القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : جَميل صِدقي الزَّهاوي الكل
المجموع : 17
لَقَد كنت في درب ببغداد ماشياً
لَقَد كنت في درب ببغداد ماشياً / وَبَغداد فيها للمشاة دروبُ
فَصادَفَت شيخاً قد حنى الدهر ظهرَه / له فوق مستن الطَريق دَبيبُ
عليه ثياب رثة غير أنها / نظاف فَلَم تدنس لهن جيوبُ
تدلّ غضونٌ في وَسيع جبينه / عَلى أنه بين الشيوخ كَئيبُ
يَسير الهُوَينا وَالجماهير خلفه / يسبونه وَالشيخ لَيسَ يجيبُ
له وقفة يقوى بها ثم شهقة / تكادَ لها نفس الشَفيق تذوبُ
فَساءَلت من هَذا فَقالَ مجاوب / هوَ الحق جاءَ اليوم فهو غَريبُ
فجئت إليه ناصراً ومؤازراً / وَدَمعي لإشفاقي عليه صَبيبُ
وَقلت له إنا غَريبان ههنا / وكل غَريب للغريب نَسيبُ
إذا فتح القوم المعادون لي قَلبي
إذا فتح القوم المعادون لي قَلبي / رأوه سَليماً لَيسَ فيه سوى الحبِّ
وَما أَنا مِمَّن يحمل الحقدَ قلبهم / فيجزونَ من قد آثروا الثلب بالثلب
أُريد نزوحاً عَن أُناس برحلتي / لألقى بَعيداً عَن مطاعنهم نحبي
وَما أَنا من صدق لهم متألم / ولكن من البهتان وَالزور وَالكذب
وَلست عَلى أَهل العداء بعاتب / وَلكن عَلى الأصحاب وحدهم عتبي
عداي وَصحبي قد أَرادوا إهانَتي / عفا اللَه رَبي عَن عداي وعن صحبي
وَيحزنني أني عَن الدار نازح / عَلى أَن بعد الدار خير من القرب
عَلى أَن بعد الدار لَيسَ بِنافع / إذا دامَ أعدائي يلجّون في سبي
سوى أنني في البعد لا أَسمع الخنى / ليأذى به سمعي وَيأسى له قَلبي
نزلت كَما يَرجو السلام على الرحب
نزلت كَما يَرجو السلام على الرحب / بمشرفة بين المحابر والكتب
وَجئت إلى بغداد تبصر دجلة / وتشرب من سلسال منهلها العذب
فَقامَت بتَكريم الرجاحة أمة / ورحب شعب بالكياسة واللب
تَباركت للتهذيب من منتدى رحبِ
تَباركت للتهذيب من منتدى رحبِ / ومن مورد صاف لوراده عذبِ
ومن منهل للعلم أثرى به الحجى / فأكبره أَهلُ الرجاحة واللب
لَقَد أخذت تطريه بالحق دجلة / وَتوفيه حمداً من لسانٍ لها رطب
وتهدي له الريحان ريانَ نافحاً / وما أنضر الريحانَ في البلد الخصب
وكم لبني الزوراء من وطنية / بنوها على أس الصداقة والحب
أولئك قوم ما لهم في حياتهم / سوى أن يروا عز المواطن من إرب
وإِني بليلى مغرم وهي موطني / وَعلِّي أُقضِّي في غَرامي بها نحبي
ولعت بها حسناء تزهو كزهرة / نمت فأطلت في الرَبيع على العشب
سبتنيَ ليلى إذ بدت بمحاسن / كثرن ومن حازت محاسنها تسبي
أحبك يا لَيلى على السخط والرضى / وأهواك يا ليلى على البعد والقرب
وإن شط عن عينيّ يوماً بك النوى / فإنك يا لَيلى تقيمين في قَلبي
فَيا نفحات الروض ضوعي ذكية / وَيا نسمات الصبح باردة هبّي
لَقَد جئتُ لَيلى أنفث الشعر عاتباً / فَكانَت على الإكثار تصغي إلى عتبي
