المجموع : 16
أهاجَكَ شَوقٌ بَعدما هَجعَ الرّكْبُ
أهاجَكَ شَوقٌ بَعدما هَجعَ الرّكْبُ / وأُدْمُ المَطايا في أزِمَّتِها تَحْبُو
فأَذْرَيْتَ دَمْعاً ما يَجِفُّ غُروبُهُ / وقَلَّ غَناءً عَنْكَ وابِلُهُ السَّكْبُ
تَحِنُّ حَنينَ النِّيبِ شَوْقاً إِلى الحِمى / ومَطْلَبُهُ مِنْ سَفْحِ كاظِمَةٍ صَعْبُ
رُوَيْدَكَ إنّ القَلبَ لَجَّ بهِ الهَوى / وطالَ التّجَنّي منْ أُمَيمَةَ والعَتْبُ
وأهوَنُ ما بي أنّ ليلةَ مَنْعِجٍ / أضاءَتْ لَنا ناراً بِعَلياءَ ما تَخْبو
يَعُطُّ جَلابيبَ الظّلامِ التِهابُها / ويَنفَحُ منْ تِلْقائِها المَنْدَلُ الرَّطْبُ
فَجاءَتْ بِريّاها شَمالٌ مَريضةٌ / لها مَلعَبٌ ما بَينَ أكبادِنا رَحْبُ
وبَلَّتْ نِجادَ السّيْفِ منّيَ أدْمُعٌ / تُصانُ على الجُلَّى ويَبْذُلُها الحُبُّ
فكادَ بِتَرْجيعِ الحَنينِ يُجيبُني / حُسامي ورَحْلي والمَطِيَّةُ والصَّحْبُ
ونَشْوانَةِ الأعْطافِ منْ تَرَفِ الصِّبَا / تُغيرُ وِشاحَيْها الخَلاخِيلُ والقُلْبُ
إذا مَضَغَتْ غِبَّ الكَرى عُودَ إسْحِلٍ / وفاخَ عَلِمْنا أنّ مَشْرَبَهُ عَذْبُ
أتى طَيفُها واللّيلُ يَسْحَبُ ذَيْلَهُ / ووَدَّعَنا والصُّبْحُ تَلفِظُهُ الحُجْبُ
وللهِ زَوْرٌ لَمْ يُغَيِّرْ عُهودَهُ / بِعادٌ ولا أهْدَى المَلالَ له قُرْبُ
تَمَنَّيتُ أنّ الليلَ لمْ يَقْضِ نَحْبهُ / وإنْ بَقِيَتْ مَرضَى على أُفْقِهِ الشُّهْبُ
نَظَرنا إِلى الوَعْساءِ مِن أيْمَنِ الحِمى / وأيُّ هَوًى لمْ يَجْنِهِ النَّظَرُ الغَرْبُ
ونَحْنُ على أطرافِ نَهْجٍ كأنّهُ / إذا اطَّرَدَتْ أدْراجُهُ صارِمٌ عَضْبُ
يَؤُمُّ بِنا أرْضَ العِراقِ رَكائِبٌ / تَقُدُّ بأيْديها أديمَ الفَلا نُجْبُ
فَشَعْبُ بَني العَبَّاسِ للمُرْتَجي غِنًى / وللمُبْتَغي عِزّاً وللمُعْتَفي شِعْبُ
أولئكَ قَومٌ أسْبَلَ العِزُّ ظِلَّهُ / عَلَيهمْ ولَم يَعْبَثْ بأعْطافِهمْ عُجْبُ
هُمُ الرَّاسِياتُ الشُّمُّ ما أُبْرِمَ الحُبا / وإنْ نُقِضَتْ هاجَتْ ضَراغِمَةٌ غُلْبُ
بِهمْ تُدفَعُ الجُلَّى وتُسْتَلْقَحُ المُنى / وتُسْتَغْزَرُ الجَدْوى وتُسْتَمْطَرُ السُّحْبُ
يُحَيُّونَ مَهدِيّاً بَنَى اللهُ مَجْدَهُ / على باذِخٍ تأْوي إِلى ظِلِّهِ العُرْبُ
لهُ الذِّرْوَةُ العَيْطاءُ في آلِ غالِبٍ / إذا انْتَضَلَتْ بالفَخْرِ مُرَّةُ أو كَعْبُ
يَسيرُ المُلوكُ الصِّيدُ تَحتَ لِوائِهِ / ويَسْري إِلى أعدائِهِ قَبْلَهُ الرُّعْبُ
إذا اعتَقَلوا سُمْرَ الرِّماحِ لِغارَةٍ / وجُرْدُ الجيادِ الضابِعاتِ بِهمْ نُكْبُ
أبَوْا غَيرَ طَعْنٍ يَخْطِرُ الموتُ دونَهُ / ويَشفي غَليلَ المَشْرَفيِّ بِها الضَّرْبُ
كَتائِبُ لَولا أنّ للسَّيْفِ رَوْعَةً / كَفاها العِدا الرّأيُ الإمامِيُّ والكُتْبُ
تُدافِعُ عَنها البِيضُ مُرهَفَةَ الظُّبا / وتَفْتَرُّ عن أنيابِها دونَها الحَرْبُ
إلَيكَ أمينَ اللهِ أُهدي قَصائِداً / تَجوبُ بها الأرضَ الغُرَيْرِيَّةُ الصُّهْبُ
فَما لِلمَطايا بَعدَما قَطَعَتْ بِنا / نِياطَ الفَلا حتّى عَرائِكُها حُدْبُ
مُعَقّلَةً والبَحْرُ طامٍ عُبابُهُ / على الخَسْفِ لا ماءٌ لَدَيْها ولا عُشْبُ
يَصُدُّ رِعاءُ الحَيِّ عَنْها وقد بَرى / بِحَيثُ الرُّبا تَخْضَرُّ أشباحَها الجَدْبُ
حَنَانَيْكَ إنَّ الغَدْرَ ضَرْبةُ لازِبِ
حَنَانَيْكَ إنَّ الغَدْرَ ضَرْبةُ لازِبِ / فيا لَيتَ للأحبابِ عَهدَ الحَبائِبِ
شَكَوْتُهُمُ سِرّاً شِكايَةَ مُشْفِقٍ / وحَيَّيْتُهمْ جَهراً تحيّةَ عاتِبِ
أُقَلِّبُ طَرْفي في عُهودٍ وراءَها / خَبيئَةُ غَدرٍ في مَخيلَةِ كاذِبِ
وأعْطِفُ أخلاقي على ما يَريبُها / إلَيْهِم فقد سَدَّ الوَفاءُ مَذاهِبي
ولي دونَهُمْ منْ سِرِّ عَدنانَ فِتيةٌ / نِزاريّةٌ تَهفو إليهِمْ ضَرائبي
