القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : الشَّريف المُرتَضى الكل
المجموع : 182
أيا شجراتِ الوادِيَيْن لعلّني
أيا شجراتِ الوادِيَيْن لعلّني / أعوجُ بما تُظْلِلْنَهُ فأَقيلُ
وفيكُنَّ لي ما تشتهي النّفسُ من مُنىً / وليس إلى ما تشتهيه سبيلُ
ولو أنّني منكنّ زُوّدتُ ساعةً / تَرَوَّحَ في أظلالكنّ عليلُ
وَما أَبتغي إلّا القليلَ وكم شفى / كثيرَ سَقامٍ في الرّجال قليلُ
على المزمعين البين منّا عشيّةً
على المزمعين البين منّا عشيّةً / سلامٌ وإن كان السّلامُ قليلا
وما ضرّهمْ لمّا أرادوا ترحُّلاً / عن الجِزْع لو داوَوْا هناك عليلا
ولو أنّني ودّعتهمْ يوم بينهمْ / قضيتُ ديوناً أو شفيتُ غليلا
ولمّا وقفنا بالدّيار الّتي خلتْ / بكينا على سكانهنّ طويلا
وكانت دموع النّاشجين عليهمُ / بوادٍ جَفَتْهُ المعصِراتُ سيولا
وعزّ على طرفي بأنْ كان بعدهمْ / يرى أرْبُعاً حلّواً بهنّ طلولا
فَلا تَطلبوا منّي دليلاً على الهوى / كفى بِضنى جسمي عليه دليلا
وَلا تَحملوا ثِقْلاً عليَّ منَ الهوى / كفى بالهوى حَمْلاً عليَّ ثقيلا
أحبُّ الّتي ضنّتْ عليَّ بلحظةٍ / وقد أزمع الحيُّ الحلول رحيلا
وظنّ بغاةُ الشّرّ أنّي أملّها / وهيهات قلبي أن يكون ملولا
خليلِيَ علّلْنِي على الحبّ بالمُنى / إذا كنتُ لا أرضى سواك خليلا
وقلْ لِيَ فيما أنتَ حيّيتَ قائلاً / لعلّ ضنيناً أن يجود ضئيلا
أيا ملك الأملاك خذْ ما سألتَه / فَما زلتَ للَّه الكريم سَؤولا
وحاشا دعاءً منك يصدر في ضحىً / وعند مساءٍ أن يخيب قبولا
وَما كانَ إلّا اللَّهَ لا شيءَ غيره / برجع الّذي غلّوه منك كفيلا
ولمّا تراخى منك نصرٌ عهدتَه / وظنّوا جواداً بالنّجاحِ مَطولا
وَكانَتْ هَناةٌ باعد اللَّه شرّها / وكان عليها راعياً ووكيلا
رَكِبتَ منَ النّصر الّذي قد عهدتَه / منَ اللَّه عَوْداً للرّجال ذَلولا
وَلَم تك إلّا ساعةً ثمّ أسفرتْ / كما رفعتْ أيدٍ هناك سُدولا
فَعاود رمح اللَّه منك مثقّفاً / وَعاد حسامُ اللَّه منك صقيلا
وقد علم الباغون أنّك زرتَهم / تجرّ رَعيلاً نحوهمْ ورعيلا
فَلَم يَسمعوا إلّا صهيل صواهلٍ / وإلّا لصكاّتِ الحديدِ صليلا
وَحولك طلّاعونَ كلَّ ثنيّةٍ / إِلى الموت صِرْفاً صِبْيَةً وكهولا
كأنّهُمُ أُسْدُ الشّرى حول غابةٍ / حَمَيْن وقد جدّ النِّزالُ شبولا
وَمُحتَقرين للحِمامِ تخالهمْ / هجوماً على غير الحِمامِ نزولا
وكلّ جريء البأس مثل حياته / إِذا خاف ذلّاً أنْ يموت قتيلا
فما صدّقوا حتّى رأوا جانب الفَلا / يفيض رجالاً نُسَّلاً وخيولا
وظنّوا نجاةً منك والبَغْيُ صائرٌ / قيوداً لهم لا تنثني وكُبولا
سلبتَ الرّجالَ المقدمين نفوسَهمْ / وكلَّ النّساءِ المُحْجَباتِ بُعولا
فَلم يك إلّا في التّراب مُجَدَّلاً / وَإِلّا مُقاسٍ في يديه جَديلا
فللّه يومُ القاع أوسعَ من ردىً / وساق إلى خَطْمِ الفحول فحولا
حَسِبناه وَالآسادُ من خَلَلِ القنا / تَضَارَبُ فيه بالصّوارمِ غِيلا
ولمّا رأوها رايةً مَلَكِيَّةً / تولّوْا كسِرْبِ الرَّيْدِ مرّ جفولا
وألقوا جميعاً كلَّ ما في أكفّهمْ / أعِنَّةَ جُرْدٍ سُبَّقٍ ونُصولا
وَما أَسرعوا إلّا لِكَرْع حُتوفهمْ / كما أسهلَ الموتُ الزّؤامُ وُغُولا
لعمرُ أبيها فتنةٌ لم تَصِرْ لنا / وليّاً على طول الزّمان قتيلا
وعادتْ على مَن كان أضرم نارها / وبالاً وحَيْناً لا يُعاجُ وَغُولا
وكانتْ جبالاً شاهقاتٍ ودستَها / فغادرتها بيداً لنا وسهولا
فلا تطعموا في مثلها بعد هذه / فمن عزّ لا بالحقّ عاد ذليلا
أمِنْ بعد نعماءٍ عليكْم عريضةٍ / جررتَ لها بين الأنام ذيولا
وكان لساحات الجرائم طاوياً / صَفوحاً وساعات العثار مُقيلا
تعرّيتَ منه بعدما كنتَ تنتمِي / إليه ولا تبغي سواه بديلا
