القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : جَميل صِدقي الزَّهاوي الكل
المجموع : 152
أراعك مني أنني رجل حرّ
أراعك مني أنني رجل حرّ / وأَنِّيَ لا نهنئٌ عليَّ ولا أمرُ
وأني الفتى يمسى على الموت صابراً / وأما على ذل فليس له صبر
وإني أرى بيني وبين جماعة
وإني أرى بيني وبين جماعة / من الناس في العصر الذي ضمّنا بونا
فهم عبدوا العادات لا يخرقونها / وإن كابدوا منها الخسارة والغَبنا
وإني ارى أن اختراق ستارها / يهون لدى ذي حكمة سبر الكونا
وإني أجازى المرء من جنس فعله / فأعطيه بالوزن الذي كالنى وزنا
فعندي له سب إذا هو سنى / وعندي له حسن الثناء إذا أثنى
فأجزى بإحساني الذي كان محسنا / وأطعن فيمن جاء يوسعني طعنا
وإني بهذا إن تأمل منصف / لأسلُكُ نهجاً في الطبيعة قد سُنّا
ولست أبالي بالكثيرين أحسنوا / بشأني اعتقاداً أم اساءوا بي الظنَّا
أعاشر قوما عندهم لي عداوة
أعاشر قوما عندهم لي عداوة / أداريهم لو كان يجدي المداراةُ
وأطلب من ناس يعادونني الرضى / وبين الرضى والحقد منهم مسافات
تمرّ الليالي عاجلات فتنقضي / ولا تنقضي في القوم تلك العداوات
يريني ولاء معشرٌ في عيونهم / على ما أكنّوا في القلوب دلالات
ويجمعهم والشر طبع وإنما / قلوبهمُ في غير ذلك أشتات
وإني لأسترضيهمُ عن تجامُلِ / وتأبى عليهم في القلوب حزازات
تقال أكاذيب عليَّ عظيمة / فيوشك منها أن تمور السمواتُ
يسومونني ذلا فآبى قبوله / وهل تقبل الذل النفوس الأبيات
وهم كلما سيموا من الخسف خطة / أقرت لها منهم نفوس دنيَّات
وهل بين من لا يرتضي بمهانة / وبين الذي يرضى الهوان مساواة
نصحتهمُ لو أنهم يسمعونني / ولكن أبت أن تسمع النصح أموات
أريهم بنصحى وجهة الحق مثلما / تريك عيانا صورة الشيء مرآة
رقَت بأناس جاهلين حظوظهم / إلى رتب في الجاه والحظ مرقاة
تزول منافاة النقيضين منهما / وبين الحجى والحظ تبقى المنافاة
أتوا بوشايات عظيم إثامها / فكادت بها تغتال نفسيَ آفات
ولست أخاف الموت أو أرهب الردى / وما قُضيت لي في الحياة اللبانات
فلولا أمانيَّ التي أنا عائش / لإدراكها طابت لديّ المنيَّات
وسرَّ لقاء الموت قلبيَ مثلما / تسرّ محباً من حبيب ملاقاة
فكم دُبِّرت منهم عليَّ سعاية / وكم زُوِّرت منهم عليّ شهادات
ولست أجازيهم بمثل الذي وشوا / فإن سلاح الأذلين الوشايات
أبغدادُ أنت الموطن الأوَّل الذي / به طاب في عهد الصبا لي صبابات
إذ العيش مخضر يلوح لناظري / عليه صفاء لم تَشَبهُ الكدُورات
فلما انقضت أيام لهوي وصبوتي / وأصحبني الناسَ اللئام الضرورات
وجدتُهم إما عدواً منافقا / على قلبه في الوجه منه علامات
وإما صديقاً في الرخاء يزورني / وينأى إذا اشتدت عليَّ الملمات
عداك الحيا من بلدة عمَّ شرها / وسادت بها دون البلاد الجهالات
ولم تر في سكانها غير ظالم / وأما أولو الإنصاف منهم فقد ماتوا
تلاعب أطماع الولاة بهم فما / أحسُّوا كأن القوم فيها جمادات
ولولا اجتناب الذام كنت هجوتهم / فحّلت بهم من سيف شعري نكايات
ولكنني إن جار في القوم معتدٍ / فليس سوى الإعراض عندي مجازاة
عسى اللَه أن يستبدل الغي بالهدى / ولِلّه محوٌ في الأمور وإثبات
توعدني بالقتل قوم وإنما / لكل امرئ في الموت يوم وميقات
برئت من العلياء إن كان لي بما / توعدني القوم اللئام مبالاة
فإن تقتلوني تقتلوا غير معتدٍ / عليكم ولا باغٍ عدته المروءات
وقلت لفخري حين جئنا لبابه
وقلت لفخري حين جئنا لبابه / نبلِّغه أشجاننا ونودّعُ
لقد رَبطت منا القلوب بحبكم / حبائلُ حتى الموت لا تتقطع
أقول له عند الوداع وأدمعي
أقول له عند الوداع وأدمعي / تصدقني فيما به أتلفظ
لكم في صميم القلب منا مودة / تصان على مرّ الزمان وتحفظ
ألا إنما هذا الذي لك أنقل
ألا إنما هذا الذي لك أنقل / له مثلما أرويه أصل مؤصَّلُ
قضى أحد الضباط في الحرب نحبه / وكانإذا دارت رحى الحرب يبسُل
وخلَّف زوجاً قلبها رهن حبه / وكان له قلب بها متشغِّل
من اللاء لم يأتين فاحشة ولا / زُنن بما منه العقائل تخجل
نوار كشخص للعفاف مجسم / فإن ذكر الناس العفاف تمثل
ترقرق ماء الحسن في وجهها الذي / هو البدر ليل التِمِّ أو هو أجمل
فجلَّ لفقدان الوليّ مصابها / وباتت تناجي الهم والعين تهمل
