المجموع : 182
دَعى مَنظري إنْ لم أكنْ لكِ رائعاً
دَعى مَنظري إنْ لم أكنْ لكِ رائعاً / وَلا تنظري إلّا إِلى حُسنِ مَخْبَرِي
فَإنّي وَخَيرُ القولِ ما كانَ صادِقاً / لَدى الفَخر سبّاقٌ إلى كلِّ مَفْخَرِ
أعرِّسُ في دار الحِفاظ وإنْ نأى / وشَمَّرَ عنها كلُّ ماضٍ مُشمِّرِ
وَإِن حالَ قَومٌ عَن هُدىً وَتَغيّروا / فَإنّي بسمتِ القَصْدِ لم أتغيَّرِ
وَأَعلَمُ أَنّ الدّهرَ يَعْبَثُ صَرْفُهُ / بِما شاءَ مِن مالِ البَخيلِ المُقَتِّرِ
فَإِنَّ الرّدى دَيْنٌ علينا قضاؤُهُ / فبين مُسقَّى كأسِهِ ومؤخّرِ
وَلَيسَ كَقومي في ندىً وسماحةٍ / ولا معشرٌ في يوم رَوْعٍ كمعشري
هُمُ ضربوا لِلطارِقينَ خِيامَهمْ / وهمْ رفعوا النّيرانَ للمُتَنوِّرِ
وهمْ كشفوا يومَ الوَغى طَخَياتِهِ / بكلّ طويل السَاعدين عَشَنْزَرِ
فَإِنْ كُنتِ لا تَدرينَ بَأسي ونَجْدَتي / فَقومي اِسأَلِي عَن نَجدتي كلَّ عِثْيرِ
وَكلَّ صَفيحٍ بِالضّرابِ مُثَلَّمٍ / وكلَّ وشيجٍ بالطّعان مكسَّرِ
وَأَينَ مُقامي إِن جهلت إِقامتي / وجَدِّك إلّا في قَطا كلِّ ضُمَّرِ
عَذلتَ عَلى تَبذير مالي وَهل ترى / نجمّعُ إلّا لِلجؤور المبذِّرِ
أفرّقُهُ من قبل أن حال دونه / رحيلِيَ عنه بالحِمامِ المقَدَّرِ
ومن قبل أنْ أُدْلى بملساءَ قفْرَةٍ / إلى جَدَثٍ ضَنْكِ الجوانب أغبرِ
مَضى قَيصرٌ من بعد كسرى وخلَّيا ال / تَلاعب في أموال كسرى وقيصرِ
وجال الرّدى في دور آل مُحرّقٍ / وزال بأجيالٍ لأبناء منذرِ
رَدُوا لَم يُجاروا من حِمامٍ سطا بهمْ / بمالٍ عريضٍ أو عديدٍ مُجَمْهَرِ
فَبين كَريم المفرقينِ متوَّجٍ / وَبينَ محلَّى المِعْصَمين مُسَوَّرِ
وَأصغوا إِلى داعي الرّدى وَتَهافتوا / تَهافُتَ خَوَّارِ الأباءِ المسَعَّرِ
وَطَرّدهمْ عمّا اِبتَنوه كَما هَفَتْ / خريقُ رياحٍ بالسّحاب الكنَهْوَرِ
أَزالَ فَما أَبقى لَهُمْ مِن تَكبّرٍ / وَأَخشَعَ ما خلَّى لهمْ من تجبُّرِ
وكانوا زماناً بهجةً لتأمّلٍ / فآبوا اِنقلاباً حَسْرَةً لتذكّرِ
شَكرتكَ رَبّي مَعْ يَقيني بأنَّنِي
شَكرتكَ رَبّي مَعْ يَقيني بأنَّنِي / قَصيرُ القُوى والبّطشِ عن سِلَعِ الشكرِ
فإنْ كان شكري وهْوَ ذا مُتَقَبَّلاً / فمَنٌّ على مَنٍّ وبِرٌّ على بِرِّ
وَأَعلَنتُ شُكري وَهوَ عنك مُقصّرٌ / لأخرج في النَّعماء عن حَيِّزِ الكُفرِ
وإنّي لأرجو أنْ تكون عطيّتِي / على قدر مَن أولى العطيَّةَ لا قدري
ألوماً على لَوْمٍ وأنتمْ بنَجْوَةٍ
ألوماً على لَوْمٍ وأنتمْ بنَجْوَةٍ / مِنَ الذمّ إلّا ما ثوى في الضَمائرِ
فَلَيتكُمُ لمّا أتيتُمْ بسَوءَةٍ / ولا عاذرٌ منها أتيتمْ بعاذرِ
وما كنتُ أخشى منكُمُ مثلَ هذهِ / وكم من عجيبٍ بين طيّ المقادِرِ
ولمّا قدرتُمْ بعد عَجْزٍ أسأتُمُ / وكم عفّ عن سوءٍ بنا غيرُ قادِرِ
وما نافعٌ منّا وحشوُ قلوبنا / قبيحٌ من البغضاءِ حسنُ الظّواهرِ
فلا بَرِحَتْ فيكمْ خطوبُ مَساءَةٍ / ولا حُجِبَتْ عنكمْ نُيوبُ الفواقِرِ
وما زلتُمُ في كلّ ما تحذورنَهُ / وإن حاص قومٌ عن أكفِّ المحاذِرِ
أَيا زائِراً بِالليلِ مِن غيرِ أَنْ يَسري
أَيا زائِراً بِالليلِ مِن غيرِ أَنْ يَسري / وهل زائرٌ باللّيل من غير أن يسري
وَيا مُشبهاً للفجرِ ضوءُ جبينِهِ / أبِنْ لِي قليلاً كيف رُوّعتَ بالفجرِ
تَجودُ عَلَينا وَالمعاذيرُ جَمّةٌ / وتبخلُ بالجَدوى وأنت بلا عذرِ
وَلَمّا تَعاتَبنا على الهجر صُغتَ لِي / دَنُوَّك من بُعدٍ ووصلكَ من هجرِ
وَأَوليتَ بِرّاً لَم يَكُن عندَ واصِلٍ / إليه وإن أغنى نصيباً من الشّكرِ
وأعرضتِ حتّى لا أراك وإنّما
وأعرضتِ حتّى لا أراك وإنّما / أَرى منكِ وَجهَ الشّمسِ أو طلعةَ البدرِ
ولم يكُ ذاك الصّدّ إِلّا لِمقلتي / وقلبِيَ عَن مَغْنَى هواك بلا سِتْرِ
وهجرُكِ منّي ليس إلّا لِعلّةٍ / ولكنّ هجراً جاء منكِ بلا عذرِ
ويومِيَ لا ألقاكِ فيه وأجتلِي / بِهِ منك وَجهَ الحُسن ما هو من عمري
وَإِن لَم يَكُن لِي منكِ صفحٌ فَأَعطِني / نصيباً من البلوى وحظّاً من الصّبرِ
فلا تفُتَنوا بعدي بشيءٍ فإنّنِي / فُتِنْتُ بمملوءِ الجفون من السِّحْرِ
