المجموع : 11
سِويلمُ ما قَوْلٌ ببيتِكَ يُفْتَرَى
سِويلمُ ما قَوْلٌ ببيتِكَ يُفْتَرَى / بألسنةٍ تبغي الفسادَ فَتكذِبُ
أَلابْنِ أُبيٍّ رَأيهُ ما وَراءَهُ / لِذي نُهْيَةٍ رأيٌ ولا عنه مَذْهَبُ
حَقودٌ رَمَى بالشُّؤْمِ كلَّ مُنافقٍ / فيا لكَ من شَرٍّ على النّاسِ يُجلَبُ
أحَسَّ رَسولُ اللهِ ما كان منهمُ / وَجاءَ بَرِيدُ الله بالحقِّ يدأبُ
فقال لعمَّارٍ أرى القومَ أوقدوا / لأنفُسِهمْ نَاراً بِعَيْني تَلهَّبُ
ألا قُمْ فَأدْرِكْهُم ولمَّا يُصِبْهُمُ / عَذابٌ غَليظٌ ما لهم منه مَهْرَبُ
فلمّا أتاهم أنكروا ثم أقبلوا / بأقوالٍ فُجَّارٍ عن الحقِّ تَرغبُ
فقالَ رسولُ اللهِ بل قُلتمُ الذي / عَلِمتُ وما يخفَى عَليَّ المُغيَّبُ
فقالوا على غَيْظِ النُّفوسِ وَحِقدِها / ألا إنّما كُنَّا نَخوضُ ونَلعبُ
وعادوا خَزَايا نادِمينَ وإنّهم / إلى الشَّرِّ إلا أن يَتوبوا لأَقْرَبُ
يُحَنَّةُ إنْ تُؤمِنْ فَخيرٌ وإن تُرِدْ
يُحَنَّةُ إنْ تُؤمِنْ فَخيرٌ وإن تُرِدْ / سِوَى الحقِّ فَاعْلَمْ أنّ رأيكَ عَازِبُ
أتى بك من أكنافِ أيلةَ ما أتى / وليس لمن يَمَّمتَ في النّاسِ غَالِبُ
دُعِيتَ إلى الإسلامِ فاخترْتَ جِزْيَةً / تَنالُ بها الأمنَ الذي أنتَ طالبُ
ولو كنتَ ممّن يبتغي جانِبَ الهُدَى / هُدِيتَ ولكنَّ المُضلَّلَ خَائِبُ
وما رَغِبَ المأمونُ فيها هَديَّةً / كساكَ بها البُرْدَ الذي أنت سَاحِبُ
أتيتَ بقومٍ لو رأوا مِنكَ ناصحاً / لما عاب منهم خُطّةَ الجدِّ لاعِبُ
أتأبون دِينَ الحقِّ يا آلَ إذرح / وجرباء حتى يجلب الخيل جالبُ
ألا فاشهدوا يا آل مقنا وأيْقِنُوا / بأنْ سوفَ تَنْهى الجاهِلينَ العواقِبُ
خُذوا من عهودِ الذُّلِّ ما اللَّهُ ضَارِبٌ / عليكم وما الدَّاعي إلى اللَّهِ كاتبُ
وأدُّوا إليهِ المالَ لا تَبخلُوا به / ولا تغدروا فالبأسُ يَقظانُ دائبُ
وَسِيروا بأهليكم على الخُطَّةِ التي / رَضِيتُم لهم إنّ الطريقَ لَلاَحِبُ
أخا البغلةِ البيضاءِ لَيْتَكَ كُنْتها / لعلَّكَ تدرِي كيفَ تعلو المراتِبُ
أتُعطَى من العزِّ البهيمةُ رِزقَها / ويُحرَمُ منه المرءُ تِلكَ العجائبُ
يُحَنَّةُ هذا ما قضَى اللَّهُ فاعتبِرْ / وكيف اعتبارُ المرءِ والعقلُ ذاهِبُ
تَوالتْ وفودُ اللهِ تَختارُ دِينَهُ
تَوالتْ وفودُ اللهِ تَختارُ دِينَهُ / وترضاهُ ربّاً مالها غيره ربُّ
دَعاها فلبَّتْ تَبتَغي الحقَّ مَذهباً / وجاءت يَظَلُّ الرَّكبُ يتبعهُ الرَكبُ
هَداها إلى الإسلامِ رأيٌ مُسدَّدٌ / فلا شَغبٌ يُؤذِي النُّفوسَ ولا حَرْبُ
إذ المرءُ لم يَزْجُرْ عن الغَيِّ نفسَهُ / فلا الطعنُ يهديه السّبيلَ ولا الضَّربُ
وشَرُّ سجايا النَّفسِ أن تُؤثِرَ العمى / وتَكره أن يستلَّ أدواءها الطِبُّ
تَرامَتْ بهم آمالهم ومَطيُّهم / إلى واسعِ الأكنافِ مَنزلهُ رَحْبُ
جَليلِ الأيادِي ما يَغُبُّ نَزِيلَهُ / قِرىً فاضلٌ من جُودِه وندىً سَكْبُ
إذا جاءَهُ المكروبُ والهمُّ جاثِمٌ / كفَى ما به حتَّى كأنْ لم يكُنْ كَرْبُ
وإن راحَ يَسْتَسْقِي به الغيثَ مُسنِتٌ / تَقَشَّعَ عنه الجدبُ واطَّرَدَ الخِصْبُ
لَكَمْ جاحدٍ لمَّا رأى نُورَ وَجْهِهِ / تجلّى العَمى عن عَيْنِهِ وصحا القلبُ
به عَرَفَ القومُ السّبيلَ إلى الهُدَى / فلا مَسْلَكُ وعرٌ ولا مَرْكَبٌ صَعْبُ
وفي ظلِّهِ الممدودِ حَطُّوا ذُنُوبهم / فَعادوا ولا وِزْرٌ عليهم ولا ذَنْبُ