فَلو أَنتَ بُلّغتَ الّذي قد بَغَيتَه / لما كان عذرٌ جاء منك جميلا
وَكيفَ بُلوغٌ للّذي سوّلتْ به / لك النّفس مغروراً ولستَ عديلا
ولمّا كسوتَ الجِذْعَ منك بشِلْوِه / رَأَينا رجاءً لِلقلوبِ وسولا
وَأَطعمتَ منه الطّيرَ رَغماً لأنفهِ / وكان طعاماً يَجْتَويه وبيلا
فإنْ لعبتْ يمناه فينا فإنّه / بملعبةٍ للعاصفاتِ مُثولا
تصرّفه أيدي الرّياح فتارةً / جَنوباً وأخرى بالعشيِّ شُمولا
ولم يُبقِ فيه ما رأته عيونُنا / تِراتٍ لنا مطوِيَّةً وذُحولا
هنيئاً بهذا العيد والفتح بعده / وبالمِهْرَجانِ غُدْوَةً وأصيلا
ولا زال هذا الملك ملكُك سرمداً / ودار مقامٍ رغدةً ومقيلا
وإنْ ذبلتْ أغصان قومٍ فلا رأتْ / لغصنك عينٌ للزّمان ذبولا
ولا زلتَ فينا آمراً متحكّماً / عزيزاً قؤولاً في الأنامِ فعولا
لك اللّيلَ بعد الذّاهبين طويلا
لك اللّيلَ بعد الذّاهبين طويلا / ووفدَ همومٍ لم يردن رحيلا
ودمعٍ إذا حبّستَه عن سبيله / يعود هتوناً في الجفون هَطولا
فيا ليت أسرابَ الدموع الّتي جرتْ / أسَوْن كليماً أو شفين غليلا
أُخال صحيحاً كلّ يومٍ وليلةٍ / ويأبى الجوى ألّا أكون عليلا
كأنّي وما أحببتُ أهوى مُمَنَّعاً / وأَرجو ضَنيناً بالوصالِ بخيلا
فَقُل للّذي يبكي نُؤَيّاً ودِمْنَةً / ويندب رسماً بالعراءِ مَحيلا
عداني دمٌ لِي طُلّ بالطفِّ إنْ أُرى / شجيّاً أُبكِّي أرْبُعاً وطلولاً
مصابٌ إذا قابلتُ بالصّبرِ غَرْبَه / وجدتُ كثيري في العزاءِ قليلا
ورُزءٌ حملتُ الثِّقْلَ منه كأنّني / مدى الدّهر لم أحملْ سواه ثقيلا
وجَدتمْ عُداةَ الدّين بعد محمّدٍ / إلى كَلْمِه في الأقربين سبيلا
كأنّكُمُ لم تنزعوا بمكانه / خشوعاً مبيناً في الورى وخمولا
وأَيُّكُمُ ما عزّ فينا بدينه / وقد عاش دهراً قبل ذاك ذليلا
فقل لبني حَربٍ وآلِ أُميَّةٍ / إذا كنتَ ترضى أن تكون قؤولا
سَللتُمْ على آلِ النبيّ سيوفَه / مُلِئْنَ ثُلوماً في الطّلى وفلولا
وقُدْتُمْ إلى مَن قادكمْ من ضلالكمْ / فأخرجكمْ من وادييه خيولا
وَلم تَغدروا إلّا بِمَن كانَ جدُّهُ / إليكمْ لتَحْظَوْا بالنّجاةِ رسولا
وترضون ضدَّ الحزم إن كان ملككُمْ / بَدِيناً وديناً دنتموه هزيلا
نساءُ رسولِ اللَّه عُقْرَ دياركمْ / يرجّعن منكمْ لوعةً وعويلا
لهنّ ببَوْغاءِ الطّفوف أعزّةٌ / سُقوا الموتَ صِرْفاً صبيةً وكهولا
كأنّهُمُ نُوّارُ روضٍ هَوَتْ به / رياحٌ جَنوباً تارةً وقَبولا
وَأَنجمُ ليلٍ ما علون طوالعاً / لأعيننا حتّى هبطن أُفولا
فأيُّ بدورٍ ما مُحين بكاسفٍ / وأيُّ غصونٍ ما لقين ذبولا
أَمِن بعد أَن أَعطَيتموه عهودَكمْ / خفافاً إلى تلك العهود عُجولا
رجعتمْ عن القصد المبين تناكصاً / وحُلتمْ عن الحقّ المنير حُؤولا
وقعقعتُمُ أبوابَه تختِلونَه / ومَن لم يردْ خَتْلاً أصاب خُتولا
فما زلتمُ حتّى أجاب نداءكمْ / وأيُّ كريمٍ لا يجيب سَؤولا
فلمّا دنا ألفْاكُمُ في كتائبٍ / تطاوَلْن أقطار السّباسب طولا
متى تك منها حَجْزَةٌ أو كحجزةٍ / سمعتَ رُغاءً مضعفاً وصهيلا
فَلَم يُرَ إلّا ناكثاً أو مُنكّباً / وإلّا قَطوعاً للذّمامِ حَلولا
وإلّا قَعوداً عن لِمامٍ بنَصْرِهِ / وإلّا جَبوهاً بالرّدى وخذولا
وضِغْنَ شغافٍ هبّ بعد رقاده / وأفئدةً ملأى يَفِضْنَ ذُحولا
وبيضاً رقيقاتِ الشّفار صقيلةً / وسمراً طويلاتِ المتون عُسولا
ولا أنتمُ أفرجتُمُ عن طريقه / إليكمْ ولا لمّا أراد قُفولا
عزيزٌ على الثّاوي بطَيْبَةَ أَعْظُمٌ / نُبِذْنَ على أرض الطُّفوف شُكولا
وكلُّ كريمٍ لا يلمّ برِيبةٍ / فإنْ سِيم قولَ الفحش قال جميلا
يذادون عن ماءِ الفراتِ وقد سُقوا الش / شهادةَ من ماءِ الفرات بديلا
رمُوا بالرّدى من حيث لا يحذرونه / وغُرّوا وكم غَرّ الغُفولُ غَفولا
أيا يوم عاشوراء كم من فجيعةٍ / عل الغُرّ آلِ اللّه كنتَ نَزولا
