المجموع : 10
رأينا عجيباً والزّمانُ عجيبُ
رأينا عجيباً والزّمانُ عجيبُ / رجالاً ولكنْ مالَهُنَ قلوبُ
تَماثيلُ في صَخْرٍ نَحيتٍ كأنّها / بنو زمنٍ لم يُلفَ فيه أريب
نَزْلنا وُفوداً في حِماها ولم يكن / لنا من قِراها في الوفود نَصيب
وَمَنْ يكُ مُلْقَى رَحْلِهِ عند سُوقةٍ / له وَرِقٌ للزّائرينَ رطيب
فنحن لدى كِسرى أبَرويزَ غُدوةً / نُزولٌ ولكنّ الفِناءَ جَديب
بظاهرِ قَرميسينَ والرَّكبُ مُحدقٌ / حَوالَيْهِ فيهم جَيئةٌ وذهُوب
لدى مَلِكِ من آلِ ساسانَ ماجدٍ / وَقورٍ عليه التّاجُ وهْو مَهيب
وقد ظَلّ بينَ المُوبذان مكانَه / وشِيرينَ للأبصارِ وهْو قريب
مكانَ المُناجي من خليلَيْهِ واقفاً / وإن عّزَّ منهم سامعٌ ومجيب
يرُونَكَ من تحتِ الحوادثِ أَوجُهاً / بها من تصاريف الزمان شُحوب
وقاموا على الأقدامِ لا يَعتَريهمُ / مَدى الدهرِ من طول القيام لُغوب
عليهم ثيابٌ لَسْنَ مُجتابَ لابسٍ / ولكنْ من الصَخْر الأصَمِّ مَجوب
تُعُجِّبَ منها كيف جُرَّ لِمثْلها / ذيولٌ لهم أم كيفَ زُرَّ جُيوب
وقد شَخَصتْ للناظِرين بَوادياً / صُدورٌ لهم من تحتها وجنُوب
كما تَصِفُ الأعضاءَ يوماً غلائلٌ / إذا كان فيها للرياحِ هُبوب
ومن تحته شَبْديزُ ناصِبُ جِيدهِ / ومُنتَفِضٌ في الوجهِ منه سَبيب
ومُسبَلُ ضافٍ بين حاذَيْهِ مُرسَلٌ / له خُصَلٌ مالتْ به وعَسيب
ثنى سُنْبُكاً منه عنِ الأرض صافناً / وهيهاتَ منه أن يكونَ خبيب
تُؤُمّلَ منه كيف نسْجُ حِزامه / فيَصعَدُ فيه ناظِرٌ ويَصوب
وقد بان حتّى عِرقُه تحت جِلْدهِ / وإن لم تَبِنْ في صَفْحَتْيهِ نُدوب
تَرى كلَّ عُضْوٍ منه أُكملَ صُنعْهُ / فلا شيءَ إلاّ الروحَ منه تَغيب
وفارِسُه شاكي السلاحِ مُدَرَّعٌ / على الأرضِ للرُمْحِ الأصحِّ سَحوب
يُخَيّلُ للرائي زمانُ حياته / فيَعلَقُ منه بالفؤادِ وَجيب
ومِن حَوْله من كلِّ ما اللهُ خالقٌ / تَماثيلُ ما في نَحْتِهنَّ عُيوب
سَماءٌ ذُراها بالنجومِ مُنيرةٌ / وأرضٌ ثَراها بالرِياضِ خَصيب
ومُقتَنَصٌ فيه الجوارحُ سُرَّبٌ / تَطير وتَعدو والوحوشُ سُروب
ومن كلِّ أَنواع الأنامِ مُصوَّرٌ / شبَابٌ وشُمْطٌ يَمرحونَ وشِيب
ومَجلسُ أُنْسٍ يُفْسِحُ الطَرفَ مِلْؤه / قيانٌ تُغنِّي وَسْطَهُ وشُروب
وصَرْعَى وقَتْلَى في قتالِ عساكرٍ / تَحولُ حصونٌ دُونَهم ودُروب
فمِن جانبٍ أَضحتْ تُصَبُّ مُدامةٌ / ومن جانبٍ أَضحَتْ تُشَبُّ حروب
خَليطانِ هذا للقراعِ مُعَبَسٌ / يَصولُ وهذا للسّماع طَروب
وقد حققَّوا التصويرَ حتّى وجوهُهم / يَبينُ لنا بِشْرٌ بها وقُطوب
وكلٌّ يُعاني شُغْلَه غيرَ أنّه / على فَمِه دونَ الكلام رَقيب
مَلاعبُ فيها المَلْكُ رامٍ بطَرْفِه / وكلُّ ابْنِ دُنْيا إن نَظرْتَ لعوب
وعاشوا طويلاً ثُمَّ فّرَّقَ شَمْلَهم / زَمانٌ أكولٌ للأنامِ شَروب
فلولا مَكانُ الدِينِ قَلَّ لفَقدِهم / بُكاءٌ لنا في إثْرهم ونَحيب
مُلوك أقاموا ما أقاموا أعزّةً / وقد شعَبتْهم بعد ذاكَ شَعوب
وُخيّل للرّائي ليذكُرَ عهْدَهم / خيالٌ لعمري إن رأيتَ عجيب
خيالٌ لهم يُهْدَى إلى كُلِّ أُمَةٍ / لقصْد اعتبارٍ إن رآه لَبيب
وما هو بالطّاوي السُّهوب وإنّما / لكي يُجتلَى تُطوىَ إليه سُهوب
سَيبْقَى ويَفْنَى الناظِرون وتنقضي / قبائلُ حتّى ينقضي وشعوب
ولا بُدّ يوماً من فَناءٍ مُقَدّرٍ / سَنُدْعَى إليه دَعوةً فَنُجيب
أُحِبُّكَ يا كسرى لعدْلك وحدَه / ودينُكَ مَشنوءٌ إلى مَعيب
ومَعْبودُكم نارٌ ومَورِدُكم غداً / فسوفَ تَرَى العُبّادَ كيف تُنيب
ونحن سَبقْنا الأعجَميِنَ بمُلكها / وما كان منهم للبلادِ وثُوب
بَدأنا وعُدْنا فانتزَعْناهُ ثانياً / فللمُلْكِ فينا سابِقٌ وجَنيب
مُلوكٌ من العُرْب الكرامِ إذا انتموا / تَبلّجَ منهم مالِكٌ وعَريب
وما في بنى ماءِ السماء أُشابَةٌ / تُعَدُّ وهل ماءُ السّماءِ مَشوب
فلاحظْ غداةَ الافتخارِ نصابَنا / أمن مثلِه للأعجَمين نَصيب
هُمُ عَمروا الدُنيا ولادين عندهم / زماناً وإهمال الديانة حوب
ونحن عمرنا الدين أوَّل ما بدا / ولم تكُ دُنْيا للرِّجالِ خَلوب
وذا زَمَنٌ ما منهما فيه عامرٌ / فصْبراً وغيَري يا أُميمَ كذوب
فإن ساءنا ذا الأمرُ إذ هو مُبْهَجٌ / فقد سَرَّنا ما شئْت وهْو قَشيب
عسى زمنٌ يثْنِي لنا العِطفَ مُنجِبٌ / فما في بني هذا الزّمانِ نَجيب
تَناهى بيَ الإيحاشُ منهم فكلُّهم / وإن أظهر الودَّ الكثير مُريب