طَهارَى عليهم من سَنا الحقِّ بَهجةٌ / لها وَهَجٌ باقٍ على الدّهرِ لا يَخْبُو
بَني الدّهرِ ناموا آخرَ الدّهرِ أو هُبُّوا / تكشّفَتِ الظَّلُماء وَانْجابتْ الحُجْبُ
أبى اللَّهُ إلا أن يُؤيّدَ دِينَهُ / فليس لِمن يأباهُ عَقْلٌ ولا لُبُّ
إذا أخذ السيْلُ الأَتِيُّ سبيلَه / فلا الشّرقُ مَسْدودُ الفجاجِ ولا الغربُ
وما الدِّينُ إلا ما محا الشرَّ والأذَى / فلا أُمَّةٌ تشكو الشّقاءَ ولا شعبُ
وما يَستَوِي البحرانِ هذا مذَاقُه / أُجاجٌ وهذا طعمهُ سائِغٌ عذبُ
قضاها لنا ربُّ السّماءِ شَريعةً / مُطَهَّرَةً لا الظلمُ منها والغَصبُ
لنا دِينُنا نسمو بِه وكتابُنا / إلى حيثُ لا الأديانُ تَسمو ولا الكُتْبُ
رَعى اللهُ قوماً ما رَعَوْا غيرَ حقِّهِ / ولا رَاعَهم فيه مَلامٌ ولا عَتْبُ
يُحبِّونَهُ حُبّاً تَلينُ قلوبُهم / بهِ وَهْوَ فيها مِثلُ إيمانِها صُلْبُ
فَمن يكُ عن حالِ المُحِبّينَ سائلاً / فتلكَ سجاياهم وهذا هُوَ الحُبُّ
تَعلَّمْ سجايا القومِ واسْلُكْ سَبيلَهم / أُولئكَ حِزبُ اللَّهِ ما مِثلهُ حِزْبُ
بَنِي مُرَّةَ اقْضُوا أمركم قبل غَالِبِ
بَنِي مُرَّةَ اقْضُوا أمركم قبل غَالِبِ / وذُوقُوا مَنَايا القوم مِن كُلِّ ذاهبِ
بَشِيرُ بنُ سعدٍ والذين أصابَهم / أذاكم رَمَوْكُمْ بالقُرُومِ المصاعِبِ
جَهِلْتُمْ جزاءَ البَغْيِ والبَغْيُ مَركبٌ / لِذي الجهلِ يُؤذِي شُؤمُهُ كلَّ راكبِ
خُذُوهُ جَزاءً مِن يدِ اللهِ عادلاً / يُدَمِّرُ منكم كلَّ راضٍ وغاضِبِ
بُليتُم بِخَصمٍ لا تَنامُ سيوفُهُ / عن الوَتْرِ إن نامتْ شِفَارُ القواضِبِ
أبيٍّ على الكفّارِ يَسقِيهِمُ الرَّدى / ويأخذُهم بالخسفِ من كلِّ جانِبِ
حَفِيٍّ بدينِ اللهِ يَمنعُ حَوْضَهُ / ويكفِيهِ أضغانَ العَدوِّ المُشَاغِبِ
هُوَ الدّمُ لا يَشْفي من الجهلِ غيرُهُ / إذا لم يُفِدْ فيه ضروبُ التجارِبِ
أجَلْ يا ابنَ عبدِ الله إنّ الوغى لها / رجالٌ يَرَوْنَ الحزمَ ضَربَةَ لازبِ
شَدَدْتَ قُوى الأبطالِ بالموثقِ الذي / عَقَدْتَ على تلك القُوى والجواذِبِ
فَعَهَدٌ على عهدٍ من اللهِ ثابتٍ / وإلفٌ على إلفٍ من الدينِ راتِبِ
أَخٌ لأخٍ جَمِّ الوفاءِ وصاحبٌ / أمينُ الهَوَى يَرْعَى الذِّمامَ لصاحِبِ
ويا لَكَ إذ تُلْقِي بما أنتَ قائلٌ / على الجندِ آدابَ الكميِّ المحاربِ
أخذتَ رُماةَ النَّبْلِ بِالسَّيْفِ ما رَمَى / بغير المنايا عن يَدَيْ كلِّ ضارِبِ
سقاهمْ نقيعَ الحَتْفِ من كل ماجِدٍ / جَرَى الحتفُ صِرْفاً في دمٍ منه ذائبِ
لذي الحِلمِ من حُسْنِ المثوبَةِ ما ابْتَغَى / وللجاهلِ المغرورِ سُوءُ العواقِبِ
دَعَاكَ رسولُ اللهِ أصَدقُ من دَعَا / إلى الحقِّ تَرمِي دُونَهُ غيرَ هائبِ
فكنتَ أمام الجيشِ أكرمَ قادمٍ / وكنتَ وَراءَ النّهبِ أكرمَ آيبِ
مَقَامٌ تمنَّاهُ الزُّبيرُ ومَطلبٌ / يَراه الفَتى المِقدامُ أَسْنَى المطالِبِ
ظَفِرْتَ بِهِ يا توأمَ النَّصْرِ تَوْأمَاً / لما نِلتَ من مجدٍ على الدّهرِ دائبِ
مَضَى لكَ يومٌ في الكديدِ مُشَهَّرٌ / يُحَدِّثُ عن جِدِّ امْرِئٍ غيرِ لاعبِ
فيا حُسْنَها من وَقعةٍ غالبيةٍ / ويا لَكَ من يومٍ جليلِ المناقبِ
حَميت لِواءَ المُلكِ فارتدَّ طالِبُهْ
حَميت لِواءَ المُلكِ فارتدَّ طالِبُهْ / وَصُنتَ ذِمارَ الحَقِّ فاعتزَّ جانبُهْ
وَأَدركت نَصراً ما رَمَت ساحَةُ الوَغى / بِأَمواجها حَتّى رَمَتها غَوارِبُهْ
تَضِجُّ العِدى غَرقى وَيَنسابُ زاخِراً / تَعُبُّ عَواديهِ وَتَطغى مَعاطِبُهْ
