القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ الرُّومِي الكل
المجموع : 408
ألاَ ليْسَت الدنْيَا بدار فلاحِ
ألاَ ليْسَت الدنْيَا بدار فلاحِ / بِعَيْنيْكَ صرعاها مساءَ صباح
لنا من كلا العصرين ساقٍ كلاهُما / يَدُورُ فيسقينا بَكَأسِ ذُبَاحِ
أُرانِي وأُمّي بعد فِقْداَنِ أُخْتِهَا / وإنْ كنتُ في رَفْهٍ بها وَصَلاَح
كَفَرْخ قطاةِ الدَّوّ بانَ جَنَاحُهَا / فباتَ إلى حِصْنٍ بِغَيْرِ جَنَاحِ
مَديحُكَ مَنْ تَعْفُوه تَحْسبُ رفْدَهُ
مَديحُكَ مَنْ تَعْفُوه تَحْسبُ رفْدَهُ / مَنِيعاً متى لم تُرْقِه بالمدائِحِ
ومَنْ ظنَّ بالممدوح ذاك فإنه / بِنيَّته هاجٍ له غيرُ مادحِ
يقول ابنُ عمَّارٍ مقالةَ مخلِصٍ
يقول ابنُ عمَّارٍ مقالةَ مخلِصٍ / لسيد تُرْكُسْتَانَ طُرّاً وخُزْلَخِ
إليك أبا عثمان أهْدِي تحيةً / ثناءً كريحانِ الجِنَانِ المضَمَّخِ
شكرتُكَ أنْ أَوْلَيْتَنِي ومنحتني / عَوَاطِفَ نُعْمَى مَاجِدٍ منك أبْلَخِ
رَدَدْتَ ليَ الإِشْرَاعَ بعد بُطُولِهِ / فَبُؤْتُ بِعِزٍّ بَاذِخٍ كلَّ مَبْذَخِ
وأمَّنْتَ قلبي أن أُسَامَ هَضِيمَةً / فأفْرَخَ عنْهُ روْعُهُ كلَّ مُفْرَخِ
نَسَخْتَ بمُرِّ الحقُّ مظنونَ شُبْهَةٍ / أخَالَتْ ومَهْمَا ينْسِخ الحقُّ يُنْسَخِ
وقد كانَ ماتَ الحقُّ إلا حُشَاشَةً / ولكنْ نَفَخْتَ الرُّوحَ في كلِّ مَنْفَخِ
فأضْحَى يرى بين العَداءِ وبيْنَهُ / بِمَنْعكَ منه بَرْزَخاً أَيَّ برْزَخِ
ولا بِدْعَ أن دَوَّخْتَ بالحق باطلاً / فكم باطلٍ بالعدل منك مُدَوَّخِ
وكان ابنُ عمَّار يُرَجِّيكَ لِلَّتي / يقال لها عند الشدائد بَخْ بَخِ
وكنتَ الذي يحنُو على مستجِيرِهِ / بِعَارِفَةِ المولى وعائدة الأَخِ
ولو أن داري حسْبُ هَمِّك في العُلا / وفي العُرفِ أضحى صَحْنُها ألفَ فرسخِ
فكيف ترى الإِضرار بي في جناحها / أبَى ذاك مجدٌ شامخٌ كلَّ مَشْمَخِ
أقولُ لِعيْسٍ أقبلت بمُخِبِّهَا / على الأَيْنِ تَفْرِي سَرْبَخاً بعد سربخِ
عليكِ ابنُ تَكْسِينٍ فَأُمِّي جنابه / تُنَاخي إليه سهلةَ المتنوَّخِ
فتى غيرُ ما عِلْجِ الخليقة خِلْفِها / ولا خَنِثِ الإِترافِ مثْلِ المُفَنَّخِ
تقابل منه العينُ عند طلوعه / ضياءً متى يُصْبَبْ على الليل يسْلخِ
جوادٌ يرى تطهير عرضٍ وملبسٍ / وتدنيس طَبَّاخ وتسويد مَطْبَخِ
يُوَبِّخُهُ إحسانه أو يُتِمُّهُ / وإن لم يكن في فعله بالمُوَبَّخِ
إذا ما العُلا عُدَّت فأيُّ مُصَدَّرٍ / به عن أبي عثمانها ومُؤَرَّخِ
بدا الشيبُ في رأسي فَجَلَّى عَمَايتي
بدا الشيبُ في رأسي فَجَلَّى عَمَايتي / كما كشفتْ ريح غماماً تَطَخْطَخَا
ولا بدّ للصبح الجلِيّ إذا بدت / تباشيْره أن يسلخ الليل مسلخا
وأضحت قناةُ الظَّهْر قُوِّسَ متْنُها / وقد كان معدولاً وإن عشتُ فخخا
وأحدث نقصانُ القُوىَ بين ناظري / وسمعي وبين الشخصِ والصوت بَرْزخا
وكنت إذا فَوَّقتُ للشخص لَمحَتي / طوتْ دونه سَهْباً من الأرض سَرْبَخَا
وكنتُ يناديني المنادي بعَفْوِهِ / فَيَغْتَالُ سمعي دون مَدْعَاهُ فرسخا
فحالَتْ صروفُ الدهر تنسخ جِدَّتي / وما أُمْلِيَتْ من قبلُ إلا لتُنْسَخا
وأصبحتُ عَمَّا للفتاة مُوَقَّراً / وقد كنت أيام الشباب لها أَخَا
وما عَجَبٌ أن كان ذاك فإنه / إذا المرء أشْوَتْهُ الحوادثُ شَيَّخَا
بَلَى عجبٌ أني جَزعت ولم أكن / جَزوعاً إذا ما عضَّهُ الدهرُ أَخَّخَا
عَزَاءَكَ فاذكرهُ ولا تنس مِدْحةً / لأَبْلَجَ يحكي سُنَّة البدر أبلْخَا
له سِيمِياءٌ بين عَيْنَيْ مُبَارَكٍ / إذا ما اجتلاها رَوْعُ ذي الروع أفْرَخَا
صَريخٌ لو اسْتَصْرخْتَه يا ابن طاهرٍ / على الدهر إذ أخنى عليك لأَصْرخا
من المُصْعَبيين الذين تفرَّعوا / شَمَاريخَ أطْوادٍ من المجد شُمَّخا
أُناسٌ متى ساءلت نَافَس حظَّهمْ / بأيَّامهم في الجود والبأس بَخْبَخَا
إذا ما المساعي أُجْريَتْ حلباتُها / بَدَوْا غُرراً في أَوجُه السَّبْق شُدَّخا
بِهم جُعِل المجدُ التَّليدا مُصَدَّراً / وليس بإنْسيٍّ سواهم مُؤَرَّخا
تَعَدَّ وأسرف في مديح ابن طاهرٍ / فلست على الإِسراف فيه مُوَبَّخَا
أبو أحمدٍ ليثُ البلاد وغيثها / إذا حطْمَةٌ لم تُبق في العظم منقخا
فتى لم يزل في رأس علياءَ دونها / بمَرْقَبة باضَ الأُنُوقُ وفَرَّخا
إذا راح في رَيَّا نَثَاه حسبتَه / هنالِك بالمسك الذَّكيِّ مُضَمَّخا
يُنِيخُ المَطيَّ الراغبون ببابه / ولو لم ينيخُوه إذن لَتَنَوّخا
تَظلّ متَى صافحتَ أسْرارَ كَفِّه / تَمَسُّ عيوناً من نَداهُنَّ نُضَّخَا
إذا وَعَدَ اهْتزت له الأرض نَضْرَةً / وأنبت منها كلُّ ما كان أسْبَخا
وإن أوْعَدَ ارتَجَّت فإن تمَّ سُخطهُ / تهاوت جبال الأرض في الأرض سُوَّخا
ولستَ تُلاقي عالماً ذا براعةٍ / بأبرَعَ منه في العوم وأرسخا
ولم تر ناراً أوقدت مثل ناره / لدى الحرب أشوى للأعادي وأطْبخا
كفى زمناً أدّى الأميرَ وأَهْلَه / به وبهمْ إن حاول البَذْخَ مَبْذَخَا
هو الطِّرْفُ أجرتْه الملوك ومسَّحت / قديماً له وجهاً أغرَّ مُشَمْرَخَا
إذا هو قاد المُصعبيين فاغتدَوا / جَحَاجحَةً تَهْدي غَطاريف شُرَّخا
فأيَّةَ دارٍ للعدا شاء جَاسَها / وأيةَ أرضٍ للعدا شاء دَوّخا
به أيَّدَ اللَّه الخلافة بعدما / وَهى كُلَّ وَهْيٍ رُكْنُها فتفسَّخا
هو الطَّاهر ابن الطَّاهرين الألى مَضَوْا / ولم يَلْبَسوا عرضاً مُذالاً مُطَيَّخا
ومُسْتَمْنِحِي مدحاً كمدحيه بعدما / تمكَّن إخلاصي له فَتَمَخَّخَا
فقلتُ له عني إليك فلن أرى / هواك لمثلي في رمادك مَنْفَخَا
خليليَّ ما بعد الشَّبابِ رَزِيَّةٌ
خليليَّ ما بعد الشَّبابِ رَزِيَّةٌ / يُجَمُّ لها ماء الشؤون ويُعْتَدُ
فلا تَلْحَيَا إن فاض دمْعٌ لفقده / فَقَلَّ له بحرٌ من الدمع يُثْمَدُ
ولا تعجبا لِلْجَلْدِ يبكي فربّما / تفطَّر عن عينٍ من الماء جَلْمدُ
شبابُ الفتى مجلودُه وعزاؤه / فكيف وأنَّى بعده يتجلدُ
وفَقْدُ الشَّبابِ الموتُ يوجد طعْمُهُ / صُراحاً وطعمُ الموتِ بالموتِ يُفْقدُ
رُزِئتٌ شبابي عَوْدةً بعد بَدْأةٍ / وَهُنَّ الرزايا بادئاتٌ وعُوَّدُ
سُلِبتُ سوادَ العارضِيْن وقبلُهُ / بياضَهما المحمودَ إذ أنا أمْردُ
وبُدِّلْتُ من ذاك البياض وحسنِه / بياضاً ذميماً لا يزال يُسَوَّدُ
لَشتَّان ما بين البياضَيْن مُعْجِبٌ / أنيق ومَشْنُوءٌ إلى العين أنكدُ
تضاحك في أفنان رأسي ولحيتي / وأقبحُ ضَحَّاكَيْن شَيْبٌ وأدْردُ
وكنتُ جِلاءً للعيون من القذى / فقد جعلَتْ تقذَي بشيبي وتَرمَدُ
هي الأعين النُّجْل التي كنتَ تشتكي / مواقِعَها في القلب والرأسُ أسودُ
فما لك تأسَى الآن لما رأيتها / وقد جعلتْ مَرْمى سِوَاكَ تَعَمَّدُ
تَشَكَّى إذا ما أقصدتْكَ سهامُها / وتأسَى إذا نكَّبْنَ عنك وتَكْمدُ
كذلك تلك النَّبْلُ من وقعت به / ومن صُرِفَت عنه من القوم مُقْصَدُ