وآنَسني نَحتٌ من الصْخرِ ماثلٌ / مُقيمٌ عن الأبصار ليس يَغيب
عَديمُ الأذى طَبْعاً ولا عيشَ للفتى / بقُرْبِ امرىءٍ يُخشَى أذاه يَطيب
غَدا قائماً يَقري الرّجالَ تأسّياً / إذا ضافَه نائي الدّيارِ غَريب
فلولا الذي خلْفَ النّوى من علائقٍ / أقمتُ لديه ما أقام عَسيب
وهل مُنْكِرٌ إن كان بالنّاس قاسه / أخو نَظْرةٍ يرْمي بها فَيُصيب
وأبناءُ هذا العصرِ أيضاً جلامدٌ / تُريك جسوماً مالهنَّ قلوب
وقد مُسِخوا فاسَتحْجَروا حين أصبحوا / عُصاةَ المعالي والعِقابُ ضُروب
فإن خُلِقوا في الخيرِ صَخْراً فإنّهم / إلى الشرِّ سَيلٌ إن أهابَ مُهيب
وأسعَدُ عند العقلِ شَخْصٌ مُمَثّلٌ / وكُلٌّ إلى عُقْبَى الفَناء يَؤوب
أقامَ خليّاً ما أقامَ مُعمَّراً / ومَرَّ ولم تُكْتَبْ عليه ذُنوب
إذا لم يَخُنْ صَبُّ ففيمَ عِتابُ
إذا لم يَخُنْ صَبُّ ففيمَ عِتابُ / وإن لم يكنْ ذَنْبٌ فمِمَ يُتابُ
أجلْ مالنا إلاّ هواكمْ جِناية / فهل عندَكم غيرَ الصُّدودِ عقاب
أيا دُرَّةً من دونِ كَفٍّ تَنالُها / لبحر المنايا زَخْرةٌ وعُباب
أما تَتّقينَ اللهَ في مُتَجَرِّعٍ / كُؤوسَ عذابٍ وهْيَ فيكِ عذاب
تُريدينَ أن اَشْفي غليليَ بالمُنى / ومن أينَ أروَى والشَرابُ سَراب
وقفْتُ بأطلالِ الدِيارِ مُسَلِّماً / وعَهْدِي ومْلءُ الواديَيْنِ قباب
فأبرَق عُذّالي مَلاماً وأرعَدوا / وأمطرَ أجفاني فتَمَّ سَحاب
بهِ غَنِيتْ أرضُ الحِمىَ عن مُصبَّحٍ / يقول سقَى دارَ الرّبابِ ربَاب
ولم أنسَها لمّا تَغنّتْ حُداتُهم / وللعيسِ من تحتِ الرحالِ هِباب
وقد حان منّي أنْ رَميتُ بنظرةٍ / وقد حُطَ عن شمسِ النهارِ نِقاب
وأذْرَيت لمّا خانَني الصَّبرُ عَبْرةً / فسالتْ بأعلَى الأبرقّينِ شِعاب
فقالتْ ليَ الحَسْناءُ غالطْتَ ناظري / وبعضُ بُكاءِ العاشقينَ خِلاب
فوَجْهِيَ شمسٌ والفراقُ ظَهيرةٌ / وخَدُّك أرضٌ والدُّموعُ سَراب
فقلتُ معاذَ اللهِ أخدَعُ خُلّةً / على حينَ زُمّتْ للرّحيلِ رِكاب
فما دونَ دُرِّ الدّمعِ خِيفةَ نَهْبه / إذا بِتُّ من جَفنَيَّ يُغلَقُ باب
ولكنّني ما كنتُ أوّلَ صاحبٍ / تَجنّى عليه ظالمِينَ صِحاب
فكُذِّبَ في دَعْوَى الهوَى وهْو صادقٌ / وصُدِّقَ للواشِينَ فيه كِذاب
وما ارتابَ بي الأحبابُ إلا بأنّهم / إذا نُظِروا كانوا الّذينَ أَرابوا
وها أنا قد أرضيَتُ جُهْدي وأسخَطوا / وأصفَيْتُ ما شاؤوا الودادَ وشابوا
وقد رابني دهرٌ بَنوهُ بهِ اقتَدوا / كما اطّردتْ خلْفَ السِنانِ كِعاب
ولم يَدْعهُم داعي الزّمانِ ليُسرِعوا / إلى الغَدْرِ إلا دَعْوةً فأجابوا
وخَطٍّ عَلاهُ الوَخطُ فاغبرَّ قَبلما / تَترّبَ في كَفِ العَجولِ كتاب
وما أدّعِي أن الهمومَ اقتَنَصنَني / ببازٍ بَدا من حيثُ طارَ غُراب
ولا أنّ تاجَ الشَّيبِ أَضحَتْ لعَقْدهِ / مَمالكُ أَطرابي وهُنّ خَراب
فمِن قبلِ الشَيبِ لم يَصْفُ مَشْربٌ / لِعَيْشي وأغصانُ الشبابِ رِطاب
وقَلّ غناءً عن فؤادٍ مُعَذّبٍ / بأنْ يتَجّلى كيف شاء إهاب
إذا مَرّ في الهمّ الشبابُ على الفتَى / فإنّ سوادَ الشَّعْرِ منه خِضاب
وإنْ شابَ في ظلّ السّرور فَفَرعُه / نهارٌ بياضُ اللْونِ منه شَباب
وما عَجَبي من غَدْرةِ الفَوْدِ وَحْدَه / فعِندي أمورٌ كُلُّهُنَّ عُجاب
زمانٌ يَجُرُّ الفضْلُ فيه مَهانةً / كأنّ مديحَ النّاس فيه سباب
وعينٌ رأتْ منهم هَناتٍ فأَغمضَتْ / وقومٌ رَجَوا منّي السِقاطَ فخابوا
يُجاذبُنِي فضْلَ الوقارِ مَعاشرٌ / وهل من مُزيلٍ للجبالِ جِذاب
وحَسْبُ امرىءٍ ألا يُعابَ بخَلَّةٍ / ولكنْ زمانُ السّوء فيه يُعاب
فكم قائلٍ لمّا تدَبّر والفتى / له خطَأٌ فيما يُرَى وصواب
لقد هَرِم الدُّنيا فلو بُدِّلَتْ لنا / بأُخرى تَجيءُ النّاسَ وهْي كَعاب
وما هذه الأفلاكُ إلا مُدارةٌ / على شكلٍ الأحرارُ فيه غِضاب
فلو نقِضَتْ يوماً وأُحدِثَ نَصبْهُا / وما في صنيع اللهِ ذلك عاب
رَجونا من الشكلِ الجديدِ لفاضلٍ / أطالَ سلاماً أنْ يكونَ جَواب
كما نُقِضَ الشَطْرَنْجُ لليأسِ نَقْضةً / وعاد رَجاءٌ حين عادَ لِعاب
فقلتُ له هَوِّنْ عليك فطالما / تذلَّلتِ الأحداثُ وهْي صِعاب
ولا يأْسَ من روْحٍ منَ اللهِ عاجلٍ / فكم نالَ شَمساً ثُمَّ زالَ ضبَاب
وكم قد هَوى من قُلّةٍ الأُفْقِِ كوكبٌ / وكم ثارَ من تحتِ النِّعالِ تُراب
ولكنْ لكُلٍّ غَيْبةٌ عن مكانِه / وعمّا قليلٍ رَجْعَةٌ فإياب
