أَرْحليَ مَحمولٌ عَلَى العُتُقِ النُّجْبِ
أَرْحليَ مَحمولٌ عَلَى العُتُقِ النُّجْبِ / يَؤْمُّكَ أَم سارٍ عَلَى القُتُمِ النُّكبِ
يقودُ بِهَا هادٍ إِلَى الأَمْرِ والمُنى / ويَحْدو بِهَا حادٍ عَلَى الخوفِ والرُّعْبِ
غرائبُ ممَّا أَغربَ الدهرُ أَطْلَعَتْ / عَلَيْكَ هلالَ العلم من أُفُقِ الغرْبِ
طوَتْ فَلَوَاتِ الأَرْضِ نَحوكَ وانْطَوَتْ / كَبَدْرٍ إِلَى مَحْقٍ بشَهرٍ إِلَى عُقْبِ
كؤوساً تساقَتها الليالي تنادُماً / فجاءَتكَ كالأَقداحِ رُدَّتْ عن الشُّرْبِ
تعاوَرَهُنَّ البَرُّ والبحرُ مثلَما / تُرَدُّ بأيدي الرُّسلِ أَجوِبَةُ الكتْبِ
فَليلٌ إِلَى صُبحٍ وصبحٌ إِلَى دُجىً / وكَرْبٌ إِلَى رَوْحٍ وروحٌ إِلَى كَرْبِ
وسهلٌ إِلَى حَزْنٍ وحزنٌ إِلَى فلاً / وسُهْبٌ إِلَى بَحرٍ وبَحرٌ إِلَى سُهْبِ
يُكَتِّبْنَ صَفْحَاتِ السُّعودِ نواظِراً / ويَنفُضنَ من أَقلامِهِنَّ عَلَى القَلْبِ
ويَقضِمْنَ أَطرافَ الهَشِيمِ تَبلُّغاً / إِلَى الرَّوْضَةِ الغنَّاءِ فِي المَشربِ العَذْبِ
تُنيخُ فتُلقي فِي الصُّخورِ كلاكِلاً / تنوء لأَرضِ المِسكِ زَهْواً عن التُّرْبِ
ويَفْحَصْنَ فِي رَضمِ الحَصى بمناسِمٍ / تهيم إِلَى حصباءَ من لُؤْلُؤٍ رَطْبِ
أُنَسِّمُها رَيَّاكَ فِي نفحةِ الصَّبا / وأَجلو لَهَا سِيماكَ فِي أَوْجُهِ الشُّهْبِ
وأُسْمِعُها دَاعيكَ فِي كُلِّ مَنْهَلٍ / هَلُمَّ إِلَى الإِكْرَامِ والمنزِلِ الرَّحبِ
ولاحَ لَهَا البَرْقُ الَّذِي أَغدَقَ الثَّرَى / فَهُنَّ إليه مُوفِضاتٌ إِلَى نُصبِ
مُوفَّرَةٌ مِنِّي إِليكَ وسائِلاً / تفوحُ لأَنفاسِ الركائِبِ والرَّكْبِ
ولو عَجَزَتْ عن هِمَّتِي لتبلَّغَتْ / بذي قَدَمٍ تصبو إِلَى ذي يدٍ تُصبي
فَقَلَّ لِمَنْ عاذَ الهُدى بسيوفِهِ / ودارتْ نجومُ المُلكِ منه عَلَى قُطبِ
وضاءَ بنُورِ الحقِّ غرّةُ وجهِهِ / فأطفأَ نيرانَ الضَّغائِنِ والشَّغْبِ
أخو الكَهْلِ وابنٌ للكبيرِ ووالِدٌ / لأَبنائِهِمْ فِي مُعتَرىً غير ذِي تِرْبِ
عطاءٌ بلا مَنٍّ وحكمٌ بلا هَوىً / وملكٌ بلا كِبْرٍ وعزٌّ بلا عُجبِ
ومَولىً كما تجلو المصابيحُ فِي الدُّجى / ورأْيٌ كما يشفي الهِناءُ مِنَ النُّقبِ
سَما فاشْتَرى مَثنى الوزارةِ سابقاً / بمثنى الأَيادِي البِيضِ والخُلُقُ النَّدْبِ
وحازَ عنانَ الدهرِ سَمْعاً وطاعةً / بِكشفِ قِناعِ الصبرِ والسُّمْرِ والقُضْبِ
غمامٌ أَظَلَّ الأرضَ وانهلَّ بالحَيا / ضَمانٌ عَلَى النُّعمى أَمَانٌ منَ الجَدْبِ
تفجَّر للأَيامِ بالجودِ والنَّدى / وأَثمرَ للإِسْلامِ بالحزْمِ واللُّبِّ
فتى يتلقَّى الرَّوْعَ بالبيض والقَنا / ومُعتفيَ الأَضيافِ بالأَهْلِ والرَّحبِ
مُسَمَّىً بفَتحِ اللهِ أَرْضَ العِدى بِهِ / مُكَنَّى بنَصرِ اللهِ والدِّينِ والرَّبِّ
وأَيُّ وليدٍ للمكارِمِ والعُلا / وأَيُّ رضيعٍ للوقائِع والحَرْبِ