إذا ما حَدَوْتُ الأرْحَبيَّ بِذِكْرِهمْ / عَرَفْتُ هَواهُم في حَنينِ الرّكائِبِ
ولكِنْ أبَتْ لي أن أُوارِبَ صاحِباً / سَجيَّةُ شَيْخَيْنا لُؤَيٍّ وغالِبِ
فللّهِ قَوْمٌ بالعُذَيْبِ إليهِمُ / نَضَوْتُ مِراحَ الرَّازِحاتِ اللَّواغِبِ
طَرَقْتُهُمُ والليلُ مَرْضى نُجومُهُ / كأنَّ تَواليها عُيونُ الكَواعِبِ
وثاروا إِلى رَحْلي تَحُلُّ نُسوعَهُ / أنامِلُ صِيغَتْ للظُّبا والمَواهِبِ
وهَبَّ الغُلامُ العَبْشَميُّ بسَيفِهِ / إِلى جُنَّحِ الأضلاعِ مِيلِ الغَوارِبِ
بأبْيَضَ مَصقولِ الغِرارَيْنِ حَدُّهُ / نَجِيُّ عَراقيبِ المَطيِّ النّجائِبِ
كأنّ الحُسامَ المَشرَفيَّ شَريكُهُ / إذا سَنَحَتْ أُكْرومَةٌ في المَناقِبِ
وما هي إلا شِيمَةٌ عربيّةٌ / تَنَقَّلُ من أيْمانِنا في القَواضِبِ
فما ليَ في حَيَّيْ خُزَيمَةَ بَعدَهُمْ / أُريغُ أماناً من رِماحِ الأجارِبِ
وتَغدو إِلى سَرْحي أراقِمُ وائِلٍ / وقَد كان تَسْري في رُباهُمْ عَقاربي
أفي كُلِّ يومٍ من مُشايَحةِ العِدا / أُعالِجُ رَوعاتِ الهُمومِ الغَرائِبِ
كأنِّيَ لمْ أسفَحْ بتَيماءَ غارَةً / تُفرُّقُ ما بينَ الطُّلى والكَواثِبِ
ولمْ أرْدِفِ الحَسناءَ تَبكي منَ النّوى / وتَشكو إِلى مُهْري فِراقَ الأقارِبِ
فَغادَرَني صَرْفُ الزَّمانِ بمَنْزِلٍ / أطأطِئُ فيهِ للخَصاصَةِ جانِبي
وأذْكُرُ عَهدي من غُفَيْلَةَ بَعدَما / طَوَيْتُ على أسرارِ حُزْوى تَرائِبي
وما كُنتُ أخشى أنْ أوَكِّلَ ناظِري / ببَرْقٍ كَنارِ العامِريّةِ خالِبِ
ولا أمْتَطي وَجْناءَ تَختَلِسُ الخُطا / وتَشْكو أظلَّيْها عِراصُ السّباسِبِ
وتوغِلُ في البَيْداءِ حتى كأنّها / خَيالٌ أُناجيهِ خِلالَ الغَياهِبِ
عليها غُلامٌ من أميّةَ شاحِبٌ / يُنادِمُ أسْرابَ النّجومِ الثّواقِبِ
فَما صَحْبُهُ الأدْنَوْنَ غيرَ صَوارِمٍ / ولا رَهْطُهُ الأعْلَوْنَ غيرَ كَواكِبِ
يلُفُّ وإنْ كَلَّ المَطِيُّ مَشارِقاً / على هِمَّةٍ مَجنونَةٍ بمَغارِبِ
ويُطبِقُ جَفْنَيهِ إذا اعْتَرَضَ السَّنا / مَخافَةَ أنْ يُمْنَى بِنارِ الحُباحِبِ
دَعاهُ ابنُ مَنصورٍ فَقارَبَ قَيْدَهُ / على البَحْرِ في آذِيَّهِ المُتَراكِبِ
وألْقَى بمُسْتَنِّ الأيادي رِحالَهُ / فنَكَّبَ أذْراءَ الخَليطِ الأشائِبِ
أغَرُّ إذا انْهَلَّتْ يَداهُ تَواهَقَتْ / مَنايا أعاديهِ خِلالَ الرّغائِبِ
تَبَرَّعَ بالمعْروفِ حتّى كأنّهُ / يَعُدُّ اقْتِناءَ المالِ إحْدى المَثالِبِ
منَ القَوْمِ لا يَسْتَضْرِعُ الدّهْرُ جارهُمْ / ولا يَتحاماهُ حِذارَ النّوائِبِ
عِظامُ المَقاري والسَّماءُ كأنَّها / تَمُجُّ دَمَاً دونَ النُّجومِ الشَّواحِبِ
مَساميحُ للعافي ببيضٍ كَواعِبٍ / وصُهْبٍ مَراسيلُ وجُرْدٍ سَلاهِبِ
وأفياؤهُمْ للمُجْتَدي في عِراصِها / مَجَرُّ أنابيبِ الرِّماحِ السّوالِبِ
ومَلْعَبُ فِتيانٍ ومَبْرَكُ هَجْمَةٍ / ومَسْحَبُ أطْمارِ الإماءِ الحَواطِبِ
إليكَ أمينَ الحَضرَتَيْنِ تَناقَلَتْ / مَطايا بأنضاءٍ خِفافِ الحَقائِبِ
وهُنَّ كأمثالِ القِسِيِّ نَواحِلٌ / مَرَقْنَ بأمثالِ السِّهامِ الصّوائِبِ
فإِنَّ يَداً طَوَّقْتَني نَفَحاتُها / لَمُرْتَقِبٌ منها بُلوغَ المآرِبِ
أثِرْها فلا ماءً أصابَتْ ولا عُشْبا
أثِرْها فلا ماءً أصابَتْ ولا عُشْبا / وقد مُلئَتْ أحْشاءُ رُكْبانِها رُعْبا
ونحنُ بحَيْثُ الذِّئْبُ يَشْكو ضَلالَهُ / إِلى النّجْمِ والسّاري يَسوفُ بهِ التُّرْبا
نُحاذِرُ منْ حَيَّيْ سُلَيْمٍ وعامِرٍ / أَناسِيَّ لا يَرْضَوْنَ غيرَ الظُّبا صَحْبا
إذا خَلَّفَتْ بَطْحاءَ نجْدٍ وراءَها / فلسنا بمَنّاعينَ أن تَقفَ الرَّكْبا
فأينَ ومِثلي لا يَغُشُّكَ ماجِدٌ / نَصولُ بهِ كالعَضْبِ مُحتَضِناً عَضْبا
لهُ هِمّةٌ غَيْرى على المَجدِ برَّحَتْ / بنَفْسٍ على الأيّامِ منْ تيهِها غَضْبى
