المجموع : 182
ألَمَّ خيالٌ من أُمَيْمَةَ طارقٌ
ألَمَّ خيالٌ من أُمَيْمَةَ طارقٌ / ومن دونَ مسراه اللّوى والأبارِقُ
ألمّ بنا لم ندر كيف لِمامُهُ / وقد طالما عاقته عنّا العوائقُ
فلّلهِ ما أولَى الكرى في دُجُنَّةٍ / جَفَتْها الدّراري طُلَّعٌ وبوارقُ
نَعِمْنا به حتى كأنّ لقاءنا / وَما هو إلّا غايةُ الزُّورِ صادقُ
فما زارني في اللّيل إلّا وصبحُنا / تُسَلُّ علينا منه بِيضٌ ذَوالِقُ
فَكيفَ اِرتَضيتَ اللّيلَ واللّيلُ مُلْبِسٌ / تَضِلُّ به عنّا وعنك الحقائقُ
تُخيّل لِي قُرْباً وأنتَ بنجوةٍ / وتوهمني وصْلاً وأنت المفارقُ
أمُرُّ على الأجداثِ في كلّ ليلةٍ
أمُرُّ على الأجداثِ في كلّ ليلةٍ / وقلبي بمن فيها رهينٌ معلّقُ
وَأَقريهمُ منّي السّلامَ وبيننا / رِتَاجٌ ومسدولٌ من الترب مُطبَقُ
ولو أنّنِي أنصفتُ مَنْ في ترابها / لما رحتُ عنه مُطلقاً وهو موثَقُ
وأنّ له منّي قليلاً جوانحٌ / خَفَقْنَ وعينٌ بالدّموع تَرَقْرَقُ
أقِلْنِيَ ربّي بالّذين اِصطفيتَهُمْ
أقِلْنِيَ ربّي بالّذين اِصطفيتَهُمْ / وقلتَ لنا هم خيرُ مَنْ أنَا خالقُ
وإنْ كنتُ قد قصّرتُ سعياً إلى التُّقى / فإنّي بهمْ إنْ شئتَ عندك لاحقُ
هُمُ أنقذوا لمّا فَزِعتُ إليهمُ / وقد صَمّمت نحوي النُّيوبُ العوارقُ
وهم جَذَبوا ضَبْعي إليهمْ من الأذى / وقد طرقتْ بابي الخطوبُ الطّوارقُ
ولولاهُمُ ما نلتُ في الدِّينِ حُظوَةً / وَلا اِتّسَعَتْ فيه عليَّ المضائقُ
ولا سيّرتْ فضلي إليها مغاربٌ / ولا طَيَّرَتْهُ بينهنّ مشارقُ
ولا صَيّرتْ قلبي من النّاسِ كلّهمْ / لَها وَطَناً تأوي إليه الحقائقُ
أفي كلّ يومٍ لي حميمٌ أفارقُهُ
أفي كلّ يومٍ لي حميمٌ أفارقُهُ / وخِلٌّ نآنِي ما نَبَتْ بي خَلائِقُهْ
ومُضطجِعٌ في ريبِ دهرٍ مُسَلَّطٍ / تُطالعني في كلّ فجٍّ طوارقُهْ
ومُلتَفِتٌ في إثْرِ ماضٍ مُغَرِّبٍ / تراماهُ أجراعُ الرّدى وأبارقُهْ
فثَلْمٌ على ثَلْمٍ وزُرْءٌ مضاعفٌ / على فتقِ رُزْءٍ ضلّ بالدّهرِ راتقُهْ
مصائبُ لو أُنزِلْنَ بالشّمسِ لم تُنِرْ / وَبالبدر لم تُمْدَدْ بليلٍ سُرادِقُهْ
فمُعْتَبَطٌ خولِسْتُهُ ومؤجَّلٌ / تلبّث حتّى خِلتنِي لا أُفارقُهْ
تجافَى الرّدى عنه فلمّا أمِنْتُهُ / سقانِيَ فيه مُرَّ ما أنا ذائِقُهْ
فسُرَّ به قلبي فغال مسَرَّتِي / زمانٌ ظلومٌ للسّرورِ يسارقُهْ
أرى يومَه يومي وأشعرُ فقدَه / بأنّي وإنْ طال التّلَوُّمُ لاحقُهْ
وكم صاحبٍ عُلِّقْتُهُ فتقطّعَتْ / بأيدي المنايا من يديَّ علائقُهْ
وكيف صفاءُ العيش للمرء بعدما / تغيّبَ عنه رَهْطُهُ وأصادِقُهْ
فللّهِ أعوادٌ حَمَلْنَ عشيّةً / خبِيئةَ بيتٍ لا يرى السّوءَ طارقُهْ
على الكرمِ الفَضْفاضِ لُطَّتْ ستورُهُ / وبالبرِّ والمعروفِ سُدَّتْ مخارقُهْ
وَليسَ بهِ إلّا العفافُ وما اِنطَوَتْ / على غير ما يُرضي الإلهَ نمارِقُهْ
قيامُ سوادِ اللّيل يَندى ظلامُهُ / وصومُ بياضِ اليومِ تُحمى ودائِقُهْ
فدَتْني كما شاءتْ وما شئتُ أنّها / فَدَتْنِي ولا كانَ الّذي حُمَّ سابقُهْ
وَلَو أَنّني أَنصَفتُها من رعايتي / وقابلتُه رُزءاً بما هو لائقُهْ
لأكرعتُ نفسي بعدها مَكرعَ الرّدى / تصابحه حزناً لها وتغابقُهْ
سقى جَدَثاً أصبحت فيه مُجَلْجلٌ / رواعدُهُ ما تنجلي وبوارقُهْ
يُطيحُ الصَّدا الدّفَّاعُ منه وتَرْتوي / مغاربُهُ من فيضه ومشارقُهْ
لئِن غبتِ عن عيني فربّ مُغيَّبٍ / يروحُ وأبصارُ القلوبِ روامقُهْ
أَلا جنِّبا قلبي الأذى لا يُطيقُهُ
أَلا جنِّبا قلبي الأذى لا يُطيقُهُ / وقولوا له إذْ ضلّ أين طريقُهُ
فما الشّوقُ والأشجانُ إلّا صَبوحُهُ / وما الهمُّ والأحزانُ إلّا غَبوقُهُ
فإنْ أنتما لم تُسعداه بعبرةٍ / فلا تُنكرا إن سحّ بالدّمعِ مُوقُهُ
طوَى الموتُ أهلي بد طيِّ أصادِقي / ولمّا يُقِمْ مَن بانَ عنه صديقُهُ
فثُكلٌ على ثُكْلٍ ورُزْءٌ يسوقُهُ / إلى الكَبِدِ الحَرَّى عليه سَؤوقُهُ
وَما المَرءُ إِلّا عرضةٌ لمصيبةٍ / فطوراً بنوهُ ثم طوراً شقيقُهُ
وَما الدّهرُ إلّا تَرْحَةٌ بعد فرحةٍ / فلا كان منه بِرُّهُ وعقوقُهُ
أتاني من الطّرّاقِ ما يَقرحُ الحَشا / وكم طارقٍ لي لا يُوَدُّ طُرُوقُهُ
وقالوا معزُّ الدّينِ تاه به الرّدى / وسُدَّ به في وَسْطِ قاعٍ خُروقُهُ
فأَلْهَبَ خوفاً ليس يخبو حريقُهُ / وأعقب سكراً ليس يصحو مُفيقُهُ
وذاك ذهابٌ ليس يدنو إيابُهُ / وَوَشكُ غروبٍ ليس يُرجى شُروقُهُ
كأنّي وقد فارقتُهُ شِعْبُ منزلٍ / تحمّل عنه راغمين فريقُهُ
وإِلّا فصَدْيانٌ على ظهر قفرةٍ / وَما ماؤه إلّا السّرابُ ورِيقُهُ
فَليسَ الّذي تَجري به العينُ ماؤها / ولكنّه ماءُ الحياةِ أُريقُهُ
فمنْ لسرير الملك يركب متنَهُ / فيعلو به إِشرافُهُ وسُموقُهُ
ومَنْ لصفيحِ الهند يُنْثَرُ حولَه / فديغُ رؤوسٍ في الوغى وفليقُهُ
ومَنْ للقنا تحمرّ منه ترائبٌ / كأنّ خَلوقَ المعرسات خَلوقُهُ
ومَنْ للجيادِ الضُّمَّرِ القُودِ قادَها / إلى موقفٍ دَحْضُ المقامِ زليقُهُ
ومَنْ يحمل العِبْءَ الرّزينَ تكرّماً / إذا كَلَّ عن حَمْلِ الثّقيلِ مُطيقُهُ
ومَنْ لثغور الملك يرتُقُ فتقَها / إِذا اِلتاث ثَغْرٌ أو تراءَتْ فتوقُهُ
