المجموع : 5
طُموحٌ وإلاّ ما صِراعُ الكتائبِ
طُموحٌ وإلاّ ما صِراعُ الكتائبِ / وعَزمٌ وإلاّ فيمَ حَثُّ الركَائبِ
إذا المجد لم يترك وراءَكَ صَيحةً / مُدَوِّيةً فالمجدُ أوهامُ كاذبِ
يخوضُ الهمامُ العبقري بِعزمهِ / ظلامَ الفيافِي في ظلامِ الغَياهبِ
وأرْوَعُ ما تهفو له العينُ رايةٌ / تُداعبها الأرواحُ في كَفِّ غَالبِ
وكم بَطلٍ في الأرضِ غابَ وذكرهُ / يُحلِّق في الآفاقِ ليسَ بغائبِ
يُدونُه الميلادُ بينَ لِداتِهِ / ويكتُبه التاريخُ بينَ الكواكبِ
وما مَاتَ من أبقى لمصر مجادةً / تُطاول أعنانَ السماءِ بغَاربِ
حَماهَا بعزمٍ لو رأَتْه قواضبٌ / لأضحَى سناهُ حسرة في القواضبِ
ومن مثل إبراهيم إن حمى الوغَى / وأمطرت الأرضُ السماءَ بحاصبِ
صَواعِقُ تلقى للحتوفِ صَواعقاً / وسُحْبُ عُجَاجٍ تلتقي بسحائبِ
وزمزمةٌ تُنسى الرعودَ هزيمَها / وتثقب آذانَ النجومِ الثواقبِ
سلُوا عنه عكا إنَّها إن تكلَّمتْ / معَاقلُها حدثتكُمْ بالعجائبِ
رماهَا بجيشٍ لو رمَى مشرِقَ الضُحى / لفر حسيرَ الطرفِ نَحو المغاربِ
رماهَا فتىً لا يعرف الشك رأيه / ويعرف بالإلهَام سرَّ العواقبِ
ممنعةٌ ما راضَها عزمُ قائدٍ / وعذراءُ لم تَظْفَرْ بها كَفُّ خَاطبِ
أتاها بنوبارتٌ يُداوي ندوبَهُ / وآبَ يصُك الوجه صَكَّ النوادبِ
أتاهَا يجُر الذيْلَ في تيه واثقٍ / فعادَ يَجُر الذيْلَ في خِزي خَائبِ
رآهَا وفي العنقودِ والكرم ما اشْتهَى / وأيْنَ من العنقُودِ أيدِي الثعالبِ
وكم وضَعت مِنْ إصْبع فوقَ أنفها / وكم غمزَتْ أسوارُهَا بالحواجبِ
رأت فاتحَ الدنْيا يفرُّ جبانةً / ويُلْقِي على الأقدارِ نظرةَ عاتبِ
ولكنَّ إبراهيم في الروْعِ كوكبٌ / إذا انقضّ فالآطام لُعبة لاعبِ
ويوم نصيبين التي قامَ حولها / بنُو التركِ والألمانُ حُمْرَ المخالبِ
عَلاهَا فتى مصرِ بضربةِ فيصلٍ / ولكنَّها للنصرِ ضربة لازبِ
فريعَ لها البوسفورُ وارتّج عرشَه / وصاحت ذئابُ الشر من كلِّ جانبِ
أبى الغربُ أن تختالَ للشرقِ رايةٌ / وأن يقفَ المسلوبُ في وجهِ سالبِ
أيُدْعَى سليلُ الشرقِ للشرق غَاصِباً / ومغتالُه في الغربِ ليسَ بغاصبِ
سياسَةُ حِقْدٍ أيَن من نفثاتِهَا / لعاب الأفَاعِي أو سموم العقاربِ
حنَاناً لإبراهيم لاقى كتائِباً / من الكيدِ لم تَعْرِف نضَالَ الكتائبِ
غزُوه بجيشٍ بالدهاءِ مُحارِبٌ / ولكنّه بالسيف غير محاربِ
فما ليَّنُوا منه قناةً صليبةً / ولا كدّرُوا من صفو تلك المناقبِ
عرفنا لحامِي القبلتيْنِ جهادَهُ / وكَمْ هانَ مطلوبٌ لعزّةِ طَالبِ
له العُرْبُ ألقتْ في إباءٍ زِمَامَها / وكانت سَراباً لا يُنالُ لشاربِ
فوحدهَا في دولةٍ عربيةٍ / تُزاحم في ركب العُلا بالمناكبِ
يقولون قِفْ بالجيش ماذَا تريدُه / وماذا تُرجِّي من وَرَاءِ السباسبِ
فقالَ إلى أَنْ تنتهي الضادُ أنتهي / وحيث تسيرُ العُرْبُ تسري نجائِبي
لقد زُهيت مصر بباعثِ شعبِها / لكسب المعَالي واقتناءِ الرغائبِ
وكَمْ كتبَ التاريخُ لابن محمدٍ / خَوالِدَ والتاريخُ أصدَقُ كاتبِ
وكَمْ صانَ مصراً من بنيه مملكٌ / بعيد منال العزمِ جَمّ المطَالبِ