وإنْ يَكُ في نَجْديِّ قَيْسٍ بَسالَةٌ / فإنّي ابنُ أرْضٍ تُنبِتُ البَطَلَ النَّدْبا
يَعُدُّ إباءَ الضّيْمِ كِبْراً وطالما / أبَيْنا فلم نَعثُرْ بأذيالِنا عُجْبا
ولكننا في مَهْمَهٍ تُعْجِلُ الخُطا / على وَجَلٍ هُوجُ الرّياحِ بهِ نُكْبا
إذا طالَعَتنا منْ قُرَيْشٍ عِصابَةٌ / وشافَهْنَ من أعلامِ مَكَّتِها هَضْبا
نزَلْنَ منَ الوادي المُقدَّسِ تُرْبُهُ / بآمَنِهِ سِرْباً وأعْذَبِهِ شِرْبا
وفي الرَّكْبِ مَنْ يَهْوى العُذَيْبَ وماءَهُ / ويُضْمِرُ أحياناً على أهلِهِ عَتبا
ويَصْبو إِلى وادِيهِ والرّوْضُ باسِمٌ / يُغازِلُهُ عافي النّسيمِ إذا هَبّا
وواللهِ لولا حُبُّ ظَمْياءَ لم يَعُجْ / عليهِ ولم يَعْرِفْ كِلاباً ولا كَعبا
وما أُمُّ ساجي الطّرْفِ مالَ بهِ الكَرى / على عَذَباتِ الجِزْعِ تَحْسَبُهُ قُلْبا
تُراعي بإحدى مُقْلَتَيْها كِناسَها / وتَرْمي بأُخْرى نَحوَهُ نَظَراً غَرْبا
فَلاحَ لَها مِنْ جانِبِ الرّمْلِ مَرْتَعٌ / كأنّ الرّبيعَ الطَّلْقَ ألْبَسَهُ عَصْبا
فمالَتْ إليهِ والحَريصُ إذا عَدَتْ / بهِ طَوْرَهُ الأطْماعُ لمْ يَحْمَدِ العُقْبى
وآنَسَها المرْعى الأنيقُ وصادَفَتْ / مَدى العَيْنِ في أرجائِهِ بَلَداً خِصْبا
فلمّا قَضَتْ منهُ اللُّبانَةَ راجَعَتْ / طَلاها فألْفَتْهُ قَضى بَعْدَها نَحْبا
أُتِيحَ لَها عاري السّواعِدِ لمْ يزَلْ / يَخوضُ إِلى أوْطارِهِ مَطْلَباً صَعْبا
فوَلَّتْ على ذُعْرٍ وبالنَّفْسِ ما بِها / منَ الكَرْبِ لا لُقِّيتَ في حادِثٍ كَرْبا
بأَوْجَدَ منّي يومَ عَجَّتْ رِكابُها / لِبَيْنٍ فلمْ تترُكْ لِذي صَبوَةٍ لُبّا
وما أنْسَ لا أنْسَ الوَداعَ وقد بدَتْ / تُغَيِّضُ دَمْعاً فاضَ وابِلُهُ سَكْبا
مُهَفْهَفَةٌ لم تَرْضَ أتْرابُها لَها / ببَدْرِ الدُّجى شِبْهاً وشَمْسِ الضُّحى تِرْبا
تنفَّسُ حتى يُسْلِمَ العِقْدَ سِلْكُهُ / وأكْظِمُ وَجْداً كادَ ينْتَزِعُ الخِلْبا
وتُذْري شَآبيبَ الدّموعِ كأنّما / أذابَتْ بعَيْنَيْها النّوى لُؤلؤاً رَطْبا
وما كُنْتُ أخشى أن أُراعَ لحادِثٍ / منَ الدّهْرِ أو أشْكو إِلى أهلِهِ خَطْبا
وقد زُرْتُ منْ أفْناءِ سَعْدٍ ومالكٍ / ضَراغِمَةً تُغْرى كِنانِيَّةً غُلْبا
منَ القَوْمِ يُزْجِي الرّاغِبونَ إلَيْهِمُ / على نَصَبِ المَسْرى غُرَيْرِيَّةً صُهْبا
لهُمْ نَسَبٌ رَفَّتْ عليهمْ فُروعُهُ / وبَوّأَهُمْ منْ خِنْدِفٍ كَنَفاً رَحْبا
إذا ذَكَروهُ أضْمَرَ العُجْمُ إحْنَةً / عليهمْ وأصْلى جَمْرَةَ الحَسَدِ العُرْبا
وإنْ سُئِلوا عمّنْ يُديرُ على العِدا / رَحى الحَرْبِ فيهمْ أو يكونُ لَها قُطْبا
أشاروا بأيْديهِمْ إِلى خَيْرِهِمْ أباً / وأطوَلِهِمْ باعاً وأرْحَبِهِمْ شِعَبا
إِلى مُدْلجيٍّ رَدّ عن آلِ جَعْفَرٍ / صُدورَ القَنا والجُرْدَ شازِبَةً قُبّا
وقابَلَ بالحُسْنى إساءَةَ مُجْرِمٍ / فودَّ بَريءُ القَومِ أنّ لهُ ذَنْبا
تُراقُ دِماءُ الكُومِ حَولَ قِبابِهِ / إذا راحَ شَوْلُ الحَيِّ مُقْوَرّةً حُدْبا
ويَسْتَمْطِرُ العافونَ منهُ أنامِلاً / أبى الجُودُ أن يَستَمطِروا بعْدَها سُحْبا
رأى عندَهُ الأعداءُ مِلْءَ عُيونِهِمْ / مَناقِبَ لو فازُوا بِها وَطِئوا الشُّهبا
فوَدّوا منَ البَغْضاءِ أنّ جُفونَهُمْ / عَقَدْنَ بهُدْبٍ دونَ رؤيَتها هُدْبا
ولم يُتلِعوا أعْناقَهمْ نَحوَهُ هَوًى / ولا عَفّروا تلكَ الجِباهَ لهُ حُبّا
ولكنّهمْ هابُوا مَخالِبَ ضَيْغَمٍ / يَجوبُ أديمَ الأرضِ نحوَهُمُ وَثْبا
أبا خالدٍ إنّي تَرَكْتُهُمُ سُدًى / وأحْسابُهُمْ فَوضَى وأعْراضُهُمْ نُهْبى
وصَدّقَ قَوْلي فيكَ أفعالُكَ التي / أبَتْ لقَريضي أن أوَشِّحَهُ كِذْبا
وهزّكَ مَدْحٌ كادَ يُصْبيكَ حُسْنُهُ / وفي الشِّعرِ ما هزَّ الكَريمَ وما أصْبى
