المجموع : 152
أراعك مني أنني رجل حرّ
أراعك مني أنني رجل حرّ / وأَنِّيَ لا نهنئٌ عليَّ ولا أمرُ
وأني الفتى يمسى على الموت صابراً / وأما على ذل فليس له صبر
وإني أرى بيني وبين جماعة
وإني أرى بيني وبين جماعة / من الناس في العصر الذي ضمّنا بونا
فهم عبدوا العادات لا يخرقونها / وإن كابدوا منها الخسارة والغَبنا
وإني ارى أن اختراق ستارها / يهون لدى ذي حكمة سبر الكونا
وإني أجازى المرء من جنس فعله / فأعطيه بالوزن الذي كالنى وزنا
فعندي له سب إذا هو سنى / وعندي له حسن الثناء إذا أثنى
فأجزى بإحساني الذي كان محسنا / وأطعن فيمن جاء يوسعني طعنا
وإني بهذا إن تأمل منصف / لأسلُكُ نهجاً في الطبيعة قد سُنّا
ولست أبالي بالكثيرين أحسنوا / بشأني اعتقاداً أم اساءوا بي الظنَّا
أعاشر قوما عندهم لي عداوة
أعاشر قوما عندهم لي عداوة / أداريهم لو كان يجدي المداراةُ
وأطلب من ناس يعادونني الرضى / وبين الرضى والحقد منهم مسافات
تمرّ الليالي عاجلات فتنقضي / ولا تنقضي في القوم تلك العداوات
يريني ولاء معشرٌ في عيونهم / على ما أكنّوا في القلوب دلالات
ويجمعهم والشر طبع وإنما / قلوبهمُ في غير ذلك أشتات
وإني لأسترضيهمُ عن تجامُلِ / وتأبى عليهم في القلوب حزازات
تقال أكاذيب عليَّ عظيمة / فيوشك منها أن تمور السمواتُ
يسومونني ذلا فآبى قبوله / وهل تقبل الذل النفوس الأبيات
وهم كلما سيموا من الخسف خطة / أقرت لها منهم نفوس دنيَّات
وهل بين من لا يرتضي بمهانة / وبين الذي يرضى الهوان مساواة
نصحتهمُ لو أنهم يسمعونني / ولكن أبت أن تسمع النصح أموات
أريهم بنصحى وجهة الحق مثلما / تريك عيانا صورة الشيء مرآة
رقَت بأناس جاهلين حظوظهم / إلى رتب في الجاه والحظ مرقاة
تزول منافاة النقيضين منهما / وبين الحجى والحظ تبقى المنافاة
أتوا بوشايات عظيم إثامها / فكادت بها تغتال نفسيَ آفات
ولست أخاف الموت أو أرهب الردى / وما قُضيت لي في الحياة اللبانات
فلولا أمانيَّ التي أنا عائش / لإدراكها طابت لديّ المنيَّات
وسرَّ لقاء الموت قلبيَ مثلما / تسرّ محباً من حبيب ملاقاة
فكم دُبِّرت منهم عليَّ سعاية / وكم زُوِّرت منهم عليّ شهادات
ولست أجازيهم بمثل الذي وشوا / فإن سلاح الأذلين الوشايات
أبغدادُ أنت الموطن الأوَّل الذي / به طاب في عهد الصبا لي صبابات
إذ العيش مخضر يلوح لناظري / عليه صفاء لم تَشَبهُ الكدُورات
فلما انقضت أيام لهوي وصبوتي / وأصحبني الناسَ اللئام الضرورات
وجدتُهم إما عدواً منافقا / على قلبه في الوجه منه علامات
وإما صديقاً في الرخاء يزورني / وينأى إذا اشتدت عليَّ الملمات
عداك الحيا من بلدة عمَّ شرها / وسادت بها دون البلاد الجهالات
ولم تر في سكانها غير ظالم / وأما أولو الإنصاف منهم فقد ماتوا
تلاعب أطماع الولاة بهم فما / أحسُّوا كأن القوم فيها جمادات
ولولا اجتناب الذام كنت هجوتهم / فحّلت بهم من سيف شعري نكايات
ولكنني إن جار في القوم معتدٍ / فليس سوى الإعراض عندي مجازاة
عسى اللَه أن يستبدل الغي بالهدى / ولِلّه محوٌ في الأمور وإثبات
توعدني بالقتل قوم وإنما / لكل امرئ في الموت يوم وميقات
برئت من العلياء إن كان لي بما / توعدني القوم اللئام مبالاة
فإن تقتلوني تقتلوا غير معتدٍ / عليكم ولا باغٍ عدته المروءات
وقلت لفخري حين جئنا لبابه
وقلت لفخري حين جئنا لبابه / نبلِّغه أشجاننا ونودّعُ
لقد رَبطت منا القلوب بحبكم / حبائلُ حتى الموت لا تتقطع
أقول له عند الوداع وأدمعي
أقول له عند الوداع وأدمعي / تصدقني فيما به أتلفظ
لكم في صميم القلب منا مودة / تصان على مرّ الزمان وتحفظ
ألا إنما هذا الذي لك أنقل
ألا إنما هذا الذي لك أنقل / له مثلما أرويه أصل مؤصَّلُ
قضى أحد الضباط في الحرب نحبه / وكانإذا دارت رحى الحرب يبسُل
وخلَّف زوجاً قلبها رهن حبه / وكان له قلب بها متشغِّل
من اللاء لم يأتين فاحشة ولا / زُنن بما منه العقائل تخجل
نوار كشخص للعفاف مجسم / فإن ذكر الناس العفاف تمثل
ترقرق ماء الحسن في وجهها الذي / هو البدر ليل التِمِّ أو هو أجمل
فجلَّ لفقدان الوليّ مصابها / وباتت تناجي الهم والعين تهمل
وقد كان منها الخد كالورد زاهيا / فأصبح ذاك الورد بالهم يذبل