شمائلُ فاروقٍ وعزّةُ ملكِه / تَزِيدُ جَلالاً في جلال المناسبِ
تَبَلّجَ بالْبُشْرَى وَلاحَتْ مَوَاكِبُهْ
تَبَلّجَ بالْبُشْرَى وَلاحَتْ مَوَاكِبُهْ / ورَفَّتْ بِأَنْفَاسِ النَّسِيمِ سَبَائِبُهْ
أَطَلَّ صَبَاحُ الْعِيدِ جَذْلاَنَ ضاحِكاً / يُمازِحُ وَسْنَانَ الدُّجَى ويُلاعِبُه
وَكَيْفَ يَنَامُ اللَّيْلُ في صَحْوةِ الْمُنَى / وَقَدْ سَهِرتْ شَوْقاً إِلَيْها كَوَاكِبُه
تُنَاجِيهِ أَلْحَانُ الهَوَى فَيُجِيبُها / وَتَسْتُر لَوْعَاتِ المحبِّ غَيَاهِبُه
تَرَدَّى مُسُوحَ النُّسْكِ في زِيِّ راهبٍ / وَطَارَتْ تَسُدُّ الْخافِقَيْنِ ذَوَائِبه
وَأَعْجَبَه أَنْ دَارَتِ الأَرْضُ تَحْتَه / كَدَوْرِ شَرِيطٍ ما تَنَاهَى عَجَائِبُهْ
إِذَا أَبْصَرَ الإِحْسَانَ فيها تَلأْلأَتْ / أَسَارِيرُه واهْتَزّ بالعُجْبِ جَانِبُه
يَمُوجُ فَيْعُلو البَرَّ والبَحْرَ مَوْجُه / وتَمْلِك أَرْجَاءَ الفَضَاءِ مَذَاهِبُه
عَلَيْهِ النُّجُومُ السَّابِحَاتُ سَفَائنٌ / يُغالِبُها أَذِيُّه وتُغَالِبُه
سَفَائِنُ لَمْ يَعْرِفْ لَهَا الدَّهْرُ ساحِلاً / وسَفْرٌ عَلَى الأَيَّامِ مَا مَلَّ دَائِبُهْ
رآهُ سَلِيلُ الطّينِ يَجْتَابُ لَيْلَه / فَهَلْ هَدَأَتْ دُون المَسِيرِ جَوائِبُه
تَلَقَّاه فَجْرُ العِيدِ في عُنْفُوَانِه / تَصُولُ بشُهْبِ الصَّافِنَاتِ كَتائبُه
تأَلَّق كالحَقِّ الْمُبِيِن إذَا بَدَا / تَولَّى ظَلاَمُ الشَّكِّ وارْتاعَ شَاحِبُه
وللصُّبح عِنْدي مِنَّةٌ كُلَّمَا نَبَا / بي اللَّيْلُ أَوْ طَالَتْ عليّ هَيَادِبُهْ
أَرَاهُ فأَلْقَى البِشْرَ في قَسَمَاتِه / طَهُوراً كثَغْر الطِّفْلِ حين تُدَاعِبُه
وأَشْعُرُ أَنّ الْكَوْنَ عَأدَتْ حَيَاتُه / إِليهِ وَأَنّ الأُنْسَ قَدْ آبَ غَائِبُه
يَهَشُّ إِليه كُلُّ حَيٍ كَأَنَّما / أَشِعَّتُه حُلْمُ الصِّبَا وَرَغَائِبه
وتَصْحُو لَه الأَزْهَارُ مِنْ وسَنَاتِهَا / تُضَاحِكه وَالطَّلُّ لَم يَجْرِ ذَائِبُه
وتَسْتَقْبِل الأَطْيَارُ بَسْمَةَ نُورِه / فَيبْهَرُنا مِنْ كُلِّ لَحْنٍ غَرَائِبُه
تَرَاهَا على الأَفْنَانِ سَكْرَى من السَّنا / يُناغِي أَلِيفٌ إِلْفَه فَيُجَاوِبُه
قِيَانٌ أدَقَّ اللّهُ أَوْتارَ عُودِهَا / فأَحْيَتْ أَغانِيه وَأَشْجَتْ مَضَارِبه
كأَنَ ضِيَاءَ الصُّبْحِ والكَوْنُ مُشْرِقٌ / سَنَا طَلْعَةِ الفَارُوقِ لاحَتْ رَكائِبُه
أَطَلّ هِلاَلُ العِيدِ يَحْظَى بنَظْرَةٍ / فأَبْصرَ نوراً يَبْهَرُ النُّورَ ثاقِبُه
وشاهَدَ في طُهْر المَلاَئِكِ سَيِّداً / سَمَتْ فَوْقَ أَفْلاَكِ السَّمَاءِ مَناسِبُه
تَراه فَتَلْقَى أمَّةً في شَبَابِها / وتُصْغِي إلى الآمَالِ حِينَ تُخَاطِبُهْ
أصَالةُ رَأْيٍ في ابِتْسَام سَمَاحَةٍ / وصَوْلَةُ عَزْمٍ يُرْهِبُ الدَّهْرَ قاطِبُه
تَأَثَّر خَطْوَ الْحَزْمِ في كُلِّ مَطْلَبٍ / وهَلْ يَعْظُم المَطْلُوبُ والْحَزمُ طَالِبُه
مَلِيكٌ من الأَفْلاَذِ أَعْوَادُ عَرْشِه / فَمنْ ذَا يُدَانِيه ومَنْ ذَا يُقَارِبُه