يُسيءُ وما ينوي الإساءَةَ عابثاً / ويُقلقني شوقاً إليه وما يدري
وَهانَ عليهِ وَالهَوى ليسَ عندهُ / دموعٌ لبينٍ منه أو جفوةٌ تجري
فيا ليتَ من يشفي الجوى لم يُعِلَّنِي / ومن لم يكن نفعِي به لم يكن ضَرّي
لَدارُكَ من قلبي كقلبي كرامةً
لَدارُكَ من قلبي كقلبي كرامةً / وبِرُّك عندي ليس يبلغه شكري
وَأنتَ الّذي أَبغيهِ في شَطَطِ المُنى / وأشرطه يومَ الشِّراطِ على دهري
وَما راعَنِي إلّا فراقُك بغتَةً / وقلبِيَ مملوءٌ لوصلِكَ بالبِرِّ
وَكُنتُ وَقَد عُرِّيتُ منك كمُدْلِجٍ / تَعرّى عَلى الظلماءِ مِن طَلعةِ البدرِ
وَلَم أَدرِ ما في يومنا غيرَ أنّنا / قُطِعْنا بقَطْرٍ لا يدوم عن القَطْرِ
أمنتُ حذاري منكُمُ وكُفيتُكمْ
أمنتُ حذاري منكُمُ وكُفيتُكمْ / وَأَنتم بمنّ اللَّه وَسْطَ المحاذِرِ
فَما لكُمُ عندي وقد عشتُ برهةً / أخافكُمُ بغياً عليَّ بعاذِرِ
فَلا تَأمنوا إنْ كنتُمُ قد أمِنتُمُ / سهامَ الأعادي من سهامِ المقادِرِ
وَكَم ذا نَفضتُ الكفّ من نَصر أُسرتي / عَلى خُطّةٍ خشناءَ واللَّهُ ناصري
وَكَم ذا خَشيتُ الأمرَ قبلَ هجومِهِ / وسُرْبِلتُه كُرْهاً فلم يكُ ضائرِي
وَمُنتقباتٍ بِالجمال على مِنى
وَمُنتقباتٍ بِالجمال على مِنى / شُغِلْنا بهنّ عن حَصَى المُتَجَمِّرِ
ضعُفْنَ عن الشكوى فلمّا أردنَها / أشرن إلينا بالبنان المحمَّرِ
فما شئتَ من طيبٍ ذَكيٍّ لناشقٍ / وما شئتَ من حسنٍ أنيقٍ لمُبصرِ
وللَّه أَبصارٌ سَبَتْنا جفونُها / غداةَ تلاقينا بشِعْبِ المُعمِّرِ
ولمّا تفرّقنا ولم يبق بيننا / سوى ذُكْرةٍ من عاشقٍ متذكّرِ
بَكينَ عَلى وَشْكِ الفراقِ بلؤلؤٍ / على عُصْفُرٍ من نرجسٍ متحدّرِ
إِذا لَم تَكوني دارَ فَضلٍ ونَفحَةٍ
إِذا لَم تَكوني دارَ فَضلٍ ونَفحَةٍ / أَنالُ بِها العافي فلستِ بدارِ
أَبى المَجدُ يَوماً أَن أكونَ معرّجاً / على سَفَهٍ أو أنْ ألُمَّ بعارِ
ولا كنتُ يوماً للهوانِ مصافياً / ولا بين أبياتِ اللّئام قراري
بَرَزتُ فَما أخفى عليك كأنّني / على ذُروة الأطوادِ توقد ناري
وَما ظاهِري في النّاسِ إلّا كَباطني / وليلِيَ في ثوبِ التُّقى كنهارِي
طَلَبتمْ عَوارِي ظالمين فلم تكنْ / لتظفَرَ كفٌّ منكُمُ بعَوارِي
فإنْ كنتَ لا تعرفْ وقارِي جاهلاً / فسلْ شامخاتِ الصُّمِّ كيف وقاري
ولمّا جرينا للفخارِ عثرتُمُ / وأعوزكمْ أن تسمعوا بعثاري
وربّ مقامٍ لم يقمْهُ سوى الفتى / كفاني لساني فيه وَقْعَ غِراري
أدِرْ لِي نديمي كلَّ يومٍ وليلةٍ / كؤوس نجيعٍ لا كؤوس عُقارِ
وإنْ شئتَ إطرابي هناك فغنِّنِي / وقِدْرُ الوغى تغلِي بمُدرَكِ ثاري
وَقُلْ لِلعِدا كفّوا فضولَ طماحِكمْ / فَما أَنتُمُ باللّاحقين غُباري
تَجافَ عَنِ الأعداءِ بُقياً فربّما
تَجافَ عَنِ الأعداءِ بُقياً فربّما / كُفِيتَ فَلَم تُجرَحْ بنابٍ ولا ظُفرِ
وَلا تَبرِ مِنهُم كلَّ عودٍ تخافُهُ / فَإنّ الأَعادي يَنبُتونَ مَعَ الدّهرِ
أهاجَكَ ذكرٌ منهمُ ووساوسُ
أهاجَكَ ذكرٌ منهمُ ووساوسُ / وَقد نَزَحَتْ بِيدٌ بهمْ وبسابِسُ
وَما رحلوا إلّا وَحَشْو حُدوجهمْ / شموسٌ لرُوّادِ الهوى ومقابِسُ
كأنّ قطينَ الحيِّ لمّا تحمّلوا / جميعاً ضُحىً جُنحٌ من اللّيل دامسُ
أو الصَّخرُ من أعلامِ ثَهْلانَ زائلاً / أو الدَّوْحُ دوحُ الغابة المُتكاوسُ
فجادَ ديارَ العامريّةِ وابلٌ / وعادَ ديارَ العامريّةِ راجِسُ
ولا دَرَستْ تلك الرّسومَ مُلِمّةٌ / ولا رَمَسَتْ تلكَ الطّلولَ الروّامسُ
فَقد طالَما قضَّيتُ مأْرَبَةَ الصِّبا / بهنَّ ونُدماني الظّباءُ الأوانسُ
وبيضٍ لبسنَ الحسنَ عن كلٍِّ مَلْبَسٍ / فَزانَ لَنا ما لا تزين الملابسُ
يُعِرْن الصِّبا مَنْ لم يكن هَمُّهُ الصِّبا / فيطمع فيه كلُّ من هو آيسُ
وَساقَطن عَذباً من حديثٍ كَأنّهُ / نسيمُ رياضٍ آخرَ اللّيل ناعسُ
وَلَمّا اِلتَقينا وَالرّقيبُ على الهوى / يُخالِسنا من لحظِهِ ونخالسُ
أريْنَ وجوهاً للجمال كأنّها / نُصولٌ جَلَتْها للقُيونِ المداوسُ
فهنّ كمالاً ما لهنَّ صواحبٌ / وهنّ عَفافاً ما لهنَّ حوارسُ
حَلفتُ بِمَن طافَ الحجيجُ ببيتِهِ / ومن هو للرّكنِ اليمانِيِّ لامسُ
