المجموع : 3
أرى الدَّهر أغنى خَطْبُه عن خِطابه
أرى الدَّهر أغنى خَطْبُه عن خِطابه / بوَعظٍ شفى ألبابَنا بلُبابه
وجرَّد سيفاً في ذُباب مَطامعٍ / تهافتَ فيها وهي فوق ذُبابه
له قلبٌ تهدي القلوب صَوادِياً / إليها وتَعمى عن وشيك انقلابه
هو اللَّيثُ إلاّ أَنَّه وهو خادِرٌ / سطا فأَغاب الليثَ عن أُنس غابه
إذا جال أَنساكَ الرِّجالَ بظُفره / وإنْ صال أنساكَ النِّصال بنابه
فكم من عروشٍ ثلَّها بشُبوبه / وكم من جيوشٍ فلَّها بشبابه
ومن أُمَمٍ ما أُوزِعَتْ شُكرَ عَذبه / فصبَّ عليها الله سَوطَ عذابه
وأشهد لمْ تسلَمْ حلاوة شُهده / لِصابٍ إليه من مَرارة صابه
مُبيدٌ مَباديه تَغُرُّ وإنَّما / عواقبه مختومةٌ بعِقابه
ألَمْ ترَ مَن ساس الممالكَ قادراً / وسارت ملوك الأرض تحت رِكابه
ودانت له الدُّنيا وكادت تُجِلُّه / على شُهْبِها لولا خُمودُ شِهابه
أَليس أتاه كالأتِيِّ حِمامُه / وفاجأَه ما لم يكن في حِسابه
ولم يخش من أعوانه وعُيونه / ولا ارتاع من حُجّابه وحِجابه
لقد أسلمتْه حِصْنُه وحَصونه / غداةَ غدا عن كَسبه باكتسابه
فلا فِضَّةٌ أنجتْهُ عند انقضاضه / ولا ذَهَبٌ أنجاه عند ذَهابه
فحَلَّتْ شِمالُ الحَيْنِ تأليف شَمله / وعَفَّت جُنوب البين إلْفَ جنابه
وغُودِرَ شِلواً في الضَّريح مُلحَّباً / وحيداً إلى يوم المآب لما به
يترجِمُ عنه بالفَناء فِناؤه / وما أَوْحشَتْ من سُوحِه ورِحابه
وعرِّجْ على الغَضِّ الشَّباب برَمسِه / وسائلْه عن صُنع الثَّرى بشَبابه
ففي صَمته تحت الجُيوب إشارةٌ / تُجيب بما يُغني الفتى عن جوابه
سلا شخصَه وُرّاثُه بتُراثه / وأَفْرَده أترابُه في تُرابه
وأعجَبُ من دهري وعُجْبُ ذوي الفَنا / لعَمرُكَ فيه من عجيب عُجابه
وحتّى متى عَتبي عليه ولم يزَلْ / يَزيد أذى مَن زادَه في عِتابه
إذا كنتُ لا أخشى زئير سِباعه / فحتّامَ يُغري بي نَبيحَ كِلابه
يُناصبُني مَن لا تَزيد شهادة / عليه سوى بُغضي بلؤم نِصابه
إذا اغْتابَني فاشْكُرْهُ عنّي فإنَّما / يُقَرِّظُ مِثلي مِثلُه باغتيابه
ويرتاب بالفضل الذي غمرَ الورى / وفي بعضه لو شئتَ كَشفُ ارتِيابه
ويَنحَس شِعري إنْ دبَغْتُ إهابهُ / بهَجوي فقد نزَّهْته عن إهابه
سلامٌ كأنفاس الرِّياضِ يَشوبُها
سلامٌ كأنفاس الرِّياضِ يَشوبُها / قَسيمةُ عِطرٍ تحتَ قَطرٍ يَصوبُها