مَحَبَّتُه في كُلِّ قَلْبٍ شَغَافُه / وإِحْسَانُه في كُلِّ كَفٍ رَوَاجِبُه
حَوَت رِيشَةُ الرَّسامِ بَعْضَ سِمَاتِه / وعَزَّتْ عَلَى رِيش القرِيضِ مَناقِبُه
لكُلِّ خَيالٍ في فَمِ الشِّعرِ غَايةٌ / ولا تَنْتَهِي غَاياتُه ومآرِبُه
صِفِ البحْرَ في أَمواجِهِ وكُنُوزِه / وقُلْ هَذهِ آلاؤُه ومَوَاهِبُه
صِفِ الهمَمَ الْجُرْدَ التي تقنِصُ المُنَى / وقُلْ هَذهِ أَفْرَاسُه ونَجائِبُه
صِفِ السُّحْبَ أيْنَ السُّحْبُ من فَيْضِ جُودِه / إِذا وَكَفَت للبَائِسِين سَحَائِبُه
تَمنَّتْ زُهُورُ الرَّوْضِ لو أَنّ طِيبَها / له نَفْحَةُ الذِّكْرِ الذِي هُو كَاسِبُه
فمَا كَرَمٌ إِلاَّ ومِنْه انْبِعَاثهُ / ولا شَرَفٌ إِلاَّ وفاروقُ صَاحِبُهْ
إِذَا اصطَنَع اللّهُ أمْرأً جَلّ سَعْيُهُ / وَعَمَّتْ أيَادِيِه وطَابَتْ نَقَائِبُه
به ازْدَادَ دِينُ اللّهِ عزّاً ورَدَّدَتْ / مَنَابِرُه آلاءَه ومَحارِبُهْ
وَقُورٌ بدَرْسِ الدِّينِ يُطْرِق خاشِعاً / من النُّسْكِ يَرْجُو ربَّه ويُرَاقِبُه
بجانبِه الشَّعبُ الوَفيُّ يَحُوطُه / وتَزْحَمُه أَعْضادُه ومَناكِبُه
وجِبْريلُ يَهْفُو فَوْقَه بجَنَاحِه / حَنَاناًن وفَيْضُ اللّهِ يَنْهَلُّ سَاكِبُه
تَجَلَّى به عَصْرُ الرَّشِيدِ وعِزُّه / وسالِفُ عَهْدِ الرَّاشِدِين وذَاهِبُه
إِذا الشَّعْبُ وَالاَه فَذلِك فَرْضُهُ / وإِنْ هُوَ فَدَّاه فَذلِك واجِبُهْ
شَهِدْتُك يَوْمَ العِيد والشَّعْبُ حاشِدٌ / تَهِيمُ بِهِ أَشْوَاقُه وتُجاذِبُه
له صَوْتُ صِدْقٍ بالدُّعَاءِ مُجَلْجِلٍ / يُفَتِّحُ أبوابَ السَّمَواتِ صاخِبُه
فَعيْن اشْتِياقٍ تَرْتَجِي لُقْيَة المُنَى / وصَدْرُ وَلاَءٍ خافِق القَلْبِ واجِبُه
رأيتُ كَأَنَّ البَحْر مُدَّ بِمِثْلِهِ / وقَدْ زَأَرَتْ اَمْوَاجُهْ وغَوارِبُه
هُنَاك بَدَا العِيدَانِ وَجْهُكَ والضُّحَى / مَشَارِقُه وضَّاءَةٌ ومَغَارِبه
طَلَعْتَ فَأَبْصَرْنَا الْجَلاَلَ مُصَوَّراً / نَرَاه فيُغْضِي طَرْفُنَا وَهُو هَائِبُه
لَكَ البَسْمَةُ الزَّهْراءُ تَخْتَلِبُ النُّهَى / ويُمْحَى بهَا مِنْ كُلِّ هَم شَوَائِبه
طَلَعْتَ فقُلْنَا خَيْرُ مَنْ سَاسَ أُمَّةً / وأَشْرَفُ مَنْ شُدَّتْ عَلَيه عَصَائِبه
لَدَى مَوْكِبٍ لْلمُلْكِ عَزَّ مِثَالُه / تُحيِطُ به فُرْسَانُه وكَواكِبُهْ
يُشاهِدُه التَّارِيخُ والعُجْبُ مِلْؤُه / فَيَذْهَلُ عَنْ حَصْرِ الذِي هُو كاتِبُه
فَمنْ شَاء مَجْدَ المُلْكِ في بُعْدِ شَأْوِه / فَهذِي عَوالِيهِ وتِلْكَ قَوَاضِبه
وَهَاذا الذَّكَاءُ العَبْقَرِيُّ مَلِيكُه / وهَذِي الْجُنُودُ الزَّاخِرَاتُ مَواكِبُهْ
مَلِيكٌ له عَزْمُ الصِّبَا ووُثُوبُه / وآرَاءُ ما بَعْد الصِّبَا وتَجارِبُه
تَخَطَّر شَهْرُ الصَّوْمِ يَسْحَب ثَوْبَه / فتَنْشُرُ مِسْكاً في الفَضَاءِ مَسَاحِبُه
تَحمَّل للفَارُوقِ أَجْرَ مُجَاهِدٍ / يَتِيه به إِنْ حَاوَلَ العَدَّ حاسِبُه
وعَادَ إِلى مَوْلاَه جَمّاً ثَوابُه / مَلِيئاً مِنَ الإِحْسَان بُجْراً حَقَائِبُه
