المجموع : 103
ثيابُ الدُّمَى البيض الحسان كثيرةٌ
ثيابُ الدُّمَى البيض الحسان كثيرةٌ / ولكنّني منهنّ أَبهى وأَجمل
أُجَرُّ عَلَى بِيضِ الجِباه وأَنْثَنِي / على الطُّرَرِ المستحسَناتِ وأُسْبَلُ
وأَلْثَمُ مُحْمَرَّ الخدودِ بإذنِها / وأُلْوَى على اللَّبّات طَوْراً وأحُمل
ولَمْ تَجْفُنِ مُذْ كُنْتُ يوماً مَلِيحةٌ / ولم تُرَعَنِّي ذاتُ حُسْنٍ تَنَقَّلُ
فتى مثلُ ضوءِ الشمسِ نورُ جبِينِه
فتى مثلُ ضوءِ الشمسِ نورُ جبِينِه / وكالغيثِ عند المحْلِ منه الأنامِلُ
وكالسيفِ إن قاومتَه حدُّ عَزْمه / وأَحْلَى من الإنصَافِ حين يُجامل
كريم إذا استمطرتَ جودَ يَمينِه / بدا لك من جَدْواه سَحٌّ ووابِل
وذي عَجَبٍ مِن طولِ صبرِي على الذي
وذي عَجَبٍ مِن طولِ صبرِي على الذي / أُلاقي مِنَ الأرزاءِ وهْو جليلُ
يقول ألا تَشْكُو فقلتُ مَتى شكا / من الضَّرْب عضبُ الشَّفْرَتَين صقِيل
وإنّ أمرأً يشكو إلى غيرِ نافعٍ / ويَسْخو بما فِي نَفْسِهِ لجهول
عَدَاني عن الشكوَى إلى الناس أَنَّني / عليلٌ ومَنْ أَشكو إليه علِيل
ويمنعني الشكوى إلى الله عِلْمُهُ / بجُمْلة ما ألقاه قبلَ أَقُول
سأسكُت صبراً واحْتساباً فإنّني / أَرى الصبرَ سيفاً ليس فيه فلول
ويومٍ من الأيّام غابت عواذِلُه
ويومٍ من الأيّام غابت عواذِلُه / سَقانا به طَلٌّ السرورِ ووابِلُهْ
صفَتْ مثلَ صَفْوِ الخمرِ بالماءِ بَيْننَا / أَواخرُه حُسْناً وطابَتْ أَوائِلُهْ
فلمّا تعاطَيْنا المُدامَ وأَوْمَضَتْ / بُروقُ الصِّبا فينا وسُلَّتْ مَناصِلُهْ
دَهَتْنا صروفُ الدَّهرِ بالفَرَسِ الّذي / مَضى آبِقاً واسترجَعَ اللَّهْوَ باذِلُهْ
وبِتْنا على سُكْرَيْنِ مِن سُكْر قهوةٍ / وسكرٍ من الخَطِب الّذي جَلَّ نازلُهْ
فيا لكَ يوماً طاب صُبْحاً وغُدْوةً / وجاءتْ بأضدادِ السُّرورِ أصائِله
فبِتْنا كما لا نَشْتَهِي وقلوبُنا / رهائنُ فِكرٍ يُحْرِق الجمرَ داخِلُه
نُقسِّم كَأْساتِ التَّنَدُّمِ بيننا / ونَنْشُر شَجْواً ليس تَهْدَا مَراجِلُهْ
ونُفْكرِ مِنهُ في عواقبَ يرتضِي / بشاعَتَها مُبْدِي الشَّماتِ وحامِلُهْ
فلّما بدا وجُه الصَّباحِ وأَقبلَتْ / تَكُرُّ على وَفْدِ الظّلامِ قنابِله
أتتْنا بِه البُشْرَى فرَوَّحَ مُكْمَدٌ / وأَنْهل صادٍ بات حِبٌّ يُواصِله
فلو عاينَ الْمَلْكُ العزيزُ مَبِيتَنا / لخطبٍ دَهتَنْا بالفَظِيعِ كَلاكِله
لأَرْغَمَ أنفَ الدَّهِر عن أن يُصِيبنَا / كما لم يَزَلْ فِينا نَداه ونائِلهْ
إمامٌ كأنَّ اللهَ أَنْزَلَ فَضْلَه / قُراناً فما خَلقٌ من النّاس جاهِلُهْ
إذا لم أُصدِّقْ ظَنِّ كُلِّ مُؤَمِّلٍ
إذا لم أُصدِّقْ ظَنِّ كُلِّ مُؤَمِّلٍ / ولم أحْمِ عِرْضي بالسَّماحةِ والبَذْلِ
ولم أُطِع المعروفَ والبِرَّ والعُلا / وأَعْصِ ذواتِ الحُسنِ والأَعُينِ النُّجْل
فلستُ ابنَ من عزَّت به كُلُّ دولةٍ / ونجلَ النبيّ المصطفَى خاتَمِ الرُّسْل
