القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أبو الفضل الوليد الكل
المجموع : 10
تصبَّتهُ ريحا شمألٍ وجنُوبِ
تصبَّتهُ ريحا شمألٍ وجنُوبِ / فقالَ العِدى ما حظُّهُ بقَريبِ
وشاقتهُ أمواجٌ هناكَ يَزورُها / فيبكي على صخرٍ لها وكثيب
ونثَّرَ آمالاً على كلِّ شاطئٍ / وسارَ كسيرَ القلبِ بينَ شُعوب
فما شعرَت نفسٌ بأحزان عابر / ولا مَسحَت كفٌّ دموعَ كئيب
فَضاعت كما ضاعت جواهرُ شِعرهُ / وأفلاذُ قلبٍ في الأياسِ جَديب
إذا غرَّد العُصفورُ يَدعُو أليفه / وفي النّفسِ والوادي سكونُ غروب
وميَّلتِ الأنسامُ أزهارَ جنّةٍ / كأفئدةٍ خفّاقةٍ لرقيب
وأرخَت عليهِ ليلةُ الصّيفِ سدلَها / مُوشّىً بلوني لامعٍ ورَطيب
تذكّرَ عيشاً بينَ أهليه وانحنى / يُفكِّرُ من أيامِه بريوب
وضاقت عليهِ الأرضُ حيناً وطالما / وَعاها بصدرٍ كالسماءِ رحيب
وقالَ وقد أعَيتهُ كثرةُ سَعيهِ / أهذا ابتِلاءٌ أم جزاءُ ذنوب
أُحِبُّ قريباً إن دعاني أجبتهُ / وليسَ إذا ناديتُه بمُجيب
جَفاني لأنَّ الحرصَ جمّدَ قلبَهُ / وما زلتُ في البلوى أُحبُّ قريبي
تعالَ أخي نمزُج دموعاً أبيَّةً / فكلُّ غريبٍ آنسٌ بغريب
بُلينا فراعَ النّاسَ حُسنُ بلائنا / وربَّ اغترابٍ للشّقاءِ جلوب
كذلكَ تُشقي المرءَ نفسٌ أبيةٌ / وقلبٌ يَرى لذاتهِ بندوب
على الحرِّ أن يلقى الخطوبَ بحزمِه / ففي الخَطبِ تجريبٌ لكلِّ لبيب
أُقابلُ أعدائي وأهوالَ غربتي / بقلبٍ منيرٍ في ظلامِ خطوب
ونفسٍ لنيلِ المجدِ تستعذِبُ الرّدى / كَنسرٍ لأصواتِ الرّعود طروب
فما راعني سيري على الأرضِ تائهاً / ونومي وحيداً مُثقلاً بكروب
وتعريضُ جسمي للمَهالكِ طالباً / دواءً لداءٍ حارَ فيه طبيبي
ولي همّةٌ بينَ الجوانحِ دونها / تحدّرُ سيرٍ واندلاعُ لهيب
على كلِّ حرٍّ دَمعةٌ وتحيّةٌ / إذا كانَ هذا في الجهادِ نصِيبي
وما أنستِ الأسفارُ لا أنس وقفةً / على بحرِنا والشّمسُ عِند مغيب
أُودِّع سوريّا وأُودِعُها الهوَى / وكفّي بكفَّيْ صاحبٍ ونسيب
وأرنو مَشوقاً من خِلالِ مَدامعي / إلى جبلٍ بادي الصخورِ مهيب
ويومَ بَكت أمي الحنونُ وراعَها / دنوٌّ وداعٍ كالحِمامِ رهيب
وقالت بصوتٍ خافتِ متهدّجٍ / ومنها زفيرٌ لاحقٌ بنحيب
بُنيَّ يمين الله هل لك عودةٌ / وداعك هذا يا بنيَّ مذيبي
ألا أنتَ باقٍ آمناً في ربوعنا / فمِثلكَ لم يولد لِصعبِ ركوب
فقلتُ لها والجفنُ يكتمُ عبرةً / سأرجعُ يوماً فاصبري وثقي بي
كطيرٍ تصبّاها ربيعُ بلادِنا / فأطربنا منها حنينُ سروب
أليس التّلاقي بعد نأيٍ ألذّ من / تخلّفِ حبٍّ بالملالِ مَشوب