وقد كان منها الخد كالورد زاهيا / فأصبح ذاك الورد بالهم يذبل
ولازم حمى الدق ناعم جسمها / فأمست على رغم الشبيبة تنحل
ويعرق منها الجسم في كل ليلة / وتنفث من سُل دماً حين تسعلُ
وأنشب في أحشائها الداء ظفره / فظلت له أحشاؤُها تتبزل
سقام بها أعيا الأطباء برؤه / إذا لم يعنها اللَه فالأمر مشكل
أمكروب داءِ السل هل أنت عارف / لمن أنت تؤذي أو بمن أنت تنكل
أرحها فما أبقيت إلا حُشاشة / بها حكمها عما قريب سيبطل
تجنب فقد مزقت أحشاء صدرها / أَأَنت بها حتى الممات موكل
وفسّح لها في العمر وارحم شبابها / فإنك إن أرجأتها أنت مفضل
لكِ اللَه من مسلولة حان حينها / وعما قليل للمقابر ترحل
وفاجأَها فقر فباعت لدفعهِ / أثاثاً به قد كانت الدار تجمل
إلى أن تخلى البيت من كل ما به / ولم يبق فيه ما يباع ويُنقل
تجانبها الأدنى وكل لداتها / وأعرض عنها جارها المتمول
هنالك أبدى الجوع ناجذه لها / وزاد بها الداء الذي هو معضل
فخارت قواها في غضير شبابها / وحارت فلم تدر الذي هي تفعل
كذلك جسم المرء يأكله الطوى / إذا المرء لم يلف الذي هو يأكل
فسارت على ريث تؤمُّ محلَّة / ترجِّى بها خيراً لها وتؤمل
وتزجي لها طفلاً جميلاً أمامها / كما تستحث الخِشف ادماء مغزل
لقد أضعف الجوع المبرِّح خطوه / فسار وفي أحشائِه النار تُشعل
يحور إليها بالبكاء فتنحني / عليه وتُسلى قلبه وتقبل
وتمسح عينيه اللتين أذالتا / دموعاً على الخدين منه تسلسل
تحاول أم الطفل منع دموعه / ولكنها رغما عن الأم تهطلُ
خبير بقصر الأم يشكو لها الونى / بعينيه إلا أنه ليس يسأل
تروح إلى دار الحكومة تبتغي / معاشاً لها مستأخراً ليس يحصل
ريالان بعد الزوج قد رُتبا لها / وذلك نزر ليس بالعيش يكفل
تقول لذي أمر على المال سيدي / إليك بجاه المصطفى أتوسل
أنلني معاشي اليوم وارحم فإننا / جياع إذا لم نُعطَ من أين نأكل
فأوسعها شتما ورد سؤالها / وقال لها موتي طوى لست أبذل
فعادت على يأس لها ملءَ قلبها / وقد خنقتها عبرة تتغلغل
أمالك أمر المال إنك زدتها / سقاماً على سقم أقلبك جندل
ألم ترَ أن السل أنحل جسمها / وحملها الإعواز ما لا تحمل
منكدة قد طالبتك بحقها / فلو كنت تقضي سؤلها كنت تعذل
وآبت إلى المأوى فباتت على طوى / تكابد طول الليل والليل أليل
وأعوزها زيت تنوِّر بيتها / به والدجى سجف على الأرض مسبل
فجرَّ إليها الليل أجناد همِّها / إذا فرَّ منها جحفل كرَّ جحفل
تقول ألا مالي أرى الصبح مبطئاً / وعهدي به في سالف الدهر يعجل
فيا ليل ما أدرى وقد طلتَ داجياً / أعتبي على الأيام أم أنت أطول
ألا ليت أمي لم تلدني أو انني / نفتني المنايا قبل أنيَ أعقل
برمت بمالي من حياة فإنها / شقائي وإن الموت منها لأفضلُ
حياة أمرَّتها الرزايا كأنما / يمازجها منهن صاب وحنظل
وعتبي على الأقدار فهي بما جرت / به لم تكن أستغفر اللَه تعدل
فيا موتُ زر إن الحياة تعاسة / ويا نفس جودي إن دهرك يبخل
وما سفري إن متُّ ينأَى وإنما / إلى بطنها من ظهرها اتنقل
ألا إن بطن الأرض للمرء منزل / كما أن ظهر الأرض للمرء منزل
ولم أرَ بين المنزلين تفاوتاً / سوى أن ذا أعلى وذلك أسفل
ولا مثل بطن القبر دار عدالة / تساوى بها حالا رؤوس وأرجل
ولست على الشكوى أدوم إذا دنا / حمامي إلا ريثما اتحوَّل
ولكن روحي للسماء رقيها / هنالك من نجم لنجم تجول
إلى أن تلاقي روح زوجي صادق / فتتصل الروحان والبين يخجل
فلو أبصرت روحي على البعد روحه / إذاً لمشت روحي إليه تهرول
تقبل روحي روحه وتشمُّه / وتشكو إليه ما بها كان ينزل
وتمسك بالأيدي بفضل ردائه / وما أن تخلِّى بعد للحرب يرحل
وقولي له يا روح بعدك عيشنا / تعسر حتى كاد لا يُتَحمَّل
أصبح من قد كان بالأمس سائلاً / بأحوالنا عما بنا ليس يسأل
تجنبنا الأدنى ومن كان صاحباً / ومن كان يطرينا ومن كان يجمل
وخرّى على أقدامه وتذللي / له أن من يبدي الهوى متذلل
وفي فمها بان ابتسام كأنها / تشاهد شخص الزوج فيما تخيَّلُ
تراه قريب الأرض في الجو ثابتاً / فلا هو يستعلي ولا هو ينزل
فمدت يداً نحو الخيال مشيرة / إليه وقالت وهي في البين تسعل
بربك أنبئني أإنك صادقي / قد ازدرت أم أنت الخيال الممثل
فإن كنت إياه فقل غير كاتم / لماذا لماذا أنت لا تتنزل