ولستُ أَعُدُّ الفضلَ فَضْلاً والعُلا / إذا لم يَسُدَّ الخافِقين بها فِعْلِي
وكم جاحِدٍ فَضْلِي لإسقاطِ فَضْله / ذَوُو النَّقْصِ مذ كانوا أعادي ذوي الفضِل
تكّرمتَ حتّى جُزْتَ حَدَّ التكُّرمِ
تكّرمتَ حتّى جُزْتَ حَدَّ التكُّرمِ / وأَلبستَ أَثوابَ الغِنى كُلَّ مُعْدِمِ
وما زلتَ تعفو الذنبَ عن كُلّ مذنِبٍ / مُسيءٍ وعظمَ الجُرْمِ عن كلّ مجرم
إلى أن حويتَ الفضلَ وحدَك سابقا / وسُدْتَ البرايا من فصيحٍ وأَعجم
وذا ابن عبيدِ اللّه عبدُك خاضعا / مُقِرّاً بما في ذنبه المتقدّمِ
وأَحسن من كلّ المحاسن مُذْنِب / تلقّاه مولاه بِعَفْوٍ وأَنعُم
فزِده على ذا العفوِ فضلا ونِعمة / يزِدْك عليها اللّه عزّ تعظُّم
بِما حَلَّ قلبي من ودادكَ فاغتَدَى / مَشُوباً ومخلوطاً بلحمي والدمِ
تَقَبَّلْه واجعلْ عنده لك نِعمةً / تروح بها في الناس أَكرمَ مُنعِمِ
فقد كان أيضاً مالكاً لعبتْ بهِ / خطوبٌ وأنت اليوم كهفُ الترحُّم
وأَعظمُ سؤلي أَن أراك وصلتَه / وأَغنَيْتَه بالجُود قبل التكلُّم
تُميط الأَذى عن حامِلِيها الصَّوارمُ
تُميط الأَذى عن حامِلِيها الصَّوارمُ / وتَبْنِي المَعالي للكرام المَكارمُ
وما كلُّ من تَنْدَى يداه بما جد / ولا كُلّ من يَغْشَى الحروبَ ضُبارِمُ
وما الجُود بالأَيدي اضطرارا مُحَسَّنٌ / إذا لم تجده في النفوس الحَيازِمُ
وما تنفع البِيضُ البَواتِرُ صَحْبَها / إذا لم تكن يوما ظُباها العزائمُ
وما الحِلمُ بالمحمود في خُلُق الفتى / إذا لم يكن للحِلم جَهْلٌ مُلازِمُ
أَمَرَّتْ لي الأَيامُ منذُ عرفتُها / فما في منهنَّ إلاَّ العَلاقِمُ
جعلتُك قلبي خيرَ خِدْنٍ وصاحبٍ / فلا تك مِمَّنْ يلتَوي ويصُارِم
فما إن رأَيت الدهَر إِلاَّ معظِّماً / كريماً يُناوِي أَو وَضيعاً يُسالِم
وما فاتَني فيه منْ المجد والغنى / فما أنا إذ نلتُ الحجا فيه نادم
وما إِن قليتُ الدهرَ إلاَّ لأنه / لِقلبيَ من بينِ الأَحبّة ظالمُ
سَقاني من أَقذائه بفراقهمْ / ومن سمّه ما ليس تَسْقي الأَراقمُ
وكم شمتُ من بَرْقٍ لأَسماءَ خُلَّبٍ / وقلبي بما فيه من الزُّور عالِمُ
تُعَللِّني من وصلِها بمَواعدٍ / أراهنَّ أَعراساً وهنَّ مآتم
سأشفى ببَرْد اليأَس غُلَّةَ ذا الهوى / وإن لم يُبَرِّدها النوى واللّوائم
وأَبيضَ يَحكي البدرُ غرّةَ وجهِهِ / وتحكي يديه في السَّماحِ الغمائم
إليك أَميرَ المؤمنين سَمَتْ بنا / أَمانٍ مقيماتٌ عليك حَوائمُ
منحناكَ من حُرِّ الثَّناء قصائداً / بأَيدي العُلا من حَليْهنَّ خواتم
فلم تَلْقَنا إلاّ ومالُكَ هالِك / ووجهُك بَسَّامٌ وعِرْضك سالم
أَبادَ ندَاك المالَ حتَّى كأنما / سماحُك يقظانٌ ومالُك نائم
علوتَ إلى أَن أَيْقَنَتْ كُلُّ مُقْلَةٍ / بأنّك نجم في ذُرَا الأُفْق ناجِمُ
وجُدْتَ إلى أَن ظَنَّ كُلُّ مُوَحِّدٍ / بأنَّك للأَرزاق في الناس قاسمُ