دعيني أوفِّ المجدَ يا أمِّ حقّهُ / وأقضي شريفاً مثلَ جارِ عَسيب
يلذُّ لفرخِ النسرِ بسطُ جناحهِ / إذا الريحُ حيّت وكرهُ بهبوب
نعم كانَ لي عقدٌ من الحبِّ والمُنى / فضاعَ ولم أظفر ببعضِ حبوب
كما ضاعتِ القبلاتُ في نحرِ غادةٍ / غرورٍ كأمواجِ البحارِ كذوب
فقلتُ لنفسي بعد ذلٍّ وحسرةٍ / كفاكِ ازدراءُ الجاهلينَ فتوبي
أحنُّ إِلى الحمراءِ حناتِ بُلبُلٍ / يُروِّعُه ليلاً دويُّ نعيب
تناثرَ قلبي مثلَ ريشاتهِ على / مُلِمّاتِ دهرٍ بالكرامِ لعوب
فكيف أحبائي الذين تركتُهم / وقد باتَ يُشقيهم ألجّ طلوب
تبعَّثَ من قلبي ضياءُ وجوهِهم / تبعُّثَ نورٍ من خِلالِ ثُقوب
يُطلّونَ منهُ باسماً تِلوَ باسمٍ / فينقى جَبيني بعدَ طولِ قطوب
وتجلو هُمومي بسمةٌ من صبيَّةٍ / تجيءُ الصبا من بُردِها بطيوب
أحبّت غريباً تستفزُّ فؤادَه / بلثغتها في لفظِها لحبيبي
على صدرِها أهوى البنفسجَ ذابلاً / كعينِ لألبابِ الرجالِ خلوب
وأعبدُ منها بينَ دلٍّ وعفةٍ / جمالَ شبابٍ في جلالِ مشيب
وأرعى جبيناً من زنابقِ غيضةٍ / ونحراً عليه من بياضِ حليب
وقد زانهُ عقدٌ من الدرِّ تلتقي / على صَدرِها حبّاتُه بصليب
أقولُ إذا رقّت لحالي وأقبلت / تُسائِلني عن صفرتي وشحوبي
كذاكَ تقاسمنا النحولَ على الهوى / فليسَ تدانينا إذاً بعجيب
أتائهةٌ عجباً بفتيانِ قومها / وراميةٌ فتياننا بعجيب
وُقِيتِ النّوى لا تضحكي من رجالنا / أيأمنُ سَلباً شامتٌ بسليب
صروفُ الليالي فرّقتهم وبدّلت / حياةَ خمولٍ من حياةِ حروب
إذا لبسوا الأطمارَ إنّ صدورهم / لتحمِلُ في البلوى أشدَّ قلوب
وكلُّ جمالِ الشّرقِ في فتياتنا / فإن تُبصري أجفانهنَّ تذوبي
لهنّ عيونٌ حاملاتٌ لِشَمسنا / فأحداقهنَّ السّودُ حَبُّ زبيب
بَعثنَ الهوى موجاً وناراً فلم نكن / لِننجو وقد حاربننا بضروب
فدى العربيّاتِ الحرائر مُهجتي / فهنَّ كروض في الربيعِ خصيب
سَأتبعُ ظلَّ الموتِ بينَ الكتائبِ
سَأتبعُ ظلَّ الموتِ بينَ الكتائبِ / لعلَّ شفاءً من شِفارِ القواضِبِ
فَبيرُنُ في اليونان حيّاهُ باسماً / وقبَّلَ بنتَ المجدِ بين الحواجب
قضى وعذارى الشِّعر يندُبنَ حوله / فيا حبَّذا دمعُ العذارى النوادب
لئن كنتُ محروماً من الحبَّ والغِنى / كفاني من الأمجادِ فخرُ المحارب
سُعادُ قِفي نجلُ السيوفَ لثأرِنا / وراحةِ أرواحِ الجدودِ الغواضب
فيضرِبُ هذا الشعبُ حتى يَرى الهدى / ويرجعُ بسّاما لذكرى المضارب
شَكَوتُ الضَّنى بعد الجهادِ فقلتِ لي / تعوَّدَ هذا الجسمُ حملَ المتاعب