فتىً كان رنّاتِ السّيوفِ سَماعُهُ / وفيضَ نجيع الذّابلاتِ رحيقُهُ
وَلَم تُلفِهِ إِلّا وَفوق فَقارِهِ / جَليلُ الّذي يَقتادنا ودقيقُهُ
وقد علم الأملاك أنّك فُتَّهُمْ / وإلّا فقلْ مَن ذا الّذي لا تفوتُهُ
فإن نزلوا في الفخر هضباً رفيعةً / فمنزلُك الأعلى من الفخرِ نِيقُهُ
وأنّك من قومٍ كفى الخطبَ بأسُهمْ / وقامتْ بهمْ في معظم الأمر سوقُهُ
إذا ما جرى منهم كريمٌ إلى ندىً / مضى لم يَعُقْهُ دونه ما يَعوقُهُ
وفيهمْ شعابُ الملك تجري وعندهمْ / إذا وَشَجَتْ أغصانُه وعروقُهُ
وإن تنكُص الأقدامُ جُبناً فما لهمْ / إلى المجدِ إلّا شَدُّهُ وعنيقُهُ
قَضى اللَّهُ لِي من بعدك الحزنَ والأسى / وليسَ بمردودٍ قضاءٌ يسوقُهُ
وما كنتُ أخشى أنْ تَبِيتَ وبيننا / بعيدُ المدا شَحْطُ المزارِ سحيقُهُ
وأنِّيَ موفورٌ وأنتَ مُحَمَّلٌ / بثِقْلِ الثَّرى ما لا أراك تُطيقُهُ
يُفيقُ الرّجالُ الشّاربون من الكَرى / وسكرك من خمر الرّدى لا تُفيقُهُ
ولِمْ لا أقيك السّوءَ يوماً وطالما / وقيتَ من الأمر الذُّعاف مَذوقُهُ
ولمّا عرانِي ما عرانِيَ واِلتَوى / عليَّ أخٌ فيما عرا وشقيقُهُ
تشمّرتَ لِي حتَّى أضاء ظلامُهُ / وطاوعَ عاصيه وأرحَبَ ضيقُهُ
فَإنْ تمضِ فالأنواءُ تمضي وإِنْ تَغِبْ / فقد غاب عنّا من زمانٍ أنيقُهُ
وإن تَعْرَ منّا اليومَ فالغصنُ يُغتَدى / وريقاً زماناً ثُمّ يَعْرى وريقُهُ
فما لفؤادي بعد يومك بهجةٌ / ولا شاق قلبي بعده ما يشوقُهُ
ولا لسلوٍّ خَطْرَةٌ في جوانحي / ولا لجفوني طعمُ يومٍ أذوقُهُ
سلامٌ على قبرٍ حَلَلْتَ ترابَه / وهبّ عليه من نسيمٍ رقيقُهُ
وَمِن حوله وَشيُ الرّياض مُنَشَّرٌ / وفيه من المسك الذّكيّ فتيقُهُ
فإنْ ضاقت الأرضُ الفضا بعد فقده / فقد وسعته تربةٌ لا تضيقُهُ
مررنا عليه منشئين لقبره / غمامَ دموعٍ والحنينُ يسوقُهُ
ومِن قلّةِ الإنصافِ عيشيَ بعده / وفي الكفّ منّي لو أردتُ لُحوقهُ
لمن ضَرَمٌ أعلى اليَفاعِ تعلّقا
لمن ضَرَمٌ أعلى اليَفاعِ تعلّقا / تألَّقَ حتّى لم يجد متألِّقا
إخالُ بهِ يخفى ويبدو مكانه / وينأى ويدنو في دجى اللّيلِ أوْلَقا
كأنّ شموساً طالعاتٍ خلالَه / وإلّا وَرِيساً من مُلاءٍ تمزّقا
ذكرتُ به عصراً تصرّم طيّباً / وعيشاً سرقناه بوَجْرَةَ مُشرِقا
وريّانَ من خمر الكرى طولَ ليلِهِ / يهون عليه أنْ أبِيتَ مؤرّقا
ويحرمنا منه النّوالَ تجنّباً / ويُعرِضُ عنّا بالوصال تعشّقا
وَشنباءَ تستدعي العَزوفَ إلى الصِّبا / فَيعلقها السّالِي الّذي ما تعلّقا
تضِنُّ على الظّامي إليها بريقِها / وإنْ هي سَقَّتهُ الأراكَ المُخَلَّقا
وَلمّا اِلتَقينا للوداعِ رَقَتْ لها / دموعٌ ودمعي يوم ذلك ما رَقا
ولمّا مررنا بالظّباءِ عشيّةً / علَوْن النَّقا وَهْناً بأوفى من النَّقَا
سفرن فأبدلن الدّياجِيَ بالضُّحى / وأجريْنَ من تلك العشيّات رَوْنقا
فَمِسْنَ غصوناً واِطّلَعْن أهِلَّةً / وفُحْنَ عبيراً أو سُلافاً معتّقا
وعيّرْنَنِي شيباً سيُكسَيْنَ مِثلَهُ / وَمن ضلّ عن أيدي الرّدى شاب مَفْرقا
وهل تاركٌ للمرء يوماً شبابَه / صباحٌ وإمساءٌ ومنأى ومُلْتَقى
فقلْ للعِدا كَمْ ذا الطّماحُ إلى الّذي / علا قبلكمْ نحو السّماءِ مُحلِّقا
أَراحَكُمُ ذاك الّذي لِيَ مُتعِبٌ / وَنوّمكمْ ذاك الّذي لِيَ أرّقا
وَلَستمْ سواءٌ واِمرؤٌ في مُلِمَّةٍ / خمدتُمْ بها خوفَ الحِذارِ وأشرقا
وَلَم يَقْرِها إِلّا الصّفيحَ مُثلَّماً / وإلّا الوَشيجَ بالطِّعانِ مُدَقّقا
وشهّاقةً ترنو نجيعاً كأنّما / خرقتَ به نَوْءَ الحيَا فتخرّقا
فتحتُ لهمْ قعراً عميقاً كأنّنِي / فتحتُ بها باباً إلى الموتِ مُغْلَقا
تحكّكتُمُ منه بصلِّ تنوفةٍ / ثوى لا يذوق الماءَ فيمنْ تذوّقا
يَرُمُّ وما إرْمامُهُ لمخافةٍ / ويُخشَى الرّدى ممّنْ أرمَّ وأطْرَقا
يمُجُّ سِماماً من فروجِ نُيوبِهِ / متى ما رقاها القومُ صَمَّتْ عن الرُّقى
وبحرُ النّدى يَمُّ الرَّدى لمُرِيغِهِ / إِذا صابَ أغنى أو إذا صَبَّ أغرقا
وليثاً ترى في كلّ يومٍ بجنبه / لصرعاه أعضاداً قُطعن وأسؤقا
شديدَ القُوى إنْ غالبَ القِرْنَ غاله / وَإِنْ طلبَ الأمر الّذي فات ألحقا
وإن هاجه يوماً كَمِيٌّ رأيتَهُ / مُكِبّاً على أوصالِهِ مُتَعَرِّقا
فَفخراً بنِي فِهْرٍ بأنِّيَ منكُمُ / إذا عِيق عن عليائها مَن تعوّقا
تطولون بِي قوماً كما طُلتُ معشراً / بكمْ سابقاً في حَلْبَةِ المجدِ سُبَّقا
وكنتُ لكمْ يوم التّخاصمِ منطقاً / فصيحاً وفي يوم التَّجالد مَرْفِقا
وَلَمّا اِدّعيُتمْ أنّكمْ سادةُ الورى / وألصقتُمُ بالمجد كنتُ المصدَّقا
ولم تخفقوا لمّا طلبتمْ نجابتي / وكم طالبٍ هذي النّجابةَ أخفقا
وما كان ثوبُ الرَّوْعِ يوماً عليكُمُ / وفي كفِّيَ العَضْبُ اليَمانِيُّ ضيّقا
خذوا الفخرَ موفوراً صحيحاً أديمُهُ / وخلّوا لمن شاء الفخارَ المُشَبْرَقا
وَلمّا بنيتُمْ ذُرْوَةَ المجد والنّدى / هزأتُمْ بقومٍ يبتنون الخَوَرْنَقا
وحرّقتُمُ بالطّعنٍ ناراً غزيرَةً / فأنسيتُمُ مَن كان يُدعى المُحرِّقا
وحلّقتُمُ في شامخاتٍ من العُلا / فأخزيتُمُ مَن كان يُدعى المُحَلَّقا
وودّ رجالٌ أنّنِي لم أفُتْهُمُ / تماماً وأفضالاً ومجداً ومُرتَقى