إِذا النَصرُ عادى في الوَغى جُندَ مُدبرٍ / فَجندُكَ مَولاهُ وَسَيفُكَ صاحِبُهْ
أَبَت أُمَّةُ اليُونانِ أَن تسكنَ الظُبى / فَهبَّ الرَدى فيها تَلظّى مَضارِبُهْ
بَعَثتَ عَلَيها مِن جُنودِكَ عاصِفاً / تَضيقُ بِهِ الآجالُ إِن جَدَّ دائِبُهْ
تَرامى بِها فَالبَرُّ حَيرى فِجاجُهُ / مُروَّعَةً وَالبَحرُ حَرّى مَسارِبُهْ
إِذا التمسَت في غَمرةِ الهَولِ مَهرباً / تَطلَّعَ عادِي المَوتِ وَانقضَّ وَاثبُهْ
مَنايا تُوزَّعنَ النُفوسَ بِمعطبٍ / دَعا السَيفُ فيهِ فاستجابَت نَوادِبُهْ
إِذا انهلَّ مَسفوكٌ مِن الدَمِ أَعولت / وَراحَت تُرِيقُ الدَمعَ يَنهلُّ ساكِبُهْ
وَإِن ضَجَّ ما بَين القَواضبِ هالكٌ / أَرنَّت وَراءَ الخَيلِ شُعثاً تُجاوِبُهْ
مآتمُ أَمسى الملكُ ممّا تَتابعت / وَأَعراسُه ما تَنقضي وَمَواكبُهْ
تجلّت هُمومٌ كُنَّ بِالأَمسِ حَولَهُ / كَما اسودَّ لَيلٌ ما تَفرّى غَياهبُهْ
أَهاب بِها النَصرُ الحَميديُّ فارعوت / وَأَقبلَ وَضّاحاً تُضِيءُ كَواكبُهْ
تَبيتُ مُنيفاتُ المَآذنِ هُتَّفاً / بِأَنبائِهِ وَالبَغيُ يَنعَقُ ناعِبُهْ
بَريدٌ مِن المُختارِ يَعبَقُ طِيبُه / وَبَرقٌ مِن الأَنصارِ يَسطَعُ ثاقِبُهْ
سَنا الوَحي أَسطارٌ فَإِن كُنتَ قارِئاً / فَهَذا كِتابُ الحَقِّ وَاللَهُ كاتِبُهْ
أَفي معقل الإِسلامِ تَطمَعُ أُمَّةٌ / تَبيتُ مَناياها حَيارى تُراقبُهْ
إِذا لَمحت إِيماءَةً مِنهُ أَجلبت / عَلى القَومِ حَتّى يَسأمَ الشَرَّ جالِبُهْ
كَتائِبُ مِن أَقوامِنا خالديَّةٌ / وَما الحَربُ إِلّا خالدٌ وَكتائِبُهْ
مَشَت تَأخذُ الأَعداءَ وَاللَهُ قائِمٌ / عَلَيها وَدينُ اللَهِ يَعتزُّ غالِبُهْ
إِذا لَمست حِصناً هَوَت شُرُفاتُهُ / وَإِن لَمحت طَوداً تَداعَت مَناكِبُهْ
تَعلَّمتِ الهَيجاءَ شَتّى فُنُونُها / وَتمّت لَها من كُلِّ فَنٍّ عَجائِبُهْ
لَها في أَعاصيرِ القِتالِ وَقائِعٌ / هِيَ السحرُ لَولا أَن يُزيَّف كاذِبُهْ
أَلمّت بلاريسّا فَحلَّ رُبوعَها / عَذابٌ إِذا ما استَصرخت لَجَّ واصِبُهْ
رَمَتها بِوَبلٍ مِن حَديدٍ وَأُسرُبٍ / تَتابَعَ يَجري مِن يَد اللَهِ صائِبُهْ
تُقلِّبُ في فَرسالةَ العَينَ هَل تَرى / عَلى اليَأسِ فيها من سَميعٍ تُخاطِبُهْ
تُديران نَجوى جارَتينِ اِعتراهُما / عَلى الضَعفِ هَمٌّ يَصدعُ الصَخرَ ناصِبُهْ
إِذا صاحتا بِالجَيشِ تَستَنجِدانهِ / تَنصّلَ مُورِيهِ وَأَجفلَ هارِبُهْ
بِكُلّ مَكانٍ مُدبِرٍ مِن فُلولهم / تَضِلُّ مَناحيهِ وَتَعمى مَذاهِبُهْ
يُجانِبُ حَرَّ البَأسِ وَالأَرضُ كُلُّها / دَمٌ وَسَعيرٌ مُطبِقٌ ما يُجانِبُهْ
وَمَن يَلتَمس لحمَ الضَوارِي لَهُ قِرىً / فَتلكَ مَقارِيه وَهذي مَآدبُهْ
هُمُ أُطعِمُوا المَوتَ الزُؤامَ وَعُلِّموا / جُنونَ السُكارى ما تَكونُ عَواقِبُهْ
تَساقَوا أَفاويقَ الغُرورِ فَما نَجَوا / وَلَيسَ بِناجٍ مِن أَذى السُمِّ شارِبُهْ
أَجارَتنا ما أَكرَم الجَيشَ لَو وَفى / وَما أَحسَنَ الأُسطولَ لَو جَدَّ لاعِبُهْ
إِلَيكُم بَني هومِيرَ هل من قصيدةٍ / تُغنّي ضَوارينا بِها وَثعالِبُهْ
دَعوا شَيخَكُم إِنّي عَلى الشعرِ قائِمٌ / فَما يَبتَغي غَيري عَلى الدَهرِ طالِبُهْ
أَسيِّرُهُ فيكُم حَديثاً مُردَّداً / لَنا مَجدُهُ الأَعلى وَفيكُم مَثالبُهْ
لَنا مِن بَني عُثمان سَيفٌ إِذا انتَمى / تَسامَت بِهِ أَعراقُهُ وَمَناسبُهْ