أصادق أنت السؤل للنفس فاقترب / وأنت لها أنت الرجاء المؤمل
فإن كان لي ذنب به عفتَ مسكني / فإني لذاك الذنب بالدمع أغسل
إذا ذكرتكَ النفس جاشت صبابة / وفار عليها من غرامك مِرجل
تبدَّل مني كل شيء عهدته / ولكنما حبيك لا يتبدل
فهل أنت في حبي كما كنت سابقاً / وقلبك كالقلب الذي كنت تحمل
إذا كنت عني أنت وحدك راضيا / فكل صعوبات الحياة تسهل
هلم إلى جنبي فإني مريضة / بحمى قوى جسمي بها تتزلزل
وسارع وأحضر لي طبيباً مداويا / كما كنت قبلا إن تشكيتُ تفعل
ولكنني أخطأت فيما طلبته / ذهولا ومن قاسى الحوادث يذهل
فإني لا أبغي سواك مداوياً / فأنت طبيبي والشفاء المؤَمل
أقم عندنا لا ترحلّن فإن تُقم / فكل نحوسات الزمان ترحل
نعيش كما كنا نعيش بغبطة / ونمرح في ثوب السلام ونرفُل
فحينئذٍ لا حادث يستفزِّنا / ولا أحد بيني وبينك يفصل
وغاب فقالت آه بل أنت ميت / ولكنما روحي إليك ستقبلُ
وحانت لصوب الطفل منها التفاتة / فقالت وفياضٌ من الدمع مهمل
ولكن صبِّي من يقوم بأمره / إذا زارني حتفي الذي أتعجل
أَأَترك من بعدي صغيري أحمداً / وحيداً بلا حامٍ بهِ يتكفل
وأحمد ريحاني فإن أَبتعد فمن / يشممه بعدي ومن ذا يقبل
أليست تكاليف الحياة التي لوت / جناحي على طفل كأحمد تثقلد
وأغمى من جوع على الطفل أحمدٍ / فصاحت أغث ربي عليك المعول
أطلَّت عليها جارة ذات عيلة / لتعلم من في ظلمة الليل يعول
ونادت من الباكي كذا بحرارة / وذيل الدجى الضافي عَلَى الأرض مسدل
أجابت بصوت راجف متقطع / وقالت أنا يا هذه أنا سنبل
جعادة إن ابني تُغَيَّبُ نفسه / من الجوع إن الجوع ويلي يقتل
جعادة إن ابني الوحيد هو الذي / بهِ في ليالي وحدتي أتعلل
جعادة أن الأمر جدٌّ فأدركي / وللجار حق واجب ليس يغفل
فجاءت إليها بالسراج وَنبَّهت / قوى الطفل حتىّ عادَ يَرنو وَيعقل
سقته حليباً كان ملءَ ثديِّها / فنام وباتت أمه تتململ
وتذرف عيناها الدموع وقلبها / تظلُّ به الأحزان تعلو وتسفل
إلى الصبح حتى بان فانطلقت إلى / محلِّ بهِ أهل المبرة تنزل
عليها ثياب رثة وملاءة / كأحشائها في كل آن تبزل
تكفكف دمعاً بالبنان وكلما / مشت خطوة أو خطوتين تمهل
تمد يميناً بالسؤال ضعيفة / وتخجل منهم عند ما هي تسأل
أأرملة الجندي لا تخجلي فمن / حقوق العلى أن الحكومة تخجل
وقفت على المستنصرية باكياً
وقفت على المستنصرية باكياً / ربوعاً بها للعلم أمست خواليا
وقفت بها أبكي قديم حياتها / وأبكي بها الحسنى وأبكي المعاليا
وقفت بها أبكي بشعري بناتها / وأنعى سجاياها وأنعى المساعيا
بكيت بها عهداً مضى في عِراصها / كريماً فليت العهد لم يك ماضيا
بكيت بها المدفون في حجراتها / من العلم حتى بلَّ دمعي ردائيا
أكفكف بالأيدي بوادر أدمعي / ويأبين إلا أن يفضن جواريا
وطأطأت رأسي في ذراها تواضعاً / وحييت بالتسليم منها المغانيا
وسرحت أنظاري بها فوجدتها / بناءً لتشييد المعارف عاليا
بناءً فخيماً عز للعلم مثله / فقلت كذا فليبن من كان بانيا
والفيت قسماً قد تداعى جداره / وقسماً على ما كان من قبل باقيا
تهبُّ رياح الصيف في حجراتها / فتلبسها ثوباً من النقع هابيا
وتسعى الجدران منها عناكب / تُجِدّ لها فيما تداعى مبانيا
فالممت فيها بالرسوم دوارسا / وساءلت منهن الطلول بواليا
وقلت لدار البحث عظِّمت محفلا / وقلت لنادي الدرس حييت ناديا
أكلية العلم الذي كان روضه / نضيراً كما شاء التقدم ناميا
بأية ريح فيكِ هبت زعازع / تصوَّح ذاك الروض فاجتث ذاويا
لقد كنت فيما قد مضى دار حكمة / بها يعلم الناس الحقائق ماهيا
فكنتِ بأفق الشرق شمساً مضيئة / تشعين نوراً للمعارف زاهيا
وكانت بلاد الغرب إذ ذاك في عمى / تقاسى من الجهل الكثيف الدياجيا
فأين رجال فيك كانوا مشائخاً / إليهم يحث الطالبون النواجيا
وكانوا بحاراً للعلوم عميقة / وكانوا جبالاً للحلوم رواسيا
وكانوا مصابيح الهدى ونجومها / بهم يهتدى من كان في الليل ساريا
يميتون في نشر العلوم يهارهم / ويحيون في حل العويص اللياليا
نواحيك من طلابها اليوم أقفرت / وكانوا ألوفاً يملأون النواحيا
فقالت وقاك اللَه لا تسأَلنّني / فمالك نفع في السؤال ولا ليا
فقلت أجييني كما كنتِ سابقاً / تجيبين من قد جاء للعلم راجيا
فقالت ألمت حادثات عظيمة / وجرَّت عَلَى هذي البلاد دواهيا
