المجموع : 15
شَرى البرقُ فالتاعَ الفؤادُ المُعَذَّبُ
شَرى البرقُ فالتاعَ الفؤادُ المُعَذَّبُ / وحار الكَرَى في العين وهْو مُذَبْذَبُ
أرِقتُ لهذا البَرْقِ حتى كأنّما / شَرَى فبدَتْ منه لعينيَ زينبُ
يَلوح ويَخْبو في السماء كأنّه / سيوفٌ بأرجاء السماء تُقَلِّب
شَرى قبلَ صَبْغ الليل بالحلَكَ الرُّبَا / ووافَى وقد كاد الصباحُ يُثَوِّب
يَؤُمّ رَعِيلَ الغَيْم عَمْدًا وإنّما / يؤمّ خيالاً من سُلَيْمَى ويَجْنُب
وإلاّ فلِمْ وافَى كأنّ نسيمه / وما فيه طِيبٌ بالعبير مُطَيَّب
ولم جاء والطّيفَ المُعاوِد مَضْجَعي / معاً ومضى لمّا مضى المتأوِّب
وأنَّى اهْتدى طيفُ الخيال ودونَه / من البِيدِ مجهولٌ ودَوٌّ وسَبْسَبُ
فَواصَلَني تحت الكَرَى وهو عاتِبٌ / ولولا الكرى ما زَارَني وهو يَعْتِب
وبات ضجيعي منه أَهْيفُ ناعِمٌ / وأدْعَجُ نَسْوانٌ وأَلْعَسُ أَشْنبَ
كأنّ الدجَى من لون صُدْغَيه طالِعٌ / وشمسُ الضُّحَى في صَحْن خَدَّيْه تَغْرُبُ
فلّما أجابَ اللّيلُ داعيَ صُبْحه / وكادتْ ثريّا نَجْمِه تَتَصوَّب
ثَنَى عِطْفَه لمّا بدا الصّبحُ ذاهباً / وما كاد لولا طالعُ الصبح يذهب
إلى الله أشكو سِرَّ شوقٍ كتمتُه / فنمَّ به واش من الدّمع مُعْرِب
وإني لألقَى كلَّ خَطْبٍ بمهجةٍ / يهون عليها منه ما يَتَصعّب
وأستصحِبُ الأهوالَ في كلّ موطنٍ / ويُمْزَجُ لي السّمّ الذُّعاف فأَشْرَبُ
وأُغضي على مِثل الأسِنّة صابراً / ولو شئتُ لم أصبِرْ وللسيف مَضْرب
ولستُ بإقبالٍ وإن سَرّ فارحاً / ولا من عجيبِ يُعْجِبُ الناسَ أعْجَب
لأنّي بلوتُ الدهر ثم علمتُه / وجرّبتُ ما لم يَلْقَ قبلي مُجَرِّب
كثيرُ الغِنَى بالعقل فخرٌ وإنه / لذي الجهل مُخْزٍ بالحياة ومُتْعب
سَيصْحَبُ نَصْلِي من يُرى مثلَ حَدّه / ويَحْمَد صحبي شيمتي حين أَصْحَب
وما الحرُّ إلاّ من تَدرّع عَزْمَه / ولم يك إلاّ بالقنا يَتَكسّب
فإنّ القنا فيها لديّ فسيحة / وفي السيف عن دار المَذلّة مَهْرَب
أَأَسأل حظًا من لئيم ومُقْرِفٍ / وأخْضَعُ للنِّكْسِ البخيل وأطلبُ
وأتُرك بِيضَ الهند وهي شوافِعٌ / إذا جُرِّدت في حاجة لا تُخَيَّبُ
ومالي أخاف الحادثاتِ كأنّني / جهولٌ بأنّ الموتَ ما منه مَهْرَبُ
إذا لم أَرِدْ وِرْدَ المنايا مُخاطِراً / بنفسي فلا جُنِّبتُ ما أتجَنّب
سأَثني دَراريَّ النجوم وأَنْثَني / وأَعْطِفُ أطرافَ الرِّماح وأركبُ