ولازم حمى الدق ناعم جسمها / فأمست على رغم الشبيبة تنحل
ويعرق منها الجسم في كل ليلة / وتنفث من سُل دماً حين تسعلُ
وأنشب في أحشائها الداء ظفره / فظلت له أحشاؤُها تتبزل
سقام بها أعيا الأطباء برؤه / إذا لم يعنها اللَه فالأمر مشكل
أمكروب داءِ السل هل أنت عارف / لمن أنت تؤذي أو بمن أنت تنكل
أرحها فما أبقيت إلا حُشاشة / بها حكمها عما قريب سيبطل
تجنب فقد مزقت أحشاء صدرها / أَأَنت بها حتى الممات موكل
وفسّح لها في العمر وارحم شبابها / فإنك إن أرجأتها أنت مفضل
لكِ اللَه من مسلولة حان حينها / وعما قليل للمقابر ترحل
وفاجأَها فقر فباعت لدفعهِ / أثاثاً به قد كانت الدار تجمل
إلى أن تخلى البيت من كل ما به / ولم يبق فيه ما يباع ويُنقل
تجانبها الأدنى وكل لداتها / وأعرض عنها جارها المتمول
هنالك أبدى الجوع ناجذه لها / وزاد بها الداء الذي هو معضل
فخارت قواها في غضير شبابها / وحارت فلم تدر الذي هي تفعل
كذلك جسم المرء يأكله الطوى / إذا المرء لم يلف الذي هو يأكل
فسارت على ريث تؤمُّ محلَّة / ترجِّى بها خيراً لها وتؤمل
وتزجي لها طفلاً جميلاً أمامها / كما تستحث الخِشف ادماء مغزل
لقد أضعف الجوع المبرِّح خطوه / فسار وفي أحشائِه النار تُشعل
يحور إليها بالبكاء فتنحني / عليه وتُسلى قلبه وتقبل
وتمسح عينيه اللتين أذالتا / دموعاً على الخدين منه تسلسل
تحاول أم الطفل منع دموعه / ولكنها رغما عن الأم تهطلُ
خبير بقصر الأم يشكو لها الونى / بعينيه إلا أنه ليس يسأل
تروح إلى دار الحكومة تبتغي / معاشاً لها مستأخراً ليس يحصل
ريالان بعد الزوج قد رُتبا لها / وذلك نزر ليس بالعيش يكفل
تقول لذي أمر على المال سيدي / إليك بجاه المصطفى أتوسل
أنلني معاشي اليوم وارحم فإننا / جياع إذا لم نُعطَ من أين نأكل
فأوسعها شتما ورد سؤالها / وقال لها موتي طوى لست أبذل
فعادت على يأس لها ملءَ قلبها / وقد خنقتها عبرة تتغلغل
أمالك أمر المال إنك زدتها / سقاماً على سقم أقلبك جندل
ألم ترَ أن السل أنحل جسمها / وحملها الإعواز ما لا تحمل
منكدة قد طالبتك بحقها / فلو كنت تقضي سؤلها كنت تعذل
وآبت إلى المأوى فباتت على طوى / تكابد طول الليل والليل أليل
وأعوزها زيت تنوِّر بيتها / به والدجى سجف على الأرض مسبل
فجرَّ إليها الليل أجناد همِّها / إذا فرَّ منها جحفل كرَّ جحفل
تقول ألا مالي أرى الصبح مبطئاً / وعهدي به في سالف الدهر يعجل
فيا ليل ما أدرى وقد طلتَ داجياً / أعتبي على الأيام أم أنت أطول
ألا ليت أمي لم تلدني أو انني / نفتني المنايا قبل أنيَ أعقل
برمت بمالي من حياة فإنها / شقائي وإن الموت منها لأفضلُ
حياة أمرَّتها الرزايا كأنما / يمازجها منهن صاب وحنظل
وعتبي على الأقدار فهي بما جرت / به لم تكن أستغفر اللَه تعدل
فيا موتُ زر إن الحياة تعاسة / ويا نفس جودي إن دهرك يبخل
وما سفري إن متُّ ينأَى وإنما / إلى بطنها من ظهرها اتنقل
ألا إن بطن الأرض للمرء منزل / كما أن ظهر الأرض للمرء منزل
ولم أرَ بين المنزلين تفاوتاً / سوى أن ذا أعلى وذلك أسفل
ولا مثل بطن القبر دار عدالة / تساوى بها حالا رؤوس وأرجل
ولست على الشكوى أدوم إذا دنا / حمامي إلا ريثما اتحوَّل
ولكن روحي للسماء رقيها / هنالك من نجم لنجم تجول
إلى أن تلاقي روح زوجي صادق / فتتصل الروحان والبين يخجل
فلو أبصرت روحي على البعد روحه / إذاً لمشت روحي إليه تهرول
تقبل روحي روحه وتشمُّه / وتشكو إليه ما بها كان ينزل
وتمسك بالأيدي بفضل ردائه / وما أن تخلِّى بعد للحرب يرحل
وقولي له يا روح بعدك عيشنا / تعسر حتى كاد لا يُتَحمَّل
أصبح من قد كان بالأمس سائلاً / بأحوالنا عما بنا ليس يسأل
تجنبنا الأدنى ومن كان صاحباً / ومن كان يطرينا ومن كان يجمل
وخرّى على أقدامه وتذللي / له أن من يبدي الهوى متذلل
وفي فمها بان ابتسام كأنها / تشاهد شخص الزوج فيما تخيَّلُ
تراه قريب الأرض في الجو ثابتاً / فلا هو يستعلي ولا هو ينزل
فمدت يداً نحو الخيال مشيرة / إليه وقالت وهي في البين تسعل
بربك أنبئني أإنك صادقي / قد ازدرت أم أنت الخيال الممثل
فإن كنت إياه فقل غير كاتم / لماذا لماذا أنت لا تتنزل
أصادق أنت السؤل للنفس فاقترب / وأنت لها أنت الرجاء المؤمل