تَحَدَّثت في المِذْيَاعِ عن فَضْلِ صَوْمِه / وكَمْ مَثَلٍ عالِي الذُّرَا أَنْتَ ضارِبُهْ
هَنِيئاً لك العِيدُ الذّي بِكَ أَشْرَقَتْ / منازِلُه بِشْراً وضَاءَتْ رَحائبهُ
رَأَتْ فِيه مِصْرٌ همَّةً عَلَويّةً / يَرى كُلُّ بَأْسٍ عَزْمَها فيُجَانِبُه
وأَبْصَر فِيه النِّيلُ خَيْرَ مُمَلَّكٍ / تَجِلُّ مَسَاعِيه وتَصْفُو مَشَارِبُه
بَصِيرٌ إِذا سَاسَ الأُمُور تكَشَّفَتْ / وبانَ لَهُ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ عَوَاقِبه
يُزَاوِلها مِنْه حَصِيفٌ مُدَرَّبٌ / بَعِيدُ المَرامِي صَادِقُ الرَّأْيِ صَائِبه
إِذا مَدَّ زَنْدَ العَزْمِ في إِثْرِ مَطْلَبٍ / تَدَانَتْ أَقَاصِيه ولاَنَتْ مَصَاعِبُه
نَعِمْنا بالاسْتِقْلاَلِ في يُمْنِ عَهْده / وَأَسْفَر لَيْلٌ لم يَنَمْ فيه ناصِبُهْ
وَعزَّ حِمَى مِصْرٍ بجُهْدِ رجَالِها / وعادَ لهَا من لامِعِ المَجْد عَازِبُهْ
فعِشْ للهُدَى والمَكْرُمَاتِ فإِنَّما / سَجَايَاكَ آياتُ الهُدَى وجَوالِبُه
تحِيَّةُ ناء من شَذَى المسكِ أطيبُ
تحِيَّةُ ناء من شَذَى المسكِ أطيبُ / ومن قَطَراتِ المزْنِ أصفَى وأعذبُ
وتبريحُ أشواقٍ إذا ما تَنفّسَتْ / يكادُ لها فحمُ الدجَى يتلهَّبُ
وقلبٌ يضيقُ الصدرُ عن نَبَضاتِهِ / فيخفِقُ غيظاً بالْجَناحِ ويَضْرِبُ
تلفَّتَ في الأضلاعِ حَيْرانَ يائساً / وأنَّ كما أنَّ السجينُ المُعذَّبُ
تعاوِدُه الذكْرَى فتنْكَاُ جُرحَه / ويا ربَّ جُرْحٍ حارَ فيه المُطَبِّبُ
ويخدَعُه طَيْفُ الخيالِ إذا سَرى / فيبعَثُ آمالَ الشجيّ ويذهَبُ
ومَنْ أبصرَ اليامَ خَلْفَ قِناعِهَا / رأى الدَّهرَ يلهو والأمانيّ تكذِبُ
عجائبُ أحداثٍ تليها عجائبٌ / وصَبْري على تلكَ العجائب أعْجَب
ولولا حياةُ الوَهْمِ أودَى بأهله / زمانٌ بأشواكِ الحقائقِ مُخْصِب
تَبَسَّمْ إذا ما الدّهرُ قطّبَ وجهه / وصَفّقْ له في دورِه حينَ يلْعَب
يموتُ الفتَى من قَبْلِ أنْ يعرِفَ الفتَى / من الأمرِ ما يأتي وما يتجنَّب
وسيان ما يدريه والشَّعْرُ فاحمٌ / أثيثٌ وما يَدْريه والشَّعْرُ أشْيَبُ
وقالوا حياةُ المرءِ درسٌ فقهقهتْ / صُروفُ الليالي والقَضاءُ المُغَيِّب
إذا ما جهِلتَ النفسَ وهي قريبةٌ / فأيُّ المعاني بعد نفسِكَ أقْرَب
حَناناً لقلبي كيف طاحتْ به المنَى / وعزّ على الأيامِ ما يتطَلَّبُ
يغازِلُه في مطرَحِ النسْرِ مأرَبٌ / ويختِلُهُ في مسبَحِ الحوت مأرَبُ
يكادُ إذا مرَّ الحِجازُ بذكْرِهه / وجِيرتُهُ من صدرِه يتوثّبُ
بلادٌ بها الرحمنُ القى ضياءه / على لابَتَيها والعوالِمُ غَيْهَبُ
تكادُ إذا مرَّتْ بها الشمسُ غُدوةً / حياءً بأهدابِ السحابِ تَنقَّبُ
يجلِّلُها قُدْسٌ من اللّه سابغٌ / وينفَحُهَا نَشْرٌ من الْخُلد طيِّبُ
إذا نَسَبَ الناسُ البلادَ رأيتَها / إلى جَنَّة الفردوس تُعْزَى وتُنْسَبُ
وإن نَضَبَتْ أنهارُها فَبحَسْبِهَا / من الدِّين نَهر للهُدَى ليس ينضُبُ
إذا ما جرَى في الأرض فالجدب مُخْصبٌ / وإنْ هو جافَى الأرضَ فالخِصْبُ مجدبُ
يفيضُ على الأقطارِ يُمناً ورحمةً / ويزأرُ في أُذْنِ العُتَاةِ ويصْخَب