دخلتَ على أبياتهمْ بمصابهمْ / ألا بئسما ذاك الدّخول دُخولا
نزعتَ شهيدَ اللّه منّا وإنّما / نزعتَ يميناً أو قعطتَ قليلا
قتيلاً وجدنا بعده دينَ أحمدٍ / فقيداً وعزَّ المسلمين قتيلا
فلا تبخسوا بالجور مَن كان ربُّه / برَجْعِ الّذي نازعتموه كفيلا
أحبّكُمُ آلَ النبيّ ولا أرى / وَإنْ عذلوني عن هواي عديلا
وقلت لمن يُلحي عن شَغَفي بكم / وكم غيرِ ذي نصحٍ يكون عذولا
روَيْدَكُمُ لا تنحلوني ضلالَكمْ / فلن تُرحِلوا منّي الغَداةَ ذَلولا
عليكم سلامُ اللَّه عيشاً وميتَةً / وسَفْراً تطيعون النّوى وحلولا
فما زاغ قلبي عن هواكم وأخمصي / فلا زلّ عمّا ترتضون زليلا
حلفتُ بشُعثٍ من نِزارٍ تعلّقوا
حلفتُ بشُعثٍ من نِزارٍ تعلّقوا / بأستار مرفوع الذّلاذلِ مائلِ
تلاقوا عليه ثائرين فأعرضوا / بأرجائه عن أخذ تلك الطّوائلِ
وما رشفوا من صخرةٍ بشفاههمْ / وما مسحوا من ركنه بالأنامِلِ
وما عقروا بالخَيفِ تجري شعابُه / بما بذلوه من سديسٍ وبازلِ
وأيدي المطايا إذ وقفن عشيّةً / على عرفاتٍ بعد طيّ المنازلِ
لحبُّكِ يا ظباءُ في باطن الحشا / وإن رغم الواشي لطيفُ المداخلِ
وما أخلقتْ منه اللّيالي وإنّه / جديدٌ على مرّ المدى المتطاولِ
ويُعجبني منك الحديثُ إِخالُهُ / صحيحاً وإنْ حدّثتنا بالأباطلِ
كأنّي وقد نازعتني القولَ قاطفٌ / من الصّبحِ نُوّاراً ببعضِ الخمائلِ
إذا ما خطاني الدّهرُ يوماً فلم يُصِبْ
إذا ما خطاني الدّهرُ يوماً فلم يُصِبْ / صميمي فما يرضيه غير خليلي
وأخذُ الرّدى نفسي كأخذ أصادِقِي / فلم يَحمِنِي كُثْرُ الأذى بقليل
فإنْ أنت لم تسمع عويلاً بميتتي / ففي كلّ ماضٍ رنّتي وعويلي
وكيف أغُبُّ الحزنَ يوماً وإنّما / سبيلُ جميع الهالكين سبيلي
إذا لم أجدْ خِلّاً من النّاسِ مُجملاً
إذا لم أجدْ خِلّاً من النّاسِ مُجملاً / فمن لِيَ منهمْ بالعدوّ المجاملِ
فما إنْ أرى إلّا عدوّاً أخافه / عليَّ ويرمي كلَّ يومٍ مقاتلي
ومن كلّ ما فكّرتُ في محنتي به / قرعتُ جبيني أو عضضتُ أنامِلي
وفي الخير تلقى قائلاً غيرَ فاعلٍ / وفي الشّرّ تلقى فاعلاً غيرَ قائلِ
طلبتُ الغِنى حرصاً على بذلِيَ الغِنى
طلبتُ الغِنى حرصاً على بذلِيَ الغِنى / فلم أره إلّا بكفّ بخيلِ
وكنتُ متى أرجو البخيلَ لحاجةٍ / حُرِمتُ رشادي أو ظَلَلْتُ سبيلي
وقلتْ لمن ذمّ القليل ضراعةً / قليلٌ يصون الوجه غيرُ قليلِ
وكَم للّذي حازَ الغِنى بعد فقده / بكاءٌ ومن حزنٍ عليه طويلِ
فأين وأحوالُ الرّجالِ شتائتٌ / مقامُ عزيزٍ من مقامِ ذليلِ
فَسل خالقاً فضلَ العطيّةِ مجزلاً / فإنّ عطاءَ الخلق غيرُ جزيلِ
وأشقى الورى مَن كان أكبرَ همّه / هجاءُ ضَنينٍ أو مديحُ مُنيلِ
متى أنَا ناجٍ من سهام الغوائلِ
متى أنَا ناجٍ من سهام الغوائلِ / يصبن فما يرضين غير المقاتلِ
وحتّى متى تبري النّوائبُ صَعْدَتي / وتقرع بابي طارقاتُ النّوازلِ
أروح وأغدو في إسار غرورها / تخادعني في كلّ يومٍ بباطلِ
إذا لم يُصبني سهمُ عامي تخاطئاً / أصاب كما شاء الرّدى سهمُ قابلِ
رهينُ رزايا ما يُمَلُّ طروقُها / ومُلّ طروقي في مدىً متطاولِ
تُخالسني قومي وغُرَّ أصادقي / وتُعرِي بناني من نفيس عقائلي
فإنْ لم يَرِدْ صبحي عليَّ مع الرّدى / فيا ويلُ أُمّي ويلُها من أصائلي
أصاب الرّدى أبناء لَخْمٍ وحِمْيَرٍ / وساق إلى الأجداثِ شُوسَ القبائلِ
وأفنى نِزاراً واليمانين قبلهمْ / وحطّهمُ من شاهقاتِ المعاقلِ
وزارهمُ صبحاً وكلَّ عشيّةٍ / فلم يسبقوه بالجياد الصّواهلِ
ولم تغنِهمْ بيضٌ رقاقٌ قواطعٌ / ولم تُنجهمْ زُرقٌ لسمر الذّوابلِ
وَما اِنتَصروا من بأسه وهو واحدٌ / بِما اِحتَشدوا أو جمّعوا من قَنابِلِ
ولا مُضمَراتٍ للطّرادِ كأنّها / تجوب الفَلا بعضُ الذّئابِ العواسلِ
يُقَدْن إلى أرضِ العدوّ عوارياً / فتدخل في نسج الثّرى في غلائلِ
