المجموع : 9
بلغتُ بحمد الله ما أنا طالبُ
بلغتُ بحمد الله ما أنا طالبُ / زماناً وهنَّتني لديكَ المطالبُ
فأصبحتُ لا أرجو سوى ما رجوتهُ / مراماً وما لي في سواكَ مآربُ
وقد كنت من غيظي على الدهر عاتباً / فما أنا في شيءٍ على الدهر عاتبُ
لئن كانَ قبلَ اليوم والأمس مُذنباً / فقد جاءَني من ذنبه وهو تائبُ
وجدتُ بك الأيام مولاي طلقةً / وسالمني فيك الزمان المحاربُ
وقد شِمتُ من جدواكَ لي كلَّ بارقٍ / ونوؤك مرجوٌّ وغيثُك ساكبُ
فلا الأملُ الأقصى البعيدُ بنازحٍ / لديَّ ولا وجهُ المطالب شاحبُ
وهل تنجح الآمالُ وهي قصيَّة / وتبلغُ إلاَّ في نداكَ الرغائبُ
لقد حَسُنَتْ فيك الرعيَّة بعدما / أساءَت إليها بالخطوب النوائبُ
وألهمتها فيما تصدَّيتَ رشدَها / ألا إنَّ هذا الرشدَ للخير جالبُ
كففتَ يدَ الأشرار من كلِّ وجهةٍ / فلا ثمَّ منهوبٍ ولا ثمَّ ناهبُ
ومن لوزير قلَّد الأمر ربَّه / نظيرك شيخاً حنكته التجاربُ
بصيرٌ بتدبير الأمور وعارفٌ / بمبدئِها ماذا تكون العواقب
أذلَّ بكَ الأخطارَ وهي عزيزة / فهانتْ عليه في علاك المصاعب
تريه صباح الرأي والأمر مُبهم / فتنجاب من ليلِ الخطوب الغياهبُ
ألَنْتَ له في قسوة البأس جانباً / فلانَ له في قسوة البأس جانبُ
فأصبح لم يعرض عن الناس لطفه / ويحضر فيهم بأسه وهو غائبُ
وبأسكَ لا البيض الصوارم والقنا / وجودك لا ما تستهلُّ السحائبُ
وما زلت حتَّى يدرك المجد ثأرَهُ / وتُشْرِقُ في آفاقهنَّ المناقبُ
بأيديك سحرُ الخطّ لا الخطّ تنثني / فتثني عليها المرهفات القواضبُ
تخرُّ لك الأقلام في الطرسِ سُجَّداً / لما أنتَ تمليه وما أنتَ كاتبُ
إذا شئت كانت في العداة كتايباً / وهيهات منها إذ تصولُ الكتايبُ
تقرّط آذان الرجال بحكمةٍ / حكتها اللئالي رونقاً أو تقاربُ
متى أفرِغتْ في قالب الفكر زيَّنتْ / وزانت من الألباب تلك القوالب
بهنَّ غذاء للعقولِ وشِرْعَةٌ / تسوغ وتصفو عندهنَّ المشاربُ
تصرَّفتَ في حلوِ الكلام ومرِّهِ / فأنتَ مُجِدٌّ كيف شئتَ ولاعبُ
ذَهَبْتَ بكلٍّ منهما كلَّ مذهب / ذهاباً وما ضاقت عليك المذاهبُ
فمن ذكر وجدٍ يسلب المرءَ لبَّه / على مثله دمع المتيَّم ذائبُ
ومن غَزَلٍ عَذب كأنَّ بُيُوته / مسارحُ آرام النقا وملاعبُ
وفي الباقيات الصالحات مثوبة / من الله ما يبدو من الشمس حاجبُ
دَمَغْتَ بها من آل حربٍ عصابةً / تناقشهم في صنعهم وتحاسبُ
تناقَلَها الركبانُ عنك فأَصبحت / تُجابُ بها أرض وتطوى سباسبُ
مغيظاً من القوم الذين تقدَّمت / لهم في المخازي الموبقات مكاسبُ
غضبت بها لله غير مَداهنٍ / وغيركَ يخشى كاشحاً ويراقبُ
مواهب من ربٍّ كريمٍ رُزِقْتَها / وما هذه الأشياء إلاَّ مواهبُ
أروح أجرُّ الذيل أسحب فضله / وإنِّي لأذيال الفخار لساحبُ
بمن لم يقم في الأكرمين مقامه / ولا نابَ عنه في الحقيقة نائبُ