فإن كان لي ذنب به عفتَ مسكني / فإني لذاك الذنب بالدمع أغسل
إذا ذكرتكَ النفس جاشت صبابة / وفار عليها من غرامك مِرجل
تبدَّل مني كل شيء عهدته / ولكنما حبيك لا يتبدل
فهل أنت في حبي كما كنت سابقاً / وقلبك كالقلب الذي كنت تحمل
إذا كنت عني أنت وحدك راضيا / فكل صعوبات الحياة تسهل
هلم إلى جنبي فإني مريضة / بحمى قوى جسمي بها تتزلزل
وسارع وأحضر لي طبيباً مداويا / كما كنت قبلا إن تشكيتُ تفعل
ولكنني أخطأت فيما طلبته / ذهولا ومن قاسى الحوادث يذهل
فإني لا أبغي سواك مداوياً / فأنت طبيبي والشفاء المؤَمل
أقم عندنا لا ترحلّن فإن تُقم / فكل نحوسات الزمان ترحل
نعيش كما كنا نعيش بغبطة / ونمرح في ثوب السلام ونرفُل
فحينئذٍ لا حادث يستفزِّنا / ولا أحد بيني وبينك يفصل
وغاب فقالت آه بل أنت ميت / ولكنما روحي إليك ستقبلُ
وحانت لصوب الطفل منها التفاتة / فقالت وفياضٌ من الدمع مهمل
ولكن صبِّي من يقوم بأمره / إذا زارني حتفي الذي أتعجل
أَأَترك من بعدي صغيري أحمداً / وحيداً بلا حامٍ بهِ يتكفل
وأحمد ريحاني فإن أَبتعد فمن / يشممه بعدي ومن ذا يقبل
أليست تكاليف الحياة التي لوت / جناحي على طفل كأحمد تثقلد
وأغمى من جوع على الطفل أحمدٍ / فصاحت أغث ربي عليك المعول
أطلَّت عليها جارة ذات عيلة / لتعلم من في ظلمة الليل يعول
ونادت من الباكي كذا بحرارة / وذيل الدجى الضافي عَلَى الأرض مسدل
أجابت بصوت راجف متقطع / وقالت أنا يا هذه أنا سنبل
جعادة إن ابني تُغَيَّبُ نفسه / من الجوع إن الجوع ويلي يقتل
جعادة إن ابني الوحيد هو الذي / بهِ في ليالي وحدتي أتعلل
جعادة أن الأمر جدٌّ فأدركي / وللجار حق واجب ليس يغفل
فجاءت إليها بالسراج وَنبَّهت / قوى الطفل حتىّ عادَ يَرنو وَيعقل
سقته حليباً كان ملءَ ثديِّها / فنام وباتت أمه تتململ
وتذرف عيناها الدموع وقلبها / تظلُّ به الأحزان تعلو وتسفل
إلى الصبح حتى بان فانطلقت إلى / محلِّ بهِ أهل المبرة تنزل
عليها ثياب رثة وملاءة / كأحشائها في كل آن تبزل
تكفكف دمعاً بالبنان وكلما / مشت خطوة أو خطوتين تمهل
تمد يميناً بالسؤال ضعيفة / وتخجل منهم عند ما هي تسأل
أأرملة الجندي لا تخجلي فمن / حقوق العلى أن الحكومة تخجل
وقفت على المستنصرية باكياً
وقفت على المستنصرية باكياً / ربوعاً بها للعلم أمست خواليا
وقفت بها أبكي قديم حياتها / وأبكي بها الحسنى وأبكي المعاليا
وقفت بها أبكي بشعري بناتها / وأنعى سجاياها وأنعى المساعيا
بكيت بها عهداً مضى في عِراصها / كريماً فليت العهد لم يك ماضيا
بكيت بها المدفون في حجراتها / من العلم حتى بلَّ دمعي ردائيا
أكفكف بالأيدي بوادر أدمعي / ويأبين إلا أن يفضن جواريا
وطأطأت رأسي في ذراها تواضعاً / وحييت بالتسليم منها المغانيا
وسرحت أنظاري بها فوجدتها / بناءً لتشييد المعارف عاليا
بناءً فخيماً عز للعلم مثله / فقلت كذا فليبن من كان بانيا
والفيت قسماً قد تداعى جداره / وقسماً على ما كان من قبل باقيا
تهبُّ رياح الصيف في حجراتها / فتلبسها ثوباً من النقع هابيا
وتسعى الجدران منها عناكب / تُجِدّ لها فيما تداعى مبانيا
فالممت فيها بالرسوم دوارسا / وساءلت منهن الطلول بواليا
وقلت لدار البحث عظِّمت محفلا / وقلت لنادي الدرس حييت ناديا
أكلية العلم الذي كان روضه / نضيراً كما شاء التقدم ناميا
بأية ريح فيكِ هبت زعازع / تصوَّح ذاك الروض فاجتث ذاويا
لقد كنت فيما قد مضى دار حكمة / بها يعلم الناس الحقائق ماهيا
فكنتِ بأفق الشرق شمساً مضيئة / تشعين نوراً للمعارف زاهيا
وكانت بلاد الغرب إذ ذاك في عمى / تقاسى من الجهل الكثيف الدياجيا
فأين رجال فيك كانوا مشائخاً / إليهم يحث الطالبون النواجيا
وكانوا بحاراً للعلوم عميقة / وكانوا جبالاً للحلوم رواسيا
وكانوا مصابيح الهدى ونجومها / بهم يهتدى من كان في الليل ساريا
يميتون في نشر العلوم يهارهم / ويحيون في حل العويص اللياليا
نواحيك من طلابها اليوم أقفرت / وكانوا ألوفاً يملأون النواحيا
فقالت وقاك اللَه لا تسأَلنّني / فمالك نفع في السؤال ولا ليا
فقلت أجييني كما كنتِ سابقاً / تجيبين من قد جاء للعلم راجيا
فقالت ألمت حادثات عظيمة / وجرَّت عَلَى هذي البلاد دواهيا
هناك استبد الدهر بالناس مُبدلا / فرفّع مخفوضاً وسفّل عاليا