يحدِّثُ عنهُ البَدرُ بالشّرقِ أهلَهُ / ويسألُ عنهُ الشّمسَ مَنْ سَكَن الغَرْبا
ومَنْ لم يُراقِبْ رَبَّهُ في رَعيّةٍ / أخِشَّتُهُ تُدْمي عَرانينَهُمْ جَذْبا
فإنّكَ أرْضَيْتَ الرّعايا بِسيرَةٍ / تحَلّتْ بها الدُّنيا ولم تُسْخِطِ الرَّبّا
ألَمَّتْ ودوني رامَةٌ فكَثيبُها
ألَمَّتْ ودوني رامَةٌ فكَثيبُها / ينُمُّ على مَسْرى البَخيلَةِ طِيبُها
وفَوقَ الغُرَيْرِيّاتِ أعْناقُ فِتْيَةٍ / يَشُدُّ طُلاها بالرِّحالِ دُؤوبُها
وأنّى اهْتَدَتْ والليلُ داجٍ ودونَها / حُزونُ البِطاحِ منْ مِنىً وسُهوبُها
وزارَتْ فَتىً نِضْوَ السِّفارِ تَطاوَحَتْ / بهِ نُوَبٌ تَطْغى عليهِ خُطوبُها
وما راقَبَتْها عُصبَةٌ عامِريّةٌ / تُزَرُّ على أُسْدِ العَرينِ جُيوبُها
فإنّ نَسيمَ العَنْبَرِ الوَرْدِ إنْ سَرَتْ / إلينا ووَسْواسُ الحُليِّ رَقيبُها
وللهِ عَيْنٌ تَمْتَري دَمْعَها النّوى / ونَفْسٌ يُعَنّيها الهَوى ويُذيبُها
وكُنتُ إذا الأيْكِيّةُ الوُرْقُ غرّدَتْ / أخَذْتُ بأحْناءِ الضّلوعِ أُجيبُها
وإنْ خَطَرَتْ وَهْناً صَباً مَشرِقيّةٌ / على كَبِدِي هاجَ الغَرامَ هُبوبُها
وإني لأسْتَنْشي الرّياحَ فربّما / تَجيءُ برَيّا أمِّ عَمْروٍ جَنوبُها
وأنْشَقُ منها نَفْحَةً غَضَويّةً / ولي عَبراتٌ ما تَجفُّ غُروبُها
أُعَلِّلُ نَفْساً بالعِراقِ مريضةً / ولكنْ بأكْنافِ الحِجازِ طَبيبُها
فهل علِمَتْ بنتُ الحُوَيْرِثِ أنّني / مُقيمٌ على العَهْدِ الذي لا يَريبُها
ومُخْلِسةٌ منْ رَوْعَةِ البَيْنِ لِمّتي / أقَبْلَ الثّلاثينَ اسْتَنارَ مَشيبُها
وما نَهْنَهَتْني دونَها خَشيَةُ الرّدى / وهَلْ هيَ إلا مُهْجَةٌ وشَعوبُها
ولا خِفْتُ أن يَستَغويَ البيدُ ناظِري / فإني إذا ما اغْبَرّتِ الأرضُ ذِيبُها
وبيضٍ أُرَويّها دَماً عِندَ مأزِقٍ / بهِ تَشهَدُ الهَيجاءُ أني شَبيبُها
وشِعْرٍ كنَوّارِ الرِّياضِ أقولُهُ / إذا الكَلِماتُ العُورُ قامَ خَطيبُها
أُنيرُ وأُسْدي مَجْدَ أرْوَعَ باسِمٍ / على حِينِ يَلوي بالوجُوهِ قُطوبُها
تَصوبُ بكفّيْهِ شَآبيبُ نائِلٍ / إذا السّنواتُ الشُّهْبُ مارَ ضَريبُها
ويَخْلُفُ أنواءَ الرّبيعِ إذا كسا / سَنامَ الحمى بُرْدَيْ عَديمٍ نُضوبُها
أخو هِمَمٍ مَشْغوفَةٍ بمَكارِمٍ / يَروحُ إِلى غاياتِهنَّ عَزيبُها
ويَقْصُرُ عنها المَدْحُ حتى كأنّنا / إذا نَحنُ أثْنَيْنا عليها نَعيبُها
أطَلَّ على الأكْفاءِ تَغْلي صُدورُهُمْ / على حَسَدٍ تَفترُّ عنهُ نُدوبُها
وصاغَتْ لهُ في كلِّ قَلبٍ مَحبّةً / يَدٌ بالأيادي ثَرّةٌ تَسْتَثيبُها
ولوْ أضْمَرَتْ فيهِ العَداوَةَ أنْفُسٌ / لحدّثَ عن أسرارِهِنَّ قُلوبُها
إليكَ أبا حَسّانَ أُزْجي رَكائِباً / لَها مِنْ رِحابِ الأكْرَمينَ خَصيبُها
ويُطْرِبُها الحادي بمَدْحِكَ مَوْهِناً / فتَخْدي وقد مَسَّ المَراخِي لُغوبُها
ولولاكَ لم أطْرُقْ أحاوِصَ عامِرٍ / ولا نَبَحَتْني في كُلَيْبٍ كَليبُها
فيمَّمْتُ أخْوالي هِلالَ بنَ عامِرٍ / واغِرْبَةُ الحَيَّيْنِ شاجٍ نعيبُها
أؤَمِّلُ أن ألقى الخُطوبَ فتَنْثَني / نَوابيَ عن شِلْوي لَدَيْهِمْ نُيوبُها
فمَعْذِرَةُ الأيامِ مَقْبولَةٌ بِهِمْ / ومَغْفورَةٌ للنّائِباتِ ذُنوبُها
أما وَتجَنّي طَيْفِها المتأوِّبِ
أما وَتجَنّي طَيْفِها المتأوِّبِ / لَياليَ رَوّحْنا المَطايا بغُرَّبِ
لقد زارَني والعَتْبُ يَقْصُرُ خَطْوَهُ / وأحْبِبْ بهِ منْ زائِرٍ مُتعتِّبِ
يواصِلُنا والليْلُ غَضٌّ شَبابُهُ / ويَهْجُرُ إن شابَتْ ذَوائِبُ غَيْهَبِ
فما لي وللطّيفِ المُعاوِدِ مَوْهِناً / سَرى كاخْتِطافِ البارِقِ المتَصوِّبِ
وقد كنتُ راجَعْتُ السُّلُوَّ عنِ الصِّبا / وأضْمَرْتُ تَوْديعَ الغَزالِ المُرَبَّبِ
