المجموع : 182
تعالوْا إلى ما بيننا من تجرُّمٍ
تعالوْا إلى ما بيننا من تجرُّمٍ / ومن ذاك ما تُحنى عليه الأضالعُ
نَقُلْ فيه لا تثريبَ يوماً عليكُمُ / كما قال مَن أثنتْ عليه القوارعُ
فعُمْرُ التَّلاحي في الهوى غيرُ عامرٍ / وعيشٌ به هجرُ الأحبّةِ ضائعُ
أمِنْ أجل أن أعفاك دهرُك تطمعُ
أمِنْ أجل أن أعفاك دهرُك تطمعُ / وتأمن في الدنيا وأنتَ المروَّعُ
فإنْ كنتَ مغروراً بمن سمحتْ به / صروف اللّيالي فهي تُعطي وتمنعُ
شفاءٌ وأسقامٌ وفقرٌ وثَرْوَةٌ / وبَعْدَ اِئتِلافٍ نَبوَةٌ وتصدُّعُ
تأمّلْ خليلي هل ترى غيرَ هالكٍ / وإلّا مُبقىً هُلْكُهُ متوقّعُ
فَما بالُنا نَبغي الحياةَ وإنّما / حياةُ الفتى نَهجٌ إلى الموتِ مَهْيَعُ
لنا كلَّ يومٍ صاحبٌ في يد الرّدى / وماضٍ إلى دار البِلى ليس يرجعُ
ومَغْنى جميعٍ فرّق الدَّهر بينهم / ودارُ أنيسِ أوحَشَتْ فهي بَلْقَعُ
وخَرْقٌ نُرجِّيه بسدِّ فروجِهِ / وآخرُ لا يخفى ولا هو يُرقَعُ
تحسَّى الرّدى لَخْمٌ وأبناءُ حِمْيَرٍ / وقيدَ إلى الأجداث عادٌ وتُبَّعُ
وآلُ نِزارٍ زَعْزَعتْ من عروشهمْ / بأيدي الرَّزايا السّود هوجاءُ زَعْزعُ
ولم يبق من أبناء ساسانَ مُخبرٌ / ولم يبدُ من أولادِ قيصر مُسمِعُ
ولم يُنجهمْ منه عديدٌ مُجمّع / ولم يَثْنِهمْ عنه مَشيدٌ مُرَفَّعُ
فلا مِعْصَمٌ فيه سِوارٌ مُعَطَّنٌ / ولا مَفْرِقٌ يَعلوه تاجٌ مُرَصَّعُ
كَأنّهُمُ بعدَ اِعتِلاءٍ وَصولةٍ / أَديمٌ مفرّىً أَو هَشيمٌ مُذَعْذَعُ
وَلَيس لَهمْ إلّا بِناءٌ مُهَدَّمٌ / وركنٌ بمَرِّ الحادثاتِ مُضَعْضَعُ
وَقَطّع عنّي معشري وأصادِقي / وَشَملُ اِمرئٍ فاتَ الرّدى متقطّعُ
وكانوا وعزَّاتُ الزَّمانِ ذليلةٌ / لديهمْ وأجفانُ المنيَّاتِ هُجَّعُ
متى عجِموا كانوا الصّخورَ وإنْ هُمُ / دُعوا يومَ مكروهٍ أجابوا فأسرعوا
وإنْ شهدوا الهيجاءَ والسُّمرُ شُرَّعٌ / فَذاكَ عرينٌ لا أباً لك مُسبِعُ
تفانَوْا فماضٍ بانَ غيرَ مودَّعٍ / تعاجَلَهُ صرفُ الرّدى أو مودَّعٌ
أَلا قُلْ لِناعِي جعفرِ بنِ محمّدٍ / وأسمَعني يا ليت لم أكُ أسمعُ
فما لك منِّي اليومَ إلّا تَلَهُّفٌ / وإلّا زَفيرٌ أو حنينٌ مُرَجَّعُ
وإلّا عِضاضٌ للأباهِم من جوىً / وهل نافعٌ أنْ أدْمِيَتْ لِيَ إصبعُ
ولو كانت الأقدار تُوقَى وقَتكَ مِن / نُيوبِ الرّدى أيدٍ طوالٌ وأَذرُعُ
وَقَومٌ إِذا ما أَطعَموا بأكفّهمْ / طِوالَ القَنا لحمَ التَّرائبِ أشبعوا
كِرامٌ إذا ضَنَّ الغمامُ تدفّقوا / وإنْ أقحطَ العامُ الشّماليُّ أمْرَعوا
وَإنْ طَلبوا صَعْباً منَ الأمرِ أرهقوا / وإنْ طرقوا بابَ العظيمةِ قعقعوا
مَعاقِلهمْ ما فيهمُ مِن بسالةٍ / وَلَيس لَهمْ إِلّا القنا السُّمْرَ أدْرُعُ
وبيضاً تراهنّ العيون وعهدُها / بَعيدٌ بأيمانِ الصّياقلِ تلمعُ
وما فيهمُ والحربُ تقتنصُ الطُّلى / بِأَيدي الظّبا إِلّا الغلامُ المُشَيَّعُ
صحبتُ به عصرَ الشّبابِ وطيبَه / وكنتُ إلى نجواه في الهمِّ أفزعُ
وللسّرِّ منّي بين جنبيه مَسكَنٌ / حميٌّ أبيٌّ شاحطٌ مُتمنِّعُ
وكم رامه منّي الرّجالُ وإنّما / يرومون نجماً غارباً ليس يطلعُ
فلِي جَزَعٌ باقٍ عليه وإن عفا الت / تَجمّل ما في أضلُعي والتّصنُّعُ
ولم أسْلُهُ لكنْ تجلّدت كي يرى / شَموتٌ بِحُزْنِي أنّ صدرِيَ أوسعُ
وقالوا عهدنا منك صبراً وحِسْبَةً / وفي الرُّزءِ لا يجري لعينيك مدمَعُ
فقلتُ مصيباتُ الزّمان كثيرةٌ / وبعض الرّزايا فيه أدهى وأوجعُ
ذكرتُك والعينان لا غَرْبَ فيهما / فلم تبقَ لِي لمّا ذكرتُك أدمُعُ
وَما زُلتَ عن قلبي وإنْ زُلت عن يدي / وقد تنزع الأقدار ما ليس يُنزعُ
فإنْ ترقَ عيني من بكاءٍ تجمّلاً / فمن دونها قلبٌ بفقدك موجَعُ
وَإنْ غبتَ عن عَيني فما غبتَ عن حَشىً / مُقَلْقِلَةٍ تحنو عليك وأضلعُ
وما بعد يومٍ أمطَرَتْكَ مدامعي / لعينِيَ مَبْكىً أو لقلبيَ مَجزَعُ
وكم قلّبتْ كفّاي من ذي مودّةٍ / فَلم يَلقَنِي إلّا الملومُ المقرَّعُ
عرفتُك لمّا أنْ وفَيْتَ وما وَفَوْا / وحين حفظتَ العهدَ منِّي وضيّعوا
فنعمَ مشيراً أنتَ والرّأيُ ضيِّقٌ / ونعم ظهيراً أنت والخطب أشنعُ
وإنّ غناءً بعد هُلْكِكَ أصْلَمٌ / وإنّ وفاءً بعد فقدك أجْدَعُ