هناك اضمحلت دولة عربية / بها كانت الأيام ترفع شانيا
وعُوّض عنها دولة ثم دولة / تُسَرُّ بكون الجهل في الناس فاشيا
وذاك لأن العلم للمرء مرشد / يعلمه عن حقه أن يحاميا
عرت نكبات الدهر بغدادَ بعدما / بها رَدَحاً ألقى السلام المراسيا
فأذهب ما للعلم من رونق الصبا / تتابعُ أحداثٍ يُشبن النواصيا
وأدنى الذي قد نابها من نوائب / خرابى ولولاها لما كان دانيا
فكابدت منهن الصروف نوازلاً / وقاسيت منهن الخطوب عواديا
وأبدى على عزى القديم إهانتي / رجال لشخص العلم كانوا أعاديا
وأُهملت حتى انهد مني كما ترى / مبانٍ لنشر العلم عزت مبانيا
وصرت على حكم الذين تحرّزوا / من العلم يا هذا إلى ما ترانيا
فقد ذوىَ الغصن الذي كان ناضراً / وقد عطِّل الجيد الذي كان حاليا
أضاءت قرون بي هي اليوم قد خلت / فسل إن تشأ عني القرون الخواليا
وكنت أرجى أن تعود عمارتي / إذا بعث الرحمن للعلم راعيا
فأمّلت عمراً ذلك العَود باطلاً / وعشت له دهراً أُمنَّى الأمانيا
أرجِّى بها أني ألاقي شبيبتي / فأيقنت هذا اليوم أن لا تلاقيا
لقد نقض الأيام بالعجم مِرّتي / ومرُّ الليالي يَتبّعن اللياليا
ورنَّق عدوان الزمان معيشتي / فمن ليَ أن ألقى الزمان مصافيا
ومزَّقني الباغون كل ممزَّق / ولا أحد عن فعل ذلك ناهيا
فقد صيروا للحفم بعضى مخازناً / وبعضي حوانيتاً وبعضي ملاهيا
وحُطَّت بساحاتي ابتغاء رسومها / بضائع للتجار تشقى الأهاليا
ولاقيت منهم كل خسف وجفوةٍ / فماذا عسى من بعد ذا أن أُلاقيا
أَبِيتُ بِلا ضوء ينير دجنتي / وَيدفع عني وحشتي وظلاميا
أُغل فلا أُسقى من الماءِ شربة / ودجلة تجري بالنمير أماميا
فيا ليتني كنت امَّحَوت بأجمعي / ولا كان في حالي كذا الذل باديا
كما أنه أختى النظامية امحَّت / ولم يبقِ من آثارها الدهر باقيا
وكل جديدٍ سوف يرجع للبِلى / إذا لم يكن منه له اللَه واقيا
كتاب رثاء يحمل البث من قلبي
كتاب رثاء يحمل البث من قلبي / إلى قبر ميت في طرابلس الغربِ
فيا جدثا في طيِّه نام شوكت / سقاك مُلِثٌّ ذو بعاع من السحب
تضمنت حرا يعلم اللَه أنه / إلى أن قضى قد كان والظلم في حرب
وكن إذا ما حل ساحة بلدة / يخاصم حزباً في المحاماة عن حزب
يحيط به الأحرار فيها كأنما / هو القطب والأحرار دائرة القطب
أخو عزمات ظل طول حياته / على لطفه لا يخلط الجدَّ باللعب
يخاطر في أمر الدفاع بنفسه / فيمشي مع الأحداث جنباً إلى جنب
يزور غمار الحادثات بكله / فيخرج من كرب ويدخل في كرب
ويبكي مع الباكي على ما أصابه / ويسعد بالمال الضعيف عن الكسب
من الأمراء العسكريين دأبه / صيان الحمى أكرم بذلك من دأب
له بالقضايا الفلسفية خبرة / يشاركني في البحث عنها وفي النقب
وأنظار صدق في الفنون دقيقة / وآراء علم هن أسنى من الشهب
وكان كحدِّ السيف غَربُ لسانهِ / مَضاءً ففل الموت من ذلك الغرب
تكافأ فيما بيننا ثابت الهوى / فلي حبه قد كان يحكى له حبِّي
أتتني أخبارٌ بموتك أنبأت / فغاب لها رشدي وطار لها لبي
وددت لو أني قبل منعاك ميت / ولم أتل شيئاً من نعيِّك في الكتب
ظفرت بقرب من حيناً فسرني / ولكن سريعاً ما انقضت دولة القرب
وقد قضت الأيام بالبعد بيننا / فطال على الأيام فيما قضت عتبي
وغادرتني أبكي المجالس نادبا / علاك بها لو كان ينفعني ندبي
أعاف لذيذ النوم في الليل إن دنا / وأشرق من جرَّاك بالبارد العذب
وكنتُ لعود من لقائك راجياً / فقطع آمالي قضاؤُك للنحب
وما الموت إلا منهل جامع وقد / وردتَ وإنا سائرون على الدرب
أشوكت ما ان عنَّ ذكرك خاطراً / بقلبيَ إلا واعترت رجفةٌ قلبي
دعتك المنايا بعد سقم ملازمٍ / فقلت لنفس فيك قد حشرجت لبي
هو السل ماذا يفعل الطبُّ نحوه / إذا كان يعي داؤُه حيلة الطب
تنشَّب في أحشاء صدرك ظفره / فأضعفه عن حرب مكروبه الألب
كأني بقومٍ حول جسمك خشع / لموتك من تُرك هناك ومن عُرب
قد استودعوا التابوت شخصك ثم قد / طووا ذلك التابوت في باطن الترب
فقلبٌ على ما كان ولهان آسف / وعينٌ على ما ناب دائمة السكب
وشيَّعك الجم الغفير مسافراً / إلى منزل قد ضاق من منزل رحبِ
إلى منزل داجي القرارة موحشٍ / يظل عن الأضواء والريح في حجب
فيسكن فيهِ المرء غير مخير / بعيداً عن الخلان والأهل والصحب