ورُحْتُ غَبيَّ السِّنِّ عنْ كُلِّ مَضْحَكٍ / ومُنْكَسِرَ الألْحاظِ عنْ كُلِّ مَلْعَبِ
على حينَ نادَى بالظّعائِنِ أهْلُها / ولمْ يَحذَروا العُقْبى لِما في المُغَيَّبِ
وأوْدى قِوامُ الدّينِ حتى تولّعَتْ / صُروفُ الليالي بي فرَنَّقْنَ مَشْرَبي
سأذْكُرُهُ للرَّكْبِ كلّتْ مَطيُّهُمْ / وللسّفْرِ إذ أعْياهُمُ وَجْهُ مَطْلَبِ
وللآمِلِ الصّادي متَى يَبْدُ مَنْهَلٌ / ولمْ يَكُ منْ أحْواضِهِ يتنكَّبُ
ولولا نِظامُ الدّينِ كانتْ لُحومُنا / وإنْ كَرُمَتْ نُهْبى نُسورٍ وأذْؤبِ
وما زالَ منْ أبناءِ إسْحاقَ كَوكَبٌ / يَلوحُ إذا ولّى الزّمانُ بكَوْكَبِ
ولما أتاني أنّهُ قَمَعَ العِدا / هَتَفْتُ بآمالٍ روازِحَ لُغَّبِ
وقُلْتُ لصَحْبي بادِروا الصُّبْحَ نَبْتَكِرْ / على بابليٍّ في الزُّجاجَةِ أصْهَبِ
له مَشْرِقٌ في أوْجُهِ الشَّرْبِ بعْدَما / تُصَوِّبُ ما بَينَ اللُّها نَحوَ مَغْرِبِ
كأنّ الحَبابَ المُسْتَطيرَ إذا طَفا / لآلِئُ إلا أنّها لم تُثَقَّبِ
ومنْ أرْيَحِيّاتي وللرّاحِ نَشْوَةٌ / متى تَدُرِ الكأسُ الرّوِيّةُ أطْرَبِ
فظَلْنا بيَوْمٍ قصّرَ اللّهْوُ طُولَهُ / نَشاوَى ولم نَحْفِلْ عِتابَ المؤَنِّبِ
تنِمُّ إلينا بالسّرورِ مَزاهِرٌ / يُغازِلْنَ أطْرافَ البَنانِ المُخَضَّبِ
إذا كُنتَ جاراً للحُسَيْنِ فلا تُبَلْ / رِضَى المُتَجنّي فاتْرُكِ الدّهْرَ يَغْضَبِ
أخو عَزْمَةٍ تُغْني إذا الأمْرُ أظْلَمَتْ / جَوانِبُهُ عنْ باتِرِ الحَدِّ مِقْضَبِ
ويَسْمو إِلى أعْدائِهِ منْ كُماتِهِ / وآرائِهِ في مِقْنَبٍ بَعْدَ مِقْنَبِ
ويَرْميهمُ واليومُ دامٍ عَجاجُهُ / بجُرْدٍ يُبارينَ الأعِنّةَ شُزَّبِ
ويَكْنُفُهُ نَصْرٌ يُناجي لِواءَهُ / إذا ما هَفا كالطّائِرِ المُتَقلِّبِ
فلِلّهِ مَيْمونُ النّقيبَةِ إن غَزا / أراحَ إليهِ مالَهُ كلُّ مُعْزِبِ
يقولُ لمُرْتادِ السّماحَةِ مَرحَباً / إذا النِّكْسُ لَوّى ماضِغَيْهِ بمَرْحَبِ
ويُلْقي لدَيْهِ المُعْتَفونَ رِحالَهُمْ / بأفْيَحَ لا يَعْتادُهُ المَحْلُ مُخْصِبِ
حَلَفْتُ بأيدي الرّاقِصاتِ إِلى مِنىً / يُبارينَ وَفْدَ الريحِ في كلِّ سَبْسَبِ
عليها غُلامٌ لاحَهُ السّيْرُ والسُّرى / بهِ قَلَقٌ منْ عَزْمِهِ المُتَلَهِّبِ
وهزَّ الفَيافي عُودَهُ إذْ تَشَبّثَتْ / يَدُ الدّهْرِ منهُ باللّحاءِ المُشَذَّبِ
فلمْ يَدّرِعْ والشّمْسُ كادَ أُوارُها / يُذيبُ الحَصى ظِلَّ الخِباءِ المُطَنَّبِ
فما زالَ يَطْويها ويَطوينَهُ الفَلا / إِلى أنْ أنَخْناهُنَّ عندَ المُحَصِّبِ
لأَوْهَيْتَ أرْكانَ العَدوِّ بكاهِلٍ / تُحَمِّلُهُ عِبْءَ المَعالي ومَنْكِبِ
ومَنْ يتصدّى للوزارَةِ جاهِداً / ويَمْسَحُ عِطْفَ المَطْلَبِ المُتعَصِّبِ
فقدْ نَزَعَتْ وَلْهَى إلَيْكَ وخيّمَتْ / بخَيْرِ فَتىً واسْتَوْطَنَتْ خَيْرَ مَنصِبِ
وشتّانَ ما بَيْنَ الوَزيرَيْنِ وادِعٍ / أتَتْهُ العُلا طَوْعاً وآخرَ مُتعَبِ
فحَسْبُ أبيكَ مَفْخَراً أنّكَ ابْنُهُ / كما أنّهُ ناهيكَ في الفَخْرِ منْ أبِ
بَقِيتَ ولا زالَتْ تَروحُ وتَغْتَدي / إليكَ المَساعي غَضّةَ المُتَنَسَّبِ
ولا بَرِحَ الحُسّادُ يَكْسو وليدَهُمْ / لَواعِجُ منْ هَمٍّ غَدائِرَ أشْيَبِ
أَسَمْراءُ عَهْدي بالخُطوبِ قَرِيبُ
أَسَمْراءُ عَهْدي بالخُطوبِ قَرِيبُ / وَعُودي بأَيْدي النَّائِباتِ صَلِيبُ
وَكُلُّ خَليلٍ كُنْتُ أَرْقُبُ عَطْفَهُ / تَوَلَّى بِذَمٍّ وَالزَّمانُ مُرِيبُ
وَقد كُنْتُ أُصْفِيه المَوَدَّةَ وَالظُّبَا / على الهامِ تَبْدُو مَرَّةً وَتَغيبُ
نَأَى عامِرٌ لا قَرَبَّ اللهُ دارَهٌ / وَآواهُ رَبْعٌ بِالغُمَيْرِ جَديبُ
رَأَى مُسْتَقَرَّ السَّمْعِ مِنْ أَمِّ رَأْسِهِ / يَصَمُّ وَأُدْعَى لِلْعُّلا فَأُجِيبُ