هبي الجسمَ يا حسناءُ سيفاً مهنّداً / أما فلَّ حدَّ السيفِ ضربُ المناكب
فربَّ جوادٍ لم يقم بعد كبوةٍ / وليثٍ أهانتهُ صِغارُ الثعالب
فما أنا إِلا النسرُ يحملُ سهمَهُ / ويضربُ قلباً دامياً بالمخالب
ستخلدُ أشعاري وتبلى محاسني / ويشفي خُصومي غلَّهم بالمثالب
فقولي لهم ماتَ الذي كان خيركم / ولم تعلموا ما بينَ تلكَ الجوانب
أرى الأهلَ والأحبابَ يمشونَ مَوكباً / وأمشي وحيداً بين زَهرِ المواكب
وأفقدُ صحبي واحداً بعد واحدٍ / وأبكي عليهم في بلادِ الأجانب
فمنهم إلى البَلوى ومنهم إلى الثّرى / وَطرفي وقلبي بينَ ذاوٍ وذائب
فشيَّعتهُم حتى المقابرِ باكياً / وودّعتُهم ولهانَ عندَ المراكب
فيا وَحشَةَ المنفى ويا ظُلمةَ الثَّرى / وراءَكما نورٌ يَلوحُ لراقب
مساكينُ أَصحابي الكرامِ فقَدتُهم / ولم يَبقَ إلا كلُّ أحمقَ عائب
يمرّون أطيافاً فأسمعُ هَمسَهُم / وأمشي على ماضٍ كثيرِ الخرائب
وأَذكُرهم تحت الدُّجى ونفوسُهم / تطيرُ على الأرواحِ من كلِّ جانب
لقد أغمضوا أجفانهم ولحاظُها / تُنيرُ ظلامَ القلبِ بينَ المصائب
وإني ليوهيني تقَسُّمُ أُمّتي / بأديانِها والشرُّ بينَ المذاهب
متى يَنتهي كهّانُنا وشيوخُنا / فَنَنخلصَ من حيّاتِهم والعقارب
شقينا لنُعماهم وراحتِهم فهم / يسوقوننا كالعِيسِ نحو المعاطب
يقولونَ صلّوا واصبروا وتقشَّفوا / وتوبوا وصُوموا واثبتوا في التجارب
وهم بينَ عوّادٍ وزقٍّ وقينةٍ / لها عَبَثاتٌ باللحى والشوارب
يجوعُ ويَعرى في الكهوفِ فقيرُنا / ويَشقى ويَبكي صابراً غيرَ عاتب
وقد أكثروا ديباجهم ودجاجَهم / وقالوا لشعبِ اللهِ عش بالعجائب
وإن خَرجوا يويماً للهوٍ ونزهةٍ / تجرُّ جيادُ الخيلِ أغلى المراكب
فكم أكلوا القربانَ بعد فظيعةٍ / وكم جحدوا الإيمانَ عندَ المكاسب
خلاصي وما أغلاهُ لستُ أُريدُهُ / إذا كان من خوري وقسٍّ وراهب
متى يَهزمُ الغربانَ نسرٌ محلِّق / وتبطشُ آسادُ الشّرى بالثعالب
تنوَّعتِ الأديانُ والحقُّ واحدٌ / فنَال بها الكهّانُ كلَّ الرغائب
فما الدينُ إلا نسخةٌ بعد نسخةٍ / تُزَخرفُها للناسِ أهواءُ كاتب
وأكثرُهُ وَهمٌ يضلِّلُنا بهِ / مجاذيبُ أغراهم بريقُ الحباحب
أضاع القوى تسليمُنا واتكالُنا / فكم خابَ من باكٍ وشاكٍ وطالب
فمزِّق بنورِ العَقلِ ظلمةَ خِدعةِ / وقطِّع حبالاً وُصلُها للمآرب
ففي هذه الدُّنيا جحيمٌ وجنّةٌ / لكلٍّ وبعدَ الموتِ راحةُ لاغب
وإني رأيتُ الخيرَ والشرَّ فطرةً / بلا رغبةٍ أو رهبةٍ من مُعاقب
فكم ديّنٍ يزني ويقتلُ سارقاً / ولا يختَشي سُخطَ الإلهِ المحاسب