وأحمل ما بين المَهالكِ حَملةً / يعود بها روضُ المُنَى وهو مُخْصب
وإلاّ فما لي من أئمَة هاشمٍ / ولا لِيَ في الدَّهماء جَدٌّ ولا أبُ
خليليَّ ما في أكؤِس الرّاح راحتي / ولا في المَثاني لذّتي حين تُطْرِبُ
ولكنّني للمجد أَرتاح والعلا / وللجود والإعْطاء أصبو وأَطرَب
وللحلمِ يومَ البطش منّي حَمِيّةٌ / وللحِفْظ يوم الغَدْرِ فيّ تَغضُّب
ومَنْ بين جَنْبيه كنفسي وهمّتي / يَروح له فوق الكواكب مَوْكِب
ومن أين لا أغدو ولي كّل مَفْخَرٍ / يَضِيقُ افتخار الناس عنه ويُحْجَبُ
ولي من نِزَارٍ لُحْمَةٌ شدَّ نَسْجَها / مَعَدٌّ ويَحْويني وإيّاه مَنْصِب
وقُرْبَي تراضَعْنَا جميعاً لِبانَها / وصِنْوٌ إذا عُدّ الإخاء ومَنْسبُ
فلا يتّهمني الحاسدون ببغيهم / فعِزِّيَ من عِزّ العزيز مُرَكبُ
إمامٌ له من كلّ نفس مُراقِبٌ / وفي كلّ أرض عقدُ عزّ ومِقْنَبُ
محبّته حتمٌ على كلّ مسلمٍ / وطاعتُه فرضٌ من الله مُوجَبُ
كأنّ العطايا والمنايا نوافِلٌ / يجود بها في حين يَرْضَى ويَغْضَب
رفيعُ المعالي في العيون مُعَظَّمٌ / كريمُ السجايا في النفوس مُحَبَّب
أّلذَ من الشهد المُصَفَّى مذاقُه / وأطيبُ من نيل الأماني وأَعْذب
وأمضَى من المِقدار عَزْماً وبَطْشةً / وأوسعُ لِلأيّام صَدْراً وأَرْحَبُ
مآثِرُه في حَلْبة الفخر سُبَّقٌ / وتدبيرهُ في ظُلْمة الليل كوكبُ
وآراؤه يومَ اللِّقاء نوافِذٌ / مَواضٍ إذا كلّ الحديدُ المُضَرَّبُ
هينئاً لك الأعيادُ يا عيدَها الذي / به يُمْنَح العزُّ المنيعُ ويُوهَبُ
وملءُ فضاء الأرض حولك صاهلٌ / وأسمرُ خَطِّيٌّ وعَضْبٌ مُشَطًّب
فَسِرتَ بهم مُسْتَعْصِماً بسكينةٍ / كأنك من لُبْس التقى مترقّب
وقمتَ بهم في مِنْبَر المُلك خاطباً / بما لم يَقُمْ مَلْك سواك ويَخْطُب
وأفصحتَ حتى ليس إلاَّكَ مُفْصِحٌ / وأسْهبتَ حتى ليس إلاّكَ مُسْهِب
تُبَشِّر طَوْرا بالإِلهِ وتارةً / تُخَوِّف من عِصْيانه وتُرَهِّب
بَياناً ووعظاً قد تَناهيتَ فيهما / كأنّك لم يَسبِقْك قُسٌّ ويَعْرُبُ
وأَثبتَّ في الأسماع برهانَ حكمةٍ / يُقَصِّر عنها من يقول ويُطْنِب
لأنّك في بحر البلاغة مُغْرَق / وفي ساحَتَي أرِض النبوّة مُنْجِب
لَيهْنِك أنّ الفضَل أجمعَ كلَّه / إليك أبا المنصور وَحْدَك يُنْسَب
وأنك أنتَ المصطفى المَلِكُ الذي / بطاعته مِنْ ربّنا نتقرّب
ولولاك كان المُلْكُ في غير أهله / وكان على أُفْقِ الشّريعة غَيْهَب
