المجموع : 30
وَلَمّا اِلتَقَينا وَالرّقيب بِنَجْوةٍ
وَلَمّا اِلتَقَينا وَالرّقيب بِنَجْوةٍ / وَقَد حانَ مِن شَمسِ النّهارِ مَغيبُ
أَبَحْنا الهَوى ما شاءَ مِنّا وَرُوِّيَتْ / عُيونٌ ظِماءٌ في الهَوى وَقُلوبُ
فَلَم تَكُ إِلّا ساعةً ثُمَّ زعزع ال / تَلاقي شمالٌ لِلنّوى وجنوبُ
ولولا النّوى ما كان للدهر زلّةٌ / ولا لِلَّيالي الماضياتِ عيوبُ
يَقولونَ لي لِمْ أَنتَ بِالذُّلِّ راكدٌ
يَقولونَ لي لِمْ أَنتَ بِالذُّلِّ راكدٌ / فَقُلتُ لِأَنّي في الحَياةِ رَغوبُ
نَضَا العزّ مِن أَكنافِهِ مَنْ تروقُهُ / حَياةٌ وَتحْلَولى لَهُ وتَطيبُ
وَعَيشِيَ بَينَ الأغبياءِ غضاضةٌ / وَلي مِن عيوبِ الأقربينَ عُيوبُ
وَبَينَ ضُلوعي غَيرَ أَنْ لَم أبُحْ بهِ / أُوارٌ عَلى فَوتِ المُنى وَلَهيبُ
وَلِلدّهرِ عِندي كُلَّ يَومٍ وَلَيلَةٍ / وَإِن لَم يَكُن مِنّي العتابُ ذنوبُ
وَلي كلُّ داءٍ قاتلٍ ثُمّ لَيس لي / مِنَ الداءِ في كُلِّ الرّجالِ طَبيبُ
إِذا كنتِ أَزمعتِ الرّحيل فإنّنا
إِذا كنتِ أَزمعتِ الرّحيل فإنّنا / سَتَرحلُ مِنّا أَنفسٌ وقلوبُ
وَإنْ تَبعدي عنّا فَللعَينِ أدمعٌ / تَصوب وَللقلبِ المَشوق وجيبُ
وَما لِحَياةٍ بَعدَ فَقدِكِ لذّةٌ / وَلَيسَ لِعَيشٍ بعد بينِكِ طيبُ
وَمَن قالَ إِنّ البينَ يُسلي عَنِ الهَوى / جَهول بِأَسبابِ الغَرامِ كَذوبُ
مَرَرنا عَلى سِربِ الظّباءِ عَشيّةً
مَرَرنا عَلى سِربِ الظّباءِ عَشيّةً / فَلَم يَعدُنا حَتّى تَقنّصنا السِّربُ
وَكُنّا نَظنُّ القربُ يَشفي سَقامنا / فَلم يَكُ إِلّا كلُّ أَدوائنا القُربُ
وَقالوا أَلَمّا تَنْهَ قلبك عَن هوىً / فَقلتُ وَهَل لي بَعدِ بَينِهِمُ قلبُ
نَصيبِيَ منكِ اليومَ هجرٌ وبغضَةٌ
نَصيبِيَ منكِ اليومَ هجرٌ وبغضَةٌ / وما لكِ إِلّا في الودادِ نَصيبُ
وَقَلبُكِ مِن حُبّي صَحيح مسلَّمٌ / وَقَلبيَ فيهِ مِن هواكِ ندوبُ
وَرابَكِ مِنّي قبل أَن تَتبيّني / بِأَنْ لَيسَ لي أَمرٌ عليهِ مَشيبُ
وَعاقَبني ظلماً وَكَم من مُعَاقَبٍ / وَلَيسَ لَهُ عندَ الحسان ذنوبُ
وَلَيسَ عَجيباً شيبُ رَأسي وَإِنّما / صدودُك عَن ذاكَ المشيب عجيبُ
هَبيهِ نَهاراً بَعد ليلٍ وروضةً / تضاحك فيها النّور وهيَ قَطوبُ
وَلا تَطلُبي شَرخَ الشّبابِ وَقَد مَضى / فذلكَ شَيءٌ ما أَراه يثوبُ
عَلى مثلِ هَذا اليومِ تُحنى الرّواجب
عَلى مثلِ هَذا اليومِ تُحنى الرّواجب / وَتُطوى بفضلٍ حِيز فيه الحقائبُ
حُبينا وأُمّرْنا بهِ فَبُيوتُنا / لدُنْ قيلَ ما قد قيلَ فيهِ الأهاضبُ
وَطارَت بِما نِلناهُ أَجنِحَةُ الوَرى / وَسارَت بهِ في الخافِقين الرّكائبُ
وَقالَ أُناسٌ هالَهم ما رَأوا لنا / أَلا هَكَذا تَأتي الرّجالَ المواهبُ
ظَفرتُمْ بِما لَم نَحظَ مِنهُ بنَهْلةٍ / وَلَذَّت لَكُم دونَ الأَنامِ المَشاربُ
وَبوّاكُمُ الشِّعبَ الّذي هو ساكنٌ / رسولٌ لهُ أمرٌ عَلى الخلق واجبُ
فَلمّا مَضى مَن كان أمَّرنا لَكمْ / أَتَتْنا كَما شاء العقوقُ العجائبُ
فَقُل لأُناسٍ فاخَرونا ضلالةً / وَهُم غُرباءٌ مِن فخارٍ أجانبُ
مَتى كُنتُمُ أَمثالَنا وَمَتى اِستَوتْ / بِنا وَبِكم في يَومِ فَخرٍ مَراتبُ