لِحَمزَةَ حَدٌّ مِنهٌ غَيرُ مُكذَّبٍ / وَحدٌّ لِسَيفِ اللَهِ شَتّى مَناقِبُهْ
إِذا ما دَعا الشُمَّ الأُباةَ لغارةٍ / دَعا البَيتُ فيهِ وَاستَجابَت أخاشبُهْ
قَضيتُ لَهُم في اللَهِ واجبَ حَقِّهِ / وَكَيفَ بحقِّ اللَهِ إِن ضاعَ وَاجِبُهْ
فِداؤكَ نَفسي مِن لِواءٍ مُحبَّبٍ
فِداؤكَ نَفسي مِن لِواءٍ مُحبَّبٍ / حَمى جانِبَيهِ كُلُّ ماضٍ مُدَرَّبِ
يَدينُ لَهُ الجَبّارُ غَيرَ مُعذَّلٍ / وَيَعنو لَهُ المِغوارُ غَيرَ مُؤنَّبِ
إِذا ما أَلمَّت بِالدِيارِ مُلِمَّةٌ / رَماها بمثل المارجِ المتلهِّبِ
سِميعٍ إِذا استنفرتَهُ مُتَحفِّزٍ / سَريعٍ إِذا استنجدته مُتَوثِّبِ
أَخي ثِقَةٍ لا بَأسُهُ بِمُكَذَّبٍ / ولا بَرقُهُ في الحادِثاتِ بِخُلَّبِ
هُمُ الصَحبُ صانوا للديارِ لواءَها / وَصالوا عَلى أَعدائها غَيرَ هُيَّبِ
يَكرّون كرَّ الدارعينَ إِلى الرَدى / إِذا الحربُ أَبدت عَن عبوسٍ مُقَطَّبِ
إِذا طَلبوا حَقّاً تَداعوا فَأَجلبوا / عَلى سالبيهِ وَانثَنوا غَيرَ خُيَّبِ
عَلى حين قَلَّ الناصرون وَأَعرضت / رجالٌ متى تُحمَل عَلى الجِدِّ تَلعبِ
أَطالَت عَناءَ الناصحين وَلَم يَكُن / لِيردَعَها قَولُ النَصيحِ المُؤدِّبِ
مَتى تَرَ شِعباً للعمايةِ تَستبِق / إِلَيهِ وَإِن يَبدُ الهُدى تَتنكَّبِ
تَنامُ عَنِ الأَوطانِ ملءَ عُيونِها / وَما عَمِيَت عَن خَصمِها المُترقِّبِ
فَيا عَجباً كَيفَ القَرارُ بِمعطبٍ / وَكَيفَ الكَرى ما بَينَ نابٍ وَمخلبِ
أَلا لَيتَها مَوتى بِمَدرَجةِ البِلى / وَكَالمَوت عَيشُ الخائِنِ المُتقلِّبِ
وَما مَنَعَ الأَوطانَ إِلّا حُماتُها / وَذادَتُها مِن ذِي شَبابٍ وَأَشيبِ
هُمو ذُخرُها المَرجُوُّ في كلِّ حادثٍ / وَعُدَّتُها في كلِّ يَومٍ عَصَبصَبِ
سَلامٌ عَليهُم مِن كُهولٍ وَفِتيَةٍ / وَبُوركَ فيهم مِن شُهودٍ وَغُيَّبِ
أَهَذا هُوَ العَدلُ الَّذي فيهِ أَطنَبوا
أَهَذا هُوَ العَدلُ الَّذي فيهِ أَطنَبوا / وَراحَ بِهِ مِنهُم فَخورٌ وَمُعجَبُ
أَعَدلاً يَرَونَ القَتلَ لَم يَأتِهِم بِهِ / كِتابٌ سِوى ما الظُلمُ يوحي وَيَكتُبُ
وَلِلظُلمِ آياتٌ إِذا هِيَ صافَحَت / يَدَي قادِرٍ ظَلَّت عَلى العَدلِ تَضرِبُ
وَشَرعٌ لِما سَنَّت يَدُ اللَهِ ناسِخٌ / فَلا شَرعَ إِلّا باطِلٌ فيهِ يُشجَبُ
أَخَذتُم بِنَفسٍ أَربَعاً وَنَسيتُمُ / دَماً باتَ يبكيهِ الترابُ المُخَضَّبُ
هُنالِكَ حَيثُ الجُندُ لا تَتَّقي الأَذى / وَلا تَرقُبُ العَين الَّتي ثَمَّ تَرقُبُ
وَما نَقَمَت إِلّا الحَنانَ أَثارَهُ / صَريعٌ تَرَدّى وهو حرَّان مُتعَبُ
فَيا أَسَفاً لِلساكبِ الماءَ فَوقَهُ / يُمازِجُ جاريهِ دَمٌ مِنهُ يُسكَبُ
أَنَنسى نُفوساً أَزهَقوها تَشَفِّياً / وَأُخرى غَدَت في دنشوايَ تُعَذَّبُ
نُفوسٌ تَمَنّى لَو يُساوِرُها الرَدى / فَتَمضي عَلى آثارِ تِلكَ وَتَذهَبُ
تَبيتُ تُناجيها وَلِلحزنِ كَالدُجى / ظَلامٌ يُرَدّي غَيهَباً مِنهُ غَيهَبُ
هُوَ الخَطبُ حَتّى يُنكِرَ التاجَ صاحِبُهْ
هُوَ الخَطبُ حَتّى يُنكِرَ التاجَ صاحِبُهْ / وَحَتّى يَظُنَّ العَرشَ حَتفاً يُراقِبُهْ
لَئِن مادَ عَرشُ الفاتِحينَ بِرَبِّهِ / لَقَد زُلزِلَت مِن كُلِّ عَرشٍ جَوانِبُه
وَباتَ عَلى التيجانِ إِذ ريعَ تاجُه / نَذيرٌ يَروعُ المُستَبِدّينَ ناعِبُه
تَكَشَّفَ ظِلُّ المُلكِ عَنهُ وَأَقلَعَت / مَواسِمُهُ عَن بابِهِ وَمَواكِبُه