هناك استبد الدهر بالناس مُبدلا / فرفّع مخفوضاً وسفّل عاليا
هناك اضمحلت دولة عربية / بها كانت الأيام ترفع شانيا
وعُوّض عنها دولة ثم دولة / تُسَرُّ بكون الجهل في الناس فاشيا
وذاك لأن العلم للمرء مرشد / يعلمه عن حقه أن يحاميا
عرت نكبات الدهر بغدادَ بعدما / بها رَدَحاً ألقى السلام المراسيا
فأذهب ما للعلم من رونق الصبا / تتابعُ أحداثٍ يُشبن النواصيا
وأدنى الذي قد نابها من نوائب / خرابى ولولاها لما كان دانيا
فكابدت منهن الصروف نوازلاً / وقاسيت منهن الخطوب عواديا
وأبدى على عزى القديم إهانتي / رجال لشخص العلم كانوا أعاديا
وأُهملت حتى انهد مني كما ترى / مبانٍ لنشر العلم عزت مبانيا
وصرت على حكم الذين تحرّزوا / من العلم يا هذا إلى ما ترانيا
فقد ذوىَ الغصن الذي كان ناضراً / وقد عطِّل الجيد الذي كان حاليا
أضاءت قرون بي هي اليوم قد خلت / فسل إن تشأ عني القرون الخواليا
وكنت أرجى أن تعود عمارتي / إذا بعث الرحمن للعلم راعيا
فأمّلت عمراً ذلك العَود باطلاً / وعشت له دهراً أُمنَّى الأمانيا
أرجِّى بها أني ألاقي شبيبتي / فأيقنت هذا اليوم أن لا تلاقيا
لقد نقض الأيام بالعجم مِرّتي / ومرُّ الليالي يَتبّعن اللياليا
ورنَّق عدوان الزمان معيشتي / فمن ليَ أن ألقى الزمان مصافيا
ومزَّقني الباغون كل ممزَّق / ولا أحد عن فعل ذلك ناهيا
فقد صيروا للحفم بعضى مخازناً / وبعضي حوانيتاً وبعضي ملاهيا
وحُطَّت بساحاتي ابتغاء رسومها / بضائع للتجار تشقى الأهاليا
ولاقيت منهم كل خسف وجفوةٍ / فماذا عسى من بعد ذا أن أُلاقيا
أَبِيتُ بِلا ضوء ينير دجنتي / وَيدفع عني وحشتي وظلاميا
أُغل فلا أُسقى من الماءِ شربة / ودجلة تجري بالنمير أماميا
فيا ليتني كنت امَّحَوت بأجمعي / ولا كان في حالي كذا الذل باديا
كما أنه أختى النظامية امحَّت / ولم يبقِ من آثارها الدهر باقيا
وكل جديدٍ سوف يرجع للبِلى / إذا لم يكن منه له اللَه واقيا
كتاب رثاء يحمل البث من قلبي
كتاب رثاء يحمل البث من قلبي / إلى قبر ميت في طرابلس الغربِ
فيا جدثا في طيِّه نام شوكت / سقاك مُلِثٌّ ذو بعاع من السحب
تضمنت حرا يعلم اللَه أنه / إلى أن قضى قد كان والظلم في حرب
وكن إذا ما حل ساحة بلدة / يخاصم حزباً في المحاماة عن حزب
يحيط به الأحرار فيها كأنما / هو القطب والأحرار دائرة القطب
أخو عزمات ظل طول حياته / على لطفه لا يخلط الجدَّ باللعب
يخاطر في أمر الدفاع بنفسه / فيمشي مع الأحداث جنباً إلى جنب
يزور غمار الحادثات بكله / فيخرج من كرب ويدخل في كرب
ويبكي مع الباكي على ما أصابه / ويسعد بالمال الضعيف عن الكسب
من الأمراء العسكريين دأبه / صيان الحمى أكرم بذلك من دأب
له بالقضايا الفلسفية خبرة / يشاركني في البحث عنها وفي النقب
وأنظار صدق في الفنون دقيقة / وآراء علم هن أسنى من الشهب
وكان كحدِّ السيف غَربُ لسانهِ / مَضاءً ففل الموت من ذلك الغرب
تكافأ فيما بيننا ثابت الهوى / فلي حبه قد كان يحكى له حبِّي
أتتني أخبارٌ بموتك أنبأت / فغاب لها رشدي وطار لها لبي
وددت لو أني قبل منعاك ميت / ولم أتل شيئاً من نعيِّك في الكتب
ظفرت بقرب من حيناً فسرني / ولكن سريعاً ما انقضت دولة القرب
وقد قضت الأيام بالبعد بيننا / فطال على الأيام فيما قضت عتبي
وغادرتني أبكي المجالس نادبا / علاك بها لو كان ينفعني ندبي
أعاف لذيذ النوم في الليل إن دنا / وأشرق من جرَّاك بالبارد العذب
وكنتُ لعود من لقائك راجياً / فقطع آمالي قضاؤُك للنحب
وما الموت إلا منهل جامع وقد / وردتَ وإنا سائرون على الدرب
أشوكت ما ان عنَّ ذكرك خاطراً / بقلبيَ إلا واعترت رجفةٌ قلبي
دعتك المنايا بعد سقم ملازمٍ / فقلت لنفس فيك قد حشرجت لبي
هو السل ماذا يفعل الطبُّ نحوه / إذا كان يعي داؤُه حيلة الطب
تنشَّب في أحشاء صدرك ظفره / فأضعفه عن حرب مكروبه الألب
كأني بقومٍ حول جسمك خشع / لموتك من تُرك هناك ومن عُرب
قد استودعوا التابوت شخصك ثم قد / طووا ذلك التابوت في باطن الترب
فقلبٌ على ما كان ولهان آسف / وعينٌ على ما ناب دائمة السكب
وشيَّعك الجم الغفير مسافراً / إلى منزل قد ضاق من منزل رحبِ
إلى منزل داجي القرارة موحشٍ / يظل عن الأضواء والريح في حجب
فيسكن فيهِ المرء غير مخير / بعيداً عن الخلان والأهل والصحب