فَلا تَذكُروا قربى الرّسول لِتدفعوا / مُنازعكم يوماً فنحن الأقاربُ
وَمِن بعدِ يومِ الطفّ لا رحمٌ لَنا / تَئِطّ ولا شَعبٌ يرجّيه شاعبُ
وَكُنّا جَميعاً فَاِفتَرَقنا بِما جَرى / وَكَم مِن لَصيقٍ باعَدته المَذاهبُ
وَنَحنُ الرؤوسُ وَالشوى أَنتُمُ لَنا / وَمِن دونِنا أَتباعُنا وَالأصاحِبُ
لَنا دونَكم عَبّاسُنا وَعَليّنا / وَمَن هوَ نجمٌ في الدُجُنَّةِ ثاقبُ
وَلَو أَنّنا لَم نُنه عَنكم أتَتكُمُ / سِراعاً بنا مقانبٌ وكتائبُ
وَقَومٌ يَخوضونَ الرّدى وأكفّهم / تُناط بِبِيضٍ لم تخنها المضاربُ
إِذا طُلِبوا لَم يرهبوا مِن بسالةٍ / وَمن طَلبوا ضاقَت عليهِ المَذاهبُ
فَما بَيننا سِلمٌ ومَن كانَ دَهره / يُكتّم ضِغناً في حَشاهُ محاربُ
وَقيلَ لَنا لِلحقّ وَقتٌ معيّنٌ / يَفوز بهِ باغٍ وينجحُ طالبُ
فَلا تَطلُبوا ما لَم يَحِنْ بَعدُ حينُهُ / فَطالبُ ما لم يَقضِهِ اللّهُ خائبُ
فَإِنْ دُوَلٌ مِنكم مَشينَ تَبختُراً / زَماناً فقد تمشى الطِّلاحُ اللواغِبُ
وَإِن تَركَبوا أَثباجَ كلِّ منيفةٍ / فَكَم حُطّ مِن فَوقِ العَليّةِ راكبُ
فَلا تَأمَنوا مَن نامَ عنكم ضرورةً / فمُقْعٍ إلى أن يُمكن الوثبَ واثبُ
كَأنّي بِهنّ كالدَّبا هبَّتْ الصَّبا / به في الفلا طوراً وأُخرى الجنائبُ
يَحكّونَ أَطرافَ القَنا بِنُحورِهم / كما حكّت الجِذلَ القِلاصُ الأجاربُ
أَبِيّون ما حلّوا الوهادَ عن الرُّبا / وَما لهمُ إلّا الذُّرا والغواربُ
وَكَم مِنهمُ في غَمرةِ الحرب سالبٌ / وكم فيهمُ في حومة الجدب واهبُ
وَإِنّي لأرجو أَن أعيش إلى الّتي / تحدّثنا عنها الظّنونُ الصّوائبُ
فَتُقضى دُيونٌ قَد مُطِلْنَ وتنجلِي / دياجِرُ عن أبصارنا وغياهبُ
وتجري مياهٌ كنّ بالأمس نُضَّباً / وَتَهمي كَما شِئنا علينا السحائبُ
وتُدرك ثارات وتُقضى لُبانةٌ / وَتُنجح آمالٌ وتُؤتى مآربُ
أَتَنسيْن يا لَمياءُ شملكِ جامعاً
أَتَنسيْن يا لَمياءُ شملكِ جامعاً / وَإِذْ أَنا في صبغ الدُّجى منك أقربُ
وَقد لفّنا ضيقُ العناقِ وَبيننا / عِتابٌ كعرفِ المسكِ أو هو أطيبُ
وَإِذ علّنِي مِن ريقهِ ثم علّنِي / عَلى ظمإٍ مُستعذَبُ الرّيق أشنبُ
كَأنّ عليهِ آخرَ اللّيلِ قهوةً / مُعتّقةً ناجودُها يَتصوّبُ
أُحبّكِ يا لَمياءُ مِن غَيرِ رِيبةٍ / وَلا خَيرَ فيما جاءَهُ المتريِّبُ
وَيُطرِبُني إِنْ عنَّ ذكرُك مرّةً / وَلَستُ لِشيءٍ غير ذكراك أطربُ
وَفي المَعشَرِ الغادينَ بَدرُ دُجُنّةٍ / عَلوقٌ بِأَلبابِ الرّجالِ مُحبّبُ
يَدِلُّ فَلا تَأبى القلوبُ دلاله / ويُلقِي بأسبابِ الرِّضا حين يغَضَبُ
حَرامٌ عَلى قَلبي السلوُّ وَقَد بَدا
حَرامٌ عَلى قَلبي السلوُّ وَقَد بَدا / لِعَينِيَ عندَ الرّقمتينِ قَضيبُ
قَضيبٌ قَضى اللَّه المقدّر أنَّهُ / إِلى كلِّ أَلبابِ الرّجال حبيبُ
وَما كانَ عِندي أَنّ قَلبي يقودهُ / إِلَيه ويُدعى نحوه فيجيبُ
وفي النّفرِ الغادين وجهٌ أُحبّه
وفي النّفرِ الغادين وجهٌ أُحبّه / وما كلّ وَجهٍ في الرِّفاق حبيبُ
يَنوبُ مَنابَ البدرِ ليلةَ تمّهِ / وَيُغني غناءَ الشّمسِ حين تغيبُ
وَلمّا دَعاني للغرامِ أَجبتُه / وَما كانَ قَلبي للغرامِ يجيبُ
وَما كنتُ إِلّا فيهِ للحُبِّ طائِعاً / وَما لِسواهُ في الفؤادِ نَصيبُ