فلا تُكْثِرَنْ شكْوى الزّمان فإنّما / لكُلِّ مُلمٍّ جَيْئةٌ وذَهاب
وقد كان ليل الفضلِ في الدهرِ داجياً / إلى أنْ بَدا للناظِرينَ شِهاب
بِعَوْدٍ كما عاد الكَليم بنُجْحِه / إذا جَدَّ بالعاشي إليه طِلاب
هُمامٌ تَجَلّى في الزمانِ فأقبلَتْ / إلى العِّز منّا تَشرئبُّ رِقاب
وكالشّمس ما إن تُضرَبُ الحُجْبُ دونه / ولكن بفَضْلِ النّورِ عنه حِجاب
غمامُ ندىً والمادِحونَ جَنوبُه / إذا ضَمّهم والزائرين جَناب
فمن فضّةٍ طُولَ الزّمانِ فَضيضةٍ / ومن ذَهَبٍ يَنهَلُّ منه ذِهاب
وبيتُ عُلاً عنه صَوادِرَ لم تَزَلْ / حقائبُ وَفْدٍ مِلّؤهنّ ثَواب
تَقاسمُ أيدي الوافدينَ تِلادَه / كأنّ لُهاهُ للأكُف نِهاب
من القوم أمّا في النّدَى فأكفُّهم / رياحٌ وأمّا في الحُبا فهِضاب
يُريكَ الكرامَ الذّاهِبينَ لِقاؤه / فلُقْيَتُه حشْرٌ لهم ومآب
طليقُ المُحيّا لم يزلْ من لسانِه / تَفِرُّ خطوبٌ إذ يُكرُّ خِطاب
لكشْفِ نقابِ الغيبِ عن وجه ما انطوَى / عنِ الخَلْقِِ يغْدو الدهرُ وهْو نِقاب
له مَنْطِقٌ ماءُ النهى منه صَيبٌ / وفِكْرٌ سهامُ الرأي عنه صِياب
وأَعطيةٌ للفاضلينَ جزيلةٌ / وأفنيةٌ للزّائرينَ رِحاب
حوَى من ثناء النّاسِ أوفَى نصيبهِ / كريمٌ له في الأكرمينَ نِصاب
وغَيْثٌ على حين البلادُ جديبةٌ / وليثٌ على حين الأسنّةُ غاب
من الغُلْبِ فَرّاسُ الفوارسِ ضَيغمٌ / له الرُّمح ظُفْرٌ والمُهنّدُ ناب
قليلُ احتفالٍ بالحروبِ وهَوْلِها / إذا بَرقَتْ تحت العَجاج حِراب
إذا اهتزّ رمْحٌ قال راوغَ ثعلبٌ / وإن صَلّ سَيْفٌ قال طَنّ ذباب
أَمِنْتُ على عَلياه عينَ زمانِه / وأضحَى لِسيفِ اللهِ عنه ضِراب
فَمرْآهُ مِرآةٌ من البِشْرِ كُلّما / رنَتْ حَدقُ الأقوامِ وهي صِلاب
متى مارَموْها بالعيونِ فإنّما / لأنفُسهم لو يَعلمَونَ أصابوا
فِدّىً لك قومٌ في العلاء أُشابةٌ / فأنت من الغُرّ الكرام لُباب
وهل يَبلُغُ الحُسّادُ شأوَك في العُلا / ويأْتي على فَضْلٍ حَوْيتَ حساب
وللمُلْكِ أسرارٌ حَفِظْتَ وضيَّعوا / وللنّصرِ أيامٌ شَهِدْتَ وغابوا
فلو كان ضوءُ الشَّمس مُمسي كمُصَبحٍ / لقُلْنا لها في الأرض عنكِ مَناب
ولو كان لُجُّ البحرِ عذْباً مُجاجُه / لقيلَ لكأسٍ من ندّاكَ حَباب
ألا يا مُجيرَ الدّولتَيْنِ دُعاءَ مَنْ / يَجوبُ بعيداً ذِكُره فَيُجاب
إليك غَلْبنا الدّهْرَ قِرْناً مُكاوِحاً / إلى أن بلَغْنا والعلاءُ غِلاب
وقد جبْت أرضاً كالجبال سُهولُها / فقُلْ في جبالٍ ثُمّ كيف تُجاب
أطيرُ إلى ناديكَ فَرْطَ صَبابةٍ / كأنّيَ في تلك العِقابِ عُقاب
فحتّى متَى دَلْوِى يُقَعْقَعُ شَنُّه / وقد مُلِئتْ للآخرينَ ذِناب
ومالي بفَضْلٍ فَضْلُ مالٍ تَحوزُه / يَدايَ فذاك الشُّهْدُ عنديَ صاب
ولكنْ حُقوقٌ ما أُقيمَتْ فُروضُها / ففاتَت وقاضي الفائتاتِ مُثاب
وصُحْبةُ أسلافٍ قديمٌ تَحَرُّمِي / بها نَسَبٌ لي لَو رَعَيتَ قُراب
وعندي دِلاصٌ للكريمِ مُضاعَفٌ / لها الدَّهرَ أفواهُ الرُّواةِ عِياب
به في صُدورِ النّاسِ يُفرَش لي هوىً / ويُحرَشُ من بينِ الضُّلوع ضِباب
فَدُونك بالعِقْدِ الثّمين تَحَلّياً / إذا نيطَ بالجيدِ الذَّليلِ سِخاب
وعشْ للعُلا ماكَرَّ فارسُ أَدْهَم / له الصُّبْحُ سيفٌ والظلامُ قِراب
جَمعْتَ لأهلِ الدَّهرِ بأْساً ونائلاً / فلا زِلْتَ فيهم تُرتَجَى وتُهاب
زمانٌ قليلٌ من بنيهِ نَجيبُ
زمانٌ قليلٌ من بنيهِ نَجيبُ / وعَصْرٌ وفاءُ الناسِ فيه عجيبُ
وقلْبٌ كقِرطاسِ الرُّماةِ مُجَّرحٌ / له صفحاتٌ مِلْؤهنّ نُدوب
وإلْفٌ قريبٌ دارُه غير أنَّه / يُقاسِمُني العينَيْنِ منه رقيب
من الهيِفِ أمّا فوقَ عَقْدِ قَبائه / فَخُطوطٌ وأمّا تحته فكثيب
يَضيقُ مَشَق الجَفْنِ منه إذا رنا / ومُعتَنقُ العُشاق منه رَحيب
يُقرَطُ أُذْنَيه بصُدْغَيهِ عابثاً / وفي الحَلْيِ ممّا لا يُصاغُ ضُروب
ويَرْمي له طَرْفٌ وكفٌّ بأسهمٍ / وكُلُّ لحَبّاتِ القلوبِ مُسيب
فَيوماهُ إمّا وَقْفةٌ فإطافةٌ / بمُلْكٍ وإمّا وَثْبةٌ فَرُكوب
على مَتْنِ سَبّاقٍ منَ الخيلِ سابحِ / له شادحٌ ينشَقُ عنه سَبيب
إذا ما غدا في سَرْجه وهْو قُعدَةٌ / فإنّ فؤادي المُستهامَ جَنيب
وقد زاد منه الرَّدفَ ثِقْلا سلاحُه / فبَرَّح بالخَصْرِ النحيلِ لُغوب
مُعلَّقُ قَوْسٍ للنِضالِ وأسهمٍ / لها مَنظرٌ لولا الغرامُ مَهيب
غزالٌ تراه سائحاً غير أنّه / لأشباهِه عند التصيُّد ذيب
شجاع إذا سايرته فهو وحده / رعيل وإن سامرته فأديب
