المجموع : 10
تصبَّتهُ ريحا شمألٍ وجنُوبِ
تصبَّتهُ ريحا شمألٍ وجنُوبِ / فقالَ العِدى ما حظُّهُ بقَريبِ
وشاقتهُ أمواجٌ هناكَ يَزورُها / فيبكي على صخرٍ لها وكثيب
ونثَّرَ آمالاً على كلِّ شاطئٍ / وسارَ كسيرَ القلبِ بينَ شُعوب
فما شعرَت نفسٌ بأحزان عابر / ولا مَسحَت كفٌّ دموعَ كئيب
فَضاعت كما ضاعت جواهرُ شِعرهُ / وأفلاذُ قلبٍ في الأياسِ جَديب
إذا غرَّد العُصفورُ يَدعُو أليفه / وفي النّفسِ والوادي سكونُ غروب
وميَّلتِ الأنسامُ أزهارَ جنّةٍ / كأفئدةٍ خفّاقةٍ لرقيب
وأرخَت عليهِ ليلةُ الصّيفِ سدلَها / مُوشّىً بلوني لامعٍ ورَطيب
تذكّرَ عيشاً بينَ أهليه وانحنى / يُفكِّرُ من أيامِه بريوب
وضاقت عليهِ الأرضُ حيناً وطالما / وَعاها بصدرٍ كالسماءِ رحيب
وقالَ وقد أعَيتهُ كثرةُ سَعيهِ / أهذا ابتِلاءٌ أم جزاءُ ذنوب
أُحِبُّ قريباً إن دعاني أجبتهُ / وليسَ إذا ناديتُه بمُجيب
جَفاني لأنَّ الحرصَ جمّدَ قلبَهُ / وما زلتُ في البلوى أُحبُّ قريبي
تعالَ أخي نمزُج دموعاً أبيَّةً / فكلُّ غريبٍ آنسٌ بغريب
بُلينا فراعَ النّاسَ حُسنُ بلائنا / وربَّ اغترابٍ للشّقاءِ جلوب
كذلكَ تُشقي المرءَ نفسٌ أبيةٌ / وقلبٌ يَرى لذاتهِ بندوب
على الحرِّ أن يلقى الخطوبَ بحزمِه / ففي الخَطبِ تجريبٌ لكلِّ لبيب
أُقابلُ أعدائي وأهوالَ غربتي / بقلبٍ منيرٍ في ظلامِ خطوب
ونفسٍ لنيلِ المجدِ تستعذِبُ الرّدى / كَنسرٍ لأصواتِ الرّعود طروب
فما راعني سيري على الأرضِ تائهاً / ونومي وحيداً مُثقلاً بكروب
وتعريضُ جسمي للمَهالكِ طالباً / دواءً لداءٍ حارَ فيه طبيبي
ولي همّةٌ بينَ الجوانحِ دونها / تحدّرُ سيرٍ واندلاعُ لهيب
على كلِّ حرٍّ دَمعةٌ وتحيّةٌ / إذا كانَ هذا في الجهادِ نصِيبي
وما أنستِ الأسفارُ لا أنس وقفةً / على بحرِنا والشّمسُ عِند مغيب
أُودِّع سوريّا وأُودِعُها الهوَى / وكفّي بكفَّيْ صاحبٍ ونسيب
وأرنو مَشوقاً من خِلالِ مَدامعي / إلى جبلٍ بادي الصخورِ مهيب
ويومَ بَكت أمي الحنونُ وراعَها / دنوٌّ وداعٍ كالحِمامِ رهيب
وقالت بصوتٍ خافتِ متهدّجٍ / ومنها زفيرٌ لاحقٌ بنحيب
بُنيَّ يمين الله هل لك عودةٌ / وداعك هذا يا بنيَّ مذيبي
ألا أنتَ باقٍ آمناً في ربوعنا / فمِثلكَ لم يولد لِصعبِ ركوب
فقلتُ لها والجفنُ يكتمُ عبرةً / سأرجعُ يوماً فاصبري وثقي بي
كطيرٍ تصبّاها ربيعُ بلادِنا / فأطربنا منها حنينُ سروب
أليس التّلاقي بعد نأيٍ ألذّ من / تخلّفِ حبٍّ بالملالِ مَشوب
دعيني أوفِّ المجدَ يا أمِّ حقّهُ / وأقضي شريفاً مثلَ جارِ عَسيب