وَلِي صاحِبٌ لا يَصحب الضّيمَ ربُّهُ
وَلِي صاحِبٌ لا يَصحب الضّيمَ ربُّهُ / لَهُ في دِماءِ الدّارعين قِرابُ
وَأَسمرُ عَسّالُ الكعوبِ سنانُهُ / رَسولُ المَنايا في يَديهِ كتابُ
إِذا ما وَجا أو داجَ قَرْن مُصمّمٍ / أعاد مشيبَ الوجهِ وهو شبابُ
ملانِيَ فخراً أنّكَ اليومَ والدي / وأنَّكَ طَوْدي والأنام شِعابُ
أَلَستَ منَ القومِ الذينَ إذا دنَوْا / لِحَربٍ تَدانتْ أرْؤُسٌ ورقابُ
سيوفُهُمُ أَلحاظُهم وقناتهُمْ / سواعدُهمْ مهما اِستَحرَّ ضِرابُ
عَجِبتُ منَ الأيّام كيفَ تَروعنِي
عَجِبتُ منَ الأيّام كيفَ تَروعنِي / وَمن عَزَماتِي تسمتدّ النوائبُ
وَكَيفَ اِرتَجتْ عِندي بلوغَ إرادةٍ / وَما مالَ منّي في الغِوايةِ جانبُ
لَقد هَوّنتْ صَرفُ اللّيالي بَصيرَتي / وَآنَسُ شَيءٍ بِالفؤادِ المَصائبُ
إِذا كُنتُ أَستعلي بِنَفسٍ عزيزةٍ / فَلا قامَ أَنصارٌ ولا هبَّ صاحبُ
وَربّ حَسودٍ يَزدَريني بِقَلبهِ / إِذا رامَ نُطقاً أَخرَسَتْهُ المَناقبُ
تَسَربَل سِربالَ اللّيالي وَما دَرى / بِأَنّ مَكاني ما مشى فيه عائبُ
وَفارَقتُ أَخلاقَ الزّمانِ وأهلهِ / فَقد عَجبتْ أنْ لم تَنَلْنِي المعايبُ
وَمارَستُ مِن أَحوالهمْ ما بطرِفهِ / أشاهد ما تُفضِي إليه العواقبُ
إِذا لَم يَكُن بِالسّيف سعيُك للعُلا / فَلا دانَ مَطلوبٌ ولا ثار طالبُ
وَكُنتُ إِذا حاولت قَوماً تسفّهتْ / حلومُهُمُ حتّى جَفَتْنِي السّحائبُ
كَأَنّ الرّدى ما حُمّ إلّا لِصَلْوتي / وَلا خُلقتْ إلّا لِأَجلي العجائبُ
عَشِقتُ العُلا لا أَبتغي بَدَلاً لها
عَشِقتُ العُلا لا أَبتغي بَدَلاً لها / ولا عوضاً والعاشقون ضروبُ
فَما لي بِغَيرِ المأثُرَات صَبابةٌ / وما لِيَ إلّا المَأثراتُ حبيبُ
وَأَخطأتُ لمّا أن جَعلتكَ صاحِبي / وَذو الحَزمِ يُخطِي مرّةً ويصيبُ
وَأَنتَ بَعيدٌ مِن مَكانِ مَودّتي / وَإِنَّ مَزاراً بَينَنا لَقَريبُ
وَما هيَ إلّا زَلّةٌ أنَا بَعدها / أَعوجُ عَلَيها نادِماً فَأَتوبُ
فَيا مَنْ لِعَينِي كلَّ يومٍ وليلةٍ / قَذاةٌ بِها أَو لِلفُؤادِ كروبُ
وَلَولاهُ ما كانَت لِدَهري جِنايَةٌ / عَليَّ وَلا منه إليّ ذنوبُ
وَلا مَزّقتْ جلدي الغداة أظافرٌ / وَلا خَرَقْتهُ للزّمان نيوبُ
أَجبْتُك لَمّا أَن دَعوتَ اِغترارةً / وهيهات أُدعى بعدها فأُجيبُ
تُطالِبُنِي نَفسي بِما غَيرُهُ الرّضا
تُطالِبُنِي نَفسي بِما غَيرُهُ الرّضا / وَأَيُّ الرّجالِ نَفسُهُ لا تطالبُهْ
وَما زلتُ مغلوبَ الهوى وسفاهةٌ / على عاقلٍ أَنّ الهوى منه غالبُهْ
وَلم تكُ إِلّا في جَميلٍ مآربي / ومن ذا الذي لا تُستَزلُّ مآربُهْ
وَأَعلَم أَنّ المرءَ يَطويه لَحْدُهُ / ومنشورةٌ سقْطاتُه ومعايبُه
وَلَيسَ بِمَيْتٍ من مضى لسبيلهِ / ولمّا تَمُتْ آثاره ومناقبُه
وَمَن لَم تُهذّبْه تَجاريب دهرهِ / فَما ضرَّه أَلّا تَكون تجاربُهْ
وَأَقنعُ مِن خِلّي بِظاهرِ وُدّه / وَلَيسَ بِحْليٍ ما تضمّ ترائبُهْ
وَإنِّيَ مِمَّنْ إِنْ نَبا عَنهُ مَنزلٌ / نَبا وَنَجتْ عَنهُ عِجالاً ركائبُهْ
وَلَستُ بِمُستَبِق صديقاً تجهّمتْ / نواحي مُحيّاهُ أَوِ اِزوَرَّ جانبُهْ
وَلا عاتِبٌ يَوماً عليهِ فَإنّما / صَديقُك مَنْ صاحَبتَه لا تُعاتِبُهْ