إذا عَدَلْت عنا وجدنا عُدُولها / كموقعها في القلب بل هو أَجهدُ
تَنكَّبُ عنا مرة فكأنما / مُنَكِّبُهَا عنا إلينا مُسَدِّدُ
كفى حَزَناً أن الشباب مُعَجَّلٌ / قصيرُ الليالي والمَشِيبَ مخلَّدُ
إذا حَلَّ جَارَى المرء شأْوَ حياته / إلى أن يضمَّ المرءَ والشيبَ مَلْحَدُ
أرى الدهرَ أجْرى ليله ونهاره / بعدلٍ فلا هذا ولا ذاك سَرْمدُ
وجارَ على ليلِ الشباب فَضَامَهُ / نهارُ مشيب سَرمدٌ ليس يَنْفَدُ
وعزاك عن ليل الشباب معاشرٌ / فقالوا نهارُ الشيب أهدى وأرشدُ
وكان نهارُ المرء أهْدَى لسعيه / ولكنَّ ظلَّ الليل أنْدَى وأبردُ
أأيَّامَ لَهْوِي هل مَواضيكِ عُوَّدٌ / وهل لشباب ضلَّ بالأمس مُنْشَدُ
أقول وقد شابتْ شَوَاتِي وَقَوَّسَتْ / قناتي وأضْحَت كِدْنتي تَتَخدَّدُ
ودبَّ كَلالٌ في عظامي أدَبَّني / جَنِيبَ العصا أَنأَدُّ أو أتَأيَّدُ
وبُورِك طرفي فالشِّخَاصُ حياله / قَرَائن من أدنى مدىً وَهْيَ فُرَّدُ
ولَذَّتْ أحاديثي الرجالُ وأعرضتْ / سُليمى وريَّا عن حديثي ومَهْدَدُ
وبُدِّل إعجابُ الغواني تعجُّباً / فهنَّ رَوانٍ يَعْتَبِرْن وصُدَّدُ
لِمَا تُؤذن الدنيا به من صروفها / يكون بكاءُ الطفل ساعةَ يُولَدُ
وإلا فما يبكيه منها وإنها / لأفْسَحُ ممَّا كان فيه وأرْغَدُ
إذا أبصرَ الدنيا اسْتَهلَّ كأنه / بما سوف يلقى من أذاها يُهَدَّدُ
وللنفس أحْوال تظلُّ كأنها / تشاهِد فيها كلَّ غيب سيُشهَدُ
رَزَحْتُ على مر الليالي وَكرِّهَا / وهل عن فَنَاءٍ من فناءَيْن عُنْدَدُ
مَحَارُ الفتى شيخوخة أو منيِّةٌ / ومرجوعُ وهَّاج المصابيح رِمْدَدُ
وقد اغتدِي للوحش والوحشُ هُجَّدٌ / ولو نَذِرَتْ بي لم تبت وهي هُجَّدُ
فيشقَى بيَ الثورُ القَصِيُّ مكانُهُ / بحيث يراعيه الأَصَلُّ الخَفَيْدَدُ
ترى كل ركَّاع على كلِّ مَرْتَعٍ / يخرُّ لرمحي ساجداً بل يُسَجَّدُ
إذا غازَلته بالصريم نِعَاجُه / كما غازلتْ زِيراً أوانسُ خُرَّدُ
أمَرْتُ به رمحاً غيُوراً فخاضهُ / ذَليقاً كما شَكَّ النَّقيلة مِسْرَدُ
فَخَرَّ لَروْقَيْهِ صريعاً تخالُهُ / يُعَصْفَر من تامُورِهِ أَو يُفَرْصَدُ
كأَن سِناني حين وافاه كَوْكَبٌ / أصيب به قِطْعٌ من المُزْن أَقهدُ
وقد أشرب الكأس الغريضَ مِزاجُها / على ما تغناه الغريضُ ومعبدُ
يطوف بها لِلشَّرْب أبيضُ مُخْطَفٌ / يجود له بالراح أسودُ أكْبَدُ
بِموْلِيَّةٍ خضراء يُنْغَم وسْطَها / ويُهْدَلُ في أرجَائها ويُهَدْهَدُ
إذا شئْتُ راقتْ ناظريَّ نظائرٌ / بمُصطبَحي والأدْمُ حولِيَ رُوَّدُ
وَصِيفٌ وإبريقٌ رذُومٌ ومُرشقٌ / على شرف كلُّ الثلاثة أجْيَدُ
وأنجبُ ما ولَّدت منه مسرةً / إذا ما بَنَاتُ الصَّدْر ظلت توَلَّدُ
حديثُ نتَاج من بني المزن أمُّهُ / مُعَنَّسَةٌ مما تُعَتِّقُ صَرخَدُ
وبيضاءُ يخبو دُرُّها من بياضها / ويذكو له ياقوتها والزبرجدُ
لها سُنَّةٌ كالشمس تبرز تارةً / وطوراً يواريها صَبيرٌ منضَّدُ
إذا ما التقى السُّكران سُكرا شبابها / وأكوابِها كادت من اللين تُعقَدُ
لهوتُ بها ليلاً قصيراً طويلُه / وماليَ إلّا كفُّها مُتَوَسَّدُ
وكم مثلِها من ظبيةٍ قد تفيّأَتْ / ظلالي وأغصانُ الشبيبة مُيَّدُ
لعبتُ بأولى الدهر فاغْتَال شِرَّتي / بأخرى حَقُودٍ والجرائمُ تُحْقَدُ
فصبراً على ما اشْتَدَّ منه فإنَّمَا / يقوم لما يشتد من يَتَشدَّدُ
وما الدهر إلا كابنه فيه بُكْرَةٌ / وهاجِرَةٌ مسمومة الجو صَيْخدُ
تذيق الفتى طوْرَي رخاء وشدة / حوادثُه والحولُ بالحول يُطْرَدُ
وعزَّى أناساً أن كل حديقةٍ / وإن أغْدَقَتْ أفنانُها ستخضَّدُ
ومالي عزاء عن شبابي علمتُه / سوى أنني من بعده لا أُخَلَّدُ
وأن مَشِيبي واعدٌ بلَحَاقه / وإنْ قال قوم إنه يَتَوَعَّدُ
على أن في المأْمول من فضل صاعدٍ / عزاءً جميلاً بل شباباً يُجدَّدُ
ستظهر نُعْماه عليّ فأغتدِي / وغصنُ شبابي ليّنُ المتنِ أغْيَدُ
وتَصْطَادُ لي جدواه ما كنتُ صائداً / بشرخ الشباب الغَضِّ بل هي أصْيدُ
وأفضلُ ما صِيدَتْ به العِينُ كالدُّمَى / مُهُورٌ وأثْمَانٌ من العين تُنْقدُ
وهل يستوي رامٍ مرامِيه لَحْظُهُ / ورامٍ مراميه لُجَيْنٌ وعسْجَدُ
وما أملي في المَذْحجِيَّ بِمُنْتَهٍ / ولكنَّه كالشيءِ بُلَّتْ بِهِ اليَدُ
إلى أين بِي عن صَاعِدٍ وانْتِجَاعِهِ / وقد رَادَهُ الروَّادُ قبلي فأَحْمَدُوا
وَلي بأبي عيسى إليه وسِيلَةٌ / يُفَكُّ بها أصفادُ عانٍ ويُصْفَدُ
ومَالي لا أغدو وَهَذَانِ مَعْمَدِي / وَمَا لَهُمَا إلّا الْعَوَارِفَ مَعْمَدُ
لَعَمْرِي لئن أضحت وِزَارةُ صاعد / تُثَنَّى لقد أضحى كريماً يُوحَّدُ
وِزَارَتَهُ شَفْعٌ وذاك بحَقِّهِ / كَمَا أنَّه وِتْرٌ إذا عُدَّ سُؤددُ
هو الرجلُ المشْرُوك في جُلِّ مالِهِ / ولكنَّه بالخيْرِ والحمْدِ مفردُ
يُقَرَّضُ إلا أنَّ ما قيلَ دُونه / ويوصف إلا أنه لا يُحَدّدُ
أرقُّ من الماءِ الذي في حُسامه / طِبَاعاً وأمضى منْ شَبَاهُ وأنجدُ
وأجْدَى وأنْدَى بطْنَ كَفٍّ من الحَيَا / وآبى إباءً من صَفاةٍ وأجْمَدُ
وأبْهَرُ نُوراً للعيون من الَّتي / تُضَاهِيهِ في العلياء حين تَكَبَّدُ
وأوْقَرُ من رَضْوَى ولو شاء نَسْفَهَا / إذن لم يُلِقْها طَرْفَةَ العَيْن مَرْكَدُ
طويلُ التّأَنِّي لا العَجولُ ولا الذي / إذا طرقتْه نَوْبةٌ يتبلَّدُ
له سَوْرَةٌ مكْتَنَّةٌ في سَكِينَةٍ / كما اكْتَنَّ في الغمْدِ الجُرازُ المهنَّدُ
إذا شَامَهَا قَرَّتْ قُلُوبٌ مَقرَّهَا / وإن سُلَّ منها فالْفَرائصُ تُرْعَدُ
يُلاقي العِدَا والأولياءَ ابْنُ مَخْلَدٍ / لقاءَ امْرىءٍ في اللّه يَرْضَى ويعْبَدُ
بِجَهْلٍ كجهلِ السيفِ والسيفُ مُنْتَضىً / وحلْمٍ كحلم السيف والسيفُ مُغْمَدُ
وليسَ بِجَهْل الأغبياء ذوِي العَمَى / ولكنَّه جَهْلٌ به اللَّهُ يُعْبَدُ
عُرَامٌ زَعيمٌ بالهُدَى أوْ فَبِالرَّدَى / إذا ما اعْتَدَى قوْمٌ عن القصْد عُنَّدُ
قِرىً مِنْ مليٍّ بالقِرى حِينَ يُبْتَغَى / كِلاَ نُزُلَيْهِ اللَّذُّ والكُرْه مُحْمَدُ
عَتيدٌ لَديْهِ الخَيرُ والشرُّ لامْرىءٍ / بَغَى أوْ بَغَى خيراً ولَلْخَيْرُ أَعْتَدُ
صموتٌ بلا عيٍّ له من بلائه / نَوَاطِقُ تَسْتدْعِي الرَّجَاءَ وتَزْأدُ
كَفَى الوعْدَ والإِيعَادَ بالقوْلِ نَفْسَهُ / بأفْعَالِهِ والفِعْل للفِعْل أشْهَدُ
إذا اقْتُفِرَتْ آثارُهُ فَعَدُوُّهُ / وموْلاَهُ مَوْعُودٌ هُنَاك ومُوعَدُ
عزيزٌ غَدا فوْقَ التَّودُّدِ عِزُّهُ / وإحْسَانُه في ظلِّه يَتَوَدَّدُ
يَغُضُّ عن السؤَّالِ من طَرْفِ عَيْنه / لِكَيْلاَ يَرَى الأحْرَارَ كيُفَ تُعَبَّدُ
ويُطْرِقُ إطْراقَ الذَّليل وإنه / هُنَاكَ لَسَامِي نَاظِرِ العيْنِ أصْيَدُ
إذا مَنَّ لم يَمْنُنْ بِمَنٍّ يَمُنُّه / وقال لنفسي أيُّها الناسُ أمْهَدُ
وكل امْتِنَانٍ لا يُمَنُّ فإنه / أخفُّ مناطاً في الرقاب وأوْكَدُ