وأَنِّيَ ما حُزتُ الفخارَ مغرِّباً / كما حزتُهُ دون الأنامِ مشرّقا
وأنِّيَ ما أنصبتُ في طرقِ العُلا / قلوباً وأجساماً وخيلاً وأينُقا
فَلا تَغضبوا من سابقٍ بَلَغ المَدا / وَلوموا الّذي لم يُعْطَ سَبْقاً فيسبقا
ولم أرَ مِن بعد الكمال بناظري / مِنَ النّاسِ إلّا مُغضَباً بِيَ مُحنَقا
وَماذا عَلى الرّاقي إلى قُلَلِ الذرا / ذُرا المجدِ بلْ مَن لم ينلها ولا اِرتَقى
فكم أنا مُزْجٍ كلَّ يومٍ قصيدةً / ومُهدٍ إِلى راوٍ كلاماً مُنَمَّقا
وليس بشافٍ داءَ قلبِيَ مِقْوَلي / وإنْ كان مرهوبَ الشّباةِ مُذَلَّقا
أَروني اِمرءاً من قبضةِ الدّهرِ مارقا
أَروني اِمرءاً من قبضةِ الدّهرِ مارقا / ومن ليس يوماً للمنيّةِ ذائقا
هو الموتُ ركّاضٌ إلى كلّ مهجةٍ / يُكِلُّ مطايانا ويُعيي السّوابقا
فإنْ هو ولّى هارباً فهو فائتٌ / وإنْ كان يوماً طالباً كان لاحقا
فكم ذا تغول النّائباتُ نفوسَنا / وتستلب الأهلين ثمّ الأصادقا
وكم ذا نُعير المُطمعات عيونَنا / ونُدنِي إلى ريح الغرورِ المناشقا
ونعشق في دار الفَناءِ مواطناً / يعرّين منّا لم يكنّ معاشقا
ونشتاق إمّا قالياً أو مقاطعاً / فيا شائقاً لِي ما أضرّك شائقاً
ولو أنّني وفّيت حقَّ تجاربي / قطعتُ من الدّهرِ العَثورِ العلائقا
نُطاح إلى الأجداثِ في كلّ ليلةٍ / ونوسِدُ في قَفْرِ التّراب المرافقا
فيا خبراً أذرى العيونَ جوامداً / وأبقى القلوبَ السّاكناتِ خوافقا
أتاني طَروقاً وهو غيرُ مُحبَّبٍ / وَكَم جاء ما لا تَشتهي النّفسُ طارقا
وددتُ وداداً أنّه غير صادقٍ / وكم قاتلٍ ما كنتُ أهواه صادقا
أصابك من سهم الرّدى ما أصابني / وكان لجلدي قبل جلدك خارقا
ولو أنّنِي حُمّلتُ ثِقْلَك كلَّه / حملتُ عَلوقاً بالّذي كنتُ عالقا
فإن يَكُ غصنٌ من غصونك ذاوياً / قد أبقت الأيّامُ أصلَك باسقا
وإن يَكُ نجمٌ غار بعد طلوعه / فقد ملأتْ منك الشّموسُ المشارقا
أزال الرَّدى منّا على الرّغم تَلْعَةً / وأبقى لنا منك الجبالَ الشَّواهقا
وما ضرّ والسِّربالُ باقٍ على الفتى / إذا شعَّثَثْ منه اللّيالِي البنائقا
وفيك وفي صِنْوٍ له عوضٌ به / إذا نحن أنْصَفْنا الخُطوبَ الطّوارقا
وساء به مَن سرّنا بمكانه / وأفناه مَن أعطاه بالأمس رازقا
حُرمناهُ حظّاً بعد أنْ أخذتْ لنا / على حظّنا منك اللَّيالي المواثقا
وما كنتُ أخشى أنْ يَسُدَّ به الرّدى / فُروجَ الليالي دوننا والمخارقا
وأنْ يحجبَ الصُّفّاحُ بيني وبينه / ويودعه وسْطَ العَراءِ الشّقائقا
فيا أيّها ذا العادلُ المُقْرَمُ الّذي / رضيناه خلْقاً كاملاً وخلائقا
تَعَزَّ عن الماضي ردىً بثوابه / وَكُن بالّذي يَجزِي على الصَّبرِ واثقا
فليس لمخلوقٍ وإن عضَّه الرّدى / فضاق ذراعاً أنْ يعارض خالقا
هل العزُّ إلّا في متونِ السّوابقِ
هل العزُّ إلّا في متونِ السّوابقِ / تصرّفها قِدْماً حُماةُ الحقائقِ
وما أَرَبِي إلّا لقاءُ عصابةٍ / ذوي مُهَجاتٍ ما حَلَوْنَ لذائقِ
يسود فتاهمْ لم يُوَفَّ شبابُهُ / ويُدعى إلى الجُلّى ولمَّا يراهِقِ
صفحتُ عنِ الأهواءِ إلّا اِرتياحةً / تَعارَضُ من قلبٍ إلى المجد تائقِ
أُنقِّبُ إِلّا عن عَضِيهةِ صاحبٍ / وَأَسأَل إلّا عَن خدور العواتقِ
أَتُستَلَبُ الأيَّامُ لم يروِ غُلّتِي / دِراكُ طعانٍ في صدور الفيالقِ
ولم تُرَ خيلي شُرَّعاً في كتيبةٍ / تُغيّبُ أشخاصَ الجبال الشَّواهقِ
ولو شئتُ والحاجاتُ منّي قريبةٌ / منعتُ بياضَ الشيبِ أخذَ مفارقي
سقطتُ وراءَ الحزمِ إِنْ لم أَشُنَّه / على الجَوْرِ يوماً مستطيرَ البوائقِ
مليئاً بتشييد المعالي إذا مضى / أقام بِناهُ في بطون المهارِقِ
تخوّفني الخرقاءُ أوْبَةَ خائفٍ / وما الحزمُ سلطاناً على كلّ عائقِ
لحَا اللَّهُ أحداثَ الزّمان فإنّها / ركائبُ لم تُسنَدْ إِلى حفظ سائقِ
رَأيتُ اِضطِرابَ المرء والجدُّ عاثرٌ / كما اِضطرب المَخنوق في حبل خانقِ
وما نَقَصَ المقدورُ من حظّ عاقلٍ / بِقدرِ الّذي أَسناه من حظّ مائقِ
خليليَّ ما لي لا أَعافُ مجانباً / فأصرِمَه إِلّا بهجو موافقِ
ألا جنّباني ما نبا بخلائقي / وحسبُكما ما كان وَفْقَ خلائقي
ولا تسألا عن خبرةٍ بات علمها / يصدّع ما بيني وبين الأصادقِ
أراني متى جرّبتُ ودَّ مواصلٍ / تَقارب سعيي في اِتّباع مفارقِ
يخالسني هذا العَلاءَ معاشرٌ / ولكنّ قولاً يُهتدى غيرُ صادقِ
ولمّا بدا لِي الكاشحون فصرّحوا / تمنّيتُ أيّام العدوّ المنافقِ
بني عمّنا لا تبعثوها ذميمةً / تقرّب صفوَ الكأس من كفّ ماذقِ
أضنّاً بتأثيل المودّةِ بيننا / وبذلاً لتقطيع القوى والعلائقِ
وَفَيْنا على تلك الهَناتِ وأعرضَتْ / طرائقنا عن بعض تلك الطّرائقِ
وما بدّلَتْ منّا الولايةُ شيمةً / لِنَاءٍ بعيدٍ أو قريبٍ ملاصقِ
وقد كان فيما كان خرقٌ لنافذٍ / وسَوْمٌ لمستامٍ وقولٌ لناطقِ
وهَمٌّ كتكرارِ المَلامِ شباتُهُ / تَغَلْغَلُ في قلبٍ قليل المرافقِ
يطوّحني في كلّ عرضِ تنوفةٍ / ويقذفني من حالقٍ بعد حالقِ
وَبينَ وجيفِ اليَعْمَلاتِ وَوَخدِها / بلوغٌ لباغٍ أَو سلوٌّ لعاشقِ
أما وأبي الفتيانِ ما اِلتَثْتُ فيهمُ / وقد جزعوا بالعِيسِ هَوْلَ السّمالِقِ
ولمّا رفعناهنّ من جوّ ثَهْمَدٍ / يُعارضن أصواتَ الحَصا بالشّقاشق
