المجموع : 8
جمالك يا وجه الفضاء عجيب
جمالك يا وجه الفضاء عجيب / وصدرك يأبى الانتهاء رحيب
وعينُك في أم النجوم كبيرةٌ / تضيء على أن الضياء لهيب
وما زلت تغضيها فنُخطئ قصدنا / وتفتحها برّاقةً فنصيب
فيحمرّ منها في الغَدّية مطلع / ويصفرّ منها في العشيّ مغيب
ويخلفها البدر المنير حفيدها / وعنها إذا جنّ الظلام ينوب
وليلٍ كأنّ البدر فيه مليحةٌ / أغازلها والنيّرات رقيب
سريت به والبحر رهوٌ بجانبي / وردُن النسيم الغضّ فيه رطيب
فشاهدت فيه الحسن أزهر مشرقاً / له في العلا وجهٌ أغرّ مهَيب
ورحت وأهل الحيّ في قبضة الكرى / وفي الليل صمتٌ بالسكون مشوب
فكنت كأنّي أسمع الصمت سارياً / له بين أحشاء الفضاء دبيب
ولو أنّ صمت الليل لم يك مطرباً / لما هزّ أعطاف النسيم هبوب
ألا أن وجه البحر بالنور ضاحك / طليق وثغر الماء فيه شنيب
ترقرق منساباً به الماء والسنى / فلم أدر أيّ اللامعين يسيب
وللبدر نورٌ يمنح البحر رونقاً / فيبدو كأنّ الماء فيه ضريب
إذا جمّش البحر النسيم تهلّلت / أسارير فيها للضياء وثوب
وقفت ولألاء السني يستخفّني / فتطرب نفسي والكريم طروب
أردّد بين البدر والبحر ناظري / قيصعد طرفي مرة ويصوب
تأمّلت في حسن العوالم مَوهِناً / فجاش بصدري الشعر وهو نسيب
كأنّي وعُّلويَّ العوالم عاشقَ / أطلّ من الأعلى عليه حبيب
فقام له مستشرفاً ويمينه / تشدّ ضلوعاً تحتهنّ وجيب
ولما رأيت الكون في الأصل واحداً / عجبت لأن الخلق فيه ضروب
ألا أن بطناً واحداً أنتج الورى / كثيرين في أخلاقهم لرغيب
وإن فضاءً شاسعاً قد تضاربت / بأبعاده أيدي القوى لرهيب
وإن اختلاف الآدميين سيرةً / وهم قد سلووا صورة لعجيب
وأعجب ما في الكائنات ابن آدم / فما غيره في الكائنات مريب
يذمّم فعل السوء وهو حليفه / ويحمد قول الصدق وهو كذوب
رأيت الورى كلاًّ يراقب غيره / فكلّ عليه من سواه رقيب
ومن أجل هذا قد نرى كل فاعل / إلى الناس في كلّ الفِعال ينيب
فكم حَمَل في مجمع القوم يُتّقى / به ثعلب عند الخلاء وذيب
ولو باح كلٌّ بالذي هو كاتمٌ / لما كان في هذا الأنام أديب
وليس يجدّ المرء إلاّ تكلُّفاً / وذاك لأن الطبع فيه لعوب
ويجتنب المرء العيوبَ لأنّها / لدى عائبيه لا لديه عيوب
رئاء قديم في الورى شقيت به / قبائل منهم جَمةٌ وشعوب
ورَّبتَ أخلاق يراها خبيثةً / اناس وعند الآخرين تَطيب
وحلم الفتى عند الضعيف فضيلةٌ / ولكنه عند القوىّ مّعيب
وقد يفتري المال الفضائل للورى / وليس لهم مما افتراه نصيب
وللفقر بين الناس وجهٌ تبينّت / به حسنات المرء وهي ذنوب
لقد أحجم المثري فسّموه حازماً / وأحجم ذو فقرٍ فقيل هيوب
وإن يتواضع مُعدمِ فهو صاغرٌ / وإن يتواضع ذو الغنى فنجيب
وذو العُدم ثرثار بكثر كلامه / وذو الوُجد منطيق به ولبيب
وللناس عادات كثير تقودهم / فكلّ امرئ منهم لهنّ جنيب
وهنّ إذا ما يأكلون أكيلهم / وهنّ إذا ما يشربون شريب
أبو أن يحيدوا ضلّة عن طريقها / وإن مسّهم من أجلهن لغوب
هي الداء أعيا الأولين فهل له / على عقمه في الآخرين طبيب
