المجموع : 8
اتتكَ القوافي ما لها عنكَ مذهبُ
اتتكَ القوافي ما لها عنكَ مذهبُ / فأنتَ بها برٌوأنت لها أبُ
وما وجدتْ مثلي لها اليومَ شاعراً / أياديكَ تمليها عليَّ فأكتبُ
وهل كلساني إن مدحتُكَ مبدعٌ / وهل كبياني ساحراً حين أنسبُ
دع الشعرَ تقذفهُ من البحرِ لجةٌ / إليكَ ويلقيهِ من البر سبسبُ
فإن يممَ الغرُّ الميامين مكةً / حجيجاً فهذي كعبة الشعرِ يثربُ
طلعتْ عليها طلعة البدرِ بعد ما / تجللها من ظلمةِ الظلمِ غيهَبُ
بوجهٍ لو أن الشمس تنظرُ مرةً / إليه لكانت ضحوةُ الصبحِ تغربُ
فجليتَ عنها ما أدلهمَّ وأبرقتْ / أسارير كانتْ قبلَ ذلكَ تقطبُ
وهل كنتَ إلا ابن الذي فاضَ برُهُ / عليها كما انهلَّ الغمام وأعذبُ
فكنْ مثلُهُ عدلاً وكُن مثلهُ تقىً / وصن لبنيهِ ما يد الدهرِ تنهبُ
سما بكَ أصلٌ طبقَ الأفقَ ذكرهُ / وسارتْ بهِ الأمثالُ في الأرضِ تضربُ
وقومٌ همُ الغرُّ الكواكب كلما / تغيبَ منهم كوكبٌ لاح كوكبُ
وهم معشر الفاروقِ من كل أغلبٍ / نماهُ إلى ليث العرينةِ أغلبُ
حفظتَ لهم مجداً وكانَ مضيعاً / وأبقيتَ فخراً كانَ لولاكَ يذهبُ
ونالكَ فضلُ الله والملكِ الذي / أرى كل ملكٍ دونهُ يتهيبُ
إذا ذكروهُ كبرَ الشرقُ بهجةً / وإن لقبوهُ أكبرَ الشرقِ مغربُ
يصدعُ قلبَ الحاسدينَ وإنهُ / إلى كل قلبٍ في الورى لمحببُ
ويرضي رعاياهُ فيردي عدوهُ / وما زالَ في الحالينِ يُرجى ويُرهبُ
حباكَ بها غراءَ يفترُ ثغرها / وكنتَ لها بعلاً وغيركَ يخطبُ
وكم أمَّلتها أنفسٌ فتحجبتْ / وبنتُ العلا إلى عن الكفءِ تحجبُ
سموتَ إليها وما ونيتَ وقد أرى / ذوائبَ قومٍ دونها تتذبذبُ
فطر فوقها ما العزّ عنكَ بمبعدٍ / وفضلُ أمير المؤمنينَ مقربُ
كأني بربِّ الروضةِ اليومَ باسماً / وصدِّيقهُ يزهى وجدكَ يعجبُ
ويثربُ مما أدركتْ من رجائها / بمقدمكَ الميمون باتتْ ترحبُ
عصافيرُ يحسبنَ القلوبَ من الحبِّ
عصافيرُ يحسبنَ القلوبَ من الحبِّ / فمنْ لي بها عصفورةٌ لقطتْ قلبي
وطارتْ فلما خافتِ العينُ فوتها / أزالتْ لها حباً من اللؤلؤ الرطبِ
فيا ليتني طيرٌ أجاور عشها / فيوحشُها بعدي ويؤنسُها قربي
ويا ليتها قد عششتْ في جوانبي / تغردُ في جنبٍ وتمرحُ في جنبِ
ألا يا عصافيرَ الربا قد عشقتُها / فهبي أعلمكِ الهوى والبكا هبي
أعلمكِ النوحَ الذي لو سمعتِهِ / رثيتِ لأهلِ الحب من شغفِ الحبِ
خذي في جناحيكِ الهوى من جوانحي / وروحي بروحي للتي أخذتْ لبي
نظرتُ إليها نظرةً فتوجعتْ / وثنيتُ بالأخرى فدارتْ رحى الحربِ
فمن لحظةٍ يرمى بها حدَ لحظهِ / كما التحمَ السيفانِ عضباً على عضبِ
ومن نظرةٍ ترتدُ من وجهِ نظرةٍ / كما انفلبَ الرمحانِ كعباً إلى كعبِ