وأيدي المطايا يبتدرْن مغَمِّساً / وهنّ خميصاتُ البطون خوامِسُ
طواها السُّرى طيَّ الحريرِ على البِلى / فهنَّ قِسِيٌّ ما لهنّ معاجِسُ
ومَنْ أمَّ جَمْعاً والمطيُّ لواغبٌ / تماطل مِضْماضَ الكَرى وتماكسُ
وَما هَرقوا عند الجمارِ على مِنىً / من الدمِ منه مُستَبِلٌّ وجامِسُ
لقد ولدتْ منّي النساءُ مُشيّعاً / له الرَّوْعُ مَغْنىً والحروبُ مجالسُ
وَقَد جرّبوا أنّي إذا اِحتَدم الوغى / لأَثْوَابِها دون الكتيبة لابسُ
بِضَربٍ كَما اِختارَتْ شِفارُ مَناصِلٍ / وطعنٍ كما شاء الكَمِيُّ المداعسُ
تطامَنَ عنِّي كلُّ ذي خُنْزوانَةٍ / وغَمّض دوني الأبلجُ المتشاوسُ
فلم يُرَ لِي لمّا سمقتُ مُطاوِلٌ / ولم يبقَ لِي لمّا سبقتُ منافِسُ
وَذلّلتُها هَوجاءَ سامية القرا / وما كلُّ روّاضٍ تطيعُ الشوامِسُ
فَقُل للّذي يَبغي الفَخارَ وَدونَهُ / مَفاوزُ لا تَسطيعهنَّ العَرامِسُ
قَعدتَ عنِ الحُسنى وغيرُك قائمٌ / وقمتَ إلى السوأى وغيرُك جالسُ
وَرُمتَ الّذي لَم تسعَ يوماً بطُرْقِهِ / ونَيْلَ الجَنَى عفواً وما أنتَ غارسُ
وإنّي ببرْحِ الأمر في القوِم ناهضٌ / وأنتَ عن الأمر المُبرِّحِ خانِسُ
ولِي النظَرُ السّامي إلى كلّ ذِرْوَةٍ / فكيف تساميني العيونُ النّواكسُ
تَرومونَ أَن تعلوا وأنتمْ أسافلٌ / وأن تُشرقوا فينا وأنتم حنادسُ
نَهسْتُمْ لَعَمْرِي مَرْوَتي جهلةً بها / فَيا للنُّهى ماذا اِستَفادَ النّواهسُ
وَكَيفَ عَجَمْتُمْ هاتماً كلَّ عاجمٍ / ومارستُمُ مَن كَلَّ عنه الممارسُ
فَما لعجاجِي منكُمُ اليومَ تابعٌ / وَلا لعُبابي منكُمُ اليومَ قامسُ
فَإِنْ أَنتُمُ أقذيتُمُ صفوَ عيشنا / فَقَد رَغِمَتْ آنافكمْ والمعاطسُ
وَإنْ جرّ دهرٌ نحوكمْ بعضَ سعدِهِ / فَما أنتُمُ في الدّهرِ إلّا المناحسُ
وَمَن ذا الّذي لَولاي آوى سُروحَكمْ / وأنتمْ لآسادِ الخطوب فرائسُ
وما البِيضُ بيضُ الهند لولا أكفُّها / وما الخيلُ يومَ الرَّوْع إلّا الفوارسُ
وَإنْ أنتَ لم تحرسْكَ نفسُك نَجْدَةً / فليس بحامٍ عن جنابك حارسُ
وما لكَ مِن كلّ الذين تراهُمُ / وَإنْ غضبوا إلّا الطُّلولُ الدّوارسُ
أَيا حادِيَ الأظعانِ لمْ لا تُعرِّسُ
أَيا حادِيَ الأظعانِ لمْ لا تُعرِّسُ / لعلّك أنْ تحظى بقربك أنفسُ
أَنِخْ وَاِنضُ أَحلاساً أَكَلنْ جلودَها / فَصِرنَ جُلوداً طالَما أنتَ مُحلِسُ
فَفي الحَزْنِ مُخْضَرٌّ منَ الرَّوض يانِعٌ / وعَذبُ زُلالٍ بات يصفو ويَسْلَسُ
تُدَرِّجُهُ أيدي الشّمال كأنّه / إذا أبصرَتْهُ العين نَصْلٌ مضرَّسُ
وَإِنْ لَم تردْ إلّا اللّوى فَعَلى اللّوى / سلامٌ ففيه موقفٌ ومُعَرَّسُ
وقومٌ لهمْ في كلّ علياءَ منزلٌ / وعزٌّ عَلى كلّ القبائل أقعسُ
كرامٌ تضيءُ المشكلاتُ وجوهَهمْ / كما شفّ في تَمٍّ عن البدر طِرْمِسُ
وَما فيهِمُ لِلهُونِ مَرعىً ومَجْثَمٌ / ولا منهُمُ للذّلِّ خدٌّ ومَعْطِسُ
خَليليَّ قولا ما أُسرُّ إِلَيكُما / وَقَد لَحَظَتْنِي عينُهُ المتفرِّسُ
عَلى حينِ زايَلنا الأحبّةَ بَغتَةً / وَكُلُّ جليدٍ يومَ ذلك مبْلِسُ
صَموتٌ عَنِ النَّجوى فَإِنْ سِيلَ ما بِهِ / فَلا قَولَ إلّا زَفرَةٌ وتنفّسُ
تُزعزعه أيدي النّوى وهو لابثٌ / وتُنطقُهُ شكوى الهوى وهو أخرسُ
وَمِمّا شَجاني أنّني يومَ بَينِهم / رَجَعت ورَأسي مِن أذى البين مُخلِسُ
وَقَد كنتُ أخفيتُ الصّبابةَ منهُمُ / فَنمّ عليها دَمعِيَ المُتَبَجِّسُ
عَشيّةَ أُخفِي في الرّداءِ مَسيلَهُ / لِيَحسبَ صَحبي أنّنِي مُتعطِّسُ
وَلَيلةَ بِتنا بِالثنيّةِ سُهَّداً / وَما حَشْوها إلّا ظَلامٌ وحِنْدِسُ
وَقَد زارَنا بَعَد الهدوِّ تَوصُّلاً / إِلى الزّادِ غرْثانُ العشيّاتِ أطْلَسُ
شَديدُ الطَّوى عاري الجناجِنِ ما بهِ / من الطُّعْم إلّا ما يُظنُّ ويُحْدَسُ
أَتانِيَ مُغبرَّ السَّراةِ كأنّه / مِنَ الأرضِ لَولا أَنّه يتلمّسُ
تَضاءل في قُطْرَيه يَكتم شخصَه / وأطْرَقَ حتّى قلتُ ما يتنفّسُ
وَضَمَّ إِليهِ حِسَّهُ مُتَوجّساً / وَما عِندهُ في الكيد إلّا التوجّسُ
يُخادِعنِي من كيسِهِ عن مطيّتِي / ولم يدرِ أنّي منه أدهى وأكيَسُ