وَكَم لك يا لَيلى ببغداد وامق / وَكَم لك يا لَيلى ببغداد من صبِّ
عسى أَن أَرى الشعب العراقي مسرعاً / يهب فقد ضر التأخر بالشعب
تريد بحبو في السباق إلى العلى / لحوقاً بمن يطوي المسافة بالوثب
متى يَستَفيق الشرق من رقدة له / فيسرع حثحاثاً ليلحق بالغرب
خذوا العلم عنه إن أردتم سلامة / فَلَيسَ لداء الجهل كالعلم من طب
لكل هوى في الشرق حزب مؤيد / سوى أن فيه الحق لَيسَ بذي حزب
ولا يصل الإنسان في طلب العلى / إلى منزل حتى يسير على الدرب
إن السحب لم تسكب على موطني الحيا / غزيراً فلا منِّي سلام على السحب
ذببت عَن الآداب في يوم عسرها / فما نفع الآداب في عسرها ذبِّي
سيعقب هَذا الليل فجر ينيره / بصدق وبعض الفجر يظهر بالكذب
يُقال لهم هاكم خذوا ثمر الهدى / فتمتد أيدٍ يرتجفن من الرعب
وإني امرؤٌ يبني أساس دفاعه / على السلم إن السلم خير من الحرب
وأشدو بشعري كالهزار مغرداً / وَما كانَ يوما في الحياة به كسبي
وَما زلت في جوّ من الفكر طائراً / ومن عادتي أن لا أَطير مع السرب
قد اجتمع الأمجاد يحتفلون بي / وأكثرهم صحبي سلام على صحبي
يحس لهم بالشكر قَلبي على الرضى / فيبدي لساني ما يحس به قَلبي
وَهَل أَنا إلا شعبة قد تفرعت / كغصن مع الأيام من دوحة الشعب
وضعت يدي عند الوداع على قَلبي
وضعت يدي عند الوداع على قَلبي / لأَمنعه تحت الضلوع من الوثبِ
عَلى الرَغم مني اليوم من بعد ساعة / سأعتاض من لَيلى نزوحاً عن القرب
دَعيني أَقبِّل وجنتيك فإنني / سأَقضي بعيداً عنك في غربة نحبي
سأَرحل بعد الموت والموت قاهر / إلى منزل قد ضاق عن منزل رحب
لَقَد قَضَت الأيام بالبعد بيننا / فَطالَ على الأَيام فيما قَضَت عتبي
وعلك يا لَيلى إذا مت نائياً / تجلين بعد الموت ذاكرة حبي
سلام على الدنيا سلام على المنى / سلام على بغداد والأهل والصحب
لَقَد جرحوا سعداً وفي شخصه الشعبا
لَقَد جرحوا سعداً وفي شخصه الشعبا / على غرة منه فما أَكبر الذنبا
أَيطعن مصراً في صميم فؤادها / أناس إلى مصر يمتّون بالقربى
ورب شباب كان سعد يميزها / فكان لها سلماً وكانت له حربا
أَصابَت يد سوداء سعداً بطلقة / فسحقاً لها سحقاً وتباً لها تبا
أَسعداً وسعدٌ قلب مصر جميعها / لَقَد جرحوا من مصر في جرحه القلبا
أصابت على الأشهاد في رائع الضحى / ذراعاً بها سعد عن الحق قد ذبا
فأفظع بما قد أوقعت من جريمة / لها الشعب مستاء ومصر لها غضبى
وطار يقل البرق أنباء شره / فَما طارَ حتى أقلق الشرقَ والغربا
فَلِلَّه والأوطان والحق والهدى / دم سال من جرحيه يخضبه خضبا
أَلا ثكلت وغد الجريمة أمُّه / فأية نار في قلوب المنى شبا
كذلك يلقي الطيش في الغاب جذوة / وَلَيسَ يبالى يابساً كان أم رطبا
