرب
وما سرّه من دولة العجم رتبة / ولا غره من دولة العُرب منصب
لقد كان في الأوطان يرأب صدعها / فيسعى إلى الإصلاح فيها ويدأب
فأصغى لشكواها وزيراً ونائباً / وعالجها منه الطبيب المجرّب
وأبعد مرمى حبّها في شبابه / وجاهد في إسعادها وهوأشيب
لئن كنت يا ساسون غيبك الردى / لذكراك في العلياء لا تتغيب
رزئناك مِفضالاً ففقدك محزن / ومسعاك محمود وذكرك طيّب
هل الدهر إلا أعجميّ أخاطبه
هل الدهر إلا أعجميّ أخاطبه / فما لي إلى فهم الحديث أجاذبه
أيَثْني إلى وجه اللئيم بوجهه / ويرتدّ مُزورّاً عن الحُرّ جانبه
أراه إذا طارحته الجِدّ لاعباً / وما أنا ممن يا أميم يلاعبه
ويضرب أطناب المُنى لي هازلاً / وما أنا مخدوع بما هو ضاربه
وبيناه يبدي لي ابتسامة خادع / يُقطّب حتى لا تَبينَ حواجبه
لقد أضحكت غير الحليم شُؤونه / وأبكت سوى عين السفيه نوائبه
فيا أدباء القوم هل تنقضي لكم / شكاية دهر حاربتكم مصائبه
يَشُدّ عليكم بالسيُوف نكاية / وَأقلامكم وهو الأصمّ تعاتبه
هو الدهر لم يسلم من الغيّ أهله / كما الليلُ لم يأمَنْ من الشر حاطبه
إذا آنسوا نور الحقيقة رابهم / فتجثو على الأبصار منهم غَياهبه
تضاربت الأهواء فيهم فناكبٌ / عن الشرّ يُقصيه وآخر جالبه
طبائعهم شتّى على أن بينهم / كريماً تُواليه ووغداً تُجانبه
لعمرك حتى البرق خالف بعضَه / فقد خولفت بالموجبات سوالبه
أبت حركات الكون إلا تَبايناً / دوافعه فَعّالة وجواذبه
ولولا أختلاف شاءه اللّه في القوى / لما دار في هذا الفضاء كواكبه
سَبَرت زماني بالنُهَي ومَخَضْته / بتجربتي حتى تجلّت عواقبه
ولم أستشر في الناس إلاّ تجاربي / وهل يَصْدُق الأنسانَ إلاّ تجاربه
فلا ترتكب قرب اللئام فإنهم / لكالبحر محمول على الهول راكبه
وما عجبي في الدهر إلاّ لواحد / وأن كثرت في كل يوم عجائبه
وذلك أن العيش فيه مُطيَّب / لمن خَبُثت بالمخُزيات مكاسبه
ولو كان في أعماله الدهر عاقلاً / لما كان مثلي في الورى مَن يُحاسبه
ولو كان يكن في كل ما فيه خادعاً / لما أمَّ فيه صادقَ الفجر كاذبه
ألا ربّ شيطان من الأنس قد غدا / يُخاتلني خَلساً وعيني تراقبه
فقلت له أخسأ إنما أنت خائب / وقبلك أعيا الجنّ ما أنت طالبه
فوَلّى على الأعقاب يحبو وقد دَرى / وللّه دَرّى أنني أنا غالبه
فأتبَعَه مني شهاب تسامح / يَشُق ظلام الجهل بالحلم ثاقبه
ولو شئت أرسلت الخَديعة خلفه / تطارده حتى تضيق مذاهبه
ولكن أبي منّي الخِدالع مهذَّب / تعوَّدِ فعل الخير مُذ طَرُّ شاربه
وذي سفه أغضَيْت عنه تكَرُّماً / فَدَبّت على رجليّ غدراً عقاربه
فقمت له بالنَعل ضرباً فلم تزل / يدايَ به حتى اطمأنّت غواربه
وجنّبته السيف الجُراز لأنه / تعالت عن الكلب العَقور مَضاربه
لقد عابني جهلاً ولم يدر أنّه / أقلّ فِداءٍ للذي هو عائبه
له نسبة مجهولة غير أنه / مَغامزه معلومة ومعايبه