يلذُّ لفرخِ النسرِ بسطُ جناحهِ / إذا الريحُ حيّت وكرهُ بهبوب
نعم كانَ لي عقدٌ من الحبِّ والمُنى / فضاعَ ولم أظفر ببعضِ حبوب
كما ضاعتِ القبلاتُ في نحرِ غادةٍ / غرورٍ كأمواجِ البحارِ كذوب
فقلتُ لنفسي بعد ذلٍّ وحسرةٍ / كفاكِ ازدراءُ الجاهلينَ فتوبي
أحنُّ إِلى الحمراءِ حناتِ بُلبُلٍ / يُروِّعُه ليلاً دويُّ نعيب
تناثرَ قلبي مثلَ ريشاتهِ على / مُلِمّاتِ دهرٍ بالكرامِ لعوب
فكيف أحبائي الذين تركتُهم / وقد باتَ يُشقيهم ألجّ طلوب
تبعَّثَ من قلبي ضياءُ وجوهِهم / تبعُّثَ نورٍ من خِلالِ ثُقوب
يُطلّونَ منهُ باسماً تِلوَ باسمٍ / فينقى جَبيني بعدَ طولِ قطوب
وتجلو هُمومي بسمةٌ من صبيَّةٍ / تجيءُ الصبا من بُردِها بطيوب
أحبّت غريباً تستفزُّ فؤادَه / بلثغتها في لفظِها لحبيبي
على صدرِها أهوى البنفسجَ ذابلاً / كعينِ لألبابِ الرجالِ خلوب
وأعبدُ منها بينَ دلٍّ وعفةٍ / جمالَ شبابٍ في جلالِ مشيب
وأرعى جبيناً من زنابقِ غيضةٍ / ونحراً عليه من بياضِ حليب
وقد زانهُ عقدٌ من الدرِّ تلتقي / على صَدرِها حبّاتُه بصليب
أقولُ إذا رقّت لحالي وأقبلت / تُسائِلني عن صفرتي وشحوبي
كذاكَ تقاسمنا النحولَ على الهوى / فليسَ تدانينا إذاً بعجيب
أتائهةٌ عجباً بفتيانِ قومها / وراميةٌ فتياننا بعجيب
وُقِيتِ النّوى لا تضحكي من رجالنا / أيأمنُ سَلباً شامتٌ بسليب
صروفُ الليالي فرّقتهم وبدّلت / حياةَ خمولٍ من حياةِ حروب
إذا لبسوا الأطمارَ إنّ صدورهم / لتحمِلُ في البلوى أشدَّ قلوب
وكلُّ جمالِ الشّرقِ في فتياتنا / فإن تُبصري أجفانهنَّ تذوبي
لهنّ عيونٌ حاملاتٌ لِشَمسنا / فأحداقهنَّ السّودُ حَبُّ زبيب
بَعثنَ الهوى موجاً وناراً فلم نكن / لِننجو وقد حاربننا بضروب
فدى العربيّاتِ الحرائر مُهجتي / فهنَّ كروض في الربيعِ خصيب
سَأتبعُ ظلَّ الموتِ بينَ الكتائبِ
سَأتبعُ ظلَّ الموتِ بينَ الكتائبِ / لعلَّ شفاءً من شِفارِ القواضِبِ
فَبيرُنُ في اليونان حيّاهُ باسماً / وقبَّلَ بنتَ المجدِ بين الحواجب
قضى وعذارى الشِّعر يندُبنَ حوله / فيا حبَّذا دمعُ العذارى النوادب
لئن كنتُ محروماً من الحبَّ والغِنى / كفاني من الأمجادِ فخرُ المحارب
سُعادُ قِفي نجلُ السيوفَ لثأرِنا / وراحةِ أرواحِ الجدودِ الغواضب
فيضرِبُ هذا الشعبُ حتى يَرى الهدى / ويرجعُ بسّاما لذكرى المضارب
شَكَوتُ الضَّنى بعد الجهادِ فقلتِ لي / تعوَّدَ هذا الجسمُ حملَ المتاعب
هبي الجسمَ يا حسناءُ سيفاً مهنّداً / أما فلَّ حدَّ السيفِ ضربُ المناكب