وَعُطِّلَ مِن نورِ الخِلافَةِ أُفقُهُ / فَأَمسى وَما تَنجابُ عَنهُ غَياهِبُه
ثَوى عاثِرَ الآمالِ يونِسُهُ الأَسى / وَتُوحِشُهُ أَوطارُهُ وَمَآرِبُه
كَأَنَّ جَلالَ المُلكِ لَم يَبدُ حَولَهُ / مَهيباً وَلَم تضرب عَلَيهِ مَضارِبُه
كَأَنَّ السَرايا وَالفَيالِقَ لَم تَسِر / إِلى المَوتِ تَثني دونَهُ مَن يُحارِبُه
كَأَنَّ رُؤوسَ الصِيدِ لم تكُ خشَّعاً / لدى بابه المرجوِّ بالأمس حاجبُه
كأنَّ بغاةَ الجودِ وَالمَجدِ لَم تَفِد / عَلَيهِ وَلَم تَهطِل عَلَيهِم مَواهِبُه
كَأَنَّ بُناةَ الشِعرِ لَم تَغشَ بابَهُ / بِمُستَعلِياتٍ تَزدَهيها مَناقِبُه
كَأَنَّ الأُلى زانوا المَنابِرَ بِاِسمِهِ / أَحَلّوا بِدينَ اللَهِ ما لا يُناسِبُه
طَوَوا ذِكرَهُ وَاِستَودَعوا اللَهَ عَهدَهُ / وَكُلُّ اِمرِئٍ رَهنٌ بِما هُوَ كاسِبُه
أَرى الناسَ مَن يَقعُد بِهِ الدَهرُ يَنقُموا / عَلَيهِ وَإِن كانَت قَليلاً مَعايِبُه
أَلَم يَكُ ظِلَّ اللَهِ بِالأَمسِ بَينَنا / نَلوذُ بِهِ وَالخَطبُ ضَنكٌ مَذاهِبُه
أَنُطريهِ قَهّاراً وَنُؤذيهِ مُرهَقاً / كَفى اللَيثَ شَرّاً أَن تُفَلَّ مَخالِبُه
أَما في الثَلاثينَ اللَواتي تَصَرَّمَت / ذِمامٌ لِمَنكوبٍ تَوالَت نَوائِبُه
أَلَم يَقضِ مِنها لَيلَةً نازعَ الكَرى / مَخافَةَ عادٍ يُفزِعُ المُلكَ واثِبُه
أَلَم يَستَطِر يَوماً لِخَطبٍ مُساوِرٍ / مُحافَظَةً مِن أَن تَسوءَ عَواقِبُه
أَلا راحِمٌ هَل مِن شَفيعٍ أَما كَفى / أَكُلُّ بَني الدُنيا عَدُوٌّ يُغاضِبُه
أَكانَ يُريدُ السوءَ بِالمُلكِ أَم يَرى / مَسَرَّتَهُ في أَن تَرِنَّ نَوادِبُه
أَكُلُّ مَآتيهِ ذُنوبٌ أَكُلُّهُ / عُيوبٌ أَلا مِن مُنصِفٍ إِذ نُحاسِبُه
أَكُلُّ ذَوي التيجانِ بِالعَدلِ قائِمٌ / أَما فيهِمو ما لا تُعَدُّ مَثالِبُه
أَلَيسَ الأُلى غَشّوهُ أَجدَرَ بِالأَذى / وَأَولى الوَرى بِالشَرِّ مَن هُوَ جالِبُه
هُمُ اِكتَنَفوهُ بِالدَسائِسِ وَاِفتَروا / مِنَ القَولِ ما يَعمى عَنِ الرُشدِ كاذِبُه
وَهُم خَوَّفوهُ المَوتَ حَتّى كَأَنَّما / يُلاقيهِ في الماءِ الَّذي هُوَ شارِبُه
يَظُنُّ ثَنايا التاجِ تُضمِرُ ثائِراً / يُناوِشُهُ مِن فَوقِهِ وَيُشاغِبُه
وَأَنَّ سَريرَ المُلكِ راصِدُ حَتفِهِ / يُخاتِلُهُ عَن نَفسِهِ وَيُوارِبُه
عُنوا بِوُلاةِ السوءِ فَالشَعبُ سِلعَةٌ / بِأَيديهمو وَالمُلكُ فَوضى مَناصِبُه
يُقَرَّبُ ذو الزُلفى وَيُقصى أَخو الحِجى / وَيُظلَمُ ذو الحَقِّ المُؤَكَّدِ صاحِبُه
وَرُبَّ شَهيدٍ يَضحَكُ الحوتُ حَولَهُ / وَيندِبُهُ أَخدانُهُ وَأَقارِبُه
مَساوِئُ لَو يَدري الإِمامُ خَفِيَّها / لَظَلَّ وَما يَرقا مِنَ الدَمعِ ساكِبُه
بِأَيِّ مِجَنٍّ يَمنَعُ المُلكَ رَبُّهُ / وَمانِعُهُ عادٍ عَلَيهِ فَسالِبُه
رَعى اللَهُ قَوماً أَنهَضوا عاثِرَ المُنى / وَصانوا حِمى عُثمانَ فَاِرتَدَّ طالِبُه
وَحَيّا الإِمامَ المُرتَضى وَأَعَزَّهُ / وَلا زالَ أُفقُ المُلكِ تَزهى كَواكِبُه
أَرى الدَمَ يَجري في الكِنانَةِ دائِباً
أَرى الدَمَ يَجري في الكِنانَةِ دائِباً / وَما اِنفَكَّ داعي الشَرِّ يَجري وَيَدأَبُ
لَعَمري لَقَد جَلَّت مُصيبَةُ أُمَّةٍ / يَخونُ بَنوها عَهدَها حينَ تُنكَبُ
وَما كُنتُ أَخشى أَن تَرى العَينُ فِتيَةً / عُكوفاً عَلى اللَذّاتِ تَلهو وَتَطرَبُ
كَأَن لَم يَكُن في مِصرَ شَيءٌ يَروعُها / وَلَم يَعرُها يَومٌ مِنَ النَحسِ أَشهَبُ