نعى البرق من باريس ساسون فاغتدت
نعى البرق من باريس ساسون فاغتدت / ببغداد أم المجد تبكي وتندب
ولا غروَ أن تبكيه إذ فقدت به / نواطق أعمال عن المجد تعرب
لقد كان ميمون النقيبة كلما / تذوّقته في النفس يحلو ويعذب
تشير إليه المكرمات بكفّها / إذا سئلت أي الرجال المهذّب
ألا لا تقل قد مات ساسون بل فقل / تغوّر من أفق المكارم كوكب
فلا عجب أن راح في الغرب ثاوياً / فإن النجوم الزهر في الغرب تغرب
فقدنا به شيخ البرلمان ينجلي / به ليلة الداجي إذا قام يخطب
وكان إذا ما قال أوجز قوله / ولكنّه في فعله الخير مسهب
وكانت له في الترك قبلاً مكانة / بها كل ذي فضل من الترك معجب
وزين النهى لا يستخفّ حصاته / مع الغيد ملهى أو مع الصيد ملعب
تضجّ الملاهي وهو كالطود شامخ / فلم تلقه إلا من المجد يطرب
وما سرّه من دولة العجم رتبة / ولا غره من دولة العُرب منصب
لقد كان في الأوطان يرأب صدعها / فيسعى إلى الإصلاح فيها ويدأب
فأصغى لشكواها وزيراً ونائباً / وعالجها منه الطبيب المجرّب
وأبعد مرمى حبّها في شبابه / وجاهد في إسعادها وهوأشيب
لئن كنت يا ساسون غيبك الردى / لذكراك في العلياء لا تتغيب
رزئناك مِفضالاً ففقدك محزن / ومسعاك محمود وذكرك طيّب
هل الدهر إلا أعجميّ أخاطبه
هل الدهر إلا أعجميّ أخاطبه / فما لي إلى فهم الحديث أجاذبه
أيَثْني إلى وجه اللئيم بوجهه / ويرتدّ مُزورّاً عن الحُرّ جانبه
أراه إذا طارحته الجِدّ لاعباً / وما أنا ممن يا أميم يلاعبه
ويضرب أطناب المُنى لي هازلاً / وما أنا مخدوع بما هو ضاربه
وبيناه يبدي لي ابتسامة خادع / يُقطّب حتى لا تَبينَ حواجبه
لقد أضحكت غير الحليم شُؤونه / وأبكت سوى عين السفيه نوائبه
فيا أدباء القوم هل تنقضي لكم / شكاية دهر حاربتكم مصائبه
يَشُدّ عليكم بالسيُوف نكاية / وَأقلامكم وهو الأصمّ تعاتبه
هو الدهر لم يسلم من الغيّ أهله / كما الليلُ لم يأمَنْ من الشر حاطبه
إذا آنسوا نور الحقيقة رابهم / فتجثو على الأبصار منهم غَياهبه
تضاربت الأهواء فيهم فناكبٌ / عن الشرّ يُقصيه وآخر جالبه
طبائعهم شتّى على أن بينهم / كريماً تُواليه ووغداً تُجانبه
لعمرك حتى البرق خالف بعضَه / فقد خولفت بالموجبات سوالبه
أبت حركات الكون إلا تَبايناً / دوافعه فَعّالة وجواذبه
ولولا أختلاف شاءه اللّه في القوى / لما دار في هذا الفضاء كواكبه
سَبَرت زماني بالنُهَي ومَخَضْته / بتجربتي حتى تجلّت عواقبه
ولم أستشر في الناس إلاّ تجاربي / وهل يَصْدُق الأنسانَ إلاّ تجاربه
فلا ترتكب قرب اللئام فإنهم / لكالبحر محمول على الهول راكبه
وما عجبي في الدهر إلاّ لواحد / وأن كثرت في كل يوم عجائبه
وذلك أن العيش فيه مُطيَّب / لمن خَبُثت بالمخُزيات مكاسبه
ولو كان في أعماله الدهر عاقلاً / لما كان مثلي في الورى مَن يُحاسبه
ولو كان يكن في كل ما فيه خادعاً / لما أمَّ فيه صادقَ الفجر كاذبه
ألا ربّ شيطان من الأنس قد غدا / يُخاتلني خَلساً وعيني تراقبه