وَلا خَيرَ في مولىً يُعاطيكَ بِشْرَه / وَفي صَدرهِ غِلٌّ تدبّ عقاربُهْ
وَلا صاحبٌ لي إنْ كشفتُ ضميرَه / ودِدْتُ وِداداً أنّنِي لا أُصاحبُهْ
وَفَضلُ الفَتى ما كان منه وفضلةٌ / عَلى مَجدهِ آباؤه ومناسبُهْ
خَلصتُ خلوصَ التِّبرِ ضوعفَ سبكُهُ / وَطاحَتْ بهِ أَقذاؤُه وشوائبُهْ
لِيَ الشاهِقاتُ الباسقاتُ من الذُّرا / وَفي مَحتِدِي هاماتُه وغواربُهْ
وَكَم طالِبٍ لِي فُتُّه وَسَبقتُهُ / وَلَم يَنجُ منّي هاربٌ أنَا طالِبُهْ
وَراقبني كُلُّ الرّجالِ بسالةً / وما فيهمُ مَنْ بتُّ يوماً أُراقبُهْ
وَقَد علم الأقوام لمّا عراهُمُ / مِنَ الدّهر خطبٌ لا تُرَدُّ مخالبُهْ
وَضَلّتْ وُجوه الرّأي عنه فلم تَبِنْ / لِراكبه بالرّغم أين مذاهبُهْ
بِأنّي فيهِ الرّمحُ بل كسنانِهِ / أو السّيفُ لا تنبو عليه مضاربُهْ
وكم مَوقفٍ في نَصرهم قمتُ وسْطَه / وما زال مسدوداً عليَّ مهاربُهْ
وَسَيلٍ منَ الموتِ الزُّؤامِ حميتُهمْ / شَذاه وَقَد سالَتْ عَليهم مذانبُهْ
أُحِبُّ ثَرى نجدٍ ونجدٌ بعيدةٌ
أُحِبُّ ثَرى نجدٍ ونجدٌ بعيدةٌ / أَلا حبّذا نجدٌ إن لم تُفِدْ قُربا
يَقولونَ نَجدٌ لستَ من شعبِ أَهلها / وَقد صَدقوا لكنّني منهُمُ حُبّا
كَأنّي وقَد فارَقت نجداً شقاوةً / فتىً ضلَّ عنهُ قلبُه يَبتغي قلبا
أَما آنَ لِلسّلوانِ أَن يَردَعَ الصَّبّا
أَما آنَ لِلسّلوانِ أَن يَردَعَ الصَّبّا / وَلا لِدنوّ الهَجرِ أن يُبعد الحبّا
لَقد أنكرَ الدّهر العَثور صَبابتي / وَقَد كانَ أَلقى مُهجَتي للهوى خربا
وَلَمّا وَقَفنا لِلوَداعِ اِنتَضَتْ لَنا / يَدُ البَينِ بَدراً مزّقت دونَهُ السُّحْبا
فَأَبصرتُ عرساً بَينَ بُردَيهِ مأْتمٌ / وَأَوليت بِرّاً عادَ عِندَ النّوى ذنبا
وَقُد كنتُ أَخشى وَثبَةَ الدّهرِ بَينَنا / وَنَحنُ مِنَ الإِشفاقِ نَستَوعرُ العَتْبا
فَكَيفَ وَقَد خاضَ الوشاةُ حَديثنا / وَأَضحَوْا لَنا مِن دونِ أَترابِنا صَحبا
سَقى اللَّه أَكنافَ اللّوى مُرْجَحِنَّةً / سَحاباً يَظلّ الهَضبُ مِن جودِهِ خَضْبا
وَأَطلقَ أَنفاسَ النّسيم بجوّهِ / فَكَم كَبِدٍ حَرّى تَهَشُّ إذا هبّا
فَعَهدي بهِ لا يهتدِي البين طُرْقَه / وَلا تَطرق الأحزانُ مِن أَهلهِ قلبا
حَمَتْهُ اللّيالي عَن مُطالَبةِ الرّدى / وَلَم أَدرِ أَنَّ الدّهرَ يَجعلهُ نَهبْا
وَمن ذا الّذي لا يَفتق الدّهر رَتْقَه / وَلا تُنزل الدنيا بِساحتهِ خَطبا
بِرَبِّك ما مَزجي المَطيّة هل رَعتْ / رِكابُك في سفح الحِمى ذلك الرّطْبا
وَهَل كَرِعتْ مِن ذلك الحيّ كرعةً / فَقَد طالما شرّدت عنّي به كَرْبا
وَهَل لَعِبت أَيدي السيول بِحَزْنه / وَهَل سَفَت الأَرواح مِن سهلهِ التُّربا
غَرامي بِأَهلِ الجِزْع منك بنجوةٍ / وَلَو جُزته أَعيا الرّكائب والرّكْبا
وَكَم لائِمٍ في المَجدِ لا نُصحَ عِندَهُ / جَعلتُ جَوابي عَن مَلامَتِه تبّا
يَلوم عَلى أنّي أحِنّ إلى النّدى / وَلَيسَ لِمَن عابَ النّدى عندِيَ العُتبى
وَما المالُ إلّا ما سَبقت به ردىً / فَأَعطيته أَو ما شفيت به صبّا
وَعِندي لِمَنْ رامَ اِبتِلائِيَ همَّةٌ / تُرى بعْدَ طُرْقِ المَكْرُماتِ هو القربا