بدأْن السُّرى واللّيلُ لم يَقْنَ لونُهُ / وقد شَحُبَتْ منه وجوه المشارقِ
إِلى أنْ تبدّى الصّبحُ يجلو سوادَه / فلم يبق منه غيرُ ثوبٍ شُبارِقِ
ولولا اِبنُ موسى ما اِهتدين لطيِّهِ / ولو وُصِلَتْ أبصارُها بالبوارقِ
فَتىً لا يُجِمُّ المالَ إِلّا لِمَغْرَمٍ / ولا يستعدُّ الزّادَ إلّا لطارقِ
تجاوز آمالَ العُفاةِ وأشرفتْ / يداه على فيض الغيوث الدّوافق
إِذا همّ لم يسترجع الرّيثُ همَّهُ / ولم تُعتَرضْ حاجاتُه بالعوائقِ
يحيط بأقطار الأمور إذا سعى / وكم طالبٍ أعجازَها غيرُ لاحقِ
وما ضَلّ وَجهُ الرّأي عنه وإنّما / تقاضاه من وجه الظُّنونِ الصّوادِقِ
وقد ساورته النّائباتُ فأقشعتْ / وَما حَظِيَتْ إلّا بنَهْلَةِ شارقِ
لك الفَعَلاتُ البِيضُ ما غُضّ فضلُها / بتالٍ ولم تُغلَبْ عليها بسابقِ
تفرّدْتَ في إبداعها واِتّباعُها / يفوتُ إذا رامَتْه طَوْلُ الحزَائقِ
معالمُ تستقصي الثّناءَ وتنتمِي / إلى شَرَفٍ فوق السّماكين سامقِ
ولمّا رأى الأعداءُ سِلْمَك مَغْنَماً / خرقتَ لهمْ بالحربِ سُحْبَ الصّواعقِ
ضِرابٌ كشقّ الثّاكلاتِ جيوبَها / وطعنٌ كأفواه المَزادِ الفواهِقِ
بِكلّ فتىً يغشى الهِياجَ وصدرُه / فَسيحُ النَّواحي بين تلك المضائقِ
فإنْ هربوا أهدَوْا عيوباً لعائبٍ / وإنْ أقدموا أهدَوْا رؤوساً لفالقِ
يَهابُ الرّدى مَن لم تُعِرْه صرامةً / وَجأشاً على خَوض الرّدى غيرَ خافقِ
وما زلتَ والحالاتُ شتّى بأهلها / هلالَ نديٍّ أو غمامةَ بارقِ
أبَى العيدُ إلّا أن يعود صباحُه / كما عاد موموقٌ إلى قربِ وامقِ
ولَليوم ما تَلْقَى المطايا مُشيحةً / تَقَلْقَلُ في أكوارها والنّمارقِ
بركبٍ أراق السّير ماءَ وجوههمْ / ولوّحَها تهجيرُهمْ في الودائقِ
وَما هو إلّا نازلٌ طلب القِرى / فعقِّرْ له بالبِيضِ حُمْرَ الأيانقِ
بقلبيَ منكِ الهمُّ والحزنُ والأسى
بقلبيَ منكِ الهمُّ والحزنُ والأسى / وقلبُكِ ما يدري بما أنَا لاقِ
وعندكِ رِقّي والهوى أنتِ كلُّهُ / ولكنّني عبدٌ مَنَيْتِ إباقي
وَما أَنتِ إِلّا فرقةٌ بعد أُلْفَةٍ / وإلّا فَإِعراضٌ مكانَ فراقِ
دعِ الجِزْعَ عن يُمناك لا عن شمالكا
دعِ الجِزْعَ عن يُمناك لا عن شمالكا / فلِي شَجَنٌ أحنو عليه هنالكَا
وقفْ بِي وإنْ سار المطيُّ بأهلِهِ / وجُدْ لي به واِجعله بعضَ حِبائكا
ولولا الهوى ما بتّ أسأل باخلاً / وآملُ مَنّاناً وأعشَقُ فارِكا
ومَن ذا الّذي لولاه ذلّلَ صَعْبَتِي / وليَّنَ منّي للشَّموسِ العرائِكا
من اللّائي يفضحن الغصون نضارةً / وبالجِيد يُخجِلْنَ الظِّباءَ الأواركا
عَفَفْنَ فما اِستَشهدن يومَ تفاخرٍ / عَلى عَبَقِ الأفواه إلّا المساوِكا
ولمّا أرَتْنا ساعةُ البين عَنْوَةً / وجوهاً وِضاءً أو شعوراً حوالكا
نزعنا ثيابَ الحِلْمِ عنّا خلاعةً / فلم نَرَ إلّا سادراً متهالكا
وإلّا بدوراً بالرّحيل كواسفاً / وإلّا شموساً بالحدوجِ دوالكا
وَمُنتَقِباتٍ بالجمال ملكْنَنا / وما كنّ لِي لولا الجمالُ موالكا
قتلن ولم يشهرن سيفاً وإنّما / شَهرنَ وجوهاً طَلْقةً ومضاحكا
فأقسمتُ بالبُزلِ الهِجانِ ضوامراً / يَرِدْن بنا البيتَ الحرامَ رواتكا
ويُبْصَرْنَ من بعد الكَلالِ نواحلاً / وقد كنّ من قبل الرّحيلِ توامكا
بَرَكنَ على وادي مِنىً بعد شِقْوَةٍ / ومِن بعد أنْ قضَّيْنَ منّا المناسكا
ومِن بعد أنْ طرّحن أحلاسَ أظهُرٍ / أكَلْن ظهوراً بالسُّرى وحواركا
أبَيْنَ وما يأبينَ إلّا نجابةً / قُبيلَ بلوغٍ للمرامِ المباركا
وما قِلْنَ إلّا بعد لأْيٍ وبعد ما / قطعن اللّوى قَطْعَ المَدا والدَّكادِكا
لقد حلّ ركنُ الدّين ما شاء من رُبىً / وطالتْ معاليه الجِبالَ السّوامكا
وما زال نهّاضاً إلى المجد ثائراً / وذا شَغَفٍ بالْعِزِّ والفخر سادكا
فإنْ طلب الأقوامُ عوناً على عُلاً / توحَّدَ لا يبغِي العَوِينَ المشاركا
رضيتُك ما ملكَ الملوك من الورى / لقلبِيَ من دون البريّةِ مالكا
ولمّا ثنتْ كفّي عليك أنامِلِي / تَركتُ اِحتقاراً كلَّ مَن كان مالكا
فإنْ كنتُ قد قلقلتُ شرقاً ومغرباً / فَها أنا ذا ربُّ المطيِّ بَواركا
فما لي اِنتِقالٌ بعد مَغنىً غنيتُه / وما لي اِرتِحالٌ بعد يومِ لقائكا
وَأَنتَ الّذي فُتّ الملوكَ فلم يكنْ / لعالِي البنا في المجدِ مثلُ علائكا
أبَوْا وأبَيْتَ الضَّيْمَ فينا ولم يكنْ / لكلّ أُباةِ الضَّيمِ مثلُ إبائكا
وقد علم المُعْطَوْنَ بعد سؤالهمْ / بأنّك تُغنِي الفقر قبل سؤالكا
وكم لك من فضلٍ حقرتَ مكانَه / وإنْ هو أخزى حاتِماً والبرامكا
علوتَ عن السّامِي إليك بطرفِهِ / فأين من الرّاقين حول جبالكا
وما سلّموا حتّى رأوك محلِّقاً / يشقُّ على الأيْدِين بُعْدُ مَنالكا
فإنْ خبروا بالفضل منك رقابةً / فقد شاهدوا ما شاهدوا من جلالكا
ومَن كان ذا ريبٍ به في شجاعةٍ / وبأْسٍ يَسَلْ عنه الوَغى والمعاركا
غداةَ أَسالَ الطَّعنُ في ثُغرِ العِدا / كما شاءَت الأيدي الدّماءَ السّوافكا
وَما حملتْ يُمناه إلّا صوارماً / لِكُلّ وريدٍ من كميٍّ بواتكا
وَلَمّا اِستطار البغيُ فيهمْ أطَرْتَ في / طِلابهمُ من ذي الجيادِ السَّنابكا
فروّيتَ منهمْ أسمرَ اللّون ذابلاً / وحكّمتَ فيهمْ أبيضَ اللّونِ باتكا