يقيم به كرهاً ويخضع للبلى / زماناً طويلاً لا يقاس على الحقب
وما ضرر الإنسان من طول مكثهِ / إذا كان فيه فاقد الحس واللب
أَإنا إذا متنا تظل نفوسنا / تطير بهذا الجو لآم نحن كالعشب
فنخصب أياماً تكون قليلة / ونجدب لما تنقضي مدة الخصب
فتخمد أنفاس وتيبس أوجه / لنا يبس أزهار بألوانها تسبى
وكم غادة كانت تميس بمشيها / كما تعبث الأرواح بالغصن الرطب
ففاجأها موت فراحت وخلفها / يشب ضراماً قلب عاشقها الصب
وكم من شعوب فرقتهم بكرههم / شعوب وكانوا قبل ملتئمي الشعب
فأين مضى القوم الألى أَرهفوا الظبى / وأين تولى قائدو الضمَّر القبِّ
وأين الذي قد كان يلبس زينة / وأين الذي قد كان يخطر في عجب
وكم عض هذا الموت من واسعى المنى / وكم غالَ هذا الموت من آمني السرب
سرى الركب ليلا ثم ما آب مخبر / فينبئُ أهل الحي عن ذلك الركب
ألم يبرحوا سارين أم تركوا السرى / وحلوا بسهل بعد ذلك أم صعبِ
تذكرت يا سلمى ليالينا التي
تذكرت يا سلمى ليالينا التي / بحزوى سقى حزوى الغمام تولتِ
فأكرم بهاتيك الليالي لياليا / وأكرم بحزوى عندها من محلة
لقد مرضت نفسي لفرط اشتياقها / إليها وحتى يومنا ما ابلت
وحاولت يا سلمى بكل وسيلة / تسلِّيَها لكنها ما تسلت
أرجِّى لقاءَ الموت في كل ساعة / فقد سئمت نفسي الحياة وملت
لكل طلوعٍ يا ذُكاء أفول
لكل طلوعٍ يا ذُكاء أفول / فنورك هذا في المساء يزولُ
ويرحل لألاء النهار وبعده / يخيِّم ليل يا ذكاء ثقيل
تصعَّدتِ في أوج تسامى مقامه / وكل صعودٍ يقتضيه نزول
إذا غبت عن أرض طلعت بغيرها / فأشرق آكام بها وسهول
لوجهك هذا ليته دام بازغاً / شعاعٌ يرد الطرف وهو كليل
نعم أنت عنا تغربين وإنما / فراقك رزءُ لو علمت جليل
فيخفى ضياء منك للعين باهرٌ / ويظهر نور للنجوم ضئيل
وينأى عن الروضِ الأنيق اخضراره / ويكتنف الأزهارَ فيه ذبول
هنالك تستولي على الأرض ظلمة / وتوحش فيها أرسم وطلول
ولكنّ قرص البدر في لمعانه / ببعض الليالي البيضِ منك بديل
ألا أيها البدر المنير لأنت لي / إذا الشمس غابت صاحب وخليل
تصبُّ بوجه الأرض نوراً كأنه / مذابُ لجينٍ في البطاح يسيل
يخصُّك قلبي أيها البدر بالهوى / لأنك بين الزاهرات جميل
فأقرب نجم أنت يا بدر طالعٍ / على الأرض يجرى حولها ويجول
كما الأرض تأتي كل عام بدورة / على الشمس في تَطوافها فيحول
جمعتَ جمالاً راع طرفي وبهجةً / فماذا عسى يا بدر فيك أَقولُ
لك اللَه ما أبهاك يا بدر طالعاً / فهل لك في باقي النجوم مثيل
تضجرت من أرض بها الفضل ضائعٌ / ومن زمن فيه الكرام قليل
وأكثرُ بخسا للفضيلة موقع / يجادل أهل العلم فيه جَهول
وإن امرءاً لم يحتفل قومه به / وجانَبه أصحابه لذليل
لنفسي مقام في السماء ستهتدي / إليه إذا بالنفس جدّ رحيل
أتخشى ضلالا في السرى وطريقها / عليه بياض الفرقدين دليل
مقامٌ بغير الموت لست أناله / فليس إليه ما حييت سبيل
وما زلت في ليلي أمتِّع ناظري / بمنظر بدرٍ حان منه أفول
وقد سطع الفجر المضيءُ حذاءه / ولاح بياض للصباح طويل
إذا صيحة من بيت جاري تعتلي / وأخرى وأخرى صوتهن يهول
نساء عراها حادث صرخت له / وأعقب صوت الصارخات عويل
حكين بترداد النواح حمائما / لهن بريعان الصباح هديل
لقد حلَّ مذ عامين في الدار هذه / فتى لنساء كالظباء يعول
فتى ما رأت عين امرئٍ مثل حسنه / بوجنته ماء الشباب يجول
فتى لم يجاوز بعد عشرين حجة / يقال له عند الدعاء نبيل
عراه سَقام قبل ستة أشهر / فعهدي به في الدارِ وهو عليل
أظن نبيلا مات من داء سُله / فقد قال بعض إنه لثقيل
نجوت وَربِّي يا نبيل من الأذى / فليس له بعدا إليك وصول
ولكنما خلَّفت بعدك نسوة / مرزأة أحزانهن تطول
مدلهة ما ان لهن مساعد / ومهملة ما ان لهن معيل
تسمَّعت إحداهن وهي حليلة / له تتلوى بالاسى وتقول
لأنت جميل في الحياة وبعدها / كذلك في عينيَّ أنت جميل
سيذبُل هذا الخد وهو مورَّدٌ / ويكمَد هذا الطرف وهو كحيل
لقد رمت عنا رحلة أبدية / أمالك عن هذا المرام عدول
ألا ثكلت أمُّ الذين أكُفهم / عليك بطوعٍ للتراب تهيل
إلى مَن إلى من بعد موتك نلتجي / إلى من إلى من والزمان بخيل
وليس لنا في هذه البلدة التي / نعيش بها إلا حماك مقيل
وليس لنا حامٍ يلم شتاتنا / وليس لنا أهل وليس قبيل