لَقَد خرقت منه الرصاصة ساعداً / لسعد طويلاً ثم صدراً له رحبا
أصاب بها ثدياً له بعد ساعد / يريد لروح منه قد كبرت سلبا
ولكن سلام اللَه حاط حياته / فَلَم يقض سعد نحبه لا قضى نحبا
وَقَد كان بعد الجرح والجرح فائر / يُقابل جلداً بابتساماته الصحبا
فقد حس رعباً مَن جنى إذ أصابه / وَما حس سعد من إصابته رعبا
فأعزز بروح جأشه ظل رابطاً / وأعزز بزاكي ذلك الدم منصبا
لَقَد جاء أمراً منكراً باعتدائه / كأَنْ لَم يكن في صدره قلبه قلبا
كأن الفَتى لا بارك اللَه في الفَتى / قد اعتاض عن قلب له حجراً صلبا
وَلَو شاء سعد مزق الشعب لحمه / ولكنَّ سعداً قلبه راحمٌ يأبى
وإنك يا عبد اللطيف لشقوة / ركبت بما قد جئته مركباً صعبا
أَلما شكت مصر جراحاً أَتيتها / بجرح جديد زاد كربتها كربا
وإنك يا عبد اللطيف تزيدها / على ما تعاني من خطوب لها خطبا
أَردت اغتيالا لِلَّذي لم تكن رأت / له مصر إلا أَن يرى فوزها إربا
خسرت بما قد جئت داريك فاسقاً / فَليسَ لك الدنيا وليس لك العُقبى
لمصر بسعد كل يوم صبابة / كَما كانَ سعد كل يوم بها صبا
فَما ساس سعد مصر حتى تقدمت / وحتى مشت نحو الرقيِّ به وثبا
وَقَد أَعجبت مصراً وزارة سعدها / بما جعلت أمر الدفاع لها دأبا
وقد فرح الأحزاب من صحة به / فهنَّأ حزب بالسلام له حزبا
تجمع حشد من بني مصر ثائر / وقد ملأ الحشد الميادين والدربا
فمرَّ بمستشفى أَخي الطب رامزٍ / يقبِّل جدرانَ المحلةِ والتُربا
وأنحى على الأقدار يكثر عتبه / ولكنما الأقدار لا تسمع العتبا
إلى أَن أَتى سعداً شفاء وإنني / لأحمد من قَلبي الجراحة والطبا
إلى أشكو أنني منه في ريب
إلى أشكو أنني منه في ريب / تمكن مني في شبابي وفي شيبي
إذا كان هذا فيّ عيباً يشينني / فإني بإقراري أدل على عيبي
وما رابني فيه الشهادة وحدها / ولكنما ريب الشهادة والغيب
تباين أهل الشرق والغرب في النهى
تباين أهل الشرق والغرب في النهى / و الدين أيا كان والعلم والكسب
ففي الشرقي لا يحظى أخو العقل بالغنى / وفي الغرب لا يرضى أخو العلم بالرب
وبين الحجا والمال في الشرق خلفة / كما يتنافى العلم والدين في الغرب
أتى العلم يسعى شاحذاً لسلاحه
أتى العلم يسعى شاحذاً لسلاحه / إلى الأرض بعد الدين فهو يحاربه
وقد كان في الماضي له الدين غالباً / ولكن في المستقبل العلم غالبه
ترى هل إذا متنا تظل نفوسنا
ترى هل إذا متنا تظل نفوسنا / تعيش بهذا الجو أم نحن كالعشب
نحس بنور الشمس حيناً وبعده / نحور حطاما لا يحس إلى الترب
أفي كل يوم رحلة وتغرب
أفي كل يوم رحلة وتغرب / وسعيٌ لإدراك المعيشة متعبُ
نفوس طغت في غيّها فتسارعت / الى الشر أعمالها الهوى والتعصب
وماليَ ذنب عندهم غير أنني / ذهبت إلى ما ليس غيريَ يذهب
إذا كان نصر العلم ذنباً معاقبا / عليهِ فإني أشهد اللَه مذنب