وما شعروا حتّى رأوها مغيرةً / عجالاً لأطرافِ الشَّكِيمِ لوائكا
يُخَلْنَ ذئاباً يَبتدِرْن إِلى القِرى / وإلّا سيولاً أو رياحاً سواهكا
ويُلْقَيْنَ من قبل اللّقاءِ عوابساً / وبعد طلوع النَّصر عُدْنَ ضواحكا
وفوق القَطا منهنّ كلُّ مغامرٍ / إذا تارَكُوه الحربَ لم يكُ تاركا
يخيضُ الظُّبا ماءَ النّحورِ من العِدا / ويخضبُ منهمْ بالدّماءِ النّيازكا
ولَو شئتَ حكّمتَ الصّوارمَ فيهمُ / وسُمراً طِوالاً للنُّحُور هواتكا
فَسقّيتَهمْ حتّى اِرتَوَوْا أكؤُسَ الرّدى / وَحرّقْتَهمْ حتّى اِمّحوا بأُوارِكا
وضربُ طُلىً قطّ الطُّلى متواتراً / وطعنُ كُلىً عطّ الكُلى متداركا
فإنْ رجعوا منها بهُلْكِ نفوسهمْ / فأيديهمُ جرّتْ إليها المهالكا
فقضّيتَ مِن أوطارنا كلَّ حاجةٍ / وأخرجتَ أوتاراً لنا وحَسائكا
وكنتَ متى لاذوا بعفوك صافحاً / وإنْ معكوا كنتَ الألَدَّ المماعكا
فبشرى بما بُلّغته من إرادةٍ / وشكراً لما أُوتيتَهُ من نَجائكا
وللّهِ عاداتٌ لديك جليلةٌ / يَقُدْنَ إليك النَّصرَ قبل دُعائكا
وَما كان إلّا اللَّهُ لا شيءَ غيره / مُنجّيك منها والشّفاءُ لدائكا
ولا فِكْرَ فيمن صمَّ لمّا دعوتَه / وربُّ الورى طرّاً مجيب دعائكا
فإنْ كنتَ يوماً طالباً ناصحاً لكمْ / بلا رِيبَةٍ منه فإنِّيَ ذالكا
فَما أَنا إِلّا في يديك على العِدا / وفي قَسْمِك الأسنى وتحت لوائكا
وما لِيَ في ليلي البهيم من الورى / ولا صبحَ فيه غيرُ نور ضيائكا
فلا تَخشَ مِنِّي جفوةً في نصيحةٍ / وَكيفَ وما لِي خشيةٌ من جفائكا
ولا تدّخرْ يوماً لخدمتك الّتي / تَخصّك إلّا الحازمَ المتماسكا
ولا تغتررْ بالظّاهراتِ من الورى / فكم يَقِقٍ يتلوه أقتَرُ حالكا
وقد خبّر النيروزُ أنّ قدومَه / يُنيخُ السُّعودَ الغُرَّ فوق رجالكا
فخذ منه فيما أنت ترجو وتبتغي / على عقبِ الأيّامِ فوق رجائكا
ودُمْ لا اِنجَلتْ عنّا شموسُك غُرَّباً / ولا زال عنّا ما لنا من ظِلالكا
أَلا يا اِبنةَ الحيّينِ ما لي وما لَكِ
أَلا يا اِبنةَ الحيّينِ ما لي وما لَكِ / وماذا الّذي يَنتابني من خيالِكِ
هجرتِ وأنتِ الهمُّ إذ نحن جيرةٌ / وزرتِ وشَحْطٌ دارُنا من ديارِكِ
فَما نَلتقي إلّا عَلى نشوةِ الكرى / بكلّ خُدارِيٍّ من اللّيل حالِكِ
يفرّق فيما بيننا وَضَحُ الضُّحى / وتجمعنا زُهرُ النّجومِ الشّوابِكِ
وما كان هذا البذلُ منك سجيّةً / ولا الوصلُ يوماً خلّةً من خِلالِكِ
فَكيفَ اِلتَقينا وَالمسافَةُ بيننا / وكيف خطرنا من بعيدٍ ببالِكِ
وقد كنتِ لمّا أوسعونا وشايةً / بنا وبكمْ آيستِنا من وصالِكِ
فلم يَبْقَ في أيْمانِنا بعدما وَهَتْ / عقودُ التّصابي رُمَّةٌ من حبالِكِ
وليلة بتنا دون رَمْلةِ مُربِخٍ / خطوتِ إلينا عانكاً بعد عانِكِ
وما كانَ من يستوطن الرَّملَ طامعاً / وأنتِ على وادي القرى في مزارِكِ
وَلَمّا اِمتَطيتِ الرّملَ كنتِ حقيقةً / بغير الهدى لولا ضياءُ جمالِكِ
تزورين شُعثاً ماطَلُوا اللّيلَ كلَّه / على أَعوَجيّاتٍ طِوالِ الحوارِكِ
إذا خِفنَ في تِيهٍ من الأرضِ ضَلَّةً / ولا ضوءَ أوْقَدْنَ الحصى بالسَّنابِكِ
سلامٌ عَلى الوادي الّذي بان أهلُهُ / ضُحيّاً على أُدْمِ المطيِّ الرّواتِكِ
وفيهنّ ملآنٌ من الحسنِ مُفعَمٌ / يفيءُ بعزمِ النّاسك المتماسِكِ
يتاركني وصلاً وبذلاً ونائلاً / وموضعُه في القلب ليس بتاركي
إذا اِفْتَرَّ يوماً أو تبسّمَ مُغرِباً / فعن لؤلؤٍ عذبٍ نقيّ المضاحِكِ
أبَى الرَّشْفَ حتّى ليس يثنِي بطيبه / بُعَيْدَ الكرى إلّا فروعَ المساوِكِ
ولمّا تنادَوْا غفلةً برحيلهمْ / فما شئتَ بين الحيّ من متهالكِ
ومِن مُعْوِلٍ يشكو الفراقَ وواجمٍ / ومِن آخذٍ ما يبتغيه وتاركِ
مضوا بعد ما شاقوا القلوبَ ووكّلوا / بأعيننا فيضَ الدّموع السّوافِكِ
عشيّةَ لاثوا الرَّيطَ فوق حدوجهمْ / على مثلِ غزلان الصّريمِ الأواركِ
يُحدّثْنَ عن شَرْخ الصِّبا كلَّ من رأى / تماماً لهنّ بالثّدِيِّ الفَوالِكِ
ألا إنّ قوماً أخرجوكنّ قد بغوا / وسدّوا إلى طُرْقِ الجميل مسالكي
هُمُ منحونا بِشْرَهمْ ثمّ أسرجوا / قلوباً لهمْ مملوءةً بالحسائكِ
ترى السِّلْمَ منهمْ بادياً في وجوههمْ / وبين ضلوع القومِ كلُّ المعاركِ
وما نقموا إلّا التّصامُمَ عنهمُ / وصفحي لهمْ عن آفكٍ بعد آفكِ
وإنِّيَ أُلقِي القولَ بالسّوءِ منهمُ / بمَدْرَجِ أنفاسِ الرّياحِ السّواهكِ
وأسترُ منهمْ جانبَ الذّمِّ مُبقياً / على خارقٍ منهمْ لذاك وهاتكِ
إِذا كنتُمُ آتاكم اللَّهُ رُشْدَكمْ / تودّون ودّاً أنّنِي في الهوالكِ
فمنْ ذاكُمُ أعددتُمُ لذماركمْ / إذا قمتُمُ في المأزقِ المتلاحكِ
ومَن ذا يُنيلُ الثّأْرَ عفواً أكفّكمْ / وتُظفِركمْ أيّامُه بالممالكِ
ومَن قوله يومَ الخصومةِ فيكمُ / يبرِّحُ بالخصمِ الألدِّ المماحِكِ
ومَن دافَعَ الأيّامَ عن مُهَجاتكمْ / وهنَّ أخيذاتٌ لأيدي المهالكِ
رأيتُكمُ لا ترشحون لجاركمْ / من الخير إلّا بالضّعافِ الرّكائكِ
يبيتُ خميصاً في القضيض وأنتُمُ / كظيظون جثّامون فوق الأرائكِ
ويُصبحُ إمّا مالُهُ في مُلِمَّةٍ / تنوبكُمُ أو شِلْوُهُ للمناهكِ
وإنّ الّذي يَمرِيكمُ لعطائِهِ / لمُستَمطِرٌ رِفْدَ الأكفّ المسائِكِ