وليس لإخوانِ الزّمان وقد سُقوا / فراقَك صِرْفاً من يضرّ وينفعُ
عهدتُك لا تعنو لبأسٍ ولم تَبِتْ / وخدُّك من شكوى الشّدائد أضرعُ
وَعَزّ على قلبي بأنّك مفردٌ / أُناجيك لَهْفاً نائماً ليس تسمعُ
وَأَنّك مِن بعدِ اِمتِناعٍ وعزّةٍ / تُحَطُّ على أيدي الرّجالِ وتُرفعُ
فَما لَكَ مَهجوراً وأنتَ مُحبَّبٌ / وما لك مبذولاً وأنت المُمَنَّعُ
وقد كنتَ صَعْباً شامسَ الظّهر آبياً / وأنتَ لرَحْلِ الموت عَوْدٌ مُوَقَّعُ
وما ذاك عن عجزٍ ولا ضَعْفِ قوّةٍ / وَلَكنّه الأمر الّذي ليس يُدفعُ
وما سرّني أنّي نبذتُك طائحاً / بغبراءَ لا تدنو ولا تتجمّعُ
وأودعتُ بطنَ الأرضِ منك نفيسةً / وهلْ مودَعٌ في التُّربِ إلّا المُضَيَّعُ
سَقى قَبرَك الثّاوي بِمَلساءَ قفرةٍ / غَزائرُ من نسجِ العشيّات هُمَّعُ
كأنّ السّحابَ الجَوْنَ يَنطِفُ فوقه / ركائبُ يحملن الهوادجَ ضُلَّعُ
وَلا زالَ مَطلولَ التّراب وحولهُ / مِنَ الرّوض مُخضرُّ السّباسب مُمْرِعُ
وجِيد بريحانٍ وَرَوْحٍ ورحمةٍ / وناء بما فيه الشّفيعُ المشفّعُ
ويوم وقفنا للوداعِ وكلُّنا
ويوم وقفنا للوداعِ وكلُّنا / يُطَفِّحُ يومَ البينِ عينيه أدمعا
رأينا حُلوماً عارياتٍ ولم نجدْ / منَ الصَّبرِ إِلّا واهياً متقطّعا
وَلَم تَسمع الآذان إِلّا تشاهقاً / وإِلّا حنيناً يوم ذاك مُرَجَّعا
فيا لك يوماً فاضحاً لمُتَيَّمٍ / ويا لك مبكىً للعيون ومَجْزَعا
كأنّا وقد سلَّ الفراقُ عقولَنا / سلكنا جنوناً أو كرعنا المُشَعشَعا
كأنَّ عيوناً يُمطر الدَّمعَ هَدْبُها / غصونٌ مَطيراتُ الذَّوائبِ هُمَّعا
ولو شئتِ لمّا أزمع الحيُّ رَوْحَةً
ولو شئتِ لمّا أزمع الحيُّ رَوْحَةً / أشرتِ إلينا بالبنانِ المُقَمَّعِ
فما بان ماضٍ بان وهو مودَّعٌ / وقد بان كلَّ البين غيرَ مودَّعِ
وصَدَّكِ قومٌ عن زيارةِ مُقْلتِي / فلِمْ لمْ تزورِي القلبَ ساعةَ مضجعي
وحاذرتِ وصلاً يعرف النّاسُ حالَه / فما ضرّ من وَصْلٍ ولا أحدٌ معي
قصدتَ بيأْسي منكَ إقذاءَ ناظري
قصدتَ بيأْسي منكَ إقذاءَ ناظري / فأعفيتَنِي من أنْ أذِلّ لمطمعِ
فَلم تكُ إلّا نافعاً غيرَ ضائرٍ / وَكَم ذا أَخذنا النّفعَ من غير مَنْفَعِ
فحسبُكَ لا تزدَدْ قبيحاً مجدَّداً / فإنّ الّذي قد بان لِي منك مُقنِعي
فلو اِنّنِي أنصفتُ نفسي لصُنتُها
فلو اِنّنِي أنصفتُ نفسي لصُنتُها / ونزّهتُها عن أنْ تذلَّ لمطمعِ
وما لي وأبوابَ الملوكِ وموضعي / منَ الفضلِ والتّجريبِ والفضل موضعي
وما لهُمُ ما لِي منَ العلم والتُّقى / ولا معهمْ يوماً من الحلمِ ما معي
وَهل أنا إلّا طالبُ النّقصِ عندهم / وإلّا فَفضلي يعلم اللّهُ مُقنِعِي
وهل لصحيحِ الجلدِ من مُتَمَعَّكٍ / لذي العُرِّ والجلدِ المُفَرّى بمضجعِ
وَما أَنا بالرّاجي لِما في أَكفِّهِم / فلِمْ نحوهُهمْ يا ويحَ نفسي تطلُّعي
ولِمْ أنا مرتاعٌ لما يجلبونَهُ / وما زلتُ في الأقوامِ غيرَ مُروَّعِ
وقد عشتُ دهراً ناعمَ البال راكباً / من الخَفْضِ في أقتادِ عَوْدٍ مُوَقَّعِ
أبيّاً فلا ظُفْرُ الظُّلامةِ جارحِي / هناك ولا داعي الملامةِ مُسمِعِي
وما زال هذا الدّهرُ يُخسِرُ صَفْقَتِي / ويُبدِلُ نَبْعِي كلَّ يومٍ بخِرْوَعِ
إلى أنْ أراني حيثُ شئتَ سفاهةً / لكلّ مُلَوّىً عن جميلٍ مُدَفَّعِ
فعدِّ مقرَّ الضّيمِ إنْ كنتَ آنفاً / ودعْ جانباً تُخزى بساحتِهِ دَعِ
فمصرعُ مَن ولّى من الذُّلِّ هارباً / ببيضِ الوغا أو سُمرها غيرُ مَصرعِ
دعوا اليومَ ما عُوِّدتُمُ من تصبُّرٍ
دعوا اليومَ ما عُوِّدتُمُ من تصبُّرٍ / فإنّ نزاعي غالبٌ لنزوعي
فما القلبُ منّي فارغاً من تذكّرٍ / ولا العينُ منّي غيرَ ذات دموعِ
ولو كنتُ مسطيعاً جعلتُ صبابةً / مكان دموعي في البكاءِ نجيعي
ففيما تركتُ لا يُخاف تردُّدي / وفيما وهبتُ لا يُخاف رجوعي
وكيف بقائي لا أموت وإنّما / ربوعُ الأنامِ الهالكين ربوعي
وما أنَا إلّا منهُمُ وعليهِمُ / إِذا ما اِنقضى عمري يكون طلوعي
أَلَمْ ترَ هذا الدّهرَ كيف أَظَلّنا / على غفلةٍ منّا بكلِّ فظيعِ
وكيفَ اِنتقى عَظمِي وشرّد صَرْفُهُ / رُقادي وأودى عَنْوَةً بهجوعي
وجرّ على شوك القَتادِ أخامِصِي / وأضرم ناراً في يبيسِ ضلوعي
وأكرعنِي حزناً طويلاً ولم أكنْ / لغيرِ الّذي أختاره بكَروعِ