ولو قد رأى إسرافَ جُودِك حاتمٌ / للاَمَكَ في الإعطاء كعبٌ وحاتم
هنَاكَ قُدومُ الِعيدِ يا عيدَ أهلِه / ومَن هُوَ عيدٌ للبريّة دائم
بدا لك فيه السعدُ من كلّ جانب / وهابَتْك فيه عُرْبُه والأَعاجمُ
فَجُودُك سَجْلٌ للمُطِيعين وابلٌ / وسَيْفُك في العاصِين قاضٍ وحاكمُ
إذا ناكِثٌ بالغَدْر عاصاكَ لم تَطِرْ / خَوافي جَناحَيْه به والقوادمُ
وإن رامَ غَدْرا أَظهرَ اللّه سِرَّه / عليه وأَبدَى كلَّ ما هو كاتمُ
لأَنّك سيفُ الحقّ والله ضاربٌ / به ونِظامُ الدِّين واللهُ ناظمُ
وما أنت إلاّ حجّة الله أَشرَقَتْ / بها الأرض حتى ليس فيها مُخاصِمُ
يروم بك الأعداءُ ما حالَ بينهم / وبينَك فيه البارقات الصَّوارمُ
وجُرْد إذا يَمَّمْن أرضاً كأنها / تَطِير بها أشخاصُها والقوائمُ
وسُمْر قَناً صُمّ طِوال كأنها / مَضاؤك في الهَيْجاء والنَّقْع قاتمُ
إذا رُمْتَ أن تَغْزُوهُمُ فحِمامُهمْ / بأن يَعلم الأعداءُ أنّك عازم
فخَوْفُهمُ لم يَتَّرِكْ لهُم يَداً / ولم يُبْقِ مِن أبطالِهم مَن يقاوِم
فيا غالباً ما دَام يلقى محارِباً / ويأيّها المغلوبُ حين يُسالم
كذا لم تزل يآبن الأئّمة ظافراً / ومالُكَ مَغْنومٌ وسَيفُك غانم
على ذا مضى آباؤك الغُرُّ يَرْتَضي / فِعَالَهُمُ بَذْلُ النَّدَى والمَلاحِم
ولو شهدوا حَالَيْكَ في السِّلم والوَغَى / لفدَّاك مسرورا لُؤَيٌّ وهاشم
لكل عدوٍّ من سيوفك قاتِلٌ / وفي كلّ حصنٍ من مَضائك هادم
مُقامُكَ سَيْرٌ في البلاد مُظَفَّرٌ / وَصْمتُك في أذْن الزمان هَماهِمُ
هزمتَ خُطوبَ الدهر رأْياً وَنجدةً / ولم يَهزِم الأيّامَ قبلكَ هازم
ورُضْتَ بحزمٍ كلَّ شيء فلم تَدَع / من الناس مخلوقاً يُرَى وَهْو حازم
وسامَيْتَ حتى لم تُلاقِ مُسامِياً / وكارَمْتَ حتى لم تجِد من يُكارم
وباريْتَ أملاكَ الزمان ففُقْتَهُمْ / وقَصَّرَ منهمْ عنك صِيدٌ أَكارم
فشمسُ الضُّحَى تاجٌ لمُلككَ في العُلا / وزُهْرُ دراريِّ النجومِ دَعائمَ
كأنّك لم يُخْلِف سواكَ ولم يَلِدْ / رئيسا يسود الخلَقَ غيركَ آدم
سأجعل وُدّي بالثناء مُكَلّلاً / عليك وصَمْتي عنك لي فيك شاتم
وهل أنت إلاّ من غُيوثٍ مُلِثَّةٍ / وأقمارِ تِمٍّ صاحَبَتْها ضَراغمُ
وكم جاهلٍ يُصفيك وُدّاً بجهلِه / وأفضَلُ من هذا الوِداد التَّصارمُ
قليلُ ودادِ المرِء بالعقل نافعٌ / ووُدُّ الفتى بالجهل للنَّفع كالِمُ
وإنّي لأُصفيكَ الودِادَ وخيرَه / وأفضَلُه أنِّي به فيك عالم
وإنّي متى ما أَطْوَهِ عنكَ مُوقِنٌ / بأنَّي في طَيٍّ له عنكَ آثم
فلا تُلْحِقَنْ بي مَعْشراً لم يَقُدْهُمُ / لحبِّك إلاّ الخوفُ ثم الدّراهم
ولو مَنَحوكَ الوُدَّ بالصِّدق لم يكن / لودِّهمُ مِن جهلهمْ بك عاصم
وإن اختلاف الناس في الفَضْل بَيِّنٌ / فبعضُهمُ ناسٌ وبعضٌ بَهائم
لِتُلْحِقْكَ نُعْماها الّليالي التّي بدت / لنَا بكَ بِيضاً وهي سُودٌ ظوالم
لو أنَّ أيَّامَ هذا الدهر تَحتشمُ / ما كان عنهنَّ منِّي العَذْلُ ينصرم