عَليهنّ ولّاجون كلَّ عظيمةٍ / ومحتقرون في عُلىً كلَّ هائلِ
إذا ظمئتْ أحشاؤهمْ من حفيظةٍ / فلم تروهمْ غيرُ الدّماءِ السّوائلِ
فكم في الثّرى مَن كان عِبئاً به الثّرى / وكم في التّرابِ من مليكٍ حُلاحِلِ
ومن مغرمٍ بالجود لم يَثنِ عنده / بلا ملئها من رِفْدِه كفّ سائلِ
إذا زاره يوماً فقيرٌ فإنّما / يروح غنيّاً من جيادٍ وجاملِ
أقول لناعي المكرُماتِ وقد ثوى / أبوها بملتفِّ الظّبا في القساطلِ
بَمدرَجةٍ للعاصفات تلاحفتْ / معارفُها مطموسةٌ بالمجاهلِ
ألا قلتَ ما يا ليتَ ما كنتَ قلتَه / فكم ضَرَمٍ في القلب من قول قائلِ
نعيتَ إلى قلبي ولم تدرِ مثلَه / وعرّفتَ ما بيني وبين البلابلِ
وباعدتَ عن عيني قِراها من الكرى / وأغريتَ جَفني بالدّموع الهواطلِ
فتىً كان محجاماً عن العار راكباً / وقِدرُ الوغى تغلي صدورَ العوامِلِ
إذا قال لم يترك مقالاً لقائلٍ / وإن صال لم يترك مصالاً لصائلِ
وَدلَّ على أَحسابهِ بِفعاله / ونمّ عل أعراقه بالشّمائلِ
ولا كانَ إلّا ناجياً من عَضِيهَةٍ / ولا ساعِياً إلّا بطرق الفضائلِ
تَعادل منه الأصلُ والفرعُ واِرتَوتْ / أواخرُه من شبه ماء الأوائلِ
كأنِّيَ لمّا أن شَنَنتُ حديثه / شَننتُ ذكيَّ المسك بين المحافلِ
فإنْ عقمتْ فيه ليالٍ قصيرةٌ / فقد أنجبت فيه بطونُ الحواملِ
وَإِنْ نزل القاع القفار فَكم له / بحبِّ قلوبٍ بيننا من منازلِ
وَإِنّكَ مِن قومٍ كأنّ وجوههمْ / سيوفٌ ولكنْ ما جُلين بصاقلِ
إِذا اِفتَخروا حازوا الفخارَ وطأطأوا / بأيديهمُ طولَ الفتى المتطاولِ
وَلَم تُلفِهمْ إلّا بعيدين بالعلا / وطيب السّجايا من يد المتناولِ
فكم فرجتْ ألفاظُك الغُرُّ ضيّقاً / وما فرجوه بالقنا والمناصلِ
وما زالتِ الآراءُ منك صوائباً / يقطّعن في الأعداء كلَّ الوصائلِ
ولمّا اِستُلبتَ اليومَ وحدَك من يدي / رجعتُ وما لي غيرُ عضّ الأناملِ
فبِنْ غيرَ مذمومٍ فكم بان بيننا / بلومٍ وتعنيفٍ جريحُ المفاصلِ
أقمتَ مقامَ الأمن فينا أو الغنى / وأقلعتَ إِقلاع الغيوث الهواطلِ
وما كنتُ أخشى أنّ أيّامك التي / طردنا بهنّ الهمَّ غيرُ أطاولِ
ولا أنّني أدعوك حزناً ولوعةً / وأنت بشغلٍ عن جوابِيَ شاغلِ
ولو أنّني وفّيتُ رُزْءَك حقَّه / لأصبحتُ أو أمسيتُ رُزؤك قاتلي
كأنِّيَ مرمِيّاً بفقدك كارعاً / كؤوس الشّجايا من رميِّ الشّواكِلِ
وما ضرّ من أدعوه أوفى أصادِقي / إذا لم يكن من معشري وقبائلي
ألا فاِسقنِي من دمع عيني وغنّنِي / بنوح النّساءِ المُعولاتِ الثّواكلِ
وإن كان حزني عندك اليوم مسرفاً / فلا تُدنِ سمعي من مقال العواذلِ
فَقُل للّذي عالاه فوق سريره / يريد به البيداء فوق الكواهلِ
هُبِلتَ أتدري من حملتَ إلى الثّرى / صريعاً وقد واريتَ خلفَ الجنادلِ
وأيُّ لِزازٍ للخصومِ دفنتَهُ / وأَنزلتَه في منزلٍ غير آهلِ
فلا مَطَلتْك الرّاهماتُ برحمةٍ / فما كنت يوماً في ندىً بمماطلِ
ولا زال قبرٌ أنت فيه تجوده / كما شاء أنواء الضّحى والأصائلِ
وإنْ حالتِ الهيئاتُ منك على البِلى / ففضلك ما بين الورى غيرُ حائلِ
وإنْ زال شجوٌ عن قلوبٍ شجيّةٍ / فحزني عليك الدّهرَ ليس بزائلِ
وقالوا نراها خُطّةً مُدْلَهِمّةً
وقالوا نراها خُطّةً مُدْلَهِمّةً / فَفُتْها وإلّا أنتَ رهنُ حبالها
فقلتُ وهل أخشى ودرعي كفايةٌ / من اللَّه ما ترمي العِدا من نبالها
فكم وَرْطَةٍ ضاقتْ عليّ فلم يزلْ / بِيَ اللَّه حتّى اِنتاشني من خلالها
وكم نكبةٍ طالتْ يداً لتنالني / فباعد ما بيني وبين مَنالها
ألا ربّ أمرٍ بتّ أحذر غِبَّهُ
ألا ربّ أمرٍ بتّ أحذر غِبَّهُ / وقد نابني فيه العناءُ المُجَشِّمُ
غدا وهو سِرٌّ لا يُرامُ اِطّلاعُهُ / وعادَ مساءً وهو نَهْبٌ مُقَسَّمُ
تندّمتُ في أعجازه حين لم يكنْ / وقد فاتَ مِن كفّيَّ إلّا التّندُّمُ
