أرَى فِتنَةَ الدُّنيا هي الآيةُ الكُبرَى
أرَى فِتنَةَ الدُّنيا هي الآيةُ الكُبرَى / يَضِلُّ بها الهادي فيلهو عن الأُخرَى
غَفَلْنا بها عمَّا بها عن جَهالةٍ / فليسَ بما في البيتِ صاحبُهُ أدرَى
تَظَلُّ المنايا واقفاتٍ بمَرصَدٍ / فمن فاتَ يُمناها تَلَقَّتْهُ باليُسرَى
نَراها على غير اعتبارٍ بما نرى / كما الواو في عمروٍ تُخَطُّ ولا تُقرا
يَظُنُّ الذي خلفَ الجِنازةِ أنَّهُ / أمينٌ فلا يجري على ذلك المَجرَى
ترى عينُهُ حُفَرَ الضَّريحِ وقلبُهُ / هنالِكَ مشغولٌ بأنْ يبتني قَصْرا
غِشاءٌ من الدُّنيا علينا كأنَّها / عَلى حَدَقِ الأبصارِ قد كَتَبتْ سِحْرا
لنا كلَّ يومٍ خُطبةٌ من جِنازةٍ / ولكنَّ في الآذانِ عن صوتها وَقْرا
قدِ اندَكَّ في بَغدادَ طَوْدٌ فأجفَلَتْ / لهُ الشَّامُ حتى هزَّ من هَوْلِهِ مِصرا
أتاهُ رسولُ البينِ في حين غفلةٍ / وقد هابهُ جَهْراً فداهَمَهُ غَدْرا
قد اختارهُ الباقي الذي هو عبدُهُ / بليلٍ إليهِ في الطِّباقِ بهِ أسرَى
فكانَ لهُ في دارةِ الأرضِ مأتَمٌ / وفي العرشِ عيدٌ يجمعُ الفِطرَ والنَّحرا
إمامٌ من الأفراد في أهل عصرِهِ / شمائلُهُ الغرَّاءُ قد زانت العَصْرا
أدَقُّ الوَرَى فِكراً وأكرمُهُم يداً / وأفصَحُهم نظماً وأبلغُهم نَثرا
هوَ العُمَرِيُّ الباذخُ الشَّرفِ الذي / حباهُ بهِ الفاروقُ وهوَ بهِ أحرَى
جميلُ الثَّنا لا يقطعُ الدَّهرُ ذِكرَهُ / صدقتُ ولكن ذِكرُهُ يقطعُ الدَّهرا
لئن باتَ في أكفانهِ البيضِ مُدرَجاً / ففي جَنَّةِ الخُلدِ ارتدَى سُندُساً خُضْرا
وإن لم يَذُقْ في الأرضِ خمراً فقد سُقي / هناكَ خموراً غيرَ مُعقبةٍ سُكرا
لقد كُنتُ أجني الدُرَّ من لفظهِ وها / أنا من ثناهُ اجتلي الأنجُمَ الزُّهرا
وأذكرُ من ألطافِهِ ووِدادهِ / بدائعَ شَتَّى لا أُطيقُ لها ذِكرا
يَشُقُّ على قلبي رِثاءٌ أخُطُّهُ / لهُ ودموعي أوشكت تُذِهبُ الحِبْرا
وتُوشِكُ أن تُصلى الصَّحيفةُ في يدي / فتُحرَقُ من تصعيدِ أنفاسِيَ الحَرًّى
سَقَى الله قبراً ضمَّ أعظُمَهُ وكم / فؤادٍ تمنَّى أن يكونَ لهُ قَبْرا
ولو كانَ القبرُ يَملِكُ أمرَهُ / لرَدَّ البِلَى عنهُ واحرَزَهُ ذُخرا