أمنزل ذات الخال حييت منزلاً
أمنزل ذات الخال حييت منزلاً / وإن كانَ قلبي فيك بالوجد مبتلى
لك الله قلباً لا يزال مقيداً / بشجوٍ ودمعاً لا يزال مسلسلا
يعبر عن سر الهوى وأضيعه / فيا لك دمعاً معرباً راح مهملا
كفى حزناً أن لا أراقب لمحة / ولا أنظر اللّذّات إلاّ تخيّلا
ولا أستزير الطيف خوف فراقه / لما ذقت من طعم التفرّق أوّلا
وأقسم لو جاد الخيال بزورةٍ / لصادف باب الجفن بالفتح مقفلا
وأغيد قد أضنى العواذل أمره / فقل في أسى أضنى محبًّا وعذّلا
غرير رنت أجفانه ووصفنه / فراح كلانا في الورَى متغزّلا
إذا شئت أن أشدو بأوصاف ثغره / بدأت ببسم الله في النظم أوّلا
حذار عوادي القتل من سيف طرفه / فما كسر الأجفان إلا ليقتلا
بليت به ساجي اللحاظ كليلها / وما زال تعذيب الكليلة أطولا
إذا ما بدا أو ماس أو صان أو رنا / فما البدر والخطّيّ واللّيث والطّلا
وقالوا أتحكيه الغزالة في الضحى / فقلت ولا لحظ الغزالة في الفلا
فلا تنكرا منه حلاوة لحظه / فذاك أراه بالنعاس معسلا
ولا تعجبا من ردفه وثباته / فلولا وشاحا عطفه لتهيّلا
غدا البدر أن يحكي سناه وإنما / رأى مللاً من خلقه فتنقّلا
وماثل ريق النحل لذة ريقه / فقال اللّمى ما أخجل المتنحّلا
تبارك من جلّى صحائف أوجهٍ / وأوضح آيات الثغور ورتّلا
وشيد للملك المؤيد رتبة / من المجد تملي المادح المتوسلا
مليك رقى قبل الصبا كاهل العلى / فكيف وقد أبصرته متكهّلا
كريم الثنا نال الكواكب قاعداً / وجاوز غايات العلى متمهّلا
تخاف الغوادي من نداه كسادها / وما نفحت كفّاه إلا لتفعلا
يقولون أعدى باليمين يساره / فجادت فمن أعدى الذي جاد أوّلا
ومن في المعالي قد تقدَّم ورده / أجلْ إنها عادات آبائه الأولى
ملوك إذا قام الزمان لمفخرٍ / غدا بليالي ملكهم متجمّلا
كرام ثوَوا ثم استقلّ حديثهم / فأحزن في عرض البلاد وأسهلا
أناملهم تحت الثرى ربع مائه / وأقدامهم يكفيه أن يتزلزلا
رقوا ما رقوا من سؤدد ثم قوّضوا / فزادَ على ما أنهجوه من العلا
هنيئاً لدست الملك بدراً وغرَّة / إذا انْهلَّ في يوم الندَى وتهللا
دع الغيث بنار البرق والطود راسياً / ويمّمه إن راعَ الزمان وأمحلا
لراحة إسماعيل أصدق موعداً / وساحته الفتحاء أمنع مقفلا
هنالك تلقى أنعماً تترك الثرى / يراد وعزماً يترك الماء يصطلى
وأصيد من نسل الملوك إذا انْتدى / رأيت معمًّا في السيادة مخولا
أخا كرمٍ تبغي العواذل عطفه / فتلقاه أندى ما يكونُ معذّلا
دنا رفدُه قيد الوريد وإنَّما / ترفَّع حتَّى خاطبَ النجم أسفلا
فداه كرام العالمين فإنه / أبرُّهمُ مالاً وأشرف موئلا
إذا فاخر الأنداد جاءَ فخاره / بهذا الثنا يستوقف المتأمّلا
وبالعلم وضَّاح الهدى متألِّقاً / وبالحلمِ فيَّاح الجنا متهدِّلا
وبالمنطق الأزكى أسد محرَّراً / وبالسؤددِ الأجلى أغرّ محجَّلا
وبالزهدِ موصول القيام كأنما / يغازل طرفاً من دجى الليل أكحلا
وبالبأس سلْ عنهُ الصوارم في الوغى / وكانت مواضي البيض أفصح مقولا