سأَلزم قبراً أنت تسكن جوفه / وللدمع مني في ثَراك أُذيل
أحاطت بليل اليأس مني غياهب
أحاطت بليل اليأس مني غياهب / تضيء من الآمال فيها كواكبُ
وجاءت أخيراً من همومي سحائب / فحجَّبت الآمالَ تلك السحائب
فما بان لي إلا شجاً متكاثف / ولا لاح لي إلا دجى متراكب
فيا لك من ليلٍ هنالك حالكٍ / بأهواله ضاقت عليَّ المذاهب
وطال إلى أن لاح لي في سمائه / على الأفق فجرٌ من رجائي كاذب
أقول لعيني حين جفَّت دموعها / أأمسكتِ لما أفجعتنا النوائب
لقد غاب من تهوين مرأى وجوهِهم / كأنهم زهر النجوم الغوارب
وما كان ظني أنه بعد ساعة / تجف كذا منك الدموع السواكب
جمودك يا عيني وقد وقع النوى / علىغير ما وعدٍ لهم لا يناسب
وإني على هذا الجمود وطوله / ألومك يا عيني وإني أعاتب
فلست براضٍ عنك يا عينُ بعدهم / لأنك ما أديت ما هو واجب
وللقلب مني بعد أن كرَّ راجعاً / وقد رحلت أظعانهم والركائب
عهدتكَ تمشي أيها القلب خلفهم / فقل لي لماذا أنت يا قلب آيب
سألتكيا قلبي عن السبب الذي / رجعت له إني لعودك عاجب
فما لك تجثو راجفاً متغيراً / وما لك ترنو ساكتاً لا تجاوب
أجئت تعزِّيني لأني آسف / وأني مفجوع وأني خائب
فقال بصوت هزَّ أوتاره الأسى / فرَّنت رنيناً أكبرته المصائب
تبعتهمُ حتى ثَوَوا في حفائرٍ / وحجَّبهم عني من الترب حاجب
وقفت على الأجداث حيث تغيبوا / أنادي فما ردَّ الجوابَ مجاوب
فجئتكَ كيما أخبر الحال إنها / شجتني فمرني بالذي أنت طالبُ
ورأييَ أن نسعى معاً لقبورهم / فقلت له يا قلب رأيُك صائب
أصبتَ نعم يا قلب فيما ارتأيتَه / فلي بين هاتيك القبور مآرب
تقدَّم أمامي ماشياً لتدلَّني / عليهم فسرنا والحنين مصاحب
فلما وصلنا ساء عينيَ أن ترى / هنالك أجداثاً عفاهن حاصب
سطور قبورٍ في العراء تناسقت / كما نمّق لعنوان في الطرس كاتب
قبورٌ بها نامت أَوانس خرّد / ونامت بها في جنبهن الذوائب
فجاشت هناك النفس من لاعج الجوى / وقلت لهاتيك القبور أخاطب
هنا فيك قد غابت حسان كواعب / فما فعلت تلك الحسان الكواعب
وما فعلت تلك السوالف في الثرى / وما فعلت في الترب تلك الترائب
إلى من تشيرُ اليوم فيك عيونها / وفق العيون النجل تلك الحواجب
وكانت مشيدات القصور بروجها / فمن أين جاءتها تصيب المعاطب
وفي كل يومٍ كان للزي مطلب / لهن تجلى منه فيما يناسب
ولكنما اليوم انتهت لتعاستي / بثوب من الأكفان تلك المطالب
وكن كأزهار الربيع مبادياً / أهذي لهاتيك المبادي عواقب
قد انتزعتها من حياتي يدُ الردى / كما ينهب العقد المفصل ناهب
هنالك جادت أعيني بدموعها / فهن على الخدين مني سوارب
هنالك من نفسي وصدق طويتي / تمنيتُ لو أن المنون تقاربُ
نظرت إلى قلبي وكان بجانبي / إذا هو من فرط الكآبة ذائبُ
فلعمت ذوب القلب ثم سكبته / على جدث فيهِ حبيبي غائب
وألفيت في نفسي العزاء كمعبدٍ / قد انهد منه جانب ثم جانب
وفارقتي لبى لهيبة مصرعي / فأبعد عني في الفلا وهو هارب
وَجِدتُ على الايام والطبِّ والغنى / وقلت لهم إني عليكم لعاتب
وأوحشت الدنيا كأن بيوتها / بعيني وإن كانت قصوراً خرائب
مكثت إلى أن أقبل الليل زاحفاً / وأظلم منه في عيوني الجوانب
فأبت إلى داري وفي باطن الحشا / لهيب من الحزن المبرح لاهب
وليس معي في لآوبتي لا نُهى ولا / عزاءٌ ولا قلب لشخصي يصاحب
سوى نَفسٍ في الصدر مني مردّد / فذلك طول الليل آت وذاهب
ستبسم في وجهي المنون كأنها / محب يُسلِي أو صديق يراقب
وتدركني قبل الصباح ونهضه / فأنجو من الهمِّ الذي هو ناصب
ذريني ألاقي الموت يا نفس واذهبي
ذريني ألاقي الموت يا نفس واذهبي / فما أنا من جدي أعز ومن أبي
ذريني بموتي وهو آخر ملجئ / أخفف من عبء المعيشة منكبي
ذريني أنجو من حياة عذابُها / شديد ومن لم يحىَ لم يتعذبِ
ذريني ذريني أستنيم إلى الردى / فإن الردى يا نفس سؤلي ومطلبي
لقد كبرت يا نفس أيام شقوتي / وطال على جمر الحياة تقلبي
سلام على عهد الرقي المحبب
سلام على عهد الرقي المحبب / سلام على حزب الشباب المهذب
واني محيّ للعروبة انها / قد استيقظت من نومها بعد احقب
وقد اخذت تعدو لتبلغ غليها / برغم الرزايا والشقاء المخيب
وان لابناء العراق تأهباً / ولا تكذب الآمال في المتأهب