وكيفَ يَرضَى عن الأيَّامِ مَنْ عَبِثَتْ / به فأنوارُها في عَيِنه ظُلمُ
أَرى أناساً ولكِنْ جُلُّهم نَعَمٌ / كُثْرٌ قلِيلٌ وموجودون قد عدِموا
ناسٌ سَواسَية يَضْنَى الكريمُ بهمْ / حتى كأنهمُ الأوصاب والسَّقَم
من لم يكن عالِماً ذا بالأنامِ فلا / يَجهَلْ بأنهمُ إن حُصِّلُوا غَنَم
أَرَتْهُمُوني قليلا هِمّةٌ بَلغتْ / بِحَيْثُ لا يَنْتهيه الهَمُّ والهمَمُ
لِلّهِ حالٌ أدانِيها وتُبعدُني / وأشتِهي قُربَها مِنّي وَتنجذِمُ
لا تعذلَني على حظِّي فقد نَشَرَتْ / عليَّ حِرْمانَها الآداب والفَهَم
أرْخَتْ على الّليالي جَوْرَهُنّ ومَنْ / أيّامُه ظَلمتْه سوف يَنْظَلِمُ
سيستقلّ بنَصْري صولةً ذَكَرٌ / وصارِمٌ ليس يَنْبو حَدُّه خَذِمُ
لا أَحمد العزمَ ما لم تَنحطمْ قُضُبٌ / من السّيوف ولَم تُحْصَدْ بِها لِمَم
ولم يَجُلْ بالقنا والخيلُ ساهمةٌ / فَتىً ولم يَجْر بين الجَحْفَلَيْن دم
ولم تشنَّ على الأعداءِ بي دُفَعٌ / تَظَلُّ منها سيوفُ الهند تَبْتَسم
لا فخرَ للمرءِ إلاّ حدّ مُنْصُلِه / لا ما تُزخرِفه الألفاظُ والقلم
أنا الذي قد حلبتُ الدهرَ أشطُرَه / ومَرَّ منه علَّى السُخْنُ والشَبِمُ
لا يَنزِف الغيظُ حِلمْي حين أُسلبَه / ولا التحلُّمُ غَيْظي حين أَنتقِم
أنا ابنُ مَن قد أَعزَّ الدِّينَ مُنْصُلُه / وأَذعنتْ لعُلاه العُرْبُ والعَجَمُ
أعنى الإمامَ مَعَدّاً خيرَ من حسنتْ / به الخلافةُ واستعلتْ به النَّسَم
فخراً ومجداً أميرَ المؤمنين فقد / صلَّى عليك النَّدَى والمجدُ والكرم
تُصِمُّ أُذْنّكَ عن لاحِيك في كَرمٍ / وما بِسمعك عن داعي النَّدَى صَمَمُ
فعِرْضُ مجدِك بالمعروف ممتنِعٌ / وعِرْضُ مالِك في العافين مُقْتَسَمُ
من لم يكن بكَ دون الناس معتصِماً / أَمسَى وليس له في الأرض مُعْتَصَمُ
يا حُجّةً فلَجَتْ لِلّه واتّضحَتْ / حتى اهتدي بسَنَا برهانِها الأمم
يا مطلِقَ الأمَل العاني ومُخرِجَه / لليُسْر من بعد ما أَوْدَى به العَدَمُ
لولا مَعَدٌّ أميرُ المؤمنين لَمَا / عَزَّ الهُدى وفَشَتْ في عَصْرنا النِّعَمُ
في كلّ مَوْطِنِ معروفٍ يَمُدّ يداً / وفي تُقَى كلِّ توحيدٍ له قَدَم
أَغَرُّ أَرْوَعُ وَضّاحٌ لناظِره / كأنّه في أعالي هاشم عَلَم
حُلُو الشمائل في أخلاقه شَرَسٌ / طَوْراً ولِينٌ وفي عِرْنيِنه شمَم
طابت وِلادتُه من أَحمدٍ وزَكَتْ / منه الخلائق والأعراقُ والشِّيَم
يَلقى دواعي الخَنا والُّلؤْمِ منه بلا / وليس تَخْذُلُه في صالح نَعَم
أستغفر اللّهَ لا أحصي فضائلَه / عَدّاً ولو أنّ كُلِّي مَنطِقٌ وفَمُ
وكيف يُحصي الورى عَدّاً مَناقِبَ من / لم يُلْفَ شِبْهٌ له في الناس كلِّهمُ
وما رأيتُ سوى مدحِ المعزِّ ثناً / يُزهَى به الحبرُ والْقِرطاس والقَلَمُ
كأنّما مُلْكُه هَدْىٌ ومَوعظةٌ / وَدهرُه فَرحٌ للناس مُبْتَسِم
لا زلتَ تَبني رُواق العزِّ ما طلعتْ / شمسٌ وما دَرَّت الأنواءُ والدِّيمَ