عليك صلاةُ الله ما طلعَ الضُّحى / وما حنّ للأوطان من يَتغَرَب
ولى صاحب لا يُمْرِضُ العقلَ جهلُه
ولى صاحب لا يُمْرِضُ العقلَ جهلُه / ولا تَتأذّى النفس منه ولا القلبُ
إذا قلتُ لا في قصّةٍ لم يقل بَلى / وإن قلتُ أصبو قال لا بدّ أن أصبو
وإن قلت هاكَ الكأسَ قال مبادرِاً / ألاَ هاتِها طابَ التَّنادُمُ والشُّرب
سريعٌ إذا لبّى صبورٌ إذا دَعا / يهَون عليه في رضا خِلّه الصَّعْب
غدوتُ به يوماً إلى بيت حانةٍ / وللغَيم دمعٌ ما يكُفّ له سكب
وقد نَفَحتْ رِيحُ الصِّبا بمَنافِسٍ / عَبِيرِيّة الأنفاسِ طاب لها التُّرْب
فأَفْضَى بنا الإدْلاَجُ بعد تَعسُّفٍ / إلى زَوْلةٍ شَمْطاءَ مَنزِلهُا رَحْبُ
مُزنَّرةٍ أمّا أبوها فقيصرٌ / وحَسْبُك مَلْك جَدّه قيصرٌ حَسْب
قُصَيريّةٌ ديرية هِرْقْليّةٌ / تقاصَر منها الخطو واحدَوْدب الصُّلْب
وقالت لنا أهلاً وسهلا ومرحباً / وقَلّ لكم منِّي البشاشة والرّحْب
مَنَ أنْتُمْ فقلنا عُصْبةٌ من بني الصِّبا / دعاهم إليكِ القَصْفُ والعَزْف واللِّعْب
فقالت على اسم اللهِ حُطّوا رِحالَكم / فعندي الفتاة الرُّؤدُ والأَمْرَدُ الرَّطْب
وراحٌ نفَى أَقْذاءَها طولُ عمرها / فجاءتْ كما يُذْرِي مَدامِعَه الصَّبُّ
أَرّق إذا رَقْرقتَها في زجاجة / وألطَفُ من نَفْسٍ تَداولَها الحبُّ
كَأنّ سِرَاجاً في تَرائب دَنّها / إذا أقبلتْ من ليلة الدّنّ تَنصَبّ
فقلنا لها هاتي بها وتَعجَّلي / ولا يك فيما قلتِ خُلْفٌ ولا كِذْب
فجاءتْ تَجرُّ الزِّقَّ نحوي كأنه / على الأرض زِنجِيٌّ بلا هامةٍ يحبُو
فلمّا مزَجناها بدا فوق رأسها / حَبابٌ كما يَنْسابُ من سِلْكه الحَبُّ
وطافت بها هيفاءُ مُخْطَفةُ الحَشا / مَعَاطفُها سلْمٌ وألحاظُها حَرْبُ
تَمايَل رِدْفاها وأْدْرِج خصرُها / ليَاناً ولطفا مثل ما تُدْرَج الكُتْب
شكا كَشْحَها الزُّنّارُ ممّا يُجِيعه / وضاق بها الخَلْخالُ وامتلأ القُلْب
أغارُ على أعطافها كلَّما انثنت / مع الكأس أو فدَّى ملاحتَها الشّرْب
أحلّت لي الصهباءُ تَقْبيلُ وجهها / وما كان قبل السُّكْرِ في لثمِه عَتْب
كأنّي وقد أضجعتُها وعلوتُها / من الشكل رَفْعٌ تحت ضمّته نَصْبُ
وما فَضّ لامِي صادَها بجنايةٍ / سوى قولِها إن المسيح لها رَبُّ
فلمّا أغاظتنِي بإظهار كُفْرها / ذَببْتُ عن الإسلام إذ أمكن الذّبُّ
وضرَّجتُ فخْذَيْها دَماً بمصمِّمٍ / تُقِرّ له البِيضُ المهنَّدةُ القُضْب