تفجَّرَ من نَبْع النُبُوَّة ماؤُه / له الحقُّ وِرْدٌ والسماحةُ مَشْرب
ووحَّدَ بين الناس لا البُعد مُبْعِدٌ / عن الساحةِ الكبرى ولا القُرْب مُقْربُ
فليس لدَى الإسلامِ شرقٌ ومَشْرقٌ / وليس لدى الإسلامِ غَرْبٌ ومَغْرِبُ
همُ الناسُ إخوانٌ سواءٌ على الهدى / بطيءُ المساعي والشريفُ المهيَّب
فما حَطّ من قَدْرِ الفَزَاريّ فاقَةٌ / ولا زاد في قدْرِ ابن أيهم مَنْصِب
يجمِّعُهُم قلب عُلى الحقِّ واحدٌ / وإن فُرقتْ أوطانُهم وتَشَعّبُوا
إذا صاح في جَيْجُونَ يوماً مُؤَذِّنٌ / أجاب على التاميز داعٍ مثَوِّبُ
وإن ذَرَفَتْ من جَفْن دِجْلَةَ دمْعَةٌ / رأيتَ دموعَ النيلِ حَيْرَى تَصَبَّبُ
وإن مسَّ جُرْحٌ من فِلَسْطين إصْبعاً / شكا حاجِرٌ منه وأنّ المحَصَّبُ
بنفسي وليداً في أباطح مكةٍ / تتيه به الدنيا ويشرُفُ يَعْرُبُ
أطلَّ عليها مثلما تبسِمُ المنَى / ويسطَعُ في الليل الخُدَاريِّ كوكَبُ
وكان لها رمزَ الحياة فأشرقتْ / كما هز أفنانَ الخمائل صَيِّبُ
وكم مدَّتِ الأعناقَ ترقُبُ لمحةً / فطال عليها صبرُها والترقُّبُ
توالت بها الأيامُ تذهَب أَحْقُبٌ / وتأتي على اليأس المبرح أحْقُبُ
إلى أنْ بدا نورُ الإله فأقبلتْ / عوالمها تشدو بطه وتَطْرَبُ
وليدٌ له عُلْيَا معدّ ذُوابةٌ / جلالةُ أنسابٍ ومجدٌ مُؤشَّب
حوته كما اعتاد الأعاريبُ جَفْنَةٌ / وقد ضاق عن آماله الفِيح سَبْسَب
يحيِّيه من طَيْفِ الملائِك مَوْكِبٌ / ويرعاه من طَيْفِ النبينَ مَوْكب
فهل علم الرومانُ أنَّ مهادَه / قِرابٌ به ماضي الغرارِ مُشَطّب
وأنّ به نفساً يحطّمُ دونها / منيعُ الصياصي والحديد المَذرَّب
وأن به من صَوْلةِ اللّه جَحْفَلاً / يَثُل عُروشَ القاسطينَ ويَسْلُب
له الكونُ مَيْدانٌ إذا سلَّ سيفَه / وقال لِفُرْسانِ الملائِكةِ اركبُوا
يطيرُ عِداهُ منه ذُعْراً وخَشْيةً / وإنْ مَلأُوا الأرضَ الفضاء وأجْلبُوا
ومَنْ لم يُؤَدِّبْهُ البيانُ وهَدْيُه / فإنَّ الحسامَ العَضبَ نعمَ المؤَدِّبُ
فقد أنزلَ اللّهُ الحديدَ وبأسَه / لمن سَدّ أُذنَيْهِ الهوى والتعصّبُ
وفي صَدْعَةِ الإيوانِ إنذارُ أمةٍ / بأنَّ من الأشياء ما ليس يُشعَبُ
محمد أنقذتَ الخلائقَ بعد ما / تنكَّبَتِ الدّنيا بهم وتنكَّبوا
وأطلقتَ عقلاً كان بالأمس مُصْفَداً / فدان له سرُّ الوجودِ المحجَّبُ
وأرسلتها من صَيْحةٍ نبويَّةٍ / يَمُور لها قَلْبُ الجبالِ ويُرْعَبُ
إذا كان صوتُ اللّهِ في صيحةِ الفَتى / فأيَّ عبادِ اللّهِ يخشَى وَيرهَبُ
وبلَّغْتَ آياتٍ روائعُ لفظِها / من الصبحِ أهدَى أو من النجم أثْقبُ
كأنّ وما تُغْنِي كأنّ فَخلِّها / فإنّ من التشبيه ما يتصعَّبُ
وماذا يقولُ الشِّعْرُ في آيِ رحمةٍ / لها اللّه يُمْلِي والملائكُ تكتُبُ
خطبتَ لنا يومَ الوَداعِ مشَرِّعاً / وهل لكَ نِدٌّ في الوَرى حين تخطب
فكشَّفْتَ أسرارَ السياسةِ مُوجِزاً / وجئتَ بما يَعْيَا به اليومَ مُسهبُ
وأمليتَ دُسْتُوراً شَقِينا بتَرْكِه / فَثُرنا على الأيام نشكو ونعتبُ
إليكَ رسولَ اللّهِ طار بنا الهوَى / وحُلُو الأماني والرجاءُ المحبَّبُ