يُعَيِّرُني أَنِّي غَريبٌ بِأَرْضِهِ / أَجَلْ أَنَا في هذا الأنامِ غَرِيبُ
وَيُظْهِرُ لي نُصْحاً وَلِلْغِلِّ تَحتَهُ / دَواعٍ بِكِلْتا مُقْلَتَيْهِ تُهيبُ
وَيَرْتادُ مِنّي أَنْ أَضُمَّ على القذَى / جُفُوني وَهَلْ يَرْضَى الهَوانَ أرَيبُ
وَكَفِّي بِهَزِّ المَشْرَفَيِّ لَبيقةٌ / وَباعي بِتَصْريفِ القَناةِ رَحيبُ
أَفِقْ جَدَّ ثَدْيَيْ أُمِّكَ الثُّكْلُ وَانْثَنى / شَبا السَّيْفِ عَنْ فَوْدَيْكَ وَهو خَضِيبُ
فَلا غَرْوَ أَنْ يَسْتَودِعَ المَجْدَ هَمّهُ / أَغَرُّ طُوالُ السّاعِدَينِ نَجيبُ
يُحاولُهُ مُذْ شَدَّ عِقْدَ إِزارِهِ / إِلى أَنْ مَشَى في وَفْرتَيه مَشِيبُ
وَمِنُ نَكَدِ الأيّامِ أَنْ يَبْلُغَ المُنَى / أَخُو اللُّؤمِ فِيها وَالكَرِيمُ يَخيبُ
سأَطْلُبُ عِزَّ الدَّهْرِ ما دامَ ضافِياً / عَلَيَّ رِداءٌ لِلشَّبابِ قَشِيبُ
وَلي هِمَّةٌ تَأْبَى مُقامي على الأَذى / ضَجيعَ الهُوَيْنى ما أَقَامَ عَسيبُ
وَعَاذِلَةٍ هَبَّتْ وَللنَّجْمِ لَفْتَةٌ
وَعَاذِلَةٍ هَبَّتْ وَللنَّجْمِ لَفْتَةٌ / إِلى الفَجْرِ تَلْحاني وَلَمْ تَدْرِ ما خَطْبي
وَتَزْعُمُ أَنَّ المَرْءَ في طَلَبِ العُلا / يَميلُ بِهاديه إِلى مَرْكَبٍ صَعْبِ
إِذَا أَنَا لَمْ أَمْلِكْ على الدهرِ طَاعَتي / وَأَصْبَحتُ مَطْويَّ الضُّلوعِ على عَتْبِ
وَمَا اسْتَرْعَفَتْ مِنْ لَبَّةِ القِرْنِ صَعْدَتِي / وَلَمْ يَتَلَمَّظْ بَيْنَ أَوْداجِه عَضْبي
فَبئْسَ سَليلُ الحَيِّ مَنْ بَشَّرَتْ بِه / قَوابِلُهُ حُمْشَ الشَّوَى مِنْ بَنِي حَرْبِ
لَحَى اللهُ دَهراً لا نَزالُ دَريئَةً
لَحَى اللهُ دَهراً لا نَزالُ دَريئَةً / لِضَرَّاء يَرْمِينا بِها فَيُصِيبُ
وَيُنْجِدُ بِي طَوْراً وَطَوْراً يَغُورُ بي / كَأَنِّي على ما في البِلادِ رَقِيبُ
وَلَما أَزارَتْني النَّوَى أَرْضَ عامِرٍ / بَكَى صَاحِبي وَالحَيُّ مِنْهُ قَريبُ
فَلِيمَ وَمَعْذُورٌ على الهَمِّ والبُكا / رَمِيٌّ بِما يُقْذِي العُيونَ كَئِيبُ
وَقَالوا يَمانٍ رَوَّعَتْهُ مَهامِهٌ / أَبَتْ أَنْ يَرى فيها المَواردَ ذِيبُ
وَثَاروا إِلى نِضْوي يُفَدُّونَ فَوْقَهُ / أُشَيْعِثَ يُدْعَى لِلندى فَيُجيبُ
وَمَنْ بَاتَ مَرْهومَ الرِّداءِ بِدَمْعِهِ / فَما في دُموعي لِلخُطوبِ نَصيبُ
وَقَالتْ سُلَيْمى إِذْ رَأَتْني لِتِرْبها / وَراقَهُما وَجْهٌ أَغَرُّ مَهيبُ
أَظُنُّ الفَتى مِنْ عَبْدِ شَمْسٍ فَإِنْ يَكُنْ / أَبُوهُ أَبَا سُفْيانَ فَهْوَ نَجيبُ
أَرَى وَجْهَهُ طَلْقاً يُضيءُ جَبينَهُ / وَأَحْسَبُ أَنَّ الصَّدْرَ مِنْهُ رَحيبُ
سَليهِ يُكلِّمْنا فإِنَّ اخْتِيالَهُ / على ما بِهِ مِنْ خَلَّةٍ لَعَجيبُ
فَقُلْتُ غُلامٌ مِنْ أُمَيَّةَ شَاحِبٌ / بِأَرْضِكُما نائي المَزارِ غَريبُ
وَلَيْسَ بِبدْعٍ أَنْ يُخَفِّضَ جَأْشَهُ / على عُدْمِهِ حيثُ المَرادُ جَديبُ
فَمِنْ شِيَمِ الأَيّامِ أَنْ يُسْلَبَ الغِنى / حَسيبٌ وَأَنْ يُكْسَى الهَوانَ أَديبُ
فقالَتْ وَلم تَمْلِكْ سَوابِقَ عَبْرَةٍ / أَقمْ عِنْدَنا إنَّ المَحلَّ خَصيبُ
وَحَوْلَكَ مِنْ حَيَّيْكَ قَيسٍ وَخِنْدِفٍ / كُهولٌ مَكاريمُ الضُّيوفِ وَشِيبُ
وما عَلِمَتْ أَنِّي لأَمْرٍ أَرُومُهُ / أَطوفُ وَراجِي اللهِ ليسَ يَخيبُ
فَلا أَلِفَتْ نَفْسي العُلا إِنْ طَوَيْتُها / على اليَأْسِ ما حَنَّتْ روائِمُ نِيبُ
أَتِرْبَ الخَنَى ما لِابْنِ أُمِّكَ مُولَعاً
أَتِرْبَ الخَنَى ما لِابْنِ أُمِّكَ مُولَعاً / بِتِرْبِ الندى وَابْنِ العُلا وَأَخي الحَسَبْ
أَيَمْشِي بِعِرْضِي في الأَراذِلِ خامِلٌ / خَفِيُّ مَساري العِرْقِ مُؤْتَشَبُ النَّسَبْ
وَلي دَوْحَةٌ فَوْقَ السَّماواتِ فَرْعُها / وَتَحْتَ قَرارِ الأَرْضِ مِنْ عِرْقِها شُعَبْ