وقلت لها أَرْماحُنا عَلَويّة / تَقُدّ تِراس الرُّوس إن طعَنت عُرْب
فما تَرِحت حتى أنابتْ وأسْلَمتْ / فهل ليَ في فَتْكِ بها بعد ذا ذنب
أبا حسنٍ هاك المُدامةَ واسقِني / فقد شاب رأسُ الشَّرْق وأحلَوْلَكَ الغربُ
كأنّ الثريّا في مُلاءِة فجرِها / مَصابِيحُ إلاّ أنّها قد بدتْ تَخْبو
سلامٌ على دَيْر القُصَيْر ومرحباً / به فَلَهُ مِنّي التَّخصُّص والقرب
فكم لذّةٍ فيه قضيتُ وغُلة / شَفيتُ ولا واشٍ علنيا ولا شَغْب
منازلُ يَسْتنّ الصَّبا في عِراصها / ويَعْذُب فيها ماءُ ديمتها العذب
شكا العُودُ بالأوتار شجوا فأطربا
شكا العُودُ بالأوتار شجوا فأطربا / وتَرْجَمَ عن معنى الضمير فأَعْرَبا
فم أَرَ شَاكٍ مثلَه بثَّ شجوَه / فأفرحَ محزوناً وفكّ مُعَذَّبا
خُذي الكَأسَ يا مظلومة الخَدِّ مُتْرعاً / ومُدي به نحوي بَنَاناً مُخْضَّبا
فإنّي سبقتُ الدهر للمَجد والعُلا / وسُدْتُ جميعَ الناس شَرْقا ومَغْربا
وما ذاك إلاّ أنّني بسعادتي / غدوتُ قريباً من مَعَدٍّ مُقَرَّبا
عِذابٌ كماء الغَيْثِ عذْبٌ مَذَاقُه / وتارك ما لاقاه ريَّانَ مُعْشبا
اَحَيٌّ وقد حَثُّوا الرّكائبَ والرَّكْبا
اَحَيٌّ وقد حَثُّوا الرّكائبَ والرَّكْبا / كأنّك لستَ الهائمَ المُدْنَفَ الصَّبّا
ستعلم إن بانوا وخُلِّفتَ بعدهم / بأنّك ممّن يَفْقد العقلَ واللُّبّا
وأشرفُ ما في مذهب الحفظ والهوى / مَمَاتُك بالهِجْرانِ من بعدهم حُبّا
إذا هَبّ سلطانُ المِرِيسيّ نافحاً
إذا هَبّ سلطانُ المِرِيسيّ نافحاً / سُحَيْراً وحلّ القُرّ كُلَّ نِقَابِ
وَزَرّ على الأفْق الغمامُ ثِيابَه / فقُمْ فالْقه في عُدّةٍ وحِراب
بِكنٍّ وكانونٍ وكَأسِ مُدَامةٍ / وكِيسٍ وكُسٍّ وافرٍ وكَباب
وكلِّ كساء أدْكنٍ ومُضَرّجٍ / كما ضَرّج الخدّين ماءُ شباب
جَمَعتُ لك الكافات سُبْعاً ولم تَكُن / بمجموعةٍ قَبْلي لربِّ كتَاب
أَرَانِي إذا هَذَّبتُ فيك قصيدةً
أَرَانِي إذا هَذَّبتُ فيك قصيدةً / من المدح وَاتانِي الكلامُ المُهَذَّبُ
وإن رُمتُ تقريظاً لغيرك عاقَنِي / لساني ورَاح القولُ فيه يُكذَّب
لأنَّك مجبولٌ على الفضل والعُلا / وأنّ العطايا فيك طبعٌ مُرَكَّب
فيُمناك غيثٌ في البريّة ساكتٌ / وعِرْضُك إصباحٌ ووجهُك كوكبُ
فأنت المُعَلَّى المُسْتَضاءُ بنوره / وأنت المُفَدَّى المُسْتَطابُ المُحَبَّب
بك انصلحت أيّامُنا بعد جَوْرِها / وذلَّ الزمانُ الجامحُ المُتَقلِّب