فربَّ جوادٍ لم يقم بعد كبوةٍ / وليثٍ أهانتهُ صِغارُ الثعالب
فما أنا إِلا النسرُ يحملُ سهمَهُ / ويضربُ قلباً دامياً بالمخالب
ستخلدُ أشعاري وتبلى محاسني / ويشفي خُصومي غلَّهم بالمثالب
فقولي لهم ماتَ الذي كان خيركم / ولم تعلموا ما بينَ تلكَ الجوانب
أرى الأهلَ والأحبابَ يمشونَ مَوكباً / وأمشي وحيداً بين زَهرِ المواكب
وأفقدُ صحبي واحداً بعد واحدٍ / وأبكي عليهم في بلادِ الأجانب
فمنهم إلى البَلوى ومنهم إلى الثّرى / وَطرفي وقلبي بينَ ذاوٍ وذائب
فشيَّعتهُم حتى المقابرِ باكياً / وودّعتُهم ولهانَ عندَ المراكب
فيا وَحشَةَ المنفى ويا ظُلمةَ الثَّرى / وراءَكما نورٌ يَلوحُ لراقب
مساكينُ أَصحابي الكرامِ فقَدتُهم / ولم يَبقَ إلا كلُّ أحمقَ عائب
يمرّون أطيافاً فأسمعُ هَمسَهُم / وأمشي على ماضٍ كثيرِ الخرائب
وأَذكُرهم تحت الدُّجى ونفوسُهم / تطيرُ على الأرواحِ من كلِّ جانب
لقد أغمضوا أجفانهم ولحاظُها / تُنيرُ ظلامَ القلبِ بينَ المصائب
وإني ليوهيني تقَسُّمُ أُمّتي / بأديانِها والشرُّ بينَ المذاهب
متى يَنتهي كهّانُنا وشيوخُنا / فَنَنخلصَ من حيّاتِهم والعقارب
شقينا لنُعماهم وراحتِهم فهم / يسوقوننا كالعِيسِ نحو المعاطب
يقولونَ صلّوا واصبروا وتقشَّفوا / وتوبوا وصُوموا واثبتوا في التجارب
وهم بينَ عوّادٍ وزقٍّ وقينةٍ / لها عَبَثاتٌ باللحى والشوارب
يجوعُ ويَعرى في الكهوفِ فقيرُنا / ويَشقى ويَبكي صابراً غيرَ عاتب
وقد أكثروا ديباجهم ودجاجَهم / وقالوا لشعبِ اللهِ عش بالعجائب
وإن خَرجوا يويماً للهوٍ ونزهةٍ / تجرُّ جيادُ الخيلِ أغلى المراكب
فكم أكلوا القربانَ بعد فظيعةٍ / وكم جحدوا الإيمانَ عندَ المكاسب
خلاصي وما أغلاهُ لستُ أُريدُهُ / إذا كان من خوري وقسٍّ وراهب
متى يَهزمُ الغربانَ نسرٌ محلِّق / وتبطشُ آسادُ الشّرى بالثعالب
تنوَّعتِ الأديانُ والحقُّ واحدٌ / فنَال بها الكهّانُ كلَّ الرغائب
فما الدينُ إلا نسخةٌ بعد نسخةٍ / تُزَخرفُها للناسِ أهواءُ كاتب
وأكثرُهُ وَهمٌ يضلِّلُنا بهِ / مجاذيبُ أغراهم بريقُ الحباحب
أضاع القوى تسليمُنا واتكالُنا / فكم خابَ من باكٍ وشاكٍ وطالب
فمزِّق بنورِ العَقلِ ظلمةَ خِدعةِ / وقطِّع حبالاً وُصلُها للمآرب
ففي هذه الدُّنيا جحيمٌ وجنّةٌ / لكلٍّ وبعدَ الموتِ راحةُ لاغب
وإني رأيتُ الخيرَ والشرَّ فطرةً / بلا رغبةٍ أو رهبةٍ من مُعاقب
فكم ديّنٍ يزني ويقتلُ سارقاً / ولا يختَشي سُخطَ الإلهِ المحاسب