أفِضْها علينا نَفحةً هاشميةً / تَلُم شتَاتَ المسلمينَ وترأبُ
وترجعُ فيهم مثلَ سعدٍ وخالدٍ / وترفَعُ من راياتهم حينَ تُنصَبُ
سنصحو فقد ملَّ الطريحُ وِسَادَه / وفي نورِك القدسيِّ نسعى وندأبُ
عليكَ سلامُ اللّهِ ما حَنّ واجدٌ / وفاخرتِ الدّنيا بقبركَ يَثْرِبُ
حُسامٌ له مجدُ الُخُلودِ قِرابُ
حُسامٌ له مجدُ الُخُلودِ قِرابُ / يحوِّم شعري حوله فيهابُ
وطَودٌ من العِزِّ الأشمِّ عَنَتْ له / وُجُوهٌ ودانتْ بالوَلاءِ رِقاب
وسرٌّ سماويٌّ ثَوى في ضريحهِ / له من جَنَاحَيْ جَبْرَئيلَ قِباب
وقبرٌ كمحرابِ الصلاةِ مطهَّرٌ / عليه نعيمٌ وارفٌ وثواب
وكَنْز به من جَنَّةِ الْخُلْدِ دُرّةٌ / تردُّ ثمينَ الدُّرِّ وهي سِخاب
وزَهْرٌ من الآمالِ رفّ بروضةٍ / بها الأرضُ مسكٌ والنسيمُ مَلاب
إذا جاوزتْها للرَّبابِ غمامةٌ / سقاها من الحبِّ النَّدِيِّ رَبابُ
قلوبُ بني مصرٍ خوافقُ حولَها / لها كلَّ حينٍ جَيْئةٌ وذَهاب
إذا غاب شخصُ العَبقَريِّ برَمْسِه / فليس لفضل العبقريِّ غياب
وإن حَجَبَتْ بِيضَ الأيادي مَنِيَّةٌ / فليس على آثارهنّ حِجابُ
وكم من فتىً جاز الحياةَ وذكرُه / له كلَّ يومٍ زوْرَةٌ وإياب
وما مات مَنْ رَدّ الحياةَ لأمَّةٍ / وأحيا بها الآمالَ وهي يَباب
إذا المرءُ لم يُخْلِدْه فضلُ جهادِه / فكلُّ الذي فوق التُّرابِ تُراب
وهل مثل إسماعيلَ في الناسِ عاهلٌ / له فوق أحْداثِ الزمانِ وِثاب
طَموحٌ له في ذِرْوةِ الدهرِ مأرَبٌ / وفوق مَناطِ الفرقَدِيْنِ طِلابُ
إذا صحَّ عزمُ المرء فالبحرُ ضَحْضَحٌ / وإنْ خار فالنَّضْحُ اليسيرُ عُباب
وليست شِباكُ العزِّ إلاَّ عزيمةً / وما المجدُ إلاَّ صَوْلةٌ وغِلاب
تَمُدُّ الليالي للجريءِ زمامَها / وتعنو له الأيامُ وهي صِعاب
وما كلُّ مَنْ أرخَى العِنانينِ فارسٌ / ولا كلُّ داعٍ للنهوضِ مُجاب
إذا ما عَددْنا مأثُراتِ يمينِه / على مصرَ لم ينفَدْ لهنّ حساب
دعاها فسارتْ خلفَهُ تُسْرعُ الْخُطَا / وهِمّتُها للمُعضِلات رِكاب
فما الشوكُ في أقدامِها حين صممتْ / بشوكٍ ولا صُمُّ الهضاب هِضاب
إذا وَهَنَتْ أذكى لَظَى رَغَباتِها / همامٌ له عند النجومِ رِغابُ
وإن أظلمت طُرقُ المعالي أنارها / من الرأيِ منه والذكاءِ شِهاب
رأتْ مصر فيه عاهلاً عزّ نِدُّه / ومن أيْن للبدرِ المنيرِ صحابُ
حباها أبو الأشبال جُرْأةَ ضَيْغَمٍ / له ظُفرٌ يفرِي الخطوبَ وناب
وأزْلفها ملءَ النواظِرِ جَنَّةً / تميد بها الأغصانُ وهي رِطاب
وألبسها من نهضةِ الغربِ حُلَّةً / وكم زانتِ الغيدَ الملاحَ ثياب
ففي كل حَيٍ للعلوم منابرٌ / وفي كلِّ ركنٍ للفنونِ رِحاب
وأين رميتَ الطَّرْفَ تَلقَى معالِماً / سوامقُها فوقَ السحابِ سحاب
عجائبُ صُنْعٍ يصغُرُ الدهرُ دونَها / وكلُّ فعالِ الخالدين عُجابُ
وجُهْدٌ من الفولاذِ ما كلَّ زَنْدُه / وصادقُ عزمٍ ليس فيه كِذاب
وللجُهدِ في الدنيا نصابٌ وطاقةٌ / وليس لجُهدِ العبقريِّ نِصاب
أبا مصرَ هل تُصغي وللشعرِ دَمعَةٌ / بها الحبُّ صَفْو والوفاءُ مُذاب