فإن طاب نَوْروزٌ وعِيدٌ فإنّما / بنورك أضحى ذا وذا وهو طيِّبُ
فعِشْ تعمُر الأوقاتَ عُمْرانَ ماجدٍ / فإن لم تكن معمورةً بك تَخْرَب
وصلّى عليك الله يا بن نبيِّه / فإنك سيفٌ للخطوب مَجَرّب
إذا حان من شمسِ النهار غُروبُ
إذا حان من شمسِ النهار غُروبُ / تذكَّرَ مشتاقٌ وحنّ غَريبُ
أَلا أَبْلِغا القَصْرَيْن فالمَقسَ أنّني / إليهنّ مُذْ فارقتُهن كئيب
إلى ساحتَيْ دَيرِ القُصَيْر إلى الرُّبا / فمِصْرِهما حيث الحياةُ تَطيب
منازل لم يُلْبَسْ بها العيشُ شاحباً / ولم تُلْفَ فيهنّ الخطوبُ تَنوب
هي الوطن النّائي الذي لم تزل لنا / نفوسٌ إليه نُزّعٌ وقلوب
إنّي لأَهْوى الرِّيحَ من كلّ ما بَدَا / بريّاه من ريح الشَّمال هُبوبُ
وما بلدُ الإنسان إلاّ الذي له / به سَكَنٌ يَشْتاقه وحبيبُ
إلى الله أشكو وَشْكَ بَيْنٍ وفُرقةٍ / لها بين أَثْناء القلوب نُدُوب
تُرى عندهم علمٌ وإن شَطَّت النّوَى / بأنّ لهم قلبي عليّ رَقيبُ
لهم كَبِدي دوني وقلبي ومُهْجَتي / ونفسي التي أَدْعو بها وأُجِيب
فآيَةُ حُزْني لوعةٌ وصبابة / وعُنوان شوقي زَفْرةٌ ونحيب
وما فارَقونا يَرْتَضُون فِراقَنا / ولكنْ مُلِمّاتُ الزمانِ ضُروبُ
لهم أنْفُسٌ مَرْضَى يقطِّعها الأسَى / علينا وأكبادٌ تكادُ تذوب
فلِلشَّوق في الأكباد منهنّ رَنّةٌ / وللدّمع في روض الخُدود سُكُوبُ
سيَشْفِين داءَ العبد بالقرب عاجلاً / ويَعْلَمْنَ أنّا بالنجاح نئوب
وأنّ ظنونَ الناس إفكٌ وباطِلٌ / وظَنُّ أميرِ المؤمنين مُصِيب
تَداركَ نصرَ الدِّين من بعد ما وَهَتْ / دَعائِمهُ فارتدّ وهو قشيب
رحيل رأى فيه السعادةَ وَحْدَه / وأكثَرَ فيه طاعنٌ وكذُوبُ
فأَمْضاه لَمّا أن أشاروا بتَرْكه / وكلُّهم ممّا أتاه هَيُوب
يَسير به قلبٌ على الخطب قُلَّبٌ / وصدرٌ بما تَعْيَا الصدورُ رَحيبُ
فخابوا وما إن خيَّب الله ظنَّه / ولله فيما أنكروه غُيوب
وحلَّ ديارَ المارِقين فأصبحوا / وكلُّهم خوفاً إليه مَنِيب
كأَنّهمُ إذ عايَنوه مُصَمِّماً / هَشِيمٌ أطارَته صَباً وجَنُوبُ
بدا لهمُ إماٌ مَؤَيَّدٌ / عزيزٌ لأثباجِ الخطوب رَكُوب
فلم يَجِدوا غير الإنابةِ حِيلةً / ولو قَدَروا ما أذعنوا لِيَتوبوا
وما كان فيها جيشَه غيرُ نفسه / وعزمٌ أكولٌ للخطوب شَرُوب
يُؤَيِّده رأيٌ يلوح نجاحُه / كما لاح عَضْبُ الشَّفْرَتيْنِ قَضِيب
حَويْتَ أبا المنصور وَحْدَكَ فَضْلها / وما لامريٍ فيها سواك نصيب