فقلت له أخسأ إنما أنت خائب / وقبلك أعيا الجنّ ما أنت طالبه
فوَلّى على الأعقاب يحبو وقد دَرى / وللّه دَرّى أنني أنا غالبه
فأتبَعَه مني شهاب تسامح / يَشُق ظلام الجهل بالحلم ثاقبه
ولو شئت أرسلت الخَديعة خلفه / تطارده حتى تضيق مذاهبه
ولكن أبي منّي الخِدالع مهذَّب / تعوَّدِ فعل الخير مُذ طَرُّ شاربه
وذي سفه أغضَيْت عنه تكَرُّماً / فَدَبّت على رجليّ غدراً عقاربه
فقمت له بالنَعل ضرباً فلم تزل / يدايَ به حتى اطمأنّت غواربه
وجنّبته السيف الجُراز لأنه / تعالت عن الكلب العَقور مَضاربه
لقد عابني جهلاً ولم يدر أنّه / أقلّ فِداءٍ للذي هو عائبه
له نسبة مجهولة غير أنه / مَغامزه معلومة ومعايبه
هي النفس أغشى في رضاها المعاطبا
هي النفس أغشى في رضاها المعاطبا / وأحمل منها بين جنبَيّ قاضِبا
تكلّفني أن أخبط الليل بالسُرى / وأن أمتطي فيه من الهَول غاربا
وتُنهضني للمجد بالعزم ماضياً / وبالهمّ مقلاقاً وبالرأي صائبا
ولم ترضَ إلاّ كالجبال مَعزّةً / ولم تهوَ إلاّ كالشموس مناقباً
إذا أنا أنزلت النجوم لأرضها / أبَتهنّ إلاّ أن يكنّ ثواقبا
وترفُض مني كل عيش منعَّم / إذا ازوَرّ ذاك العيش بالذلّ جانبا
ولم تَبغ لي إلاّ الحقيقة بُغيةً / ولم ترض لي إلاّ الكريم مصاحبا
تقول إذا أوردتها ماء مِذنَب / رد البحر بي غَمراً وخلّ المذانبا
وإني لأشكوها إليها تظلُّماً / فأرجع عنها بعد شكواي خائباً
على أن لي منها حصاةً رَزينة / قتلت بها كل الأمور تجاربا
لقد تِعبَت فيما تروم من العلا / كذلك نفس الحرّ تلقى المتاعبا
ألم تر ما لاقى ابن لبنان في العلا / من الأْين لما ساح في الأرض ضاربا
تيمَّم من بعد الحجاز تهامة / وراح إلى صنعاء يُزجي الركائبا
وجاء إلى أرض العراقين مُبحراً / وكرّ إلى مجد يجوب السَباسبا
ليجمع من أبناء يعرب شملهم / ويَقضي حقاً للمَواطن واجبا
أخو هِمّة لو مدّ باعاً إلى العُلا / لأوشك منها أن ينال الكواكبا
له قلم عزّ القرائح شاعراً / كما ابتزّ فُرسان البلاغة كاتبا
لقد زُرت نجداً يا أمين فقل لنا / أتذكر من أخبار نجد جوائبا
فما حالة الإخوان فيها فإننا / نرى الناس عنهم يذكرون الغرائبا
فهل كفَّروا من ليس يُرسل لحية / وهل فَسّقوا من ليس يحفي الشواربا
وما أنا من قوم يدينون باللحى / ولم يقبلوا إلاّ من الحَلْق تائبا
ودع عنك أخبار العراق فإنني / لأعلم منها ما يَفُوق العجائبا
فويحاً لأهل الرافدين إذ انطووا / على اليأس من نور يشُق الغياهبا
لهم ملك تأبى عِصابة رأسه / لها غير سيف التيمسيين عاصبا
لقد عاش في عزّ بحيث أذلّهم / وقد ساءهم من حيث سرّ الأجانبا
وليس له من أمرهم غير أنه / يُعَدّد أياماً ويأخذُ راتبا
تبوَّأ عرش الملك لا بحُسامه / ولا كان في يوم له الشعب ناخبا
ولكن بطيّارات قوم تطايرت / فكانت من شُواظٍ سحائبا
ألا عَدّ عمّا في العراق فإنني / أراه بأخلاق الزمان مَعايبا
معايب لو أني هتكت ستارها / لأرسلت منها للمُعاند حاصبا
فلا تحسبنْه أنه ذو حكومة / ولو ضرّبوا ظلماً عليه الضرائبا