وأَيُّ فَتىً فِي مَشْهَدِ الرَّأْيِ والنُّهى / وأَيُّ فتى فِي موقِع الطعنِ والضربِ
وأَيَّ عَرُوسٍ بالسِّيادَةِ لم يَسُقْ / سوي السيفِ من مَهرٍ إِليها وَلا خَطبِ
وأَيُّ رَجاءٍ قادَ رَحْلي إِليكُما / وَقَدْ أَصعَقَتْني مثلُ رَاغِيَةِ الصَّقْبِ
بعيدٌ مِنَ الأَوْطَانِ مُسْتَشعِرُ العِدى / غَريبٌ عَلَى الأَمْوَاهِ مُتَّهَمُ الصَّحبِ
أَقَلُّ من الرِّئْبَالِ فِي الأَرْضِ آلِفاً / وإِنْ كَانَ لَحْمِي للحسودِ ولِلخِبِّ
وأَعْظمُ تأْنيساً لدَهْرِي منَ المُنى / وأَوْحَشُ مِنهُ من فتى الجُبِّ فِي الجُبِّ
وَللهِ من عَزْمٍ إِليكَ اسْتقادَني / فأَفْرَطَ فِي بُعدٍ وَفَرَّطَ فِي قُرْبِ
حياءً منَ الحالِ الَّتِي أَنْتَ عَالِمٌ / بِهَا كيْفَ عَاثَتْ فِي سناها يَدُ الخَطْبِ
وتَسويفَ يومٍ بعدَ يومٍ تَخَوُّفاً / لَعَلِّيَ لا ألقاك مُنشرِحَ القلبِ
وَشُحّاً بباقي ماءِ وَجْهٍ بذلتُه / لَعلِّيَ أَقضي قبلَ إِنفادِهِ نَحْبِي
وَتأْخِيرَ رِجْلٍ بعدَ تقديمِ أُختِها / حِذاراً لدهرٍ لا يُغْمِّضُ عن حَربي
كما مَسَّنِي الشيطانُ نحوَكَ ساعِياً / بطائِفِ سُقْمٍ مِن عذابٍ وَمن نَصبِ
وَبارِقَةٍ منْ مُقْلَتيْ أُمِّ مِلْدَمٍ / ثَنَتْنِي صريعاً لليَدَيْنِ وللجَنْبِ
مُحجَّبةٍ لا تُتَّقى بشبا القنا / ولا يُخْتَفَى منها ببابٍ ولا حُجْبِ
يَدِقُّ عن القَلْبِ المُؤَنِّبِ قدْرُها / وَقَدْ جَلَّ مَا لاقَيت منها عن العَتْبِ
طَوَت ظِمْءَ عشرٍ بعدَ عشرٍ وأَوْرَدَتْ / عَلَى النَّفس لا تَرْضى عن الرِّفْهِ بِالغِبِّ
إِذا كَرَعَتْ فِي حَوْض نفسيَ خَضخَضتْ / ففاضت نواحيهِ بمُنْهَمِرٍ سَكبِ
فمطعَمُها لحمي وَمَشْرَبُها دَمي / وتَرْتَعُ فِي جِسْمي وتَأْوي إِلَى قلبي
كَأَنَّ لَهَا عندي مَخارِيفَ جِنَّةٍ / وأَصلى بِهَا نارَ المُعَذَّبِ بالذَّنْبِ
إِذا أَوْقدَتْ جِسمي هَجيراً تظلَّلت / فَحلَّتْ كِناساً من شَغافِيَ أَوْ خِلبي
تَحَمَّلْتُها فِي حرِّ صَدْرِي وأَضْلُعِي / وتَحمِلُ أَحشائي عَلَى المركَبِ الصَّعبِ
أُلاوِذُ عنها قلبَ مكتئِبٍ شَجٍّ / وتَحْفزُ نَحوي قلبَ ذي لَوْعةٍ صبِّ
وتَكذِبُني عنها الأماني وإِنَّهَا / إِلَيَّ لأَهدى من قطاةٍ إِلَى شِرْبِ
وإِنْ كَانَ أَضْنَى الحُبُّ فالعقلُ حاكِمٌ / بأَنَّ ضنى الشَّنآنِ فَوْقَ ضنى الحُبِّ
وفي راحَتَيْ عبدِ الفعيلِ بنِ فاعِلِ / شِفائي وَفِي نُعمى مكارِمِهِ طِبِّي
دَعَوْتُ فلبَّانِي وآوى تَغَرُّبِي / إِلَى كَرَمٍ لِلعِزِّ ذي مُرْتَقىً صَعبِ
وجَلَّى هُمُومِي منْ سَناهُ ببارِقٍ / أَضَاءَ بِهِ مَا بَيْنَ شرْقٍ إِلَى غَرْبِ
وأَسْبلَ لي من سِتره فَوْقَ سِتَّةٍ / أَهِيمُ بهمْ فِي الأَرضِ مِثلَ القطا الزُّغبِ
فأَصبحْتُ فِي إِكْرامِهِ مانِعَ الحِمى / وأَمْسيتُ فِي سلطانِهِ آمِنَ السِّرْبِ
وحَمْداً لمَنْ هدَّى لسانِي لحَمدِهِ / وحَسبي لَهُ مَنْ قَدْ قَضى أَنَّهُ حَسبي