وَأقْعى إِزاءَ الرّحلِ يَطلب غِرَّةً / ويُلقِي إليه الحرصُ أنْ سوف أنعسُ
فقلتُ له لمّا توالى خداعُهُ / تَعَزَّ فما عندي لنابك مَنْهَسُ
وَما كُنتُ أَحميك القِرى لو أردتَهُ / برفقٍ ولكن دار منك التَّغَطْرُسُ
فلمّا رأى صبري عليه وأنّنِي / أضنُّ على باغي خداعي وأنفسُ
عَوى ثمَّ وَلّى يَستَجير بِشدّةٍ / ويطلبُ بَهْماً نام عنها المُحَبِّسُ
وَكَم خُطّةٍ جاوزتُها مُتَمهّلاً / وعرضِيَ من لومِ العشيرة أملَسُ
وَمَكْرُمةٍ أَعطيتُها متطلّقاً / وقد ضنّ بالبذل الخسيس المُعبِّسُ
وَطُرقٍ إِلى كَسب المَكارمِ وَالعُلا / وبذلِ اللُّها أنهجتُها وهي دُرَّسُ
وَمَولىً يداجينِي وفي لحظاتهِ / شراراتُ أحقادٍ لمن يتقبّسُ
يرمّسُ ضِغْناً في سويداءِ قلبِهِ / ليُخفِيَهُ لو كان للضِّغْنِ مَرْمَسُ
وَيعجبُ أنّي في الفَضائلِ فُتُّهُ / ولمْ لا يفوتُ المصبحين المُغَلِّسُ
كَأنّ وإيّاه مُعَّنىً بمُدْنَفٍ / يَبلُّ قليلاً ثم يأْبى فينكُسُ
وَمُشكلةٌ أَخلاقُهُ وخصالُهُ / كَما شِئتَ لمّاعاً يضيءُ ويُبْلِسُ
فَلا أَنا عَمّا يُثمرُ الوصلُ أنتهِي / ولا هو عن شأوِ القطيعة يحبسُ
أَجيرَتَنا لا جمَع اللَّه شَملَنا
أَجيرَتَنا لا جمَع اللَّه شَملَنا / فَما أَنتُمُ إلّا الذّئابُ الأطالسُ
وَما أنتُمُ إلّا سَرابٌ بقِيعَةٍ / تُغرُّ بِرُؤياه الظِّماءُ الخوامسُ
وَما أنتُمُ فيما رَجاكمْ وَما دَرى / لِمَنفَعةٍ إلّا الطُّلولُ الدَّوارسُ
بَذلتُ لَكُمْ منّي الوِدَادَ تكرّماً / وَما فيكُمُ إلّا الّذي هو شامسُ
وَلانَ لَكُمْ صَعبي وأَغصانُ دوحتي / وأغصانُكمْ لِي كلَّ يومٍ يوابِسُ
مَتى اِمتَلأتْ أَبصارُكمْ مِن فَضيلتي / فَفيهنّ عُوّارٌ بها ونواخسُ
وَإِنْ تُنبئوا عنّي بأدنى مسرّةٍ / فَلَيسَ لَكُمْ إلّا الوجوه العوابسُ
وَهَل حَسَدُ الأقوامِ طاروا إلى العُلا / وَأَنتمْ بِطاءُ الخَطْو إلّا وَساوسُ
فَلا وَرَدتْ ماءً زُلالاً مشافرٌ / وَلا حُبِيتْ مِنكمْ بخيرٍ معاطسُ
وَلا كنتُمُ إلّا كَما تَكرهونَهُ / وَلا اِعتادَكمْ نوءٌ من الرّزق راجسُ
شبابَكِ عنّي فالمشيبُ لباسي
شبابَكِ عنّي فالمشيبُ لباسي / وقد ملأتْ منه الطّوالعُ راسي
ولا تطلبي عندي الصَّبابةَ بعدها / سَفاهاً فإنّي للصَّبابةِ ناسِ
فَلم تُطْفَ إلّا بِالمَشيب عَرامَتي / وَلَم يُمْحَ إلّا بِالمَشيب شِماسي
وَمِن غَير أَحواضِ البَطالةِ مشربي / وَفي غَيرِ أَسبابِ الغرامِ مِكاسي
وما لِيَ تَعريجٌ إلى ريمِ رملةٍ / ولا لِيَ إلمامٌ بظبْي كِناسِ
لَقَد كانَ قَلبي كالقلوب على الهَوى / فمُذْ زارَ هَذا الشّيب صُيِّرَ قاسِ
فَلا لَهْوَ مُذْ لاحَ المَشيبُ بمَفْرَقي / وصار قناعاً في العيون لراسي
خَليليَّ أَلّا عُجتُما بالقلائص
خَليليَّ أَلّا عُجتُما بالقلائص / على حائرٍ في عَرْصَةِ الدَّار شاخِصِ
يُخالُ ورسمُ الحيِّ يُخرِسُ نُطقَهُ / أخا ميتَةٍ لولا اِرتعاد الفرائصِ
وَلمّا تولّوْا يَحمِلون قُلوبنا / عَلى راتِكاتٍ بالحُدوج رواقِصِ
ظَلَلْنا بذي الأَرْطى كأنّ عيوننا / مَزادٌ أضَلَّتْهنّ راحةُ عَافِصِ
نُقاسِمُهم شَطرَ العيون فَما تَرى / مِنَ القومِ إلّا ناظراً بتَخاوصِ
وَنَلثمُ في رَبْعِ الذّين تحمّلوا / من التُّربِ آثار الخُطا والأخامصِ
بنفسي وإنْ لم أرضَ نفسي أوانِسٌ / يُفَتِّلْنَ في جُنْحٍ عقودَ العَقائِصِ
عَفائِفُ يَكتُمنَ المَحاسنَ كلّها / وَيَنظرنَ وَهْناً من عيون الوصاوصِ
فراقٌ لَنا لَم يَدْعُهُ نَعْقُ ناعقٍ / ومنُصدَعٌ لم يَجْنِهِ قبصُ قابِصِ
وَمن ذا الّذي تَبقى على الهجرِ والنّوى / مودّتُهُ غيرُ المحبِّ المخالصِ
وَزارٍ عَلى مَجْدِي وَلَم أَرَ زارياً / عَلى الفَضلِ إِلّا مُثقَلاً بالمناقِصِ
أَلا لا تُفاحِصْنِي فتعلمَ أيُّنَا / يروح ويغدو خازياً بالمفاحِصِ
وَكيفَ تساميني وظلُّك قالصٌ / وظلِّي على سُوحِ العُلا غيرُ قالصِ
وَأنتَ حَريصٌ أَن يقاَل مؤمِّلٌ / وَإنّي عَلى كسبِ العُلا غيرُ حارِصِ
وَأَبنِي أهاضيبَ المكارم والنّدى / وأَنتَ مُعَنّىً باِبتناءِ القَرامِصِ
بني عمّنا كم نَكْظِمُ الغيظَ منكُمُ / على لاذعاتٍ بيننا وقوارِصِ