فقد وجدت بغداد والناس راحةً / وقد أَتْعَبَتْها قبل ذاكَ المتاعبُ
قضى عمري طال في العزِّ عمره / أقاربه مسرورة والأجانبُ
وإن قلتُ ما جاء العراق ولا نرى / نظيراً له فينا فما أنا كاذبُ
بنادرة الدُّنيا وفرحةِ أهلها / أضاءَت لنا أقطارها والجوانبُ
أمولاي ما عندي إليك وسيلة / تقرّبني زلفى وإنِّي لراغبُ
محاسنُ شعري ما إذا أنا قستها / بشعرك والإِنصاف فهي مثالبُ
وإنِّي مع الإِطناب فيك مقصِّرٌ / وإن كانَ شعري فيك ممَّا يناسبُ
أهنِّيكَ فيه مَنصِباً أنت فوقَه / بمرتبة لو أنصفتك المراتبُ
فإنَّك شرَّفتَ المناصبَ كلَّها / وما أنتَ ممَّن شرَّفَتْهُ المناصبُ
وَهَنَّيْت نفسي والعراق وأهلَهُ / وكلَّ امرئ أهل لذاك وصاحبُ
وزفَّت إليه كلَّ عذراء باكرٍ / كما زفَّت البيضُ الحسانُ الكواعبُ
قوافٍ بها نشفي الصدورَ وربَّما / تَدبُّ إلى الحسَّاد منها عقاربُ
شكرتُكَ شكر الروض باكره الحيا / وشكرك مفروض ومدحك واجبُ
وليسَ يفي شعري لشكرك حقَّهُ / ولو نُظمتْ للشعر فيك الكواكبُ
وممَّا حباهُ الله من طيِّب الثنا / مشارقها مملوءة والمغاربُ
وكلِّي ثناء في علاك وألسن / إذا كنت ممدوحي وأنت المخاطبُ
وإنِّي لأبدي حاجةً قد حجبتُها / إليك وما بيني وبينك حاجبُ
سواي يروم المالَ مكترثاً به / ويرغبُ في غير الذي أنا راغبُ
وإنَّك أدرى الناس فيما أريده / وأعلمهم فيما له أنا طالبُ
وكيف وهل يخفى وعلمك سابق / بمطلبي الأسنى وفكرك ثاقبُ
فلا زلتَ طلاَّع الثنايا ولم تزلْ / تطالعني منك النجوم الغواربُ
أسيرُ وقد جازت بنا غاية السُّرى
أسيرُ وقد جازت بنا غاية السُّرى / ولاحت خيام للحمى وقبابُ
سوابحُ في بحر السراب كأنها / بغارب أمواج السراب حباب
تحنّ إلى أيام سلعٍ ورامةٍ / وما دونها في السالفات قراب
إذا خوطبت في ذكر أيامها الألى / ثناها إلى الوجد التليد خطاب
كأن حشاها من وراء ضلوعها / تقاطر من أجفانها وتذاب
وعاتبت الأيام فيما قضت به / وهل نافع منك الفؤاد عتاب
إلى الشيخ عبد القادر العيس يمَّمت / فتمَّ لها أجر وحق ثواب
وما لسوى آل النبيّ محمّدٍ / تحثّ المطايا أو يناخ ركاب
كأنَّ شعاع النور من حضراتهم / تشق حشا الظلماء فهي حراب
عليها من الأنوار ما يبهر النهى / وينصل فيها للظلام خضاب
يراها بعيني رأسه كل ناظر / وما دونها للناظرين حجاب
فلله قبر ضمّ أشرفَ راقدٍ / لديه كما ضم الحسام قراب
جناب مريع عظم الله شأنه / فجلَّ له قدر وعز جناب
تصاغر كبَّار الملوك جميعها / بحضرة باز الله فهي ذباب
ويستحقر الجبار إذ ذاك نفسه / فيرجو إذا ما راعه ويهاب
قصدناك والعافون أنت ملاذهم / وما قصدوا يوماً علاك وخابوا
تلين الرزايا في حماك وإن قست / وكم لان منها في حماك صلاب
بك اليوم أشياخ كبار تضرعوا / إلى الله فيما نابهم وأنابوا
على فطرة الإسلام شبت وشيَّبت / مفارقهم سود الخطوب فتابوا
قد استعبرت أجفانهم منك هيبة / ومالت لهم عند الضريح رقاب
