القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : علي محمود طه الكل
المجموع : 3
سرى القمرُ الوضَّاحُ بين الكواكبِ
سرى القمرُ الوضَّاحُ بين الكواكبِ / يُفكِّرُ فيما تحتهُ من غياهبِ
فناداهُ من وادي الخلِّيينَ هاتفٌ / بصوتِ محبٍّ في الحياةِ مُقاربِ
يقول له يا روعةَ الحسنِ والصِّبا / وأجملَ أحلامِ الليالي الكواعبِ
أنا العاشقُ الوافي إذا جنَّني الدَّجى / وراعيكَ بين النيِّراتِ الثواقبِ
ألا ليتني حُرٌّ كضوئِكَ أرتقي / عوالمَكَ الملأى بشتى العجائبِ
ويا ليتَ لي كنزَ ابتساماتِكَ التي / تُبعثرها في الكونِ من غير حاسِبِ
فأصغى إليهِ الضوءَ في صفوِ جذلانِ / وأضفى على الوادي شعاعَ حنانِ
وجاسَ خلال السُّحْبِ والماءِ والثرى / فلم يرَ في أنحائها وجهَ إنسانِ
فصاحَ بهِ يا صاحبي ضلَّ ناظري / فأين تُرى ألقاك أمْ كيف تلقاني
فأوما له إني هنا تحت شُرفتي / وراءَ زجاجيها أخذتُ مكاني
أبى البردُ أن أستقبلَ الليلَ قائماً / وأن أنزل الوادي بحيث تراني
وحسبُ الهوى من عاشقٍ لك وامقٍ / تَزَوُّدُ عيني من سنا ضوئكَ الحاني
فألقى عليه الضوءُ نظرةَ حائر / وأعرضَ عنهُ بابتسامةِ ساخرِ
وقال له يا صاحبي قد جهلتني / ويا رُبَّ شعرٍ ساقهُ غيرُ شاعرِ
أنا الموثَقُ المكدودُ طالتْ طريقهُ / طريقُ أسيرٍ في رعايةِ آسرِ
تجاذبني طاحونةُ الشمس كلما / وقفتُ وتمضي بي سِياط المقادِرِ
وما بسمتي إلا دموعٌ من اللظى / قد التمعتْ في وجهِ سهمانَ حاسِرِ
فدعْ عنكَ يا أعجوبةَ الحبِّ عالمي / فقبلكَ لم يَلقَ الأعاجيبَ ناظري
وأمعنَ في تفكيرهِ القمرُ الزاهي / فمرَّ بأرضٍ ذاتِ عشْبٍ وأمواهِ
يناجيهِ منها عاشقٌ ذو ضراعةٍ / مناجاةَ صُوفيٍّ لِطَيْفِ إلهِ
يقول له يا مُشهدي كلَّ ليلةٍ / جمالَ مُحيَّا رائعِ الحسنِ تيَّاهِ
شبيهٌ بهذا الضوءِ نورُ جبينهِ / على أنَّهُ في الناسِ من غير أشباهِ
وترسمُ لي الأشباحُ طيفَ خيالهِ / فأدنو لضمٍّ أو للثمِ شفاهِ
تمنَّيْتُ لو وَسَّدْتَ خدّك راحتي / وصدرُكَ خفَّاقٌ وجفنُك ساهي
فرفَّ على الوادي الشاعُ طروبا / وناداهُ من بين الظلالِ مُجيبا
أزحْ هذه الأغصانَ عنكَ لعلّني / أصافحُ وجهاً من هواك حبيبا
فجاوَبهُ يا قرّةَ العين إنني / قد اخترتُ من شطِّ الغدير كثيبا
إذا أتعَبَتْ عيني السماءُ تطلُّعا / وخالستُ لحظاً للنجومِ مُريبا
ففي صفَحات الماءِ نهزة عاشقٍ / يراكَ على بُعْدِ المزار قريبا
خلوتُ به أرعاك أوْفى قسامةً / وأوفرَ من سحرِ الجمالِ نصيبا
