المجموع : 114
أبادَ حياتي الموْتُ إن كنتُ ساليا
أبادَ حياتي الموْتُ إن كنتُ ساليا / وأنتَ مقيمٌ في قيودكَ عانيا
وإنْ لمْ أُبارِ المُزْنَ قطراً بأدمعٍ / عليكَ فلا سُقّيتُ منها الغواديا
تعريتُ من قلبي الذي كان ضاحكاً / فما ألْبَسُ الأجفْانَ إلا بواكيا
وما فَرحي يْومَ المَسَرّةِ طائعاً / ولا حَزَني يْومَ المساءَةِ عاصيا
وهل أنا إلّا سائلٌ عنك سامعٌ / أحاديثَ تَبْكي بالنّجيع المعاليا
قيودُكَ صيغتْ من حديدٍ ولم تكنْ / لأهلِ الخطايا منك إلا أياديا
تعينك من غير اقتراحك نعمةٌ / فتقطعُ بالإبراقِ فينا اللياليا
كشفتَ لها ساقاً وكنتَ لكشفها / تَحزّ الهوادي أو تجزّ النواصيا
وقفْنَ ثقالاً لم تُتِحْ لك مشيةً / كأنّك لم تُجرِ الخفاف المذاكيا
قعاقعُ دُهْمٍ أسهرَتْكَ وطالما / أنامتْكَ بِيضٌ أسْمَرَتْكَ الأغانيا
وما كنتُ أخشى أن يقالَ محمدٌ / يميلُ عليه صائبُ الدهر قاسيا
حسامُ كفاحٍ باتَ في السجن مغمَداً / وأصْبَحَ من حَلْيِ الرياسةِ عاريا
وليث حروب فيه أعدوا برقِّه / وقد كان مقداماً على الليث عاديا
فيا جَبَلاً هَدّ الزمانُ هضابَهُ / أما كنتَ بالتمكين في العزّ راسيا
قُصرْتَ ولمّا تقضِ حاجتكَ التي / جرى الدهر فيها راجلاً لك حافيا
وقد يعقلُ الأبطالَ خوْفُ صيالها / ويُحكمُ تثقيفَ الأسودِ ضواريا
أقولُ وإِنّي مُهْطِعٌ خوْفَ صَيْحَةٍ / يُجيبُ بها كلٌّ إلى اللَّه داعيا
أسَيْرَ جبالٍ وانْتشارَ كواكبٍ / دنا من شرُوطِ الحشرِ ما كان آتيا
كأنّكَ لم تجعل قناكَ مَراوداً / تَشُقّ من الليل البهيم مآقيا
ولم تزد الإظلام بالنقع ظلمةً / إذا بَيّضَ الإصباحُ منه حواشيا
ولم تثن ماء البيض بالضرب آجناً / إذا صُبّ في الهيجا على الهام صافيا
ولم تُصْدِرِ الزّرقَ الإلالَ نواهلاً / إذا وَرَدَتْ ماءَ النحور صوافيا
وخيلٍ عليها كلّ رامٍ بنفسه / رضاكَ إذا ما كنتَ بالموت راضيا
وقد لبسوا الغدْرانَ وهي تموّجتْ / دروعاً وسلُّوا المرهفاتِ سواقيا
وكم من طغاةٍ قد أخذْتَ نفوسهمْ / وأبقيتَ منهم في الصدور العواليا
بمعترك بالضرب والطَّعن جُرْدهُ / تمرّ على صرْعى العوادي عواديا
مضى ذاك أيام السرور وأقبلتْ / مناقِضَةً من بعده هي ما هيا
إذِ المُلكُ يمضي فيه أمرك بالهدى / كما أعلمت يمناك في الضرب ماضيا
وإذ أنْتَ محجوبُ السرادق لم يكن / له كلماتُ الدهر إلّا تهانيا
أمرُّ بأبوابِ القصور وأغتدي / لمن بانَ عنها في الضمير مناجيا
وأنشد لا ما كنت فيهنَّ منشداً / ألا حيّ بالزُّرْق الرسوم الخواليا
وأدعو بنيها سّيداً بعد سيّدٍ / ومن بعدهم أصبحتُ همّاً مواليا
وأحداث آثار إذا ما غشيتُها / فَجَرْتُ عليها أدمعي والقوافيا
مضيتَ حميداً كالغمامةِ أقشعَتْ / وقد ألبَسَتْ وَشْيَ الربيع المغانيا