ألا هلْ أرى في أرضِ بابِلَ أَدْرُعاً / تصول بأسيافٍ رِقاقٍ بواتِكِ
وهلْ أرِدَنْ ماءَ الفراتِ قبيلةً / بلا ظمأٍ مشلولةً بالنّيازكِ
يعُجُّ القنا بالطّعنِ في ثغَراتها / عجيجَ المطايا جُنَّحاً للمباركِ
وهلْ أنا في فجٍّ من الأرض خائفٌ / أذودُ بأطراف القنا للصَّعالكِ
فمن لي على كسب المحامِدِ والعُلا / ورغم الأعادي بالصّديق المشاركِ
أفي دارهمْ من بعدما اِرتحلوا تبكي
أفي دارهمْ من بعدما اِرتحلوا تبكي / وتشكو ولكن ليس تشكو إلى مشكِ
فيا دِمْنَة الحيّ الّذين تحمّلوا / بوادي الغَضا ماذا ألمَّ بنا منك
خشعتِ فلا عينٌ تراكِ لناظرٍ / دثوراً ولا نطقٌ يخبّرنا عنكِ
وأذْكرتنِي والشّيبُ يضحك ثغرُه / بلمَّتِنا عهدَ الشّبيبةِ والفتكِ
ليالِيَ لا حِلْمٌ لذي الحلمِ والنُّهي / ولا نُسُكٌ فيها يصابُ لذي نُسكِ
فللّه أفواهٌ لقينَ أُنوفَنا / بأذكى وقد ودّعْن من عَبَقِ المسكِ
وكم من سقيمٍ ليس نرجو شفاءَهُ / بأجْراعكمْ أو من أسيرٍ بلا فكِّ
فقل للأُلى تاركتهمْ لاِحتقارهمْ / فأبصرهم كفّي وأَطمعهم تركي
لَكَمْ مَرّةٍ محّصتكمْ وخَبرتُكمْ / فبَهْرَجكمْ نقدي وزيّفكمْ سَبْكي
فلا يبعدَن مَن كنتُ بالأمس بينهمْ / على هَضْبةِ الباني وفي ذُروَةِ السَّمْكِ
بلغتُ بهمْ ما لم تَنَلْهُ يدُ المُنى / وحُكِّمتُ حتّى صرتُ أحكمُ في الملكِ
وجاورتُهمْ شُمَّ العرانين كلّما / مَعَكْتُ بهمْ جارَوْا سبيلي في المَعْكِ
كرامٌ فلا أموالهمْ لعُبابهمْ / ولا دَرُّهمْ للحَقْنِ لُؤْماً وللحَشْكِ
وأفنيةٌ لا يُعرَفُ الضّيمُ بينها / وَلا الفقرُ مرهوبٌ ولا العيش بالضَّنْكِ
هُمُ أخرجوا مِن ضيقِ سخطٍ إلى رضىً / وهمْ أبدلوا قلبي اليقين من الشكِّ
وهمْ نزّهوني أنْ أذِلَّ لمطمعٍ / وهمْ حقنوا لِي ماءَ وجهي من السَّفْكِ
وهمْ ملّكونِي بعدما كنتُ ثاوياً / مَدى الدّهرِ وَاِستعلَوْا بنجمِي على الفُلكِ
وكنتُ وكانوا إلْفَةً وتجاوراً / مكان سُرودِ العِقْدِ من مسلك السِّلْكِ
مضوا لا بديلٌ لِي ولا عوضٌ بهمْ / فها أنا ذا دهري على فقدهمْ أبكي
على مَن ثوى أرضَ الحجازِ تحيّةٌ
على مَن ثوى أرضَ الحجازِ تحيّةٌ / فليس إلى غير السّلام سبيلُ
ولا زال مُنْهَلٌّ من الوَدْقِ هاملٌ / تُجرَّرُ منه في رباه ذيولُ
ولا ظَفِرتْ أيدي الخطوبِ بربْعِه / ولا أبصرتْه العينُ وهو هطولُ
أُحِبُّ مناخاً بالحجاز تعاصفتْ / إلينا بريّاه صَباً وشَمولُ
كأنّي وقد فارقتْه من صبابةٍ / وإن كنتُ في حكمِ الصّحاح عليلُ
وما ذاك من حبّ الدّيار وإنّما / خليليَ منها حيث حلّ خليلُ
قليلٌ لمن في الجِزْعِ أنّي منحتهُ / غرامي وهل بعد الفراق قليلُ
ووجدي به مُستودَعٌ لا يبثّه / حديثٌ ولا يَفْرِي قواه عذولُ
وسمعُ سوائي فيه للّوم سامعٌ / وألْبابُ غيري في هواه مُحولُ
يَجِدُّ بنا صَرْفُ الزّمان ونهزِلُ
يَجِدُّ بنا صَرْفُ الزّمان ونهزِلُ / ونُوقَظ بالأحداثِ فيه ونَغْفُلُ
ونغترّ في الدّنيا برَيْثِ إقامةٍ / ألا إنّما ذاك المقيمُ مُرَحَّلُ
يقادُ الفتى قَوْدَ الجنيبِ إلى الرّدى / وما قادَهُ منه المُغارُ المُفَتَّلُ
وما النّاسُ إلّا ظاعنٌ أو مودِّعٌ / ومُستَلَبٌ مستَعجَلٌ أو مؤجِّلُ
فمِن رجلٍ قضّى الحِمامُ ديونَه / وآخرَ يُلوى كلَّ يومٍ ويُمْطَلُ
وأفنيَةٍ إمّا فِناءٌ مُراوَحٌ / مُغادى إليه أو فِناءٌ مُعَطَّلُ
وما هذه الأيّامُ إلّا منازلٌ / إِذا ما قَطعنا منزلاً بان منزلُ
بنو الأرضِ يعلو واحدٌ فوق ظهرها / وآخرُ تعلو هِي عليه فيسفُلُ
تَعاقُبَ سَجْلَيْ ماتحٍ في رَكِيَّةٍ / فسَجْلٌ له يَرقى وآخرُ ينزلُ
فناءٌ مُلِحّ ما يَغبّ جميعَنا / إذا عاش منّا آخِرٌ مات أوّلُ
وقالوا تَمَنَّ العمرَ تحظَ بطولِهِ / فقلت وما يُغني البقاءُ المطوَّلُ
قصيرُ مقامِ المرءِ مثلُ طويلهِ / يَفِيءُ إلى وِرْدِ المَنونِ ويوصِلُ
أَروني الّذي فات الحِمامَ ومن له / إِذا أَمَّهُ المقدارُ ظهرٌ ومَعْقِلُ
وَأَين الّذين اِستَنزلَ الدّهرُ منهمُ / بهاليلَ لمّا أحزنوا العزَّ أسْهَلُوا
تَراهمْ كآسادِ الشّرى في حفيظةٍ / فإنْ سئلوا المعروفَ يوماً تهلّلوا
أُذِيدوا فلم يُغنَوْا ولم يُغنِ عنهُمُ / من الذّائدين ما أنالوا وخوّلوا
ولا أسمرٌ صَدْقُ الكعوبِ عَنَطْنَطٌ / ولا شادخٌ وافي الحِزامِ مُحجَّلُ
وَكم صاحِبٍ لِي كنتُ أكره فقدَهُ / تسلّمه منّي الفَناءُ المعجّلُ
أُبدَّلُ بالإخوانِ ما إِنْ مَلَلْتُهمْ / وبالرّغمِ منّي أنّني أتبدّلُ
مقيمٌ بُمسْتَنِّ الخطوبِ تُعِلّني / أفاويقَ أخلافِ الزّمان وتُنهِلُ
وأُغضي عَلى ما آدَ ظهري كأنّنِي / على حَدَثانِ الدّهرِ عَوْدٌ مُذَلَّلُ
فيا ليتَ أنّي للحوادث صخرةٌ / تُحمَّلُ أثقالَ الخطوبِ فتحملُ
تمرُّ بها الأيّامُ وهي مُلِظَّةٌ / بعلياءَ لا تهفو ولا تَتَزَيَّلُ
ويا ليتَ عندي اليومَ بعضَ تَغَفُّلٍ / فأنعمُ منّا بالحياةِ المغَفَّلُ
أَلا علّلاني بالحياةِ وخادِعا / يقينِي فكلٌّ بالحياةِ معلَّلُ
وقولا لعلّ الدّارَ شَحْطٌ من الرّدى / وعمرُك من أعمار غيرك أطولُ
ولا تَعِدانِي الشَّرَّ قبلَ نزولِهِ / فإنَّ اِنتظارَ الشّرّ أدهى وأعضَلُ
ومُدّا بأسبابِ الحياةِ طَماعتي / فإنّا على الأطماع فيها نُعوِّلُ