فغاضَ ابتسام الضوءِ من فرط حيرةٍ / وصاحَ نجيِّي أنتَ حقَّرتَ سيرتي
هو الكونُ مرآتي ومجلى مفاتني / وما لغديرٍ أن يُمثِّلَ صورتي
وما نظرَ العشَّاقُ إلَّا لعالمٍ / يُعَظِّمُ في المعشوقِ كلَّ صغيرةِ
أعيذُ الذي شبَّهتَني بجماله / أديمَ مُحيَّا مثل صمَّاء صخرَتي
أنا الفحمةُ البيضاءُ إن جنَّني الدُّجى / أنا الحمة السوداءُ رأدَ الظهيرةِ
فدَعْ عالم الأفلاك واقنعْ بلجَّةٍ / وغازلْ من الأسماك كلَّ غزيرةِ
وبينا يهيمُ الضوءُ في سُبُحاتهِ / وقد غطّ هذا الكونُ في سُخرياتِهِ
رأى شبحاً في قربِ نارٍ كأنما / يودِّعُ طيفاً غابَ عن نظراتِهِ
يمدُّ ذراعيه ويُرسلُ صوتَه / بلوعةِ قلبٍ ذابَ في نبراتِهِ
إلى القمر الساري مُحيَّاهُ شاخصٌ / كصاحبِ نُسْكٍ غارقٍ في صلاتِهِ
فحامَ عليه الضوءُ واستمهلَ الخُطى / وأجرى سناهُ الطلْقَ في قسَماتِهِ
وصاحَ به يا شيخُ ما أنت قائلٌ / تكلَّمْ فإنَّ الليلَ في أخرياتِهِ
فقالَ له يا باعثَ الحبِّ والمنى / سلِمْتَ وحيّتك العوالمُ والدُّنى
شفيتَ جوى شيخٍ أحبَّك يافعاً / وعاش بهذا الحبِّ جذلانَ مؤمنا
وأفنيتُ عمري أرتقي عالي الذُّرى / إلى أنْ بلغتُ اليومَ مثوايَ ههنا
وأوقدُ ناري كي تراني وأنثني / لأطلقَ ألحاني وأدعوكَ مَوهِنا
وقيلَ ضنينٌ لا يجودُ بوصله / فهأنذا ألقاك يا ضوءُ محسنا
تساوتْ كلابٌ تنبح البدرَ سارياً / ونُوَّامُ ليلٍ أنكروا آيةَ السنا
فحدَّقَ فيه الضوءُ وارتدَّ مُغضَبا
فحدَّقَ فيه الضوءُ وارتدَّ مُغضَبا /
وقال له أفنيتَ في سُخفِك الصِّبا /
ولمَّا تُرِحْ جفناً من السهدِ مُتْعبا /
وسُخريةٌ بالنار أن تتقرَّبا /
كأنَّ شعاعي في جفونك قد خبا /
ومن عَبَثِ مثواكَ في هذه الرُّبى /
على حين لم تبلغ من النور مَرْقبا /
وما كنتَ إلَّا الواهمَ المترقِّبا /
وثالثَ عشَّاقٍ بهمْ ضِقتُ مذهبا /
وكانوا لأمثال الخلّيين مضربا /
فوا أسفا ما كنتُ في الدهر مذنِبا /
فأُجزى بنجوى من تعشَّق أو صبا /
وساق على حبي الدليلَ المكذَّبا /
سَلِ العاصيَ الهاوي من الخلدِ هل نبا /
به الليل لمّا آثر الأرض واجتبى /
أأبصرَ قبلي في الدُّجنَّة كوكبا /
أضاءَ له الدرْبَ السحيقَ المشعَّبا /
وهلْ في سنا غيري تملّى وشبَّبا /
بحواءَ واهتاجَ اليراعَ المثقَّبا /
حويتُهما روحاً طريداً مُعذَّبا /
فذاب حيائي منهما وتصبّبا /
وأورثني هذا الشحوبَ وأعقبا /
رأيتُ فماً يدنو ووجهاً تخضَّبا /