تَجَاوَزَ أن يسْتأْنف المجدَ بالنَّدى / وفي كل ما اسْتَرْفدتَهُ فهُوَ أجْودُ
ومن لمْ يَزِدْ في مجده بذْلُ مالِهِ / وجادَ به فَهْو الجَوَادُ المقلَّدُ
ترى نَائلاً من نَائلٍ ثم ينتهي / إلى صَاعِدٍ إسنادُه حين يُسْنَدُ
كأنَّ أباه يوم سمَّاهُ صاعداً / رأى كيفَ يَرْقَى في المعالي ويَصْعدُ
جَرى وجرى الأكْفَاءُ شَأْواً ولم يزل / مُنَازِعُهُ الطُّولى يُضَامُ ويُضْهَدُ
فَلَمَّا تناهَى من يُبَارِيه في العلا / تَمادَى يُباري أمْسَهُ اليومُ والغدُ
جَوادٌ ثَنَى غَرْبَ الجِياد بغَرْبِه / وظَلَّ يُجَاري ظلَّهُ وهو أوْحدُ
وما أغْرَقَ المُدَّاحُ إلا غَلا بِهِ / وراء مَغَالي مَدْحِهِمْ فيه مَخْلدُ
وأسْلافُ صِدق من عَرَانِين مَذْحجٍ / طوَالُ المسَاعِي ليْس فيهِمْ مزنَّدُ
بَنَوْا مجدَه في هَضْبَةٍ مَذْحجيَّةٍ / ذُؤَابَتُهَا بيْن الفَرَاقد فَرْقَدُ
فَعُجْمتُهُ كِتْمَانُهُ أينَ عَهْدُهُ / وتَوْلِيدُهُ عِرْفَانُه أيْنَ يَعْمِدُ
رماهُ بِحَوْلٍ لا يُطاق وقُوَةٍ / وَلِيٌّ بكلْتَا العدَّتَيْن مُؤَيَّدُ
رأى صَيْدَه من أفْضل الصَّيْدِ كُلِّهِ / على أنَّهُ مِنْ شرِّ ما يُتَصَيَّدُ
فَبَثَّ له تِلْك الحَبائل حَازِمٌ / من القوم كَيَّادٌ قَديماً مُكيَّدُ
مُوَفَّقُ آراءٍ وزيرُ مُوَفَّقٍ / يُعَضِّدُهُ والرُّكْنُ بالركن يُعْضَدُ
إذا نَابَ عنه في الأمورِ رَأَيْتَه / كِلا مَشْهَدَيْهِ لا يُدَانيهِ مشهدُ
عُطَارِدُهُ ما أخْبَتِ الحربُ نَارَها / ومِرِّيخُهُ ما دَامَتِ الحربُ تَوقدُ
يَصُولُ على أعدائه كلَّ صَوْلة / يَضِيقُ لها مِنْهُمْ مَقَامٌ ومَقْعَدُ
فطوْراً بأَقْلاَمٍ تُجَرَّدُ لِلْحِبَا / وطوراً بأسْيافٍ حِدَادٍ تُجَرَّدُ
إذا ما اجْتَبَى مَالاً فَمَالاً أحَالَهُ / قِتَالاً وزِلْزَالاً لمن يَتَمَرَّدُ
وإنِّي على رَغْمِ الأعادي لَقائلٌ / وإن أبْرَقُوا لي بالوَعِيدِ وأرعَدُوا
لِيَشكُرْ بَنُو الإسلام نعمةَ صاعدٍ / بل النَّاسُ طُرّاً قَوْلَةً لا تُفَنَّدُ
وإنْ تكفُروا فاللَّهُ شَاكرُ سَعْيه / عَلَى الكَافِرِيهِ والنَّبيُّ محمدُ
لأطْفأ ناراً قد تعالى شُوَاظُهَا / وأوْقَدَ نُوراً كاد لولاه يَخْمَدُ
وَمَا مذْحجٌ إذْ كان منها بمَعْزِلٍ / عن الحْمدِ مَا لَمْ يَجْحَدِ الحقَّ جُحَّدُ
أَمَذْحجُ أحْسنْتِ النضالَ فأبشِري / بِشُكرِكِ عند اللّه والقَرْضُ يُشْكَدُ
لئن نصر الأنْصارُ بَدْءاً نبيَّهمْ / لقد عُدْتُم بالنصر والعودُ أحمدُ
وأنتُمْ وهُمْ فَرْعَانْ صِنْوَانِ تلتقي / مَناسِبُكُمْ في مَنْصِبٍ لا يُزَهَّدُ
يَمَانُونَ مَيْمُونو النَّقائِبِ فيكُمُ / مُنَاصَحَةٌ صِرْفٌ لمن يَتَمَعْدَدُ
تُدَبِّرُنَا منْكم نجومٌ ثَوَاقبٌ / تَبَهْرَمُ في تدبيرها وتَعَطْرَدُ
حُمَاةٌ وكُتَّابٌ تَسُوسُ أكُفُّكُم / رماحاً وأقلاماً بها الملك يُعْمَدُ
مُعرَّبَةٌ أقلامُكم نَبَتَتْ لكُمْ / بحيث الْتَقَى طَلْحٌ وضَالٌ وغَرْقَدُ
لِذلك آخَتْها الرماحُ فأصبحتْ / تَقَوَّمُ في أيْدِيكُمُ وتَأَوَّدُ
إذا ما سَلَكْتُمْ في الصُّدورِ صُدُورَهَا / تَقَصَّدُ فيها عن دماءٍ تَفَصَّدُ
فأهْوِنْ عليكم في المعالي ونَيْلِهَا / هناكَ بما يَدْمَى ومَا يَتَقَصَّدُ
ولمْ تَسْلُكُوا فيما أتْيتُمْ مَضِلَّةً / وكلنْ لكُم فيهِ طريقٌ مُعَبَّدُ
وَمَا نِلْتُمُ مانلتمُ أنْ جُدِدْتُمُ / ولكن جَدَدْتُمْ والمُضِيعُونَ سُمَّدُ
أرى منْ تعاطَى ما بلغْتُم كَرَائمٍ / مَنالَ الثريَّا وهو أكْمهُ مُقْعَدُ
وَضِدٍّ لكم لا زَالَ يَسْفُلُ جَدُّهُ / ولا بَرِحَتْ أنفَاسُه تَتَصَعّدُ
يرى زِبْرِجَ الدنيا يرفُّ عليكُمُ / ويُغْضِي عَن اسْتِحْقَاقِكُمْ فهْوَ يُفْأَدُ
وَلَوْ قَاسَ باسْتِيجَابِكُمْ ما مُنِحْتُمُ / لأطْفَأ ناراً في حَشَاه تَوَقَّدُ
ولكنَّهُ يرنُو إلى مَالبِسْتُمُ / وما تحتَه أسْنَى وأعْلى وأمْجَدُ
وآنَقُ من عِقْد العقِيلةِ جيدُهَا / وأحسنُ من سِرْبالِهَا المُتَجرّدُ
شكرتُكُم شكر امْرِىءٍ ذي حُشَاشةٍ / بِكُمْ أصبَحَتْ في جسمه تَتردّدُ
أظلَّتْ سيوفُ الموت أهلَ بِلادِهِ / فَكَشَّفْتُمُ أظْلالَها وَهْيَ رُكّدُ
وأنتُمْ وإن كنتُمْ عَمَمْتُمْ بمَنِّكُمْ / فقد خَصَّنِي من ذاك ما لسْتُ أجحدُ
وكنت امْرَءاً أوْفَى الصَّنِيعةَ شكْرَهَا / وإنْ كان غيري بالصَّنِيعَةِ يُقصدُ
أُرَانِي إذا ما فُزْتُ منها بجانبٍ / كأَنِّيَ مخْصُوصٌ بها مُتَوَحّدُ
ومن شَكَرَ النُّعمَى عُمُوماً فشْكرُهُ / إذا هيَ خَصَّتْهُ أجَمُّ وأحشَدُ
وأَوْلَى امْرئٍ أنْ تَشمَلُوهُ بفضلكم / نَقِيذُكُمُ والموتُ أسْودُ أربَدُ
ومَنْ تُنقِذُوهُ تَضْمَنُوا ما يُعِيشُهُ / وما تَغْرِسُوه لا يَزَلْ يُتعهّدُ
وإنِّي لَمُهْدٍ للمُوَفَّقِ شكْرَهُ / وشُكْرَكُمُ عنْ كلّ منْ يتشهَّدُ
فمن مُبْلِغٌ عنِّي الأميرَ الذي به / رَسَا الأُسُّ وانْتَصَّ البناءُ المسنّدُ
وعَرّى لَمَرْضَاة الإِله مَنَاصِلاً / غِضَاباً عِضَاباً ليس فيهنَّ مُعضَدُ
أبا أحْمدٍ أبْلَيْتَ أمَّةَ أحْمدٍ / بلاءً سَيَرْضَاهُ ابنُ عمِّك أحمدُ
حَقَنْتَ دِمَاءَ العَقْرِ والعُقْرِ بعْدَمَا / هُريقَتْ حَرَاماً والخَليُّون رُقّدُ
وأمَّنْتَ لَيْلَ الخائِفِين فَهَاجِدٌ / وشَاكِرُ نُعْمَى قَائِمٌ يتَهجَّدُ
بكَ ارْتُجِعَ الإِسْلامُ بعدَ ذهابِهِ / وعَادَ مَنَارُ الدِّينِ وهْوَ مُشيّدُ
قَتَلْتَ الذي اسْتَحْيَا النساء وأصْبَحتْ / وَئِيدَتُهُ في البَرَّ والبَحْرِ تُوأدُ
وَقتَّلَ أجْذَالَ العِبَادَةِ عَنْوَةً / وهُمْ رُكَّعٌ بَيْنَ السَّوَارِي وسُجَّدُ
يَنَالُ اليهودُ الفاسِقُونَ أَمَانهُ / وَيَشْقَى به قَوْمٌ إلى اللّه هُوَّدُ
حَصَرْتَ عميدَ الزَّنْج حتَّى تَخَاذَلَتْ / قُواهُ وأَوْدَى زادُهُ المُتَزَوَّدُ
فَظَلَّ ولمْ تَقْتُلْهُ يَلْفِظُ نَفْسَهُ / وظلَّ ولم تأْسِرْهُ وهْوَ مُقَيَّدُ
وَكَانَتْ نَوَاحيهِ كِثَافاً فلمْ تزل / تَحَيّفُهَا سَحْتاً كَأَنَّكَ مِبْرَدُ
تُفَرِّقُ عنْهُ بالمكائِدِ جُنْدَهُ / وَتَزْدَادُهُمُ جُنْداً وجيْشُك مُحْصَدُ
ولو كُنْتَ لمْ تَزْدَدْهُمُ وَقَتَلْتَهُمْ / لكَانَ لهُ في قَتْلهمْ مُتَبَرَّدُ
ولكنْ بَغَى حتى نُصِرْتَ فلم تَكُنْ / تُنَقِّصُهُ إلّا وأَنْتَ تَزَيَّدُ
وَلاَبِسُ سَيْفِ القِرْنِ عنْدَ اسْتِلابِهِ / أضَرُّ لَهُ مِنْ كَاسِرِيهِ وَأَكْيَدُ
نزلْتَ بِهِ تَأْبَى القِرَى غيْرَ نَفْسه / وذَاكَ قِرىً مِنْ مِثْلِهِ لَكَ مُعْتَدُ
بِأرْعَنَ لَوْ يُرْمَى بِهِ عُرْضُ يَذْبُلٍ / لأصْبَحَ مَرْسَى صَخْرِهِ وهْوَ جَدْجَدُ
إذا اجْتَازَ بَحْراً كَادَ يُنْزَحُ مَاؤُهُ / وإنْ ضَافَ بَرّاً كَادَتِ الأرْضُ تُجرَدُ
فَمَا رُمْتَهُ حتى اسْتَقَلَّ برأْسِهِ / مكانَ قَنَاةِ الظَّهْر أسْمَرُ أجْرَدُ
تَطِيرُ عَلَيْهِ لِحْيةٌ منه أصْبَحَتْ / لهُ رايةٌ يَهْدِي بها الجَيْشَ مِطْرَدُ