أَتينا معَ الأقدارِ والرزقُ حيلةٌ / وحظٌّ تعامى عن جزاءٍ مُناسب
فهل حُرِمَ الأشرارُ خيراً ونعمةً / وهل وُهِبَ الأخيارُ أسمى المطالب
فكم لي إذا أسعَى إلى خيرِ غايةٍ / ندامةَ مَغبونٍ وحسرة خائب
أهذا جزاءُ الخيرِ يُقتلُ مُحسِنٌ / ويُصقلُ متنُ السيفِ في كفِّ ضارب
أأضحكُ من نفسي وأرضى بغبنِها / وقد شاقها علمُ الحكميمِ المراقب
دَعي الوهمَ يا نَفسي وعيشي طليقةً / بلا خبثِ شرِّيرٍ ولا خوفِ تائب
وبشِّي لذكرِ الموتِ فالموتُ راحةٌ / ولا تؤمني من بعده بالعواقب
لكِ الجوُّ يا نفسي وجسمي له الثَّرى / فلا تَقبَلي يوماً شهادةَ غائب
فديتُك يا أُمّي الحقيقةَ مزِّقي / بنورِ الهدى والعَقلِ سِترَ الغَياهب
ولا تدعي الإخوانَ في أرضِهم عدىً / بما زيَّنَت أهواءُ غاوٍ وكاذب
أنيري أَنيري الأرضَ واهدي شُعوبَها / إِلى مشعبٍ فيهِ التقاءُ المشاعب
سلامٌ على روحِ المعريِّ إِنها / أنارت وغارت شعلةً في الكواكب
فلو كان عندَ النّاس عدلٌ وحكمةٌ / لما ضاعَ في الدَّيجورِ نورُ الثَّواقب
بناتِ بلادي القارئاتِ قصائدي / فتاكُنَّ هذا ضاعَ بين الغرائب
أُخاطِبُ منكنَّ الشّواعرَ بالهوى / وأعرضُ عن هزلِ اللّواهي اللّواعب
فَطيَّبنَ نفساً صوتُها في كُروبها / كبرقٍ ورعدٍ بين سودِ السحائب
وهَبنَ لِشعري دمعةً وابتسامةً / هما سلوةٌ للصبّ عندَ النوائب
ألا يستحقُّ القلبُ منكنَّ عطفةً / وقد ذابَ وجداً فوقَ تِلكَ الذوائب
وناحَ على تِلكَ المعاطفِ بلبُلاً / وفاحَ عبيراً من بياضِ الترائب
تزوّدنَ طيباً في الربيعِ ونضرةً / وجمِّعنَ حبّاً في الليالي الذّواهب
ونوِّلنَني التقبيلَ والضمَّ خلسةً / ونعّمنني في شقوتي بالأطايب
ومتِّعنَ كفِّي من كنوزٍ ثمينةٍ / تكونُ سِلاحي في الرَّزايا الغوالب
وغرِّدنَ تغريدَ العصافيرِ في الحمى / لتخفينَ في الظلماءِ صَيحاتِ ناعب
على الحبِّ لا تخشينَ لوماً ونقمةً / ففي الحبِّ تسهيلٌ لكلِّ المصاعب
إذا الرّيحُ حيَّتني بنَفحةِ طيبِ
إذا الرّيحُ حيَّتني بنَفحةِ طيبِ / تذكَّرتُ ليلَ الحبّ فوق كثيبِ
عشيَّةَ بتنا نسمَعُ الموجَ شاكياً / فَنَمزُجُ ترنيمَ الهوَى بنحيب
وقد سَطَعت زهراءُ في أُفُقِ الحِمى / تُحيِّي هلالاً مثلَ وجهِ كئيب
ومنكِ ومنّي دمعةٌ وابتسامةٌ / هما في الشّبابِ الغضِّ خيرُ نصيب
فما أعذبَ الشَّكوى وما أعظم الهوى / إذا انفَجَرا من أعيُنٍ وقلوب
فكم مرةٍ قبَّلتُ عَينَكِ خلسةً / كما نقَرَ العصفورُ حَبَّ زَبيب
وقَدُّكِ ميّالٌ وشَعرُك مُرسَلٌ / فكنتِ كغصنٍ في الرّبيعِ رطيب