حَنانَكَ رَبَّ الناسِ بِالأَنفُسِ الَّتي / تَبيتُ مِنَ المَكروهِ حَيرى تَقَلَّبُ
عَناها مِنَ الحِدثانِ ما رُوِّعَت بِهِ / وَمِن هائِلِ المَقدورِ ما تَتَرَقَّبُ
حَنانَكَ إِنَّ العَيشَ غُمَّت وُجوهُهُ / وَراحَت وُجوهُ المَوتِ حُمراً تَلَهَّبُ
إِلَيكَ أَنبَنا لائِذينَ بِرَحمَةٍ / هِيَ العِصمَةُ الكُبرى إِذا ريعَ مُذنِبُ
تَدافَعَتِ الأَهوالُ مِن كُلِّ جانِبٍ / وَجاءَت خُطوبُ الدَهرِ تَتَرى تَأَلَّبُ
وَوَلّى بشيرُ الخَيرِ بِالخَيرِ مُعرِضاً / وَقامَ نَذيرُ الشَرِّ بِالشَرِّ يَنعَبُ
وَأَقبَلَ مِنّا ذو البَنينِ مُوَدِّعاً / بَنيهِ يَخافُ المَوتَ وَالدَمعُ يُسكَبُ
بَكوا لِأَناشيدِ الوَداعِ وَما دَروا / أَجَدَّ أَبوهُم أَم تَطَرَّبَ يَلعَبُ
وَمَذعورَةٍ لَم تَدرِ مِمّا أَصابَها / أَيهلِكُ أَم يَبقى لِأَبنائِهِ الأَبُ
يَبيتانِ طَوعَ السُهدِ مِن تَعَبِ النَوى / وَلَكِنَّهُ مِمّا دَها مِصرَ أَتعَبُ
يَخافُ عَلَيها شَرَّ قَومٍ تَنَمَّروا / يُريدونَها بِالسوءِ لَمّا تَوَثَّبوا
يَجوبونَ أَطرافَ البِلادِ وَما بِهِم / سِوى الصَيدِ يُرمى وَالفَريسَةِ تُطلَبُ
رَمانا بِهِم قَومٌ يُريدونَ مَأرِباً / وَلِلخائِنِ المَخدوعِ في السوءِ مَأرِبُ
يَخافونَ يَومَ العَدلِ وَالعَدلُ مُقبِلٌ / بِأَيّامِهِ وَالدَهرُ بِالناسِ قُلَّبُ
فَذَلِكَ يَومٌ لا مَحالَةَ واقِعٌ / وَإِن سَفَهَت أَحلامُهُم فَتَرَيَّبوا
مَلَلنا وَما مَلَّ العَدُوُّ المُغاضِبُ
مَلَلنا وَما مَلَّ العَدُوُّ المُغاضِبُ / وَلِنّا وَما لانَ الزَمانُ المُشاغِبُ
يُعاجِلُنا ما لا نُريدُ مِنَ الأَذى / وَيُبطِئُ مِن آمالِنا ما نُراقِبُ
حَمَلنا قُلوباً يَعصِفُ الدَهرُ حَولَها / وَتَهفو بِها أَحداثُهُ وَالنَوائِبُ
نُريدُ سَبيلَ الأَمنِ وَالأَرضُ كُلُّها / مَشارِقُها مَذعورَةٌ وَالمَغارِبُ
تَثورُ شُعوبُ العالَمينَ وَيَنطَوي / عَلى الذُلِّ شَعبٌ في السَكينَةِ راغِبُ
رُمينا بِأَقوامٍ مِراضٍ قُلوبُهُم / يَسومُونَنا ما لا يُسامُ المُحارِبُ
فَلا الدَمُ مَمنوعٌ وَلا العِرضُ سالِمٌ / وَلا العَسفُ مَحظورٌ وَلا الرِفقُ واجِبُ
يُقادُ إِلى الهَيجاءِ مَن لا يُريدُها / فَيَمشي إِلَيها وَهوَ طَيّانُ ساغِبُ
أَطاعَ العِدى لا أَنَّهُ خانَ قَومَهُ / وَلَكِنَّما ضاقَت عليه المذاهبُ
هُمو سَلَبوهُ المالَ وَالآلَ وَاِحتَوَوا / مِنَ الحَبِّ وَالأَنعامِ ما هُوَ كاسِبُ
فَأَصبَحَ لا يَدري أَفي الأَرضِ مَذهَبٌ / أَمِ اِنطَبَقَت أَطرافُها وَالمَناكِبُ
تَطَوَّعَ يَلقى المَوتَ لا مِن شَجاعَةٍ / وَلِكِنَّهُ مِن خيفَةِ المَوتِ هارِبُ
رَماهُ مِنَ الجوعِ المُبَرِّحِ مِقنَبٌ / تَدينُ لَهُ الهَيجا وَتَعنو المَقانِبُ
إِذا كَرَّ لاقَتهُ الأَسِنَّةُ خُضَّعاً / وَجاءَتهُ في زِيِّ العِصِيِّ القَواضِبُ
أَسِفتُ لِشَعبٍ مُستَباحٍ وَأُمَّةٍ / أَحاطَ بِها جَيشٌ مِنَ الظُلمِ غالِبُ
تُمارِسُ مِنهُ غارَةً بَعدَ غارَةٍ / وَتَرقُبُ فيهِ ما تَجيءُ العَواقِبُ
تَروحُ وَتَغدو وَالنُفوسُ نَوازِعٌ / تُدافِعُها آمالها وَتُجاذِبُ
طَوَت حِجَجاً سوداً كَأَنَّ شُهورَها / بَناتُ الدُجى أَهوالُها وَالغَياهِبُ
تَسيرُ بِطاءً وَالمَكارِهُ رُكَّضٌ / بِأَرجائِها وَالمُزعِجاتُ دوائِبُ
نَشُدُّ القُلوبَ الخافِقاتِ تَهُزُّها / خُطوبُ اللَيالي وَالهُمومُ النَواصِبُ