لهم مأرب ان يدركوا شأو غيرهم / وان شط عنهم وهو افضل مأرب
فساره على فجر من الحق صادق / وليس على برق من الوعد خلب
ولا ادّعي انا بلغنا مرادنا / ولكننا فوق الطريق المقرب
فيا عين قري بالذي تشهدينه / ويا نفس قد ولى شقاؤك فاطربي
واني لارجو للعراق تقدماً / يضاهي هبوب العاصف المتوثب
ويحسب قوم في التعصب رشدهم / وما اخر الاقوام غير التعصب
وكنت ركبت الصعب ابلوه جاهداً / فما قل مجهودي ولا ذل مركبي
عشية ما في الرافدين سلامة / ولا العيش في كل العراق بطيب
عشية لا عبد الحميد بسامع / دعائي ولا مني فروق بمقرب
وما كان ما تأتي الشعوب بثروة / ولكنه حمى الدم المتلهب
ولم ننتفع بالعلم الا صبابة / تجرعها مثر بمشهد مترب
ويطرق سمعي اسم السعيد ولا ارى / بعيني سعيداً فهو عنقاء مغرب
وما ذل قوم ابرموا وحدة لهم / وان لم يكونوا ينتمون الى اب
ولا اوجسوا ممن تهدد خيفة / وان جاءهم في جمعه المتألب
ولا عار في زيغ الفتى رشذوذه / ولكنما في كذبه والتذبذب
ولس ابالي ما به يشتمونني / وان كان في قلبي كلسعة عقرب
ترهب يرعى العلم خمسين حجة / فاكبر به من عالم مترهب
تلقى بما ابقى ثناءاً معطراً / وهل يتلقى طيب غير طيب
نقدت نزيها ما نقدت فلا تخف / وعيداً واتمم ما بدأت وعقب
وانك انت اليوم خير مثقف / وانك انت اليوم خير مهذب
وقل باسلا ما ينبغي ان تقوله / ولا تلتفت للجاهل المتعصب
شدا الشعر بعد الصمت يطرب امة / فيا شعر قد احسنت فاشدو أطرب
وليس بعقل المرء يكبر شعره / ولكن بما في روحه من تكهرب
وللشعر عين ماؤها متدفق / متى يأت من صيابة القلب يعذب
وكنت له جددت بين مخطئ / يعنفني في قرضه ومصوب
يؤنب في تجديدي الشعر صاحبي / فيا صاحبي بعد التفكر أنب
وقال أتلقي في الفسيل نظير ما / تراه على النخل الرفيع المشذب
أليس الجديد ابن القديم الذي شدا / به القوم بعد القوم من عهد يعرب
فقلت له ما انت للحق خاضع / واني لما تدلي به في تعجب
شعرنا بما لم يشعر القوم قبلنا / شعور السليل الناهض المتهذب
وان الجديد الغض في غفوانه / كبكر كعاب والقديم كثيب
ولست على العلات اجحد فضلهم / ولكنما تقليدهم غير معجبي
فكذبني للجهل فيما صدقته / واي صريح ماله من مكذب
وماذا عليّ اليوم والحق غايتي / اذا كان لا يرضى الجماهير مذهبي
ولا خير في شعر اريد انتقاصه / ولم يتحفز للدفاع ويغضب
انا اليوم من كر الحوادث اشيب / ولكن شعري لم يزل غير اشيب
ويا شعر انت اليوم اكبر مرشد / لمن ضل عن قصد الطريق الملحب
ويا شعر حرر ما تشاء من النهى / جزيئاً وبعد من تشاء وقرب
أبث شعوري فيك غيرمقلد / واعرض آمالي ورأيي ومذهبي
وددت لو أني كنت في مصر محشوراً
وددت لو أني كنت في مصر محشوراً / فشاهدت يوماً للعروبة مذكورا
وإني أوتيت البلاغة ساعة / فاديت حق القول نظما ومنثورا
وإني قد ألقيت شعري ساحراً / فألفيت جمهور المصيخين مسحورا
او اني اسمو للكواكب ناظما / فارسلها شعراً إلى صاحب الشورى
او اني في مصر الجميلة بلبل / فاطرب بالتغريد تلك الجماهيرا
المّ بزهر الفكر ريان نافحاً / وابصر روض العلم اخضر ممطورا
سأبقى كئيباً ملء نفسي حسرة / اذا لم يكن لي ما هنالك منظورا
اذا ما اقيمت حفلة وطنية / ولم الق فيه الشعر لم اك معذورا
واكثر اخبار الجرائد ظلمة / ولكنما الشورى لنا ترسل النورا
يحبرها ذو قدرة بيراعه / ويسلكها المثلى ويجنبها الزورا
وما زال فيها بالعروبة شاديا / وما زلت فيها اقرأ الصدق مسطورا
وفي مصر يلقى الصدق كل حفاوة / ويلقى رجال الصدق في مصر تقديرا
اني نبأ الحفل المجيد عشية / فاصبح منه الشعب اجمع مسرورا
احييك عن بعد تحية معجب / بآدابك اللائي بها كنت مفطورا
لقد كنت في كل الذي قد كتبته / بمصر مثالا للشهامة مشكورا
وبلغت ما بلغته عن عقيدة / فما كنت غراراً ولا كنت مغرورا
ولم تتهجم في جهادك طائشاً / كمن جاء عداءاً او صادف احدورا
ومن كان ذالب فليس بمقدم / على جلل حتى يفكر تفكيرا
بدت من فريق في البلاد نكاية / وما زال منها الشعب اجمع موتورا
ورب عقور جاء يبرز نابه / فادبر لما شام سيفك مشهورا
وذي سفه حردان يأتي مناوئا / فينكص مذموما ويرجع مدحورا
وكم مرة فيها لقيت جموعهم / فكنت بها صقرا وكانوا عصافيرا
لقد ساءني ان العروبة اكأبت / وان لها قلباً من الحزن مفطورا