فَخالِي رَفيعُ السَّمْكِ في العُجْمِ بَيْتُهُ / وَعَمِّي لَهُ جُرْثومَةُ المَجْدِ في العَرَبْ
وَلَيْسَ يُجارِي مُقْرِفٌ ذا صَراحَةٍ / مِنَ الخَيْلِ حَتّى تَسْتَوي الرَّأْسُ وَالذَّنَبْ
لَعَمْرُكَ إِنّي حينَ أَعْتَدُّ في الوَرى / لَكَالمنْدَلِيِّ الرَّطْبِ يُعْتَدُّ في الحَطَبْ
حَلَفتُ بِأَيمانٍ يَنالُ ذَوو الهَوى
حَلَفتُ بِأَيمانٍ يَنالُ ذَوو الهَوى / بِهِنَّ الرِّضى مِمَّن ثَنى عِطفَهُ العَتَبُ
بِفَترَةِ أَلحاظٍ هِيَ السَّيفُ مُنتَضىً / وَرِقَّةِ أَلفاظٍ هيَ اللؤلؤُ الرَطْبُ
وَريقٍ يَكادُ الرَّاحُ يَحكي مَذاقَهُ / أَظُنُّ وَظَنيِّ صادِقٌ أَنَّهُ عَذْبُ
لَقَد شَفَّنِي عَتْبٌ تَراخَى بِهِ المَدى / وَمالي بِحَمدِ اللَهِ غَيرَ الهَوى ذَنبُ
مَلَكتِ عَليَّ العَينَ وَالقَلبَ بَعدَها / فَلا العَينُ تُعديني عَلَيكِ وَلا القَلبُ
أَدارٌ بِأَكنافِ الحِمى جادَها الحَيا
أَدارٌ بِأَكنافِ الحِمى جادَها الحَيا / وَأَلقَتْ بِها أَرواقَهُنَّ سَحائِبُهْ
أَجيبي مُحِبّاً إِن تَوَهَّمَ مَنزِلاً / عَفا بَلَّ رُدْنَيْهِ مِنَ الدَّمعِ ساكِبُهْ
فَأَينَ الظِّباءُ العِينُ وَالرَّشأُ الَّذي / يُلاعِبُها طَوراً وَطوراً تُلاعِبُهْ
وَما أَمُّ ذَيَّالِ السَّرابيلِ باسِلٍ / طَويلِ نِجادِ السَيفِ عَبلٍ مَناكِبُهْ
غَدا يَبتَغِي نَهباً يَشِفُّ وَراءَهُ / ثَراءٌ لَعَلَّ العَيشَ تَصفو مَشارِبُهْ
فَلاقاهُ فُرسانٌ تَلوحُ سيوفُهُم / صَباحاً وَلَيلُ النَّقعِ تَجثو غياهِبُهْ
وَماصَعَهُم حَتّى تَحَطَّمَ سَيفُهُ / وَمَجَّتْ نَجيعاً في المَكَرِّ ذوائِبُهْ
وَغودِرَ أَكلاً لِلضِّباعِ وَطُعمَةً / لأَفتَخَ مِن لَحمِ القَتيلِ مَكاسِبُهْ
فَعادَ إِلَيها بِالنَعِيِّ رَفيقُهُ / يَشُقُّ دَريسيْهِ أَسىً وَهوَ نادِبُهْ
فَظَلَّتْ بيَومٍ دَعْ عَدوِّي بِمِثلِهِ / طَويلٍ عَلى مَن ضُمِّنَ اللَّحدَ غائِبُهْ
وَباتَتْ بِلَيلٍ وَهوَ أَخفى لِوَيلِها / سَريعاً تَبَكِّيها بَطِيءٍ كَواكِبُهْ
بِأَوجَدَ مِنّي يَومَ وَدَّعتُ غادَةً / هِلاليَّةً والصُّبحُ يَلمَعُ حاجِبُهْ
وَواشٍ يُسِرُّ الحِقدَ وَاللَّحظُ ناطِقٌ / بِهِ وَعَلى الشَّحناءِ تُطوى تَرائِبُهْ
وَشى بِسُليمَى مُظهِراً لي نَصيحَةً / وَمِن نُصَحاءِ المَرءِ مَن هُوَ كاذِبُهْ
وَرَشَّحَ مِن هَنَّا وَهَنَّا حَديثَهُ / لِيَخدَعَني وَاللَّيلُ يُغتالُ حاطِبُهْ
فَقَرَّبتُهُ مِنّي وَلَم يَدرِ أَنَّهُ / إِذا عُدَّ مَجدٌ لَيسَ مِمَّن أُقارِبُهْ
وَأَرعَيتُهُ سَمعي ليَحسَبَ أَنَّني / سَريعٌ إِلى الأَمرِ الَّذي هُوَ طالِبُهْ
وَلَو رامَ عَمروٌ وَالمُغيرَةُ غِرَّتي / لأَعيَتهُما فَليَحذَرِ الشَرَّ جالِبُهْ
وَما الصَّقرُ مِثلي حينَ يُرسِلُ نَظرَةً / وَتَصدُقُهُ عَيناهُ فيما يُراقِبُهْ
وَلا الأَسَدُ الضَّاري يَرُدُّ شَكيمَتِي / وَإِن دَمِيَتْ عِندَ الوِقاعِ مَخالِبُهْ
فَقُلتُ لَهُ لَمّا تَبَيَّنَ أَنَّني / فَتَى الحَيِّ لا يَشقى بِهِ مَن يُصاحِبُهْ
أَتَعذِلُني فاهاً لفيكَ عَلى الهَوى / لأَرمِيَ بِالحَبلِ الَّذي أَنتَ قاضِبُهْ
وَأَهجُرَ مَن أُغرى إِذا عِبتَهُ بِهِ / جُعِلتُ فِداءً لِلَّذي أَنتَ عائِبُهْ
يَهيمُ بِهِ والرَّاقِصاتِ إِلى مِنىً / فُؤادٌ يُجِنُّ الحُبَّ وَالوَجدُ غالِبُهْ
كَأَنّي نَزيفٌ خامَرَ السُّكرُ لُبَّهُ / عَشيَّةَ شَطَّتْ بِالحَبيبِ رَكائِبُهْ
تُمَثِّلُهُ الذِّكرى وَهَيهاتَ نازِحٌ / نأَت دارُهُ حَتّى كَأَنّي أُخاطِبُهْ
وَهَيفاءَ لا أُصغي إِلى مَن يَلومُني
وَهَيفاءَ لا أُصغي إِلى مَن يَلومُني / عَلَيها وَيُغريني بِها أَن يَعيبَها
أَميلُ بِإِحدى مُقلَتَيَّ إِذا بَدَتْ / إِلَيها وَبالأُخرى أُراعي رَقيبَها
وَقَد غَفَلَ الواشي وَلَم يَدرِ أَنَّني / أَخَذتُ لِعَيني مِن سُلَيمى نَصيبَها