يمدون أيدي المستميح من الندى / وما غير إعطاء المرام جواب
تُنال بك الآمال وهي بعيدة / وتقضى بك الآمال وهي صعاب
وأنَّى لنا يا أيها الشيخ جيئة / إلى بابك العالي وليس ذهاب
إلى أن ترينا الخطب منفصم العرى / وللأمن من بعد النزوح إياب
وحتى نرى فيما نرى قد تقشعت / غيوم غموم واضمحل ضباب
إلام نعاني غصةً بعد غصةٍ / ونرمى بأسهام الأذى ونصاب
أبا صالح قد أفسد الدهر أمرنا / وضاقت علينا في الخطوب رحابُ
وتالله ما ننفكّ نستجلب الرضى / علينا من الأيام وهي غضاب
وتعدو كما تعدو الذئاب صروفها / علينا وأحداث الزمان ذئاب
وإنا لفي دهر تسافل بعدما / أقيم مقام الرأس فيه ذناب
فوا عجباً مما نراه بجيله / وأكثر أحوال الزمان عجاب
يذاد عن الماء النمير ابن حرة / وللنذل فيها مورد وشراب
وتعلو على أعلى الرجال أراذل / وتسطو على ليث العرين كلاب
فلا خير في هذي الحياة فإنها / عقاب وما لا تشتهيه عقاب
حياة لأبناء اللئام وجودها / نعيم وللحر الكريم عذاب
إلى الله مما نابنا أيّ مشتكى / ولله ما نُرمى به ونصاب
إذا ما مضى عنا مصاب أهالَنا / دهانا مصاب بعده ومصاب
وأحداثُ أيام تشبُّ ولم تَشِبْ / كأن لم يكن قبل المشيب شباب
تَشُنُّ علينا غارة بعد غارة / فنحن إذاً غُنمٌ لها ونهاب
فيا آل بيت الوحي دعوة ضارع / إلى الله يدعو ربه ويجاب
صلاح ولاة الأمر إن صلاحهم / يعود علينا والفساد خراب
بحيث إذا راموا الإساءة أقلعوا / أو اجتهدوا فيما يَسُرُّ أصابوا
مواردكم للحائمين كأنها / موارد من قطر الغمام عذاب
وهل ينبغي الظمآن من غير فضلكم / وُروداً وماء الباخلين سراب
نعفّر منا أوجهاً في صعيدكم / عليهنّ من صبغ المشيب نقاب
فلا دونكم للقاصدين مقاصد / ولا بعدكم للطالبين طلاب
مفاتيح للجدوى مصابيح للهدى / فأيديكم في العالمين رغاب
بكم يرزق الله العباد وفيكم / تنزَّل من رب السماء كتاب
وأنتم لنا في هذه الدار رحمة / إذا مسَّنا فيها أذىً وعذاب
ومن بعد هذا أنتم شفعاؤنا / إذ كانت الأخرى وقام حساب
لأعتابكم تزجى المطي ضوامراً / وتطوى فلاة قفرة ويباب
إذا كنتم باب الرجاء لطالب / فما سد من دون المطالب باب
رُمينا بأدهى المعضلات النوائب
رُمينا بأدهى المعضلات النوائب / وفقدُ الذي نرجو أجلُّ المصائب
وغائب قوم لا يرجّى إيابه / وما غائب تحت التراب بآيب
نؤمِّل في الدنيا حياةً هنيَّةً / وما نحن إلاَّ عرضة للمصائب
ونَغْتَرُّ في برق المنى وهو خُلَّبُ / وهيهات ما في الآل ماءٌ لشارب
نصدّقُ آمالاً محالاً بلوغها / ومن أعجب الأشياء تصديق كاذب
تسالِمُنا الأيام والقصد حَرْبُنا / وما هي إلاَّ خدعة من محارب
ونطمع أن تبقى ويبقى نعيمُها / فلم يبق منها غير حسرة خائب
فلا تحسبنّ الدهر يوفي بعهده / أبى الله أن يرعى ذماراً لصاحب
وإنَّ الليالي لا تدوم بحالة / وهل تترك الأحداث كسباً لكاسب