وَأَهلَكنا غَدرُ الوُلاةِ وَقَولُهُم / هَنيئاً لِشَعبٍ اَخطَأَتهُ المَعاطِبُ
أَرونا بِلاداً فاتَها ما أَصابَكُم / وَتَمَّت لَها حاجاتُها وَالمَطالِبُ
أُبيدَت شُعوبٌ جَدَّ في الحَربِ جِدُّها / وَغودِرَ شَعبٌ في الكِنانَةِ لاعِبُ
لَبِستُم رِداءَ السِلمِ إِذ كُلُّ أُمَّةٍ / لَها مِن دِماءِ الهالِكينَ جَلابِبُ
فَلا تَكفُروها يا بَني مِصرَ نِعمَةً / وَلا يَجلِبَنَّ الشَرَّ في مِصرَ جالِبُ
لَعَمري لَقَد غالَ النُفوسَ فَسادُها / وَلا كَنُفوسٍ أَفسَدَتها المَناصِبُ
تَطيبُ سَجايا المَرءِ حَتّى إِذا سَما / بِهِ مَنصِبٌ دَبَّت إِلَيهِ المَعائِبُ
أَخَذنا عَلى القَومِ العُهودَ فَما وَفوا / وَلا صَدَقَت أَخلاقُهُم وَالضَرائِبُ
كَأَنّا وَإِيّاهُم عَلى مُستَكِنَّةٍ / مِنَ الحِقدِ نُخفيها مَعاً وَنُوارِبُ
يَخافونَ بَعضَ اللائِمينَ وَنَتَّقي / بَوادِرَهُم فَالشَرُّ حَيرانُ هائِبُ
كِلانا عَلى ما يَسلِبُ النَفسَ حِلمَها / مِنَ الأَمرِ لا راضٍ وَلا هُو غاضِبُ
وَإِنَّ بِلاداً سامَها الضَيمَ أَهلُها / لَأَجدَرُ أَن يَقضي عَلَيها الأَجانِبُ
يُصيبونَ مِنها كُلَّ يَومٍ فَريسَةً / تُمَزِّقُها أَنيابُهُم وَالمَخالِبُ
أُسودٌ عَلى المُستَضعَفينَ ثَعالِبٌ / تَروغُ إِذا هَبَّ القَوِيُّ المُواثِبُ
سَئِمنا حَياةَ الذُلِّ وَالذُلُّ مَركَبٌ / يُسايِرُ فيهِ المَوتَ مَن هُوَ راكِبُ
نُريدُ فَيَأبى الظالِمونَ وَنَشتَكي / فَيَحجِبُنا مِنهُم عَنِ العَدلِ حاجِبُ
دَهانا مِنَ الأَقوامِ ما لَو دَها الصَفا / لَفاضَت دَماً عَن جانِبَيهِ المَذانِبُ
وَلَو أَنَّ بِالشُمِّ الشَوامِخِ ما بِنا / لَما ثَبُتَت مِنها الذُرى وَالجَوانِبُ
أَما تُحسِنُ الأَيّامُ صُنعاً بِأُمَّةٍ / أَساءَت بِها الصُنعَ اللَيالي الذَواهِبُ
صَبَرنا وَهَذا مُنتَهى الصَبرِ كُلِّهِ / فَأَينَ أَمانينا وَأَينَ المَآرِبُ
فَلا مَجدَ لِلأَوطانِ حَتّى يَزورَها / كَتائِبُ تُزجيها لِقَومي كَتائِبُ
ركَدتَ وَهبّتْ لوعةُ الحُزنِ تَدأبُ
ركَدتَ وَهبّتْ لوعةُ الحُزنِ تَدأبُ / وَنِمتَ وما نَامَ الحَريبُ المُعذَّبُ
أمِن شِيمةِ الأبطالِ أن يبعثوا الوَغَى / فَإنْ أَوشكتْ أن تَبعثَ النَّصرَ نُكِّبوا
بِعينكَ ما تَلْقَى مِن الضَّيمِ أُمَّةٌ / تَبيتُ بوادي النّيلِ حَيْرَى تَقَلَّبُ
أَخيذةُ أحداثٍ تَظلُّ غُزاتُها / مُظفَّرةً أَبْطالُها ما تُخيَّبُ
جَرَتْ بارحاتُ الطيرِ ترمي رَجاءَها / بأَسحمَ ما ينفكُّ حرّانَ يَنعبُ
أَلاَ قَدَرٌ للهِ يجرِي سَنيحُه / بحاجاتها أو آيةٌ منه تُكتَبُ
لَعمرُ الأُلَى هانتْ عليهم صُدوعُها / لقد غَالَها الصدَّعُ الذي ليس يُرأَبُ
إذا هي جدََّتْ تطلبُ الحقَّ ردَّها / مُعنّىً بإدمانِ الأباطيلِ يلعبُ
تورّعَ يستهوِي الحُلومَ فأَقبلتْ / جَماهيرُها تستنُّ أَيّانَ يَذهبُ
فلمّا ارْتَمتْ ملءَ العِنانَيْنِ خَالَها / عَصافيرَ تُزْجَى أو قواريرَ تُجلَبُ
وأعرضَ يَقضي حاجةَ النّفسِ لا يَرى / لها حاجةً مِن دُونِ ذلكَ تُطْلَبُ
يُعلّمها أن تجعلَ الغَدْرَ مَركباً / إذا لم يكن مِن صالحِ البرِّ مَركبُ
كذلكَ يُعدِي المرءُ أخلاقَ قَوْمِه / وَيهدِمُ مِنها مَا بَناهُ المُؤَدِّبُ
سَلُوا مِصرَ إذ أَوْدَى فَتاها المُحبَّبُ / أَمَا انْصرفَتْ آمالُها وهي نُحَّبُ
وَحُوطوا حِمَى الإِسلامِ إنّي أخافُها / كتائبَ شتَّى حَوله تَتألَّبُ
لقد كان مِلءَ المشرقَيْنِ كِلاءةً / إذا انبعَثتْ أو أمسكتْ تترقَّبُ