مُهذِّمَةٌ لا يخطب الهزلَ جِدُّها / ولا تملأُ الرّوعاتُ ساحتها رُعبا
لَها شَفرة لا يَكْهَمُ الدّهرُ غربها / وَلَن تَترك الأيامُ في شفرةٍ غَرْبا
وَلَيلٍ كَأنَّ البدرَ في جنَبَاتهِ / أَخو خَفَرٍ يُدْنِي إِلى وَجهِهِ سِبّا
خَرقتُ حَواشيهِ بِخَرقاءَ جَسْرةٍ / تَرى الصّدقَ في عَينيك ما وجدتْ كِذْبا
مُسهّدَةٌ لا يطعمُ النومَ جَفنُها / وَلا تَبلغ الغايات مِن صَبرها العُقبى
إِذا ما اِستَمرّتْ في الشّكيم تَلوكه / كَسا مِشفراها عارِيات الرُّبا عُطْبا
أَقول إِذا أَفنى الدُّؤوب تجلّدي / أَلا ربّ تصديعٍ ملكت به الشّعبا
وَلا بدَّ لي مِن نَهضةٍ في لُبانةٍ / أُميتُ القنا فيها وأُحْيي به النّحْبا
فَإِن أَبلغِ القُصوى فشيمةُ ماجدٍ / وَإِن تَنبُ أَسيافِي فَلَن أَدع الضّربا
قَرنتك بِي واللَّه يَعلَمُ أَنّني
قَرنتك بِي واللَّه يَعلَمُ أَنّني / أَرَدْتُ بِكَ الحُسنى فعدتُ المُخيّبا
وَما كُنتُ فيما جِئتُ أَوّلَ صادق / أَساؤوا بهِ ظنَّاً فكانَ المكذَّبا
فَلا تَطمَعوا مِن ذي حِجىً بِنَظيرها / فَكُلُّ اِمرِئٍ يُدعى إِلى مِثلِها أَبى
أَلا يا لَقومِي لاِعتِنانِ النّوائبِ
أَلا يا لَقومِي لاِعتِنانِ النّوائبِ / وَللغُصنِ يُرمى كلَّ يومٍ بشاذِبٍ
وَللنّاسُ إمّا ظاعنٌ حانَ يومُهُ / وَإمّا مقيمٌ لاِجتراعِ المصائبِ
وَزَوْرُ المَنايا إِنْ حَميناه جانباً / أَتانا كَأَنْ لَمْ يُحْمَ مِن كلِّ جانبِ
يُعطُّ عَلينا كلَّ سَرْدٍ مضاعفٍ / ويخطو إلينا كلَّ بابٍ وحاجِبِ
وكم هاربٍ مِنْ أنْ يلاقِيَهُ الرّدى / مُغذٍّ ولكنْ لا نجاءَ لهاربِ
نُقِلُّ اِعتِباراً في الزّمانِ تغابياً / وَأَبصارُنا مَملوءَةٌ بالعجائبِ
وَنَصبو إِلى وِرْدِ الحياةِ وصرفُها / يذودُ بنا عنها ذِيادَ الغرائبِ
بُلينا منَ الدّنيا بِخلْفٍ مُجَدَّدٍ / وَإِن درَّ أَحياناً بِأَيدِي الحوالبِ
وَنَظْما إلى ما لا يَزالُ يُذيقُنا / لُعابَ الأَفاعِي أَو شِيالَ العَقاربِ
وَخِلٍّ تَولّى المَوتُ عنّي بِشَخصِهِ / توَلِّيَ مُمتدِّ النّوى غيرِ آيبِ
كَأنِّيَ لمّا صكَّ سَمعي نَعِيُّهُ / صُكِكْتُ بمسنونِ الغِرارين قَاضبِ
وَفارقني مِن غيرِ شَيءٍ أرابَه / وَصدُّ المقاصِي غيرُ صدِّ المعاتِبِ
طَواهُ الرّدى طيَّ الرِّداءِ وعُطِّلتْ / مَغانِي الحِجى منهُ وغُرُّ المناقبِ
خَليليَّ قوما فَاِندُبا مَنْ بِقُربِه / لَهَوْتُ زَماناً عن سَماعِ النوادِبِ
وَيا لَهْفَتِي منهُ عَلى ذِي مَودّةٍ / بَريءِ الأَديمِ مِن قروفِ المَعايبِ
نَسيبِيَ بِالوُدِّ الصحيحِ وأَقْربي / وَصاحِبيَ الأدْنى إِذا اِزوَرَّ صاحِبي
وَمَنْ كُنتُ لا أُفضِي لَه بِخليقةٍ / وَلا أَشتكِي منهُ اِعوِجاجَ المذاهبِ
مَذاقٌ كَما يَحلو الشّهادُ لِذائقٍ / وَصَفوٌ كَما يَصفو الشّرابُ لشاربِ
وَلَمّا بَلَوْتُ الأَصدقاءَ ووُدَّهُم / خلصْتُ إِليهِ مِن خِلال التّجارِبِ
فَأَعْلَقتُ قلبي منهُ مِلْء جَوانِحي / وَأَغلقتُ كفِّي منه مِلْءَ رواجِبي
شَقَقنا لهُ في التُّربِ بيتاً كَأنّما / شَقَقناهُ مِنْ وَجْدٍ بِه في التَرائبِ
وَهِلْنا عليهِ مِن جَوانبِ قبرِهِ / ثَرىً طابَ لمّا مسَّ طِيبَ الضّرائِبِ
أَيا ذاهِباً بُقّيتُ لِلحزنِ بعدَهُ / أَلا إِنَّني حزناً عَليك كَذاهبِ