هي النفس أغشى في رضاها المعاطبا
هي النفس أغشى في رضاها المعاطبا / وأحمل منها بين جنبَيّ قاضِبا
تكلّفني أن أخبط الليل بالسُرى / وأن أمتطي فيه من الهَول غاربا
وتُنهضني للمجد بالعزم ماضياً / وبالهمّ مقلاقاً وبالرأي صائبا
ولم ترضَ إلاّ كالجبال مَعزّةً / ولم تهوَ إلاّ كالشموس مناقباً
إذا أنا أنزلت النجوم لأرضها / أبَتهنّ إلاّ أن يكنّ ثواقبا
وترفُض مني كل عيش منعَّم / إذا ازوَرّ ذاك العيش بالذلّ جانبا
ولم تَبغ لي إلاّ الحقيقة بُغيةً / ولم ترض لي إلاّ الكريم مصاحبا
تقول إذا أوردتها ماء مِذنَب / رد البحر بي غَمراً وخلّ المذانبا
وإني لأشكوها إليها تظلُّماً / فأرجع عنها بعد شكواي خائباً
على أن لي منها حصاةً رَزينة / قتلت بها كل الأمور تجاربا
لقد تِعبَت فيما تروم من العلا / كذلك نفس الحرّ تلقى المتاعبا
ألم تر ما لاقى ابن لبنان في العلا / من الأْين لما ساح في الأرض ضاربا
تيمَّم من بعد الحجاز تهامة / وراح إلى صنعاء يُزجي الركائبا
وجاء إلى أرض العراقين مُبحراً / وكرّ إلى مجد يجوب السَباسبا
ليجمع من أبناء يعرب شملهم / ويَقضي حقاً للمَواطن واجبا
أخو هِمّة لو مدّ باعاً إلى العُلا / لأوشك منها أن ينال الكواكبا
له قلم عزّ القرائح شاعراً / كما ابتزّ فُرسان البلاغة كاتبا
لقد زُرت نجداً يا أمين فقل لنا / أتذكر من أخبار نجد جوائبا
فما حالة الإخوان فيها فإننا / نرى الناس عنهم يذكرون الغرائبا
فهل كفَّروا من ليس يُرسل لحية / وهل فَسّقوا من ليس يحفي الشواربا
وما أنا من قوم يدينون باللحى / ولم يقبلوا إلاّ من الحَلْق تائبا
ودع عنك أخبار العراق فإنني / لأعلم منها ما يَفُوق العجائبا
فويحاً لأهل الرافدين إذ انطووا / على اليأس من نور يشُق الغياهبا
لهم ملك تأبى عِصابة رأسه / لها غير سيف التيمسيين عاصبا
لقد عاش في عزّ بحيث أذلّهم / وقد ساءهم من حيث سرّ الأجانبا
وليس له من أمرهم غير أنه / يُعَدّد أياماً ويأخذُ راتبا
تبوَّأ عرش الملك لا بحُسامه / ولا كان في يوم له الشعب ناخبا
ولكن بطيّارات قوم تطايرت / فكانت من شُواظٍ سحائبا
ألا عَدّ عمّا في العراق فإنني / أراه بأخلاق الزمان مَعايبا
معايب لو أني هتكت ستارها / لأرسلت منها للمُعاند حاصبا
فلا تحسبنْه أنه ذو حكومة / ولو ضرّبوا ظلماً عليه الضرائبا
لئن ألَّفُوا بالكذب فيه وِزارة / فإنّ بها للكاذبين مآربا
وإنيّ لأهوى الفجر إن كان صادقاً / وتُنكر عيني الفجر إن كان ماذبا
تبسّم لبنان بعَوْد أمينه / وأضحى لأذيال المسرَّة ساحبا
أخا الفضل قد آنَست لبنان حاضراً / كما كنت قد أوحشت لبنان غائبا
وما أنت إلاّ يُبهج طالعاً / ويُحزن آفاق المواطن غاربا
محّييك في بغداد إذ جئت قادماً / يحييك في بيروت إذ جئت آيبا
ألا انهض وشمِّر أيها الشرق للحرب
ألا انهض وشمِّر أيها الشرق للحرب / وقبِّل غِرار السيف واسل هوى الكتب