فساقتْ لعيني عينها أي أسهمٍ / قذفنَ بقلبي كلَّ هولٍ من الرعبِ
وساق لسمعي صدرها كلَّ زفرةٍ / أقرت بصدري كلّ شيءٍ من الكربِ
ودارت بي الألحاظُ من كل جانبٍ / فمنهنَّ في سلبي ومنهنَّ في نهبي
فقلتُ خدعنا إنها الحربُ خدعةً / وهون خطبي أن أسر الهوى خطبي
فقالت إذا لم تنجُ نفسٌ من الردى / فحسبكَ أن تهوى فقلتُ لها حسبي
وليَ العذرُ إما لامني فيكِ لائمٌ / فأكبرُ ذنبي أن حبكِ من ذنبي
ويا منْ سمعتمْ بالهوى إنما الهوى / دمٌ ودمُ هذاكَ يصبو وذا يصبي
متى ائتلفا ذلاً ودلاً تعاشقا / وإلا فما رونقِ الحسنِ ما يسبي
سلوني انبئكمْ فما يدر ما الهوى / سوايَ ولا في الناسِ مثلي من صبِ
إذا شعراءُ الصيدِ عدوا فإنني / لشاعرُ هذا الحسنِ في العُجْمِ والعُرْبِ
وإن أنا ناجيتُ القلوبَ تمايلتْ / بها نسماتُ الشعرِ قلباً على قلبِ
وبي من إذا شاءتْ وصفتُ جمالها / فواللهِ ما يبقى فؤادٌ بلا حبِّ
من الغيدِ أما دلُّها فملاحةٌ / وأما عذابي فهو من ريقها العذبِ
ولم يبقِ منها عُجبُها غيرَ خطرةٍ / ولا هي أبقتْ للحسانِ من العجبِ
عرضتُ لها بينَ التذلّلِ والرضا / وقد وقفتْ بينَ التدللِ والعتبِ
وأبصرتُ أمثالَ الدمى يكتنفنني / فقلتُ أهذي الشهبُ أم شبهُ الشهبِ
فما زالَ يهدي ناظري نورَ وجهِها / كما نظرَ الملاحُ في نجمةِ القطبِ
وقد رُحنَ أسراباً وخفتُ وشاتَها / فعيني في سربٍ وقلبي في سربِ
وقالتْ تجلّد قلتُ يا ميُّ سائلي / عن الحزنِ يعقوباً ويوسفَ في الجبِ
وما إن أرى الأحبابَ إلا ودائعاً / ترد فإما بالرضاءِ أو الغصبِ
سعوا بيننا حتى لقد كنتُ راضياً
سعوا بيننا حتى لقد كنتُ راضياً / فأصبحتُ من قولي احبكَ تغضبُ
ولم أجنِ ذنباً غيرَ أني ذو هوىً / وأنكَ لي دونَ الأنامِ محببُ
وقالوا ستنسى إن تباعدَ بيننا / فيا ليتَ داري من دياركَ تقربُ
ويا ويلنا إن بتُّ أستعطفُ الهوى / وبتَّ على حكمِ الهوى تتجنَّبُ
فلا تمكنِ الواشينَ من ذاتِ بيننا / فليسَ لهم غيرَ التفرقِ مطلبُ
وإنكَ لو ابصرتَ ما بينَ أضلعي / لأبصرتَ قلبي في لظىً يتقلبُ
أأخشاهُ جفناً ما تُسَلُّ قواضِبُهُ
أأخشاهُ جفناً ما تُسَلُّ قواضِبُهُ / وحدُّ حسامي ما تُفَلُّ مضاربهْ
فأين يدي هاتيكَ والسيفُ في يدي / وما لفؤادي أنكرتهُ جوانبهْ
وما لي كأنَ الكهرباءُ تمسني / إذا لاحَ ذاكَ البدرُ أو نم حاجبهْ
أروني فؤادي كيفَ صدعهُ الأسى / وكيفَ تولاهُ الهوى ومصائبهْ
إذا كانَ قلبي لا يصاحبُ همتي / فما هو لي قلبٌ ولا أنا صاحبهْ
ركبتُ لحيني في الترامِ عشيةً / أرى الفلكَ الدوارَ لاحتْ كواكبهْ
وأحسبهُ قلباً يجاذبهُ الهوى / فينقادُ لا يدري بما هو جاذبهْ
فلاحتْ لعيني من زواياهُ غادةٌ / هي البدرُ لكنْ أطلعتْهُ مغاربهْ