وهاكها تؤنِسُ الألبابَ خَطْرتهُا / وتستزينُ بها الآدابُ والحِكم
تبدو لسامعها في كلّ ما خَطرتْ / بسمعِه أنّها حنية قسم
لِيَهْنك أنّ الصومَ فرضٌ مؤكَّدٌ
لِيَهْنك أنّ الصومَ فرضٌ مؤكَّدٌ / من الله مفروضٌ على كلّ مسلمِ
وأنَّك مفروضُ المحبّة مِثله / علينا بحقٍّ قلتُ لا بالتّوهّم
فَهُنِّئْتَه يا مَنْ به الله قابِلٌ / من الخَلْق فيه كلَّ نُسْكٍ مقدَّمِ
ولا زلتَ منصوراً على فَرْض صَومِه / ومعتصِماً بالله من كلّ مَحرم
فأنتَ نصَرتَ العدلَ ثم نشرتَه / وجُزْت ببَذْل العُرْف حَدَّ التكّرم
ولست براضٍ بذلك الجُودَ أوّلاً / إذا لم تُعِدْه ثانياً وتتَمم
إلى أن رأيتَ الجودَ فَدّاك ناطقاً / ونادتْ بك العَلْياء وهي بلا فَمِ
وصلّى عليك اللهُ يا من تجاوزَتْ / بدولَته الأيّام عن كلّ مُعدِمِ
إذا استخدمْتني في طِلابِ العُلا هِمَمْ
إذا استخدمْتني في طِلابِ العُلا هِمَمْ / فماءُ المعالي في فَمي بارِدٌ شَبِمْ
ولستُ لعَلْياء الجُدود بمُدَّعٍ / إذا لم أشيِّد ما بَنَى المجدُ في القِدَمْ
لكلّ امرىءٍ أفعالُه وغناؤه / ومن لم يَسُدْ بالفِعل يوما فما حَلُمْ
وقد أَغتدي والليلُ بالصُّبْح أشمَطٌ / وللرَّوضِ كافورٌ يَفوحُ به النَّسَمْ
بأزرقَ يَرمي الطيرَ منه بِمُقْلَةٍ / تكاد تَرَى ما يَستُر الثوبُ في الظُّلَمْ
وليس يَعيبُ البازُ راحةَ ماجدٍ / تعوَّدَ حَمْلَ البازِ والسَّيْفِ والقَلَمْ
يدٌ للنّدى والجُودِ طَوْراً وتارةً / تُقَبَّل في وَسْط النّدى وتُلتثَم
إذا رَكِب البازي يساري وأثّرت / له لحَظَاتٌ كالذُّبالَة تضطرم
ذَعرْتُ به شمْلاً من الطير جامعاً / وضَرَّجْتُها في كلّ ناحية بدَمْ
إذا لم أَصِدْها لم يَطِبْ لي مَذاقُها / ولستُ لِلَحْمٍ لَمْ أَصِدْهُ بِذي قَرَم
متى سَالَم الأيّامَ قَبْلي مُسالِمٌ
متى سَالَم الأيّامَ قَبْلي مُسالِمٌ / فرقَّت له حتّى أُسالَم أَيّامي
صَرَمْتُك يا أَيّامَ دَهْري فصارِمي / ستَدْرِين إنْ نازلتِني كيف إِقدامي
أَرَى كلَّ حُرٍّ فيك غيرَ مكرَّمٍ / وكلَّ وضيع في سُعودٍ وإِكرام
وهل كلُّ ما يُلهَى به فيكِ مِنْ غِنىً / ومن دولةٍ إلاّ كأضغاث أحلام
سأُكرِم نفسي عَنْكِ بالصَّبْرِ عالماً / بأنّكِ ممّن سوف يُقْتَلُ قُدّامي
وأنّك من نُوري ضُحاكِ ومِنْ يَدي / قُواكِ ومِنْ سيفي ضِرابُكِ لِلهامِ
سأَستَلّ من عَزمْي لَحْربِكِ صارِماً / وإن كنَّ أَمضى من سُيوفِك أَقلامي
تعالَى علوَّ النجم مَجدي ومفَخَري / وسار مسيرَ الرِّيح جُودي وإنعامي
فلا تُنكِري أَنْ رحتُ وحدَي مفرداً / وأَن بِتّ يَقظانَ الحِجَا غَيْرَ نَوام
فَجُنْدِيَ تدبيري وسيفي عزيمتي / وقلبي إذا نازلتُ في الحرب ضِرْغامي
أنا أظرف الحّجاب شخصاً وموقعاً
أنا أظرف الحّجاب شخصاً وموقعاً / وأكتَمُهم سراً على المتكلِّم
وإن هَمَّ محبوبٌ بوصلِ حبيبِه / وقيتُهما من كل واشٍ ومُبْرِمِ