أَتينا معَ الأقدارِ والرزقُ حيلةٌ / وحظٌّ تعامى عن جزاءٍ مُناسب
فهل حُرِمَ الأشرارُ خيراً ونعمةً / وهل وُهِبَ الأخيارُ أسمى المطالب
فكم لي إذا أسعَى إلى خيرِ غايةٍ / ندامةَ مَغبونٍ وحسرة خائب
أهذا جزاءُ الخيرِ يُقتلُ مُحسِنٌ / ويُصقلُ متنُ السيفِ في كفِّ ضارب
أأضحكُ من نفسي وأرضى بغبنِها / وقد شاقها علمُ الحكميمِ المراقب
دَعي الوهمَ يا نَفسي وعيشي طليقةً / بلا خبثِ شرِّيرٍ ولا خوفِ تائب
وبشِّي لذكرِ الموتِ فالموتُ راحةٌ / ولا تؤمني من بعده بالعواقب
لكِ الجوُّ يا نفسي وجسمي له الثَّرى / فلا تَقبَلي يوماً شهادةَ غائب
فديتُك يا أُمّي الحقيقةَ مزِّقي / بنورِ الهدى والعَقلِ سِترَ الغَياهب
ولا تدعي الإخوانَ في أرضِهم عدىً / بما زيَّنَت أهواءُ غاوٍ وكاذب
أنيري أَنيري الأرضَ واهدي شُعوبَها / إِلى مشعبٍ فيهِ التقاءُ المشاعب
سلامٌ على روحِ المعريِّ إِنها / أنارت وغارت شعلةً في الكواكب
فلو كان عندَ النّاس عدلٌ وحكمةٌ / لما ضاعَ في الدَّيجورِ نورُ الثَّواقب
بناتِ بلادي القارئاتِ قصائدي / فتاكُنَّ هذا ضاعَ بين الغرائب
أُخاطِبُ منكنَّ الشّواعرَ بالهوى / وأعرضُ عن هزلِ اللّواهي اللّواعب
فَطيَّبنَ نفساً صوتُها في كُروبها / كبرقٍ ورعدٍ بين سودِ السحائب
وهَبنَ لِشعري دمعةً وابتسامةً / هما سلوةٌ للصبّ عندَ النوائب
ألا يستحقُّ القلبُ منكنَّ عطفةً / وقد ذابَ وجداً فوقَ تِلكَ الذوائب
وناحَ على تِلكَ المعاطفِ بلبُلاً / وفاحَ عبيراً من بياضِ الترائب
تزوّدنَ طيباً في الربيعِ ونضرةً / وجمِّعنَ حبّاً في الليالي الذّواهب
ونوِّلنَني التقبيلَ والضمَّ خلسةً / ونعّمنني في شقوتي بالأطايب
ومتِّعنَ كفِّي من كنوزٍ ثمينةٍ / تكونُ سِلاحي في الرَّزايا الغوالب
وغرِّدنَ تغريدَ العصافيرِ في الحمى / لتخفينَ في الظلماءِ صَيحاتِ ناعب
على الحبِّ لا تخشينَ لوماً ونقمةً / ففي الحبِّ تسهيلٌ لكلِّ المصاعب
إذا الرّيحُ حيَّتني بنَفحةِ طيبِ
إذا الرّيحُ حيَّتني بنَفحةِ طيبِ / تذكَّرتُ ليلَ الحبّ فوق كثيبِ
عشيَّةَ بتنا نسمَعُ الموجَ شاكياً / فَنَمزُجُ ترنيمَ الهوَى بنحيب
وقد سَطَعت زهراءُ في أُفُقِ الحِمى / تُحيِّي هلالاً مثلَ وجهِ كئيب
ومنكِ ومنّي دمعةٌ وابتسامةٌ / هما في الشّبابِ الغضِّ خيرُ نصيب
فما أعذبَ الشَّكوى وما أعظم الهوى / إذا انفَجَرا من أعيُنٍ وقلوب
فكم مرةٍ قبَّلتُ عَينَكِ خلسةً / كما نقَرَ العصفورُ حَبَّ زَبيب
وقَدُّكِ ميّالٌ وشَعرُك مُرسَلٌ / فكنتِ كغصنٍ في الرّبيعِ رطيب