كذا فليَقُمْ بالمجد من كان قائماً / ويَبْنِ العُلاَ مَنْ راح وهو نجيب
نهضتَ بها إذ أَعْجزتْ كلَّ ناهضٍ / ومُزْنُ رَدَاها يَنْهَمِى ويَصُوب
وقد ملأتْ أرضَ الشّآم وقائِعاً / قبائلُ من مُرَّاقها وشُعوب
جليدَا الحشا والقلبِ حين تَمزَّقت / من الخوف شُبَّانٌ هناك وشِيبُ
عقَدْتَ بها عِزَّ الخلافة بعد ما / بدا في نواحيها ضَنىً وشُحوب
وجَدْدتَها من بعد ما لَعِبت بها / صروفُ اللَّيالي والتوَيْن خطوب
فيا لَهْفَ نفسِي إذ نهضتَ بثأرها / لَو أنّ مُعِزَّ الدِّين منك قريب
يَراك ويَدْرِي كيف ضَبْطُك بعده / وأنك للأمرِ السَّقيم طبيبُ
سَحَابُك مُنْهَلٌّ وبأسُك مُتًّقىً / وحِلْمُك لم تَكْثُر عليه ذُنوب
ودَاعِيك مقبولٌ مُجَابٌ دُعاؤه / وراجيك للمعروف ليس يَخِيب
وما حاربْتَك التُّرْك إلاّ وبينها / وبين الهُدَى والمَكْرُماتِ حروب
وما جَحدوا الحقَّ الذي لك فضلهُ / ولكنْ بهم عنه عمىً وهُروب
فإنُ يُصْبِحوا تُرْكاً وزَنْجاً ودَيْلماً / فأنت إمامٌ للنبيّ نسيب
رعاك الذي استرعاك أمرَ عِباده / فما لك في هذا الأنام ضَريب
ويومٍ خَدعتُ الدّهَر عنه فلم أَزَلْ
ويومٍ خَدعتُ الدّهَر عنه فلم أَزَلْ / أُعَلِّل نفسي فيه بالرّاح مَعْ صَحْبي
لدى روضةٍ عالَت رُباها كُرومُها / وجاد عليه النِّيل من مائه العَذْب
كأنّ سحيقَ المسك خالَط أرضَها / فجالت به فيها الرِّياح مع التُّرْب
كأنّ بناتِ النِّيل والرِّيحُ تَرْتمي / بهنّ طُلَى خيل مُؤَثَّلة شُهْب
وطوراً تَخال الماءَ في رونق الضُّحى / مُتونَ سيوفٍ لُحْن مصقولةٍ قُضْبٍ
وتَحسبه إن مَخَّضته يَدُ الصَّبا / قَواريَر ما يَفْتُرن من قلق اللِّعْب
كأنّ المَدَارِي في تَراكُب شَعْرِها / نجومُ الثريا في سواد دُجىً صَعْب
وزنْجية الآباء كَرْخيّة الجَلَب
وزنْجية الآباء كَرْخيّة الجَلَب / عَبِيريّة الأنفاس كَرْميّة النَّسَبْ
كُمَيْت بَزَلْنا دَنَّها فتفجَّرت / بأحْمَر قانٍ مثلَ ما قُطِر الذَّهَبْ
فلمّا شِربناها صَبَوْنا كأنّنا / شِربنا السّرورَ المحض والَّلهو والطَّرب
ولم نأت شيئاً يُسْخِط المجدَ فعلهُ / سوى أنّنا بِعْنا الوقارَ من اللَّعب
كأنّ كؤُوس الشرْب وهي دوائرٌ / قَطائعُ ماء جامدٍ تَحْمِل اللَّهَب
يَمُدّ بها كفّاً خضيباً مُدِيرُها / وليس بشيء غيرها هو مُخْضَب
فبِتنا نُسَقَّي الشمسَ واللّيل راكدٌ / ونَقْرُب من بدر السماء وما قَرُب
وقد حَجب الغيمُ الهلالَ كأنّه / ستارة سِرْبٍ خَلْفها وجه مَنْ أُحِب