سأُدمي جفوني بالسهاد عقوبةً / إذا وقفت عنك الدموعَ الجواريا
وأمنعُ نفسي من حياةٍ هنيئةٍ / لأنَّكَ حيٌّ تستحقُّ المراثيا
بلى جَرّ أذيالَ الصّبَا فتصابَى
بلى جَرّ أذيالَ الصّبَا فتصابَى / وأوجَفَ خيلاً في الهوَى وركابا
قَصَرْتُ زماني بالشمولِ مُسِنّةً / وبالرّوضِ كهلاً والفتاة كَعابا
وأقصرُ أيام الفتى يومُ لَذّةٍ / صبا ما صبا بالعيش فيه فطابا
لياليَ لا ترمي الرميَّ وإن تُصِبْ / بسهمك خوداً فالشبابُ أصابا
وعصبةِ لهوٍ غادروا الهمّ جانباً / فلم يألفوا إلّا السرورَ جَنَابا
يديرونها راحاً كأنّ بكأسِها / إذا لبستْ درعَ الحَباب حُبابا
تنَافِرُ لمسَ الماءِ وهو يَرُوضُها / كما تَفْرَكُ البكرُ الفَرُوقُ لُعابا
فاحْبِبْ بذاك العَيشِ عيشاً ذكرتُهُ / وبالعصرِ عصراً والصحابِ صحابا
وليلٍ تخوضُ النيّرات ظلامهُ / كأوْجُهِ غَرْقَى يَفْترِقْنَ عُبابا
سريتُ بمحبوك مِنَ القُبِّ كلَّما / دعا شأوَه وهيُ العِنَانِ أجابا
من الجِنِّ فاسْمُ اللّه إما وَضَعْتَهُ / مكانَ قطيعٍ طار عنك وغابا
ترَى ضَحِكَ الإصباحِ فوق جبينهِ / وَقُمّصَ من ليلِ المُحَاقِ إهابا
تخالُ الثريّا رأسَهُ وهو مُلْجَمٌ / إذا الجريُ لم يُلبِسْ طُلاه سِخابا
يحرّفُ بالتأليل أذناً كأنّما / ترى قلماً منها يخطّ كتابا
سما الدّرُّ في أرساغِهِ عن زَبَرْجَدٍ / يغادرُ بالوطءِ الصخورَ ترابا
هو الطِّرفُ فاركبْ منه في ظهرِ طائرٍ / تَنَلْ كلّ ما أعيا عليكَ طلابا
إلى قمرٍ تسري إليه كأنّما / عليه سماءُ اللّه تُغلِقُ بابا
كأنِّيَ سرٌّ في حشا الليلِ داخلٌ / على حَبّةِ القلبِ المصونِ حجابا
فبتُّ مُرَوّىً من مجاجة باردٍ / غذا ذكرُهُ قَلْبَ الغيورِ فَذابا
كأنّ قطافَ اللثم من ثَغْرِ رَوْضِهِ / تَكَسّبَ من طَلّ الغمامِ رضابا
ولم أرَ كالدّنْيا خؤوناً لصاحبٍ / ولا كُمصابي بالشبابِ مُصَابا
فَقَدْتُ الصّبا فابيضّ مُسْوَدّ لمّتي / كأنّ الصّبا للشيب كان خضابا
تخالفَتِ النياتُ يوم تحمّلوا
تخالفَتِ النياتُ يوم تحمّلوا / فركبٌ إلى شرق وركبٌ إلى غربِ
وما قُدّ قَدّ السيرِ بالسيرِ بينهمْ / ولكنّما المنقدّ بينهمُ قلبي
جناحيَ محلولٌ وجيدِيْ مُطَوَّقٌ
جناحيَ محلولٌ وجيدِيْ مُطَوَّقٌ / فَرَوضيَ مطولٌ فما ليَ لا أشْدو
وناهدةٍ لمّا تَنَهَّدْتُ أعْرَضَتْ
وناهدةٍ لمّا تَنَهَّدْتُ أعْرَضَتْ / فراحت وقلبي في ترائبها نَهْدُ
وليثٍ مقيم في غياضٍ منيعَةٍ
وليثٍ مقيم في غياضٍ منيعَةٍ / أميرٍ على الوَحشِ المقيمةِ في القَفْرِ
يُوَسِّدُ شبليه لحومَ فَوَارسٍ / ويقطعُ كاللّصّ السبيلَ على السَّفْرِ
هزبْرٌ له في فيه نارٌ وَشَفْرَةٌ / فما يَشتَوي لحم القتيلِ على الجمرِ
سراجاه عيناهُ إذا أظلمَ الدّجى / فإن باتَ يسري باتتِ الوحش لا تسري