تَرَاهُ عُيُونُ الناظرين ودُونه / حجابٌ وبابٌ من جَهنَّمَ مُؤْصَدُ
يسيرُ لَهُ في الدُّهْم رأْسٌ مُعَطَّنٌ / وجُثْمانُهُ بالْقَاعِ شِلْوٌ مُقَدَّدُ
مَنَاكَ لَهُ مِقْدَارُهُ فكأنَّمَا / تَقَوَّضَ ثَهْلاَنٌ عليه وَصِنْدَدُ
ولَمْ تَأْلُ إنْذاراً لَهُ غَيْر أنه / رَأى أنَّ متْنَ البحر صَرْحٌ مُمَرَّدُ
حَدَوْتَ بِهِ نَحْوَ النَّجَاةِ كأنَّما / مَحَجَّتُهُا البيْضَاءُ سَحْلٌ مُمَدَّدُ
فلمَّا أبى إلا البَوَارَ شَلَلْتَهُ / إلى النَّارِ بئسَ المورِدُ المُتورَّدُ
سَكَنْتَ سكُوناً كان رَهْناً بِعَدْوَةٍ / عَمَاسٍ كذاكَ اللَّيْثُ للوَثْب يَلْبَدُ
وحَامَى أبُو العبّاسِ في كل مَوْطِنٍ / على يَوْمِهِ ثَوْبٌ من الشرِّ مُجْسَدُ
مُحَاماةَ مِقْدامٍ حَيُودٍ عن الهوى / ولكنَّهُ عن جانِبِ العار أحْيَدُ
وما شِبْلُ ذاكَ الْلَّيْث إلا شَبيهُهُ / وغَيْرُ عجيبٍ أن تَرَى الشبل يأْسَدُ
وما بِئْسَ عوْن المرْءِ كان ابنُ مَخْلدٍ / نَصِيحُكَ والأعْدَاءُ نَحْوَكَ صُمَّدُ
مَضَى لَكَ إذْ كَلَّ الحديدُ منَ الظُّبَا / وحَاطَكَ إذْ رَثَّ النَّسيجُ المسَرَّدُ
وَهَتْ كُلُّ دِرْعٍ فَانْثَنَى كُلُّ مُنْصُلٍ / سِوَى صَاعِدٍ والموتُ للموت يَنْهَدُ
فلا يَبْعد الرَّأيُ الذي اخْتَرْتَهُ بِهِ / وقَرَّبْتَهُ بَلْ مَنْ أَبَى ذاكَ يَبْعدُ
أمَا لَئن اسْتَبْطنتَهُ دُونَ مَنْ دَنَتْ / إليْكَ به القُرْبى وَهَنْبَث حُسّدُ
لَكَمْ دَاخِلٍ بينَ الخَصِيمَيْنِ مُصْلحٍ / كما انْغَلَّ بيْن العيْنِ والجِفْنِ مرْوَدُ
تَرَى العيْن والمَلْمُولَ يَبْطُنُ جَفْنَها / إذَا ما غدا إنْسَانُها وهو أَرْمَدُ
تَشَكَّى فلا يُجْدِي عَلَيْهَا لَصِيقُها / فَتُدْني الذي يُجْدِي وقُرْبَاهُ أبْعَدُ
وما زلْتَ مَفْتُوحاً عليك بِصَاعِدٍ / تَفُوزُ وتَسْتعلي وتَحْظَى وتَسعَدُ
بتَدْبيره طَوراً وطْوراً بيمْنه / ومَا قادَهُ التَّدبيرُ فاليُمْنُ أقْوَدُ
فَمنْ يُمْنِهِ إنْ غَابَ عَنْكَ مُدَيْدَةً / فَنَالَكَ دُونَ الدِّرْعِ أزْرَقُ مُصْرَدُ
فَلَمَّا أراكَ اللَّهُ غُرَّةَ وَجْهِهِ / تراءى لكَ السَّعْدُ الذي كنْت تَعْهَدُ
بَرأتَ بِهِ مِنْ كُلِّ ما أنْتَ ضَامنٌ / وأنتَ لِشَرْوى تلْكَ منْهُ مُعَوّدُ
وبُدِّلْتَ منْ قَرْحٍ بِفَتْح مُسَيَّرٍ / بأمْثَاله غاظ الحسُودَ الْمَحَسَّدُ
أَلاَ ذلكَ الفتْحُ المبين هَنَاؤه / فَتَمَّ وَلاَقَاهُ يَزِيدٌ ومَزْيَدُ
ومنْ يُمْنِهِ أن دُمِّرَ العَبْدُ وابْنُهُ / وَمَلّاحُ قُنٍّ فالثَّلاثَةُ هُمَّدُ
وأُتْبعَ أهْلُ الفِسْقِ مِنْ أَوْلِيَائه / فَوَافَاهُ والباقُونَ فَلٌّ مُشَرَّدُ
كَأنِّي بهم قدْ قيل عند بَوارِهِم / رَعَوْا ظِمْأَهُمْ حتَّى إذا تَمَّ أوْرَدُوا
زُرُوعٌ سقاها اللّه رِيّاً فَأثْمرَتْ / عُتِيّاً فأضْحَتْ وَهْيَ للنَّارِ تُحْصَدُ
يَقُولُ مَقَالِي في نَصيحِك مَنْ مَشَى / وَيقْدُمُهُمْ في ذَاكَ مَنْ يَتَبَغْدَدُ
وما قيلَ فيه مِنْ مديح فإنه / مديحُكَ والنِّيَّاتُ نَحْوَكَ عُمَّدُ
إذا ما الأعادِي حاولَتْ كَيْدَ صَاعِدٍ / غَدا يَتَعَالى والأعادِي تَوَهَّدُ
وحارَبَ عَنْ نَعْمَائِهِ رَيْبَ دَهْره / من البر والمعروف جُندٌ مُجنَّدُ
وأهْلٌ لذاك المَذْحجِيُّ ابنُ مَخْلَدٍ / مَعَ الخُلْدِ لَوْ أَنَّ ابنَ آدمَ مُخْلَدُ
حَلَفْتُ بمنْ حَلّاهُ كلَّ فَضِيلة / بأمْثَالِها سَادَ المَسُودَ المُسَوَّدُ
لقدْ نَالَ مَنْهاةَ العَلاَءِ وإنَّه / بأنَّ ابْنَهُ مِثْلَ العَلاءِ لأسْعَدُ
ألاَ ذَلِكَ الفوْز الذي لا إخاله / على غيره من سائر القوم يُحْشَدُ
فتى الدِّين والدُّنْيَا الذي أذْعَنَا له / ففي خِنْصَرٍ منْهُ لِصَعْبَيْنِ مِقْودُ
هُو التَّاجُ والإِكْلِيلُ في كلِّ مَحْفِلٍ / بل السَّيْفُ سيْفُ الدولة المُتَقَلّدُ
يَزِينُ ويَحْمِي وَهْوَ في السِّلْم زينةٌ / لمن يَرْتَدِيه وهو في الحرب مِزودُ
وليْسَ بأنْ يَلْقَى ولكِنْ بأنْ يَرَى / بآرائه اللَّاقُون والهامُ تُجْلَدُ
تراهُ عن الحرب العَوَان بِمَعزلٍ / وآثارُهُ فيها وإنْ غابَ شُهَّدُ
كما احْتَجَبَ المِقْدارُ والحُكْمُ حُكْمُهُ / على الناس طُرّاً ليس عنه مُعَرَّدُ
إذا ما نَبَا سَيْفٌ فلاَحَظَ رأْيَهُ / فَمَوْقِعُهُ مِمَّنْ تَوَخَّى مُمَهَّدُ
فتىً رُوحُهُ ضوْءٌ بَسِيطٌ كيَانُهُ / ومَسْكَنُ تلكَ الرُّوح نُورٌ مٌجَسَّدٌ
صَفَا ونَفَى عنه القَذَى فكأنَّهُ / إذا ما اسْتَشَفَّتْهُ العُقُولُ مُصَعَّدُ
فتىً هَاجَر الدُنْيَا وحرَّمَ رِيقَهَا / وَهَلْ رِيقُها إلا الرَّحيقُ الموَرَّدُ
وَلَوْ طَعِمَتْ في عطْفِه وَوِصَالِهِ / أبَاحَتْهُ منْها مَرْشفاً لا يُصَرَّدُ
أبَاهَا وقد عَنَّتْ له من بَنَاتِهَا / كَوَاعِبُ يُصْبينَ الحلِيمَ ونُهَّدُ
فَمَا حَظُّهُ ممَّا حَوَتْ غير أنه / يُؤَثِّلُ فيها الأجْر أو يَتَحمَّدُ
فتىً يَبْدَأُ العَافِينَ بالبَذْلِ مُعْفِياً / فإنْ عَادَ عَافٍ فهْوَ بالبذْلِ أعْودُ
رَجَاءُ مُرَجِّيهِ لَدَيْهِ كَوَعْدِهِ / ومَوْعِدُهُ إيَّاهُ عهْدٌ مُؤكَّدُ
فَتىً لا هُدىً إلّا مصابِيحُ رَأْيِهِ / ولاَ غوْثَ إلا فَضْلُهُ المُتَعَوَّدُ
حَكِيمُ أقاليمِ البلادِ كَريمُها / مُسِائلُهُ يُهْدَى وعَافِيهِ يُرْفَدُ
وأحْسَنُ شيءٍ حكمةٌ أخْتُ نِعْمَةٍ / وكِلْتاهُما تُبْغَى لديْهْ فَتُوجَدُ
رَآهُ رَضِيعاً كلُّ مَاضِي بَصِيرَةٍ / فقالُوا جميعاً قُنَّةٌ ستُطوَّدُ
فَصَدَّقهُمْ مِنْهُ لَعَشْرٍ كَوَامِلٍ / خَلَوْنَ لَهُ طَوْدٌ بِهِ الأرضُ تُوتَدُ
غدا المجْدُ والتَّمجِيدُ يكْتَنِفَانِهِ / جميعاً وكم من ماجدٍ لا يُمَجَّدُ
أخُو حَسَبٍ ما عدَّهُ قَطُّ فَاخِراً / على أنه في كلِّ حَيٍّ مُعَدَّدُ
فَمُطَّرِفٌ مِمَّا تَكَسَّبَ مُحْدَثٌ / وآخَرُ قُدْمُوسٌ على الدَّهْر مُلْتَدُ
وَلا خَيْرَ في البُنْيانِ غيْرَ مُشَرَّفٍ / ولا خيْرَ في تشْرِيفِهِ أوْ يُوَطَّدُ
ومَاءٍ كفَقْدِ الماءِِ أعْلاَهُ عَرْمَضٌ / وأسْفَلُهُ لِلمُستَمِيحينَ حَرْمَدُ
وسائرُهُ مِلْحٌ أُجَاجٌ مُرَنَّقٌ / خَبيثٌ كَريهٌ وِرْدُهُ حِينَ يُوَرَدُ
سَقَيْتُ به خُوصاً حَرَاجِيحَ بعْدَمَا / سقَى مَاءها التَّهْجِير خِمْسٌ عَمَرَّدُ
مَرَاسِيلُ ما فيهنَّ إلا نَجِيبَةٌ / مَطُولٌ إذا مَاطَلْتَها السَّيْرَ جَلْعَدُ
أمُونٌ على الحَاج البعيد مَرَامُهُ / وإن خان مَتْنَيْها السَّديفُ المُسَرهَدُ
مِنَ اللائي تَزْدادُ انْدماجاً ومُنَّةً / إذا هِيَ أنْضَاها السِّفَارُ العَطوَّدُ
كَمَا جُدِّلَتْ فاسْتَحْكَمَتْ عنْدَ جَدْلِها / مرائرُ في أيْدِي المُمرِّين تُمسَدُ
إذا اسْتُكْرهَتْ فهْيَ الصُّوَارُ وَرَاءهُ / مَكَاسِيبُ أمثالُ اليعاسِيبِ تُوسَدُ
وَقُفٍّ يَرُدُّ الخُفَّ يَدْمَى فَمَرْوُهُ / بِمَا عُلَّ مِنْ تِلْكَ الدِّماءِ مُجَسَّدُ