رمانِي بخطبٍ لا يكفكفُ وَقعهُ / سوابقُ أفراسِي ونسجُ دروعي
وما عاصِمي منه حُسامي وذابِلِي / ولا ناصري رَهْطِي به وجميعي
أتانِي ضُحىً لا دَرَّ دَرُّ مجيئه / فعاد وما هاب النّهارَ هزيعي
وضاعَفَ من شَجْوِي ورادف حزنَهُ / خضوعي عليه راغماً وخشوعي
وصيّر في وادي المصائبِ مسكني / وفي جانب الحزنِ الطّويل ربوعي
وقالوا بركن الدين ولّتْ يدُ الرَّدى / فخرّ صريعاً وهو خيرُ صريعِ
فشبّوا لهيبَ النّارِ بين جوانحي / وجثّوا أُصولي بالجَوى وفروعي
ومرّوا وقد أبقوا بقلبِيَ حَسْرةً / وذرّوا طويلَ اليَأس منه بروعي
فلو كنتُ أسطيع الفداءَ فديتُهُ / وأعيا بداء الموت كلُّ جميعي
وشاطرتُهُ عمري الّذي كان طالعاً / عليه بما أهواه خيرَ طلوعِ
وَقالوا اِصطَبر والصّبرُ كالصّبر طعمُهُ / إذا كان عن خَرْقٍ بغير رَقوعِ
وَعَن رَجلٍ لا كالرّجالِ فضيلةً / وعن جبلٍ عالِي البناءِ رفيعِ
وعزّاك مَن سقّاك كلَّ مرارةٍ / وحيّاك مَن لقَّاك كلَّ وجيعِ
ولو كنتُ أرجو عودَه لاِحتسبتُه / ولكنّه ماضٍ بغير رجوعِ
كأنِّيَ ملسوعٌ وقد قيل لِي مضى / وما كنتُ من ذي شوكةٍ بلَسيعِ
فأيُّ اِنتِفاعٍ بالرّبيع وإنّه / زَماني وقد ولّى الرّدى بربيعي
وَبِالعيشِ مِن بعد اِمرئٍ كان طيبه / ويُبدلُ منه ضيّقاً بوسيعِ
وبالمال من بعد الّذي كان مُخْلِفاً / لِكلِّ الّذي أفْنَته كفُّ مُضِيعِ
وبالعِرْضِ من دون الّذي كان رمحُهُ / يقارع عنه الدَّهرَ كلَّ قريعِ
ذَمَمْتُ سواك المالكين لأنّهمْ / تولَّوْا وما أوْلَوْا جميلَ صنيعِ
ولم تكُ منهمْ مِنَّةٌ بعد مِنَّةٍ / ولا نزعوا أثوابهمْ لنزيعِ
فكم بين مُعطٍ للأمانِي وسالبٍ / وبين مُجيعٍ لِي وقاتلِ جوعي
ولمّا رأيتُ الفضلَ فيه أطعتُه / وما زلتُ للأملاكِ غيرَ مطيعِ
ألمْ تَرَنِي لمّا بلغتُ فناءَه / عقرتُ بعيري أو قطعتُ نسُوعي
وقد علم الأقوامُ أنَّك فيهم الن / نفوعُ إذا لم يعثُروا بنفوعِ
وأنّك تُؤوي الخائفين من الورى / ذُرا كلِّ مَرهوب الشَّذاةِ رفيعِ
وأنّك لمّا صرّح الخوفُ في الوغى / بيومٍ صقيل الغُرّتين لَموعِ
وللخيلِ من نسج الغبارِ براقعٌ / وأجلالُها من صوبِ كلِّ نجيعِ
ولو لمْ تبضّعْ بالطّعانِ لحومُها / لآبَتْ وما سالتْ لنا ببضوعِ
أخذتَ لواءَ النّصرِ حتّى ركزتَه / بيُمناك من أرضِ اليقينِ بِقيعِ
ولم تهبِ البيضَ الصّوارمَ والقَنا / يَرِدْن إذا أُورِدْنَ ماءَ ضلوعِ
ولمّا ذكرتُ الموتَ يوماً وهَوْلَهُ / تقاصرَ خَطْوِي واِقشعرّ جميعي
وما أَنَا إلّا في اِنتظارٍ لزائرٍ / قَدومٍ على رغم الأُلوفِ طَلوعِ
يمزّق أَثوابَ الّذي كنتُ أكتسِي / وينزعها بالرّغمِ أيَّ نزوعِ
ويهدم ما شيّدتُهُ وبنيتُهُ / ويَحصُدُ من هذي الحياةِ زُروعي
أقول لها لمّا اِلتقينا على مِنىً
أقول لها لمّا اِلتقينا على مِنىً / وأبرزها ذلك الخمارُ المُصبَّغُ
وأبدَتْ صدوداً لم يكن عادةً لها / وقد يتجنّى في الهوَى المتمرّغُ
لقد خان مَن أدّى المحالَ إليكُمُ / ومان علينا في المقال المبلِّغُ
شُغلنا وأنتمْ فارغون ولم يَعُجْ / على ذي اِشتغالٍ دَهرَه المتفرّغُ
كأنِّيَ أشكو الحبَّ شكوى مُجَمْجِمٍ / فتىً ضلَّ عن وادي البلاغة ألْثَغُ
فؤادِيَ مشغولٌ بك العمرَ كلَّه
فؤادِيَ مشغولٌ بك العمرَ كلَّه / وأنتَ كما يهوى الخَلِيُّون فارغُ
وإنْ أكُ في دار الهوى وسْطَ عَقْرِها / فإنّك عن دار الصّبابةِ رائغُ
تباعدتَ عنّي بعد أن قد مَلَكْتَنِي / فألّا ولم تبلغ بقلبي المبالغُ
خُلِقتَ بقلبٍ لم تجُزْ فيه صَبوَةٌ / وقد صاغ قلبي للصّبابة صائغُ
لعَمْرُك ما أوْرَى الّذي بِي وإنّما
لعَمْرُك ما أوْرَى الّذي بِي وإنّما / بُلينا على شغلِ القلوب بفارغِ
ويبلغ مِنِّي ما يشاء من الهوى / وما أنا شيئاً من هواي ببالغِ
يُراوغنِي عن وصلِهِ طولَ عمرهِ / وَأَين اِنتفاعٌ بالخَدوعِ المراوغِ
ويقلبُ جنبيَّ الهوى كلَّ ليلةٍ / على جَمَراتٍ أو حُماتٍ لوادغِ
عَجبتُ لقلبي كيف يصبو ويَكلَفُ
عَجبتُ لقلبي كيف يصبو ويَكلَفُ / وبُرْدُ شبابي بالمشيب مُفَوَّفُ
أحِنُّ إلى مَن لا يَحنُّ وليتَه / لِمَنْ كان محنوناً محبّيهِ يعرفُ
يباعدني عن كلّ ما كنتُ أرتجي / ويوسعنِي من كلّ ما أتخوّفُ