تُوُفّيتَ دونِي غَيرَ أَنَّكَ هالكاً / توفّيتَ آمالِي وعُلْتَ مطالبِي
فَأَصبحتُ فَرْدَ الشّخص لولا تلهّفٌ / يَزور بِسارٍ مِن همومٍ وسارِبِ
وَلَوْ أنّ غير الدّهر رابكَ بالرّدى / عَجِلنا إِليهِ بالقنا والقواضبِ
وَدافَعَ عنكَ الضّيمَ حتّى يزيغه / رِجالٌ رجالٌ مِن لويّ بن غالبِ
إِذا ما دُعوا طاروا إِلى حَومَةِ الوغى / عَلى كلِّ مَعروقِ الجناجِنِ شازِبِ
جَريئونَ رَكّابون إِمّا تنمّروا / رقابَ المنايا أو ظهورَ المعاطِبِ
وَكَم لهُمُ في باب كلّ عظيمةٍ / قراعُ أَكفٍّ أَو زِحامُ مناكبِ
سقَى اللَّه قَبراً كنتَ حشوَ ضريحهِ / غزيرَ الحوايا مستهلّ الهيادِبِ
تَقَعقَعُ في جوّ السّماءِ رعودُه / ويوقِد فيه البرقُ نارَ الحُباحبِ
وَإِنْ مزّقتْ عنه الشّمال برودَه / عَلى عَجَلٍ حاكَتْه أيدي الجنائبِ
وَما لِيَ أَستسقِي الغمامَ لقبرِهِ / وقد نُبْتُ عنه بالدّموِع السّواكبِ
عِتابٌ لِدهرٍ لا يَمَلُّ عتابي
عِتابٌ لِدهرٍ لا يَمَلُّ عتابي / وشَكوى إِلى مَنْ لا يردّ جوابي
وَأَطلُبُ ما أَعيا الرّجالَ طِلابُه / فَيا لِلحِجى كَم ذا يَكونُ طِلابي
وَبِي ما أَذودُ النّاسَ عن باب علمِهِ / وكلُّ أُساتي جاهلون بما بِي
فلِي كَبِدٌ تَصلى بغيرِ خريدةٍ / وَلِي جَسدٌ يبلي بغير كَعابٍ
إِذا لَم أُرَغْ عند الغوانِي تغزّلاً / فَمثلُ مشيبي بينهنَّ شَبابي
وَلَو كنتُ يوماً بالخِضاب موكَّلاً / خضبتُ لمَن يَخفي عليهِ خضابي
فَإِن تعطِني أولى الخِضاب شبيبةً / فإنّي أُخيراه بغير شبابٍ
وَأَين منَ الإِصباحِ صِبغةُ غَيْهبٍ / وَأَين مِنَ البازيّ لون غُرابٍ
وقد قلّصتْ خَطْوِي الليالي وشمّرتْ / برَوْحاتها من جيئتِي وذهابي
وَكَم ظَفر الأقوامُ في البيض كالدُّمى / بفُوفِ المنى منهنَّ لا بثيابِ
وَلِي هِممٌ لمّا طَمحْنَ إلي العُلا / طمحْنَ كثيراتٍ وقلّ صِحابي
فمِنْ عذْبِ أزوادِ النّزاهةِ مطعمِي / ومن ماءِ أحواض العَفاف شرابي
فأيّ بلادٍ ما خرقتُ فِجاجها / وَفي أَيّ أَرضٍ لم تدُرَّ سحابي
وَأَيّ صَديقٍ لَم تُصبْه مثوبتي / وَأَيّ عدوٍّ لَم يَنلهُ عِقابي
أُريدُ الغنى مِن غيرِ ما جانب الغنى / فسهمِيَ لا يُصمى وسيفِيَ ناب
وَفي راحَتي أَسعى وَمن دونِ راحتِي / ركوبُ شِماساتِ المتون صِعابِ
وَربّ أُناسٍ جارِعي مُرَّ بِغْضَتِي / وَأَضلُعُهم ملأى بخبّ ضَبابِ
بَطيئينَ عنّي ناكِصينَ عَنِ الّتي / رَقَيْتَ إِلَيها من قلالِ هضابِ
وَلَمّا جرَوْا يَرجونَ سَبْقي إِلى العُلا / مَضيتُ وَلَمّا يَلحَقوا بترابي
يريدونَ أَن أَشقى برَجْع خطابِهمْ / وَمنْ فيهم يستطيعُ رَجْعَ خطابي
وَودّوا وأنّى ما يَودّون أنّهم / أصابوا معاباً لِي وأين معابي
وَمُذْ أَخطَأوا بابَ الصّواب ونكّبوا / عَنِ الرّشدِ باتوا حاسِدينَ صَوابي
وَقَد صَفِرتْ مِن كُلّ مَجدٍ أكفّهُمْ / ولم تخلُ من مجدٍ حَوَتْهُ وِطابي
ولمّا تناهبنا النّدى جئتُ راكباً / سنامَ النّدى في كلّ يومِ نِهابِ
وَقَد عَلِموا أنّي عَلى غيرِ ريبةٍ / تُلَطُّ سُجوفي ثمّ يُغلَق بابي
وإنّي وأَدناسُ الزّمان كَثيرةٌ / مَررتُ فَلم تَعلقْ بهنّ ثِيابي
وَما كانَ جاري وَالقِرى يستفزّه / مَروعاً وقد وافى بِنَبحِ كلابي