وَدِدْتُمْ بأنّ المجدَ أصبحَ شارداً / وَليسَ لَنا فيه اِقتِناصٌ لقانِصِ
وَماذا عليكمْ مَنْ عَلا رَتَباتكمْ / ولم تَبْتَنوها في أجلِّ المراهِصِ
وَتَطوونَ منّا ما قضى اللَّهُ نَشرَهُ / وما ضرّ ضوءَ الصُّبحِ إنكارُ غامِصِ
وَقلتُم بأنَّ النَّجْرَ والسِّنْخَ واحدٌ / فَماذا وَقَد فُتْناكُمُ بالخصائِصِ
تَعالَوْا نعدُّ الفخرَ منّا ومنكُمُ / لِننظر أَوْلانا برجع النّقائِصِ
فَما لكُمُ مَجدٌ سِوى مالِ باخلٍ / وَلا فيكُمُ مَدحٌ سِوى قولِ خارِصِ
وَما أَنتُمُ بخلُ البطونِ لزادكمْ / وَلكِنْ لأزوادِ البطونِ الخمائِصِ
بَنِي عمّنا كَم تسرحون بِهامكمْ / بعَقْوَةِ مفتولِ الذّراع قُصاقِصِ
وَكَم تَحملونا كلَّ يومٍ وليلةٍ / على ظَهرِ جمّاحٍ من الشّرِّ قامِصِ
يُعَنُّ فَيجري مِلْءَ كل فروجِهِ / وَيُتلى غداةَ الجَريِ منه بناكِصِ
أَفي الحقّ أنْ نمشي الضّراءَ وأنتُمُ / تدِبّون مِن خَلْفِي دَبيبَ الدَّعامِصِ
وَنرضى بِدون النّصْفِ منكمْ وأنتُمُ / تُلِطّون إلطاطَ الغريمِ المُلاوِصِ
وَلَم تَعطِسوا لَولاىَ إلّا بِأجدَعٍ / وَلَم تَنظُروا إلّا بِعُمْىٍ بخائِصِ
وَلَم تَركَبوا إِلّا قَرا كلِّ ظالعٍ / أجبَّ سنامِ الظّهرِ بالرّحلِ شامِصِ
صِلوا الحَسَبَ الماضي بما لا يَشينُهُ / فكم ذي نِجارٍ خالصٍ غيرُ خالصِ
ولا تحصُلوا من جانب الفخرِ كلِّهِ / على أوّلٍ زاكٍ وأصلٍ مُصامِصِ
وَكونوا اِبتِداءَ الفخرِ لا غايةً له / وثَبْتين في مرأىً وفي فحص فاحِصِ
كَأنّي بها تختالُ بَينَ صَفائحٍ / رقاقٍ وأرماحٍ طِوالٍ عَوارصِ
تَسدّ فِجاجَ العُذرِ مِنّا ومنكُمُ / فليس إلى عُذرٍ مَحيصٌ لحائِصِ
لَوَتْ وَجهَها عَن شيبِ رَأسي وإنّها
لَوَتْ وَجهَها عَن شيبِ رَأسي وإنّها / لَوتْ عن بياضٍ أبيضاً لونُهُ غَضا
وَلو أَنصفتْ ما أعرضتْ عن شبيهها / ولا أبْدَلَتْهُ من محبّتِهِ بُغضا
وأغضيتُ عنها والبلابل في الحشا / ومن كان مثلِي حاملاً للهوى أغضى
وما كنتُ أرضى بالرّضا قبل حبّها / فصيّرنِي بالشيءِ لم أرضه أرضى
أظنُّكَ من جَدْوى الأحبّةِ قانطا
أظنُّكَ من جَدْوى الأحبّةِ قانطا / وَقد جَزعوا بطنَ الغُوَير فَواسطا
أَصاخوا إِلى داعي النّوى فتحمّلوا / فَلَم أرَ إلّا قاطناً عاد شاحطا
كَأنّ قطينَ الحيِّ عِقْدٌ مُنظَّمٌ / أطاع على رَغْمي أكفّاً خوارطا
وَقفنا فَمن جأشٍ يخفّ صَبابةً / وَجأشِ اِمرئٍ قضّى فخلناه رابطا
وَدمعٍ تهاوى لا يُرى الجَفنُ مُترَعاً / بواكفةٍ حتّى يُرى منه هابطا
نَجود بِما نحوِي لِمن ظلّ باخلاً / ونُعطي الرّضا عَفواً لِمَن باتَ ساخِطا
وَمن شَعَفٍ ولّيتَ يومَ مُحجَّرٍ / غَشوماً وأعطيتَ الحكومةَ قاسطا
أراك خَفوفاً في الهوى ثمّ إنّه اِسْ / تحالَ فقد تَمّ الهوى متثابطا
وَغُرّ الثنايا رُقْتُهُنَّ بِلمّتي / فواعَدْنَها زَوْراً من الشّيب واخطا
سوادٌ يُبرّينِي وإنْ كنتُ مذنباً / وَيَبسط من عذري وَإِن كنتُ غالطا
ويُسكنني حَبَّ القلوبِ وطالَما / أَلَفَّ على ضمِّي أكُفّا سبائطا
وَإنّي منَ القومِ الّذين إذا اِنتَموا / أَسالوا مِنَ السّاداتِ بحراً غُطامِطا
يحلُّون مِن أَرضِ المَعالي يَفاعَها / ويأبَوْن أهضاماً بها ومهابطا
وَإِنْ زُرتَهم أَفضيتَ من شَجَراتِهمْ / إلى ورقٍ لا يعدَمُ الدّهرَ خابطا
مُلبّون إنْ يُعرَوْا وقد هتف النّدى / بأموالهمْ فمعاطناً ومرابطا
وإنْ يَعْلِطوا بالمرهفاتِ رقابَها / إذا كانَ ربُّ البُدنِ بالنّار عالطا
إِذا سالَموا زانُوا المحافلَ بهجةً / وَإِنْ حارَبوا في الرَّوْع حَشّوا المآقِطا
وَإِن بَسطوا لَم تَلقَ في الخلق قابضاً / وَإِن قَبضوا لَم تلقَ في الخلقِ باسطا
وَكَم أَورَطوا من خالعٍ رِبْقَةَ الهدى / وَكَم أَنقذوا من رِبقةِ الكفرِ وارطا
وَكَم أَقحَطوا أَرضَ العدوّ بأذرُعٍ / يَفِضْنَ فيُخصِبْنَ البلادَ القواحطا
وَكَم ولدوا من لابسٍ مِيسَمَ العُلا / يَبُذُّ وليداً في الجهاتِ الأشامطا
إذا ما كريمُ القومِ جارى فخارَه / أتى طَرَفاً فيه ووافاك واسطا
أَلا هَلْ أراها ثائراتٍ كأنّما / تَعلّقْنَ في أوراكهنَّ الأراقطا