لئن ألَّفُوا بالكذب فيه وِزارة / فإنّ بها للكاذبين مآربا
وإنيّ لأهوى الفجر إن كان صادقاً / وتُنكر عيني الفجر إن كان ماذبا
تبسّم لبنان بعَوْد أمينه / وأضحى لأذيال المسرَّة ساحبا
أخا الفضل قد آنَست لبنان حاضراً / كما كنت قد أوحشت لبنان غائبا
وما أنت إلاّ يُبهج طالعاً / ويُحزن آفاق المواطن غاربا
محّييك في بغداد إذ جئت قادماً / يحييك في بيروت إذ جئت آيبا
ألا انهض وشمِّر أيها الشرق للحرب
ألا انهض وشمِّر أيها الشرق للحرب / وقبِّل غِرار السيف واسل هوى الكتب
ولا تغتر أن قيل عصر تمدُّن / فإن الذي قالوه من أكذب الكذب
ألست تراهم بين مصر وتونس / أباحُوا حِمى الإسلام بالقتل والنهب
وما يُخذ الطليان بالذنب وحدهم / ولكن جميع الغَرب يؤخذ بالذنب
فإني أرى الطليان منهم بمنزل / يُعدّ وهم يُغرونه منزل الكلب
فلولاهم لم يَنقُضِ العهد ناقض / ولا ضاع حقّ في طرابُلُس الغرب
بلاد غدت في الحرب تندب أهلها / فتبكي وتستبكي بني الترك والعُرب
قد اغتالها الطليان وهي بمضجع / من الأمن لم يُقضِض برعب على الجنب
فما انتهبت إلاّ لصرخة مِدفع / وما نهضت إلاّ إلى موقف صعب
فأمست وأفواه المدافع دونها / تمُجّ عليها النار كالوابل السكب
صواعق من سُحب الدخان تدُكّها / وتنسفها نسف الزلازل للهضب
غدت ترتمي فيها عشيّاً وبُكرة / فلا يابساً أبقت ولم تُبق من رطب
وما أن شكا من عضّة الحرب أهلها / ولكنهم شاكونْ من غصَة الجدب
فما خفقت عند الهياج قلوبهم / ولا أخذت أعصابهم رجفة الرُعب
ولكن جرت نُكب الرياح بأرضهم / فجرَّت عليها كلكل الحِجج الشهب
يعزّ علينا أهل برقة أنكم / تدور عليكم بالدمار رَحى الحرب
وأنا إذا ما تستغيثون لم نجد / إليكم على بُعد المسافة من درب
وقد علم الأعداء أن سيوفنا / تململ في الأغماد شوقاً إلى الضرب
ولكن هو البحر الذي حال بيننا / فلم نستطع زحفاً على الضُمَّر القُب
ولولاه فاجأنا العدوّ بفيلق / يبين ضحاً من هَوله مطلع الشهب
فيا بحر فاجمد أو فغُر إن جيشنا / عليك غدا كالبحر يَزخَر بالعتب
ويا سحب هلاَ تنزلين فتحملي / إلى الحرب جيشنا ينشر النقع كالسحب
ويا ريح قد ضِقنا فهل لك طاقة / بحمل منايانا إلى المعرك الرحب
إلى خير أرض داسها شرّ معشر / بأرجلهم قُطّعن من أجرل جُرب
أما والعلا يا أرض برقة إننا / لنشرَق من جرَاك بالبارد العذب
نراك على بُعد تُسامين ذِلةً / فيحزُننا أن لم نكن منك بالقُرب
وما نحن إلاّ الليث شُدَّت قيوده / وأُلقي حياً شبله في فم الذئب
يرى الشبل مأكولاً فيزأر مُوثَقاً / ويضرب كفَّيه على الأرض للوثب
فلا يستطيع الوثب إلاّ تمطِّياً / وزَأراً وانشابَ المخالب بالترب
ويا أهل بنغازي سلام فقد قضت / صوارمكم حق المّواطن في الذَب
حميتم حمى الأوطان بالموت دونها / وذاك بما فيكم لهنّ من الحبّ
ومن مبلغ عنا السَنوسيّ أنه / يمدّ لهذا الصدع منه يدَ الرَأب
فإنا لنرجو أن يقود إلى الوغى / طلائع من خيل ومن إبل نُجْب
فيَحمي بلاد المسلمين من العدى / وينهض كشافاً لهم غُمّة الخطب