كأنّ الثريّا تحت حُلْكة ليلِها / مَدَاهِنُ بِلَّوْر على الأفْق يَضْطرِب
فبتُّ أُناجي البدرَ وهو مُنادِمي / وأَشرب باللَّثْم العُقارَ من الشَّنَبْ
إلى أن رأيت الصبحَ يَفْتِك بالدُّجى / كفتك أبي المنصور بالرّوم والعرب
إمامٌ كأنّ الله وصّاه بالعُلا / فليس له في غير معلومها أَرَب
كريم المُحيا ماجدُ الأصل نُزِّلت / بتفضيله الآياتُ تُدْرَس في الكتب
أقِيس بك الأملاكَ طُرًّا فلا أَرى / سواك زكي الأصل والفرع والنَّسَب
فيا بن رسول الله وابن وصيّه / وحسْبُك ذا جَدّاً وحسبك ذاك أب
إذا عُجِمت عِيدانُ قوم فأخلفت / تفجَّر من عِيدانك الماءُ والضَّرَب
يدٌ مثل صْوب الغيث جُوداً ونائلاً / ورأيٌ كحدّ الصارم العَضْب ذي الشُّطَب
ونفسٌ لو أنّ الدهر من بعض هّمها / لأفَنتَه حتى لا تُعَدّ له حِقَب
ألستَ أبا المنصورِ أوّل ناصرٍ / لمعروف كفَّيه على المال والنَّشَب
وأشرفَ من أعطى وأكرم من عفا / وأفضلَ من وفّى وأجودَ من وهب
تَتِيه بفعليك المكارمُ والعُلا / وتَلْبَس حَلْياً من مَلافظك الخُطَب
ولولاك كانت عَقْوة المُلك مُورِداً / لكلّ من استعلى به البَغْي واغتصبْ
ولكنّك الذَّواد عنها بحَزْمِه / ومانِعها بالمشرَفيّة والقُضُب
حَمَيتَ ذِمَار الحقّ حتى عصَمْتَه / وأطلقتَ مُزْن الغيث حتى قد انسكب
وشَرَّدت أعداءَ الخلافة عَنوةً / فلم يَقْدِروا إلاّ على البعد والهرب
تركتَهم كالجن في كلّ بَلْقع / يلوذون بالأَجْبال منك وبالكُثُب
فأنتَ حسام الله أُرِهف حدُّه / فصال به جِدُّ الأمور على اللَّعِب
لَرَجَّتْك حتى العُصْم في فُتَنِ الرُّبا / وخافتك حتى الأَنْجُم السَّبْعة الشُّهُب
لِيَهْنك نُوْروزٌ تَباشَرتِ العلا / بسعدك فيه واضمحلّت بك النُّوَب
وعادت بك الأيام فيه أوانِساً / وأصبح فيه مُبْعَد الخير مُقْتَرِب
وزادت مُدود النِّيل حتى كأنّما / أتتك ارتغاباً تَقْذِف الموج أو رَهَب
كأنّ بَناتِ الماء فاضَتْ على الثَّرى / بمسك ومجّت فيه عنبَرها التُّرَبْ
فقد غَصَّت الخُلجان حتى كأنّها / مَدائُن تَدعو من جيوشك بالحَرَب
فدام لأهل المصر عُمْرُك إنّهم / غدَوا بك في ظلِّ من العيش مُنْتَصِب
سعودٌ وإقبالٌ وخِصْب ونعمةٌ / ولولاك ما آبُوا إلى خير مُنْقَلَب
عليك صلاة الله يا خيرَ خَلْقه / فإنّك ميمون النقيبة مُنْتَخَب
تُرى الدَّهر يَشْفِي عِلّتي وكروبي
