المجموع : 4
أَفي كلِّ يَومٍ للأَمانيِّ تَكذيبُ
أَفي كلِّ يَومٍ للأَمانيِّ تَكذيبُ / وَلِلدَهر تَصعيدٌ علينا وتَصويبُ
إِلامَ اِنقيادي للزَمان تَروعُني / لَهُ كلَّ يوم مُزعجاتٌ أَساليبُ
أَفي الحَقِّ أَن أَصدى وفي القَلب غُلَّةٌ / يَشبُّ لها بين الجوانح ألهوبُ
وَيُصبح مَن دوني نَقيعاً أوامُهُ / يَسوغُ له عذبُ الموارد أثعوبُ
أَروحُ وَأَغدو تَقتَضيني نَجاحَها / أَمانيُّ نَفسٍ كلُّهنَّ أَكاذيبُ
عَتبتُ عَلى دَهري وما الدَهرُ مُعتِباً / ولكنَّ عجزاً اِنتظارٌ وَتأنيبُ
وَقَد ساءَني بين المَهانة والعُلى / مقامي على حال لها الجأشُ مرعوبُ
فأَمّا عُلا لا يُلحَقُ الدَهرَ شأوها / وإِمّا خمولاً فهو في الحقِّ مَرغوبُ
طُبِعتُ على ما لَو تكلَّفتُ غيرَه / غُلبتُ وقد قيل التكلُّفُ مَغلوبُ
أَيوقفُني صَرفُ الزَمان ضَراعةً / وَما الخُطو مقصورٌ ولا القيدُ مكروبُ
إِذاً لا نَمت كفّي إِليَّ مهنَّدي / ولا قرَّبت بي المقرباتُ اليعابيبُ
وَكُلُّ طِمِرٍّ فائتِ الشأوِ سابقٍ / له في موامي البيد عدوٌ وتَقريبُ
عَلامَ ولا سُدَّت عليَّ مَذاهبي / ولا عاقَني تَرغيبُ أَمرٍ وتَرهيبُ
إِذا أَقعدَتني الحادِثاتُ أَقامَني / لنيل العُلى عزمٌ وحَزمٌ وتَجريبُ
وإِن أَنا جُبتُ البيدَ في طَلَبِ العُلى / فكم جابها قَبلي كِرامٌ وما عيبوا
وما ذاتُ نشرٍ قد تضاحك نَورُها / ومن دونه فَرعُ السِماكين مَجذوبُ
وَما عذرُ من يَرجو من الدَهر سلمهُ / وقد أَمكنتهُ المرهَفاتُ القراضيبُ
لَقَد آن أَن يَصفو من العزِّ مَوردي / فينجحَ مأمولٌ وَيَرتاحَ مَكروبُ
أَنِفتُ لمثلي أَن يُرى وهو والهٌ / وما أَنا مِمَّن تَزدَهيهِ الأَطاريبُ
أَبيتُ فَلا يَغشى جنابيَ طارِقٌ / كأَنّي ضَنينٌ من نواليَ محجوبُ
أَبى ليَ مَجدي والفتوَّةُ والنُهى / وهمَّةُ نفسٍ أَنتجتها المناجيبُ
وَقَد عَلمت قَومي وما بي غباوَةٌ / بأَنّي لنَيل المكرُمات لمخطوبُ
وَهَذا أَبي لا الظَنُّ فيه مخيَّبٌ / ولا المجد متعوسٌ ولا الرأي مكذوبُ
له من صَميم المَجدِ أَرفَعُ رتبةٍ / ومن هاشِمٍ نهجٌ إِلى الفَخرِ مَلحوبُ
وَهَل هو الّا دَوحةٌ قد تفرَّعت / فُكُنتُ لها غُصناً نَمَته الأَنابيبُ
وما ذاتُ نشرٍ قد تضاحك نَورُها / وهلَّ بها من مَدمَع المزنِ شؤبوبُ
تُغانُ لها ريحُ الصَبا إن تنفَّست / وَللشمس تَفضيضٌ عليها وتَذهيبُ
يُنافِسُ ريّاها من المِسكِ صائِكٌ / ومن نفحات المَندل الرَطب مَشبوبُ
بأَعبقَ نشراً من لَطيمةِ خلقِه / إِذا فُضَّ عنها من مَكارمه طيبُ
هُمامٌ إِذا ما هَمَّ أَمضى على العِدى / من العَضب حدّاً وهو أَبيضُ مَذروبُ
تُريكَ زُؤامَ المَوتِ لحظةُ بأسهِ / وَماءُ الحَيا من جود كفَّيه أسكوبُ
هُوَ الأَبلَجُ الوضّاحُ فوقَ جبينه / ضياءٌ من النور الإِلهيِّ مَكتوبُ
حفيٌّ بإِكرام النَزيل إذا أَوى / إلى سوحه آواه أَهلٌ وتَرحيبُ
فَتىً ثقُلت أَيدي نداه على الطُلى / فأَطَّت كَما أَطَّت لأعبائها النيبُ
أَقام عمادَ الملك بعد اِزوِراره / فأَمسى له نصٌّ لديه وتطنيبُ
أَتِربَ المَعالي والعَوالي وربَّها / ومن ضاق في عَلياه وصفٌ وَتَلقيبُ