وَقودا إليَّ اليومَ ما شئتُ منكما / فإنّا غداً من هذه الدّارِ نُنقَلُ
ودانٍ إلى شِعْبي وقلبي تنازَحَتْ / به في بطونِ الأرضِ غبراءُ مجهلُ
تلفّتُّ أبغِي في الطَّماعةِ عَوْدَه / وهيهات عمَّا في التّرابِ المؤمَّلُ
عَليك اِبنَ يحيى كلَّ يومٍ وليلةٍ / سلامٌ كما شاء المُحَيُّون مُسهِلُ
ولا زال قبرٌ أنتَ فيه موسَّدٌ / يُراحُ بنشر المندليِّ ويوبَلُ
وإنْ جَفَتِ الأنواءُ تُرباً فلم يزلْ / تمرّ به وهو المَجودُ المبلَّلُ
تدرّ عليه كلُّ وطْفاءَ جَوْنةٍ / ويسري إليه البارقُ المتهلِّلُ
ولمّا نعاك النّاعيان تهاطَلَتْ / بوادرُ ما كانتْ لغيرك تهطِلُ
وعالوك قهراً فوق صَهوةِ شَرْجَعٍ / لنا من نواحيه حنينٌ وأزْمَلُ
غداةَ أُديلَ الحزنُ منّا فلم يكنْ / هنالك إلّا مُعْوِلاتٌ ومُعوِلُ
وَلا قلبَ إلّا وهو منك مُكلَّمٌ / وَلا لُبَّ إلّا وهو فيك مُذَهَّلُ
تَقطّع ما بيني وبينك والتّقى / عليك على كرهي ترابٌ وجَنْدَلُ
مجاورَ قومٍ فرّق الموتُ بينهمْ / وأجداثُهمْ في رأي عينٍ تَوَصَّلُ
كأنّهُمُ كانوا عكوفاً ببابِلٍ / فراقَهُمُ منها الرّحيقُ المُسَلْسَلُ
منحتُك قولي حين لا فعلَ في يدي / ويا ليتني فيه أقول وأفعلُ
وليس يردّ الموتَ ما نحن بعده / نروِّي منَ الأشعار أو نتنحّلُ
أتانِيَ والرّكبانُ يأتي نجيُّهمْ
أتانِيَ والرّكبانُ يأتي نجيُّهمْ / بما ساء أو سرّ الفتى وهو غافلُ
بأنّ الّذي سالتْ شعابُ النّدى به / تلاقتْ على رغمي عليه الجَنادلُ
وحلّ بدارٍ ليس عنها مُعَرَّجٌ / ولا نازلٌ فيها مدى الدّهرِ راحلُ
أمِنْ بعد أن راع القرومَ هديرُه / ونِيلتْ بما تجنِي يداه الطّوائلُ
يُضامُ ويُسقى غِرَّةً أكْؤُسَ الرّدى / فللّهِ حقٌّ غاله ثمّ باطلُ
فإنْ غبتَ عنّا فالنّجومُ غوائبٌ / وإنْ زلتَ عنّا فالجبالُ زوائلُ
وما أنتَ مقتولاً وذكرُك خالدٌ / بل أنتَ لمن قد ظلّ بعدك قاتلُ
فلا حملتنا للجلادِ ضوامرٌ / ولا فرّقتنا من بلادٍ رواحلُ
ولا عاد من حربٍ بما شاء صارخٌ / ولا آب من جَدْبٍ بما رام سائلُ
ولا تبكهِ منّا العيونُ وإِنّما / بكته المواضي والقنا والعواملُ
ولولا هَنَاتٌ سوف يُقلعُ عذرها / ضحىً أو عشيّاً قال ما شاء قائلُ
لعينِك منها يوم زالتْ حمولُها
لعينِك منها يوم زالتْ حمولُها / وإنْ لم تُنِلْ تَذْرافُها وهُمولُها
ومن أجلها لمّا مررتَ بدارها / وقد أوحَشَتْ منها شَجَتْنِي طلولُها
ولولا الهوى لم تَلْقَنِي بمنازلٍ / نواحلَ يستدعي نحولي نحولُها
أغَنِّي بها مجهولةً لم تبنْ لنا / ويُذكِرُني غَضَّ الوصالِ مَحيلُها
منَ اللّاتي يُسغِبْنَ النِّطاقُ هضامةً / ويمشين بالبطحاء خِرْشا جُحولُها
يَقِفْنَ فيستوقفن لَحْظَ عيوننا / فما هنّ للأبصار إلّا كُبولُها
أُريغ جَداها وهْي جِدُّ بخيلةٍ / وأعْيا على راجي الغواني بخيلُها
وليلةَ بتنا بالأُبَيْرِقِ جاءني / على نَشْوةِ الأحلامِ وَهْناً رسولُها
خيالٌ يُريني أنّها فوق مضجعي / وقد شطّ عنّي بالغُوَيرِ مَقيلُها
فيا ليلةً ما كان أنعمَ بثَّها / تنازح غاويها وخاب عذولُها
وما ضرّني منها وقد بتّ راضياً / بباطلها أنْ بان صُبحاً بُطولُها
فلمّا تجلّى اللّيلُ بالصّبحِ واِمّحتْ / دَياجِرُ مُرخاةٌ علينا سدولُها
أَفَقْتُ فلم يَحصل عليّ مِنَ الّذي / خُدِعتُ به إلّا ظنونٌ أُجِيلُها
وكم عُصبةٍ حَطَّتْ لديه رحالَها / فأتْرَبَ عافيها وعزّ ذليلُها
لدى مجلسٍ لا يمزج الهَزلُ جِدَّهُ / ولا ينطق العَوْراءَ فيه قؤولُها
تُلَوّى به الأعناق مَيْلاً عن الهوى / ويُنْصَفُ من ضخمِ الشّعوب هزيلُها
إذا لم يملْ فيه إلى الحقّ جورُه / عن القَصْدِ يوماً لم تجدْ مَن يُميلُها
فتىً كلُّ أطرافٍ له في كتيبة / يُصرِّفها أو مَكْرُماتٍ يُنيلُها
يُهاب كما هاب الشّجاعُ قَريعَه / ويُرجى كما ترجو الغوادي مُحولُها
وحلّ من العلياء ما لا تَحُلّه / حذاراً من الشُّمِّ العوالي وُعولُها
ففي كفّه رِقُّ المكارمِ والنّدى / وما بيدِ الأقوامِ إلّا غُلولُها
أآلَ بُوَيْهٍ اِحفظوه لدولةٍ / له وعليه صعبُها وذَلولُها
نماها فما تدعو سواه أباً لها / ومِن جَحْرِه دبّتْ إلينا شُبولُها
مدحتك لا أنّي إخالُ مديحةً / تحيط بأوصافٍ لديك جَميلُها
ولم يأتني التّقصيرُ من عجز منطقي / ولكنْ دهاني من معاليك طولُها
ولو أنّني وفّيتُ فضلك حقَّه / عددتُ مديحي زلّةً أستقيلُها
فعشْ في نعيمٍ لا يُرى منه آخِرٌ / وحالٍ بعيدٌ أنْ يحول حؤُولُها
عليلكُمُ يرجو الشّفاءَ وإنّما ال
عليلكُمُ يرجو الشّفاءَ وإنّما ال / عليلُ ولا يرجو الشفاءَ عليلُ
إذا كان دائي بالهوى وهو قائلٌ / فإِنّ أُساتي في الرّجالِ قليلُ
وما بي إلى أنْ أكتم الحب حاجةٌ / وفي كلّ أحوالِي عليه دليلُ
فهل لِي إلى أنْ يبرحَ الحبُّ مهجتِي / كما لم يكن فيها الغَداةَ سبيلُ
كأنّيَ لمّا أنْ ذكرتُ فراقَكمْ / تمشّتْ بعقلي في الصُّحاةِ شمولُ
فما أنَا عن شكوى الصّبابةِ ساكنٌ / وإنْ أشكُها لم أدرِ كيف أقولُ
وسِيّان عندي قبل بَلْوايَ بالهوى / أضنّ ضَنينٌ أم أنالَ مُنِيلُ
وَما العزُّ إلّا سلوةٌ لا هوىً بها / وكلُّ أسيرٍ بالغرامِ ذليلُ
وما ضرّني الإمْلاقُ والثّروةُ الّتي