بأَيدٍ يَغُلْنَ البعدَ مِن كلِّ نَفْنَفٍ / ويطوِين طيَّ الأتحمىِّ البسائطا
يُطايرنَ أَقطاعَ اللُّغامِ كأنّما / نَضَحْنَ على أعناقهنّ العجالطا
بكلّ غلامٍ من نزارٍ مخفَّفٍ / كسِيدِ الغضا تلقاهُ أغبَرَ مارطا
يَجوب المهاوِي واحداً عن بسالةٍ / وإن كان يدعو معشراً وأراهطا
تراه إذا خيف التتبّعُ سابقاً / وإنْ رُهِبَ الإقدامُ للقوم فارطا
وإن آنسوا نارَ الوغى خَدَفوا به / جراثيمَها إن سالماً أو مشائطا
ويُغضِي فَإِن عنّتْ لعينيهِ رِيبةٌ / نضا الحلم عَنه آنفاً مُتخامِطا
وقطّع أقرانَ الورى دون همِّهِ / وَلَن تقطَعَ الأقدارُ ما كان نائطا
كأنَّ على عُودَيْ سَراةِ حصانِهِ / أخا لِبَدٍ ضمّ الفريسةَ ضاغطا
إذا هَجْهَجُوهُ عن ضمانِ يَمينهِ / أزمَّ وَقوراً لا يبالي اللّواغطا
يَرومُ بني الدّنيا اِقتِناصي بخَتلِها / وهيهات خَتْلِي بعدما كنتُ ناشطا
وَيَرجونَ أَنْ يَرْقَوْا إلى مثل ذِروتي / وما بلغوا من دون تلك وسائطا
ألمّوا بأطرافِ العُلا واِحتَويتُها / فمن كان منهمْ ذائقاً كنتُ سارطا
وَما غَبَطَ الحسَّادُ إلّا فضيلةً / وحسبُك مجداً أن تَرى لك غابطا
مآثرُ يُثقلنَ الحسودَ فخامةً / ويُعيين من إشرافهنَّ الغوامطا
لعلَّ زَماناً بالثويَّةِ راجعُ
لعلَّ زَماناً بالثويَّةِ راجعُ / مَضى وهوَ في قَلبي مَدا الدّهر رابعُ
تَذكّرتُ نجداً ذُكْرَةً فكأنّما / تحمّل رَأسي مائلُ الرّأس ظالعُ
تَعرّقتِ الرَّوحاتُ منه فَصِيلَهُ / فَما هو إلّا أَعظُمٌ وأضالعُ
وَكيفَ بِنجدٍ بعد أنّ مطيَّنا / تسادكُ بالغَوْرين منه الأكارعُ
يَطَأْنَ الرُّبا وطءَ النّزيف فكلّما / هبطن الرُّبا سالتْ بهنّ الأجارعُ
خَليليّ هَل رَميُ البلادِ إِليكُما / برَحْلِيَ ممّا شفّني اليومَ نافعُ
وَهل لي إِلى مَن كنتُ أَهواهُ مِنكما / وَقد حَرّم الواشونَ جَدْواه شافعُ
عَشِيّةَ أَغْرَوا بِي العيونَ وسطّروا / مِنَ الوَجْدِ ما تُمليهِ عنّي المدامعُ
لَقَد ضَلَّ قَلبٌ بات في كلّ ليلةٍ / يُصادِي بُنيّاتِ الهوى ويصانعُ
يَصدّ ويَدنو بينَ يَأسٍ ومَطمعٍ / فلا هو وصّالٌ ولا هو قاطعُ
فَقل لأسيلاتِ الخدودِ أَتيننا / يخادعن منّي صاحباً لا يُخادَعُ
أَرَدْتُنّ قلبي للهوى وهو مُتعَبٌ / فإنّي وقلبي اليومَ منكنّ وادعُ
وقد كنتُ جرّبتُ الهوى وعرفتُهُ / فما فيهِ إِلّا ما تجرّ المطامعُ
وَقولٌ أَتاني مُعرباً عن مودّةٍ / فَجاءَ كَما كانت تَشاءُ المَسامعُ
وَلوجٌ إلى قلبِي عَلوقٌ بخاطري / كما عَلِقَتْ بالرّاحتين الأصابعُ
مديحٌ تولّى الفكرُ تنميقَ نسجِهِ / وليس كوَشْىٍ نمَّقَتْهُ الصّوانعُ
كأنِّيَ لمّا أَنْ مَشتْ في مفاصلي / حُمَيّاهُ في نِهيٍ من الخمرِ كارعُ
فيا عَلَمَ العلم الّذي يُهتدى بِهِ / كما في السُّرى تهدي النجومُ الطَّوالعُ
أَضَفْتَ إلىَّ الفضلَ منك تفضّلاً / وَأثنيتَ عمداً بالّذي أنت صانعُ
وَألقَيتَ مَنّاً في مديحٍ نَظَمْتهُ / على كاهلٍ لا تمتطيه الصّنائعُ
ومثلُك من قد كنتُ قبل وصالهِ / أَحِنُّ اِشتِياقاً نحوه وأنازعُ
ولمّا رَآني الدّهرُ لا أَرتضي له / صنيعاً وأكْدَتْ منه عنّي الذّرائعُ
سَقاني بكَ العَذْبَ الزُّلالَ وإنّما / أطلْتُ الظّما حتَّى حَلتْ لي المشارعُ
وقد كنتُ لا أرضى نصيباً أصبتُهُ / وإنّي بقِسْمي من ودادِك قانعُ
إِذا ما رعاكَ اللَّهُ لي بحفاظِهِ / فلستُ أُبالي أنّ غيرك ضائعُ
وَما ضرّ من فارقتُ من كلّ نازحٍ / وقد لفّ لي شملاً بشملك جامعُ
فدونَك قولاً جاء عَفْوَ بديهةٍ / وَإنَّ مقالاً لو تَعَمّدتُ واسعُ
لِغَيرِ الغَواني ما تُجِنّ الأضالعُ
لِغَيرِ الغَواني ما تُجِنّ الأضالعُ / وَغير التّصابي ما أرَتْهُ المدامعُ
وَيا قَلب ما أزمعتَ عَوْداً إلى الصِّبا / فتطمعَ في أنْ تَزْدَهِيك المطامعُ
تَضيق لأنْ أَرسى بِساحتك الهَوى / وَأنت على ما أحرج الدّهرُ واسعُ
وَيوم اِختَلسنا من يد الحذْرِ لحظةً / وَقَد آذَنَتنا بِالفراقِ الأصابعُ
عَذرتَ اِمرَءاً أَبدى الأَسى وَهوَ حازِمٌ / وَصمّ عَلى عُذّالِهِ وهو سامعُ
خَليليَّ إنّ الدهرَ جَمٌّ عديدُهُ / ولكنّه ممّنْ أُحِبُّ بلاقعُ
وخُبِّرتما أنّ الوفاءَ تقارضٌ / فما لي أُعاطي صفوَهُ مَن يُمانعُ