عَسَفْتُ ودَوٍّ كالسَّماءِ قَطَعْتُهُ / إذا انْجَابَ منْهُ فَدْفَدٌ عَنَّ فدْفَدُ
لألْقَى أبا عِيسى العلاء بنَ صَاعِدٍ / أَجَلَّ فتىً يُسْمَى إليه ويُوفَدُ
فَيَعذبُ لي مِلْحٌ من العيْشِ آسِنٌ / ويَسْهُلُ لي وعْرٌ من الدهر قَرْدَدٌ
بني مخَلدٍ أهْلاً بأيَّامِ دَهْركُمْ / وَبُعْداً لمن يَشْجَى بها وهو مُبْعَدُ
شَكَى طُولَهَا مُسْتَثْقلُو العُرفِ إذْ غَدَتْ / وفي كُلِّها للعرف عِيدٌ مُعَيَّدُ
بِكُمْ عَمَرَتْ أوْطَانُ كُلِّ مُرُوءةٍ / وقد جَعَلت تلك المغاني تَأبَّدُ
لَكُمْ كلُّ فيَّاضٍ يَبيْتُ لِنَارِهِ / مُنادٍ يُنادِي الحائرين ألا اهْتَدُوا
إذا ما شَتَا كادتْ أنامِلُ كَفِّهِ / تذوبُ سَمَاحاً والأنامِلُ جُمَّدُ
ومنكم أبُو عيسى الذي بَاكَرَ العُلا / ولم يُلْهِهِ عَيْشٌ رَفِيهٌ ولا دَدُ
على بَحْرِهِ يُرْوَى الظِّمَاءُ ونَحْوَهُ / يشيرُ إذا ما غُصَّ بالماء مَزْرَدُ
ألا تلكُمُ النُّعْمَى التي ليس شكرُها / سوى مِنَنٍ أضحت لكم تُتَقَلَّدُ
وحَاكَةُ شِعْرٍ أحسنوا المدح فيكُمُ / بما امْتَثَلُوا ممَّا فعلتُمْ وجوَّدُوا
فباعوه منكم بالرغائب نافقاً / لديكم هنيئاً نَقْدكُمْ لا يُنكَّدُ
ولَولا مسَاعِيكم وجُودُ أَكُفِّكُمْ / إذا ما أجادُوا أَوْ أَجَادُوا وأكْسَدُوا
فلا تَحْمَدُوا مُدَّاحَكُمْ إن تغَلْغَلوا / إلى مَمْدَحٍ فيكم بل اللّه فاحْمَدُوا
كرمْتُمْ فَجَاشَ المعْجِمُون بمدحكم / إذا رجَزُوا فيكم أَثَبْتُمْ فَقَصَّدُوا
كما أزْهَرَت جنَّات عدنٍ وأثمرتْ / فأضْحت وعُجْمُ الطير فيها تُغَرِّدُ
أذِلْهَا أبا عيسى لَبُوساً فإنها / سَتبقى ويَبْلى الأتْحَمِيُّ المعَضَّدُ
وعِشْ عيْش مَحْبُورٍ بدار إقامة / وأمثالُهَا سَيَّارةٌ فيك شُرَّدُ
وفيها لمن قدَّمْتُ ذكراه مَلْبَسٌ / تظلُّ به والطَّرفُ نَحْوك أقْوَدُ
وكلُّ مديحٍ في امرِئٍ فهو في ابنِهِ / وإن كان موسُوماً به حينَ يُنْشَدُ
إليكَ بلا زادٍ رحلتُ مؤمِّلاً / وقلتُ لنفسي والركائب وُخَّدُ
عُتِقْتِ من الأطْمَاع يوم لقائه / ورِقُّ ذوي الأطماع رقٌّ مُؤَبَّدُ
وما شافِعي إلا سَماحُك وحدَه / ولا وُصْلَتي إلا المديحُ المجوَّدُ
ومن ذا الذي يعْفُو نداك بشافِعٍ / ويصحبُهُ عند انْتِجاعِكَ مِزْوَدُ
وإنَّ امرءاً أضحى رجاؤك زادَه / وإنْ لم يُزَوَّدْ غَيْرَهُ لمُزَوَّدُ
بوجه أبي الصقر الذي راح واغتدى
بوجه أبي الصقر الذي راح واغتدى / كشمس الضحى محفوفةً بسُعودها
ولما أتى بغداد بعد قُنُوطِها / وفتْرة داعيها وإيباس عُودِها
إذا ظُلَلٌ قدْ لَوّحتْ ببروقها / إلى ظُلَلٍ قد أرجفت برعودها
سحائبُ قيست بالبلاد فأُلْقِيَتْ / غطاءً على أغوارها ونجودها
حَدَتْها النُّعامَى مُثْقَلاتٍ فأقْبَلَتْ / تَهادَى رُويداً سيرُها كرُكودها
غُيُوثٌ رأى الإمحالُ فيها حِمَامَهُ / قرينَ حياةِ الأرضِ بعد هُمُودها
أظلَّتْ فقال الحرثُ والنَّسْل هذه / فُتُوح سماءٍ أقبلت في سُدودها
فأطفأ نيران الغليل مَواطرٌ / مُضرَّمةٌ نيرانها في وقودِها
سقتنا ونيرانُ الصدى كبرُوقه / فقد بردت أكبادُنا بِبُرُودها
ولمْ نُسْقَ إلا بالوزير ويُمْنِهِ / فَبُورك في أيامه وعهودِها
دعا اللّه لما اغْبَرَّت الأرض دعوة / بأمثالها تغدُو الرُّبى في بُرُودِها
فكم بركاتٍ أذعنت بنزولها / لدعوته إذْ أمْعَنَتْ في صُعودها
سما سَمْوَةً نحو السماء بغُرَّة / مُسَوَّمَةٍ قِدْماً بِسِيمَا سجُودها
وكَفَّيْن تَسْتَحِيي السماءُ إذا رأت / رُفُودَهُمَا من ضَنِّها برُفُودها
فلمَّا تلَقَّتْها الثَّلاثُ رعَتْ لها / مع الجاهِ عند اللّه حُرْمَةَ جُودها
فجادتْ سماءُ اللّه جُوداً غدتْ له / عَقِيمُ بِقاع الأرضِ مثلَ وَلُودِها
بِغَاشِيةٍ من رحمة اللّه لم تَرِثْ / نَسِيَّاتُهَا إلّا كَرَيْثِ نُقُودِها
سقتْنَا ومَرْعانا فروَّت وأفضَلَتْ / لِدِجْلَةَ فضلاً فاغتدت في مُدُودها
حيَاً جُعِلَتْ فيه الحياة فأصبحَتْ / بناتُ الثَّرى قد أنْشِرَتْ من لُحُودها
فمنْ مُبْلِغٌ عنَّا الأمير رسالة / فلا برحتْ نُعْمَاكَ داءَ حَسُودها
بَقِيتَ كما تبْقى معاليك إنها / تبيدُ الهضابُ الشمُّ قبل بُيُودها
رأيْنَاكَ ترعانا بعيْنٍ ذكيَّةٍ / أتَى النَّاسَ طُرّاً نَوْمُهُمْ من سُهُودِها
هي العينُ لم تُؤْثِرْ كَرَاها ولم يزلْ / تَهَجُّدُها أوْلى بها من هُجُودها
ونُعماك في هذا الوزير فإنَّنا / نعوذُ بنعمى ربِّنا من جُحُودها
وكيف جُحُود الناس نعماءَ مُنْعِمٍ / تَنَاغَى بها أطفَالُهُمْ في مُهُودها
لَعمري لقد قَلَّدْتَهُ الأمرَ كافياً / يَلَذُّ التي أعْيَتْ شفاءَ لدُودها
وزيرٌ إذا قاد الأمُورَ تتابَعَتْ / فأصْبَحَ آبِيها جنيبَ مَقُودِها
أخو ثِقةٍ لو حارب الأُسْدَ أذْعَنَتْ / أو الجنَّ ذلَّتْ بعد طولِ مُرُودها
مَليٌّ بأنْ يغشَى الغِمَارَ وأنْ يَرى / مصادِرَها بالرأْي قبْل وُرُودِها
وذو طاعة للّه في كل حالة / ومعصيةٍ للنفس عند عُنُودها
صَدُوعٌ بأحكام الكِتَابِ مُعَوِّدٌ / عَزَائمَهُ التوْقِيفَ عند حُدُودها
وَهَتْ قُبَّةُ الإسلام حتى اجْتَبيتَهُ / فقد أصْبَحَتْ مَعْمُودَةً بِعَمُودها
بآرائه أضحَتْ سيُوفكَ تُنْتَضى / فَتُغْمَدُ من هَامِ العدا في غُمُودِها
غَدا خَيْر ذِي عَوْنٍ لسيِّدِ أمَّةٍ / وَأَكْلأَ ذي عَيْنٍ لِسَرْحِ مَسُودِها
كفى كلَّ ما تَكْفي الكُفَاةُ مُلوكَها / بِنُجْحِ مساعِيها ويُمْنِ جُدُودها
فقد أخمد النِّيران بعد اسْتِعارِها / وقد أوقَدَ الأنْوارَ بعد خُمودها
ويكْفيه إن خانَ الشهادةَ خائنٌ / بما اسْتَشْهَدَتْ آثارُه من شُهُودها
أتانا ودُنيانا عجوزٌ فأصبَحَتْ / به ناهِداً في عُنْفُوانِ نُهودها
فقدْ قُيِّدَتْ عنَّا المخاوفُ كلُّها / وقد أُطْلِقَتْ آمالُنا مِنْ قُيودها
بذِي شِيَمٍ يُصبيكَ حُسنُ وُجُوهِهَا / ولِينُ مَثانِيها وجَدْلُ قُدُودها
حمانا وأرْعانا حِمَى كلِّ ثرْوَةٍ / وأبْدَلَنا بيضَ الليالي بسُودِها
فأَضْحى ولو تَسْطِيعُ كلُّ قبيلةٍ / وَقَتْ نَعْله مَسَّ الثَّرَى بخدُودها
تَأَلَّف وَحْشِيَّ القُلوب بلْطفِهِ / فأضْحَى مُعَادِيهَا لهُ كَوَدُودِها
وفَى وَعَفَا عن كلِّ صاحِبِ هفْوَةٍ / وكابَدَ ما دون العُلا من كُؤُودها
بنفْسٍ أبتْ إلا ثَباتَ عُقُودِها / لمنْ عَاقَدَتْهُ وانْحِلالَ حُقُودها
ألاَ تلْكُمُ النفْسُ التي تَمَّ فضْلُها / فما نَستَزِيدُ اللّه غيْرَ خُلُودها
وإن عُدَّتِ الأحْسَابُ يوماً فإنَّمَا / يُعَدُّ مِن الأحْساب رَمْلُ زَرُودِها
مَفاخِرُ عنْ آبائِهِ وبِنَفْسِه / نُفُودُ حصى الإحْصَاءِ قبل نُفُودها
تداركَ إسماعيلُ للعَربِ العُلاَ / فعادتْ لإسمَاعِيلِها ولِهُودِها
فتىً من بني شيْبانَ في مُشْمَخِرَّةٍ / شَدِيد على الرَّاقِي رُقيَّ صُعُودها
نَمَتْهُ من العَلْيا جبالُ صُقُورها / وحفّت جَنَابيْهِ غِيَاضُ أُسُودها