ولا تغتر أن قيل عصر تمدُّن / فإن الذي قالوه من أكذب الكذب
ألست تراهم بين مصر وتونس / أباحُوا حِمى الإسلام بالقتل والنهب
وما يُخذ الطليان بالذنب وحدهم / ولكن جميع الغَرب يؤخذ بالذنب
فإني أرى الطليان منهم بمنزل / يُعدّ وهم يُغرونه منزل الكلب
فلولاهم لم يَنقُضِ العهد ناقض / ولا ضاع حقّ في طرابُلُس الغرب
بلاد غدت في الحرب تندب أهلها / فتبكي وتستبكي بني الترك والعُرب
قد اغتالها الطليان وهي بمضجع / من الأمن لم يُقضِض برعب على الجنب
فما انتهبت إلاّ لصرخة مِدفع / وما نهضت إلاّ إلى موقف صعب
فأمست وأفواه المدافع دونها / تمُجّ عليها النار كالوابل السكب
صواعق من سُحب الدخان تدُكّها / وتنسفها نسف الزلازل للهضب
غدت ترتمي فيها عشيّاً وبُكرة / فلا يابساً أبقت ولم تُبق من رطب
وما أن شكا من عضّة الحرب أهلها / ولكنهم شاكونْ من غصَة الجدب
فما خفقت عند الهياج قلوبهم / ولا أخذت أعصابهم رجفة الرُعب
ولكن جرت نُكب الرياح بأرضهم / فجرَّت عليها كلكل الحِجج الشهب
يعزّ علينا أهل برقة أنكم / تدور عليكم بالدمار رَحى الحرب
وأنا إذا ما تستغيثون لم نجد / إليكم على بُعد المسافة من درب
وقد علم الأعداء أن سيوفنا / تململ في الأغماد شوقاً إلى الضرب
ولكن هو البحر الذي حال بيننا / فلم نستطع زحفاً على الضُمَّر القُب
ولولاه فاجأنا العدوّ بفيلق / يبين ضحاً من هَوله مطلع الشهب
فيا بحر فاجمد أو فغُر إن جيشنا / عليك غدا كالبحر يَزخَر بالعتب
ويا سحب هلاَ تنزلين فتحملي / إلى الحرب جيشنا ينشر النقع كالسحب
ويا ريح قد ضِقنا فهل لك طاقة / بحمل منايانا إلى المعرك الرحب
إلى خير أرض داسها شرّ معشر / بأرجلهم قُطّعن من أجرل جُرب
أما والعلا يا أرض برقة إننا / لنشرَق من جرَاك بالبارد العذب
نراك على بُعد تُسامين ذِلةً / فيحزُننا أن لم نكن منك بالقُرب
وما نحن إلاّ الليث شُدَّت قيوده / وأُلقي حياً شبله في فم الذئب
يرى الشبل مأكولاً فيزأر مُوثَقاً / ويضرب كفَّيه على الأرض للوثب
فلا يستطيع الوثب إلاّ تمطِّياً / وزَأراً وانشابَ المخالب بالترب
ويا أهل بنغازي سلام فقد قضت / صوارمكم حق المّواطن في الذَب
حميتم حمى الأوطان بالموت دونها / وذاك بما فيكم لهنّ من الحبّ
ومن مبلغ عنا السَنوسيّ أنه / يمدّ لهذا الصدع منه يدَ الرَأب
فإنا لنرجو أن يقود إلى الوغى / طلائع من خيل ومن إبل نُجْب
فيَحمي بلاد المسلمين من العدى / وينهض كشافاً لهم غُمّة الخطب
فإن حشا الإسلام أصبح دامياً / إلى الله يَشكو قلبه شدة الكرب
فقم أيها الشيخ السنوسي مُدرِكاً / جنود بني عثمان في الجبل الغربي
وكن أنت بين الجُند قطب رحى الوغى / وهل من رحى إلاّ تدور على قُطب
ويا معشر الطليان قُبّحت معشراً / ولا كنت يا شعب المخانيث من شعب
تركت وراء البحر مَزحف جيشنا / وأججت ناراً في طرابلس الغرب