تزوّدتُ من عينيك أجملَ نظرةٍ / تُنيرُ سَبيلي في ظلامِ خطوب
لأجلِهما أهوى بلادي وأُمتي / ولو قابَلت صفحي بشرِّ ذنوب
سَقى اللهُ يا حسناءُ ليلةَ حُبِّنا / هُنالِكَ فوقَ الرّملِ دمعَ غريب
تُعلِّلُني في النأي ذكرى كأنها / ربيعُ شبابٍ في خريفِ مشيب
إذا خطرت لي والهمومُ كثيرةٌ / أرتني شعاعَ الشّمس بعد غروب
فأصبحَ قَلبي خافقاً مثل طائرٍ / أسيرٍ يُعزّيهِ حَنينُ سروب
أُعاتِبُها والحبُّ من طبعهِ العتبُ
أُعاتِبُها والحبُّ من طبعهِ العتبُ / وفي مُقلتي غيظٌ وفي مُهجتي حبُّ
وأُسمِعُها ما يجرحُ السَّمعَ لفظُهُ / فَترضى بمغزاهُ ويَشفَعُ لي القلبُ
سلامي عَليها بسمةٌ ثم قبلةٌ / كذلك حيّا الزهرَ دَمعُ النَّدى العذب
مع النورِ والأنسامِ روحي تزورُها / وفي روحِها الأزهارُ والماءُ والعشب
فتجني الذي تجنيه في الرَّوضِ نحلةٌ / وما الشعرُ إِلا الشَّهدُ يخزنُه الصبُّ
نظَمتُ أرقَّ الشّعرِ عفواً وأترابي
نظَمتُ أرقَّ الشّعرِ عفواً وأترابي / يَسيرونُ عَدواً مُولعين بألعابِ
وما كانَ لي إلا ثلاثٌ وعشرةٌ / من العمرِ لما صرتُ خلّابَ ألباب
أنا وردةٌ قد نوَّرت قبلَ حينها / فشَوكي لأعدائي وعطري لأحبابي
إذا قيلَ شعرٌ نلتُ إكليلَ آسه / وإن قيلَ نَثرٌ كنتُ سيِّدَ كتّاب
حذارِ فأحداقُ الملاحِ حبوبُ
حذارِ فأحداقُ الملاحِ حبوبُ / إذا التُقِطت منها القلوبُ تذوبُ
ولكنّ قلباً لم يُفَتِّحهُ لحظُها / وليسَ لهُ منها هوىً ونصيب
كغصنٍ بلا زهرِ وزهرٍ بلا شذا / فعيشُكَ إن لم تهوَ كيفَ يطيب
تمتع من الدنيا وَفِ النفسَ حقَّها / وأنتَ لأنواعِ الجمالِ طروب
فما العيشُ إِلا زهرةٌ قد تفتَّحت / لها الحبُّ لونٌ والتغزُّلُ طيب
فأقبل عليها في الصباحِ وشمَّها / سينثُرها عندَ المساءِ هُبوب
فكلُّ جمالٍ منه زالت غضارةٌ / وكلُّ شبابٍ فيه دبَّ مشيب
تعشَّقتُ أجفاناً فسلَّت سيوفَها / عليَّ وكانت هدنةٌ وحروب
فأيقَنتُ أن الحبَّ كالحربِ خدعةٌ / وكلُّ صبورٍ في الجلادِ غلوب
أساكنةً فوقَ الخمائلِ والرُّبى / صِليني فإنّي اليومَ جئتُ أتوب
سيخضعُ هذا القلبُ بعدَ تمرُّدٍ / ومن حَولِهِ بعدَ الجنانِ لهيب
كقشرٍ من الرمّانِ أصبَحَ يابساً / وحبُّكِ مثلُ الحَبّ فيهِ رطيب
ألم تذكري باللهِ أولَ ليلةٍ / وأولَ وَعدٍ والهلالُ رقيب
وفي نورِهِ ما في اللِّحاظِ من الهوى / وفي غَزلي قلبي عليكِ يذوب
فقلتُ إِلامَ الصبرُ والشوقُ غالِبي / وأنتِ إذا جدَّ الغرامُ لعوب
فقلتِ وقد وَارى الهلالُ جبينَهُ / دعِ الوَرد إنَّ الشَّوكَ منهُ قريب