يروقك منها ما يسوؤك أمرها / وإنَّ الردى ما راق من حد قاضب
وجود الفتى نفس الحمام لنفسه / فلولاه لم يسلك سبيل المعاطب
وتسعى به أنفاسُه لحمامه / وكم أصبح المطلوب يسعى لطالب
كأنَّا من الآجال وهي كواسر / من الأسد الضرغام بين المخالب
ولا يدفعُ السيفُ المنيَّةَ والقنا / وتمضي سيوف الله من غير ضارب
وكلٌّ لمطلوب الردى وهو لاعب / كأنَّ المنايا لا تجدُّ بلاعب
فمن لفؤاد راعه فقد إلْفِهِ / فأصبح من أشجان نهب ناهب
وجفن يهلُّ الدمع من عبراته / على طيّب الأعراق وابن الأطايب
على عمر الرماضان ذي الفضل والنهى / أحاطت بي الأحزان من كلِّ جانب
أذَبْتُ عليه يوم مات حشاشتي / وأمسيت في قلبٍ من الحزن ذائب
بكيت وما يجدي الحزين بكاؤه / وضاقت علينا الأرض ذات المناكب
فتىً كانَ فينا حاضراً كلَّ نكبة / فغاب ولكن ذكره غير غائب
تذكّرُني آثاره بفعاله / فأبكي عليها بالدموع السواكب
صبور على البلوى غيور إذا انتخى / جميل السجايا الشمِّ جمّ المناقب
وما زال بالآداب والفضل مُفْعَماً / ولكنَّه إذ ذاك صفر المصائب
وقد كانَ مثل الشهد يحلو وتارة / لكالصلِّ نَفَّاثاً سموم العقارب
وكم أخبر التجريبُ عن كنه حاله / ويَظْهَرُ كَنهُ المرء عند التجارب
لسان كحدّ السيف ماضٍ غرارُه / وأمضى كلاماً من شفار القواضب
وكم صاغ من تبر القريض جمانة / وأفرغ معناها بأحسن قالب
وزانت قوافيه من الفضل أفْقه / فكانت كأمثال النجوم الثواقب
وأدرك فضلَ الأوَّلين بما أتى / فقصَّر عن إدراكه كلُّ طالب
معانٍ بنظم الشعر كانَ يرومها / أدقّ إذا فكرت من خصر كاعب
لوى ساعد المجد المنون من الورى / بموت أشمٍّ من لؤي بن غالب
فتىً كانَ يصميني الرَّدى في حياته / ولما توفيّ كانَ أدهى مصائبي
فتىً ظَلت أبكي منه حيًّا وميّتاً / أصبْتُ على الحالين منه بصائب
رَعَيْتُ له من صحبة كلَّ واجب / ولو أن حيًّا ما رعى بعض واجبي
سقى الله قبراً مزنة الحيا / وبُلّغَ في الجنَّات أعلى المراتب
ولا زال ذاك القبر ما ذَرَّ شارق / تجود عليه ذاريات السحائب
ألا يا شهاب الدِّين صبراً على الأسى / وليس يهون الصعب عند الصعائب
نعزيك بالقربى على كل حالة / وفي عزّ ربّ المجد عزّ الأقارب
فإنك أرعى من عليها مودة / وإنك أوفى ذمةً للمصاحب
وإنك ممن يهتدى بعلومه / كما يهتدي الساري بضوء الكواكب
عن البحر عن كفيك نروي عجائباً / ولا حَرَجٌ فالبحر مأوى العجائب
إذا كنتَ موجوداً فكلّي مطامع / ونيل الثريا من أقلِّ مآربي
سُؤالُكِ هذا الربعَ أين جَوابُهُ
سُؤالُكِ هذا الربعَ أين جَوابُهُ / ومن لا يعي للقول كيف خطابُهُ
وقفتِ وما يغنيكِ في الدار وقفة / سقى الدار غيث مستهل سحابُهُ
غناؤكِ في تلك المنازل ناظر / بدمع توالى غربُه وانسكابه
إلى طلل أقوى فلم يك بعدها / بمغنيك شيئاً قربه واجتنابه
ذكرتِ كأيام الشبيبة عهده / وهل راجع بعد المشيب شبابه
وقد كانَ ذاك العيش والغصن ناعم / يروق ويصفو كالرحيق شرابه