وصدراً خفوقاً فوق صدرٍ توثَّبا /
غرائزُ فيها الغيُّ والنقصُ ركِّبا /
تَلمَّسُ في ضوئي الأثامَ المحبّبا /
فيا شيخُ دَعْ هذا الوشاحَ المذهبا /
تَرَ الحمأَ المسنون في الكأسِ ذُوِّبا /
طفا الراحُ فيه والترابُ ترسَّبا /
وإنّ كلابَ الأرضِ أشرفُ مأربا /
ينيرُ لها ضوئي الظلامَ لتجنبا /
خُطى اللصِّ يستارُ الطريقَ المحجَّبا /
فإن نبحَتْ ضوئي تسمَّعتُ معجبا /
بأرخمِ لحنٍ رنّ في الليل مطربا /
تحيّةَ مُثنٍ بي أهَلَّ مُرحِّبا /
بني آدمٍ إنْ لم يكن آدمُ الأبا /
رجوت لكم من عالم الرجس مهربا /
وآثرتكم بالكلبِ جَدّاً مهذَّبا /
وأجملُ بالإنسان أن يتكلبا /
ومالَ عن الأرض الشعاعُ وغرَّبا /
ووسوسَ في صدرِ الدُّجى فتأَلَّبا /
ألا ما لهذا الليلِ تَدجى جوانبُهُ
ألا ما لهذا الليلِ تَدجى جوانبُهُ / على شَفَقٍ دامٍ تلظَّى ذوائبُهْ
وما ذلك الظلُّ المَخوفُ بأُفْقِهِ / يُطِلُّ فترتدُّ ارتياعاً كواكبُهْ
أأيتها الأرضُ انظري ويكِ واسمعي / توثَّبَ فيكِ الشرُّ حمْراً مخالبُهْ
أرى فِتنةً حمْراءَ يَلْفُظُها الثرى / دُخاناً تُغَشِّي الكائناتِ سحائبُهْ
وأشتمُّ من أنفاسها حَرَّ هَبْوَةٍ / كأنَّ هجيرَ الصيف يلفحُ حاصبُهْ
أرى قبضةَ الشيطان تستلُّ خنجراً / توهَّجُ شوقاً للدماءِ مَضارِبُهْ
تسلَّلَ يبغي مقتلاً مِن محمدٍ / لقد خُيّبَ الباغي وخابَتْ مآرِبُهْ
تقدَّمْ سليلَ النَّارِ ما الباب موصدٌ / فماذا توقَّاهُ وماذا تُجانبُهْ
تأمَّلْ فهَلْ إلَّا فتىً في فراشه / إلى النورِ تَهفو في الظَّلامِ ترائبُهْ
يُسائِلُكَ الأشياعُ زاغَتْ عيونُهم / وأنتَ حَسيرٌ ضائعُ اللُّبِّ ذاهبُهْ
تُرانا غفوْنا أم تُرى عَبرتْ بنا / نُفاثةُ سِحْرٍ خدَّرَتْنا غرائبُهْ
وما زال منا كلَّ أشوسَ قابضاً / على سيفهِ لم تخْلُ منه رواجبُهْ
تُرى كيف لم تُبصِرْ غريمك سارياً / وأين تُرى يمضي وتمضي ركائبُهْ
تقدَّمْ وجُس في الدار وهْناً فما ترى / لقد هَجَر الدارَ النبيُّ وصاحبُهْ
يحثَّان في البيداء راحلتَيْهما / إلى جبلٍ يُؤوي الحقيقةَ جانبُهْ
فقفْ وتنظَّرْ حائراً نَصْبَ غارهِ / تحدَّاكَ فيه ورْقُهُ وعناكبُهْ
لتعلمَ أن الحق رُوحٌ وفكرةٌ / يذلُّ لها الطاغي وتعْنو قواضبُهْ
فطِرْ أيها الشيطان ناراً أو انطلق / دُخاناً فأخْسِرْ بالذي أنت كاسبُهْ
خَسِئتَ ولو لم يَعصِمِ الحقَّ ربُّه / طوى الأرض ليل ما تزول غياهبُهْ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025