يقيم به كرهاً ويخضع للبلى / زماناً طويلاً لا يقاس على الحقب
وما ضرر الإنسان من طول مكثهِ / إذا كان فيه فاقد الحس واللب
أَإنا إذا متنا تظل نفوسنا / تطير بهذا الجو لآم نحن كالعشب
فنخصب أياماً تكون قليلة / ونجدب لما تنقضي مدة الخصب
فتخمد أنفاس وتيبس أوجه / لنا يبس أزهار بألوانها تسبى
وكم غادة كانت تميس بمشيها / كما تعبث الأرواح بالغصن الرطب
ففاجأها موت فراحت وخلفها / يشب ضراماً قلب عاشقها الصب
وكم من شعوب فرقتهم بكرههم / شعوب وكانوا قبل ملتئمي الشعب
فأين مضى القوم الألى أَرهفوا الظبى / وأين تولى قائدو الضمَّر القبِّ
وأين الذي قد كان يلبس زينة / وأين الذي قد كان يخطر في عجب
وكم عض هذا الموت من واسعى المنى / وكم غالَ هذا الموت من آمني السرب
سرى الركب ليلا ثم ما آب مخبر / فينبئُ أهل الحي عن ذلك الركب
ألم يبرحوا سارين أم تركوا السرى / وحلوا بسهل بعد ذلك أم صعبِ
تذكرت يا سلمى ليالينا التي
تذكرت يا سلمى ليالينا التي / بحزوى سقى حزوى الغمام تولتِ
فأكرم بهاتيك الليالي لياليا / وأكرم بحزوى عندها من محلة
لقد مرضت نفسي لفرط اشتياقها / إليها وحتى يومنا ما ابلت
وحاولت يا سلمى بكل وسيلة / تسلِّيَها لكنها ما تسلت
أرجِّى لقاءَ الموت في كل ساعة / فقد سئمت نفسي الحياة وملت
لكل طلوعٍ يا ذُكاء أفول
لكل طلوعٍ يا ذُكاء أفول / فنورك هذا في المساء يزولُ
ويرحل لألاء النهار وبعده / يخيِّم ليل يا ذكاء ثقيل
تصعَّدتِ في أوج تسامى مقامه / وكل صعودٍ يقتضيه نزول
إذا غبت عن أرض طلعت بغيرها / فأشرق آكام بها وسهول
لوجهك هذا ليته دام بازغاً / شعاعٌ يرد الطرف وهو كليل
نعم أنت عنا تغربين وإنما / فراقك رزءُ لو علمت جليل
فيخفى ضياء منك للعين باهرٌ / ويظهر نور للنجوم ضئيل
وينأى عن الروضِ الأنيق اخضراره / ويكتنف الأزهارَ فيه ذبول
هنالك تستولي على الأرض ظلمة / وتوحش فيها أرسم وطلول
ولكنّ قرص البدر في لمعانه / ببعض الليالي البيضِ منك بديل
ألا أيها البدر المنير لأنت لي / إذا الشمس غابت صاحب وخليل
تصبُّ بوجه الأرض نوراً كأنه / مذابُ لجينٍ في البطاح يسيل
يخصُّك قلبي أيها البدر بالهوى / لأنك بين الزاهرات جميل
فأقرب نجم أنت يا بدر طالعٍ / على الأرض يجرى حولها ويجول
كما الأرض تأتي كل عام بدورة / على الشمس في تَطوافها فيحول
جمعتَ جمالاً راع طرفي وبهجةً / فماذا عسى يا بدر فيك أَقولُ
لك اللَه ما أبهاك يا بدر طالعاً / فهل لك في باقي النجوم مثيل
تضجرت من أرض بها الفضل ضائعٌ / ومن زمن فيه الكرام قليل
وأكثرُ بخسا للفضيلة موقع / يجادل أهل العلم فيه جَهول
وإن امرءاً لم يحتفل قومه به / وجانَبه أصحابه لذليل
لنفسي مقام في السماء ستهتدي / إليه إذا بالنفس جدّ رحيل
أتخشى ضلالا في السرى وطريقها / عليه بياض الفرقدين دليل
مقامٌ بغير الموت لست أناله / فليس إليه ما حييت سبيل
وما زلت في ليلي أمتِّع ناظري / بمنظر بدرٍ حان منه أفول
وقد سطع الفجر المضيءُ حذاءه / ولاح بياض للصباح طويل
إذا صيحة من بيت جاري تعتلي / وأخرى وأخرى صوتهن يهول
نساء عراها حادث صرخت له / وأعقب صوت الصارخات عويل
حكين بترداد النواح حمائما / لهن بريعان الصباح هديل
لقد حلَّ مذ عامين في الدار هذه / فتى لنساء كالظباء يعول
فتى ما رأت عين امرئٍ مثل حسنه / بوجنته ماء الشباب يجول
فتى لم يجاوز بعد عشرين حجة / يقال له عند الدعاء نبيل
عراه سَقام قبل ستة أشهر / فعهدي به في الدارِ وهو عليل
أظن نبيلا مات من داء سُله / فقد قال بعض إنه لثقيل
نجوت وَربِّي يا نبيل من الأذى / فليس له بعدا إليك وصول
ولكنما خلَّفت بعدك نسوة / مرزأة أحزانهن تطول
مدلهة ما ان لهن مساعد / ومهملة ما ان لهن معيل
تسمَّعت إحداهن وهي حليلة / له تتلوى بالاسى وتقول
لأنت جميل في الحياة وبعدها / كذلك في عينيَّ أنت جميل
سيذبُل هذا الخد وهو مورَّدٌ / ويكمَد هذا الطرف وهو كحيل
لقد رمت عنا رحلة أبدية / أمالك عن هذا المرام عدول
ألا ثكلت أمُّ الذين أكُفهم / عليك بطوعٍ للتراب تهيل
إلى مَن إلى من بعد موتك نلتجي / إلى من إلى من والزمان بخيل
وليس لنا في هذه البلدة التي / نعيش بها إلا حماك مقيل
وليس لنا حامٍ يلم شتاتنا / وليس لنا أهل وليس قبيل