تبسمُ أحياناً وتعبسُ تارةً / كما يخدعُ الواهي القوى من يحاربهْ
وقد كتبتُ فوقَ المحاجرِ آيةً / يطالعُ فيها الحبُ من لا تخاطبهْ
فلما رآها القلبُ آمنَ واغتدى / يكاتبها في أضلعي وتكاتبهْ
فما أنا إلا والهوى يستفزني / إلى حيثُ سلطان الهوى عزَّ جانبهْ
فقمتُ قيامَ الليثِ فارقَ غيلهُ / وقد حُطِّمتْ أنياهُ ومخالبهْ
وسلمتُ تسليمَ البشاشةِ والهوى / تدبُّ على أطرافِ قلبي عقاربهْ
فأغضتْ حياءً ثمَّ عادتْ فسلمتْ / ومن بعدِ كدرِ الماءِ تصفو مشاربهُ
فللّهِ ما أحلى حديثاً سمعتهُ / كأني يتيمٌ لاطفتهُ أقاربهْ
هو الخمرُ لولا طعمها وخمارُها / هو السحرُ لولا ذمَّهُ ومعائبُهُ
فقلتُ عرفتُ الحبَّ واللهِ أنهُ / مطالبُ قلبٍ لا تُحَدُّ مطالبهْ
فقالتْ بلى إن شئتَ زدتُكَ أنهُ / نوائبُ دهرٍ لا تُعَدُّ نوائبهْ
فكاشفتها مابي غراماً مبرحاً / يغالبني فيهِ النُّهى وأغالبهْ
وقلتُ ارى ذا القلبِ جُنَّ جنونهُ / وإلا فماذا في ضلوعي يواثبهْ
فهزتْ قواماً كالرديني مشرعاً / وحينَ أحسُّ الشعرَ ماجتْ كتائبهْ
وأعجَبَها ما قلتهُ فتَضَاحكَتْ / كأني طفلٌ في يديها تلاعبهْ
وقد كانَ صدري أطفأ اليأسَ نورهُ / فأصبحَ مثلَ الليلِ طارتْ غياهِبهْ
وقالتْ أخافُ الناسَ فالناسُ في الهوى / لئيمٌ نداري أو عذولٌ نراقبهْ
وعادتْ تروعُ القلبَ لم تدرِ أنني / شديدُ مناطِ القلبِ صلبٌ ترائبهْ
ولما رأتني هائماً غيرَ هائبٍ / سواها وقدماً ضيعَ الصيدُ هائبُهْ
تولتْ وقالتْ تلكَ عاقبةُ الهوى / وبعدَ صدورِ الأمرِ تأتي عواقبهْ
فغادرتْ قلبي في الترامواي وحدهُ / ينادي ولكنْ من عساهُ يجاوبهْ
وعشتُ بلا قلبٍ وعفتُ هوى الدُّمى / ولا يردعِ الإنسانَ إلا تجاربهْ
أحقاً رأيتَ الموتَ دامي المخالبِ
أحقاً رأيتَ الموتَ دامي المخالبِ / وفي كلِّ نادٍ عصبةٌ حولَ نادبِ
وتحتَ ضلوعِ القومِ جمرٌ مؤججٌ / تسعر ما بينَ الحشا والترائبِ
وفي كلِّ جفنٍ عبرةٌ حينَ أرسلتْ / رأوا كيفَ تهمى مثقلاتُ السحائبِ
أبى الموتُ إلا وثبةٌ تصدعُ الدجى / وكم ليلةٍ قد باتها غيرُ واثبِ
فما انفلقَ الإصباحُ حتى رأيتهُ / وقد نشبتْ أظفارهُ بالكواكبِ
وكم في حشا الأيامِ من مدلهمةٍ / قد ازدحمتْ فيها بناتُ المصائبِ
هوى القمرُ الوهاجُ فاخبطْ معي السُّرى / إذ لاحَ ضوءُ الشمسِ بينَ الغياهبِ
ووطَّنَ على خوضِ المنياتِ أنفساً / تساوقها الآجالُ سوقَ النجائبِ
فهنَّ العواري استرجعَ الموت بعضها / وقصرُالبواقي ما جرى للذواهبِ
أبعدَ حكيمَ الشرقِ تذخرُ عبرةً / وما هو من بعدِ لرحيلِ بآيبِ
حثوا فوقَ خديهِ الترابَ وأرسلوا / عليهِ سحاباتِ الدموعِ السواكبِ
لتبكِ عليكِ الصحفُ في كلِّ معركٍ / إذا ما انتضى أقلامهُ كلُّ كاتبِ