وما خانني التّدبير فيه وإنّما / قضاءٌ جرى فيما سخطتُ مبرَّمُ
ولو كان لا يَكْدِي أخو الحزمِ مرّةً / ويُشوى لما مات الصّحيحُ المُسَلَّمُ
وَمَن ذا الّذي يُعطي الإدارةَ كلَّها / ومَن ذا الّذي في الأمر لا يُتَلَوَّمُ
إذا شئتَ أنْ تلقَ السَّلِيمَ عَدِمْتَه / وأكثرُ مَن تلقى المُرَزَّى المُكَّلَمُ
وأغبنُ مَن تلقى من النّاس جاهلٌ / يظنّ الّذي يُخفيه لا يُتَعَلَّمُ
ومسترسلٍ في فعله بعد ما بدا / لعينيه جهراً ما يَزِمّ ويَخطمُ
بقاءٌ ولكنْ لو أتى لا أذمُّهُ
بقاءٌ ولكنْ لو أتى لا أذمُّهُ / ووِرْدٌ ولكنْ لو حلا لِيَ طعمُهُ
خَطوتُ عدا العشرين أَهزأ بالصّبا / فلمّا نأى عنّي تضاعف همُّهُ
فيا ليت ما أبقى الشّبابُ وجازَهُ / سَريعاً على عِلّاتِهِ لا يؤُمُّهُ
وليت ثرائي من شبابٍ تعجّلتْ / بشاشتُهُ عنّى تأبّد عُدْمُهُ
مشيبٌ أطار النّومَ عنّي أَقلُّه / فكيف به إن شاع في الرَّأسِ عِظْمُهُ
تعاقبني بؤسُ الزّمانِ وخَفضُهُ / وأَدَّبني حربُ الزّمانِ وسِلمُهُ
وقد علم المغرورُ بالدّهر أنّه / وراءَ سرور المرء في الدّهر غَمُّهُ
فَكيفَ سروري بالكثير أنالُهُ / وحكم قليلِ الوجدِ في القصدِ حُكمُهُ
وَما المَرءُ إلّا نَهْبُ يَوْمٍ وليلةٍ / تخُبُّ به شُهْبُ الفناء ودُهْمُهُ
يُعلّلهُ بَرْدُ الحياةِ يَمَسُّهُ / ويغترّه رَوْحُ النَّسيمِ يشمُّهُ
وكان بعيداً عن منازعةِ الرّدى / فألْقَتْهُ في كفّ المنيّة أُمُّهُ
عَلى أَنّنا نبغي النّجاءَ وكلُّنا / يُلاقيه مِن أمرِ المنيّةِ حتمُهُ
أَلا إِنّ خيرَ الزّاد ما سدّ فاقةً / وخيرُ تِلاديَّ الّذي لا أَجُمُّهُ
وَإنّ الطَّوى بالعزِّ أحسنُ بالفتى / إذا كان من كسب المذلّةِ طعمُهُ
إذا وَطَرٌ لم أنْضُ فيه عزيمةً / فسِيّانِ عندي صحّتاه وسُقمُهُ
وإنّي لأَنْهَى النّفسَ عن كلِّ لذَّةٍ / إِذا ما اِرتقى منها إلى العِرضِ وَصْمُهُ
وأُعرِضُ عن نيل الثَّراء إذا بدا / وفي نيله سوءُ المقالِ وذمُّهُ
أَعِفُّ وما الفحشاءُ منّي بعيدةٌ / وحسبِيَ من صَدٍّ عن الأمرِ إثْمُهُ
وَما العَفُّ مَن ولّى عن الضّرب سيفه / ولكنّ مَن ولّى عن السُّوءِ حزمُهُ
وَهبتُ اِهتِمامي للعُلا ومآربي / وللمرء يوماً إنْ حبا ما يَهُمُّهُ
وما ضرّ مسلوبَ العزيمةِ إنْ وَنى / عن السَّعىِ والأرزاقُ حِرْصاً تؤُمُّهُ
يفوت طِلابي مشربٌ لا أعافُهُ / ويُعْوِزُ فحصي صاحبٌ لا أَذمُّهُ
إذا كان هذا الغدرُ في النّاس شيمةً / فَأَنفسُ شيءٍ صاحبَ المرءَ عزمُهُ
ولمّا نبا زيدٌ عن الطّيبِ عهدُه / نبوتُ وفي قلبي من الوَجْدِ جَمُّهُ
وداويته بالهجر والهجرُ داؤه / وخير دوائيْ مُعضِلِ الدّاء حسمُهُ
ومن يك من قبل الوشاةِ بمسمعٍ / تقاصر عن نيل الحقيقةِ علمُهُ
وأروعَ لم تَمْلَ النّوائبُ ذرعَه / ولا ضلّ في ليلِ السّفاهةِ حلمُهُ
ثقيلٌ على جنب العدوّ وإن غدا / خفيفاً على ظهر المطيّةِ جسمُهُ
شددتُ يدي مه بحُجْزةِ حازمٍ / مصيبٍ لأغراض العواقب سهمُهُ
وماضٍ على الشّحناء في غير زلّةٍ / وَقَد ملّ إلّا مِن عتابك جُرمُهُ
له الدّهر منّي إنْ ألمّ خلاله / وَأعوزه منّي مكانٌ يلمُّهُ
وأتعبُ مَن عاداك مَن لا تنالُهُ / ولم يرتبطْ يوماً بعِرْضك وسْمُهُ
وَعَيشٍ كما شاء الحسود صحبتهُ / حوى غُنمَه قومٌ وعندِيَ غُرْمُهُ
تُحَلّا عَن الطَّرْقِ الأجاجِ قُرومُهُ / وتكرعُ من عذب المشارب بَهْمُهُ
وحُقّ لما لا يُبهجُ النّفسَ قربُهُ / على وصله أن يُبهج النّفس صَرْمُهُ
سأركبها بَزْلاءَ ذاتَ مخاوفٍ / متى يُخبر المرغوب عنها تضمّهُ
وأترك ما بيني وبين حبائبي / وحظّهُمُ منّي على الغيبِ رَجمُهُ
فَلا عيش إلّا مَن تحامتْ نعيمَه / صروفُ اللّيالي أو تجافى مُلِمُّهُ
وجيشٍ كما مدّ الظّلامُ رِواقَه / سواءٌ به هَضْبُ العريك وهَضْمُهُ