إذا جئتِ ليلى حلِّفيها برَبِّها
إذا جئتِ ليلى حلِّفيها برَبِّها / لِكي تَعلمي ماذا تُريدُ بصبِّها
وإن سألت عَنها وعنِّي نِساؤنا / أجيبي الفتى هذا يموتُ بحبِّها
وإن قُلنَ ماذا يَبتغي من وِصالِها / فقُولي أحبُّ الوَصلِ تقبيلُ تربها
بها ولها أحيا فروحي لروحِها / وعَيني لِعَينيها وقلبي لِقَلبِها
وضَعتُ يدي حيناً على العين والقلبِ
وضَعتُ يدي حيناً على العين والقلبِ / لأعلمَ ما فيها وفيهِ من الحبّ
فعيني بكت ماءً وقلبي بَكى دماً / وما حبُّ ذياكَ الفريدِ سِوى حبّي
تجمَّدَ ما قد سالَ منّي فليتَ ما / تجمَّد مِنها سالَ وجداً على الصبّ
اذا كان هذا الدُّر مِنّي وهبتُهُ / لناهبةٍ ما في الشغافِ وفي الهدب
إذا كان للمقدامِ عزُّ المناهبِ
إذا كان للمقدامِ عزُّ المناهبِ / فأيُّ فتى يرضى بذلِّ المواهبِ
عصرتُ خدوداً والقدودُ هَصَرتُها / وما شاقني إلا نهودُ الكواعب
تكادُ وقد شُدَّت تشقُّ دروعَها / وتَبرزُ منها مثلَ بيضِ الأرانب
فإن ظفَرت كفّي بنهدِ صبيةٍ / لهوتُ بهِ سكرانَ ليسَ بشارب
وبينَ هجومي مولعاً ودفاعِها / تبيَّنتُ أسرارَ النَّواحي النواهب
بكيتُ على حبٍّ مع الحُسنِ ذاهبِ
بكيتُ على حبٍّ مع الحُسنِ ذاهبِ / وما أملي إلا كلمعِ الحباحِبِ
وإني إلى الماضي حَنُونٌ لأنهُ / تولّى بذاوٍ من فؤادي وذائب
وكلُّ امرئٍ يصبُو إلى زَمنٍ مَضى / لِعزَّةِ مَفقودٍ وناءٍ وغائب
فأينَ ملذَّاتي وأَينَ صُبوَّتي / وأينَ أحاديثُ اللَّيالي الذَّواهب
مضى ما بهِ علَّلتُ نفسي وما انقَضى / وتذكارُهُ كالبرقِ بينَ الغياهب
فمن مات لا يُرجى وما فات لا يُرى / خلا القلبُ من أحبابهِ والحبائب
فما أنا إلا كالسَّجينِ الذي يَرى / لدى الحاكمِ الباغي مرورَ المواكب
سلامٌ على ماضٍ من العمرِ كان لي / كغَفوةِ مُلتاحٍ ونشوةِ شارب
وأنوارِ صبحٍ بين أزهارِ جنَّةٍ / وطُهرِ ابتِسامٍ من ثغورِ الكواعب
هو الوقتُ يمضي والأمانيُّ تنطوي / وأيامُنا مَوصُولةٌ بالنَّوائب
فتسقطُ أفلاذٌ وتنضُبُ أدمعٌ / وكلُّ الورى ما بين ناهٍ وناهب
سَئِمتُ حياتي بين قومي لأنهم / أجانِبُ عنّي بالهوى والمناقب
وكيفَ يعيشُ الحرُّ ليثاً وحولهُ / ثعالبُ ترجُو الرِّزقَ عندَ الثعالب
فما امتلأت إلا خزينةُ سارقٍ / وما قُضيت إلا لُبانةُ كاذب
وذو المالِ في النُّعمى يُصعِّرُ خدَّهُ / وذو العلمِ في البؤسى لهُ ذلُّ طالب
فذاك على اللذَّاتِ يُنفِقُ مالهُ / وهذا فقيرٌ عندَ أسمى المواهب
لئن كان هذا العلمُ أعرضْ عن الحِجى / وإن كان هذا المالُ عُد بالمكاسب