وما ضرّني الإمْلاقُ والثّروةُ الّتي / يذلّ بها أهلُ اليَسارِ ضَلالُ
أليس يُبَقَّى المالُ إلّا ضَنانةً / وأفْقَرَ أقواماً ندىً ونوالُ
إذا لم أُنِلْ بالمالِ حاجةَ مُعسرٍ / حَصورٍ عن الشّكوى فما لِيَ مالُ
ألا لا تَرُمْ أنْ تستمرّ مسرّةٌ
ألا لا تَرُمْ أنْ تستمرّ مسرّةٌ / عليك فأيّامُ السّرور قلائلُ
ولا تطلب الدّنيا فإنّ نعيمها / سرابٌ تراءى في البسيطة زائلُ
رجاءٌ وإشفاقٌ كما لعبتْ لنا / بأطماعنا فيها البطونُ الحواملُ
وإنّ مكانَ الخطب فيما نعيده / خطوبٌ على قرب المدى وهو ماحِلُ
توقَّ ديارَ الحيِّ فهي المقاتلُ
توقَّ ديارَ الحيِّ فهي المقاتلُ / فما حشوُها إلّا قتيلٌ وقاتلُ
أطعتَ الهوى حتّى أضرَّ بك الهوى / وعلّم حزماً ما تقول العواذلُ
وأين الهوى منّي وقد شحط الصِّبا / وفارق فَوْدَيَّ الشّبابُ المُزايلُ
وقد قَلَصَتْ عنّي ذيولُ شبيبتي / وفي الرّأس شيبٌ كالثَّغامةِ شاملُ
ولِي من دموعي غدوةً وعشيةً / لبين الشّبابِ الغضِّ طَلٌّ ووابلُ
وكيف يُزيل الشّيبَ أو يُرجعُ الصّبا / وجيبُ قلوبٍ أو دموعٌ هواطلُ
ولاح لنا من أبْرَقِ الحَزْنِ بارقٌ / كما لاح فجرٌ آخر اللّيل ناحلُ
يضيء ويخفي لا يدوم لناظرٍ / فلا هو مستخفٍ ولا هو ماثِلُ
فلمّا أضاءتْ غُبشةً حال عندهمْ / وعَصْفَر واِحمرّتْ عليه الغلائلُ
ذكرتُ به مَن زارني مِن بلاده / وَما الذّكر إلّا ما تجرّ البلابلُ
أمِنْ بعد أنْ جرّبتُ كلّ مجرَّبٍ / وسَلَّمَ لِي قَصْدَ السَّبيلِ الأفاضلُ
ولم يك لِي عيبٌ يُعاب بمثله / أولو الفضل إلّا ما تقوّل قائلُ
وسارتْ بروّادِ الفضائل كلّها / من الشّرقِ والتّغريب عنّي الرّواحلُ
وحُمّلتُ أعباءَ العشيرةِ في ندىً / ويوم ردىً والعَوْدُ للعِبء حاملُ
وحزتُ كراماتِ الخلائق وادعاً / وشاطرني ضيقَ المكانِ الحُلاحِلُ
وأنجدتُهمْ بالرّأي والرّأيُ عازبٌ / وجُدتُ لهمْ بالحزمِ والحزمُ ماطلُ
ولمّا اِجْتَبَوْني لم يَطُرْ بهمُ أذىً / وبان لهمْ منّي صحيحٌ وباطلُ
وسحّبتُ أثوابَ الملوك على الثّرى / وغيريَ من حَلْيِ المكارمِ عاطلُ
ولِي موقفٌ عند الخليفة ما اِدّعتْ / عديلاً له هذي النّجومُ المواثلُ
أقوم وما بيني وبين سريره / مقامٌ ولا لِي دونه الدّهرَ حائلُ
ويُحجبُ عنه الزّائرون وإنّني / إليه على ذاك التحجّبٍ واصلُ
وَما غاب وجهي عن مدى لَحْظِ طَرْفهِ / لَدى الخلق إلّا وهو عنّيَ سائلُ
أضاف إلى ما ليس لِي ويعدّني / من القوم خوّارُ الأنابيبِ خاملُ
ويحسب أنّي كالّذين يراهمُ / من النّاسِ مسلوبُ البصيرةِ غافلٌ
وَلم أخْفَ إلّا عن عَمٍ ولطالما / تغطّى عن العَشْوِ الصّباحُ المقابلُ
فإمّا يقول السِّنْخُ والأصلُ واحدٌ / فقد ولدتْ كلَّ الرّجالِ الحواملُ
وجدتُ ولم أطلبْ عدوّاً مكاشفاً / وَما فاتني إلّا الصّديقُ المجاملُ
إلى كم أغضُّ اللّحْظَ منّي على قذىً / وتكدرِ لِي دون الأنامِ المناهلُ
وأُصبِحُ مغبوناً بكلّ مُفَهَّهٍ / له منزلٌ بين الخليقةِ سافلُ
إذا قال صدّتْ أعينٌ ومسامعٌ / ولم يك فيما قاله الدّهرَ طائلُ
وإنْ شهد النّجوى فلم يرض قومه / بنجوى ولا أثنَتْ عليه المحافلُ
يخاتلني والخَتْلُ من غير شيمتي / وما فضح التّجريبَ إلا المخاتلُ
ويزعم أنّي كاذباً مستوٍ به / وأنّى اِستَوتْ بالرّاحتين الأناملُ
فمن مبلغٌ عنّي ابنَ عوفٍ رسالةً / كما شاءت الأشواقُ منّي الدّواخلُ
بعدنا جسوماً والقلوبُ قريبةٌ / فلا العهدُ منسيٌّ ولا الودّ حائلُ
وكم ذا لنا والهجرُ ملتبسٌ بنا / نلاقي ضميراً والهوى متواصلُ
فإنْ سكتتْ منّا شفاهٌ على قذىً / فمن دونها منّا قلوبٌ قواتلُ
وكم لأُناسٍ بيننا من جوارحٍ / يُرَيْن تَروكاتٍ وهنّ فواعلُ
وإنّ ثمار الزّرع يُجنى إذا مضى / على الزّرع أزمانٌ وزالتْ حوائلُ
تسلّ فأيّامُ الفراقِ كثيرةٌ / لمُحْصٍ وأيّامُ التّلاقي قلائلُ
وقد أسلفتنا الحادثاتُ ليالياً / ذهبن فأين الآتياتُ القوابلُ
فلستُ بناسٍ ما حييتُ اِجتماعنا / وقد نتجتْ فينا السّنون الحوائلُ
تمرّ بنا الأيّامُ وهْيَ قصائرٌ / وتمضي لنا الأوقاتُ وهْيَ أصائِلُ
وإنّي لأرجو أن تعود وإنْ مضى / على فقدها ذاك المدى المتطاولُ
أَلا لا أرى حقَّاً فأسلك قصدَه / فَقد طالما اِلتفّتْ عليَّ الأباطِلُ
فإنّ الرّياحَ الضّاحكات عوابسٌ / وإنَّ الغصونَ الممرعات ذوابلُ
وسقَّى الدّيارَ الماحلات سحابةٌ / لها أزجُلٌ لا تنقضِي وصلاصِلُ
فإنّك من قومٍ إذا حملوا القنا / جرتْ علقاً من الكماةِ العواملُ
يخوضون أظلامَ الوغى وأكفُّهمْ / تضمّ على ما أخلصته الصّياقلُ
وتُعْرَفُ مِن آبائهم وجدودهمْ / سِماتٌ على أخلاقهمْ وشمائلُ
إِلى الحزمِ لم يُثْنَوْا على الرّأي والهوى / ولا شغلتهمْ عن عظيمٍ شواغلُ
ولا رفلتْ فيهمْ وقد سلب النّدى / نفائسَهمْ تلك الهمومُ الرّوافلُ
ولا خفقتْ في يومِ روعٍ قلوبُهمْ / وَلا اِرتَعدتْ خوفَ الحِمامِ الخصائلُ
كأنّي بهمْ مثلَ الذّئابِ مغيرةً / وقد ضَحِيَتْ عنهنّ تلك القساطلُ
ومن فوقهنّ القومُ ما شهدوا الظُّبا / لَدَى الرَّوْعِ إلّا والنّساءُ ثواكلُ
وَلستَ ترى إلّا رجالاً كأنّهمْ / مناصِلُ في الأيمانِ منها مناصلُ
تُبلَّغُ أوطارٌ لنا ومآربٌ / وتُدرَك ثاراتٌ لنا وطوائلُ