سأَلزم قبراً أنت تسكن جوفه / وللدمع مني في ثَراك أُذيل
أحاطت بليل اليأس مني غياهب
أحاطت بليل اليأس مني غياهب / تضيء من الآمال فيها كواكبُ
وجاءت أخيراً من همومي سحائب / فحجَّبت الآمالَ تلك السحائب
فما بان لي إلا شجاً متكاثف / ولا لاح لي إلا دجى متراكب
فيا لك من ليلٍ هنالك حالكٍ / بأهواله ضاقت عليَّ المذاهب
وطال إلى أن لاح لي في سمائه / على الأفق فجرٌ من رجائي كاذب
أقول لعيني حين جفَّت دموعها / أأمسكتِ لما أفجعتنا النوائب
لقد غاب من تهوين مرأى وجوهِهم / كأنهم زهر النجوم الغوارب
وما كان ظني أنه بعد ساعة / تجف كذا منك الدموع السواكب
جمودك يا عيني وقد وقع النوى / علىغير ما وعدٍ لهم لا يناسب
وإني على هذا الجمود وطوله / ألومك يا عيني وإني أعاتب
فلست براضٍ عنك يا عينُ بعدهم / لأنك ما أديت ما هو واجب
وللقلب مني بعد أن كرَّ راجعاً / وقد رحلت أظعانهم والركائب
عهدتكَ تمشي أيها القلب خلفهم / فقل لي لماذا أنت يا قلب آيب
سألتكيا قلبي عن السبب الذي / رجعت له إني لعودك عاجب
فما لك تجثو راجفاً متغيراً / وما لك ترنو ساكتاً لا تجاوب
أجئت تعزِّيني لأني آسف / وأني مفجوع وأني خائب
فقال بصوت هزَّ أوتاره الأسى / فرَّنت رنيناً أكبرته المصائب
تبعتهمُ حتى ثَوَوا في حفائرٍ / وحجَّبهم عني من الترب حاجب
وقفت على الأجداث حيث تغيبوا / أنادي فما ردَّ الجوابَ مجاوب
فجئتكَ كيما أخبر الحال إنها / شجتني فمرني بالذي أنت طالبُ
ورأييَ أن نسعى معاً لقبورهم / فقلت له يا قلب رأيُك صائب
أصبتَ نعم يا قلب فيما ارتأيتَه / فلي بين هاتيك القبور مآرب
تقدَّم أمامي ماشياً لتدلَّني / عليهم فسرنا والحنين مصاحب
فلما وصلنا ساء عينيَ أن ترى / هنالك أجداثاً عفاهن حاصب
سطور قبورٍ في العراء تناسقت / كما نمّق لعنوان في الطرس كاتب
قبورٌ بها نامت أَوانس خرّد / ونامت بها في جنبهن الذوائب
فجاشت هناك النفس من لاعج الجوى / وقلت لهاتيك القبور أخاطب
هنا فيك قد غابت حسان كواعب / فما فعلت تلك الحسان الكواعب
وما فعلت تلك السوالف في الثرى / وما فعلت في الترب تلك الترائب
إلى من تشيرُ اليوم فيك عيونها / وفق العيون النجل تلك الحواجب
وكانت مشيدات القصور بروجها / فمن أين جاءتها تصيب المعاطب
وفي كل يومٍ كان للزي مطلب / لهن تجلى منه فيما يناسب
ولكنما اليوم انتهت لتعاستي / بثوب من الأكفان تلك المطالب
وكن كأزهار الربيع مبادياً / أهذي لهاتيك المبادي عواقب
قد انتزعتها من حياتي يدُ الردى / كما ينهب العقد المفصل ناهب
هنالك جادت أعيني بدموعها / فهن على الخدين مني سوارب
هنالك من نفسي وصدق طويتي / تمنيتُ لو أن المنون تقاربُ
نظرت إلى قلبي وكان بجانبي / إذا هو من فرط الكآبة ذائبُ
فلعمت ذوب القلب ثم سكبته / على جدث فيهِ حبيبي غائب
وألفيت في نفسي العزاء كمعبدٍ / قد انهد منه جانب ثم جانب
وفارقتي لبى لهيبة مصرعي / فأبعد عني في الفلا وهو هارب
وَجِدتُ على الايام والطبِّ والغنى / وقلت لهم إني عليكم لعاتب
وأوحشت الدنيا كأن بيوتها / بعيني وإن كانت قصوراً خرائب
مكثت إلى أن أقبل الليل زاحفاً / وأظلم منه في عيوني الجوانب
فأبت إلى داري وفي باطن الحشا / لهيب من الحزن المبرح لاهب
وليس معي في لآوبتي لا نُهى ولا / عزاءٌ ولا قلب لشخصي يصاحب
سوى نَفسٍ في الصدر مني مردّد / فذلك طول الليل آت وذاهب
ستبسم في وجهي المنون كأنها / محب يُسلِي أو صديق يراقب
وتدركني قبل الصباح ونهضه / فأنجو من الهمِّ الذي هو ناصب
ذريني ألاقي الموت يا نفس واذهبي
ذريني ألاقي الموت يا نفس واذهبي / فما أنا من جدي أعز ومن أبي
ذريني بموتي وهو آخر ملجئ / أخفف من عبء المعيشة منكبي
ذريني أنجو من حياة عذابُها / شديد ومن لم يحىَ لم يتعذبِ
ذريني ذريني أستنيم إلى الردى / فإن الردى يا نفس سؤلي ومطلبي
لقد كبرت يا نفس أيام شقوتي / وطال على جمر الحياة تقلبي
سلام على عهد الرقي المحبب
سلام على عهد الرقي المحبب / سلام على حزب الشباب المهذب
واني محيّ للعروبة انها / قد استيقظت من نومها بعد احقب
وقد اخذت تعدو لتبلغ غليها / برغم الرزايا والشقاء المخيب
وان لابناء العراق تأهباً / ولا تكذب الآمال في المتأهب
لهم مأرب ان يدركوا شأو غيرهم / وان شط عنهم وهو افضل مأرب