عليكَ به عند الرَّضا وهْو باسمٌ / وإيّاكَ منه إن علاه قطوب
أقولُ له والخوفُ يُمسِكُ مِقْولي / ويُرسلُ والدّمعُ السّفوحُ يَصوب
أأدنَيْتَني حتّى إذا ما ملكْتَني / صدَدتَ وعندي زَفْرةٌ ونَحيب
وقد عِبْتَ قلبي بالسُلُوِّ فَرُدَّه / كَرْدِّ الفتى للشيء حينَ يَعيب
أتَسْبي فؤادي لا تُحارَبُ دونه / وكم سُعّرَتْ حتّى سُبيتَ حُروب
فإن تَسلُبوا القلبَ الّذي في جوانحي / فإنّي إليكم بعدَه لَطَروب
فنحن أناسٌ للحنين كأنّما / خُلِقْنَ جسوماً كُلُّهنّ قُلوب
وليلَتُنا بينَ الخيام ولَمَّةٌ / تَخطَّفها والحَيُّ منه قريب
وخوفَ فراق النّجم قد صار سُحْرةً / لناصية اللّيل البهيم مشيب
وقد زارَنا رَوْعانَ يَسترقُ الخُطا / ليكتُمَ وَصْلاً والكَتومُ مُريب
يَتيهُ بقَدِّ كلّما هَزَّه الصِّبا / تَمايلَ مَيْل الغُصْنِ وهو رطيب
وروضةُ وَرْدٍ وَسْطَها أُقحوانةٌ / بها يَحسُنُ المرعَى له ويطيب
فللهِ بَدرٌ ما يزالُ مُراقباً / طُلوعٌ له في أعيُنٍ وغُروب
لدى ساعة فيها العواذِلُ نُوّمٌ / وفينا إلى داعي السرورِ هُبوب
تَهدَّي إلينا في الظّلام بوَجْهِه / وما دَلَّهُ ضَوءٌ سواهُ غريب
كما بسَديدِ الدّولةِ الدّولةُ اهتدَتْ / إلى كُلِّ ما تَرْمي به فَتُصيب
لعَمْري لقد خازَ المكارمَ كُلَّها / هُمامٌ لغاياتِ العلاء طَلوب
إذا ساجَلَ الأكْفاءَ في المجدِ فاقهم / أَغرُّ كريمُ الشِيمتَيْنِ حَسيب
له قَلَمٌ يَرْقى من الكفِّ منْبَراً / فيَملأُ سمْعَ الدّهر منه خَطيب
بيُمناهُ منه قِيدُ كعْبٍ إذا جَرى / تَقاصَر عنه الرّمحُ وهْو كعُوب
إذا ما دعا الرّأيُ الإماميُّ دَعوةً / أجاب إلى العلياء منهُ مُجيب
مُحمّدُ يا ابنَ السّابقينَ إلى العُلا / سماحاً وبأساً إن أهابَ مهيب
تَفرَّق أيسارُ الثّناءِ لأنْ رأوا / وما لِسوى كفَّيكَ منه نَصيب
إذا عَرضَتْ أعشارُ حَمْدٍ فإنما / نَداك مُعَلىً عندَها ورَقيب
فَداكَ زمانٌ أنتَ رائقُ بِشْره / وأبناؤه في الوجه منه شُحوب
ففِيك كما تبدو النّجوم مَحاسنٌ / وفيهم كما يَدجو الظّلامُ عُيوب
ضرائبُ أسلافٍ كرامٍ حَوْيتَها / وليس لحاوي مِثْلهنَّ ضَريب
أعِدْ نظَراً بالعدْلِ كاسمك نحونا / سديداً فللحقِّ القديمِ وجوب
وأنت الّذي ما زال لي منه ماجدٌ / ألوذُ به طَلْق اليديْنِ وهوب
غريبٌ عطاياهُ غريبٌ مدائحي / فكلٌّ لكُلٍّ في الزمانِ نَسيب
وإن يك نظْمٌ حال عن عهدِ حُنه / فطُولُ اللّيالي للأنامِ سَلوب
وقد كان يَصفو خاطري في شبيبتي / فمُذْ شِبْتُ عاد الطّبعُ وهوَ مَشوب
فما خصَ وخْطُ الشّيبِ رأسي وإنما / بشَعري وشعرِي قد ألمَّ مشيبُ
وما صادياتٌ ماطلَ السّيرُ وِردها / فأكبادها شوقاً إليه تذوب
خلطْنَ السُّرى بالسيرِ حتى وَردْنه / وأفنى بقايا متنِهنَّ دُؤوب
فلمّا رأيْنَ الماءَ وهْي خوامسٌ / ومنْ حولهِ مرعىً أجمُّ خصيب
ثناهُنَّ طعنٌ دونه فهْي خيفةً / تمُدُّ إلى الماء الطلي وتلوب
بأشوقَ مني نحوه غير أنّني / لِلُقياهُ من خوفِ العتابِ هيوب
ولولاهُ ما زُرتُ العراقَ مُعاوِداً / على رَبِذاتٍ سيْرُهُنَّ خبيب
تُساري نجومَ اللّيلِ هَذِي لِجَوِّها / وتلك بصحْبي للفلاةِ تجوب
فسارتْ متابِيعاً تُماشي ظلالها / وجاءتْ نُحولاً كُلُّهن سَلوب
فمالي أرى يا ابنَ الأكارمِ بعدما / تُعُسِّفَ من بُعْدٍ إليك سُهوب
تُناجي بيأْسٍ في ذُراكَ هواجسٌ / وغيرُك مَن فيه الظُنونُ تخيب
وبلّغني عنك المُبلِّغُ قولةً / بقلبي لديها مِن هواكَ وَجيب
كلامٌ حشا قلْبي كلاماً مُمضّةً / وَرُبَّ خطاب جاء منه خُطوب
فإنْ يك حقاً ما سمِعْتُ فما يُرَى / لداء القِلى إلا الفراقَ طَبيب
على أنَّ وُدِّي في ذُراكَ مُخلَّفٌ / وشُكري مُقيمٌ ما أقامَ عسيب
رُزِقْتُ كثيراً ثُمَّ إني حُرِمْتُه / وكم نائباتٍ للرجالِ تنوب
ويا ليْتني أَدْري بذَنْبٍ جَنيْتُه / لعلِّيَ أرجو الصّفْحَ حينَ أتوب
ولكنّني حيرانُ لا القلبُ يهتدي / لصبْرٍ ولا عزْمي إليّ يثوب
وللعفو أو للعذرِ منك ترقُّبي / لئن كُنَّ لي أو لم يكُنَّ ذنوب
أُسايرُ رَكْبَ الجّوِّ وهو كواكبُ
أُسايرُ رَكْبَ الجّوِّ وهو كواكبُ / وأهزِمُ جُندَ اللّيلَ وهي غياهبُ
وأَلثِمُ أيدي العِيسِ في كلِّ منزلٍ / فهُنّ إذا زُرْنَ الحبيبَ حبائب
فكيف بها سعدِيةً دون وَصْلها / ظُبىً جرَّبتْها في القِراعِ الأجارب
إذا زرْتُها طافتْ عليها عواذلٌ / وقاسمني العينَيْنِ منها مُراقِب