فتىً لعطاياه وفودٌ تَؤمُّها / فَإن قعدُوا كانت وفُودَ وُفُودها
إذا بَدْءُ ما أعْطَى أنَامَ عُفَاتَهُ / سرى عَوْدُهُ مُسْتَيْقِظاً لِرُقُودها
وَلَمَّا رَحَلْتُ العِيسَ نحو فِنَائه / ضَمِنْتُ عليه عِتْقَهَا من قُتُودِها
أمِنْتُ على نعمائه رَيْبَ دهرِه / وَلِمْ لا وذاك العُرْفُ بعضُ جُنُودِها
رقَقْتُ له من قبحه المحْضِ رِقَّةً
رقَقْتُ له من قبحه المحْضِ رِقَّةً / ألاَنْت لهُ قَلْبِي فَقَادَتْ له وُدِّي
فَتَاه بِوجْهٍ يَطْرفُ العينَ قِبْحُهُ / له صورة كالشَّمسِ في الأعين الرُّمد
ولا عَجَبٌ أن كانَ من كانَ مِثْلَهُ / تشَبَّهَ بالمعْشوُقِ في التيِّه والصدِّ
إذا لم يكن قِرْداً تَمَاماً حِكَاية / وقبحاً فلم تكملْ لهُ صورة القردِ
لَقَدْ آن أن أسْلاهُمُ وأملَّهمْ
لَقَدْ آن أن أسْلاهُمُ وأملَّهمْ / فكيف وما لاقيتُ منهم أخا رشْدِ
وكيف وقد جرَّبتُ من طبقاتهم / تَجَاريبَ تدعو النفس فيهم إلى الزهد
بُنَيَّ الذي أهْدَتْهُ كَفَّايَ للثَّرَى
بُنَيَّ الذي أهْدَتْهُ كَفَّايَ للثَّرَى / فَيَا عِزَّةَ المُهْدَى ويا حَسْرة المُهدِي
ألا قاتَل اللَّهُ المنايا ورَمْيَها / من القَوْمِ حَبَّات القُلوب على عَمْدِ
تَوَخَّى حِمَامُ الموتِ أوْسَطَ صبْيَتي / فلله كيفَ اخْتار وَاسطَةَ العِقْدِ
على حينََ شمْتُ الخيْرَ من لَمَحَاتِهِ / وآنَسْتُ من أفْعاله آيةَ الرُّشدِ
طَوَاهُ الرَّدَى عنِّي فأضحَى مَزَارُهُ / بعيداً على قُرْب قريباً على بُعْدِ
لقد أنْجَزَتْ فيه المنايا وعيدَها / وأخْلَفَتِ الآمالُ ما كان من وعْدِ
لقَد قلَّ بين المهْد واللَّحْد لُبْثُهُ / فلم ينْسَ عهْدَ المهْد إذ ضُمَّ في اللَّحْدِ
تَنَغَّصَ قَبْلَ الرِّيِّ ماءُ حَياتِهِ / وفُجِّعَ منْه بالعُذُوبة والبَرْدِ
ألَحَّ عليه النَّزْفُ حتَّى أحالَهُ / إلى صُفْرَة الجاديِّ عن حُمْرَةِ الوَرْدِ
وظلَّ على الأيْدي تَساقط نَفْسُه / ويذوِي كما يذوي القَضِيبُ من الرَّنْدِ
فَيَالكِ من نَفْس تَسَاقَط أنْفُساً / تساقط درٍّ من نِظَام بلا عقدِ
عجبتُ لقلبي كيف لم ينفَطِرْ لهُ / ولوْ أنَّهُ أقْسى من الحجر الصَّلدِ
بودِّي أني كنتُ قُدِّمْتُ قبْلَهُ / وأن المنايا دُونَهُ صَمَدَتْ صَمْدِي
ولكنَّ ربِّي شاءَ غيرَ مشيئتي / وللرَّبِّ إمْضَاءُ المشيئةِ لا العَبْدِ
وما سرني أن بعْتُهُ بثَوابِه / ولو أنه التَّخْليدُ في جنَّةِ الخُلْدِ
وَلا بِعْتُهُ طَوْعاً ولكنْ غُصِبْته / وليس على ظُلْمِ الحوادِث من مُعْدِي
وإنِّي وإن مُتِّعْتُ بابْنيَّ بَعْده / لَذاكرُه ما حنَّتِ النِّيبُ في نَجْدِ
وأولادُنا مثْلُ الجَوارح أيُّها / فقدْناه كان الفاجِعَ البَيِّنَ الفقدِ
لكلٍّ مكانٌ لا يَسُدُّ اخْتلالَهُ / مكانُ أخيه في جَزُوعٍ ولا جَلدِ
هَلِ العَيْنُ بَعْدَ السَّمْع تكْفِي مكانهُ / أم السَّمْعُ بَعْد العيْنِ يَهْدِي كما تَهْدي
لَعَمْرِي لقد حالَتْ بيَ الحالُ بَعْدَهُ / فَيَا لَيتَ شِعْرِي كيف حالَتْ به بَعْدِي
ثَكِلتُ سُرُوري كُلَّه إذْ ثَكلتُهُ / وأصبحتُ في لذَّاتِ عيْشي أَخَا زُهْدِ
أرَيْحَانَةَ العَيْنَينِ والأَنْفِ والحَشا / ألا لَيْتَ شعري هَلْ تغيَّرْتَ عن عهدي
سأسْقِيكَ ماءَ العيْن ما أسْعَدَتْ به / وإن كانت السُّقْيَا من الدَّمْعِ لا تُجْدِي
أعَيْنَيَّ جُودا لي فقد جُدْتُ للثَّرى / بأنْفِس ممَّا تُسأَلانِ من الرِّفْدِ
أعَيْنيَّ إن لا تُسْعِداني أَلُمْكُمَا / وإن تُسْعداني اليوم تَسْتَوْجبا حَمْدي
عَذَرْتُكُما لو تُشْغَلانِ عن البُكا / بِنَوْمٍ وما نَوْمُ الشَّجِيِّ أخي الجَهْدِ
أقُرَّةَ عيني قدْ أطَلْت بُكاءها / وغادرْتها أقْذَى من الأعينِ الرُّمدِ
أقُرَّةَ عيني لو فَدَى الحَيُّ مَيِّتاً / فَدَيْتُك بالحَوْبَاء أَوَّلَ من يَفْدِي
كأني ما اسْتَمْتَعتُ منك بنظْرة / ولا قُبْلةٍ أحْلَى مَذَاقاً من الشَّهْدِ
كأني ما استمتعتُ منك بِضَمَّةٍ / ولا شمَّةٍ في مَلْعبٍ لك أو مَهْدِ
ألامُ لما أُبْدي عليك من الأسى / وإني لأخفي منه أضعاف ما أُبْدي
محمَّدُ ما شيْءٌ تُوُهِّمَ سَلْوةً / لقلبيَ إلا زاد قلبي من الوجدِ
أرى أخَوَيْكَ الباقِيينِ فإنما / يَكُونان للأَحْزَانِ أوْرَى من الزَّندِ
إذا لَعِبا في ملْعَبٍ لك لذَّعا / فؤادي بمثل النار عنْ غير ما قَصدِ
فما فيهما لي سَلْوَةٌ بَلْ حَزَازَةٌ / يَهِيجانِها دُونِي وأَشْقَى بها وحْدي
وأنتَ وإن أُفْردْتَ في دار وَحْشَةٍ / فإني بدار الأنْسِ في وحْشة الفَرْدِ
أودُّ إذا ما الموتُ أوْفَدَ مَعْشَراً / إلى عَسْكَر الأمْواتِ أنِّي من الوفْدِ
ومن كانَ يَسْتهدِي حَبِيباً هَدِيَّةً / فَطَيْفُ خيَال منك في النوم أسْتَهدي
عليك سلامُ الله مني تحيةً / ومنْ كلِّ غيْثٍ صادِقِ البرْقِ والرَّعْدِ
كما بأبي العباس أنشئ مُلكُكُمْ
كما بأبي العباس أنشئ مُلكُكُمْ / كذا بأبي العباس منكم يُجدّدُ
إمامٌ يظلُّ الأمسُ يُعْمِلُ نحوه / تلفُّتَ ملهوف ويشتاقُه الغدُ
يودّ الزمانُ المنقضي عنه أنه / عليه لِزامٌ آخرَ الدهر سرمدُ
تأمَّلْ وأنتَ المرءُ ينظر نظرة
تأمَّلْ وأنتَ المرءُ ينظر نظرة / فلا غَوْرَ إلا وهو في عينه نجْدُ
ذكاءً وإشرافاً على كل غامضٍ / يقصِّرُ قِدْماً دون عفوهما الجُهْد
ألم تر أن الجدَّ مذ كان سيِّدٌ / وأن الوَنَى في كل عارفة عبْدُ
وتكميل معروف الكريم بِحشده / وأسديْتَ معروفاً وقد بقي الحشْدُ
ولستُ براضٍ منك ما لستَ راضياً / ولستَ براضٍ غير ما يرتضي المجدُ
إذا ما قصدتَ الأمرَ أول قصْدِه / ولم تَتْلُها أخرى فما حَصْحَصَ القصدُ
ولا عَمْدَ لم يحفزهُ عمْدٌ مؤكَّدٌ / من المرءِ إلا أشْبَهَ الخطأَ العمْدُ
وعنديَ أمثالُ لذاك كثيرة / سَيَحْدُو بها في البر والبحر من يحدُو
إذا ما عقدتَ العَقْد ثم تركته / ولم يَثْنِهِ عِقْدٌ وهَى ذلك العَقْدُ
وما النَّهْلُ دون العَلِّ شافي غُلَّةٍ / وإن ساعدَ الماءَ العُذُوبَةُ والبرْدُ
ولا البرقُ دون الرعْدِ ضامن مَطْرة / ولكن إذا ما البرقُ عاضده الرعْدُ
وما العينُ عيناً حين تفقد أختَها / ولا الأذنُ أذُناً ما طوى أختَها الفقْدُ
وما اليدُ لو لا أختُها بقويَّةٍ / ولا الرِّجل لو لا الرجل تمشي ولا تعدو
ولا كلُّ محتاج إلى ما يشدُّه / يُسَفْسِفُ إلا والوهاءُ له وكْدُ
فعزِّزْ كتاباً منك وِتْراً بَشْفعه / فما عزَّ إلا اللَّه مُسْتَنْجَدٌ فرْدُ
ترفَّعْ عن التعْذير غير مُذمَّم / إلى شرف الإِعذار يخْلُصْ لك الحمدُ
وزدنا من الفعل الجميل فلم تزلْ / تَكَرَّمُ حتى يعشق الكَرَمَ الوغْدُ
وبَعدُ فإني يا قَرِيعَيْ زماننا / مُبِثُّكُما وجدي فما مثله وجْدُ
ألا فاسمعا لي إن شكوتُ فطال ما / شدوتُ بمدحي فيكما فوق من يشدو
عَمِيدَيَّ ما بالي حُرمت جَداكما / ورأيُكما رأيٌ وعهدكما عهْدُ
أعِنْدِي مُنقضُّ الصواعق منكما / وعند ذوِي الكفر الحيا والثرى الجعدُ