تُرى الدَّهر يَشْفِي عِلّتي وكروبي / ويَسْمح لي بعد النَّوى بحبيبي
حبيبٌ له قلبي ولي غيرُ قلبِه / رَمته النّوى عني بسهم مُصيب
وما كان إلاّ مهجتي حازها الأَسَى / وشمس نهاري آذَنَتْ بغروب
فمالي حبيبٌ بعده غيرُ ذكره / ومالي أنيسٌ فيه غيرُ نحيبي
إلى الله أشكو شكْوَ صبٍّ مُدَلَّهٍ / خطوباً دَهتني فيه بعد خطوب
سأصبِر للأيام صبراً لعلّها / تعود بما أهواه بعد قريب
ولما تلاقَيْنا ولم نَخْش كاشحاً
ولما تلاقَيْنا ولم نَخْش كاشحاً / ولم نَتكاتم ما بنا من جوى الحبِّ
جعلتُ يدي مستخبراً فوق قلبها / وجالتْ بيُمنى راحتيها على قلبي
فلما تصادقنا اختياراً ورُؤيةً / تعلَّق منها الصبُّ بالمُدْنَفِ الصّبّ
وبِتنا على غيظ العدوّ ورَغْمه / ضجيعَيْن نَجْني الطِّيب من شجر القُرْب
تنير بمثل البدر من صحن خدِّها / وتفتّر عن نور الضحى باردٍ عَذْب
تنزّه وجهي في محاسن وجهه
تنزّه وجهي في محاسن وجهه / تَنزُّه مشتاقٍ إليه كئيبِ
فلما رأى لحظي يدُلّ على الهوى / وصَفْرةَ لوني بعده وشحوبي
ثَنَى خدَّه عنّي وقال تَمَّثلاً / ولم يَخْش من واشٍ به ورقيب
إذا أنتَ داويتَ المحبَّ فماله / دواءٌ يُواتِيه كثغر حبيب
وجَرَّبْتُ هذا الدهرَ حتى عرفتُه
وجَرَّبْتُ هذا الدهرَ حتى عرفتُه / فأنْجى منه اللَّبيبُ المُجرّب
سَلِ الحربَ عنّي حين يُخْشى اصطلاؤها / ألستُ أُجيب الصارخين فأُرْكبُ
وسَلْ بالنَّدى هل غيرُ كفّي سَحابها / وسَلْ بالمعالي هل سوايَ لها أَبُ
فراقُك أمضى من شَبَا الصارم العَضبِ
فراقُك أمضى من شَبَا الصارم العَضبِ / وبُعُدك أضْنى للفؤاد وللقلب
وما كنتُ لو لا وشكُ بينك عالماً / بأنّ النَّوى تُخْلِ الفؤادَ من اللبِّ
ولم تك نفسي في فراقك جَلْدةً / فتَقْسِمها بين التَّبعُّد والقرب
لقد حُرَمْت عيني لبَينك نومَها / كما لم تَجُدْ إلاّ لك النّفس بالحبّ
أقِرّوا لنا يا آل عبّاسَ بالعُلا
أقِرّوا لنا يا آل عبّاسَ بالعُلا / فلستمْ لها يا آلَ عبّاسَ أكسَبا
سبقناكُم للدِّين والهجرةِ التي / تأخَّرَ عنها جدُّكمْ وتَحجَّبا
وكنتمْ بني عمِّ النبيّ محمّدٍ / وكنّا بِنيه وهو كان لنا أبا
وليس بنو أعمامِهم في دنوِّهم / كمِثل أخيه خُطّةً وتنسُّبا
ولو لم نكن إلاّ بني العمّ مثلكمْ / لكنتم لنا وَهْداً وكنّا لكم رُبَا
وما يستوي العَمّان هذا مقرَّب / محبّ وهذا بعد بُعْدٍ تقرَّبا
نَبَا جدُّكم عن نَصرِه يومَ بَعْثِه / وجدُّ عليٍّ جدِّنا عنه ما نَبَا