أتحسب هاتيك الديار وقد خَلَت / من الجند تخلو من ضراغمة غُلْب
فما هي إلاّ أرض أكرام معشر / من العُرب لم تنبت سوى البطل الندب
سترجع عنها بالفضيحة ناكصاً / وتَذكرك الأيام باللعن والسَبّ
مشيتم إلينا معجَبين بجمعكم / تظنون حرب المسلمين من اللعب
فلما حللتم أرضنا ذقتم الردى / بأسيافنا حتى صحوتم من العُجب
سنُلبسكم ثوب المهالك ضافياً / ونحملكم منها على مَركب صعب
ونستَمطِر الأهوال حتى نُخيضكم / بسيل دم فوق البسيطة منصّب
وما دعوة البابا لكم مستجابة / فقد أغضبت طغواكم غَيرة الرَبّ
أجل إنكم أغضبتم الله فاتقُوا / وإن رضِيَت تلك الحكومات في الغرب
أيا زعماء الغرب هل من دلالة / لديكم على غير الخديعة والكذب
تقولون إن العصر عصر تمدُّن / أمن ذلكم قتل النفوس بلا ذنب
ألم تُبصروا القَتْلى تمجّ دماءها / على الأرض والجرحى يئنون في الحرب
أفي الحق أم في العلم أن لا يسوءكم / ويُخجلكم شنّ الإغارة للغصب
وهل أغْلَفَت هذي العلومُ قلوبكم / بأغْطِية قُدّت من الحجر الصُلب
كذبتم فإن العصر عصر مطامع / تُقَدّ لها الأوداج بالصارم العضب
فلا تُغضبوا الإسلام إن سيوفه / مواضٍ كما قد كُنّ في سالف الحُقب
تذكرت في أوطانيَ الأهل والصحبا
تذكرت في أوطانيَ الأهل والصحبا / فأرسلت دمعاً فاض وابله سكبا
وبتّ طريد النوم أختلس الكرى / بشاخص طرفٍ في الدجى يرقب الشهبا
كئيب كأن الدهر لم يلق غيره / عدوّاً فآلى لن يهادنه حربا
يقلّ كروباً بعضها فوق بعضها / إذا ما رمى كرباً رأى تحته كربا
وإنّي إذا ما الدهر جرّ جريرةً / لتأنف نفسي أن أكلّمه عتبا
وقد علم القوم الكرام بأنني / غلام على حبّ المكارم قد شباً
وإني أخو عزم إذا ما انتضيته / نبا كل عضب عنه أو أنكر الضربا
وإني أعاف الماء في صفو القذى / وإن كان في أحواضه بادراً عذبا
ولكنّ لي في موقف الشوق عبرة / تُساقط من أجفانيَ اللؤلؤ الرطبا
إذا ضربت أوتار قلبي شجونه / بدت نغمات ترقص الدمع منصبّا
وقاطرةٍ ترمي الفضا بدخانها / وتملأ صدر الأرض سيرها رعبا
لها منخر يبدي الشواظ تنفساً / وجوف به صار البخار لها قلبا
تمشّت بنا ليلاً تجرّ وراءها / قطاراً كصفّ الدوح تسحبه سحبا
فطوراً كعصف الريح تجري شديدةً / وطوراً رخاءً كالنسيم إذا هبّا
تساوى لديها السهل والصعب في السرى / فما استسلهت سهلاً ولا استصعبت صعبا
ندكّ متون الحزن دكاً وإنها / لتنهب سهل الأرض في سيرها نهبا
يمرّ بها العالي فتعلو تسلّقاً / ويعترض الوادي فتجتازه وثبا
وتخترق الطود الأشم إذا انبرى / وقد وجدت من تحت فنّته نقبا
يرنّ بجوف الطود صوت دويّها / إذا ولجت في جوفه النفق الرحبا
لها صيحة عند الولوج كأنها / تقول بها يا طود خلّ ليَ الدربا
وتمضي مضيّ السهم فيه كأنما / ترى افعواناً هائجاً دخل الثقبا
تغالب فعل الجذب وهي ثقيلة / فتغلب بالدفع الذي عندها الجذبا