أَلا في بَشاشاتِ الرّجال ودونها / جوانحُ في أثنائها الغيظُ ناقعُ
وما زالتِ الأيّامُ مَثْنى ومَوْحَداً / يراوِدْن مِنِّي شيمةً لا تُطاوعُ
رَضيت بِميسورِ الحظوظ قناعةً / إِذا اِمتدَّ في غيِّ الطّماعةِ قانعُ
وَعوراءَ يستدعي النفوسَ اِقتِرافُها / تَنكّبها ناءٍ عَن السّوءِ نازعُ
تَحيّزتُ عنها لا أهمُّ بوَصلِها / كَما اِنحاز عَن ضمنِ العِذارين خالعُ
وَشُمٍّ منَ الفتيانِ حصّنتُ سرّهمْ / وَسِرُّ الفَتى ما بينَ جنبيهِ ذائعُ
سَرَوْا يَسأَلونَ الدّهرَ ما في غُيوبِهِ / وَليسَ لَهمْ غيرَ التّجاربِ شافعُ
إِذا صُدّ عن نُجحِ المَطالبِ جاهدٌ / تَخلّف عَن كَسبِ المَحامدِ وادِعُ
إِلَيك ذعرتُ الهِيمَ عن كلّ بُغيَةٍ / أَسِفُّ إِلى أَمثالِها وأُسارعُ
وَسوَّمتُها يسترجفُ الأرضَ مرُّها / وتُحيي سوادَ اللّيلِ والفجرُ طالعُ
وَلَولاك لَم تنفُضْ حشايَ مَسرَّةٌ / ولو كثرتْ منها إلىَّ الذّرائعُ
وَأَنتَ الّذي لَو لَم أفِضْ في ثنائِهِ / تحمّل عنّي القولَ ما هو صانعُ
شَديدُ ثَباتِ الرّأي بين مواطنٍ / رياحُ الخطوبِ بينهنّ زعازعُ
وَقورٌ فإنْ لاذتْ به أرْيحيّةٌ / فلا الحِلمُ مغبونٌ ولا الجَدُّ خاشعُ
ويقظانُ ما ضامَ التفرّدُ حزمَه / ولا قبضتْ من بَسْطَتيْهِ المجامعُ
تقصّتْ نهاياتِ المعالِي أُصولُه / وساعفها فرعٌ على النّجمِ فارعُ
كريمٌ إذا هزّ الرّجاءُ عطاءَهُ / تقاصر باع الغيثِ والغيثُ هامعُ
رَمى وَلهَ الحُسّادِ قَرْمٌ مُصَمِّمٌ / بِيَأسٍ تحرَّته النّفوسُ النّوازعُ
إِذا بادَروه المأثَرُاتِ شآهمُ / ودونَ المَدا منهمْ طليحٌ وظالعُ
وَدونَ بلوغِ الطّالبين مكانَه / طريقٌ على ربِّ الحفيظة شاسِعُ
وَكَم بَحثوه عَن خَفايا عيوبِه / فَشاعتْ مَعانٍ تصطفيها المسامعُ
وَما النّاسُ إلّا واحِدٌ غيرَ أنّهمْ / تفاوَت منهمْ في الفِعال الطّبائعُ
فِداؤك مَن يَتلو النّدى بِنَدامةٍ / وَقَد مَرَقَتْ من راحتيه الصّنائعُ
بَعيدٌ عَنِ الآمالِ لا يستخفّه / سؤالٌ ولا يرجو عطاياه طامعُ
وَقَد علم الأقوامُ أنّك فيهمُ / سِنانٌ إلى قلبِ المُلِمّاتِ شارعُ
وَهزّوك مسنونَ الغِرارين أُخلصتْ / نَواحيهِ وَاِجتاحَتْ قَذاه الوقائعُ
وَلَمّا نَبَتْ آراؤهمْ وأَظَلَّهم / مِنَ الأمرِ مسوَدُّ المخايِلِ رائعُ
تَداركتَهمْ والشّملُ قد رثّ حبلُهُ / وَأَضربَ عن مُستشرِي الخَرقِ راقعُ
بِعَزمٍ به مُستَسلَفُ النّصرِ كافلٌ / وَحزمٌ به مستأنَفُ النُّجحِ تابعُ
كَفيتَهمُ الدّاني وشَيّعتَ ما مضى / برأيٍ توخّاه الذي هو واقعُ
وَمُنكتم الأضغان أوْلاكَ بِشْرَه / وفي صدره غِلٌّ لحقّك مانعُ
يَجرُّ أَباطيلَ الحديثِ إذا اِرتَقى / إلى فَهمِهِ ذكرٌ لمجدك شائعُ
إِذا أبهتَته من مساعيك خلَّةٌ / تمنّى لها أنّ العيون هواجعُ
نَدبتَ لَهُ حِلْماً يداوي شرورَه / وَبعضُ الحِجى في مُلتَوِي الجَهلِ ضائعُ
تَراخَ وَخَفّضْ مِن همومك فالّذي / تطالبُهُ الآمالُ ما أنتَ جامعُ
وَقَد راجَعَتْ تلكَ الأمور وأقبلتْ / إِليك بما تهوى سنون رواجعُ
وَخلفُ الّذي أَرخى به الدّهرُ كفَّهُ / حُقوقٌ لَها هذي الوفودِ طلائعُ
نَضوتَ زمانَ الصّومِ عنك كما نضا / رداءَ الحَيا سبطٌ من الرّوضِ يانعُ
وما العيدُ إلّا ما صبحتَ طلوعَه / وَبلّجهُ فجرٌ بوجهك ساطعُ
وهُنِّيتَهُ عُمْرَ الزّمانِ مُسَلّماً / يَفوت الرّدى أَو تَختَطيكَ الفجائعُ
أَبِالبارقِ النّجديِّ طرفُك مُولَعُ
أَبِالبارقِ النّجديِّ طرفُك مُولَعُ / يخُبّ على الآفاقِ طوراً ويُوضِعُ
ولمّا أراد الحيُّ أن يتحمّلوا / ولم يبقَ لِي في لُبْثَةِ الحيِّ مَطمعُ
جرتْ لِي حياتي من جفوني صبابةً / وظنّ الغبيُّ أنّما هي أدمعُ
فَليتَ المَطايا إذ حَملن لنا الهوى / حُدِينَ عَشيّاً وهْيَ حَسْرى وظُلّعُ
فإِنْ لم يكونوا أنذروا بفراقهمْ / وفاجَأَنا منه الرُّواءُ المروِّعُ
فَقَد صاحَ قَبل البين لِي بفراقهمْ / غرابٌ على فرعِ الأراكةِ أبقعُ
سَلامٌ على ملكِ الملوك يقودُه / وليٌّ يناجِي بالتّحايا فيُسمِعُ
مقيمٌ على دار الحِفاظِ وطالما / تناسى رجالٌ للحِفاظ فضيّعوا