فإن حشا الإسلام أصبح دامياً / إلى الله يَشكو قلبه شدة الكرب
فقم أيها الشيخ السنوسي مُدرِكاً / جنود بني عثمان في الجبل الغربي
وكن أنت بين الجُند قطب رحى الوغى / وهل من رحى إلاّ تدور على قُطب
ويا معشر الطليان قُبّحت معشراً / ولا كنت يا شعب المخانيث من شعب
تركت وراء البحر مَزحف جيشنا / وأججت ناراً في طرابلس الغرب
أتحسب هاتيك الديار وقد خَلَت / من الجند تخلو من ضراغمة غُلْب
فما هي إلاّ أرض أكرام معشر / من العُرب لم تنبت سوى البطل الندب
سترجع عنها بالفضيحة ناكصاً / وتَذكرك الأيام باللعن والسَبّ
مشيتم إلينا معجَبين بجمعكم / تظنون حرب المسلمين من اللعب
فلما حللتم أرضنا ذقتم الردى / بأسيافنا حتى صحوتم من العُجب
سنُلبسكم ثوب المهالك ضافياً / ونحملكم منها على مَركب صعب
ونستَمطِر الأهوال حتى نُخيضكم / بسيل دم فوق البسيطة منصّب
وما دعوة البابا لكم مستجابة / فقد أغضبت طغواكم غَيرة الرَبّ
أجل إنكم أغضبتم الله فاتقُوا / وإن رضِيَت تلك الحكومات في الغرب
أيا زعماء الغرب هل من دلالة / لديكم على غير الخديعة والكذب
تقولون إن العصر عصر تمدُّن / أمن ذلكم قتل النفوس بلا ذنب
ألم تُبصروا القَتْلى تمجّ دماءها / على الأرض والجرحى يئنون في الحرب
أفي الحق أم في العلم أن لا يسوءكم / ويُخجلكم شنّ الإغارة للغصب
وهل أغْلَفَت هذي العلومُ قلوبكم / بأغْطِية قُدّت من الحجر الصُلب
كذبتم فإن العصر عصر مطامع / تُقَدّ لها الأوداج بالصارم العضب
فلا تُغضبوا الإسلام إن سيوفه / مواضٍ كما قد كُنّ في سالف الحُقب
تذكرت في أوطانيَ الأهل والصحبا
تذكرت في أوطانيَ الأهل والصحبا / فأرسلت دمعاً فاض وابله سكبا
وبتّ طريد النوم أختلس الكرى / بشاخص طرفٍ في الدجى يرقب الشهبا
كئيب كأن الدهر لم يلق غيره / عدوّاً فآلى لن يهادنه حربا
يقلّ كروباً بعضها فوق بعضها / إذا ما رمى كرباً رأى تحته كربا
وإنّي إذا ما الدهر جرّ جريرةً / لتأنف نفسي أن أكلّمه عتبا
وقد علم القوم الكرام بأنني / غلام على حبّ المكارم قد شباً
وإني أخو عزم إذا ما انتضيته / نبا كل عضب عنه أو أنكر الضربا
وإني أعاف الماء في صفو القذى / وإن كان في أحواضه بادراً عذبا
ولكنّ لي في موقف الشوق عبرة / تُساقط من أجفانيَ اللؤلؤ الرطبا
إذا ضربت أوتار قلبي شجونه / بدت نغمات ترقص الدمع منصبّا
وقاطرةٍ ترمي الفضا بدخانها / وتملأ صدر الأرض سيرها رعبا
لها منخر يبدي الشواظ تنفساً / وجوف به صار البخار لها قلبا
تمشّت بنا ليلاً تجرّ وراءها / قطاراً كصفّ الدوح تسحبه سحبا
فطوراً كعصف الريح تجري شديدةً / وطوراً رخاءً كالنسيم إذا هبّا
تساوى لديها السهل والصعب في السرى / فما استسلهت سهلاً ولا استصعبت صعبا
ندكّ متون الحزن دكاً وإنها / لتنهب سهل الأرض في سيرها نهبا
يمرّ بها العالي فتعلو تسلّقاً / ويعترض الوادي فتجتازه وثبا
وتخترق الطود الأشم إذا انبرى / وقد وجدت من تحت فنّته نقبا
يرنّ بجوف الطود صوت دويّها / إذا ولجت في جوفه النفق الرحبا