فساره على فجر من الحق صادق / وليس على برق من الوعد خلب
ولا ادّعي انا بلغنا مرادنا / ولكننا فوق الطريق المقرب
فيا عين قري بالذي تشهدينه / ويا نفس قد ولى شقاؤك فاطربي
واني لارجو للعراق تقدماً / يضاهي هبوب العاصف المتوثب
ويحسب قوم في التعصب رشدهم / وما اخر الاقوام غير التعصب
وكنت ركبت الصعب ابلوه جاهداً / فما قل مجهودي ولا ذل مركبي
عشية ما في الرافدين سلامة / ولا العيش في كل العراق بطيب
عشية لا عبد الحميد بسامع / دعائي ولا مني فروق بمقرب
وما كان ما تأتي الشعوب بثروة / ولكنه حمى الدم المتلهب
ولم ننتفع بالعلم الا صبابة / تجرعها مثر بمشهد مترب
ويطرق سمعي اسم السعيد ولا ارى / بعيني سعيداً فهو عنقاء مغرب
وما ذل قوم ابرموا وحدة لهم / وان لم يكونوا ينتمون الى اب
ولا اوجسوا ممن تهدد خيفة / وان جاءهم في جمعه المتألب
ولا عار في زيغ الفتى رشذوذه / ولكنما في كذبه والتذبذب
ولس ابالي ما به يشتمونني / وان كان في قلبي كلسعة عقرب
ترهب يرعى العلم خمسين حجة / فاكبر به من عالم مترهب
تلقى بما ابقى ثناءاً معطراً / وهل يتلقى طيب غير طيب
نقدت نزيها ما نقدت فلا تخف / وعيداً واتمم ما بدأت وعقب
وانك انت اليوم خير مثقف / وانك انت اليوم خير مهذب
وقل باسلا ما ينبغي ان تقوله / ولا تلتفت للجاهل المتعصب
شدا الشعر بعد الصمت يطرب امة / فيا شعر قد احسنت فاشدو أطرب
وليس بعقل المرء يكبر شعره / ولكن بما في روحه من تكهرب
وللشعر عين ماؤها متدفق / متى يأت من صيابة القلب يعذب
وكنت له جددت بين مخطئ / يعنفني في قرضه ومصوب
يؤنب في تجديدي الشعر صاحبي / فيا صاحبي بعد التفكر أنب
وقال أتلقي في الفسيل نظير ما / تراه على النخل الرفيع المشذب
أليس الجديد ابن القديم الذي شدا / به القوم بعد القوم من عهد يعرب
فقلت له ما انت للحق خاضع / واني لما تدلي به في تعجب
شعرنا بما لم يشعر القوم قبلنا / شعور السليل الناهض المتهذب
وان الجديد الغض في غفوانه / كبكر كعاب والقديم كثيب
ولست على العلات اجحد فضلهم / ولكنما تقليدهم غير معجبي
فكذبني للجهل فيما صدقته / واي صريح ماله من مكذب
وماذا عليّ اليوم والحق غايتي / اذا كان لا يرضى الجماهير مذهبي
ولا خير في شعر اريد انتقاصه / ولم يتحفز للدفاع ويغضب
انا اليوم من كر الحوادث اشيب / ولكن شعري لم يزل غير اشيب
ويا شعر انت اليوم اكبر مرشد / لمن ضل عن قصد الطريق الملحب
ويا شعر حرر ما تشاء من النهى / جزيئاً وبعد من تشاء وقرب
أبث شعوري فيك غيرمقلد / واعرض آمالي ورأيي ومذهبي
وددت لو أني كنت في مصر محشوراً
وددت لو أني كنت في مصر محشوراً / فشاهدت يوماً للعروبة مذكورا
وإني أوتيت البلاغة ساعة / فاديت حق القول نظما ومنثورا
وإني قد ألقيت شعري ساحراً / فألفيت جمهور المصيخين مسحورا
او اني اسمو للكواكب ناظما / فارسلها شعراً إلى صاحب الشورى
او اني في مصر الجميلة بلبل / فاطرب بالتغريد تلك الجماهيرا
المّ بزهر الفكر ريان نافحاً / وابصر روض العلم اخضر ممطورا
سأبقى كئيباً ملء نفسي حسرة / اذا لم يكن لي ما هنالك منظورا
اذا ما اقيمت حفلة وطنية / ولم الق فيه الشعر لم اك معذورا
واكثر اخبار الجرائد ظلمة / ولكنما الشورى لنا ترسل النورا
يحبرها ذو قدرة بيراعه / ويسلكها المثلى ويجنبها الزورا
وما زال فيها بالعروبة شاديا / وما زلت فيها اقرأ الصدق مسطورا
وفي مصر يلقى الصدق كل حفاوة / ويلقى رجال الصدق في مصر تقديرا
اني نبأ الحفل المجيد عشية / فاصبح منه الشعب اجمع مسرورا
احييك عن بعد تحية معجب / بآدابك اللائي بها كنت مفطورا
لقد كنت في كل الذي قد كتبته / بمصر مثالا للشهامة مشكورا
وبلغت ما بلغته عن عقيدة / فما كنت غراراً ولا كنت مغرورا
ولم تتهجم في جهادك طائشاً / كمن جاء عداءاً او صادف احدورا
ومن كان ذالب فليس بمقدم / على جلل حتى يفكر تفكيرا
بدت من فريق في البلاد نكاية / وما زال منها الشعب اجمع موتورا
ورب عقور جاء يبرز نابه / فادبر لما شام سيفك مشهورا
وذي سفه حردان يأتي مناوئا / فينكص مذموما ويرجع مدحورا
وكم مرة فيها لقيت جموعهم / فكنت بها صقرا وكانوا عصافيرا
لقد ساءني ان العروبة اكأبت / وان لها قلباً من الحزن مفطورا