شكوتُك حالاً قد أَتاحَت ليَ الجوى / فهل أَنت مُشكٍ أَم لحظّيَ تتبيبُ
أعيذك أَن أمسي وفي النَفس حاجةٌ / ومن دون ما أَرجوهُ همٌّ وتَعذيبُ
أَراني لقىً لا يَرهبُ الدهرَ سطوتي / عدوٌّ وَلا يَرجو نَواليَ محبوبُ
فحاشاكَ أَن تَرضى لشِبلكَ أَن يُرى / وقد نشبت للدهر فيه مخاليبُ
وَعدتُ رَجائي منكَ أنجحَ مِنحةٍ / وأَنّيَ إِن لم أَوفِ وعدي لَعرقوبُ
فَها أَنا قد وجَّهتُ نحوكَ مطلبي / وأَغلبُ ظنّي أَن سَينجحُ مَطلوبُ
خَليليَّ خطبُ الحبِّ أَيسرُهُ صَعبُ
خَليليَّ خطبُ الحبِّ أَيسرُهُ صَعبُ / وَلكن عَذابُ المُستهام به عَذبُ
وَما أنسَ لا أَنسى وُقوفي صَبيحةً / وقد أَقبلت يَقتادُها الشَوقُ والحبُّ
فَتاةٌ هي البدرُ المُنيرُ إذا بَدَت / وَلكنَّ لا شَرقٌ حَواها ولا غَربُ
مُنعّمةٌ رؤدٌ لها الشَمسُ ضَرَّةٌ / وَغُصن النَقا ندٌّ وظبيُ الفَلا تِربُ
فَوافَت تُناجيني بعتبٍ هو المُنى / وَلَيسَ يلَذُّ الحبُّ ما لَم يكن عَتبُ
فَما زلتُ أُبدي العُذرَ أَسأَلُها الرِضا / وَقَد علمت لو أَنصفَت لمن الذَنبُ
إِلى أَن طوَت نشرَ العِتاب وأَقبلت / تبسَّمُ عن ثَغرٍ هو اللؤلؤُ الرَطبُ
فعاطيتُها كأسَ الحَديثِ وَبَيننا / حِجابُ عَفافٍ عنده تُرفَعُ الحُجبُ
فظلَّت بها سَكرى وَرُحتُ كأَنَّني / أَخو نَشوَةٍ بالراحِ لَيسَ لَهُ لبُّ
فَواللَهِ ما صِرفُ المُدامِ بِفاعِلٍ / بنا فعلَها يَوماً ولَو أَدمنَ الشِربُ
وَقَفتُ أُجيلُ الطَرفَ في روضِ حُسنها / وَيَمنَعُني من طَرفها مُرهَفٌ عَضبُ
وَما برحَت تُصبي فؤادي وهل فَتىً / تغازلُه تِلكَ اللِحاظ ولا يَصبو
وَراحَت تُريحُ القَلبَ من زَفَراتِهِ / بطيب حَديثٍ عنده يَقِفُ الرَكبُ
فَما راعَها الّا سُقوطُ قِناعِها / وطُرَّتُها في كَفِّ ريح الصَبا نَهبُ
هُنالكَ أَبصرتُ المُنى كَيفَ تُجتَنى / وَكَيفَ يَنال القَلبُ ما أَمَّل القَلبُ
فَلِلَّه يَومٌ ساعَفَتنا بِهِ المُنى / وَطابَ لَنا فيه التواصلُ والقُربُ
وَلَو أَنَّني أَسعى لنفسي وجدتني
وَلَو أَنَّني أَسعى لنفسي وجدتني / قَليلَ المَساعي للَّذي أَنا كاسبُه
وَكُنتُ إذا حاوَلتُ في الدهر مطلباً / كَثير التأنّي في الَّذي أَنا طالبُه
وَلَكِنَّني أَسعى لأَنفع صاحبي / على أَنَّ هَذا الدَهرَ أَعيَت مذاهبُه
وإن أَنا لا أَسعى له خفتُ عارَه / وَشبعُ الفَتى عارٌ إذا جاعَ صاحبُه
دَعاهُ على سَهل الغَرام وَصَعبهِ
دَعاهُ على سَهل الغَرام وَصَعبهِ / فماذا عليكم إِن أَضَرَّ بِقَلبِهِ
أَقِلّا عليه في المَلام فإنَّه / يَرى الموتَ أَصفى من كدورة خَطبِهِ
وَلَيسَ بمُجدٍ يا خَليليَّ لومُه / فإنَّ الهوى قد سيطَ منه بلُبِّهِ
وَلَو ذُقتُما ما ذاقَ من لاعج الهوى / لأَيقنتُما أَنَّ العذابَ بعَذبِهِ
يَبيتُ على جَمر الغَرام وَيَنطوي / وَتصبيه ذكرى غورِ سَلعٍ ومَن بهِ
يحنُّ إلى أَوطانِه ثمّ يَنثَني / على قَلبه كي لا يَذوبَ بكَربهِ
وإِن لاحَ من نَجدٍ وميضٌ توقَّدت / بأَحشائه نارُ الغَرام وجَنبهِ
وَلَيسَ له عن منهج الحبِّ منهجٌ / وَكَيفَ وَمهما أومضَ البَرقُ يُصبِهِ