وجدت لقلبي غير ما تجدينه / أسىً في فؤادي قد أناخ ركابه
يفض ختام الدمع يا ميَّ حسرة / ذهاب شباب لا يرجّى إيابه
ودهرٍ أعاني كل يوم خطوبه / وذلك دأبي يا أميم ودأبه
مسوقٌ إلى ذي اللب في الناس رزؤه / ووقفٌ على الحر الكريم مصابه
وحسبك مني صبر أروع ماجد / بمستوطن ضاقت بمثلي رحابه
يبيتُ نجيَّ الهم في كل ليلة / يطول مع الأيام فيها عتابه
قضى عجباً منه الزمان تجلُّداً / وما ينقضي هذا الزمان عجابه
تزاد عن الماء النمير أسوده / وقد تلغ العذب الفرات كلابه
ألم يحزن الآبي رؤوس تطامنت / وفاخر رأس القوم فيها ذنابه
وأعظِمْ بها دهياء وهي عظيمة / إذا اكتنف الضرغامَ بالذل غابه
متى ينجلي هذا الظلام الَّذي أرى / ويكشف عن وجه الصباح نقابه
وتلمع بعد اليأس بارقة المنى / ويصدق من وعد الرجاء كذابه
ومن لي بدهر لا يزال محاربي / تُفلُّ مواضيه وتنبو حِرابُهُ
عقور على شِلوي يعضُ بنابه / وتعدو علينا بالعوادي ذئابه
رمته الروامي بالسباب مذمَّة / وما ضرّ في عِرضِ اللئيم سبابُه
تصفحت إخواني فلم أر فيهمُ / قويماً على نهج الوفاء اصطحابه
أفي الناس لا والله من في إخائه / تُشدُّ على العظم المهيض عصابه
يساورني كأس الهموم كأنّما / يمجُّ بها السمَّ الزعاف لعابه
وأبعد ما حاولت حرًّا دنوُّه / دنوك مما يرتضي واقترابه
نصيبك منه شهده دون صابه / إذا كانَ ممزوجاً مع الشهد صابه
يريك الرضا والدهر غضبان معرض / وترجوه للأمر الَّذي قد تهابه
ورأيك ليست في المشارع شرعة / ولا منهل عذب يسوغ شرابه
وما الناس إلاَّ مثلما أنت عارف / فلا تطلبنَّ الشيء عز طلابه
بَلَوتُ بهم حلوَ الزمان ومرَّه / فسيّان عندي عذبه وعذابه
كأنّي أرى عبد الغني بأهله / غريب من الأشراف طال اغترابه
يميّزه عنهم سجايا منوطة / بأروع من زهر النجوم سخابه
ثمين لئالي العقد حالية به / من الفضل أعناق الحجى ورقابه
إذا ناب عن صرب الغمام فإنه / إذا لم يصب صوب الغمام منابه
تألق فانهلّت عزاليه وارتوى / به حزن راجيه وسالت شعابه
أتعرف إلاَّ ذلك القرم آبياً / على الدهر يقسو أو تلينُ صلابه
تسربل فضفاض الأبوة كلَّها / وزُرَّت على الليث الهصور ثيابه
ولم ينزل الأرض الَّتي قد تطامنت / ولو أن ذاك الربع مسكاً ترابه
لقد ضربت فوق الرواسي وطنَّبَتْ / على قُلَل المجد الأثيل قبابه
فأصبحتِ الشُّم العرانين دونه / وحلَّق في جوّ الفخار عُقابه
أبى الله والنفس الأبيَّة أن يُرى / بغير المعالي همُّه واكتئابُه
فدانت له الأخطار بعد عتوِّها / وذلّت له من كل خطب صعابه
ولو شاء كشف الضرّ فرّق جمعه / وما فارق العضبَ اليماني قرابه
ومجتهدٍ في كلّ علم أبيّةٍ / فلا يتعداها لعمري صوابه
بفكرٍ يرى ما لا يرى فكر غيره / يشقّ جلابيب الظلام شهابه
مقيم على أنْ لا يزال قطاره / يصوب وهذا صوبه وانصبابه
وإمّا خلا ذاك الغمام فمقلع / وعمّا قليل يضمحل ضبابه