رمتها الليالي في الفؤاد بصرفها / فلم تبق اذ اصمت شغافاً وتامورا
وليس بمسطيع سوى الدمع وحده / لآلام قلب قد تفجع تصويرا
تفرس بوجهي تلق دمعي شاهدا / على ان قلبي بات لليأس مكسورا
هلموا الى الاصلاح يا قوم واعجلوا / فما هو بعد اليوم يقبل تأخيرا
هلموا الى الاصلاح ان زمانه / اتى ولعل اللَه يجعل تغييرا
ان الدم لم تسخنه يوماً حماسة / فان نخاع النشء يجمد مقرورا
يقولون محظور علينا نهوضنا / فقلت انهضوا طراً وان كان محظورا
الام يقاسى العقل برد جموده / وحتام يبقى الرأي في الرأس محجورا
نفاخر بالمجد الذي مات عهده / وما خير مجد ميت ظل مقبورا
اجل كان ربع للحضارة عندنا / ولكن ذاك الربع اصبح مهجورا
فماذا وقوفي فيه اندب ارسما / تقاسي من الدهر العتي الاعاصيرا
نأى بي عن الأصحاب في سيره العمر
نأى بي عن الأصحاب في سيره العمر / ويرجع أحياناً إليهم بي الذكر
يسر الفتى محياه ما كان راجياً / وتبقى له الاشياء ما بقي الفكر
اذا عاش عاشت ارضه وسماؤه / وان مات ماتت فيه دنياه والدهر
وليس بحر من تكلم هامساً / ولكن من نادى جهاراً هو الحر
الا انما الارض التي نحن فوقها / هي المهد للابناء ثم هي القبر
وان شئت فاحمدها وان شئت فاهجها / فليس بذي بال عقوقك والبر
وماذا تحس النفس منا لبقعة / تغور بها في الآخر الاوجه الغر
وما زلت من بعد الاحبة صامتا / كما يفعل الصداح ان صوح الزهر
لقد كان شكى في السلامة وافراً / فاني ركبت البحر يوم طغى البحر
يقولون في الايمان كل نجاتنا / ويا رب ايمان قويّ هو الكفر
وينتظرون الفجر في ليل قبرهم / ولكن ليالي القبر ليس لها فجر
ولما يزل نسر المجرة طائراً / اما في فضاء اللا تناهي له وكر
أسائلكم ماذا على الشاعر الحر
أسائلكم ماذا على الشاعر الحر / إذا رام تصوير الحقيقة في الشعر
يريدون منه أن يظل محافظاً / على صمته حتى يغيب في القبر
ولكن نفس الشاعر الحر ملؤها / عواطف تدعوه الى الجهر او تغرى
ويرمونه بالكفر فيما يقوله / وايمانهم ان صح شر من الكفر
ما بال هذا الناس بي قد تبرموا / فهل آدهم فيما اخالفهم وزرى
شديد على حرية الفكر ضغطهم / كأنهم اعداء حرية الفكر
وقد لا ارى في القول لي من سلامة / فاسكت عنه وهو يقدح في صدري
واعلم اني ان تجاهرت مزقوا / اديمي بانياب التعصب والظفر
وكم امة في غفلة عن مصيرها / وقد عب سيل الحادثات بها يجري
تعرض لي في شعره يتحكك
تعرض لي في شعره يتحكك / لعلك تبكي او لعلك تضحك
وان لئيم القوم ان سار ضاربا / الى غاية شر الطريقين يسلك
نهيتك عن خوض الخضم وقد طغى / فانك فيه لا محالة تهلك
سارسل من شعر على البعد واهج
سارسل من شعر على البعد واهج / عليك لتخزى ما رجا بعد مارج
تخذت سلاح الزور للطعن عدة / ولم تفتكر فيما له من نتائج
فالقيت منك النفس لا عن روية / بهاوية ليست بذات مخارج
وانك في جعل التجسس مهنة / سلكت إلى الغايات شر المناهج
أغرك ان الكذب اصبح سوقه / يروج وان الصدق ليس برائج
تقدمت الاقوام مسرعة تجري
تقدمت الاقوام مسرعة تجري / وليس لشعب قد تأخر من عذر
بني وطني ان الشعوب جميعها / على الارض ارسال الى غاية تجرى
بني وطني ان الضعيف لمعسر / بني وطني ان القوي لفي يسر
بني وطني ان الخصاصة وحدها / اذا لحت الحاجات قاصمة الظهر
بني وطني ما من سلام لامة / اذا هي لم تسند على عسكر مجر
يباع ويشرى الشعب في سوق / ببخس من الاثمان والشعب لا يدري
وما الخير بالمقصود منها وانما / يراد بها شر واكثر من شر
واصعب من قيد ثقيل حديده / على الرجل اقياد ثقال على الفكر
جرى الغرب سباقا الى كل غاية / فما بال هذا الشرق اصبح لا يجري
وما انا في دنياي الا كسابح / تصارعه الامواج في لجة البحر
لقد بات عندي طيف ليلى مواصلا / فجيد الى جيد ونحر الى نحر
وقد كان منه الجسم حين يضمني / اليه كجمر او احر من الجمر
وكاد بنار منه يحرق مهجتي / وقلبي وما يحويه ي طيه طمري
فآلمني حتى شكوت عناقه / وحتى كأن الوصل شر من الهجر
فلما انتبهنا كان قد غاب طيفها / ولم يبق عندي منه شيء سوى الذكر
لقد رفعت كل الثعالى تهانئاً
لقد رفعت كل الثعالى تهانئاً / إلى الذئب إذ أمسى وصيا على الشاة
كذلك في الاحياء كل منافق / يكون مع الايام في جانب العاتي