أأن ناح قُمرىٌّ بغصنِ بَشامةٍ
أأن ناح قُمرىٌّ بغصنِ بَشامةٍ / وغرد في أعلى الأراك حَمامُ
أهاج لك التذكار شوقاً كأنما / له بين أحناء الضلوع ضرام
خليلي هل بعد الفراق تواصل / وهل بعد توديع الحبيب مُقامُ
دهتني النوى حتى كأن أحبتّي / على القربِ مني والدنوّ حرام
ومما استهام القلبَ وهو مصدَّع / وأوهَى جُمانَ الدمع وهو سِجامُ
مطوَّقةٌ ورقاءُ تندُب شجوهَا / وتسهر فيه الليلَ وهو تمامُ
تنوح بِلا دمع وللحزن آية / على نوحها مشهورة وغرام
ألا يا حمام الأيك مالَكَ والهاً / كأنك ممّن أسكرتْه مُدامُ
كِلانا مِحبٌّ صدّع البين شَملَه / وكل مُحِبّ بالفِراقِ يضام
سلام على من حجّبتْ شخصه النوى / وإن كان لا يغني المحبَّ سلامُ
أما والذي لا يملِك الأمرَ غيره
أما والذي لا يملِك الأمرَ غيره / ومن هو بالسر المكتّم أعلمُ
لئِن كان كِتمان المصائبِ مؤلمِاً / لإعلانُها عِندي أشدّ وآلم
صبرت عن الشكوى حياء وعفّة / وهل يشتكى لدغَ الأراقم أرقم
وبي كلّ ما يبكي العيون أقلّه / وإن كنت منه دائماً أتبسم
أأُظهِر أم أخفي الّذي بي من السَقْم
أأُظهِر أم أخفي الّذي بي من السَقْم / وكم أدفع الأيّامَ بالصبر والحِلم
أعلِّل نفسي بالأماني تجلُّداً / وأُوِهمُها أن النّزاهة في العُدم
صبَرتُ على الأحداث حتى أذَبْنَني / وحتى انتهيت سِكِّينهُنّ إلى العظم
ولم يَلق مخلوقٌ من الدهر مِثل ما / لقيتُ من الأرْزاء والجورِ في الحكم
فما عنَفت غيري الخطوب بجورها / ولا ظلمت أحداثها أحداً ظلمي
أرُوني مريضَ القلب مثلي والمنُى / عليلَ الغنى والحالِ والحظّ والجِسم
وما خذلْتني همّتي فألومها / وما ضاق بي مذ كنتُ في محفِلٍ عِلمي
وأنَفذُ من رمح الشّجاع سياستي / وأبصَرُ من عين البصيرِ ضِيا فهمي
فلِمْ أختفي تحت التراب مضيَّعاً / وقد نوّهت في الخافِقين العُلا باسمي
وما ليَ أخطو في الحضيض تخلُّفاً / وقد عُقِدتْ كفّي على كاهِل النجم
أيا ابنَ معزّ الدين والفضلُ كلُّه / إليك انتهى دون الأعارِبِ والعُجْمِ
أناديك أم أشكو إليك ظُلامتي / أم أشكوك أم أكني عن الأمر أم أُسمي
أتغدو ظُنوني في معاليك ظُلَّما / وتصبِحُ آمالي مبدَّدة النَّظْم
وأشربُ إذ أصبحتُ ضيفَك من دمي / وآكل إذ خلصتُ ودَّك من لحمي
وأُبخَس حظّاً أنت كنت ابتدأتَه / وأنت أحقّ الناس بالعدْل في القَسْم
إذا كنت أنت الحاكم المرتضَى به / فما لك تغدو دون حُكمك لي خَصْمي
أجِزْني على مقدار ما أنا محسنٌ / ولا تعطني ما ليس يبلغُه سَهْمي
فإني على إنكار مَجْدكِ أتّقي / وعنك إذا رامت عُلاك العدا أرمي
وما كان حقّي منك ذا غيرَ أنني / رجوتُ وراءَ الحرب عاقبةَ السِّلْم
فكم من محبّ راحَ بالّلحظ قانعاً / إذا راح ممنوعاً من الضَّمّ واللّثْم
فإن كنتُ محبوباً فكن خيرَ واصل / لحبلي فإنّي فيك مجتمع الهّمِّ
هنتك أمير المؤمنين سعادةٌ
هنتك أمير المؤمنين سعادةٌ / وإقبالُ عِزّ جاء بالنُّجح مقرونَا