وناهيك بالندب الَّذي إنْ ندبته / كفاك مهمّات الأمور انتدابه
ذباب حسام البأس جوهر عضبه / وما الصارم الهندي لولا ذبابه
عليم بما يقني الثناء وعامل / وداعٍ إلى الخير العظيم مجابه
إذا انتسب الفعل الجميل فإنَّما / يكون إلى رب الجميل انتسابه
هل الفضل والإحسان إلاَّ صنيعة / أمْ الحمد والشكران إلاَّ اكتسابه
وإنّي متى أخليتُ من ثروة الغنى / وأغلق من دون المطامع بابه
بدا لي أن أعشو إلى ضوء ناره / وأصبو إلى ذاك المريع جنابه
فأصدرني عنه مصادر وارد / من اليمّ زخّار النوال عبابه
وأصبحُ مرموق السعادة بعدما / خَلَتْ ثُمَّ لا زالت ملاءً وطابه
إذا ذهب المعروف في كل مذهب / إليك برغم الحادثات مآبه
فلست تراني ما حييت مؤملاً / سواك ولم يعلق بي النذل عابه
ولا مستثيباً من دنيٍّ مثوبةً / حرام على الحرِّ الأبيّ ثوابه
وغيرك لم أرفع إلى شيم برقه / ولا غرّني في الظامئين سرابه
أُعالجُ قلباً في هواكم معذَّبا
أُعالجُ قلباً في هواكم معذَّبا / وأصبو إليكم كلَّما هبّتِ الصَّبا
وأطوي على حَرِّ الغرام جوانحاً / تلهَّبُ في نيران وجدي تَلهُّبا
يؤنّبني اللاّحون فيك ولم أكن / لأسْمَعَ في الحبّ العذول المؤَنِّبا
وأرّقني يا سعد برقٌ أشيمه / يزرّ على الأكناف برقاً مذهبا
شجاني فأبكاني وأطربَ مَسْمَعي / حمامٌ بذات البان غنّى فأطربا
وذكَّرني والدار منها قصيّة / على النأي سعدى والرباب وزينبا
بحيث الهوى غضٌّ وبرد شبابنا / قشيب وعهد اللهو في زمن الصبا
يُدارُ علينا من دم الكرم قهوة / فنشرب ترياق الهموم المجرّبا
وتُهدى إلينا في الكؤوس نوافجاً / من المسك أو أذكى أريجاً وأطيبا
إذا زفّها الساقي لشربٍ تبسَّمت / به طرباً حتَّى يروح مقطّبا
ويا رُبَّ ليلٍ رُحتُ فيه مع المها / بقصّة أشواق يكون لها نبا
تُلاعبُ أنفاس النسيم إذا سرى / على جلّنار الخدّ صدغاً معقربا
ألَمْ تنظر الأيام كيف تبدَّلَتْ / بنا ورخاء العيش كيف تَقَلَّبا
فلم أستطبْ يا سعد مرعىً أرودُه / مريعاً ولم أستعذبِ اليوم مشربا
بربّكما عوجا على الربع ساعةً / وإنْ كانَ قد أقوى دروساً وأجدبا
لئن لَعِبت فيه السوافي وبرّحت / فقد كانَ قبل اليوم للسِّرْب مَلْعبا
فواهاً على ظلّ الأراكة في الحمى / وواهاً على الحيِّ الَّذي قد تصبَّبا
أطعتُ الهوى ما إنْ دعاني له الهوى / ولما دَعَوتُ الصَّبر يومئذٍ أبى
وما زال يوري زندُه لاعجَ الحشا / فما باله أورى الفؤاد وما خبا
أُعلِّلُ نفسي بالتلاقي وبيننا / حزونٌ إذا يجري بها خاطري كبا
ولو أنَّ طيفَ المالكيّة زارني / لقَلْتُ له أهلاً وسهلاً ومرحبا
وإنْ نَقَل الواشي لظمياء سلوةً / فما صَدَقَ الواشي بذاك وكذّبا
تُؤاخذُني الأيامُ والذنب ذنبها / على غير ما جُرمٍ وما كنت مذنبا
فيا ويحَ نفسي ضاع عمري ولم أفُزْ / بِحُرٍّ ولا أبْصَرْتُ خِلاًّ مهذبا