وَلا طارِقِي يرجو ثوابِيَ عائداً / بعسرٍ ولا يُسرٍ بغير ثوابِ
فَقلْ للعدى كونوا جميعاً بنجوَةٍ / إذا ماج تيّاري وجُنّ عُبابي
وَلا تَأمَنوا وَالشرّ ينتجُ بِالأَذى / وَقَد سَحَّ وَدْقِي أَنْ تَسيلَ شِعابي
وَوثبة مَفتول الذّراعِ قُصاقِصٍ / يُساعد ظُفراً في الصّريع بنابِ
هجومٍ عَلى الأقرانِ لَم يَثنِ كيدَه / كَميٌّ بِإقدامٍ ولا بهِبابِ
تَبوعٍ لحوقٍ في يديهِ طِلابه / وَما كلُّ باغٍ فائزاً بطِلابِ
ثَوى الغابَ مَرهوبَ المكانِ وما الرّدى / يُلاقيه إلّا في خبيئةِ غابِ
تَرى حولَهُ أَسلابَ قومٍ ولم يكنْ / ليحفل في مَنْ بزّه بسِلابِ
وَما لحظُهُ إلّا كَنجمَيْ دُجُنَّةٍ / وَلا بَطشُهُ إلّا كَمثل حِرابِ
له زَفرةٌ مِن فوق جنب صريعهِ / كما صُكَّ صُلْبٌ يابسٌ بصِلابِ
حَكتْ زَفرة المغلوب حزناً وخيبةً / وما هي إلّا زفرةٌ لِغلابِ
وَنهشةَ مَسموم اللِّثاثِ لعابُهُ / خَروقٌ إلى الأرداءِ كلّ حجابُ
تَراه لَصوقاً بالتّراب كأنّه / قطيعٌ طريحٌ أو سقيطُ حِقابِ
لَه مَلْمَسٌ لَيْنٌ وَحشو أديمِهِ / خشونةُ فرّاءٍ لكلِّ إِهاب
يَسدُّ على السّاري الطريقَ مجرُّهُ / وآثاره يحمين كلّ نِقابِ
كأنّ عليه جبّةً وهو صائفٌ / وفي القُرِّ عُريانٌ بغيرِ ثيابِ
يُمجّ سِماعاً في اللّديغِ كأنّه / لُغامُ نياقٍ أو نضيح حِبابِ
وما مشيُهُ إلّا تغضّنُ نِسْعَةٍ / تَلَوَّى على كوماء ذاتِ هِبابِ
حُبابٌ بأعلى الواديين طريقُهُ / وَما المَوتُ إِلّا في طَريق حبُابِ
يَصمّ عنِ الرّاقي وَيحدُرُ ظامِئاً / لدانٍ إِلى مطواه كلّ وئابِ
فَشاكٍ تَشكّاهُ بِغَيرِ تَعِلَّةٍ / وماضٍ توخّاه بغير إيابِ
سَلِ البارقَ العلويّ ليلة شُمتَهُ / وأعشى الكرى رَكْبي معاً ورِكابي
أَلستُ وَقَد خامَ الكماة عن الرّدى / لَبِستُ طعاني نَحوه وضِرابي
عَشِيّةَ هابَ الدّارعون تورُّدي / هُناك وَهمّ الطاعنون جنابي
إِلى أَن رأوْا سَيفي وَرمحيَ في الطُّلى / بِغَير أَنابيبٍ وغير ذُبابِ
وما حيلتِي أن كنتُ في سرّ أُسرَتي / ولم يشركوا في صفوتي ولُبابي
ولم أكُ يوماً قانعاً في فضيلةٍ / بأصلي ولا في مَحتِدٍ بنصابي
وكنتُمْ وهاداً هابطاً ثمّ أنتُمُ / تسامون في العلياء أهلَ روابِ
وهيهات أن تستصبحوا في دُجُنَّةٍ / بغير مصابيحٍ وغير شهابِ
وَهَل فيكمُ إلّا مَلومٌ مُفَنَّدٌ / ببذلِ أَساةٍ أو بمنع ثوابِ
وَهل درّ يوماً خيرُكمْ وهو نازحٌ / بشيءٍ سوى مسحي له وعِصابي
صحبتُكُمُ جهلاً بكم وملأتُ مِنْ / عهودكمُ وهْيَ الضعاف عِيابي
وإنْ فُتّكُمْ فضلاً فكم فات قبلكمْ / سَبوقٌ على بُعد المدى لكوابِ
أَدِرْ أيّها السّاقي الكؤوسَ على صَحْبِي
أَدِرْ أيّها السّاقي الكؤوسَ على صَحْبِي / وَدعنيَ ظمآناً ففي غيرها نَخْبِي
وإنْ كنتَ تبغي بالمدامةِ نشوةً / فعندِيَ ما يُوفِي على نشوةِ الضَّربِ
أَبَيْتُ الهوى دهراً ولمَّا عرفتُهُ / عرفتُ مطاعَ الأمر مُغتَفَر الذّنبِ
وهيّمَ إطرابَ الفؤادِ أوانِسٌ / خَلَصْنَ إلى ذاك الممنَّعِ من حبّي
عَلَوْن النَّقا يوماً بأوفى من النّقا / ولُثْنَ على أبهى من العَصْبِ بِالعصبِ
ونادَمْننَا وهْناً بمنعرج اللّوى / فَضوَّأْنَ للسّارين داجِيةَ السَّهْبِ