ووَدَّ عليها لو يَخيطُ جُفونَه / غيورٌ على إلمامةِ الطّيفِ عاتِب
تَوعّدني الغيرانُ بالموتِ دونكم / وتلك الأماني يا أُميمَ الكواذِب
أأُغضِي على وِتْرٍ وللسيفِ قائمٌ / وأَقُعُدُ عن مَجدٍ وللعيسِ غارب
ألفْتُ نَوى الأُلاّفِ ممَّا أخوضهُ / فلستُ أُبالي حينَ يَنعَبُ ناعب
وفارقْتُ أصحابي فقال فراقُهم / تأمَّلْ فما غيْري لك اليومَ صاحب
أفي كلِّ يومٍ للزّمان بصَفْحتِي / نُدوبُ سهامٍ كُلُّهنّ صوائب
وكان عجيباً فيه لو أنّ ساعةً / تَمُرُّ ولا تَنتابُ فيها عجائب
أخِلاّيَ لو كان الزّمانُ كعَهْدهِ / لأسمحَ مَطْلوبٌ وأنجحَ طالب
وآبَ إلى أحبابِه وديارِه / مَشوقٌ إليهم حاضِرُ القلبِ غائب
ولكنْ عدتْني أنْ أعودَ إليكمُ / من الدّهرِ هذي الحادثاتُ الغرائب
وكان النّوى يَكفْي لتفريق بَيْننا / فكيف إذا كان النّوى والنوائب
وإنّي على ما بي ليَجْذِبُ همتّي / إلى الشّرفِ العالي من المجدِ جاذب
حلفْتُ بأنضاء السِفارِ دوائبٍ / عليهنّ أنجابٌ وهُنّ نَجائب
تَخِفُّ بها أيدٍ كأنّ مُرورَها / سِراعاً فُويقَ الأرض أيدٍ حَواسب
لأدَّرِعَنَّ اللّيلَ أسحَبُ ذَيْلَه / إلى أن يُرَى فَرْعٌ من الصبحِ شائب
بصَحْب لهم بيِضُ السّيوف أضالعٌ / وعيسٌ عليهنّ الرِحالُ غَوارب
وكل جَموحِ الشَدِّ فوق سَراته / غلامٌ لأطرافِ الرّماح مُلاعِب
من البِيض يُعْرَوري به السّيفَ عَزْمُه / وإن هو لم تُسْدَدْ عليه المَذاهب
ويَقْتادُ من آل الصُّبيْبِ نَزائعاً / عليهِنّ من سِرِّ العُرَيْبِ عصائب
يُصبِّحُ حَيّاً وهْو يُعْلَقُ بعضَه / فيَرجعُ مَنْهوباً من الوجد ناهب
مُقضَّى زمانٍ ما يَزالُ لأهْله / إذا ذَلَّ منه جانبٌ عَزَّ جانب
وأروعَ مَضّاءٍ كأنَّ جَنانَه / شُباةُ سِنانٍ أُودعَتْها التّرائب
أمالَ زمامَ الأرجنيِّ مُعَرِّجاً / وقد حامتِ الآمالُ والجُودُ ناضب
وألقَى إليك ابنَ الكرامِ برَحْلِها / فلا مَجْدَ إلا دُونَ ما هو كاسِب
وهل عن سديدِ الدولةِ القَرمِ مَعدِلٌ / إذا شامَتِ النُجْحَ الوشيكَ المَطالِب
ولم نَقَضِ من حقِّ المطايا وقد سَمَتْ / لِلُقياهُ إلا دون ما هو واجب
ولو أن ما يُحذّيْن منها نواظِرٌ / ولو أنَّ ما يُكْسَيْن منها ذَوائب
فكيف وقد حَجّتْ بنا بَيْتَ سُؤْددٍ / إلى مثلِه بالعيسِ تُطْوَى السباسب
أخو المَجْدِ امّا لثناء فإنّه / كَسوبٌ وأمَّا للثّراء فَواهب
له مُثْنِيا صِدْقٍ عليه بِجُودهِ / إذا ما تلاقَتْ بالرّفاق الرَكائب
فأمّا إذا سارتْ إليه فَركْبُها / وأمّا إذا عاجوا بها فالحَقائب
إذا ما أتاه الرّاغبون أعادَهم / ومِلء أكفِّ الرّغِبين الرغائب
فتىً كرُمَتْ أخلاقُه فانثَنَتْ به / محاسن هذا الناس وهي معايب
وحاز العلا حتى اشرأبت لعصره / بواقي اللّيالي والتفَتْنَ الذّواهب
وأدنَى أميرُ المؤمنين مكانَه / إلى غايةٍ من دُونها النّجمُ ثاقب
دعاهُ لملكٍ كان مَوضِعَ سِرّه / وفي كل قومٍ صَفْوةٌ وأشائب
زعيمُ دواوينٍ يَليهِنّ كافياً / وللسيفِ في يومِ القِراعِ مُضارب
و لا غَرض إلا يُصيبُ لأنّه / إذا سُلَ سيفٌ من يدِ اللهِ صائب
توحَّدَ في عَلْيائهِ فهو غُرّةٌ / لدَهْر بهيمٍ والحُجولُ المناقب
شمائلُ منها للمُواليِنَ باسمٌ / ومنها لإفْناء المُعادِينَ صاحب
يزيدُ بإظلامِ الورى فرْطُ نُورِها / ولن تجلُوَ الأقمارَ إلا الغياهب
فدام قريرَ العينِ ما ذَرَّ شارقٌ / وما أمَّ بيتَ اللهِ بالعِيسِ راكب
يصومُ على يُمْنٍ ويُفْطِرُ ما دعا / من الخُطْبِ في عُودِ الأراكةِ خاطب
فلا زَمنٌ عاصٍ لما هو آمرٌ / ولا قَدَرٌ ماحٍ لما هو كاتب
يروعُ الأعادي منه لَيْثُ كتابةٍ / ليُمْنَى يدَيْهِ من يراعٍ مَخالِب
إذا خُيِّرَ الأعداءُ بين كتيبةٍ / وبين كتابٍ منه قالوا الكتائب
يَمُرُّ على القرطاس مَرّاً بَنانُه / كما بَرَقَتْ للشّائمينَ السحائب
عليمٌ بأسرارِ الزّمانِ مُجرِّبٌ / تَشِفُّ وراء الفكْرِ منه العواقب
وأبلَجُ أقْذَتْ خَلّتي عينَ فِكْرِه / فظَلَّ لرَيْبِ الدّهرِ فِيَّ يُعاتب
واسحَبَني ذيل الكرامة جاهُهُ / وذو الفضل لا يشقى به من يصاحب
فلا تنمني الأمجادُ إن لم تَسِرْبها / قوافٍ لآفاقِ البلادِ جوائب
شُموسٌ وأفواهُ الرُّواة مشارقٌ / لهنّ وأسماعُ المُلوك مَغارب
وَكلْتُ بهنَّ الفكْرَ حتى تَهذَّبتْ / على النّقدِ إلا ما تَعلّلَ جادِب
وما الناسُ إلا شاعرانِ فناظمٌ / إذا ضَمَّ شَمْلاً للكلامِ وحاطب