تَجولُ المنايا حَولها كُلَّما ارْتَمتْ / قَذائفُ مِنه جُوَّلُ الهَوْلِ جُوَّبُ
دَعَوْتُ الأمينَ الحرَّ دعوةَ مُشفْقٍ / يرى دولةَ الأحرارِ في مِصرَ تُنكَبُ
مَنايا غَلَبْنَ البأسَ يَعصِفُ بالقُوى / وأهواءُ دُنيا هُنَّ أقوى وأغلبُ
تَتابعَ أبطالُ الجهادِ وَغُودِرَتْ / بَقايا سُيوفٍ في يدِ اللهِ تَضرِبُ
تَقَرُّ العَوادِي حين يَهتاجُ سِربُها / وتَرْضَى السّماواتُ العُلىَ حين تَغضبُ
تَصونُ جَلالَ الدّينِ والدّينُ يُزْدَرَى / وتَحمِي لِواءَ الحقِّ والحقُّ يُسلَبُ
أقَامَ الهُدَى أَعلامَهُ في ظِلالِها / فما فيهِ للغاوي المُضلِّل مَأربُ
دَوافعُ لِلجُلَّى سَواطعُ في الدُّجَى / طَوالعُ للسَّارينَ والشُّهبُ غُيَّبُ
مَنعنا بها عِرضَ الكِنانةِ إنّه / بِمَجْرَى السَّنا منها مُقيمٌ مُطنَّبُ
يَضيقُ به الخَصمُ اللَّجوجُ فيرعوي / ويرتدُّ عنه الطامحُ المُتَوثِّبُ
يَرى الدّهرُ أن يَبتزَّهُ وهو مُشفِقٌ / ويُغرِي به أحداثَه وَهْيَ هُيَّبُ
وإنّا لَنَأْبَى أن نرى مِصرَ عَوْرةً / نُسَبُّ بها في العَالَمينَ ونُثْلَبُ
أَنترُكُها نَهْبَ المُغيرينَ إنّنا / لَتُنكِرُنا آباؤنا حِينَ نُنْسَبُ
أَنحنُ بنو القومِ الأُلىَ زَلزلوا الدُّنَى / وثَلّوا العُروشَ الشُّمَّ أم نحن نكذبُ
أرَى المرءَ يأبى أن يُقارِفَ خُطَّةً / تنكَّبَها مِن قبلِ أن يُولدَ الأبُ
هَلُمّوا شَبابَ النّيلِ فالبِرُّ أوجَبُ / أَمِن حَقِّهِ أن تنعموا وهو مُتْعَبُ
هَلُمّوا إلى البيضاءِ إن رَابَ مَذهبٌ / وأُمُّوا سَواءَ الأمرِ إن مَالَ أَنْكَبُ
هَلُمّوا فَصُونوا للِكنانةِ مَجْدَها / وكونوا لها الجُندَ الذي ليس يَرهبُ
أَقيموا على الأخلاقِ بُنيانَ عِزِّها / فقد هَجَعَ الباني وهَبَّ المُخرِّبُ
بكيتُ على الماضينَ من شُهدائِكم / يُباعُ الدَّمُ المسفوكُ مِنهم وَيُوهَبُ
قَرابينُ رِيعَتْ في مَحاريبِ قُدْسِها / وما بينها جانٍ ولا ثَمَّ مُذنِبُ
تَنَاسَى حُماةُ النّيلِ أيّامَ قُرِّبَتْ / فضاعتْ غَواليها وضَاعَ المُقَرِّبُ
بُهِتُّ فما أدري أَماءُ مِرَشَّةٍ / يُراقُ جُزافاً أم دَمٌ يَتصبَّبُ
رَثَى الأُسْرُبُ الجاني لِفرطِ هَوانِها / على القومِ واسْتَحيا السِّلاحُ المُخَضَّبُ
وَأصبحَ راميها تلوحُ شُخوصُها / فَيأْسَى وتشكو ما دهاها فَيحدَبُ
لَئِنْ عَجِبَ الأقوامُ مِن سُوءِ صُنعهِ / لَصُنعُ الأُلىَ حَالوا عَنِ العهدِ أَعجبُ
مَضوا هَدَراً مِثلَ الرّياحينِ غالَها / وَشيكُ الرَّدى أو هُم أبرُّ وأطيبُ
فَمِن لاعجٍ للوجدِ يُذكيه لاعجٌ / وَمِن صيِّبٍ للدّمعِ يُزجيهِ صَيِّبُ
ضحَايا من الأبرارِ ضَجَّتْ قُبورُها / فَضَجَّ المُصلَّى واْقشعرَّ المُحصَّبُ
هَلُمّوا شَبابَ النّيلِ لا تَتَهيَّبوا / فقد نَشطَ الدّاعي وجَدَّ المُثوِّبُ
هو الحقُّ ما عن نَهجهِ مُتحوَّلٌ / لِمَنْ يبتغِي المُثلىَ ولا منه مَهربُ
أجيبوا سِراعاً إنّها ساعةُ الوَغَى / وإنّا لَنخشَى أن يطولَ التأهُّبُ
إذا السّيفُ أمضَى في الكتائبِ حُكمَهُ / فماذا عَسَى يُغنِي الكميُّ المُجرِّبُ
إلينا شَبابَ النّيلِ لا تَعْدِلوا بنا / فلا القاعُ غَرّارٌ ولا البرقُ خُلَّبُ
إلى أُمَّةٍ تُلقِي إليكم رَجاءَها / إذا هَاجَها يومٌ مِن الشَّرِّ أشهبُ
عَرفنا لها ما جَلَّ من حُرُماتِها / فَلا نَحنُ نُؤذيها ولا هِيَ تَعتِبُ
أُولئكَ أعلامُ الجهادِ فَكبِّروا / وَتلكَ أناشيدُ البلادِ فَأَوِّبوا