وعانقْنَ قُضباناً من الرّنْدِ مرّةً / بأيدٍ سِباطٍ هنّ أندى من القضْبِ
وناعمةِ الأطراف حلّ ودادُها / مَكانَ شغافِ القلبِ مِن حبّةِ القلبِ
دَعاني قبولٌ خَلَّفَتْهُ إلى الصّبا / وما كلُّ من تمّتْ محاسنُهُ يُصبْي
خُلِقتُ كما شاءَ الصّديق مُحكّماً / عليَّ خليلي نازلاً في هوى صَحْبي
وذمّ رجالٌ أنّني غيرُ مُعْجَبٍ / فيا عَجَباً ماذا يفيدهُمُ عُجْبي
ولو أنّني أزهى بشيءٍ مُنِحْتُه / زهيتُ بفخرِ الملكِ في العُجْم والعُرْبِ
حياتِيَ منه بِالمحلّ الَّذي بهِ / يُحَسِّدُني قومي ويَغبطني شَعْبي
وأرْكَبني أثباجَ كلّ فضيلةٍ / مُمَنَّعَة الأرجاءِ محميّةِ الغَرْبِ
ففي خُلقِهِ ذاك المُفَسَّحِ مرتعِي / ومِنْ لفظهِ ذاك المشرّف لِي عُشبي
وَكَم جهدَ الأعداءُ فيما يسوؤُني / فما خوّفوا أَمْني ولا ذَعْذَعوا سِرْبي
رَضينا عَنِ الدُّنيا وَأَنتَ تركتَنا / بلا سَخَطٍ في ذا الزّمان ولا عَتْبِ
وجُدْتَ ولم تُسْأل بكلِّ نفيسةٍ / وَقَبلكَ قَومٌ لا يدرّون بالعَصْبِ
شَرِبنا أُجاجاً مِنْهُمُ وَتَنازحوا / عَنِ المَوردِ المَورودِ والمنهلِ العّذْبِ
وَما نِلتَه إِلّا بِحَقٍّ أتيتَهُ / وكم نيلَتْ العظمى من الأمر بالغصبِ
حَلفت بِمن ضحّت مِنى يوم نحرِهمْ / وما عقروا من أُمِّ سَقْبٍ ومن سَقْبِ
وبالنّفرِ الثّانين عُقْلَ رِكابِهمْ / على عَرَفاتٍ يبتغون رضا الربِّ
لقد نال فخرُ الملك ما شاءَ من عُلاً / حَلَلْنَ على أعلى محلٍّ من السُّحْبِ
فتىً لم يزلْ يغدو بِعرْضٍ مُمَنَّعٍ / ومالٍ مُذالٍ لا يفيق من النّهْبِ
ولم يرضَ سهلَ الأمرِ يرطب مسُّه / وَلَم تلْقَهُ إلّا على مركبٍ صَعْبِ
وَرامَ مداهُ المُترفون وإنّما / يَرومونَ ما رامَ الوِهادُ من الهَضْبِ
فللّهِ أيّامٌ مضين قطعتَها / بلا سَأمٍ منها على ضُمَّرٍ قُبِّ
وَلا ظِلَّ إلّا ما تُفيءُ لك القَنا / وَلا زادَ إلّا نُجعةُ الطّعنِ والضّربِ
تَصولُ بِعَضْبٍ في يديك وَخلفَه / مِنَ الرأْي ما أَمضى وأقضى من العَضْبِ
فَصفْوُكَ لا يُبلى بِشيءٍ منَ القذى / وخِصْبكَ لا يُمنى بشيءٍ من الجَدْبِ
وَطاولتَ أعماراً طِوالاً فطُلتَها / وأربيتَ حتى نِلتَ ما لم ينْل مُربِ
وَلا زالَ هَذا العيدُ يَتلوهُ مثلُهُ / تعاقُبَ أنواءِ السّحاب على التُّربِ
أَلا مَنْ معينِي مِن خليلٍ أَعدُّه / عَلى شُكر نعماءِ أتتني بلا كسبِ
تَجشّم خير الناس طُرّاً عيادَتي / فَجاءَ بِما حسبي به شرفاً حسبي
وَلَم يَعرِفوا شُكراً لها ولربّها / فلم يعْلمونا كيف نشكر في الكُتْبِ
فإنْ أَعْيَ عن شكرٍ لها من صنيعةٍ / فَذلك مِن ذنبِ البلاغةِ لا ذَنبي
أَيا صاحبِي إِنْ لم تكنْ في شديدتي
أَيا صاحبِي إِنْ لم تكنْ في شديدتي / كفيلاً بها دوني فلستَ بصاحبي
ولو لم تكنْ خير الأُلى عَجَمَتْهُمُ / بَنانِيَ لم أضمُمْ عليك رواجبي
ذَخرتك لي في النّائباتِ ومنْ يكنْ / صديقاً صدوقاً فهْوَ ذُخرُ النّوائبِ
وما ضرّ والقربُ المؤلّفُ بيننا / ودادٌ لنا أنْ لم تكنْ من أقاربِي
أجِرْنِيَ إمّا بالقواضب والقنا / أو الرّأْي إنْ خَطْبٌ أناخ بجانبي
وكنْ قَبَسِي إنْ كان قومٌ دياجِري / وكنْ صادقي إنْ كان دهرِيَ كاذِبي
وَقُمْ وَاِكفِنِي إن كنتَ تَسطيع هذِهِ / حلولِيَ مغلوباً بوادِي العجائبِ