لئن مدَحَ النّاسُ الكرامَ فأحسنوا / فمَجْدُك بَحرٌ للمُجِيدين غالب
فإن عجَزوا أو قَصَّروا عن بُلوغهِ / فقد عَلموا أن لن تُنالَ الكواكب
فلا تَعجّبُ أنَّ خَدَّيَ مُجدِبٌ
فلا تَعجّبُ أنَّ خَدَّيَ مُجدِبٌ / لِحَرِّ الهَوى أو أنَّ دَمْعِيَ ناضب
فكُليِّ فؤادٌ عند ذِكرِ أحبّتي / من الشوقِ لا ما أودعتْه التّرائب
كذاك أبو عبد الإلهِ جميعُه / يَمينٌ إذا جاء للرِفْدِ طالب
يمينُ مليكٍ تَلمسُ النّجُمَ رِفعةً / فما إن له غَيرَ المعالي مَكاسب
مؤيّدُ دينٍ ينتضِي الدّهرَ دونَه / له سَيفُ عَزْمٍ لم تَخُنْهُ المَضارب
أَملْنا إليه الأرحبيّةَ في الفلا / إلى أن تلقّتْنا يديهِ المراحب
لها في حمىً منّي وراء التّرائب
لها في حمىً منّي وراء التّرائب / مَنازلُ لا تُغشَى بأيدي الرّكائبِ
تُراحُ بأنفاسي إذا ما ذكَرتُها / وتُمطَرُ وَجْداً بالدُموعِ السّواكب
وليس دَمٌ يَجرِي من العينِ بعدكم / بشيءٍ سوى قلبٍ من الشّوقِ ذائب
فوالله ما أدريِ إذا ما نَزفْتُه / وأذْهَبْتُه هل حُبُّ لَيلَى بذاهب
وما القلبُ محبوباً إليَّ لخَلةٍ / سوى أنه منّي مكَانُ الحبائب
وقَفْنا لتسليمٍ على الدّارِ غُدوةً / ولا رَدَّ إلا من صداها المُجاوب
ولم تَخْلُ عَيْني من ظباء عِراضِها / ولكنْ أرتْنا الوحشَ بعد الرَّبائب
ولمّا عَرضْنا للحُمولِ وأعرضَتْ / كُعوبُ قناً يُحطمنَ دونَ كواعب
غواربُ أقمارٍ جوانحُ للنَّوى / وقد حَمَلتْها العيسُ فوق غَوارب
كأنّ على الأهداب من قَطْرِ دمْعِها / لآليُّ تُلقَى من أكُفِّ ثواقب
تُعرضُه فوق الكثيبِ فوارسٌ / وهم عارَضُوا الأرماحَ فوق الكَواثب
سَلَلْنَ سيوفاً من جفونٍ وِجئنَنا / يُحَيَّينَ بالألحاظِ خوفَ المُراقِب
فلم أر كاليوم اجتلاءَ مُسالمٍ / مع الأمْنِ يُبْدي عن سلاحِ مُحارب
ويومَ النَّوى لمّا أظلّتْ جُنودُه / حمىً كان من قلبي منيعَ الجوانب
أَذمَّتْ لنا سَلمى عشّيةَ سلَّمتْ / علينا لتوديعٍ بإيماء حاجب
فما شَبَّهتْ عيني لها قوسَ حاجبٍ / أشارَتْ به نحوي سوى قوسِ حاجب
فحتامَ أستشِفْي ضلالاً بقاتلٍ / وحتّام أستَجْدي نوالاً لناهب
ولا سِيَّما من بَعدِ ما شَقَّ ليلتي / من الشّيبِ فَجْر صادِقٌ بعد كاذب
فمَن مُبلغٌ سكانَ بابلَ قولةً / وليس المَّدى إن قلتُ بالمُتقَارب
أأحبابَنا جادتْ معاهدُ أُنسها / بقُربكُمُ غُرُّ السَّحابِ الهواضب
وما كنتُ إلا والمهامهُ بيننا / أُجانبكُم والقلبُ غيرُ مُجانب
غَوالبُ أشواقٍ أُتيحتْ حوادثٌ / غوالبُ من دهري لتلك الغوالب
وما السّيفُ إلا من كُلولٍ بمَضْربٍ / إذا مانبا أو مِن كُلولٍ بضارب
كفى حَزَناً أن يُقْرِنِ الدهر الدونكم / عداً بعوادٍ أو نوىً بنوائب
فلا وصْلَ إلا أن تُقِصّرَ دونه / طِوالُ اللّيالي والقنا والسباسب
بجَوّالةِ الأنساعِ جوّابةِ الفَلا / يِسرْنَ بنا في البيدِ سَيْرَ المُواظب
طوارِدِ أيدٍ في الظلامِ بأرجلٍ / سَوارٍ على طُولِ الفلاةِ سَوارب
إذا هي أضحَتْ بالظَّلالِ متالياً / رجَعْن لدى التّهجيرِ مثْلَ السّلائب
أقولُ لأدنَى صاحبَي مُسايراً / ومن شيمتي نُصْحُ الخليلِ المُصاحب
وفي شُعبِ الأكوارِ ميلاً من الكرَى / عصائبُ ألوْى لوْنُهُم بالعصائب
وقد ماجَ للأبصارِ بحرُ صبيحةٍ / به الشُّهْبُ دُرٌّ بين طافٍ وراسب
وأهْوَى الثريّا للأُفولِ بسُدْفةٍ / كما قُرّبَتْ كأسٌ إلى فَمِ شارب
وغَنّى وراء الرّكبِ حادٍ مُطَرّبٌ / يُزعزِعُ من أعطافِ نُوقٍ مَطارب
أزوّارَ زوراء العراقِ تَبادَروا / وما عُذْرُ نُجْبٍ في مُتونِ نَجائب
لها بعد خِمْسٍ فَيْضُ خمسةِ أبحُرٍ / إذا وردَتْ أو فَيض خَمْسِ سَحائب
لكفَّىْ عليٍّ ذي المعالي التي سَمَتْ / وهل فوقه من مُستَزادٍ لراغب
رِدُوا يا بني الآمالِ جَمّةَ جُودِه / فما البحرُ من غَرفِ الأكُفِّ بناضب
وسيروا إلى ظلٍّ من العَدْلِ سابغٍ / وميلوا إلى نجْمٍ من الفضلِ ثاقب
إلى بيتِ جُودٍ ما يزالُ حَجيجه / يُوافُونَ مِلْءَ الطُّرقِ من كُلّ جانب
إذا مَدَّتِ الأعناقَ أجمالُ سائرٍ / إليه تَلقّتْهُنّ أجمالُ آئب
فلم نَدْرِ ماذا منه نَقْضِي تَعجُّباً / سُؤالُ المطايا أم جوابُ الحقائب
من القوم مَغْشيُّ الرِواقِ يُؤُمُّه / بنو الدهرِ من ناءٍ ودانٍ مُصاقِب
تَسيحُ مياهُ الجودِ من بطْنِ كفّهِ / لكلّ أُناسٍ فهْي شَتّى المَشارب
وتَحسَبُ ما يَبْدو به من خُطوطِه / أساريرَ كَفّ وهْي طُرْقُ المَواهب
أخو مَنصبٍ في الدّهرِ لمّا سَما به / تَجاوزَ في العلياء كُلَّ المَناصب