إِذا ما سَرى يَبغي الفِرارَ مُشَمِّراً / فأنْفَسُ خوّاضِ الكريهةِ غُنْمُهُ
يضمّ رجالاً من قريشٍ إذا دُعُوا / ليومِ نزالٍ أشبعَ الطّيرَ لحمُهُ
بنفسِيَ مَن ولّى تسايُرهُ المُنى / حميداً وما ولّى عن القلب وَهْمُهُ
أَغارُ عليه من فلاةٍ تُقِلُّهُ / وأحسدُ فيه جِزْعَ وادٍ يضمُّهُ
وَما غاب إلّا أَحضر البدر وجهُهُ / وليس له في منتهى الهُشِّ قِسْمُهُ
ومن سَفَهٍ لمّا مررتُ على الحِمى
ومن سَفَهٍ لمّا مررتُ على الحِمى / بكيتُ وهل يُبكي الجليدَ المعالِمُ
شربتُ به لمّا رأيتُ خشوعَه / دُموعي وغنَّتني عليه الحَمائِمُ
ولمّا رأينا الدّارَ قفرى من الهوى / وَليسَ بِها إِلّا الرّياحُ السَّمائِمُ
كَرَعنا الجَوى صِرْفاً بأيدي رسومها / فلم ينجُ منّا يوم ذلك سالمُ
وَما برحتْ أيدي المطيّ مكانَنا / كأنّ المطايا ما لهنّ قوائمُ
كأنِّيَ لم أعصِ الهوى وهو غالبٌ / ولم يقلِ الأقوامُ إنّك حازمُ
ولم أكُ صلبَ العودِ يوم يقودني / أكفٌّ شِدادٌ أو نيوبٌ عواجمُ
فَإنْ يكُ لي دمعٌ بسرِّيَ بائِحٌ / فلي مَنطقٌ للوَجْدِ مِنّيَ كاتمُ
فللّه يومُ الشَّعْبِ ما جنتِ النّوى / علينا وما ضمّتْ عليه الحيازمُ
عَشيّةَ رُحنا وَالغرامُ يقودنا / وَليسَ لنا إلّا الدّموعُ السّواجمُ
نُطارُ إلى داعي الهوى فكأنّنا / جيادٌ سراعٌ ما لهنّ شكائِمُ
نظرتُ وظعنُ الحيّ تُحدى بذي النَّقا / وأيدي المطايا بالحدوجِ رواسِمُ
وقد رثّ شملٌ بالفراقِ وحولنا / من الوَجْدِ لَوّامٌ لنا ولوائمُ
فلاهٍ تخطّاه التجلّدُ مُفحَمٌ / وساهٍ توخّاه التبلُّدُ واجمُ
فَلَم تُلفِني إلّا عيونٌ فواتِرٌ / وإلّا خدودٌ للعيون نواعمُ
غُذين الصِّبا حتّى اِرتَوَيْنَ من الصِّبا / سنينَ كما تغذو الصبيّ المطاعمُ
وَمُشتكياتٌ ليسَ إلّا أَناملٌ / يشرن إلى شكوى النّوى ومعاصمُ
وَنادمةٌ كيف اِستَجابت لِبَينِنَا / وقد شَقِيَتْ بالعضّ منها الأباهمُ
وَأَعرضَ عنّا بالخدودِ وَما لَنا / إِلَيهنّ لولا بَغيُهنّ جرائمُ
وَما كنتُ أَخشى أَنّ قَلبي تَنوشه / محكّمَةً فينا النّساءُ الظّوالمُ
وَلا أَنَّ شَوقي لا يزال يَهيجُه / ثَرىً مُقفرٌ أو منزلٌ متقادمُ
طريقُ المعالي عامرٌ لِيَ قَيِّمُ
طريقُ المعالي عامرٌ لِيَ قَيِّمُ / وقلبي بكشفِ المعضلاتِ مُتيَّمُ
ولي همّةٌ لا تحمل الضّيمَ مرّةً / عزائمها في الخَطْب جيشٌ عَرَمْرَمُ
أُريدُ من العلياءِ ما لا تنالُهُ الس / سيوفُ المواضي والوشيجُ المقوَّمُ
وأُورِدُ نفسي ما يُهابُ ورودُهُ / ونارُ الوغى بالدّارعين تضرّمُ
ألا ربّ مرهوبٍ جلوتُ ظلامَه / ووجهِيَ من ماءِ النُّحورِ مثلَّمُ
وعُدتُ وقد أبليتُ ما جلّ قدرُه / ورأسي بتاج النّصرِ فيه معمَّمُ
يطيب بِفيَّ الموتُ ما شجر القنا / وكلُّ فمٍ فيه من الموتِ علقمُ
وَقَد عَجَمَتْ منّي اللّيالي اِبنَ هِمّةٍ / يهون عليه ما يجلّ ويعظمُ
صليبٌ على الأيّامِ لا يستنفزّه / وعيدٌ ولا يجري عليه تَحكّمُ
نظرتُ إلى هذا الزّمان بعينِه / فثغرِيَ في أحداثهِ مُتبسّمُ
إذا المالُ ذلّتْ دونه عنقُ كادحٍ / تَطاول منّي ما جناه المُذمَّمُ
سَقى اللَّه أيّاماً نَعِمنا بظلّها / وكلٌّ إلى كلٍّ حبيبٌ مكرَّمُ
وكم ليلةٍ بِتنا برغم رقيبنا / علينا من التّقوى رداءٌ مسهَّمُ
أَضمُّ حشىً قَد أَنهش السيرُ بُرْدَها / إلى مَنْ حَشاه مطمئنٌّ منعَّمُ
وأُدني بَناناً دأْبُها سلُّ قائمٍ / إلى مَن له كفٌّ رطيبٌ ومِعْصَمُ
فإنْ أبْلَتِ الأيّامُ ناظرَ بَهْجَتي / فلم تُبل مِنّي ما به أتقدّمُ
فغُرّتُهُ من أبيضِ النّصرِ نُورها / وصهوتُه إلى المآثرِ سُلَّمُ
أبا حسنٍ لا غاض ما فاض بيننا / من الصّفوِ ما تصبو إلى الماءِ حُوَّمُ
تضاءل ما نسمو به من ولادةٍ / بمحضِ ودادٍ لم يَشُبْهُ تجرُّمُ