له جبهةٌ مثل المجنّ ومعطسٌ / كأنّ على أرجائه صبغةَ الحبرِ
يصلصلُ رعدٌ من عظيمِ زئيره / ويلمع برقٌ من حماليقهِ الحمرِ
له ذَنَبٌ مُسْتَنْبَطٌ منه سَوْطُهُ / ترَى الأرض منه وهي مضروبة الظهرِ
ويضربُ جنبيه به فَكَأنّما / له فيهما طَبْلٌ يَحُضّ على الكرِّ
ويُضْحك في التعبيس فكّيه عن مدى / نيوبٍ صلابٍ ليس تُهتَمُ بالفِهْرِ
يصولُ بكفّ عرْض شبرين عرْضُها / خناجرُها أمضى من القُضُبِ البترِ
يجرّدُ منها كلّ ظُفْرٍ كأنّهُ / هلالٌ بدا للعين في أوّلِ الشهرِ
تظنّ مزارَ البدرِ عنها يعزني
تظنّ مزارَ البدرِ عنها يعزني / إذا غابَ لم يبعد على عين مُبْصِرِ
وبينَ رحيلي والإِيابِ لحاجِها / من الدهر ما يُبْلي رَتيمَةَ خنصرِ
ولا بُدّ من حملي على النفس خُطّةً / تُعلّقُ وردي في اغترابي بمصدري
وتطرَحني بالعزْم من غيرِ فترَةٍ / سفائنُ بيدٍ في سفائن أبحُرِ
وما هيَ إلا النفسُ تفني حياتَهَا / مُصَرَّفةً في كلّ سعيٍ مُقَدَّرِ
أغَرّكِ تلويحٌ بجسمي وإنّني / لكالسيف يعلو متنه غين جوهرِ
وما هيَ إلا لفحةٌ من هواجرٍ / تخلّصْتُ منها كالنّضار المسجَّرِ
وأنكرتِ إلمامَ المشيبِ بلمّتي / وأيّ صباحٍ في دجى غيرِ مسفرِ
وما كان ذا حذرٍ غرابُ شبيبتي / فلمْ طارَ عن شخصي لشخص مُنفِّرِ
وأبقتْ صروفُ الدهرِ منّي بقيّةً / مذكرةً مثلَ الحسام المذكرِ
وما ضَعضَعتني للحوادثِ نَكْبَةٌ / ولا لان في أيدي الحوادث عُنصري
وحمراءَ لم تسمحْ بها نفسُ بائعٍ / لسومٍ ولم تظفرْ بها يدُ مُشتري
أقامتْ مع الأحقابِ حتى كأنّها / خبيئةُ كسرى أو دفينةُ قيصرِ
فلم يبقَ منها غيرُ جزءٍ كأنّهُ / تَوَهُّمُ معنىً دقّ عن ذهن مُفكرِ
إذا قَهقَهَ الإبريقُ للكأس خِلتَهُ / يرجِّعُ صوتاً من عُقابٍ مُصَرْصرِ
وطافَ بها غَمرُ الوشاحِ كأنّما / يقلّبُ في أجفانه طَرْفَ جؤذرِ
قصرتُ بكلٍّ كلَّ يومٍ لهوتُهُ / ومهما يطبْ يومٌ من العيش يقصُرِ
ولو أنّ عظمي من يراعي ومن دمي
ولو أنّ عظمي من يراعي ومن دمي / مدادي ومن جلدي إلى مجده طِرْسي
وخاطبتَ بالعلياءِ لفظاً منقَّحاً / وخطّطْتُ بالظلماءِ أجنحةَ الشمسِ
لكان حقيراً في عظيمِ الذي له / من الحقّ في نفس الجلال فدع نفسي
ومالكةٍ نفسي ملكتُ بها المنى / وقد شَرّدَتْ عني التوحش بالأنسِ
وقابلتُ منها كلّ معنىً بِعدّهِ / يلوّحُ نفسَ الوهم في دُهمةِ النقْسِ
كأنّيَ في روضٍ أُنَزّهُ ناظري / جليلُ معانيه يدقّ عن الحسِّ
مقلتُ بعيني خطّ ابن مقلةٍ / وَفَضّ على سمعي الفصَاحَةَ من قُسِّ
وخفتُ عليه عينَ سحرٍ تُصيبُهُ / فصَيّرْتُ تعويذي له آيةَ الكرسي
ومشمولةٍ راحٍ كأنّ حبابها
ومشمولةٍ راحٍ كأنّ حبابها / إذا ما بدا في الكأسِ درٌّ مَجوَّفُ
لها من شقيقِ الرّوْضِ لونٌ كأنّما / إذا ما بدا في الكأس منه مُطَرّفُ