وكم باسم منهم إذا كان حاضراً / ولكن متى ما غالب عنك يُقطّب
صفا منه لما خاف بأسك محضر / ولم يصف منه سرُّه والمغيّب
لقد نسبوني للضلال لأنني / مخالفهم فيما أقول وأكتب
ولو أنني شايعتهم في جهالةٍ / لكنت إلى الإحسان والرشد أُنسب
وقالوا أتيت الكذب قلت بل الذي / يحضّ على الأوهام للكذب أقرب
إذا كان من قد وافق الحقّ كاذباً / فإن الذي قد خالف الحقّ أكذب
أبى اللَه أن أنسى ربوعاً كريمة / قضيت بها عهد الصبا وهو طيّب
هي الدار ناطت بي حبالاً من الهوى / تجرُّ بها قلبي الشجيَّ وتجذب
رعى اللَه عهداً بالرصافة قد مضى / ولكنه عن خاطري ليس يغرب
ألا ليت شعري هل أرانيَ راجعاً / إليها وهل من ماء دجلة أشرب
كتاب رثاء يحمل البث من قلبي
كتاب رثاء يحمل البث من قلبي / إلى قبر ميت في طرابلس الغربِ
فيا جدثا في طيِّه نام شوكت / سقاك مُلِثٌّ ذو بعاع من السحب
تضمنت حرا يعلم اللَه أنه / إلى أن قضى قد كان والظلم في حرب
وكن إذا ما حل ساحة بلدة / يخاصم حزباً في المحاماة عن حزب
يحيط به الأحرار فيها كأنما / هو القطب والأحرار دائرة القطب
أخو عزمات ظل طول حياته / على لطفه لا يخلط الجدَّ باللعب
يخاطر في أمر الدفاع بنفسه / فيمشي مع الأحداث جنباً إلى جنب
يزور غمار الحادثات بكله / فيخرج من كرب ويدخل في كرب
ويبكي مع الباكي على ما أصابه / ويسعد بالمال الضعيف عن الكسب
من الأمراء العسكريين دأبه / صيان الحمى أكرم بذلك من دأب
له بالقضايا الفلسفية خبرة / يشاركني في البحث عنها وفي النقب
وأنظار صدق في الفنون دقيقة / وآراء علم هن أسنى من الشهب
وكان كحدِّ السيف غَربُ لسانهِ / مَضاءً ففل الموت من ذلك الغرب
تكافأ فيما بيننا ثابت الهوى / فلي حبه قد كان يحكى له حبِّي
أتتني أخبارٌ بموتك أنبأت / فغاب لها رشدي وطار لها لبي
وددت لو أني قبل منعاك ميت / ولم أتل شيئاً من نعيِّك في الكتب
ظفرت بقرب من حيناً فسرني / ولكن سريعاً ما انقضت دولة القرب
وقد قضت الأيام بالبعد بيننا / فطال على الأيام فيما قضت عتبي
وغادرتني أبكي المجالس نادبا / علاك بها لو كان ينفعني ندبي
أعاف لذيذ النوم في الليل إن دنا / وأشرق من جرَّاك بالبارد العذب
وكنتُ لعود من لقائك راجياً / فقطع آمالي قضاؤُك للنحب
وما الموت إلا منهل جامع وقد / وردتَ وإنا سائرون على الدرب
أشوكت ما ان عنَّ ذكرك خاطراً / بقلبيَ إلا واعترت رجفةٌ قلبي
دعتك المنايا بعد سقم ملازمٍ / فقلت لنفس فيك قد حشرجت لبي
هو السل ماذا يفعل الطبُّ نحوه / إذا كان يعي داؤُه حيلة الطب
تنشَّب في أحشاء صدرك ظفره / فأضعفه عن حرب مكروبه الألب
كأني بقومٍ حول جسمك خشع / لموتك من تُرك هناك ومن عُرب
قد استودعوا التابوت شخصك ثم قد / طووا ذلك التابوت في باطن الترب