تزوّدتُ من عينيك أجملَ نظرةٍ / تُنيرُ سَبيلي في ظلامِ خطوب
لأجلِهما أهوى بلادي وأُمتي / ولو قابَلت صفحي بشرِّ ذنوب
سَقى اللهُ يا حسناءُ ليلةَ حُبِّنا / هُنالِكَ فوقَ الرّملِ دمعَ غريب
تُعلِّلُني في النأي ذكرى كأنها / ربيعُ شبابٍ في خريفِ مشيب
إذا خطرت لي والهمومُ كثيرةٌ / أرتني شعاعَ الشّمس بعد غروب
فأصبحَ قَلبي خافقاً مثل طائرٍ / أسيرٍ يُعزّيهِ حَنينُ سروب
أُعاتِبُها والحبُّ من طبعهِ العتبُ
أُعاتِبُها والحبُّ من طبعهِ العتبُ / وفي مُقلتي غيظٌ وفي مُهجتي حبُّ
وأُسمِعُها ما يجرحُ السَّمعَ لفظُهُ / فَترضى بمغزاهُ ويَشفَعُ لي القلبُ
سلامي عَليها بسمةٌ ثم قبلةٌ / كذلك حيّا الزهرَ دَمعُ النَّدى العذب
مع النورِ والأنسامِ روحي تزورُها / وفي روحِها الأزهارُ والماءُ والعشب
فتجني الذي تجنيه في الرَّوضِ نحلةٌ / وما الشعرُ إِلا الشَّهدُ يخزنُه الصبُّ
نظَمتُ أرقَّ الشّعرِ عفواً وأترابي
نظَمتُ أرقَّ الشّعرِ عفواً وأترابي / يَسيرونُ عَدواً مُولعين بألعابِ
وما كانَ لي إلا ثلاثٌ وعشرةٌ / من العمرِ لما صرتُ خلّابَ ألباب
أنا وردةٌ قد نوَّرت قبلَ حينها / فشَوكي لأعدائي وعطري لأحبابي
إذا قيلَ شعرٌ نلتُ إكليلَ آسه / وإن قيلَ نَثرٌ كنتُ سيِّدَ كتّاب
حذارِ فأحداقُ الملاحِ حبوبُ
حذارِ فأحداقُ الملاحِ حبوبُ / إذا التُقِطت منها القلوبُ تذوبُ
ولكنّ قلباً لم يُفَتِّحهُ لحظُها / وليسَ لهُ منها هوىً ونصيب
كغصنٍ بلا زهرِ وزهرٍ بلا شذا / فعيشُكَ إن لم تهوَ كيفَ يطيب
تمتع من الدنيا وَفِ النفسَ حقَّها / وأنتَ لأنواعِ الجمالِ طروب
فما العيشُ إِلا زهرةٌ قد تفتَّحت / لها الحبُّ لونٌ والتغزُّلُ طيب
فأقبل عليها في الصباحِ وشمَّها / سينثُرها عندَ المساءِ هُبوب
فكلُّ جمالٍ منه زالت غضارةٌ / وكلُّ شبابٍ فيه دبَّ مشيب
تعشَّقتُ أجفاناً فسلَّت سيوفَها / عليَّ وكانت هدنةٌ وحروب
فأيقَنتُ أن الحبَّ كالحربِ خدعةٌ / وكلُّ صبورٍ في الجلادِ غلوب
أساكنةً فوقَ الخمائلِ والرُّبى / صِليني فإنّي اليومَ جئتُ أتوب
سيخضعُ هذا القلبُ بعدَ تمرُّدٍ / ومن حَولِهِ بعدَ الجنانِ لهيب
كقشرٍ من الرمّانِ أصبَحَ يابساً / وحبُّكِ مثلُ الحَبّ فيهِ رطيب
ألم تذكري باللهِ أولَ ليلةٍ / وأولَ وَعدٍ والهلالُ رقيب
وفي نورِهِ ما في اللِّحاظِ من الهوى / وفي غَزلي قلبي عليكِ يذوب
فقلتُ إِلامَ الصبرُ والشوقُ غالِبي / وأنتِ إذا جدَّ الغرامُ لعوب
فقلتِ وقد وَارى الهلالُ جبينَهُ / دعِ الوَرد إنَّ الشَّوكَ منهُ قريب
إذا جئتِ ليلى حلِّفيها برَبِّها