وأنتَ الّذي فُتّ الملوكَ فكلّهمْ / خلالك ينحو أو طريقَك يتبعُ
فما لك إلّا في السّماء مُعرَّسٌ / وما لك إلّا مَضجَعَ الشّمسِ مَضجعُ
فَإِنْ يكُ قومٌ لم يضرّوا وينفعوا / فإنّك فينا قد تضرّ وتنفعُ
وإنّك من قومٍ كأنّ وجوهَهمْ / كواكبُ في ليل المعارك تطلُعُ
تُساعِي لَهمْ نَحو العليّاتِ أرجلٌ / وتبسطُ منهمْ في الملمّاتِ أذرُعُ
وَما اِمتُقِعَتْ ألوانُهمْ في شديدةٍ / تُهابُ ولونُ اليوم لونٌ مولَّعُ
شِفاههمُ مِن كلّ عَوْراءَ قفرَةٌ / ودارُهُمُ من كلّ شنعاءَ بَلقَعُ
وَأَيديهمُ تجري إِذا جَمَدَ الحَيا / على المُعتفين بالعطايا وتَهمعُ
سِراعٌ إلى داعي الصّريخ شجاعةً / وَفي كلّ كفٍّ منهُم البيضُ تلمعُ
فَإِنْ طَعَنوا يومَ الكريهة أوسعوا / وإنْ أطعموا عند المجاعةِ أشبعوا
وَإِنْ وُزِنوا كانوا الجبالَ رزانةً / وَكم طائشٍ منهمْ إلى الموتِ مُسرِعُ
فَما فيهُم إلّا هُمَامٌ مُرَفَّعٌ / بحيث الثّريا أو غلامٌ مشيَّعُ
وَكَم لَك في يومٍ شهدتَ بهِ الوغى / وما لكَ إلّا الضّربَ والطّعنَ أدرعُ
وَفي كفّك العَضبُ اليمانيُّ قاطعاً / وما كلُّ سيفٍ كان في الكفّ يقطعُ
وَأَنتَ عَلى رَخْوِ العِنانِ كأنّه / منَ الضُّمْرِ طاوٍ ليس يروي ويشبعُ
وَليسَ تَرى إلّا الأسنّةَ رُعَّفاً / وبيضَ الظُّبا ماءَ التّرائبِ تكرعُ
وَقَد عَلِموا لمّا سرى البغيُ فيهمُ / وطارتْ بهمْ نكباءُ للغدرِ زَعْزَعُ
وَلَم تَرَ إلّا شَملَ عِقْدٍ مُفرَّقاً / وَإِلّا عهوداً منهُمُ تتقطّعُ
وَقد حال منهمْ كلُّ شيءٍ عهدتَهُ / فَأَحفظُ منهمْ للذّمامِ المضيِّعُ
بأنّك رُضتَ الحِلْمَ حتّى لبِستَهُ / شِعاراً ولكنْ ليس يُنضى ويُخْلَعُ
وَعاد الّذي قَد كان بالأمسِ شامساً / إليك مطيعاً وهو عَوْدٌ موَقَّعُ
وَلَو شِئتَ لمّا أنْ تَرَيّبتَ منهمُ / وَراموا الّذي لا يُرتَضى وتولّعوا
أطَرْتَهمُ تحت السّنابك في الثّرى / كما طار بالبيداء زِقٌّ مُزَعْزَعُ
فلم يُلقَ منهمْ بعد ذلك سامعٌ / ولم يبقَ منهمْ بعد ذلك مُسمِعُ
قنعتُ بخطّي منك ذخراً أعدُّهُ / ولستُ بشيءٍ يُقنِعُ النّاسَ أقنعُ
فما لِيَ إلّا تحتَ ظِلّكَ موئلٌ / وَلا لِيَ إلّا في رياضك مَرْتَعُ
وَلا كانَ لِي إلّا عليك إقامةٌ / وَلا كانَ لِي إِلّا برَبْعِك مَرْبَعُ
وَلا قيّضَ اللّهُ التفرّقَ عنكمُ / ولا عَنَّ نأْيٌ بيننا وتصدُّعُ
فلو أنّني ودّعتكمْ يومَ فُرقةٍ / لَما كدتُ إلّا للحياةِ أودّعُ
وإمّا تكونوا لِي وفي طيّ قبضتِي / فلستُ بشيءٍ غيركمْ أتطلّعُ
وإنْ كنتمُ لِي ناصرين على العِدا / فما إنْ أُبالِي فرّقوا أو تجمّعوا
وَوُدِّي لَكمْ لا يَستفيق ضَمانةً / وَما كنتُ إلّا بالّذي زان أولعُ
يُعنِّفُني قومٌ بأنّي أُطيعكمْ / وَلم يرضكمْ إلّا الّذي هو أَطوعُ
وَلم يَلحُني في نُصحِكمْ غير كاشِحٍ / وإِلّا اِمرؤٌ في الغِشّ بالغيب مولَعُ
ولو أنصفوا لم يعذِلونِيَ في هوىً / لِقلبِيَ لا يُلوِي ولا هو يَنزَعُ
وَقَد زعزعوا لكنْ لمَن ليسَ يَنْثني / وقد هدّدوا لكنْ لمن ليس يفزَعُ
وكم رَمْيَةٍ لم تُصْمِ ممَّن رمى بها / وكم قولةٍ من قائلٍ ليس تُسمَعُ
فإنَّ خِطاراً أنْ تهيجوا مفوَّهاً / له كَلِمٌ تفرِي البلادَ وتقطعُ
وما ضرَّني أنّي قُذفتُ بباطلٍ / وما زلتُ عُمْرَ الدهرِ بالحقّ أصدَعُ
وَما راعَني ذاكَ الّذي رَوّعوا بهِ / فَلا اِنتيشَ مِن غَمّائها المتروّعُ
وَإِمّا نَبا بِي أَجْرَعٌ فاِجتَويتُهُ / فَلي دونه منّاً منَ اللَّه أجرعُ
فدونَكها فيها معانٍ سترتُها / وأنتَ عليها دون غيرك أوقعُ
ولم يكنِ التّعريضُ مِنِّيَ خِفيةً / وَلَكِنّني ما اِسطَعتُ للشّرّ أدفعُ
إذا قلتُ فيكم كنتُ للقول مُفصِحاً / وكم عيَّ بالقول اللسانُ مُتَعْتعُ
وكم ليَ في مدحي لكمْ من قصائدٍ / لهنَّ على الآفاقِ في الأرض مَطْلَعُ
فهنّ جبالٌ والقصائد كلُّها / هباءٌ ونبعٌ والأقاويلُ خِرْوَعُ
وهُنّيتَ هذا العيدَ واِبقَ لمثلهِ / وَأَنفُ الّذي يَبغي لكَ السّوءَ أجدَعُ
تَروحُ وَتَغدو في الزّمان مُحَكَّماً / عَلى النَّاس تُعطي مَن تَشاء وتمنعُ
وَغُصنُك لا يذوِي مَدا الدّهر كلِّه / وركنُك لا يبلى ولا يتضعضعُ