ويَمطُلُنِي بالوعد منه وإنّما / يماطل بالميعاد مَن ليس يُخلفُ
ويُصبح منّي ساكنَ القلب والحَشا / وفي كلّ يومٍ منه قلبِيَ يرجُفُ
وقد كنتُ أغريتُ الهوى يوم غرّبوا / فعاد به داعٍ على الغُصنِ يهتفُ
ينوح وقلبي للهوى دون قلبه / وعينِيَ دمعاً دون عينيه تذرِفُ
أَلا قاتل اللَّهُ الهوى فطِلابُهُ / متاعٌ من الدّنيا قليلٌ وزُخرُفُ
يروم الرّضا مَن لا يدوم على الرّضا / ويطلب فيه النَّصْفَ مَن ليس يُنْصِفُ
أقول لمرتاحٍ إلى الفضلِ والعُلا / يخُبُّ على ظهرِ المطيِّ ويوجِفُ
أنخْ في ذُرا الشيخ الرئيس فإِنّما / إلى مثله في المجد كنتَ تَشَوَّفُ
إلى الغَمْرِ معروفاً وعلماً وسُؤدُداً / وبأْساً إذا هاب الرّجالُ ووقّفوا
حلفتُ بما لفّ الحطيمُ وزَمْزَمٌ / وما ضَمّهُ خَيْفَا مِنىً والمُعَرَّفُ
وشُعثٍ أتَوْا عارين من كلّ لُبْسَةٍ / فعاذوا بأركان الإلهِ وطوّفوا
لَهَنُّكَ أوْلانا بكلّ فضيلةٍ / وأعشقُ للمعروف فينا وأشعفُ
وأنّك لمّا أنْ جرى النّاسُ في مَدىً / تُلُقِّيتَ فيه سابقاً وتخلّفوا
فيا أيّها القَرْمُ الرّئيسُ ومَن له / على قِمَّةِ النَّسْرَيْنِ في العزِّ موقفُ
ليُهْنِكَ أنّ اللَّهَ فَوَّقَك العِدا / وقد طالعوا فيك الرّجاء وأشرفوا
وعاد إليهمْ ناكياً في جلودهمْ / من الكيد ما حدّوا ظُباه وأرهفوا
وَلَم يُغنِهمْ واللَّهُ حِصنُك منهُمُ / مِنَ القولِ زورٌ لفّقوه وحرّفوا
وودّوا وقد طاشتْ إليك سهامهمْ / بأنّهُمُ لم يفعلوا ما تكلّفوا
أَلا فَاِغفر الأجرامَ رِفقاً بأهلها / فلَلْعفو أولى بالكرامِ وأشرفُ
وحتّى يقولَ النّاسُ أسرف مُفضِلاً / عليهمْ كما قالوا أساؤوا فأسرفوا
فللّهِ ما تُغِضي وأصبح آمناً / غداً مَن تراه يومَه يتخوّفُ
فلم يُعطَ مكنونَ الضّمائر بيننا / منَ النّاس إلّا المُنعِمُ المتألِّفُ
وَأمّا أَبو سفيان فاِشدُدْ به يداً / فَفي الكفّ منه إن تأمّلتَ مُرهَفُ
أَليس الّذي واساكَ ودّاً بنفسه / ولم يَثْنِهِ عنك العدوُّ المخوِّفُ
ولمّا تعسّفْتَ الطّريقَ وجدتَه / وراءَك منقدّاً من النّاس يَعْسِفُ
ومثلُك من يولِي الحقوقَ رعايةً / وغيرك لا يَرعى ولا يتعطّفُ
وإنّيَ ممّنْ لا يواليك رغبةً / وأين من الرغبات من ليس يُنْطَفُ
وقد كنت لولا أنّ فضلك باهرٌ / أَصُدُّ إذا ما سِيمَ مدحي وأصدِفُ
فدونك نَظْماً ما تكلّف ناظمٌ / معانِيَهُ والحقُّ لا يُتَكَلَّفُ
لنا من ثناياكِ الغريضُ المُرَشَّفُ
لنا من ثناياكِ الغريضُ المُرَشَّفُ / وفي الدِّرعِ غضُّ البانةِ المتعطّفُ
وأنتِ وإنْ لم نلق عندك راحةً / أحبُّ إلينا من سواك وأشغفُ
وسوّفتِنا بالوصلِ منك وربّما / قضى دون وصلٍ لم ينله المسوِّفُ
وما الحبُّ إِلّا ذلّةٌ وطماعةٌ / جناها عليه فائلُ الرّأي مُسرِفُ
ولولا الهوى ما ذلّ ذو خُنْزُوانَةٍ / ولا كان من لا يعرف الضَّعْفَ يضعفُ
وَلمّا لحقنا بالحمولِ عشيّةً / وفيهنّ مودودُ الشّمائلِ أهيَفُ
مَشى في حيازيمي الغرام كأنّما / مشتْ فيَّ حمراءُ الغلائلِ قَرْقَفُ
وما كان عندي أنّ قلبي يصيده / بمُقلته ذاك الغزالُ المُشَنَّفُ
ضَعيفٌ ولكنّ الّذي في فؤاده / بلابِلُ من وَجْدٍ به منه أضعفُ
فيا دارَهمْ سقّاك مِن شَعَفٍ بهمْ / سِجالاً من النَّوْءِ السِّماكين أَوْطَفُ
إذا لاح منه أسحمٌ متهدّلٌ / تقول المطايا بالحدوج ترجّفُ
ولا زال منه بارقٌ متلهّبٌ / عَليك وإلّا راعدٌ متقصِّفُ
إلى أنْ يؤوب الرّوضُ فيك كأنّه / نجومُ سماءٍ أو رداءٌ مُفَوَّفُ
وأذكرنِي نجداً على شَحْطِ نأيها / ونحن بأرض الغَوْرِ نكباءُ حَرْجَفُ
تهُبُّ برَيّا مَن أودُّ لقاءَه / ومِن دونه سَهْبٌ عريضٌ ونَفْنَفُ
أيفخرُ قومٌ ما لهمْ مثلُ مفخري / وأين من النَّهْجِ القويمِ التَعَسُّفُ
ولي فَوقَ أَسماكِ المجرّةِ منزلٌ / وفي موقف الزُّهرِ الكواكبِ موقفُ
وقومي الأُلى لمَّا توقّف معشرٌ / عن الذّروَةِ العَلياءِ لم يتوقّفوا
كرامٌ متى سيموا الدَّنِيَّةَ يَعزِفُوا / وإنْ شهدوا نَجْوَى العَضيهةِ يَصدِفوا
وإنْ ركبوا ظهراً من الفخر أردفوا / وإِنْ طلبوا شيئاً من الذّكر ألْحَفوا
وَما فيهمُ إِلّا الّذي يشهد الوغى / فيُحيي بها من ذا يشاء ويُتْلِفُ
وإنْ أنْهَبَ الأموالَ جودُ أكفّهمْ / أفاؤوا بأطرافِ الرّماح وأخلفوا