أتاك به حَوْلٌ سعيدٌ مبشِّرٌ / بأنّك فيه تملِك الهندَ والصِّينا
وتعلو ملوكَ الأرضِ طُرّاً مظفَّراً / بعزّ يُعزُّ الملكَ سَيفُك والدِّنيا
تفاءلتُ بالسَّبْعِين أَنَّك خالدٌ / مُبقيًّ على الأَيّام والمُلك سَبْعينا
ولو كان لي حُكْمٌ لأَهديتُ صِحَّتي / إليكَ وعمري ثُمَّ ما كنتُ مغبونا
فلا زال من يَنوي لك السوءَ ناقصاً / يَروحُ ويغَدو راغِم الأَنفِ مَلعْونا
وصلَّى عليك اللهُ يا بنَ نبِيّهِ / وزادك مِن نُعماهُ آمينَ آمينا
وأسوَدَ يحكي الليل نُقْبة لونِهِ
وأسوَدَ يحكي الليل نُقْبة لونِهِ / حَكَى أمَّه في كلّ تركيبِها لِينا
ويَبلُغ أقصى عمرِه وهو أمَردٌ / وتَحسَب باقي أَيْرِه عِقْدَ عِشرينا
أقول لِسربٍ مِن حَمامٍ عَرَضْن لي
أقول لِسربٍ مِن حَمامٍ عَرَضْن لي / يُغرِّدن في أعلى الغصونِ وينَدُبْنا
ويسكَّن في خضراءَ ناعمةِ الرُّبا / أَنيقةِ رَوْض النَّبْتِ آنِسةِ المَغنى
بَوارِحَ لا يخشَيْن بَيْناً ولا نوىً / رواتِع لا يَعرِفن همّاً ولا حُزْنا
فقلتُ هنيئاً للحَمامِ أمانُه / وإن كانتِ الأَيّامُ لم تُعطني أمنا
أسِرْبَ الحَمامِ لو لقِيتُنَّ بعضَ ما / أُلاقي لأَصبحتُنّ أوّلَ من يَضْنَى
ولو قد علمِتُنّ الّذي أنا عالمٌ / لما ناح منكْم هاتِفٌ لا ولا غَنىَّ
ومَن جَرَّب الأيّامَ تجرِبتي لها / دَرَى أنّها ليست تدومُ على مَعنَى
فحسبُك يا دهرُ اصطلَيتَ بنارِ من / لو أنّك سُمّ في تَراقِيهِ ما أَنَّا
وأكثرُ ما أهُجوك يا زمني به / من الفِعل أَنِّي لم أُحسِّنْ بك الظِّنّا
ذمَمْناك يا صَرْفَ الحوادثِ فانتصِرْ / وسُؤْناك يا رَيبَ الزمانِ فخذ مِنّا
فإنّا أُناس لا نَذِلّ لنَكْبةٍ / وأخلاقنا لا تَعرِف الخوفَ والجُبنا
قَصرْتُ على دَيْرِ القُصيرِ مُجُوني
قَصرْتُ على دَيْرِ القُصيرِ مُجُوني / ورُحتُ ومالي فيه غيرُ مَصُونِ
وكانت به للرّاح عِندي وللصِّبا / ديونٌ فلم أَمطُلْ قضاء دُيوني
إذا بكّر الناقوسُ باكَرْتُ شُرْبهَا / وخالفَ أديانَ النَّواقِس دِيني
ورحتُ صَرِيعاً بين كأسِ مُدامةٍ / وترِجيعِ أوتارٍ ولحظِ عُيونِ
وَلم تَهتِكِ اللّذاتُ سِترَ مُرُوءتي / ولا أفسدتْ فيه الذنوبُ يَقِيني
دعاني فليس الرأيُ ما تَريَانِ
دعاني فليس الرأيُ ما تَريَانِ / نهاني الحِجَا عن كلِّ ما تَصفانِ
فما المجد في راح تَطوفُ بكأسها / رَداحٌ ولا في مَثْلثٍ ومثَاني
أرقتُ وعاد القلبَ طائفُ فِكرةٍ / نَأَى بالكرى عن مقلتي وشَجاني
وقد كَملتْ فيه النُّهى لا يَسرّه / نعيم ولا يرتاع للحَدَثان
أَرَى إِرثَنا في معشرٍ يملِكونه / ولم يُعطِهم إيّاه فَرْض قُرانِ
يُدافِعنا عن حقّنا كلّ غاصبٍ / ويُعدَى علينا فيه كلَّ زمانِ
ألسنا بني بنتِ النبيّ الّذي به / تخلَّص من زَيْغ العمى الثقلانِ
أليس أبونا خِدنُه ووصيه / وفارسه في كلّ يومِ طِعانِ
فكفّوا بني العبّاس عنا جِماحَكْم / فقد آن أن نغزو بكلّ مكان