وتحتيَ نعْلي تخبِطُ الأرضَ جهْدَها / وتحت سِوايَ السَّرْجُ والسابح النهدُ
ولا غَرْوَ أن تحظى عَليَّ عصابة / لَوَتْ حمدها والحمدُ عندِيَ والحقدُ
كذا الوهد تحظى بالسُّيول على الرُّبا / ويُعْشِبن بَدْءاً قبل أن يُعْشِبَ الوَهدُ
متى أنْصَرِفْ بالوجه والقلبِ عنكما / وأغدُ على حَرْدٍ فَحُقَّ ليَ الحرْدُ
شهدتُ لقد أشقيتماني وإنما / تقدم لي بالحظِّ لا الشَّقْوَةِ الوعْدُ
أُرجِّي فما أرجو ضمانٌ لديكما / وأخشى فما أخشاه عندكما نَقْدُ
وما هو إلا واقع العَتْبِ منكما / وهل مثلُه حَبْسٌ وهل مثله جَلدُ
وما لِيَ من ذنب وإن براءتي / وعُذْرِيَ مما لا يُغَيِّبه الجَحْدُ
أتنبُو بيَ الدنيا على حين لينها / وقد سكن الزلزال وامْتُهِدَ المهْدُ
وقد ضم عَنْزَ الأهل والذئبَ مرتعٌ / وأصبح ظَبْيُ الرَّمْلِ صالحه الفهدُ
أمالي إلى أن تجمعا لي رضاكما / سبيلٌ ولا يجري بذلك لي سعدُ
أمالي إلى أن تغدوا صدرَ مجلسٍ / مساغٌ فلا يغدو ابن حظٍّ كما أغدو
هنالك تجري لي سُعوديَ كلها / فيحيا الشباب اللدْنُ والزمن الرغْدُ
تعاديتما والحْسنُ والطيب فيكما / كما يتعادى النرجس الغضُّ والوردُ
وما الحسن والطيب الذي قد حويتما / سوى فضْلِ أخلاق محامِدها سَرْدُ
وعلم وحلم لا يوازن بعضَه / شَرَوْرَى ولا رَضْوَى وعَرْوى ولا رقدُ
عذلتُكما عَذلِيْ وليس بجارح / فإن كان عذلاً جارحاً فهو القصدُ
له النخسةُ الأولى وينفع غِبَّهُ / وما زال مني نحو نفعكما صَمدُ
بُذُورُكُما فاستصلِحاها لتجْنِيا / صلاحاً إذا ما الرَّيْعُ حصَّلَهُ الحصْدُ
وإياكما والبغْيَ خِدْناً فإنه / ذميم دميم في أحاديث من يَندو
وعلمُكما بالرشد ما قد علمتما / ونحوكما نَصُّ المُشاوِرِ والوخدُ
وباللَّه ما مقدار دنيا تُنُوفِستْ / بمثْلٍ ولا عدلٍ لبعض الذي يبدو
وما أنا إلا ناصح مُتَحَرِّقٌ / بحبكما حتى يُشقَّ له اللحدُ
وما زُلتُ عن رأيٍ ولا حُلْتُ عن هوى / ولا قلتُ حتى قيل لي حجر صلدُ
وفدتُ وآمالي ومدحي عليكما / ولا عذرَ ما لم يَغْش وفدَكما وفْدُ
ويعطي فيكفي بدءُ جَدْواه عَودَها
ويعطي فيكفي بدءُ جَدْواه عَودَها / ألا هكذا فليَمنع اليومُ رِفْدَ غدْ
يعاقب ما أدنى العقابُ من التقى / ويعفو فلا يعفو قعوداً على ضَمَدْ
لبستَ سناه واعتليتَ اعتلاءه
لبستَ سناه واعتليتَ اعتلاءه / ونأمل أن تحظى بمثل خلودِهِ
وأقبَلت بحراً زاخراً في مُدُوده / على متنِ بحرٍ زاخرٍ في مدودِهِ
وأُقسمُ بالمُعْلِيكَ قدراً ورتبةً / لجَودُكَ بالمعروف أضعافُ جودِهِ
وما رفدُك المحمودُ من رفْد رافدٍ / تُعَدُّ عيوبٌ جمَّةٌ في رفُودِهِ
تذوبُ رفودُ البحر بعد جمودها / ومالَكَ رفدٌ ذاب بعد جمودِهِ
وأنت متى جُزْتَ الحدود نفعتنا / وكم ضرَّ بحرٌ جاز أدنى حُدودِهِ
وما زلت في كل الأمور تبزُّهُ / بما يعجز الحُسَّابَ ضبطُ عقودِهِ
وقد عرفَ البحرُ الذي أنا عارفٌ / فطأطأ من طغْيانه ومُرُوده
وأضحى ذَلولاً ظهرُه إذ ركبته / لمجدٍ يبيد الدهْرُ قبل بُيُودِهِ
ومن أجلك استكسى الشَّمَال برودَهُ / وأقبل مزفُوفاً بها في بُرُودِهِ
ولولاك لاستكسى الجنوبَ سلاحَهُ / فكان ورودُ الحرب دون ورودِهِ
ولكن رأى سعدَ الكواكب فوقه / فسار وديعاً سيرُه كركُودِهِ
فهنَّأك اللّه السلامةَ قادماً / برغم مُعادِي حَظِّكم وحَسُودِهِ
فهنَّأك اللّه الكرامةَ خافضاً / وفي كلِّ حالٍ يا ابن مجدٍ وعودِهِ
وبعد فإنِّي المرءُ أجديتُ قاعداً / ولم يجدِ قبلي قاعدٌ بقعودِهِ
وما ذاك إلا أنَّ أرْوَعَ ما جداً / وَفَى لي بعهدٍ من كريم عهودِهِ
على أنَّ عَتْبا منه حَوَّلَ حالتي / لبعض عُنُودي لا لبعض عُنُودِهِ
وكان مَحَلِّي في النجود بفضله / فبدَّلني أغوارَهُ من نجودِهِ
فهل قائل عني له متوسّلٌ / بلين سجاياه ومجد جُدُودِهِ
لعبدك حقٌّ بالتَّحَرُّم واجبٌ / أبى لك طيبُ الخِيم لؤمَ جحودِهِ
وفي جيده طوقٌ لنعماك لازِبٌ / أبى ربُّه إلا قيامَ شهودِهِ
وأنت الذي يأبى انحلال عقوده / وإن كان لا يأبى انحلال حُقُودِهِ
فَجَدِّدْ له نعمى بعفوٍ ونائلٍ / فما زلتَ أعْنَى سَيِّدٍ بمسودِهِ
وبشرى من البِشْرِ الجميل فلم يزل / يبشّر بالصبْح انبلاجُ عمودِهِ
خَصصتُ وأَثنى بالعموم ولم أكن / كصاحب نومٍ هبَّ بعد هجودِهِ
ولكنَّني بدَّأتُ أبلَجَ لم أزل / أقاتل أسباب الردى بجنودِهِ
بقيتم بني وهبٍ برغم عدوكم / وشدة بلواه وطول سهودِهِ
ولا برحت بيضُ الأيادي عليكُمُ / ومنكمْ مدى بيض الزمان وسودِهِ
دُفِعْتُمْ إلى مُلكٍ كثيرٍ سدُودُه / فعادت فُتوح الملك ضِعْفَيْ سُدودِهِ
بكيْدٍ لكم قد زايلته غُمُوده / يؤيِّدُهُ كيْدٌ لكم في غمودِهِ
وألفيتُمُ المرْعى كثيراً أُسُودُهُ / فأَنصفتُمُ خِرْفانه من أسودِهِ
ولم يركم أمرٌ طلبتُمْ صلاحه / تَكأَّدَكم ما دونه من كَئُودِهِ
فأعرض عنّا كلُّ شرٍ بوجهه / وأقبل وجه الخير بعد صدودِهِ
فزاد مُصَلِّينا بكم في رُكُوعه / زاد مصلينا بكم في سجودِهِ
ألا لا عدمنا طِبَّكُمْ وشفاءه / فقد بردت أحشاؤنا بِبَرُودِهِ
ولا عدم العرفُ الذي تصنعونه / مِداداً نُفُودُ البحر قبل نفودِهِ
إليكُمْ رأى الراجي مَشَدَّ قُتُودِهِ / وفيكم رأى الساري محطَّ قُتُودِهِ
أتاكم ولم يشفعْ فلقَّاه طَوْلُكُمْ / نسيئاتِ ما رَجَّاه قبل نُقُودِهِ
وقد كان تأميلُ النفوس مُقَيَّداً / فأطلقتُمُ تأميلَها من قيودِهِ
وأشكرُهُ شكرين شكراً لحاجة
وأشكرُهُ شكرين شكراً لحاجة / قضاها وشكراً أنها لم تُنَكَّدِ
قَضَى حاجتي سمحاً بها مُتَيَسِّراً / فَعَال امرىءٍ بالصالحات مُعَوَّدِ
وما ذاك بدعاً من أفاعيل ماجدٍ / له بيت مجدٍ في القديم وسُؤْددِ
فتى الصّلْحِ بل بغداذ بل سُرَّ من رأى / وما هو مما فوق ذاك بمُبعِدِ
لَعمري لئن دارتْ رحايَ بإذنه / صبوحاً برغم من أَعادٍ وحُسَّدِ
لقد أصبحت أرْحاء فكري دوائراً / له بفنونٍ من مديح مؤبَّدِ
وكل امرىءٍ يَبْقَى جميلُ ثنائه / وإن كان يمضي فهو مثلُ المُخَلَّدِ
فتى جاور النعماء حق جوارها / عفافاً وبرَّاً باللسان وباليدِ
فأضحى عليه ثوبها وهو سابغ / فلا زال منها في لبوسٍ مجدَّدِ
ويا حبَّذا النعماء ثوباً لمنعمٍ / وَصُولٍ كريمٍ في الكرامِ مرَدَّدِ
تردَّى عليها حَمْدَ حُرٍّ ولم تكن / لتكمُلَ إلا وهو بالحمد مُرتدِ
فإن طلبوها أو أفاضوا بذكرها
فإن طلبوها أو أفاضوا بذكرها / لقوا الهُون من حبْس طويل ومن جَلْدِ
وأنت ابن دَنِّ الخَلِّ في ظلِّ نعمة / وعيشٍ رقيقٍ مثل حاشية البُردِ
تُظاهر بين الخزِّ والوشْي تُرْفَةً / فيالك من سيف ويا لك من غمدِ
بنو هاشم رَجْلٌ وأنت مُجنَّبُ / لك الخيل تَرْدِي من كميت ومن وَرْدِ
بلغتَ سُكاك النجم عِزّاً وثروةً / بلا طائل إلا بِغُرْمُولكَ النَّهْدِ
رأيتُك عند الله أعظمَ زُلفَةً / من الأنبياء المصطفيْنَ ذوي الرُشْدِ