فَلا عيبَ إِلّا ما اِدّعاه عدوُّهْم / وما قال فيهمْ حاسدٌ مُتَشَنِّفُ
إِذا سحبوا البُرْدَ اليمانيَّ واِرتدوا / وَأرخَوْا مُلاءً للقناعِ وأغدَفوا
وفاحوا فأخْرَوْا نَشْرَ كلِّ لَطِيمةٍ / ذَكاءً وعَرْفُ الفاطميّين يُعرَفُ
رأيتَ رجالاً كاللّيوثِ وفِتْيَةً / كما سام ذاك الزّاجرُ المتعيّفُ
بهاليلَ وهّابين كلَّ نفيسةٍ / إذا ضنّ بالنَّيْلِ البخيل المُطَفِّفُ
تراهمْ على قَصْدٍ فإن هتف النَّدَى / بأموالهمْ أعطَوْا كثيراً وأسرفوا
لنا في قريشٍ كلّما لِنَبيّهم / ومِن بينهمْ ذاك السّتارُ المُسَجَّفُ
فإنْ مسحوا أركانه فبذكرنا / ويدعو بنا إِنْ طوّف المتطوِّفُ
وَنحن نصرناه بأُحْدٍ وخَيْبَرٍ / وقد فرّ عنه ناصروه فأُرجفوا
ونحن فديناه الرّدى في فراشهِ / وللموتِ إرْقالٌ إليه وعَجْرَفُ
وآثرنا دون الأنامِ بصِهْرِهِ / وقد ذِيدَ عنه الطّالبُ المُتَشَوِّفُ
وأسكننا يومَ العباءَةِ وَسْطَها / وألْبابُ من لمُ يعطَ ذاك تَرَجَّفُ
رمانِيَ بالدّاء الّذي فيه واِنثنى
رمانِيَ بالدّاء الّذي فيه واِنثنى / يَعَجّبُ مما جرّه وهو قارفُ
وهيّجنِي بَغْياً لنحتِ صَفاتِهِ / وكم سَقَمٍ بَرْحٍ تَهيجُ القوارفُ
وهبّتْ له ريحٌ فظنّ بقاءَها / وهيهات أنْ تبقى صَباً ورفارفُ
نأيْنا فمن دون اللّقاءِ تنائفُ
نأيْنا فمن دون اللّقاءِ تنائفُ / وسَهْبٌ عنيفٌ بالمطايا ونَفْنَفُ
فلا وَصْلَ إلّا ما تقرِّبُ بيننا / أكاذيبُ من أحلامنا وتؤلّفُ
فللّه في جُنحِ الدُّجُنَّةِ عائجٌ / تصيّدني بالحبّ فيما يطوِّفُ
بخيلٌ علينا والنّهارُ شِعارُنا / وفي اللّيلِ مُنْهَلُّ العطيَّةِ مُسْرِفُ
وأغنى وما أغناك إلّا تَعلّةً / وِصالٌ محالٌ أو لقاءٌ مُزَخْرَفُ
خذوا من جفوني ماءَها فهي ذُرَّفُ
خذوا من جفوني ماءَها فهي ذُرَّفُ / فَما لكُمُ إلّا الجَوى والتّلَهُّفُ
وإنْ أنتما اِستوقفتما عن مَسيلها / غُروبَ مآقينا فما هنّ وُقَّفُ
كأنّ عيوناً كنّ زَوْراً عن البكا / غصونٌ مَطيراتُ الذُّرا فهي وُكَّفُ
دعَا العَذْلَ والتّعنيفَ في الحزن والأسى / فَما هجر الأحزانَ إلّا المعنّفُ
تَقولونَ لِي صبراً جميلاً وليس لِي / على الصّبرِ إلّا حسرةٌ وتَلَهُّفُ
وَكيفَ أُطيقُ الصّبرَ والحزنُ كلّما / عَنُفْتُ به يقوى عليَّ وأضعُفُ
ذكرتُ بيومِ الطَّفِّ أوتاد أرضِهِ / تهُبُّ بهمْ للموت نكباءُ حَرْجفُ
كرامٌ سُقوا ماءَ الخديعَةِ واِرتَوَوْا / وسيقوا إلى الموت الزُّؤام فأوجفوا
فكم مُرْهَفٍ فيهمْ ألمَّ بحدِّهِ / هنالك مسنونُ الغِرارين مُرْهَفُ
ومعتدلٍ مثلِ القناةِ مثقّفٍ / لواه إلى الموتِ الطويلُ المثقّفُ
قَضَوْا بعد أن قضّوا مُنىً من عدوّهمْ / ولم ينكلوا يوم الطّعانِ ويضعفوا
وراحوا كما شاءتْ لهمْ أَرْيَحِيّةٌ / ودَوْحَةُ عزٍّ فرعُها متعطِّفُ
فَإِنْ تَرَهمْ في القاع نَثراً فشملهمْ / بجنّاتِ عَدْنٍ جامعٌ متألّفُ
إِذا ما ثنوا تلك الوسائد مُيَّلاً / أُدِيرَتْ عليهمْ في الزّجاجةِ قَرْقَفُ
وأحواضُهم مورودةٌ فعدوّهم / يُحَلّا وأصحابُ الولايةِ تَرْشُفُ
فلو أنّنِي شاهدتهمْ أو شَهِدْتُهمْ / هُناك وأنيابُ المنيّةِ تَصْرِفُ
لدافعتُ عنهمْ واهباً دونهمْ دمي / وَمن وهب النّفسَ الكريمةَ مُنصفُ
ولم يكُ يخلو من ضرابي وطعنتي / حسامٌ ثليمٌ أو سِنانٌ مُقَصَّفُ
فيا حاسديهمْ فضلَهمْ وهو باهرٌ / وكم حسد الأقوامُ فضلاً وأسرفوا
دعوا حَلَباتِ السَّبقِ تمرح خيلُها / وتغدو على مضمارها تَتَغَطْرَفُ
ولا تزحفوا زَحْفَ الكسير إلى العُلا / فلن تلحقوا وللصّلالِ التَّزَحُّفُ
وخلّوا التكاليفَ الّتي لا تُفيدكمْ / فَما يَستوي طَبعٌ نبا وتكلُّفُ
فَقَد دامَ إِلْطاطٌ بهمْ في حقوقهمْ / وأعْوَزَ إنصافٌ وطال تحيُّفُ
تناسيتُمُ ما قال فيهمْ نبيُّكُمْ / كأنّ مقالاً قال فيهمْ مُحَرَّفُ
فَكَم لِرسول اللَّهِ في الطَّفِّ من دمٍ / يُراق ومن نفسٍ تُماتُ وتُتْلَفُ
ومِن ولدٍ كالعينِ منه كرامةً / يُقاد بأيدي النّاكثين ويُعْسَفُ
عزيزٌ عليه أن تُباع نساؤُهُ / كما بيع قِطْعٌ في عُكاظَ وقَرْطَفُ
يُذَدْنَ عن الماءِ الرِّواءِ وتَرْتوِي / من الماءِ أجمالٌ لهْم لا تُكَفْكَفُ
فيا لعيونٍ جائراتٍ عن الهدى / ويا لقلوبٍ ضِغنُها مُتَضَعِّفُ