متى لم تكونوا دُونَنا وتَسابقوا / لِصالحِنا في كلّ يومِ رِهان
بمن نُصِر الإسلام في يَوْمِ خيبرٍ / ويومِ حُنينٍ والقَنا مُتدان
أليس عليٌّ كان كاشفَ غَمِّها / وما كان للعبّاس ثمَّ يدانِ
ومَن فَرَجَ الغَمّاء عن وجه أحمدٍ / بمكّةَ لمّا رِيع كلُّ جنَان
فبات على ظَهرِ الفِراش بَديلَه / يقيه ردى الأعداء غيرَ جَبانِ
وكم مثلها من مفخرٍ وفضيلةٍ / حواها عليٌّ وهوَ ليس بوان
فإن قلتُم إنا جميعاً لهاشم / فما يستوي في الجثّة العَضُدان
فكم تدفعون الحقَّ والحقُّ واضحٌ / دنا منكُم ما كان ليس بِدانِ
أميّة كانت قبلَكْم في اغتصابها / أحقَّ فبارت وارتدت بهوانِ
أخذتمْ بغَضبٍ إرثَنا وصعِدتمُ / مَنابَر ما كنتم لها بأماني
وجئتمْ بأسماءٍ يَروقُ استماعُها / وألفاظِ حُسنٍ ما لهنَ معانِ
رشيدٌ ولم يَرْشُد وهادٍ وما هَدَى / بحقّ ومأمونٌ بغير أمان
ومعتِصمٌ لم يعتصمْ بإلهِه / ومقتدِر لِم يقتدر ببيانِ
ومعتضِد بالإفك خابَ اعتضاده / ومنتصرٌ بالبغي غيرُ مُعانِ
أصِيخوا فقد قام العزيز الّذي به / تدين خطوبُ الدهر بعدَ حِرانِ
كأن رواقَ المُلك من نور وجهِه / سماءٌ بدا في أُفقِها القَمران
أغرّ كَنصْل السيف يُمضي اعنزامَه / بكلّ رقيق الشَّفْرتين يمانِ
كأنّ العطايا والمنايا نوافلٌ / يجود بها مِنْ منُصُل وبنَان
حويتَ أبا المنصور كلَّ فضيلةٍ / وأمسكتَها دون الورى بعِنان
كأنّ جميعَ الخلِق جسمٌ مركَّبٌ / وأنت عليه الرأسُ والكَتِفانِ
يهنّيك بالعِيد الّذي أنتَ عِيدُه / وعيدُ الورى المحمودُ كلَّ أوانِ
كأنّك في سيماكَ إذ قمتَ خاطِبا / وأعيننا طرّا إليك روانِ
شبيه نبيِّ الله جَدِّك أحمَدٍ / ويشبِه فرعَ البانة الغُصُنان
وكم عَلَويٍّ فاطميٍّ مفضَّل / ولكنّهمْ ما فيهم لك ثانِ
ومنَ يدّعي منهمْ مكانَك في العلا / فقد جاء بالبهتان والهَذَيان
إذا ما كفاك الله ما أنت متّقٍ / شفانيَ ممّا أتّقي وكفاني
وإني لسهمٌ مِن سِهامِكَ ماطِرٌ / على كلّ من عاداك سَهم سِنان
أراك بعين النصح في كلّ حالة / على كل ما فيك اعتقدت تراني
ومن ذا الّذي يرعاك عنّي بوُدّه / على كلّ غيب أو بكلّ عِيان
أخٌ ووليٌّ مشفِقٌ وابنُ والدٍ / شقيقٍ ومَدّاحٌ بكلّ لِسانِ
ولمّا رأيتُ النّاسَ سَنُّوا التَهانيَا
ولمّا رأيتُ النّاسَ سَنُّوا التَهانيَا / بعثتُ به منّي إليكَ القَوافيَا
إذا هُنِّيءَ الأَمْلاكُ بالعِيدِ لَم نَقُلْ / غَداً لك هذا الدهرُ بالسّعد هانيا
ولكن نهنِّي عِيدَنا بك والورى / كما بك هَنّانا النَّدَى والمعَاليا
فلو لم تكن في الأرض كانت بِلا سَناً / وأشبَهَتِ الأيّامُ فيها الّلياليا
إذا ما امرؤ سامَي بِجَدٍّ ووالدٍ / سَمَوْتَ بأخلاقٍ جَمَعْن المعَاليا
ولو لم تكن مِن معشرٍ فيهم الهُدَى / لكنتَ هُدىً للناس وحدَكَ باقيا
كأنّك ماءُ الغَيْثِ يستَنْبِت الرُّبَا / ويَكْسُو الثَّرَى حُسْنا ويُروْى الصَّوادِيا