أتذكُرُ يوماً بالقناةِ وقد سعتْ / شُعوبٌ وسالتْ بالملوكِ شِعاب
وأنت تؤُّمُّ الْحشْدَ جذلانَ هانئاً / ونجمُك لم يحجبْ سَناه ضباب
ومصر بمحييها تتيهُ وتنثني / كما لعبتْ بالعاشقين كَعَاب
موائدُ لو مرَّتْ بأوهامِ حاتِمٍ / رأى أنّ مدحَ المادحين سِبَاب
وموْكِبُ عِزٍ ما رأى النيلُ مثلَه / ولا خطَّه في السابقين كِتابُ
تمنَّت نجومُ الأفْق رَوْعَةَ زَهوِه / وسال لشمسٍ أبصرتْهُ لُعَاب
تفيأتَ ظلَّ اللّه خمسين حجةً / وجنّاتُه للعاملين مَثاب
وأدرك مصراً من بنيك صَوارمٌ / مواضٍ إذا اشتد الزمانُ صِلاَب
كرامٌ إذا نُودُوا أجابوا وإن هُمُ / رَمْوا جبهةَ الرأيِ البعيدِ أصابوا
وهل كفؤادٍ في البريَّةِ مالكٌ / وهل كلُبَابِ المجد فيه لُبَاب
لهُ عزمةٌ وثَّابةٌ عَلَويَّةٌ / تردُّ صُرُوفَ الدهرِ وهي حرَاب
إذا ما امترى في المعجزاتِ مكابرٌ / فسيرتُه للممترين جواب
ومَن مثلُ فاروقٍ وللعرشِ عزَّةٌ / وللمُلْكِ والمجدِ الأثيلِ مَهَابُ
مضاءٌ وإقدامٌ وجودٌ وصولَةٌ / وآمالُ حُرٍ طامحٍ وشباب
سعَى لرسولِ اللّه يحدوه شوقُه / وللشوقِ والحبِّ الصميمِ جِذاب
يناجيه فَيّاض المدامِع خاشعاً / صَموتاً وصَمْتُ الخاشعين خطاب
رأى فيه رَضْوَى مثلَه في ثباتِه / وحيَّاه من رَحبِ البقيعِ جَنَاب
حصيفٌ له في موقف الحقِّ صَوْلةٌ / ورأيٌ إذا غُمَّ الصوابُ صوابُ
يجمِّع شملَ العُرْبِ في ظلِّ وَحدَةٍ / كما جَمَعَ الأُسْدَ الضراغمَ غاب
إذا ابتسموا فالباتراتُ بواسمٌ / وإن غضبوا فالباتراتُ غِضاب
وفي كلِّ يومٍ مِنَّةٌ بعد مِنَّةٍ / إذا ما انقضى باب تفتَّح بابُ
وكلُّ أيادي غيرِه حُلْمُ حالمٍ / وكل نوالٍ من سواه سَراب
عتبنا على الدنيا فمذ أشرقتْ به / تقضَّى خِصامٌ بيننا وعِتاب
وصُغنا له من كل ما تُبدعُ النُّهَى / روائعَ لم يُبذَلْ لهنَّ نِقَاب
فلا زال موفورَ الجلالِ مسدّداً / يُجيبُ إذا تدعو العُلا وَيجاب
دُموعُ عُيونٍ أم دِماءُ قُلوبِ
دُموعُ عُيونٍ أم دِماءُ قُلوبِ / على راحلٍ نائي المَزَارِ قريبِ
نعاه لنا الناعِي فأفْزَعَ مِثْلَما / تُراعُ بِصَوْتٍ في الظلامِ رهيب
فقلنا أبِنْ رُحْماكَ طارتْ عُقُولُنا / فلم نستَمِعْ من فِيكَ غَيْرَ نَعِيب
شككنا وكان الشكُّ أمْناً وراحةً / وَكم من يقينٍ في الحياة مُريب
حَنانَكَ إِنّا أُمّةٌ هَدَّ ركنَها / صِراعُ ليالٍ واصطلاحُ خُطوبِ
إذا كَشَفَتْ عنها القميصَ بدتْ بها / نُدُوبٌ لطعنِ الدهرِ فوق نُدُوبِ
وإِنْ أرسلتْ في ذِمَّةِ اللّه عَبْرَةً / على ابن سُرىً حامي الذِّمارِ وَثُوبِ
دَهَتْها الليالي في سواه ولا أرَى / شَعُوباً لهذا الناس مِثْلَ شَعُوبِ
تَدَاوَى من الإِعْوالِ بالبثِّ والبُكا / وتَشْفِي لَهِيباً للجوَى بلهيب
وتمسَحُ دمعاً كي تجودَ بِمثْلِهِ / وتَنْسَى أَريباً بادِّكارِ أَريب
فيأيُّها الناعِي إذا قُلْتَ فاتَّئِدْ / فما مُخطىءٌ في قولهِ كمُصيب
حَنَانكَ قُلْ ما شئتَ إلاّ فَجيعةً / بفقدِ كريمٍ أوْ فِراقِ حَبيب
فقال قَضَى قُلْنا قَضَى حاجةَ العُلا / فقال مَضَى قُلنا بغير ضَرِيب