فقلبٌ على ما كان ولهان آسف / وعينٌ على ما ناب دائمة السكب
وشيَّعك الجم الغفير مسافراً / إلى منزل قد ضاق من منزل رحبِ
إلى منزل داجي القرارة موحشٍ / يظل عن الأضواء والريح في حجب
فيسكن فيهِ المرء غير مخير / بعيداً عن الخلان والأهل والصحب
يقيم به كرهاً ويخضع للبلى / زماناً طويلاً لا يقاس على الحقب
وما ضرر الإنسان من طول مكثهِ / إذا كان فيه فاقد الحس واللب
أَإنا إذا متنا تظل نفوسنا / تطير بهذا الجو لآم نحن كالعشب
فنخصب أياماً تكون قليلة / ونجدب لما تنقضي مدة الخصب
فتخمد أنفاس وتيبس أوجه / لنا يبس أزهار بألوانها تسبى
وكم غادة كانت تميس بمشيها / كما تعبث الأرواح بالغصن الرطب
ففاجأها موت فراحت وخلفها / يشب ضراماً قلب عاشقها الصب
وكم من شعوب فرقتهم بكرههم / شعوب وكانوا قبل ملتئمي الشعب
فأين مضى القوم الألى أَرهفوا الظبى / وأين تولى قائدو الضمَّر القبِّ
وأين الذي قد كان يلبس زينة / وأين الذي قد كان يخطر في عجب
وكم عض هذا الموت من واسعى المنى / وكم غالَ هذا الموت من آمني السرب
سرى الركب ليلا ثم ما آب مخبر / فينبئُ أهل الحي عن ذلك الركب
ألم يبرحوا سارين أم تركوا السرى / وحلوا بسهل بعد ذلك أم صعبِ
أحاطت بليل اليأس مني غياهب
أحاطت بليل اليأس مني غياهب / تضيء من الآمال فيها كواكبُ
وجاءت أخيراً من همومي سحائب / فحجَّبت الآمالَ تلك السحائب
فما بان لي إلا شجاً متكاثف / ولا لاح لي إلا دجى متراكب
فيا لك من ليلٍ هنالك حالكٍ / بأهواله ضاقت عليَّ المذاهب
وطال إلى أن لاح لي في سمائه / على الأفق فجرٌ من رجائي كاذب
أقول لعيني حين جفَّت دموعها / أأمسكتِ لما أفجعتنا النوائب
لقد غاب من تهوين مرأى وجوهِهم / كأنهم زهر النجوم الغوارب
وما كان ظني أنه بعد ساعة / تجف كذا منك الدموع السواكب
جمودك يا عيني وقد وقع النوى / علىغير ما وعدٍ لهم لا يناسب
وإني على هذا الجمود وطوله / ألومك يا عيني وإني أعاتب
فلست براضٍ عنك يا عينُ بعدهم / لأنك ما أديت ما هو واجب
وللقلب مني بعد أن كرَّ راجعاً / وقد رحلت أظعانهم والركائب
عهدتكَ تمشي أيها القلب خلفهم / فقل لي لماذا أنت يا قلب آيب
سألتكيا قلبي عن السبب الذي / رجعت له إني لعودك عاجب
فما لك تجثو راجفاً متغيراً / وما لك ترنو ساكتاً لا تجاوب
أجئت تعزِّيني لأني آسف / وأني مفجوع وأني خائب
فقال بصوت هزَّ أوتاره الأسى / فرَّنت رنيناً أكبرته المصائب
تبعتهمُ حتى ثَوَوا في حفائرٍ / وحجَّبهم عني من الترب حاجب
وقفت على الأجداث حيث تغيبوا / أنادي فما ردَّ الجوابَ مجاوب
فجئتكَ كيما أخبر الحال إنها / شجتني فمرني بالذي أنت طالبُ
ورأييَ أن نسعى معاً لقبورهم / فقلت له يا قلب رأيُك صائب
أصبتَ نعم يا قلب فيما ارتأيتَه / فلي بين هاتيك القبور مآرب