لكمْ أم لهمْ بيتٌ بناه على التُّقى / وبيتٌ له ذاك السّتارُ المُسَجَّفُ
به كلَّ يومٍ من قريشٍ وغيرها / جهيرٌ مُلَبٍّ أو سريعٌ مطوِّفُ
إذا زارَهُ يوماً دَلوحٌ بذنبِهِ / مضى وهو عُريانُ الفِرا متكشِّفُ
وزَمْزَمُ والرّكبُ الّذي يَمسحونه / وَأَيمانُهمْ مِن رَحمة اللَّه تَنطِفُ
ووادي مِنىً تُهدى إليه نحائرٌ / تُكَبُّ على الأذقانِ قسراً فتُحْتَفُ
وَجمعٌ وما جمعٌ لمن ساف تُربهُ / ومِن قبلِهِ يومُ الوقوفِ المعَرَّفُ
وأنتمْ نصرتُمْ أم هُمُ يومَ خَيْبَرٍ / نبيَّكُمُ حيث الأسنّةُ تَرعُفُ
فررتمْ وما فرّوا وحِدْتُمْ عن الرّدى / وما عنه منهم حائدٌ مُتَحَرِّفُ
فحصنٌ مشيدٌ بالسّيوف مهدّمٌ / وبابٌ منيعٌ بالأنامل يُقْذَفُ
توقّفتُمُ خَوف الرّدى عن مواقفٍ / وما فيهمُ من خِيفةٍ يتوقَّفُ
لهم دونكمْ في يوم بَدْرٍ وبعدها / بيوم حُنَيْنٍ كلّما لا يُزَحْلَفُ
فقل لبنِي حرْبٍ وإنْ كان بيننا / من النَّسَبِ الدّاني مَرائِرُ تُحْصَفُ
أفي الحقّ أنّا مُخرجوكم إلى الهدى / وأنتمْ بلا نهجٍ إلى الحقّ يعْرَفُ
وإِنّا شَبَبْنا في عِراصِ دياركمْ / ضياءً وليلُ الكفر فيهنّ مُسْدَفُ
وإنّا رَفَعناكمْ فَأشرف منكُمُ / بنا فوق هاماتِ الأعزّةِ مُشرِفُ
وها أنتُمُ ترموننا بجنادلٍ / لها سُحُبٌ ظلماؤها لا تَكشّفُ
لنا منكُمُ في كلّ يومٍ وليلةٍ / قتيلٌ صريعٌ أو شريدٌ مخوَّفُ
فخرتمْ بما مُلِّكتُمُوه وإِنّكمْ / سِمانٌ من الأموال إذْ نحن شُسَّفُ
وما الفخر يا مَنْ يجهل الفخر للفتى / قَميصٌ مُوشّىً أو رداءٌ مُفَوَّفُ
وَما فَخرنا إلّا الّذي هَبَطَتْ به ال / ملائك أو ما قد حوى منه مُصْحَفُ
يُقِرُّ به من لا يُطيق دفاعَه / ويعرفه في القوم من يتعرَّفُ
ولمّا ركبنا ما ركبنا من الذُّرا / وليس لكمْ في موضع الرِّدفِ مَرْدَفُ
تيقّنتُمُ أنّا بما قد حويتُمُ / أحقُّ وأولى في الأنامِ وأعرفُ
ولكنّ أمراً حاد عنه محصِّلٌ / وأهوى إليه خابطٌ متعسِّفُ
وكم من عتيقٍ قد نبا بيمينِهِ / حسامٌ وكم قطّ الضّريبةَ مُقرَفُ
فلا تركبوا أعوادَنا فركوبُها / لمن يركبُ اليومَ العَبوسَ فيوجِفُ
ولا تَسكنوا أَوطانَنا فعِراصُنا / تميل بكمْ شوقاً إلينا وترجِفُ
ولا تكشفوا ما بيننا من حقائدٍ / طواها الرّجالُ الحازمون ولفّفوا
وكونوا لنا إمّا عدوّاً مجاملاً / وإمّا صديقاً دهرَه يتلطّفُ
فللخيرِ إنْ آثَرْتُمُ الخيرَ موضعٌ / وللشَّرِّ إنْ أحببتُمُ الشّرَّ موقفُ
عكفنا على ما تعلمون من التُّقى / وأنتمْ على ما يعلمُ اللّهُ عُكَّفُ
لكمْ كلُّ موقوذٍ بِكظَّةِ بطنِهِ / وَليسَ لنا إلّا الهضيمُ المخفّفُ
إلى كمْ أداري مَن أُداري من العِدا / وأهدُن قوماً بالجميل وألطُفُ
تلاعَبُ بِي أيدي الرّجالِ وليس لِي / مِنَ الجورِ مُنجٍ لا ولا الظّلمِ مُنصفُ
وحشو ضلوعي كلُّ نَجلاءَ ثَرَّةٍ / متى ألَّفوها أقْسَمَتْ لا تألَّفُ
فظاهرها بادي السّريرةِ فاغرٌ / وباطنها خاوي الدّخيلةِ أجوفُ
إذا قلتُ يوماً قد تلاءم جُرحُها / تَحَكَّكُ بالأيدي عليَّ وتَقْرِفُ
فكم ذا أُلاقِي منهُمُ كلَّ رابحٍ / وَما أَنا إلّا أَعزلُ الكفِّ أكشفُ
وَكَم أَنا فيهم خاضعٌ ذو اِستكانةٍ / كأنِّيَ ما بين الأصحّاءِ مُدْنَفُ
أُقادُ كأنّي بالزّمامِ مُجَلَّبٌ / بطيءُ الخُطا عاري الأضالعِ أعجفُ
وأَرسفُ في قيدٍ من الحزمِ عنوةً / ومن ذيدَ عن بسط الخُطا فهو يَرسُفُ
ويَلْصَقُ بي من ليس يدري كَلالةً / وأُحْسَبُ مضعوفاً وغيري المضعَّفُ
وعُدنا بما مِنّا عيونٌ كثيرةٌ / شُخوصٌ إلى إدراكه ليس تَطرِفُ
وقيل لنا حان المَدا فتوكّفوا / فَيا حُججاً للّهِ طال التَّوَكُّفُ
فَحَاشَا لنا من رِيبةٍ بمقالكمْ / وحاشا لكمْ من أن تقولوا فتُخلِفوا
وَلَم أَخشَ إلّا من معاجلةِ الرّدى / فأُصرفُ عن ذاك الزّمان وأُصدَفُ
أفِي الحقِّ أنْ أخلفتنِي ما وعدتنِي
أفِي الحقِّ أنْ أخلفتنِي ما وعدتنِي / ولم تَرَ منّي الدّهرَ في موعدٍ خُلفا
وتمنعني من رِفْدِ كفّك واحداً / وأعطيك لا مَنّاً عليك به ألفْا
فإنْ كنتَ من داء الغرامِ مُصَحَّحاً / فإنّ مريضاً بالهوى منك قد أشفى
وإِنْ بتَّ ملآنَ الجفونِ من الكرى / فإنّ الّذي نازعتَه الغُمضَ ما أغفى
وبي منك يا مَن لا صَبابةَ عنده / منَ الحبِّ ما لا أَستطيع له وصفا