فهزَّ اعتلاجُ الْحُزنِ أَضلاعَ صَدْرِهِ / وأخْفَى نَشيجاً تحتَ طيِّ نحِيب
وقال قضَى عبدُ العزيزِ ولم يكُنْ / نصيبُ امرىءٍ في الرِّزْءِ فوقَ نَصيبي
فواحسرتا مات الإِمامُ ولم تكُنْ / نِهايةُ هذِي الشمسِ غيرَ مَغيبِ
وغاض مَعِينٌ كان رِيّاً ورحمةً / وكلُّ مَعينٍ صائرٌ لنُضُوبِ
فَمَنْ لِكتاب اللّهِ يلمَحُ نُورَهُ / بعينِ بصيرٍ بالبَيانِ لبيب
ومَنْ يدفَعُ العادِي على دينِ أَحْمدٍ / بعزمٍ كَمَسنُونِ الْحِرابِ صَلِيب
وقد كُنْتَ يا عبدَ العزيزِ إِذا دَجَتْ / وقد قيل أمّا بَعْدُ خيرَ خَطِيب
بنفسِيَ مَن عَانى الحياةَ مُشَرّداً / يَجُوبُ من الآفاقِ كُلَّ مَجُوب
غريباً تَقاضاه الليالي حُشاشةً / ولكنّه للفضلِ غيرُ غريب
يطوفُ بأقطارِ البلادِ كأنه / خيالٌ مُلِمٌّ او خيالُ أَدِيبِ
ويطوي وراء البِشْرِ نفساً جَرِيحةً / وأعشارَ قلبٍ بالهُمومِ خَضِيب
أيشكو لئيمُ القومِ كَظّاً وبطْنَةً / ويَشْكو فتى الفتيانِ مسّ سُغُوبِ
لأمر غدا ما حَوْلَ مكةَ مُقْفِراً / جَديباً وباقي الأرضِ غيرُ جَديب
تُقَتِّلُنا الأيامُ وهْيَ حياتُنا / وتعُطي وما أبْصرْتُ غيْرَ سَليب
فما حِيلتي إِنْ كان بالماء غُصَّتي / ودائي إذا عَزَّ الدواءُ طبيبي
كأنَّ حِبالَ الشمسِ كِفّةُ حابِلٍ / تُحيطُ بنا من شمأَلٍ وجَنوب
نَروحُ بها والموتُ ظمآنُ ساغبٌ / يلاحظُنا في جَيْئَةٍ وذُهوب
على الشَّفَقِ المُحْمرِّ مِنْ فَتكاتِهِ / بَقايَا دَمٍ للذاهبينَ صَبيب
هل الدَّهْرُ إلاّ ليلةٌ طال سُهْدُها / تَنَفَّسُ عن يومٍ أَحَمَّ عَصِيب
وليس ترابُ الأرضِ غَيْرَ تَرائبٍ / وغيرَ عُقولٍ حُطِّمتْ وقُلوبِ
سَلُوا وَجَناتِ الغِيدِ في ذِمَّةِ الثَّرَى / أتُزْهَى بحسنٍ أَمْ تُدِلُّ بِطيب
وكانت شِبَاكاً للعُيونِ فأصبحتْ / ولستَ تَرى فيهنَّ غَيرَ شُحُوب
فَيَا مَنْ رأَى عبدَ العزيزِ تَنُوشُه / نُيُويبٌ لعادي الموتِ أَيُّ نُيُوب
طريحاً على أيدي الأُسَاةِ كأنّه / حِمالةُ عَضْبٍ أو رِشاءُ قَليبِ
فَيَا وَيْحَ للصدرِ الرّحيبِ الّذي غدا / بمُزْدَحِمِ الآلامِ غيرَ رَحيب
تدِبُّ به في مَوْطِنش الحلمِ علّةٌ / لها كالصِّلال الرُّقشِ شَرُّ دَبِيبِ
تَرى القلب منها واجباً أنْ تَمَسَّهُ / فتتركَهُ قلباً بغيرِ وَجِيب
أصَابَتْ نِظَاماً للمعالي فبدَّدَتْ / ومقصِدَ آمالٍ ومجدَ شُعُوب
لقد كنتَ تُعْلي في الحياةِ قَصائدي / وتهتزُّ عُجْباً إِنْ سَمِعتَ نَسيبي
فهاكَ نِداءً إنْ يَجِدْ منكَ سامعاً / وهاكَ رِثاءً إنْ يَفُزْ بمُجِيب
رِثاءٌ يكادُ المَيْتُ يَحْيَا بلفظِهِ / ويَحْبِسُ شمسَ الأُفْقِ دونَ غُروب
فطارِحْ به الْخَنْساءَ إِن جُزْتَ دارهَا / ونافِسْ به إن شئتَ شِعرَ حَبيب
تمنّيتُ لو أرستُ شعري مع البُكا / بغيرِ قَوافٍ أو بغيرِ ضُرُوب
وصَيَّرْتُ أنّاتي تفاعيلَ بحرِهِ / وجِئْتُ بوَزْنٍ في القَريضِ عجيبِ
فإِنّي رأيتُ الشِّعْرَ تنفِرُ طيرُهُ / إِذا دُهمتْ من فادحٍ بهبُوبِ
تَهَابُ القوافِي أَنْ تمَسَّ جَلاَلةً / لذي شَمَمٍ ضَافِي الجلالِ مَهِيب
عليكَ سلامُ اللّه ما ناح طائرٌ / على غُصُن غَضِّ الإِهابِ رطيب