تقدَّم أمامي ماشياً لتدلَّني / عليهم فسرنا والحنين مصاحب
فلما وصلنا ساء عينيَ أن ترى / هنالك أجداثاً عفاهن حاصب
سطور قبورٍ في العراء تناسقت / كما نمّق لعنوان في الطرس كاتب
قبورٌ بها نامت أَوانس خرّد / ونامت بها في جنبهن الذوائب
فجاشت هناك النفس من لاعج الجوى / وقلت لهاتيك القبور أخاطب
هنا فيك قد غابت حسان كواعب / فما فعلت تلك الحسان الكواعب
وما فعلت تلك السوالف في الثرى / وما فعلت في الترب تلك الترائب
إلى من تشيرُ اليوم فيك عيونها / وفق العيون النجل تلك الحواجب
وكانت مشيدات القصور بروجها / فمن أين جاءتها تصيب المعاطب
وفي كل يومٍ كان للزي مطلب / لهن تجلى منه فيما يناسب
ولكنما اليوم انتهت لتعاستي / بثوب من الأكفان تلك المطالب
وكن كأزهار الربيع مبادياً / أهذي لهاتيك المبادي عواقب
قد انتزعتها من حياتي يدُ الردى / كما ينهب العقد المفصل ناهب
هنالك جادت أعيني بدموعها / فهن على الخدين مني سوارب
هنالك من نفسي وصدق طويتي / تمنيتُ لو أن المنون تقاربُ
نظرت إلى قلبي وكان بجانبي / إذا هو من فرط الكآبة ذائبُ
فلعمت ذوب القلب ثم سكبته / على جدث فيهِ حبيبي غائب
وألفيت في نفسي العزاء كمعبدٍ / قد انهد منه جانب ثم جانب
وفارقتي لبى لهيبة مصرعي / فأبعد عني في الفلا وهو هارب
وَجِدتُ على الايام والطبِّ والغنى / وقلت لهم إني عليكم لعاتب
وأوحشت الدنيا كأن بيوتها / بعيني وإن كانت قصوراً خرائب
مكثت إلى أن أقبل الليل زاحفاً / وأظلم منه في عيوني الجوانب
فأبت إلى داري وفي باطن الحشا / لهيب من الحزن المبرح لاهب
وليس معي في لآوبتي لا نُهى ولا / عزاءٌ ولا قلب لشخصي يصاحب
سوى نَفسٍ في الصدر مني مردّد / فذلك طول الليل آت وذاهب
ستبسم في وجهي المنون كأنها / محب يُسلِي أو صديق يراقب
وتدركني قبل الصباح ونهضه / فأنجو من الهمِّ الذي هو ناصب
ذريني ألاقي الموت يا نفس واذهبي
ذريني ألاقي الموت يا نفس واذهبي / فما أنا من جدي أعز ومن أبي
ذريني بموتي وهو آخر ملجئ / أخفف من عبء المعيشة منكبي
ذريني أنجو من حياة عذابُها / شديد ومن لم يحىَ لم يتعذبِ
ذريني ذريني أستنيم إلى الردى / فإن الردى يا نفس سؤلي ومطلبي
لقد كبرت يا نفس أيام شقوتي / وطال على جمر الحياة تقلبي
سلام على عهد الرقي المحبب
سلام على عهد الرقي المحبب / سلام على حزب الشباب المهذب
واني محيّ للعروبة انها / قد استيقظت من نومها بعد احقب
وقد اخذت تعدو لتبلغ غليها / برغم الرزايا والشقاء المخيب
وان لابناء العراق تأهباً / ولا تكذب الآمال في المتأهب
لهم مأرب ان يدركوا شأو غيرهم / وان شط عنهم وهو افضل مأرب
فساره على فجر من الحق صادق / وليس على برق من الوعد خلب
ولا ادّعي انا بلغنا مرادنا / ولكننا فوق الطريق المقرب