ويُقْعِدُني حظّي عن النيل إنْ أرُمْ / مَراماً وإنْ أطلبْ من الدهر مطلبا
ولم يُجْدِني إرهافي العزمَ في المنى / وما حيلتي بالصارم العضب إنْ نبا
وما بَرِحَتْ تملى على الدهر قِصَّتي / فتملأُ أفهام الرجال تعجُّبا
وتزهو بأمداح النّقيب قصائدي / بأحْسَنَ ما تزهو بأزهارها الرّبا
بأبلجَ وَضّاح الجبين كإنَّه / إذا لاح في ضوء النهار تنقّبا
كريمٌ براه الله أكرمَ من بَرا / وأَنْجَبُ من ألْفَيْتَ في النَّاس منجبا
لقد طابَ عرقاً في الكرام ومنبتاً / وما زال عرقُ الهاشميين طيّبا
لتسمُ بنو السادات من آل هاشم / بأنجبهم أُمًّا وأشرفهم أبا
وأحلاهمُ في وابل الجود صيّباً / وأعلاهمُ في قُلَّة المجد منصبا
أتانا بأبكارِ المناقب سيِّدٌ / فأبْدَعَ فيما جاءَ فيه وأغربا
وأغْضَبَ أقواماً وأرضى بما أتى / ومن نال ما قد نال أرضى وأغضبا
وخُيِّر ما بين المذاهب في العُلى / فما اختار إلاَّ مذهب الفضل مذهبا
تحبَّبَ بالحسنى إلى النَّاس كلِّهم / ومن جُملة الإحسان أنْ يتحبَّبا
وأظهرَ فيه الله أسرارَ لُطفِهِ / وقد كانَ سِرًّا في الغيوب محجّبا
لك الله مَنْ طار الفخار بصيته / فَشَرَّقَ في أقصى البلاد وغرَّبا
ومن راح يستهديك للجود والندى / رآك إلى الخيرات أهدى وأصوبا
تقَلَّبَ في نعمائك الدهر كلّه / وما زلتُ في نعمائك المتقلبا
وجدّك لم أُبصِرْ سواك مُؤَمِّلاً / ولا من إذا ما استوهب المال أوهبا
إذا لم أجد لي للثراء مسبّباً / وجَدْتُك في نيل الثراء المسبّبا
وقد شمت برقاً من سحابك ممطراً / وما شمت برقاً من سحابك خلّبا
وإنِّي لأستسقي نوالك ظامئاً / فلم أرَ أمْرى منه شيئاً وأعذبا
ولي قلمٌ يملي عليك إذا جرى / وترجمَ عمّا في الضَّمير وأعربا
فيا قمراً في طالع السعد نيّراً / ويا فلكاً بالمكرمات مكوكبا
لقد جاءني شهرُ الصيام بموكب / من العسر لا شاهدت للعسر مركبا
وشوَّشني لما بدا بقدومِه / ولم أرَ لي أمراً لذاك مرتّبا
فلو أنَّ شهرَ الصَّوم طاف بمنزلي / تبسَّم مما راعه وتعجّبا
وأبْصرَ داراً لو ثوى الخير ساعة / بها لنأى عن أهلها وتغرّبا
ويا طالما وافى على حين غفلة / فأصْبَحْتُ منه خائفاً مترقبا
وجرّبته في كل عام بغصّة / ومثلي من ساس الأمورَ وجرّبا
ولمَّا رأيتُ الهمَّ جاز لي المدى / إلى أن رأيتُ السيل قد بلغ الزبى
وقد أتْعَبَتْني ما هنالك فاقةٌ / ومن كانَ مثلي أتْعَبَتْه وأتعبا
وقد حَمَلتْني حاجة لو كفيتها / غدوت له عن ثروة متأهبا
ركِبْتُ بها الآمال وهي خطيرةٌ / ولو لم يكن غيرُ الأسنّة مركبا
وما خاب ظنِّي في جميلك قبلَها / وما كنتَ للظنِّ الجميل مخيّبا
أَحِبَّتَنا أَنتُم على السُّخط والرّضا
أَحِبَّتَنا أَنتُم على السُّخط والرّضا / وفي القلب منكُم لوعةٌ ووجيبُ
ذكرناكم والدَّمع ينهلّ والحشا / تذوبُ وأَجفانُ المشوق تصوب
فطارَ بنا شوق إليكم مُبَرّحٌ / له زفرةٌ توري جوًى ولهيب