فلم يَحكهِ أبناءُ عصرٍ مُباعدٍ / ولم يَحْكه أبناءُ عَصْرٍ مُقارب
وما ألْفُ ألْفٍ عُدِّدَتْ غيرُ واحدٍ / وقد خَطّها مَعْ نَقْصها كَفُّ حاسب
فأقبلَ ذاك الواحدُ الفَردُ آخراً / وصيرَ أصفاراً جميعُ المَراتب
بمُشْبِهةٍ قبل الكَمالِ وبعدَه / وما كلُ تَشبيهٍ سَمِعْتَ بصائب
سوى وزراءِ الدَّهرِ لمّا انتهى المَدى / إلى الصّاحبِ المُوفي على كلّ صاحب
وفَى بالنّدى فيهم وأَوفَى عليهمُ / وأَغنَى حُضورٌ منه عن كُلِّ غائب
وقد كان مثْلَ البدرِ بين كواكبٍ / فأصبح وهْو الشّمسُ بعد الكواكب
ولا عَيْبَ فيه غيرَ أنَّ كمالَه / إلى عُوذةٍ يَحتاجُ من قولِ عائب
وما روضةٌ بات النّسيمُ مُجَرِّراً / عليها ذُيولاً عاطِراتِ المَساحب
كأنَّ يدَ البَرّاضِ حَلّتْ بأرضها / لطائمَ كسرى للأكفِّ النَواهب
بأعبقَ نَشْراً من شمائله ولا / لَه من ضريبٍ في حَميدِ الضّرائب
يَفُلُّ العِدا بالكُتْبِ من لُطْفِ رأيهِ / فإن لم يُطيعوا فَلّهم بالكتائب
إذا استنطقَ الخطبُ الرجالَ جلالةً / ففي كفِّه العلياءِ أَبلغُ خاطب
خطيبُ له يعلو ذؤابةَ مِنْبَرٍ / رفيعٍ مَراقيهِ عُقودُ الرواجب
يُريكَ اعتِماماً بالسّوادِ يُديمُه / وليس يُبالي باختلافِ الجَلابِب
بكَفِّ هُمامٍ كلّما طاعَن العِدا / بما خَطَّ جَلّى عن نُفوسٍ عَواطب
فهُنّ قنا خَطٍّ قنا الخَطِّ عنده / كليلٌ شَباها في الأمورِ الحَوازب
إذا استخدمَتْها منه كفٌ مشَت له / بأرْؤسِها يَسحَبْنَ فَضْل الذَوائب
بشيِبٍ إذا صافَحْن يُمناه ما عَدتْ / من اليُمْنِ أن عادَتْ ذواتِ شبَائب
ولمّا أطالَ الدّهرُ أيّامَ فتْنةٍ / وصُمَّ فلم يسمَعْ مَقال المُعاتِب
وظَلَّ رداء المُلكِ من عِطْفِ ربِّه / تُجاذبِهُ ظُلْماً يدا كلِّ جاذبِ
أعَدْتَ إليه نظرةً فتَبَرَّجَتْ / مَحاسنُ للأيّامِ بعد مَعايب
فجاد علينا مُغْدِقٌ بعد مُعْرِقٍ / وهَبَّ علينا ناسِمٌ بعد حاصب
دعاك أميرُ المؤمنين صَفِيه / فأولاك وَدّاً صافياً من شَوائب
وأرْعاك سلطانُ الورى أمْرَ مُلْكه / فناصَحْتَهُ والنُّصْحُ سِلْكَ المَناقب
فأنقذْتَ دينَ اللهِ من كفِّ مارِقٍ / وكان كسِلْوٍ بين نابَيْهِ ناشب
رأى اللّيثُ فَرّاسَ اللُّيوثِ أمامَه / فراغَ عن الهيجاء روْغَ الثعالب
وخافَ افتِراساتِ الهِزَبْر الّذي له / من القَصَب المَبْريّ بَعْضُ المَخالب
وَثوبٌ إلى الأقرانِ سَطْواً وكَيْدُه / أدقُ لظَهر القِرْن إن لم يُواثِب
له طَرْفُ رأْيٍ لم تَزل تَجْتلِي بهِ / وُجوهُ المَساعي في مَرايا العَجائب
وإن يَهْرُبِ الباغي فكم من مُهالكٍ / مَصائدُها مَنصوبةٌ في المَهارِب
كمَنْ قد نجا من أصفهانَ وما نجا / فلاقَى بخُوزِستان شَر المَعاطب
فولّى برأْيٍ منه في الرشْد راجلٍ / فعادَ برأسٍ منه للرُّ مْح راكب
وهل هارِبٌ يَنْجو إذا أنت للِعدا / أبا طالبٍ أبدَيْتَ صفْحةَ طالب
فلا زال أسماعُ الملوكِ أوانِساً / لديكَ بأخبار الفُتوح الغَرائب
إذا قِيدَ قُرْجٌ من فُتوحٍ مَشارقٍ / تلَتْهُنّ غرٌّ من فُتوح مَغارب
ودونكَها دَقّتْ معاني بُيوتها / ورقّتْ حواشي لَفْظِها المُتَناسب
وقالوا سهامُ المَدْح كانتْ خواطئاً / فقلتُ لهم هذا أوانُ الصّوائب
ولولا رجائي في عَليّ بْنِ أحمدٍ / لقد كان نِضْوي للفلا غيرَ جائب
ولا خابَتِ الآمالُ فيك بحالةٍ / فما أمَلُ الأقوامِ فيك بخائب
وهُنِّئْتَ شهرَ الصّومِ وَفْدَ سعادةٍ / يُدِلُّ بحَقٍّ للعبادةِ واجب
فزِدْهُ كما زِدْتَ الوفودَ كرامةً / فأنت بحُسنِ الذِكْرِ أكرمُ حاسب
فأكْرِمْه واكسِبْ حَمْدَه عند حَلّه / وتَرحالِه في العِزِّ يا خيرَ كاسب
لك العيدُ مثْلُ العَبْدِ سائقُ صِرْمةٍ / ثلاثينَ بيضٍ جائياتٍ ذَواهب
إذا عزَبتْ في كُلِّ عامٍ أراحَها / إليك على يُمْنٍ مُراحُ العوازب
فأجْزلِ قِراهُ من سرورٍ وبهْجةٍ / وأثقِلْ قَراه باللُها والرَّغائب
ودُمْ للعلا ما دام منه ترَدٌ / على سَننٍ من مُدّةِ الدّهرِ لاحب
وزِدْ في رياض المُلْكِ عزّاً ورِدْ بها / من العِزّ عذْباً شُربُه غيرُ ناضب
وتأتيك أعطالاً فيرجعن دائماً / وهن حوال باللها والرغائب
جعلْتَ العطايا منك مهراً لدولةٍ / هداها إليكَ اللهُ يا خيرَ خاطب
فلا زال يُصفي غيْرةَ اللهِ دُونه / لمُلكِكَ صَوْناً خلْفَ سِتْرِ العواقب
سأنشُرُ أوصافَ المُهدَّب مادحاً
سأنشُرُ أوصافَ المُهدَّب مادحاً / كوَصْفِ نزيلِ المحْل آلَ المُهَلّبِ