فقدْ كانَ إن هزَّ اليراعَ رأيتهُ / يصولُ بأمضى من فرندِ القواضبِ
ولم يكُ هياباً إذا حميَ الوغى / ورفرفتِ الأعلامُ فوقَ الكتائبِ
وكانتْ سجاياهُ كما شاءَها الهدى / وشاءتْ لأهليها كرامُ المناقبِ
مدادُكِ في ثغرِ الزمانِ رضابُ
مدادُكِ في ثغرِ الزمانِ رضابُ / وخطكِ في كلتا يديهِ خضابُ
وكفُّكِ في مثلِ البدرِ قد لاحَ نصفهُ / فلا بدعَ في أنّ اليراعَ شهابُ
كلحظكِ أو أمضى وإن كانَ آسيا / جراحَ اللواتي ما لهنَّ قرابُ
يمجُّ كمثلِ الشهدِ مجتهُ نحلةٌ / وإن لم يكن فيما يمجُّ شرابُ
ويكتبُ ما يحكي العيونَ ملاحةً / وما السحرُ إلا مقلةٌ وكتابُ
فدونكِ عيني فاستمدي سوادها / وهذا فؤادٌ طاهرٌ وشبابُ
أرى الكفَّ من فوقِ اليراعِ حمامةً / وتحتَ جناحيها يطيرُ غرابُ
كأنَّ أديمَ الليل طرسٌ كتبتهِ / وفيهِ تباشيرُ الصباحِ عتابُ
كأنَّ جبينَ الفجرِ كانَ صحيفةً / كأنَّ سطورَ الخطِّ فيهِ ضبابُ
كأنَّ وميضَ البرقِ معنىً قدحتهِ / كأنَ التماعَ الأفقِ فيهِ صوابُ
كأنكِ إما تنظري في كتابةٍ / ذكاءٌ وأوراقُ الكتابِ سحابُ
أراكِ ترجينَ الذي لستِ أهلهُ / وما كلُّ علمٍ إبرةٌ وثيابُ
كفى الزهرَ ما تندَّى بهِ راحةُ الصبا / وهل للندى بينَ السيولِ حسابُ
وما أحمقَ الشاةَ استغرتْ بظلفها / إذا حسبتْ أنّ الشياهَ ذئابُ
فحسبكِ نبلاً قالة الناسِ أنجبتْ / وحسبكِ فخراً أن يصونكِ بابُ
لكِ القلبُ من زوجٍ ووُلدٍ ووالدٍ / وملكُ جميع العالمينَ رقابُ
ولم تخلقي إلا نعيماً لبائسٍ / فمن ذا رأى أن النعيمَ عذابُ
دعي عنكِ قوماً زاحمتهم نساءُهم / فكانوا كما حفَّ الشرابُ ذبابُ
تساووا فهذا بينهم مثلَ هذهِ / وسيَانَ معنىً يافعٌ وكعابُ
وما عجبي أنَّ النساءَ ترجّلتْ / ولكنَّ تأنيثَ الرجالِ عجابُ
أقولُ لها إذا ساءلتْ كيفَ حالتي
أقولُ لها إذا ساءلتْ كيفَ حالتي / أقلُّ مصابي لوعةٌ أكلتْ قلبي
وعندي وما عندي وهل تجهلينهُ / وأنتِ التي علمتني شغفَ الحبِّ
حنانكِ يا أختَ العصافيرِ خفةً / ويا ضرَةَ الطاووسِ في التيهِ والعجبِ
ويا بانتي ميلي ويا زهرتي انفتحي / ويا نسمةَ الأسحارِ في روضنا هبي
فمالتْ تعاطيني من الثغرِ كوثراً / حسبتُ بهِ حورَ الجنانِ إلى جنبي
فيا رب حسبي ما مضى إنما الدُّ / نا عذابٌ وهذي روحُ عبدكَ يا ربي
وكم حار عشاقٌ ولا مثل حيرتي
وكم حار عشاقٌ ولا مثل حيرتي / إذا شئت يوماً أن أسوء حبيبي
وهل لي قلب غير قلبي يسوؤه / ويأخذ لي في الكبرياء نصيبي
ألا ليت لي قلبين قلب بحبه / مريض وقلب بعد ذاك طبيبي
ويا ليت لي نفسين من رئم روضة / ألوف ومن ذي لبدتين غضوب
وكيف بقلب واحد أحمل الهوى / عجيباً على طبعي وغير عجيب
فواللَه إن الحب خير محاسني / وواللَه إن الحب شر عيوبي