فيا عين قري بالذي تشهدينه / ويا نفس قد ولى شقاؤك فاطربي
واني لارجو للعراق تقدماً / يضاهي هبوب العاصف المتوثب
ويحسب قوم في التعصب رشدهم / وما اخر الاقوام غير التعصب
وكنت ركبت الصعب ابلوه جاهداً / فما قل مجهودي ولا ذل مركبي
عشية ما في الرافدين سلامة / ولا العيش في كل العراق بطيب
عشية لا عبد الحميد بسامع / دعائي ولا مني فروق بمقرب
وما كان ما تأتي الشعوب بثروة / ولكنه حمى الدم المتلهب
ولم ننتفع بالعلم الا صبابة / تجرعها مثر بمشهد مترب
ويطرق سمعي اسم السعيد ولا ارى / بعيني سعيداً فهو عنقاء مغرب
وما ذل قوم ابرموا وحدة لهم / وان لم يكونوا ينتمون الى اب
ولا اوجسوا ممن تهدد خيفة / وان جاءهم في جمعه المتألب
ولا عار في زيغ الفتى رشذوذه / ولكنما في كذبه والتذبذب
ولس ابالي ما به يشتمونني / وان كان في قلبي كلسعة عقرب
ترهب يرعى العلم خمسين حجة / فاكبر به من عالم مترهب
تلقى بما ابقى ثناءاً معطراً / وهل يتلقى طيب غير طيب
نقدت نزيها ما نقدت فلا تخف / وعيداً واتمم ما بدأت وعقب
وانك انت اليوم خير مثقف / وانك انت اليوم خير مهذب
وقل باسلا ما ينبغي ان تقوله / ولا تلتفت للجاهل المتعصب
شدا الشعر بعد الصمت يطرب امة / فيا شعر قد احسنت فاشدو أطرب
وليس بعقل المرء يكبر شعره / ولكن بما في روحه من تكهرب
وللشعر عين ماؤها متدفق / متى يأت من صيابة القلب يعذب
وكنت له جددت بين مخطئ / يعنفني في قرضه ومصوب
يؤنب في تجديدي الشعر صاحبي / فيا صاحبي بعد التفكر أنب
وقال أتلقي في الفسيل نظير ما / تراه على النخل الرفيع المشذب
أليس الجديد ابن القديم الذي شدا / به القوم بعد القوم من عهد يعرب
فقلت له ما انت للحق خاضع / واني لما تدلي به في تعجب
شعرنا بما لم يشعر القوم قبلنا / شعور السليل الناهض المتهذب
وان الجديد الغض في غفوانه / كبكر كعاب والقديم كثيب
ولست على العلات اجحد فضلهم / ولكنما تقليدهم غير معجبي
فكذبني للجهل فيما صدقته / واي صريح ماله من مكذب
وماذا عليّ اليوم والحق غايتي / اذا كان لا يرضى الجماهير مذهبي
ولا خير في شعر اريد انتقاصه / ولم يتحفز للدفاع ويغضب
انا اليوم من كر الحوادث اشيب / ولكن شعري لم يزل غير اشيب
ويا شعر انت اليوم اكبر مرشد / لمن ضل عن قصد الطريق الملحب
ويا شعر حرر ما تشاء من النهى / جزيئاً وبعد من تشاء وقرب
أبث شعوري فيك غيرمقلد / واعرض آمالي ورأيي ومذهبي
سلام اذا كان السلام يقرب
سلام اذا كان السلام يقرب / بعيدا تماريه النوى وتعذب
يقول بجنح الليل طيفك ضمني / فاني ليلى نفسها وهو يكذب
يراع صنانيد الكتابة كالعضب
يراع صنانيد الكتابة كالعضب / يدور عليه ما على الارض من حرب
وان لاقلام عن الحق ذادة / لضربا كما للمشرفية من ضرب