إذا جئتِ ليلى حلِّفيها برَبِّها / لِكي تَعلمي ماذا تُريدُ بصبِّها
وإن سألت عَنها وعنِّي نِساؤنا / أجيبي الفتى هذا يموتُ بحبِّها
وإن قُلنَ ماذا يَبتغي من وِصالِها / فقُولي أحبُّ الوَصلِ تقبيلُ تربها
بها ولها أحيا فروحي لروحِها / وعَيني لِعَينيها وقلبي لِقَلبِها
وضَعتُ يدي حيناً على العين والقلبِ
وضَعتُ يدي حيناً على العين والقلبِ / لأعلمَ ما فيها وفيهِ من الحبّ
فعيني بكت ماءً وقلبي بَكى دماً / وما حبُّ ذياكَ الفريدِ سِوى حبّي
تجمَّدَ ما قد سالَ منّي فليتَ ما / تجمَّد مِنها سالَ وجداً على الصبّ
اذا كان هذا الدُّر مِنّي وهبتُهُ / لناهبةٍ ما في الشغافِ وفي الهدب
إذا كان للمقدامِ عزُّ المناهبِ
إذا كان للمقدامِ عزُّ المناهبِ / فأيُّ فتى يرضى بذلِّ المواهبِ
عصرتُ خدوداً والقدودُ هَصَرتُها / وما شاقني إلا نهودُ الكواعب
تكادُ وقد شُدَّت تشقُّ دروعَها / وتَبرزُ منها مثلَ بيضِ الأرانب
فإن ظفَرت كفّي بنهدِ صبيةٍ / لهوتُ بهِ سكرانَ ليسَ بشارب
وبينَ هجومي مولعاً ودفاعِها / تبيَّنتُ أسرارَ النَّواحي النواهب
بكيتُ على حبٍّ مع الحُسنِ ذاهبِ
بكيتُ على حبٍّ مع الحُسنِ ذاهبِ / وما أملي إلا كلمعِ الحباحِبِ
وإني إلى الماضي حَنُونٌ لأنهُ / تولّى بذاوٍ من فؤادي وذائب
وكلُّ امرئٍ يصبُو إلى زَمنٍ مَضى / لِعزَّةِ مَفقودٍ وناءٍ وغائب
فأينَ ملذَّاتي وأَينَ صُبوَّتي / وأينَ أحاديثُ اللَّيالي الذَّواهب
مضى ما بهِ علَّلتُ نفسي وما انقَضى / وتذكارُهُ كالبرقِ بينَ الغياهب
فمن مات لا يُرجى وما فات لا يُرى / خلا القلبُ من أحبابهِ والحبائب
فما أنا إلا كالسَّجينِ الذي يَرى / لدى الحاكمِ الباغي مرورَ المواكب
سلامٌ على ماضٍ من العمرِ كان لي / كغَفوةِ مُلتاحٍ ونشوةِ شارب
وأنوارِ صبحٍ بين أزهارِ جنَّةٍ / وطُهرِ ابتِسامٍ من ثغورِ الكواعب
هو الوقتُ يمضي والأمانيُّ تنطوي / وأيامُنا مَوصُولةٌ بالنَّوائب
فتسقطُ أفلاذٌ وتنضُبُ أدمعٌ / وكلُّ الورى ما بين ناهٍ وناهب
سَئِمتُ حياتي بين قومي لأنهم / أجانِبُ عنّي بالهوى والمناقب
وكيفَ يعيشُ الحرُّ ليثاً وحولهُ / ثعالبُ ترجُو الرِّزقَ عندَ الثعالب
فما امتلأت إلا خزينةُ سارقٍ / وما قُضيت إلا لُبانةُ كاذب
وذو المالِ في النُّعمى يُصعِّرُ خدَّهُ / وذو العلمِ في البؤسى لهُ ذلُّ طالب
فذاك على اللذَّاتِ يُنفِقُ مالهُ / وهذا فقيرٌ عندَ أسمى المواهب
لئن كان هذا العلمُ أعرضْ عن الحِجى / وإن كان هذا المالُ عُد بالمكاسب

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025