وَمُر تَبَعٍ مِن مَسقَطِ الرَّملِ بِالحِمى
وَمُر تَبَعٍ مِن مَسقَطِ الرَّملِ بِالحِمى / يُخاصِرُهُ وادٍ أَغَنُّ خَصيبُ
تَحِلُّ بِهِ ظَمياءُ وَهيَ حَبيبَةٌ / إِليَّ وَمَغناها إِليَّ حَبيبُ
إِذا سَحَبَتْ أَذيالَها في عِراصِهِ / وَجَدتُ ثَرى تِلكَ الرِّباعِ يَطيبُ
وَيَحلو بِفِيَّ الشِّعرُ ما أُطرِبَتْ بِهِ / وَما كانَ يَحلو لي لَدىَّ نَسيبُ
وَلَمّا رأَت وَخطَ القَتيرِ بلِمَّتي / تَوَلَّت كَما راعَ الغَزالَةَ ذيبُ
وَكُنّا كَغُصنَي بانَةٍ طابَ عِرقُها / فَطالا وَلكن ذابِلٌ وَرَطيبُ
فَما بالُها تَرمي إِلَيَّ بِنَظرَةٍ / تُغازِلُها البَغضاءُ وَهيَ تُريبُ
كَأَنّي اِبتَدَعتُ الشَّيبَ أَو لَيسَ في الوَرى / ذوائبُ في أَطرافِهِنَّ مَشيبُ
وَلا غَروَ أَن أُكسى القِلَى مِن كواعِبٍ / رِداءُ شَبابي عِندَهُنَّ سَليبُ
وَريمٍ رَماني طَرفُهُ بِسِهامِهِ
وَريمٍ رَماني طَرفُهُ بِسِهامِهِ / فَما أَخطأَ الرَّامي وَهُنَّ صيابُ
لِفِيهِ وَميضُ البَرقِ عِندَ اِبتِسامَتِهِ / وَعَيني إِذا جَدَّ البُكاءُ سَحابُ
وَلِلصَّارِمِ المأثورِ يَحميهِ قَومُهُ / بِهِ مِن رِقابِ العاشِقينَ قِرابُ
إِذا اللَّيلُ وارى مَنكِبَيْهِ رِداؤُهُ / أَوِ استُلَّ مِن وَجهِ الصَّباحِ نِقابُ
ذَكَرتُكَ يا ظَبيَ الصَّريمَةِ وَالعِدا / أُسودُ الشَّرى وَالسَمهَريَّةُ غابُ
وَقَد حَدَّثَ الواشي بِما لا أُريدُهُ / فَماذا يُرَجِّيهِ بِفيهِ تُرابُ
يُبَكِّرُ وَالبازيُ يُغازِلُهُ الكَرى / لِيَنعَبَ فينا بالفِراقِ غُرابُ
وَيَعذِلُنِي صَحبي وأُعرِضُ عَنهُمُ / فَهُم لا رَضُوا عَنِّي وَعَنكَ غِضابُ
وَيأَتيك أَحياناً عِتابي وَرُبمّا / يَروضُ أَبيَّ الوُدِّ مِنكَ عِتابُ
وَأَنتَ الَّذي استأذَنْتَ وَالقَلبُ فارِغٌ / عليهِ فَلَم يَرْدُدْكَ عَنهُ حِجابُ
نَحَلتُ كَأَنّي سِلكُ عِقدٍ وَدُرُّهُ / قَريضي فَنِطْنِي حَيثُ نيطَ سِخابُ
وَشِعبٍ نَزَلناهُ وَفي العَيشِ غِرَّةٌ
وَشِعبٍ نَزَلناهُ وَفي العَيشِ غِرَّةٌ / بِمُرتَبَعٍ رَحبِ المَحَلِّ خَصيبِهِ
وَلَم يَكُ فينا ماجِدٌ أَغمَدَ النُّهَى / غرارَ الشَّبابِ المُنتَضَى في مَشيبِهِ
وَنَحنُ بِوادٍ خَيَّمَتْ أُمُّ سالِمٍ / بِهِ ذي ثَرىً غَضِّ النَّباتِ رَطيبِهِ
تَضَوَّعَ مِسكاً حينَ ناجاهُ ذَيلُها / كَأَنَّ مَحانيهِ مَذاكٍ لِطيبِهِ
وَكَم مِن نَهارٍ ضَمَّ قُطرَيهِ سَيرُنا / يَذوبُ الحَصى مِن جَزعِهِ في لَهيبِهِ
وَلَيلٌ طَوَيناهُ وَللرَكبِ طَربَةٌ / إِذا عَبَّ نَجمٌ جانِحٌ في مَغيبِهِ
فَيا نازِلي رَملَ الحِمَى هَل لَدَيكُمُ / شِفاءٌ لِصَبٍّ داؤُهُ مِن طَبيبِهِ
وَفيكُم قِرىً لِلطارِقينَ فَزارَكُم / مُحِبٌّ لِيُقْرَى نَظرَةً مِن حَبيبِهِ
تَراءَت لِمَطوِىِّ الضُّلوعِ عَلى الهَوى
تَراءَت لِمَطوِىِّ الضُّلوعِ عَلى الهَوى / لَدى السَرحَةِ المِحلالِ أُختُ بَني كَعبِ
فَقَد نَكأَتْ قَرحاً رَجَوتُ اندِمالَهُ / بِقَرحٍ فَزِيدَ القَلبُ كَرباً عَلى كَربِ
وَأَبكى هُذَيماً أَرقأَ اللَهُ دَمعَهُ / أَنينيَ حَتىّ أَيقَظَتْ أَنَّتي صَحبي
وَقَبضيِ بِكِلْتا راحَتَيَّ عَلى الحَشَى / وَرَمي بإِحدى مُقلَتَيَّ إِلى الرَّكبِ
وَلَم يَكُ لي غَيرَ العُلَيميِّ مُسعِدٌ / أَلا لا رأى ما يُضرِعُ الخَدَّ مِن خَطبِ
فَدونَكِ يا ظَمياءُ مِنّي جَوانِحاً / سَيَحمِلُها وَجدي عَلى مَركَبٍ صَعبِ
جَرَت عَبرَتي وَالقَلبُ غَصَّ بِهَمِّهِ / فَعِقدُكِ مِن دَمعي وَقُلبُكِ مِن قَلبي
لِيَهنِكِ أَنّي لا أَزالُ عَلى أَسى / وَأَنّيَ لا أَلقاكِ إِلّا عَلى عَتبِ
أَحِنُّ إِلى مَيثاءَ حاليَةَ الثَّرَى / وَأَصبو إِلى وَعساءَ طَيِّبَةِ التُّربِ
وَأَصحَبُ مِن جَرّاكِ مَن سَكَنِ الفَلا / وَأَشرَقُ مِن ذِكراكِ بالباردِ العَذبِ