يجُرُّ النَّسيمُ الرَّطْبُ فيها ذُيولَهُ / جزاءً بما زُرَّتْ عليه جُيوبُها
ويَخطِرُ في وادي الخُزامَى مُضَمَّناً / أزاهيرَ منه قد تضاعفَ طِيبُها
فبالعَرْفِ من دارِيْنَ عن نفَحاته / حديثٌ إذا الأرواحُ نَمَّ هُبوبُها
على المجلس السّامي السَّديديّ إنَّني / لَرَاوي مَزايا مَجده وخطيبُها
على مَجلسٍ تَهوى النُّفوسُ لِقاءَه / وتهوي إليه صابِياتٍ قلوبُها
بحيث العُلى تُحْمَى وتُمْنَعُ واللُّهى / تُذالُ وسوقُ الفضل تُجْلى ضُروبُها
حوى مُرْشِدٌ وابناه غُرَّ المَناقِبِ
حوى مُرْشِدٌ وابناه غُرَّ المَناقِبِ / وحَلُّوا من العَلياء أَعلى المَراتِبِ
ذوائبُ مجدٍ ما علمتَ بأَنهم / من العلم أَيضاً في الذُّرى والذوائبِ
أَتَتْ مِنْ علّي روضةٌ جاد رَوْضَها / سحائبُ فضلٍ لا كَجَوْدِ السَّحائب
أَلم تر أَنّ المُزْن فاضت فَنُوِّلَتْ / رَبابٌ وأَروى منه حَلْيَ الكواعب
بأَبياتِ نظمٍ أَفحمتْ كلَّ شاعرٍ / وآياتِ نثَرٍ أَعجمتْ كُلَّ خاطِب
وغُرِّ مَعان أَعْجَزَتْ كلّ عالمٍ / وأَسطرِ خَطٍّ أَرعشتْ كلَّ كاتب
ربيعٌ بِوَرْدٍ وافدٍ لمُطالعٍ / ورَبْعٌ لوَفْدٍ وارد بمطالب
وخو درمت بالسحر عن قوس حاجب / لها في العلى فخرٌ على قوسِ حاجِب
فلو قَطَبَتْ راحا لما قطَّبتْ لها / وُجوهٌ ولا غطّت على حِلْم شارب
مناقبُ نَدْبٍ قال جدّي ابن مُنقذٍ / عليٌ وعمي نجمه ذو المناقب
وبيتي كبيتي في القريض مُؤَسَّس / بغير دَخيلٍ فهو إِحدى العجائب
بنى منقذٌ مجداً تلاه مُقَلَّدٌ / وقصّ عليٌّ نهجَه في المذاهب
ولم يأْلُ جهداً مُرْشِدٌ في اقتفائهم / وأَبناءُ ذاك البدر زُهْرُ الكواكب
إِليهم نوى إِرْقالَه كلُّ خائفٍ / ومنهم حوى آمالَه كلُّ راغب
وفيهم روى أوصافَه كلُّ مادحٍ / وعنهم زوى أَوْهامَه كلُّ عائبِ
لهم نارُ حربٍ أَطفأَت حربَ وائلٍ / ونارُ قرىً أَوْفَتْ على نار غالب
مغارِسُهم طابَتْ وطابَ حديثُهم / وأطيبُ مَسْمُوع حديثُ الأَطايب
مناسِبُهم غُرٌّ وأَكثَرُ فخرهِم / بما استأْثروه لا بِغُرِّ المَناسِب
مكاسِبُهم حُسْنُ الثَّناء فما ابَتَغْوا / به كبني الرعي دَنيَّ المَكاسِب
متاعب دُنْيا أَوْ بقَتْ بمَتاعها / وأَيُّ سُرورٍ في مَتاعِ مَتاعب
رآني عليٌّ لاعِباً بقرائنٍ / فجاء بأُخرى مثلِها غيرَ لاعب
تحدّى كلامي فاعْترفتُ بفَضْلِه / وأَين الحِقاق من مِصاع المَصاعِب