وما هي إلاَّ همَّةٌ ملكيَّةٌ / انْقضى عزمها فرض العلى وتنفَّلا
يخصُّ سجاياها الوفا وهو مسلمٌ / وكان يهوديًّا يخصُّ السموألا
ويغني عن الأمداح مشهور فضلها / وما الصبح محتاجٌ إلى الوصفِ والحلى
وما الشمس في أفقِ السماء منيرة / تخال بها من ضحوة الغيظ أثكلا
بأوضح للأبصارِ من مجدِه الذي / توقَّد حتَّى لم تجد متوقّلا
ثنى رجله فوق النجوم ولو علتْ / وطالتْ ثنى باعيه أعلى وأطولا
وما روضة خاطت بها إبرة الحيا / من الودق ثوباً علق الوشي مسبلا
بأعبق من أوصافه الغرُّ نفحةً / وأبرع من ألفاظِه الزهر مجتلى
أوابد قد أعيى امرئ القيس قبلنا / سنا نجمها الهادِي فماتَ مضلَّلا
له راحة ضمَّت يراعاً ومرهفا / كأنَّهما زاداه بالمكثِ أنملا
يراعاً إذا مدَّته يمناه بالندى / رأيت عباب البحر قد مدَّ جدولا
وسيفاً كأنَّ القين سوَّاه جذوةً / فلو لو يعاهد بالطلا لتأكَّلا
مبيد لو أنَّ المرء ضاعف درعه / ومثله في نفسه لتجدَّلا
يؤيد خدّيه يدٌ ضربت به / دراكاً فما تحتاج كالبيض صيقلا
ألا رُبَّ شأوٍ رامه فتسهَّلت / رباه وصعبٍ راضه فتذلَّلا
وجيشٌ كأن الجوّ قد مدَّ أنجماً / عليه ووجه الأرض أنبت دبَّلا
كأن عتاق الطير بين رماحه / بنودٌ تهاوى للطعان وتعتلى
إذا نبضت يوماً بوادي قسيه / تلبس ثوب النقع بالنبلِ مجملا
رماه بعزمٍ فانْجلى ليل خطبه / ولو رامه الصبح المنير لما انْجلى
وذي ظمأة بادِي الخمول توعَّرت / عليه مساري الرزق حتَّى تحيلا
علا وارْتوى لما دعاه كأنما / يشافه من حوضِ الغمامة منهلا
وبيداء مقفار إليه قطعتها / فلاقيتَ معلوماً وفارقت مجهلا
وقلت لخليّ أنزلاني فهذه / منازله ثمَّ اعقلا وتوكَّلا
هنالك عاهدت الرياض أنيقة / ترفّ وجاورت الغمائم همَّلا
وقضَّيت في ظلِّ النعيم ليالياً / لو انْتقضت كانت كواكب تجْتلى
ولا عيبَ في نعمائها غير أنَّها / تجود متوهي الكاهل المتجمِّلا
وإني إذا أجهدتُ مدحي فإنَّما / قصاراي منها أن أقول فأخجلا
لبابك يا ابن الأكرمين بعثتها / أؤانس من مدحٍ عن الغيرِ جُفَّلا
وأرسلتها غرَّاء كالغصن يانعاً / وزهر الرُّبى ريَّان والريح سلسلا
ممنَّعة المغزى تجر برأسهِ / جريراً وتلقي من جرى الكلب جرولا
شببت لها فكري وفاحت حروفها / كأنيَ قد دخَّنت في الطرسِ مندلا
وأعْتقت رقِّي من خمولٍ عهدته / فحزت وَلا قلبي وللمعتق الولا
وأنت الذي أسْعفتني فصنعتها / ولولا الحيا لم يصبح الترب مبتَّلا
فلو رامها الطائيّ من قبل لم يقل / لهانَ علينا أن نقول ونفعلا
وكم مثلها أهديتها طيّ مدرجٍ / تكاد لفرطِ الشوق أن تتسلَّلا
يفوه بها الراوي فيملأ لفظها / فم الخلّ درًّا أو فم الضدّ جَندلا
جمعت بنعمى راحتيك فنونها / كما جمعَ السلك الجمانَ المفصَّلا
ومثلك من حلَّت أياديه حسنها / فزادَ وثنى حظّها فتكمَّلا
بقيت لهذا الدهر تبسط إن أسا / يديك فما ينفكُّ أن يتنصَّلا
ودمت لشأوِ المجد بالطول راقياً / ومن طلبَ المجد العليَّ تطوَّلا
حلفت يميناً ليسَ مثلك في الورَى / فما شرع الإسلام أن أتحلَّلا