ركبْنا إليكم ظهرَ كلّ مخوفةٍ / ترامى بنا أهوالها وتجوب
وينظرنا منها وللهول ناظر / جَلوبٌ لآجال الرِّجال مهيب
وخُضْنا ظَلامَ اللَّيل واللَّيل حالك / بهيمٌ وفي وجه الخطوب قطوب
وجِئنا فلم نظفر لديكم بطائل / ولا نِيل حظٌّ منكم ونصيب
وَفَيْنا على صدق الهوى وغدرتمُ / وفزتُمْ لدينا بالجوى ونخيب
فمُنُّوا علينا بعدها بزيارةٍ / بها العيش يصفو والحياة تطيبُ
ولا تمنعونا نظرةً من جمالكم / فيرتاح قلبٌ أو يُسَرُّ كئيب
وإلاّ فَرُسْلُ الشَّوق تبعثُ كلَّما / تَهُبُّ شمال بيننا وجنوب
على مثلنا لو تنصفونا بحبِّكم / تُشَقُّ قلوبٌ لا تشقّ جيوب
وتظهر أسرار وتبدو لواعج / ويشكو محبٌّ ما جناه حبيب
أَحِنُّ إليكم والهوى يستَفِزُّني / كما حنَّ نائي الدَّار وهو غريبُ
وأطرب في ذكراكم ما ذُكِرتُم / وإنِّي على ذكراكم لطروب
ويومَ وقفْنا دون أسْنِمة النَّقا
ويومَ وقفْنا دون أسْنِمة النَّقا / وقد كانَ يومٌ يا هُذَيم عصيبا
على طلل ظامٍ إلى ريِّ أهْله / تَصُبُّ عليه الماقيانِ ذنوبا
ولما تَلَفَّتْنا فلم نَرَ أنجماً / هنالك إلاَّ قد غربن غروبا
وكلّ فؤاد من رفاقي وأنيقي / تطالب من تلك الرسوم حبيبا
وقد رُدَّ طرفُ الركب بعد طموحه / حَسيراً وقلبُ المغرمين كئيبا
شَقَقْنَ عليهنّ القلوب تأسّفاً / إذا ما شَقَقْنَ الثاكلات جيوبا
وقد أخَذَتْ منا الديار نصيبها / من الدَّمع والجفن القريح نصيبا
وحنَّتْ نياق الركب حتَّى وجدتني / وَجَدْتَ لها تحت الضلوع لهيبا
ولم أدرِ يوم الجزع في ذلك الحمى / فَقَدْنَ حَبيباً أم فقدن قلوبا
أتَتْنا من الزّوراء منكم قصيدةٌ
أتَتْنا من الزّوراء منكم قصيدةٌ / فجاءتْ بأبيات يَرُقْنَ عذابا
فَسرَّت عُيونَ الناظرين وشنَّفَت / مسامعَ أرباب الكمال خطابا
وأصْبَحتِ الفيحاء مفتخراً بها / وقد أظهرت للعارفين عجابا
فما برحت تتلى على كلّ فاضل / وتكشِفُ عن وجه الجمال نقابا
فجوزيت يا مولاي خيراً فقد غدت / أياديك عندي في الجميل رغابا
تدير على الأرواح كأساً رويّةً / فنشرب منها ما يسوغ شرابا
وهيّجت أشواقي إليك ولوعتي / وها أنا فيها قد عزمت إيابا
سأرسل بعد اليوم في كلّ مركب / إليك سلامي جيئة وذهابا
ويشغلني فيك الثناء ولم يكن / سكوتي عن ذاك الجواب جوابا
ولو كنت تدري ما الَّذي عنك عافني / عذرتَ وما أوْرَدْتَ منك عتابا
سقى الله هذا القبرَ من صيّب الحيا
سقى الله هذا القبرَ من صيّب الحيا / وصُبّ عليه كلّ يوم مَصابُه
به حلَّ ذو علم وفهم وحكمة / وأمسى إلى الربّ الكريم ذهابُه
ومعروفٌ الكرخيُّ مذ كانَ جارَه / فأشرقَ فيه ما هناك ترابه
بشهر ربيع الآخر ارتاح أو مضى / وأصبحَ في أعلى الجنان جنابُه
وكان بعلم الطبّ أعلمَ عالِمٍ / وللعَسكر المنصور كانَ انتسابُه
لقد فاز بعد الموت بالعفو والرضا / من الله يوفى عفوَه وثوابُه
وآبَ إلى جنَّات عدنٍ فأرِّخوا / عليٌّ بجنَّات الخلود مآبه