فلم تَرعَيْني مثْلَه ابنَ أكارمٍ / ولا كأبيهِ كنتُ شاهْدتُ من أب
هُما عَوَّداني في قديمٍ وحادثٍ / من الدّهر إنْجاحاً لدى كُلّ مطْلب
وقد زادَني فوق الذي كنتُ آلفاً / نجيبٌ نماهُ للعلا خيرُ مُنْجِب
ولابنِ أبي البدْرِ اجتمعْنَ فضائلٌ / جَعلْنَ رجائي فيه غيرَ مُخيّب
شَمائلُ طَلْقِِ الوجهِ أبيضَ ماجدٍ / من القومِ من يَحلُلْ بِواديه يُخْصب
أخو ثقةٍ يَهتَزُّ عِطفاه للندى / إذا زُرته هَزَّ الحُسامَ المُجَرَّب
ولم ألْقه في الدّهرِ إلا ولِمَّتي / على شعَثٍ والصِدْقُ غيرُ مكَذِّب
فليت أخا ذُبيانَ يَرفَع طَرفَهُ / وإن كان من تحت الصّفيح المنَصَّب
إذَنْ لم يقُلْ أيُّ الرجالِ مُهَذَّبٌ / لوِ اكتحَلَتْ ألحاظُهُ بالمُهَذَّب
أُسائِلُ عنها الرَّكْبَ وهْيَ معَ الرَّكْبِ
أُسائِلُ عنها الرَّكْبَ وهْيَ معَ الرَّكْبِ / وأطلُبُها من ناظرِي وهي فيي القلبِ
وما عادةُ الأيّام إن رُحْتُ عاتباً / عليهنّ أن يُهدِينَ عُتْبَي إلى عَتْبي
تَعلّق بينَ الهَجْرِ والوَصْلِ مُهْجَتي / فلا أَرَبى في الحُبِّ أقضِي ولا نَحْبي
وما غَرَّني داعي الهوى غيرَ أنّني / نظَرْتُ فأصباني بعَينَيْه مَنْ يُصْبي
أَحِنُّ إلى طَيْفِ الأحبّةِ سارياً / ودونَ سُراهُ نَبْوةُ الجَفْنِ والجَنْب
فما للنّوى لا يَعْتري غيرَ مُغْرَمٍ / كأنّ النّوى صَبٌ منَ النّاسِ بالصَبَ
إذا ما تَصافيْنا سعَى الدّهْرُ بيننا / وصارَ التَلاقي دون مُمتنعٍ صَعْب
فللهِ رَبْعٌ من أُميمةَ عاطِلٌ / تُوشّحُه الأنداءُ باللُؤلُؤ الرّطْب
جعلتُ به قَيدَ الركائب وَقفةً / إذا شاء رَبْعُ الحَيّ طالتْ على صحْبي
رَمْيتُ مُحَيّا دارِهم عن صَبابةٍ / بسافِحةِ الإنسانِ سافحةِ الغَرْب
أُروِى بها خَدّي وفي القلبِ غُلَّتي / وقد يَتخطَّى الغيثُ أمكنةَ الجَدْب
ويا صاح أسعِدْني بجرْعاء مالكٍ / وإن نَزَلتْ سَمْراءُ في الحيّ من كعْب
وسِرْ نتعلَلْ بالحديثِ عنِ الهَوى / ونُسنِدْ إلى أحبابِنا أَثَرَ الحُبّ
ولا تتَعَجبْ أنني عشْتُ بعدَهم / فإنّهم روحي وقد سكنوا قلبي
وخَرْقٍ خَرَقْنَ العِيسُ بالوفدِ عُرضَه / وألفَيْنَ نجداً عن مناكِبها النُّكْب
ونحن بسفْحِ القارتَيْنِ عن الحِمَى / جُنوحٌ نَلُفُّ البيدَ شُهْباً على شُهْب
على كُلِّ مَسبوقٍ به الطَّرفُ ضامرٍ / كأنّ مَجالَ النِّسْعِ منه على جَأب
وحَرْفٍ تَجوبُ القاعَ والوهدَ والرُّبا / كحَرْفٍ مُديم الرَّفْعِ والجَّرِ والنَّصْب
نجائبُ يَقدحنَ الحصَى كُلَّ ليلةٍ / كأنّ بأيديها مَصابيحَ للرّكْب
كأنّ نُجومَ اللّيلِ مَدّ طريقنا / تُرامِي بها أيدِي الغُرَيرِيّةِ الصُّهْب
كأنّ شهابَ الدّينِ لما سَرتْ بنا / إليه المطايا تُبدِلُ البُعْدَ بالقُرب
تَهاوَتْ صِغارُ الشُّبِ تَهْدِي / شَطْرَ الكبيرِ من الشُّهب
إذا ما شهابَ الدّينِ زارتْ رِكابُنا / فَقُلْ في سُرَى الصّادي إلى المنهلِ العذب
إلى مَلِكٍ نَدْبٍ جزيلٍ نَوالهُ / وهل يَقْصِدُ الرّاجي سوى ملكٍ ندب
نَمومٍ على جَزْلِ العَطيةِ بِشرُهُ / ويُعرِبُ أُثْرُ السّيفِ عن جودةِ الضّرب
أمَرّ على صَرْفِ الزمانِ مَريرَهُ / ويُعرِبُ أُثْرُ السّيفِ عن جودةِ الضّرب
عَواقبُ ما يأتي مَواقِعُ طَرفْهِ / فآثارُهُ أبقَى بقاءً من القُضْب
هو ابنُ رئيسِ الدّين والمُقتدَى به / بوَضْعِ هناءِ المُلْكِ في مَوضِعِ النُّقب
يَسوسُ الرّعايا بالمنايا وبالمُنَى / ويَغْزو الأعادي بالكتائبِ والكُتب
فما مِن أبٍ وابْنٍ شَبيهُهما عُلاً / رأى النّاسُ في سِلْمٍ من الدّهرِ أو حَرب
هما عُذْرُ هذا الدّهرِ عن كلِ فارِطٍ / ولولاهُما ما كانَ مُغتفَرَ الذّنب
فَدُوما معاً في المُلْكِ ما هَبَّ ساجِعاً / على مَنبرِ الأيكِ الخَطيبُ من الخُطب
فهذا زمانٌ أنتُما خَيْرُ أهلِه / وأشرارهُ إنْ عُدَّ تُربي على التُّرب
عَجبْتُ وقد جئْتُ ابنَ لُؤْمٍ أزَورُه
عَجبْتُ وقد جئْتُ ابنَ لُؤْمٍ أزَورُه / فوافَيتُه والدهرُ جَمٌّ عجائبُه
وسَلمتُ من قُرْبٍ عليه فلم يكُنْ / جوابيَ إلا ما أشَارتْ حَواجِبه
وما شامِخٌ لا تُنِصِفُ العَينُ طُولَهُ / بأثقلَ منه حين يَزْوَرُّ جانبه
مِنَ المُقْتضيِ لَعْنَ الضّرورةِ وَجْهُه / إذا ما أتَيْنا في مُهمٍّ نُخاطبه
وإنّي على حالٍ كما تَشْتَهونَهُ
وإنّي على حالٍ كما تَشْتَهونَهُ / نَسُرُّ ولكنّ الغريبَ غَريبُ
ولم تَصطَنَعْ أرْجانُ قَطُّ صَنيعةً / إليَّ بلى أرضُ الحبيبِ حَبيب