طوت بالمسير الأرض طيّا كأنها / تسابق قرص الشمس أن يدرك الغربا
وما أن شكت أينا ولا سئمت سرىً / ولا استهجنت بعداً ولا استحسنت قربا
عشيّة سارت من فروق تقلّنا / وتقذف من فيها بوجه الدجى شهبا
فما هي إلا ليلة ونهارها / وما قد دعونا من سلانيك قد لبّى
فجئنا ولم يعي الصفار مطيّنا / كأن لم نكن سفراً على ظهرها ركبا
تعاليت يا عصر البخار مفضّلاً / على كل عصر قد قضى أهله نحبا
فكم ظهرت للعلم فيك معاجز / بها آمن السيف الذي كذّب الكتبا
تظاهرت من فعل البخار بقوّة / يُذلّل أدنى فعلها المطلب الصعبا
وأُقسم لو لا الكهرباء فوقه / لقلت على كل القوى ته به عجبا
هو العلم يعلو في الحياة سعادة / ويجعلها كالعلم محمودة العقبى
فكلّ بلاد جادها العلم أمرعت / رباها وصارت تنبت العزّ لا العشبا
متى ينشئ الشرق الذي اغبّر أفقه / سحابة علم تمطر الشرف العذبا
فإنّ دبور الذلّ ألوت بعّزه / وكادت سموم الجهل تحرقه جدبا
تبصّر إذا دارت رحى الشرق هل ترى / سوى الجهل في أثناء دورتها قطبا
سيوف لحاظ أم قسيّ حواجب
سيوف لحاظ أم قسيّ حواجب / تريش إلى قلبي سهام المعاطب
وربّ كعاب أقبلت في غلائل / وقد لاح لي منها حليّ الترائب
لها جيد ظبيٍ واعتدال وشيجة / وعين مهاة وائتلاق الكواكب
ولا عيب فيها غير أن أولي الهوى / ينادونها في الحسن بنت العجائب
نضت عن محيّاها النقاب عشيّةً / فأسفر صبح الحسن من كل جانب
ومذ نشرت سود الذوائب أولجت / نهار محيّاها يليل الذوائب
تناسب فيها الحسن حتى رأيتها / تفوق الدمى في حسن ذاك التناسب
مفتّرة الأجفان تدمي بلحظها / قلوب أسود مدميات الكتائب
فلم أنسها واللهّ يوم تعّرضت / لنا بين هاتيك الظباء السوارب
وما كنت أدري ما الصبابة قبلها / ولاهمت يوماً في الحسان الكواعب
فأصبحت فيها ذا غرام ولوعة / ووجد وتهيام وهمّ مواظب
وما الصبر إلاّ غائب غير حاضر / وما الشوق إلا حاضر غير غائب
إلى كم تصبّ الدمع عيني وتسكب
إلى كم تصبّ الدمع عيني وتسكب / وحتّام نار البين في القلب تلهب
أبيتولي وجد يشبّ ضرامه / ودمع له في عارضيّ تصّبب
وهل لمشوق خانه الصبر عنكم / سوى دمعه فهو الدواء المجرّب
ألا أن يوماً جرّد البين سيفه / علي به يوم شديج عصبصب
فيا ليت شعري هل أفوز برؤيتي / محيّاً له كل المحاسن تنسب
وعينيك لا أسلوك أو يصبح السها / وشمس الضحا في ضوئه تتحجّب
فإني كما شاء الهوى بك مغرم / وأنت كما شاء الجمال محّبب
أحنّ إلى رؤياكم كلما سرى / نسيم وأبكي كلما لاح كوكب
وأذكركم للشمس عند طلوعها / ويعزب عني الصبر أيّان تغرب
لقد بان صبري يوم بينك إذ قضى / به صرف دهر لم يزل يتقلّب
تبصّر خليلي في الزمان فهل ترى / صفا فيه من وقع الشوائب مشرب
ومن نظر الدنيا وجرّب أهلها / رأى الغدر من أشداقّها يتحلّب

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025