ورب بلاد اخر الجهل اهلها / فقاسى بها الاحرار خطبا على خطب
وكم من بريئ مبعد عن دياره / على غير ما جرم وفي غير ما ذنب
ولكن من في صدره قلب يونس / يدافع في اليوم العصبصب عن شعب
اذا انا لم اشهد لقومي تقدما / قضيت من اليأس المبرح بي نحبي
خلقنا عليها امة عربية / نحاول طياً للمسافات بالوثب
نريد من الايام مجدا مؤثلا / ولو كان ذاك المجد في مرتقى الشهب
خذوا المجد اما غيره ان لبسته / فليس سوى رسم بايدي البلى نهب
يرى بعضهم في الكذب منه سياسة / وما كل شعب يطمئن الى الكذب
لقد عاث في الحملان قبلا رعاتها / ويا رب راع كان شراً من الذئب
طويل على الايام عتبى بموطني / ولكنما الايام صم عن العتب
لقد نال من اخوانه الغريونس / حفاء الى ان قال مكتفياً حسبي
اذا كان عن عين المحبه راحلا / فما هو ممن يرحلون عن القلب
رعى الله هذا الحفل بالعين انه / حوى دارة حول الحفي من الصحب
تحف به الاصحاب من كل جانب / كما حفت العين البصيرة بالهدب
عرفت له في الموقف الصعب قدرة / ويعرف قدر المرء في الموقف الصعب
وبين قلوب الناس اما تماثلت / مبادئهم يوما طريق من الحب
له ثروة موفورة من خصاله / وما اكثر الاوراق في الفنن الرطب
هو العضب يحمى حق شعب اضاعه / من الجبن افراد وامضى من العضب
فتى عربي النجر يصبيك خلقه / ومن احسن الاخلاق في المرء ما يصبي
صريح لحزب الله في الارض ينتمي / واكبر بحزب الله في الارض من حزب
سيبقى نهار الناس ابيض مبصرا / وان حال دون الشمس سد من السحب
وللارض ارواح وشمس مضيئةض / فيا شمسها ذرى ويا ريحها هبى
اراد فريق بالعظام تشبها / واين الوطيئ المطمئن من الهضب
عزيز على اهل العراق جميعهم / فراق اخيهم يونس الكاتب الندب
وددت لو اني كنت يوم رحيله / اسير على الضعف الذي بي مع الركب
اذا شئت فابعد عن ذويك او اقترب / فانك موموق على البعد والقرب
ستلقى على كل البقاع حفاوة / وتنزل في كل البلاد على الرحب
واما احتفال الشعب هذا فانه / لعمري احتفال فيك بالنفس للشعب
يريد اناس ان تطأطئ ساكتا / عن الحق حتى يدفن الحق في الترب
وما الحر الا من يقول بجرأةض / ويمشي مع الاحداث جنبا الى جنب
وان الحجا الوقاد في ذي زعامة / سراج يدل التهائهين على الدرب
اذا هددوا بالنفي يونس او نفوا / فلست ترى في وجهه اثر الرعب
فما صد عن نصر الحقيقة يونسا / وعيد ولا نحاه وعد عن الذب
اذا لم يحرر كاتب عن عقيدة / فليس لفتق في السياسة من رأب
اقول لجيران لنا لا تبجحوا / فنحن سواء في المصيبة والكرب
بنو العرب في العصر الاخير لنفسهم / اشد عداء او قلى من بني العرب
واكبر خصم للعروبة ولدها / فيا اسفي في كل يوم على العرب
ولم يتولد بعد في العرب مصلح / ولكنه بين الترائب والصلب

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025