سَرَيْتُ على برْقٍ كأنّ ظلامَهُ / إذا احمرّ ليلٌ أسوَد باتَ يرعفُ
لكلّ محِبٍّ نظرَةٌ تَبعثُ الهوَى
لكلّ محِبٍّ نظرَةٌ تَبعثُ الهوَى / ولي نَظرةٌ نحوَ القَتول هي القتلُ
تُرَدَّد بالتكريهِ رُسْلُ نواظري / ومن شيمَ الإِنصافِ أن تكرَم الرّسلُ
ركبتُ نوىً جوّابةَ الأرض لم يعشْ / لراكبها عيسٌ تخبّ ولا رجلُ
أسائلُ عن دارِ السماحِ وأهْلِهِ / ولا دارَ فيها للسماح ولا أهلُ
ولولا ذُرَى ابن القاسمِ الواهب الغنى / لما حُطّ منها عند ذي كَرَم رحلُ
تُخَفَّضُ أقدارُ اللئامِ بلؤمهم / وَقَدْرُ عليّ من مكارِمِهِ يعلو
فتى لم يُفارِقْ كفَّهُ عَقْدُ مِنّةٍ / ولا عِرْضَهُ صونٌ ولا مالهُ بذلُ
له نِعَمٌ تخضَرّ منها مَوَاقِعٌ / ولا سِيَما إن غَيّرَ الأفقَ المحلُ
ورَحبُ جَنابٍ حين ينزلُ للقِرى / وفصلُ خطابٍ حين يجتمع الحفلُ
وَوجهٌ جميلُ الوجه تحسبُ حرّهُ / حساماً له من لحظ سائله صقلُ
مُرَوَّعَةٌ أموالُهُ بعَطَائِهِ / كأنّ جنوناً مَسّها مِنْهُ أو خَبْلُ
وأيّ أمانٍ أو قرارٍ لخائفٍ / على رأسه من كفّ قاتله بصلُ
لقد بَهَرَتْ شهبَ الدراري منيرةً / مآثرُ منكمْ لا يكاثِرُهَا الرّمْلُ
ورثتمْ تراثَ المجدِ من كلّ سيّدٍ / على منكبيه من حقوقِ العلا ثقلُ
فمنْ قَمرٍ يُبقي على الأفق بَعْدَهُ / هلالاً ومن ليث خليفته شبلُ
وأصبحَ منكم في سلا الجور أخرساً / وقام خطيباً بالّذي فيكمُ العدلُ
ملكتُ القوافي إذ توخيتُ مدحكمْ / ويا رُبّ أذوادٍ تَمَلّكها فَحْلُ
ومرتفعٍ في الجذعِ إذ حُطّ قدْرُهُ
ومرتفعٍ في الجذعِ إذ حُطّ قدْرُهُ / أساءَ إليه ظالمٌ وهو مْحسِنُ
كذي غَرَقٍ مَدّ الذراعينِ سابحاً / من الجوّ بحراً عَوْمُهُ ليس يُمكنُ
وتحسبُهُ من جَنّةِ الخلد دانياً / يعانقُ حُوراً لا تراهنّ أعْيُنُ
فعوّضْتُ شيباً من شبابي كأنّني
فعوّضْتُ شيباً من شبابي كأنّني / تَوَلّيتُ عن ظلٍّ برغمي إلى الشمسِ
وقَطْعي بعيشٍ بعد ستّين حجّةً / أرى فيه لَبْساً والتخوّف في اللبسِ
ذنوبيَ تنمي كلّ يومٍ تكسّباً / فيوْمي بها في اليوْم أثقلُ من أمسي
ألا آمنَ الرحمن خوفي بِعَفْوِهِ / فإنّيَ من نفسي أخاف على نفسي
ألا ربّ كأسٍ تقتْضي كلَّ لَذّةٍ
ألا ربّ كأسٍ تقتْضي كلَّ لَذّةٍ / أكلْتُمْ عليها طولَ ليلكمُ لحمي
بلى لو قَدَرْتُمْ لاتخذتم شرابَكُمْ / دمي في كؤوسٍ وهي تُنحتُ من عظمي
سلامٌ عليكم أوقدوا نارَ حَرْبِكُمْ / فإني مفيضٌ ماءَ سَلْميَ من حلمي
فللحم عندي إن أكلتم عواقبٌ / تُقَصّرُ عنهُنّ العواقب للظلمِ
وَلي مِقْوَلٌ قد أطْلَقَتْهُ سَجيّتي / عن الحمدِ لما عَقَلَتْهُ عَنِ الذمِّ
وأخضر لولا آيةٌ ما ركبتُهُ
وأخضر لولا آيةٌ ما ركبتُهُ / وللّه تصريفُ القضاءِ كما شاءَ
أقول حذاراً من ركوب عبابه / أيا ربّ إن الطينَ قد ركبَ الماءَ