رأيتُكُمُ تجنون ما قد غرستُمُ
رأيتُكُمُ تجنون ما قد غرستُمُ / فلا تُنكروه أنْ يكون ذُعافا
وَعافوا القذى أو فاِكرعوه ضرورةً / وَمَن لم يُرِد إلّا الأُجاجةَ عافا
وَلا تَحسبوا ما نَحن نَرْأَبُ كسرَهُ / وفاقاً فعن قربٍ يعود خلافا
ولا تأمنوا الأضغان وهي دفينةٌ / فذو الحزمِ مَن هاب الغيوب وخافا
فَما نحنُ للأقدار إلّا رَمِيَّةٌ / يُصِبن صميماً أو يُصبن شَغافا
وسيّانِ في تضييعِيَ الحزمَ أنّني / رهبتُ أماناً أو أمنتُ مخافا
فَما لِيَ أُسقى فيّ أوفى أصادِقِي / كؤوساً دِهاقاً لم يكنّ سُلافا
إذا صاحبي أضحى سقيماً من الأذى / فما سرّني أنّي أبِيتُ معافَى
ولم أنجُ من سوءٍ أصابَ معاشري / وعاج بخلٍّ أرتضيه وطافا
دعونِيَ منكمْ لا تردّون طالباً / وَلم تلبسوا إِلّا الغرورَ عِطافا
وكم ذا أُرِيدَتْ بالهَوانِ بيوتُكمْ / فلَمْ تجعلوا من دونهنَّ سِجافا
ولو كنتُمُ لمّا غمزتُم قناتَكُم / على أَوَدٍ أوسعتموه ثِقافا
وداويتُمُ الأدواءَ وهي ضعيفةٌ / فكم من قويّاتٍ نَشَأْنَ ضِعافا
لقيتُمْ كَمَا شئتُم وشئناه فيكُمُ / ولكنّ أمراً جلَّ أن يُتَلافى
كأنّكُمُ رَكْبٌ على دوِّ قَفْرَةٍ / يُزَجِّي مطاياً للنّجاءِ عِجافا
بِمَهلكَةٍ خرِّيتُها هالكٌ بها / وكم مرّةٍ شمَّ التّراب وسافا
إذا هَيْقُها مدّ الجناحَ فإنّما / إماءُ بَنِي لَخْمٍ مَدَدْنَ طِرافا
سقى اللَّه أَقواماً مَضَوا لسبيلهمْ / وقد ملأوا سُبْلَ الطّماعِ عَفافا
لهم في ندىً سِيلوه أو بدأوا به / أكُفٌّ يناوِلْن النّوالَ جُزافا
أجابوا أُنوفَ الموتِ رغمَ أُنوفنا / فماذا جنى ذاك الهتافُ هِتافا
مدحتُكمُ علماً بأنّ مدائحي
مدحتُكمُ علماً بأنّ مدائحي / تضيع وتُذْرى في الرّياحِ العواصفِ
فلم أكُ إلّا موقداً في ظهيرةٍ / بلا صَرَدٍ أو هاتفاً في تنائفِ
وإنّ لكمْ عندي حقوقاً كثيرةً / أبى لِي حِفاظِي مَحْوَها من صحائِفي
جزيتُكمُ عنها ولم تشعروا بها / مراراً بأسبابٍ خِفاءٍ لطائفِ
وَشاطرتُكمْ منّي المودّةَ كلَّها / شطارِيَ ما بين الشّريك المناصفِ
فإنْ لم توفّوا حقَّ ما قيل فيكُمُ / فلم تُبتلوا إلّا بنقصِ العوارفِ
وليتكُمُ لمّا تركتمْ حقوقَها / رَجعتمْ إلى عرفانِ بعض المعارفِ
فما ضرَّ لو أعظمتُمُ ما أتاكُمُ / فلم يَكُ مُولٍ للجميلِ بآسِفِ
وَإلّا تَجمّلتمْ على غير خبرةٍ / فكم ذا غَطَى التّحسينُ سوأَةَ زائفِ
فإن عِفتُمُ ما لم تكونوا عرفتُمُ / فكمُ بُلِيَ العَذْبُ الرِّواءُ بعائفِ
فيا ضيعةً للطّالعاتِ إليكُمُ / طلوعَ المطايا من خلالِ النّفانِفِ
أبيتُ أَروضُ الصَّعْبَ منها وإنّها / تحيصُ شِمَاسَ المائِلِ المتجانِفِ
وأُكرِهها سَوْقاً إليكمْ ولم تزلْ / تحايَدُ عنكمْ بالطُّلى والسّوالِفِ
كأنِّيَ أهديهِنَّ نحو بيوتكمْ / أقود إلى العهّارِ بعضَ العَفائِفِ
أبَيْنَ ولم يأبَيْنَ شيئاً سواكُمُ / وَما كُنّ إلّا ليّناتِ المعاطِفِ
وكنتُ وقد وصّفتُ ما تاه عندكمْ / أوَدُّ وداداً أنّني غيرُ واصفِ
وَما غرّنِي إلّا مشيرٌ بمدحكمْ / وكم عارفٍ يقتادُهُ غيرُ عارفِ
فخالفتُ حزمي سالكاً غيرَ مذهبي / وما كنتُ يوماً للحِجى بمخالفِ
وَكيف اِمتِداحُ المرءِ مَن ليس عنده / مفارقةٌ ما بين مُثنٍ وقاذفِ
له العِرْضُ لا سِلْمٌ به لمديحةٍ / ولا كان يوماً للثّناء بآلفِ
وكم لِيَ فيكمْ من صديقٍ كأنّه / سرابٌ على قِيعانِ بُعدٍ صفاصِفِ
متى يُدعَ يوماً للوغى فهشيمةٌ / تصفّقها أيدي الرّياحِ الرّفارِفِ
أودُّ إذا ما سُمتُهُ النَّصْرَ أنّنِي / أُبدَّلُ منه بالعدوِّ المكاشفِ
وقد كنتُ أرجو طوعَه بنصيحتي / فلا خيرَ في نصحٍ يُساق بعانفِ
فيا لك من ودٍّ تعلّق منكُمُ / سَفاهاً بأسبابٍ ركاكٍ ضعائفِ
سُرِرْتُ به حيناً فلمّا بلوتُهُ / بكيتُ عليه بالدّموعِ الذّوارفِ
وكنتُ إذا ما رابنِي وُدُّ صاحبٍ / وناءَ بأخلاقٍ لئامٍ سخائفِ
قذفتُ جميلاً كان بيني وبينه / وإنْ كنتُ ذا ضنٍّ به في القواذفِ
تريدون مِنّا أن نُسِرّ ولاءكمْ / وفي أنّنا نُبديه كلُّ التّكالُفِ
فلا تسألونا ما تجنّ قلوبُنا / فإِنّ بناتِ الصّدرِ غيرُ خفائفِ
وداويتُمُ منّا خدوشَ جلودِنا / وأعْرَضتُمُ عن أسْوِكُمْ للجوائفِ
فماذا وأنتمْ في الحضيض غباوةً / إذا ضُرِبتْ خيْماتُكمْ في المشارفِ