أطال لساني في ثنائك أنّه / ثناءٌ عليَّ ما حَييتُ يُنَظَّمُ
وقدّمتُ قولاً من مديحي مصدِّقاً / طرازُ اِفتخاري منه بالحسنِ يُعلَمُ
وَهَذا جوابٌ عنه لمّا اِستطعته / فبحرِيَ منه الآنَ ملآنُ مُفعَمُ
قَباءٌ لها أعلى الرُّبى وخيامُ
قَباءٌ لها أعلى الرُّبى وخيامُ / تُرامُ وهل في الباخلين مَرامُ
وقفنا فجَفنٌ ماؤه متحدّرٌ / وجَفْنٌ جفاه الماءُ فهوَ جَهامُ
وأعجلنا حادى المطايا فما لنا / علَيهنّ إلّا أَنّةٌ وسلامُ
وما الدّار من بعد الّذين تحمّلوا / عن الدّار إلّا يَرْمَعٌ وسِلامُ
فما لَكِ يا لَمْياءُ في جانب النّوى / تُطيعينَها فينا وأنتِ غَرامُ
وهجرُكِ صِرْفٌ لا لقاءَ يشوبُهُ / فإنْ عَنَّ يوماً فاللّقاءُ لِمامُ
تصدّين عنّا ساهراتٍ عيونُنا / وَما زرتنا إلّا ونحن نيامُ
لِقاءٌ بجنحِ اللّيلِ طَلْقٌ محلُّهُ / وفي الصّبحِ محظورٌ عليَّ حَرامُ
فخيرٌ من اليقظان مَن بات نائماً / وخيرٌ من الصّبحِ المنير ظلامُ
ألا قلْ لمن ملَّ الطّريق إلى العِدا / وَقَد ملّ من مسِّ الرِّحال سَنامُ
وللعيس من طولِ الوجيفِ مع الوَجى / على كلّ ملحوبِ السَّراةِ بُغامُ
لهنّ وأيديهنّ تستلب المدا / طلىً مائلاتٌ بينهنّ وهامُ
أنيخوا بركن الدّين شُعْثَ مَطِيّكمْ / وحُلّوا فما بعد الهُمامِ هُمامُ
وقولوا لسُوّاقِ المطايا تنازحوا / بعيداً فهذا منزلٌ ومُقامُ
أقيموا على مَنْ وجهُهُ الشّمسُ بهجةً / وكفّاه من فيض النوالِ غمامُ
فَللجود إلّا في نواحيه كُلْفَةٌ / وَللمالِ إلّا في يديه زمامُ
فَتىً يَهب الأموال طَلْقاً وإنّما / تَجود سماءُ القطر حين تُغامُ
ولا ضيمَ للجار المقيم ببابه / وإنْ كانتِ الأموالُ فيه تُضامُ
وكم موقفٍ صعب الوقوف شهدتَه / وللشّمس من نسج الكُماةِ لِثامُ
وَللأرضِ رَيٌّ مِن سيول نجيعِهِ / وللطّير من لحم الجسومِ طعامُ
وما لبث الأعداءُ حتّى نثرتَهمْ / كما اِنحلَّ منعقد الفتاةِ نظامُ
كأنّهمُ صَرْعى بمدرجةِ الصَّبا / إكامٌ بقاعٍ ليس فيه إكامُ
وظنّوا وكم ذا للرّجال طماعةٌ / نجاحاً فخابوا يوم ذاك وخاموا
وَكَم حاملٍ يومَ الكريهة قاطعاً / وساعدُه عند الضّرابِ كَهامُ
وحولك ولّاجون كلَّ مضيقةٍ / نحافٌ ولكنّ النّفوسَ ضِخامُ
وَما بَذلوا الأرواحَ إلّا لأنّهمُ / كرامٌ وما كلُّ الرّجالِ كرامُ
وقد علموا لمّا عرا الملك ما عَرا / ولجّ به داءٌ وطال سَقامُ
بأنّك أصبحتَ الدّواء لدائه / وما لك في شيءٍ صنعت مَلامُ
وأصلحتها ما هُزّ رمحٌ لطعنةٍ / ولا سُلّ فيها للقِراعِ حسامُ
ولُذْتَ بحلمٍ عنهمُ يوم طيشهمْ / ينافس فيه يَذْبُلٌ وشمامُ
وَلولا اِعتبارُ النَّصْف عندك لم تكنْ / تُسام خلاف النَّصْف حين تُسامُ
أعِذْنِيَ من قول الوشاة ومعشرٍ / لهمْ كلماتٌ حشوهنّ كِلامُ
فلو شئتَ لم يخدُشْنَ جلدي وطالما / وَقَيْتَ فلم تَخْلُصْ إليَّ سهامُ
فشبهُ سقيمٍ من حديثٍ مُصحَّحٌ / وصدقٌ وكذبٌ في المقال كَلامُ
فَما أنَا ممّنْ يَركب الأمرَ يُجْتَوى / عليه ويُلحى عنده ويُلامُ
وما لِيَ تعريجٌ بدارِ خيانةٍ / ولا لِي على غير الوفاءِ مقامُ
نفذتَ بدَرٍّ من هوائك أَعظُمِي / فليس لها عمرَ الزّمانِ فِطامُ
فَما لِيَ إلّا مِن هواك علاقةٌ / وَلا لِيَ إلّا في يديك زِمامُ
وما كنتُ لولا أنّك اليومَ مالِكِي / أُرامُ ونجمُ الأُفقِ ليس يُرامُ
وكم لي بمدحي في علاك قصائدٌ / لهنّ بأفواهِ الرُّواةِ زِحامُ
مُرقِّصَةٌ للسّامعين نشيدُها / كما رقصتْ بالشّاربين مُدامُ
هَدَجْنَ على القيعان شرقاً ومغرباً / كما هيج في دوّ الفلاةِ نَعامُ
فَلا تَخش من جحدٍ لنُعماك في الورى / فنُعماك أطواقٌ ونحن حَمامُ
وَلا تُدنِ إلّا مَنْ خبرتَ مغيبَه / ففي النّاس نبعٌ منجبٌ وثُمامُ
فلا عبثتْ منك اللّيالِي بفُرصةٍ / ولا عاث في رَبْعٍ حللتَ حِمامُ
ولا خصمتْ أيّامنا لك دولةً / فلم يك في حقٍّ أبَنْتَ خصامُ