لها صيحة عند الولوج كأنها / تقول بها يا طود خلّ ليَ الدربا
وتمضي مضيّ السهم فيه كأنما / ترى افعواناً هائجاً دخل الثقبا
تغالب فعل الجذب وهي ثقيلة / فتغلب بالدفع الذي عندها الجذبا
طوت بالمسير الأرض طيّا كأنها / تسابق قرص الشمس أن يدرك الغربا
وما أن شكت أينا ولا سئمت سرىً / ولا استهجنت بعداً ولا استحسنت قربا
عشيّة سارت من فروق تقلّنا / وتقذف من فيها بوجه الدجى شهبا
فما هي إلا ليلة ونهارها / وما قد دعونا من سلانيك قد لبّى
فجئنا ولم يعي الصفار مطيّنا / كأن لم نكن سفراً على ظهرها ركبا
تعاليت يا عصر البخار مفضّلاً / على كل عصر قد قضى أهله نحبا
فكم ظهرت للعلم فيك معاجز / بها آمن السيف الذي كذّب الكتبا
تظاهرت من فعل البخار بقوّة / يُذلّل أدنى فعلها المطلب الصعبا
وأُقسم لو لا الكهرباء فوقه / لقلت على كل القوى ته به عجبا
هو العلم يعلو في الحياة سعادة / ويجعلها كالعلم محمودة العقبى
فكلّ بلاد جادها العلم أمرعت / رباها وصارت تنبت العزّ لا العشبا
متى ينشئ الشرق الذي اغبّر أفقه / سحابة علم تمطر الشرف العذبا
فإنّ دبور الذلّ ألوت بعّزه / وكادت سموم الجهل تحرقه جدبا
تبصّر إذا دارت رحى الشرق هل ترى / سوى الجهل في أثناء دورتها قطبا
سيوف لحاظ أم قسيّ حواجب
سيوف لحاظ أم قسيّ حواجب / تريش إلى قلبي سهام المعاطب
وربّ كعاب أقبلت في غلائل / وقد لاح لي منها حليّ الترائب
لها جيد ظبيٍ واعتدال وشيجة / وعين مهاة وائتلاق الكواكب
ولا عيب فيها غير أن أولي الهوى / ينادونها في الحسن بنت العجائب
نضت عن محيّاها النقاب عشيّةً / فأسفر صبح الحسن من كل جانب
ومذ نشرت سود الذوائب أولجت / نهار محيّاها يليل الذوائب
تناسب فيها الحسن حتى رأيتها / تفوق الدمى في حسن ذاك التناسب
مفتّرة الأجفان تدمي بلحظها / قلوب أسود مدميات الكتائب
فلم أنسها واللهّ يوم تعّرضت / لنا بين هاتيك الظباء السوارب
وما كنت أدري ما الصبابة قبلها / ولاهمت يوماً في الحسان الكواعب
فأصبحت فيها ذا غرام ولوعة / ووجد وتهيام وهمّ مواظب
وما الصبر إلاّ غائب غير حاضر / وما الشوق إلا حاضر غير غائب
إلى كم تصبّ الدمع عيني وتسكب
إلى كم تصبّ الدمع عيني وتسكب / وحتّام نار البين في القلب تلهب
أبيتولي وجد يشبّ ضرامه / ودمع له في عارضيّ تصّبب
وهل لمشوق خانه الصبر عنكم / سوى دمعه فهو الدواء المجرّب
ألا أن يوماً جرّد البين سيفه / علي به يوم شديج عصبصب
فيا ليت شعري هل أفوز برؤيتي / محيّاً له كل المحاسن تنسب
وعينيك لا أسلوك أو يصبح السها / وشمس الضحا في ضوئه تتحجّب
فإني كما شاء الهوى بك مغرم / وأنت كما شاء الجمال محّبب
أحنّ إلى رؤياكم كلما سرى / نسيم وأبكي كلما لاح كوكب
وأذكركم للشمس عند طلوعها / ويعزب عني الصبر أيّان تغرب
لقد بان صبري يوم بينك إذ قضى / به صرف دهر لم يزل يتقلّب
تبصّر خليلي في الزمان فهل ترى / صفا فيه من وقع الشوائب مشرب
ومن نظر الدنيا وجرّب أهلها / رأى الغدر من أشداقّها يتحلّب