ولمّا وقفنا ظلّةً بطلولكمْ / رجعنا ولم نظفرْ بمُنْيةِ واقفِ
كأنِّيَ منكمْ فوق غبراءَ قفرةٍ / على ظالعاتٍ من مطيٍّ عجائفِ
يَعُدْنَ عشيّاتٍ ذواتَ تسادُكٍ / وَقد كنّ أصباحاً ذواتَ عجارفِ
فلا تطمعوا في مثلهنّ فإنّما / يصلْنَ لطُلّاعِ الثّنايا الغطارفِ
أُناسٌ يخوضون الرّدى وأكفُّهمْ / تهزّ أنابيبَ القِنيِّ الرّواعفِ
كرامٌ فلا ساحاتُهمْ مستضامةٌ / ولا جارهمْ في النّائباتِ بخائفِ
وَلم يَسكنوا إلّا ظِلالَ عظيمةٍ / وَلَم يأمنوا إلّا خلالَ المخاوفِ
دعِ الذّلَّ في دار الثَّواءِ ولا تُقِمْ / على أَمَلٍ بين البِطاءِ الخوالفِ
وكنْ آنِفاً مِن أنْ تُقيمَ على أذىً / بجنبِ غِنىً فالميتُ ليس بآنِفِ
فخيرٌ من القصر المشيد بجنّةٍ / سُرىً في ظهور اليَعْمَلاتِ الخوانِفِ
إذا ما هَبَطْن الرّملَ رمْلَ مُغَمَّسٍ / زحفن ولا زَحْفَ الصّلالِ الزّواحفِ
حَمَلْن الرَّجا والخوفَ فينا على الوَجا / ونقّلنَ مِنّا كلَّ شاتٍ وصائفِ
لهنّ على وادي مِنيً كلَّ حجّةٍ / بروكٌ وقد قضّين كلَّ المواقفِ
فكمْ قد نجونا من ردىً ذُقْنَ دونه / ليُنجيننا منه ذُعافَ المتالِفِ
لعلّ اللّيالي أنْ يَعُدْنَ فربّما / يعود حبيبُ النّفس بعد التّقاذُفِ
تَراءت لنا بالأبرَقَيْن بُروقُ
تَراءت لنا بالأبرَقَيْن بُروقُ / شُروقٌ لأفقٍ غابَ عنه شُروقُ
كأنّ نجومَ الليل دُرٌّ وبينها / تلألؤ إيماضِ الوميضِ بروقُ
وَما خلتُ إلّا الوَرْسَ في الأفقِ إنّه / متى لم يَكُنْهُ الورس فَهْوَ خَلوقُ
كأنّ نجيعاً خالط الجوَّ أو جَرَتْ / لنا بين أثناء الغمامِ رحيقُ
يلوح ويخفى ثم يدنو وينتئي / ويوسع من مجراه ثمّ يضيقُ
فما خفقتْ إِلّا كذاك جوانحٌ / ولا نبضتْ إلّا كذاك عروقُ
وشوّقنِي إيماضُه نحو أوجهٍ / لهنّ سناءٌ والمشوقُ مشوقُ
ودون اللّوى ظبْيٌ له كلُّ ما هوى / عَلوقٌ بحبّاتِ القلوب لَصوقُ
له حكمُهُ منّي ومن دون عَطفه / عليَّ غزيرُ اللُّجَّتين عميقُ
وأولَعُ بالبُقيا عليه وما له / إلى جانب البُقيا عليَّ طريقُ
وما وَعدُهُ إلّا اِختلاجةُ خُلَّبٍ / وَإِلّا سرابٌ بالفلاةِ خَفوقُ
فمن لستُ مودوداً إليه أودّه / وَمَن ليس مشتاقاً إليَّ يشوقُ
وإنّي على مَن لا هوادَة عنده / ولا شَفَقٌ منه عليَّ شفيقُ
فيا داءَ قلبي ما أراك تُغِبُّنِي / ويا سُكرَ قلبي ما أراك تفيقُ
بنفسِيَ من ودّعتُه يومَ ضارجٍ / وجَفنِيَ من فيضِ الدّموعِ غريقُ
وكلّفنِي من ثِقْلِ يومِ وداعِهِ / بلابلَ لا يسطيعهنَّ مطيقُ
يُغِلْنَ اِعتزامَ المرءِ وهْوَ مصمّمٌ / ويَهْدِمْنَ ركن الصّبر وهو وثيقُ
وليلةَ بِتْنا وهو حانٍ على الهوى / بعيدُ النّوى شَحْطَ الأذاة سحيقُ
وقد ضلَّ فيه الكاشحون وقُطّعتْ / عوائقُ كانت قبل ذاك تعوقُ
ونحن كما شاء العدوّ فإنّه / شَجٍ بالّذي نهوى وشاء صديقُ
فعَرْفُ الوصالِ يومَ ذاك مُنَشَّرٌ / وعذبُ المُنى صِرْفٌ هناك مَذوقٌ
فَلم تَك إلّا عفّةٌ ونزاهةٌ / وَإِلّا اِشتكاءٌ للغرامِ رقيقُ
وَإِلّا اِنتجاءٌ بالهوى وتحدّثٌ / صقيلُ حواشي الطُّرَّتين أنيقُ
عليه من الجاديّ فَغْمةُ نَشرةٍ / وَفيهِ ذكيُّ المَنْدَلِيِّ سَحيقُ
فَما زالَ منّا ظامئُ الحبِّ ناقعاً / إلى أن تبدّتْ للصّباحِ فتوقُ
وَأَقبل مَوْشِيَّ القميص إذا بدا / وكلّ أسيرٍ بالظّلام طليقُ
يقوِّض أطنابَ الدّياجي كأنّما / ترحّل من بعض الدّيار فريقُ
فَما هو إلّا قُرحةٌ لدُجُنَّةٍ / وَإلّا فَرأسٌ للظّلامِ حليقُ
وَشُرِّد بِالبطحاءِ حتّى كأنّه / بِكارُ فلاةٍ راعهنَّ فنيقُ
فإن لم يكن ثغرُ الدُّجى متبسّماً / فسيفُك يا أُفقَ الصّباحِ ذَلوقُ
وإن لم يكن هذا الصّباح بعينه / فجانبُ شرق الرّكب فيه حريقُ
فلم يبقَ للسّاري سُرىً في لبانةٍ / ولا لِطَروقٍ للرِّحالِ طُروقُ
حللتَ بنا واللّيل مُرْخٍ سُدولَه
حللتَ بنا واللّيل مُرْخٍ سُدولَه / فألّا وضوءُ الصّبحِ للعين مُشرِقُ
وزِدْتَ مِطالاً عن لقاء مُصَحَّحٍ / وأوْسَعَنا منك اللّقاءُ المُزَوّقُ
فأَحْبِبْ به من طارقٍ بعد هَدْأَةٍ / على نَشوةِ الأحلامِ لو كان يصدقُ
ولمّا تفرّقنا ولم يكُ بيننا / هُنالك لولا النّومُ إلّا التفرُّقُ
تطايَرَ وصلٌ غرّنا فكأنّه / رداءٌ سحيقٌ أو مُلاءٌ مُشَبْرَقُ