وهُنِّئتَ بالعيد الجديد ولم تزلْ / يعودك فِطْرٌ بعده وصيامُ
فما كُتبتْ فيه عليك خطيئةٌ / ولا شان من بِرٍّ أتيتَ أثامُ
وأعطاك يومُ المِهْرَجانِ مسرّةً / لها يوم نقصان العطاء تمامُ
وطالتْ لنا أيّامُك الغُرُّ سَرْمداً / ودام لها بعد الدّوام دوامُ
ولا زال فينا نورُ وجهك ساطعاً / فإنّك شمسٌ والأنامُ قَتامُ
نضوتُ ثياب اللّهو عنّي فقلّصَتْ
نضوتُ ثياب اللّهو عنّي فقلّصَتْ / وشّيبني قبل المشيب همومُ
وقد كنتُ في ظلّ الشّباب بنعمةٍ / وأيُّ نعيمٍ للرّجال يدومُ
وقد علم الأقوام إنْ لم يغالطوا / بأنّ صحيحاً بالمشيب سقيمُ
وإنّ غنيّاً في الهوى ونزيلُهُ ال / مشيبُ فقيدُ الرّاحتين عديمُ
فطيّب رَيّاها المقامُ وضوّأَتْ
فطيّب رَيّاها المقامُ وضوّأَتْ / بإشرافها بين الحطيم وزمزما
فيا ربِّ إنْ لقّيتَ وجهاً تحيّةً / فحيّ وجوهاً بالمدينةِ سُهَّما
تجافين عن مسّ الدَهان وطالما / عصمن عن الحِنّاءِ كفّاً ومِعْصَما
وَكم مِن جليدٍ لا يُخامره الهوى / شَنَنَّ عليه الوَجْدَ حتّى تتيّما
أَهانَ لهنّ النّفسَ وهي كريمةٌ / وألقى عليهنّ الحديثَ المُكَتّما
تسفَّهْتَ لمّا أنْ مررتَ بدارها / وعوجلتَ دون الحِلْمِ أنْ تتحلّما
فعُجْتَ تقرّي دارساً مُتَنكّراً / وتسأل مصروفاً عن النُّطقِ أعجما
وَيومَ وَقفنا للوداع وكلُّنا / يَعُدّ مُطيعَ الشّوقِ مَن كان أحزما
نُصِرتُ بقلبٍ لا يُعَنَّف في الهوى / وَعيناً متى اِستَمْطَرْتُها مَطَرَتْ دما
إِذا شِئتما أنْ تبكياني صبابةً
إِذا شِئتما أنْ تبكياني صبابةً / فكرّا على قلبي حديثاً تقدّما
تصرّم عنّي رغم أنفي وذكرُهُ / عَلى القلبِ منّي جاثمٌ ما تصرّما
ترثّ اللّيالي كلَّ شيءٍ وإنّما / يزيد عليها جِدَّةً وتصرّما
ولا تعجبا من دمعتي وتعجّبا / لعينِيَ إنْ لم تجرِ من بعدها دما
لقاؤكِ يا سلمى وإنْ كان دائماً
لقاؤكِ يا سلمى وإنْ كان دائماً / يعزّ علينا أنْ يكون لماما
وقد كانْ صبحاً يملأ العينَ قرّةً / فعاد بقول الكاشحين ظلاما
كلا الهَجر منكِ الطّرف أن لا تعرّجي / على الحيّ أيقاظاً وزرتِ نياما
ولم يشفِ ذاك القربُ وهو مرَجَّمٌ / من القوم سُقماً بل أثار سُقاما
وَما كانَ إلّا باطلاً غير أنّنا / كفينا به ممّن يلوم ملاما
ألَمَّتْ بنا بعد الهدوِّ وربّما
ألَمَّتْ بنا بعد الهدوِّ وربّما / ألمَّ بنا من ليس نرجو لِمامَهُ
فيا لكَ مِن يومٍ شَحَطْتَ بياضَهُ / فلم يَعْدُني حتّى رضيتُ ظلامَهُ
ومِنْ مُغرَمٍ يَقْلِي لذيذَ اِنتباهِهِ / ويَهْوى لما جرّ المنامُ منامَهُ
ومِنْ مُسعِفٍ جُنْحاً بطيبِ عناقِهِ / وكم حَرَمَ العُشّاقَ صُبحاً كلامَهُ
فإنْ لم يكن حقّاً فقد بات مُغرَمٌ / يداوٍي بتلك الباطلاتِ سَقامَهُ
فحُبَّ به من باذلٍ لي حلالَهُ / وفادٍ بذاك البذل منّي حرامَهُ
ومِنْ مُلْتَقىً عَذْبِ المَذاقِ وتحتَهُ / فلم يرضَ لي حتّى رَبِحتُ أَثامَهُ
ولا عيبَ فيه غيرَ قربِ زوالِهِ / على أَنَّ مُشتاقاً أراد دوامَهُ
أَلا يا نَسيمَ الرّيحِ مِن أَرض بابلٍ
أَلا يا نَسيمَ الرّيحِ مِن أَرض بابلٍ / تحمّل إِلى أَهل الخيامِ سلامي
وَقُل لِحَبيبٍ فيك بعضُ نَسيمِهِ / أَما آنَ أَن تَسطيع رَجعَ كلامي
رَضيتُ وَلولا ما عَلِمتُم مِنَ الجَوى / لَما كنتُ أَرضى مِنكُمُ بلِمامِ
وَكيفَ أُطيقُ الصبرَ عمّن غَرامهُ / جَرى في عظامي وهيَ غيرُ عِظامِ
وَإنّي لأَهوى أَن أَكونَ بِأَرضِكُم / عَلى أنّني مِنها اِستَفدت سَقامي
تُريدونَ أَن أَرضى وَما كنتُ راضِياً / بِأنّكمُ في غَيرِ دارِ مقامِ
وَقد كُنتُ كالعقدِ المنظّم فيكُمُ / فَها أَنا ذا سِلكٌ بِغيرِ نظامِ
فَلا برقَ إلّا خلّبٌ بَعد بَينِكم / وَلا عارِضٌ إلّا بياضُ جهامِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025