أولئك أُعطوا جَنَّةً بنسيئة / وأنت ابن دَنِّ الخلِّ في جنة النقدِ
لك الحمد مولانا وإني لَقائلٌ / لك الحمدُ عن نفسٍ تَقَاعَسُ بالحمدِ
وكيف تكون النفس بالحمد سمحة / على حالة تدعو إلى الكفر والجحدِ
غدت تَتَّقِيني بالخدود عيونها
غدت تَتَّقِيني بالخدود عيونها / وقد تتقيني بالعيون خدودُها
لئن نفرتْ مني الظباء لربما / يكون قريباً من سهامي بعيدُها
ليالي لا تنجو بنَبْلي خريدةٌ / وإن عزَّ حاميها وجمَّ عَديدُها
إذا ما رمتني ذاتُ دَلٍّ رميْتُها / بعين لها منها مُقِيدٌ يُقِيدُها
وليس بمتبولٍ كريم تَصيده / سهامُ الغواني تارة ويصيدها
ولكنما المتْبولُ من ليس بارحاً / على تِرَة منهنّ لا يسْتَقِيدُها
سقى اللّه أيام الوُشاة فإنها / هي الصالحات الطالعاتُ سُعودُها
هنالك صاحبتُ الشَّبيبةَ غضّةً / تنافسني بيضُ السوالف غِيدُها
وهل خُلَّةٌ معسولة الطعم تُجْتَنَى / من البيض إلّا حيث واشٍ يكيدها
مع الواصل الواشي وهل تَجْتَنِي يَدٌ / جَنى النحل إلا حيث نحلٌ يذودها
ليستخلِف الجهلُ النُّهَى في دياره / إذا استخلفت بِيضَ المفارق سُودُها
ألا إن في الدنيا أعاجيبَ جَمَّةً / وأعجبُها أن لا يشيب وليدُها
أرى الناس مخسوفاً بهمْ غير أنهم / على الأرض لم يقلبْ عليهم صعيدُها
وما الخسفُ أن تَلْقى أسافلُ بلدةٍ / أعالِيَهَا بل أن يَسُودَ عبيدُها
غدا النُّكْر بين الناس والربُّ واحد / كما كان والأحياء شتى عُبودُها
فيا ليتها من أمة صاح صائحٌ / بها صيحة فاسْتلحقَتْها ثمودُها
عَذيري من الدنيا تخيبُ سُعَاتُها / ويحظى بمنفوس الأحاظي قُعودُها
نظرتُ فما تنفك للدهر وطأة / شديدٌ على خَدِّ الكريم وَميدُها
فأما أيَاديه على كل حارضٍ / لئيمْ فتَتْرى لا يُمَنُّ مَزيدُها
أرى كل نعمى ذاتَ رَنْقٍ يَشوبها / سوى نعمة الخَلّال قلَّ حسودُها
على أنه بادي العبُوس كأنه / حديثة ثُكْلٍ قد توالت فُقودُها
وما ذاك إلا أن نفساً لئيمة / عليها من النعماء ثِقْلٌ يؤُودها
أمفترشَ النعمى التي لست كُفأها / وأكفاؤها هلْكى نيامٌ جُدُودُها
أتصبحُ موفوراً سليماً وهذه / قُرومُ بني العباس تخطِرُ صِيدُها
سأزهدُ في الدنيا الدنية كاسمها / فلم يبق أيْمُ اللّه إلا زهيدُها
وأنْصِبُ للأيام فيك عداوة / ولِم لا أعاديها وأنت سعيدُها
إذا ذل في الدنيا الأعزةُ واكتستْ / أذلَّتُها عزَّاً وسادَ مَسودُها
هناك فلا جادت سماء بِصَوْبها / ولا أمْرَعَتْ أرض ولا اخضرَّ عودُها
لعمري لقد نبهت ما اسْطَعْتُ هاشماً / لكشف المخازي لو يهبّ رقَودُها
ولا تبعدنْ من أكلة سبقتْ بها
ولا تبعدنْ من أكلة سبقتْ بها / يدا سابق في حَلْبة المجدِ مبعدِ
ولا كان في استبداده متعمداً / وما كنتُ في الإخلال بالمتعمدِ
خلا أن هذا البخْتَ يجري مبلّداً / بصاحبه طوْراً وغير مبلَّدِ
وينْدُر في الأحيان جِدَّ مُحَرَّرٍ / ويندر في الأحيان جِدُّ مُبَرَّدِ
فبُعْداً له من طالبٍ مُتمنِّعٍ / وسُحْقاً له من راغب متزهِّدِ
فلا يَبْعدِ الشبُّوطُ من متلبِّسٍ / ظِهارته الحسنى ومن مُتجَرِّدِ
إذا نَشَّ في سفُّوده عند نُضْجِهِ / وأخرج من سرباله المتوَرّدِ
فَتيٌّ رعى مَرْعىً بدجلة مُخْصِباً / أبى أن يراه رائدٌ غيرَ مُحْمِدِ
إلى أن أصابته من الدهر نوبةٌ / وقد صار أقصى مُنيةَ المتجَوِّدِ
فأصدره الصَّياد عن خير مَوْرِدٍ / وأورده الشَّوَّاءُ أخبثَ مورِدِ
وجاء به الحمَّالُ أطيبَ مطعَمٍ / إلى الطيِّب المِنْفاق غيْرِ المصرِّدِ
ويا حبذا إمعانُنا فيه ناضجاً / كما جاء من تَنُّورِه المتوقِّدِ
وإني لمشتاق إلى عَوْدِ مثله / وإن كنتُ أُبدي صفحة المتجلِّدِ
فهل يا أخي من مِنَّةٍ بتغمُّدٍ / فما زلت تسْدي منَّةَ المتغمِّدِ
وإن تك عَوْدَاتي قِباحاً فلم يكن / لمعتادِهِنَّ الذنبُ دون المعَوِّدِ
صفحتَ فعاودنا وطال دلالُنا / وكم مُسْتَذِمٍّ في ذُرا مُتحمِّدِ
فأنت شريكي في الذي قد جَنيته / وإن كنتُ عينَ الجارِمِ المتمرِّدِ
وقد أمَّلتْ نفسي لديك إقالةً / فهل ماجدٌ مستهدفٌ للمُمَجِّدِ
وكم قائلٍ في مثلها وهو طالبٌ / فهل ساقطٌ مستهدِفٌ لمفنِّدِ
وأنت امرؤ في ظل كل مُسَمَّحٍ / فَسَمِّحْ ونكِّبْ عن طريق المنكّدِ
وإن لا تكن لي سيداً في إقالتي / فلي من أبي العباس أكرمُ سَيِّدِ
وآنستُه فازداد نفراً كأنه
وآنستُه فازداد نفراً كأنه / وإيايَ ظَبي قد أحسَّ بصائدِ
لينكر ما أشكو بخلوة قلبه / وليس لشكْوى واجدٍ غيرُ واجدِ
ولَلكلْبُ خير منك لؤمك شاهدي
ولَلكلْبُ خير منك لؤمك شاهدي / بذلك دهري ما أُباعد شاهدي
جمعتَ خلال الشرِّ والعَرِّ كلها / وشُنعَ المخازي من طريف وتالدِ
فلو لم تكن في صلب آدمَ نطفةً / لخَرَّ لهُ إبليس أول ساجدِ
ولو كنت عيناً في الرجال وغُرَّةً / لكنتَ زنيماً شِنْتَ شين الزَّوائدِ
فكيف وقد حُزْتَ المعايب كلَّها / فلم تَتَّركْ منها نصيباً لواجدِ
رُقادَك لا تسهر إلى الليل ضلَّةً / ولا تَتجشَّمْ فيَّ حَوْك القصائدِ
أبي وأبوك الشيخُ آدم تَلتقي / مَناسبنا في مُلْتَقى منه واحدِ
فلا تَهجُني حسبي من الخزي أنني / وإياك ضمَّتنا ولادةُ والدِ
أما والقوافي المحكمَات لقد رعى / سَوام العِدا منه بأنكد رائد
تَظنَّوْهُ سَعْداناً مَريئاً فصادفوا / ذُعافاً وذِيفاناً وخَيم العوائدِ
وكم شاعرٍ غادرت تشبيب شعره / بكاءً على سلمى بعَوْلة فاقدِ
لَهتْ نفسُه عما مضى من شبابه / بإقلاع سلم أمسُه غيرُ عائدِ
إذا ذكر استغشاءه النومَ آمناً / جرت مقلتاه بالدموع الحواشدِ
ولِمْ لا يُبكِّي من يبيت كأنَّه / سَليمُ أفاعٍ أو سليمُ أساودِ
تهيج به من مبعث الفكر لوعةٌ / تُوكِّل عينيه برعي الفراقدِ
ما كرَّم اللّه بني آدمٍ / إذ كان أمْسى منهمُ خالدُ
واللّه لو أنَّهم خُلِّدوا / حتى يبيد الأبد الآبدُ
وسُخِّرَ البرُّ لهمْ مركَباً / والبحرُ أنَّى قصد القاصِدُ
ودوَّخُوا الجنَّ فدانتْ لهمْ / وأذعن العِفْريتُ والماردُ
وأصبح الدهرُ حفيّاً بهم / كأنه من برِّه والدُ
واستوت الأقدار في خُطَّةٍ / فليس محسودٌ ولا حاسدُ
ولم يكن داءٌ ولا عاهةٌ / فالعيش صافٍ شرْبُهُ بارِدُ
ودامت الدنيا لهم غضّةً / كأنها جارية ناهدُ
ما كُلِّفوا الشكر وقد ضمهم / وخالدُ اللْؤمِ أبٌ واحدُ
تُنادي رسومٌ كلَّ يوم محمداً
تُنادي رسومٌ كلَّ يوم محمداً / أيا لابسي قد طال عهدي فجدِّدِ
بَليتُ وأبليتُ الرجال وأصبحت / سنونٌ طوال قد أتتْ دون موْلدي
وضجَّت إلى الرحمن من نتن جِرْمه / ومن ذَفَرٍ في باطن الرفْغ واليدِ
وقالت له أيضاً مراراً كثيرة / أما حان إطلاق الأسير المقيَّدِ
فقال لها مهلاً رسومُ فما أنا / بمُعفيك منِّي أو أحُلَّ بمُلْحَدي
فقالت له هل أنت أيضاً مكفَّنٌ / إذ متَّ بي يا ابن البخيل المصرّدِ
فقال نعم ما إن تزالي قرينتي / إلى يوم بعث من ضريح وجلمدِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025