رمتها الليالي في الفؤاد بصرفها / فلم تبق اذ اصمت شغافاً وتامورا
وليس بمسطيع سوى الدمع وحده / لآلام قلب قد تفجع تصويرا
تفرس بوجهي تلق دمعي شاهدا / على ان قلبي بات لليأس مكسورا
هلموا الى الاصلاح يا قوم واعجلوا / فما هو بعد اليوم يقبل تأخيرا
هلموا الى الاصلاح ان زمانه / اتى ولعل اللَه يجعل تغييرا
ان الدم لم تسخنه يوماً حماسة / فان نخاع النشء يجمد مقرورا
يقولون محظور علينا نهوضنا / فقلت انهضوا طراً وان كان محظورا
الام يقاسى العقل برد جموده / وحتام يبقى الرأي في الرأس محجورا
نفاخر بالمجد الذي مات عهده / وما خير مجد ميت ظل مقبورا
اجل كان ربع للحضارة عندنا / ولكن ذاك الربع اصبح مهجورا
فماذا وقوفي فيه اندب ارسما / تقاسي من الدهر العتي الاعاصيرا
نأى بي عن الأصحاب في سيره العمر
نأى بي عن الأصحاب في سيره العمر / ويرجع أحياناً إليهم بي الذكر
يسر الفتى محياه ما كان راجياً / وتبقى له الاشياء ما بقي الفكر
اذا عاش عاشت ارضه وسماؤه / وان مات ماتت فيه دنياه والدهر
وليس بحر من تكلم هامساً / ولكن من نادى جهاراً هو الحر
الا انما الارض التي نحن فوقها / هي المهد للابناء ثم هي القبر
وان شئت فاحمدها وان شئت فاهجها / فليس بذي بال عقوقك والبر
وماذا تحس النفس منا لبقعة / تغور بها في الآخر الاوجه الغر
وما زلت من بعد الاحبة صامتا / كما يفعل الصداح ان صوح الزهر
لقد كان شكى في السلامة وافراً / فاني ركبت البحر يوم طغى البحر
يقولون في الايمان كل نجاتنا / ويا رب ايمان قويّ هو الكفر
وينتظرون الفجر في ليل قبرهم / ولكن ليالي القبر ليس لها فجر
ولما يزل نسر المجرة طائراً / اما في فضاء اللا تناهي له وكر
أسائلكم ماذا على الشاعر الحر
أسائلكم ماذا على الشاعر الحر / إذا رام تصوير الحقيقة في الشعر
يريدون منه أن يظل محافظاً / على صمته حتى يغيب في القبر
ولكن نفس الشاعر الحر ملؤها / عواطف تدعوه الى الجهر او تغرى
ويرمونه بالكفر فيما يقوله / وايمانهم ان صح شر من الكفر
ما بال هذا الناس بي قد تبرموا / فهل آدهم فيما اخالفهم وزرى
شديد على حرية الفكر ضغطهم / كأنهم اعداء حرية الفكر
وقد لا ارى في القول لي من سلامة / فاسكت عنه وهو يقدح في صدري
واعلم اني ان تجاهرت مزقوا / اديمي بانياب التعصب والظفر
وكم امة في غفلة عن مصيرها / وقد عب سيل الحادثات بها يجري
تعرض لي في شعره يتحكك
تعرض لي في شعره يتحكك / لعلك تبكي او لعلك تضحك
وان لئيم القوم ان سار ضاربا / الى غاية شر الطريقين يسلك
نهيتك عن خوض الخضم وقد طغى / فانك فيه لا محالة تهلك
سارسل من شعر على البعد واهج
سارسل من شعر على البعد واهج / عليك لتخزى ما رجا بعد مارج
تخذت سلاح الزور للطعن عدة / ولم تفتكر فيما له من نتائج
فالقيت منك النفس لا عن روية / بهاوية ليست بذات مخارج
وانك في جعل التجسس مهنة / سلكت إلى الغايات شر المناهج
أغرك ان الكذب اصبح سوقه / يروج وان الصدق ليس برائج
تقدمت الاقوام مسرعة تجري
تقدمت الاقوام مسرعة تجري / وليس لشعب قد تأخر من عذر
بني وطني ان الشعوب جميعها / على الارض ارسال الى غاية تجرى
بني وطني ان الضعيف لمعسر / بني وطني ان القوي لفي يسر
بني وطني ان الخصاصة وحدها / اذا لحت الحاجات قاصمة الظهر
بني وطني ما من سلام لامة / اذا هي لم تسند على عسكر مجر
يباع ويشرى الشعب في سوق / ببخس من الاثمان والشعب لا يدري
وما الخير بالمقصود منها وانما / يراد بها شر واكثر من شر
واصعب من قيد ثقيل حديده / على الرجل اقياد ثقال على الفكر
جرى الغرب سباقا الى كل غاية / فما بال هذا الشرق اصبح لا يجري
وما انا في دنياي الا كسابح / تصارعه الامواج في لجة البحر
لقد بات عندي طيف ليلى مواصلا / فجيد الى جيد ونحر الى نحر
وقد كان منه الجسم حين يضمني / اليه كجمر او احر من الجمر
وكاد بنار منه يحرق مهجتي / وقلبي وما يحويه ي طيه طمري
فآلمني حتى شكوت عناقه / وحتى كأن الوصل شر من الهجر
فلما انتبهنا كان قد غاب طيفها / ولم يبق عندي منه شيء سوى الذكر
لقد رفعت كل الثعالى تهانئاً
لقد رفعت كل الثعالى تهانئاً / إلى الذئب إذ أمسى وصيا على الشاة
كذلك في الاحياء كل منافق / يكون مع الايام في جانب العاتي

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025