القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أبو حَيّان الأندَلـُسي الكل
المجموع : 149
عَلى مِثلِ هَذا الرُزءِ تَفنى المَدامِعُ
عَلى مِثلِ هَذا الرُزءِ تَفنى المَدامِعُ / وَتَقنى الهُمومُ الفادِحاتِ الفَواجِعُ
وَتُجنى ثِمارُ اليَأسِ مِن دَوحَةِ الرَدى / وَتُحنى عَلى الوَجدِ الطَويلِ الأَضالِعُ
مُصابٌ عَرانا لا مُصاب شَبيههُ / فِراقٌ بِلا رُجعى وَذِكرى تَتابعُ
وَتَقوى مَبانٍ كُنَّ بِالعلمِ آهَلَت / وَبالذكرِ وَالقُرآنِ فَهي بلاقِعُ
فُجِعنا بِما لَو صُوِّر العَقلُ كَانَّها / فَكامِلُهُ فَيضٌ عَلى الخَلقِ شائِعُ
فَلَم يُر إِلا ثاقِبُ الذهِنِ ذو حِجىً / صَبور عَلى بَلواه لِلّهِ خاشِعُ
فَتاةٌ غَدَت لِلشَمسِ أُختاً وَلَم تَكُن / لصون أَوجَبَتهُ الطَبائِعُ
منعمةٌ مَخدومَةٌ حفَّ حَولها / وَلا بُدَّ كُلٌّ حينَ تَأمُرُ طائِعُ
يَرِفُّ عَلَيها الحسنُ يَندى غَضارَةً / كَما اِخضَلَّ غُصنٌ في الخَميلَةِ يانِعُ
ملازمةٌ للحِجلِ تَتلو قُرآنَها / بِقَلبٍ يَعِي وَالطَرف بِالدَمعِ هامِعُ
وَيَبدو سَناها مِن خَصاصِ حِجالها / كَما لاحَ نورُ البَدرِ وَالنورُ ساطِعُ
فَما لَقِيت بُؤساً وَلا فُقدت غِنىً / وَلا راعَها يَوماً مِن الدَهرِ رائِع
وَتَلعبُ طوراً بِالنُضار وَتارَةً / بِدُرٍّ طَريٍّ لَم يُثَقِّبهُ صانِعُ
وَما أَعمَلَت يَوماً إِلى شُغُلٍ يَداً / سِوى قَلمٍ تَثنى عَلَيهِ الأَصابِعُ
تَخُطُّ بِهِ القُرآنَ وَالسِنَن الَّتي / أَتَت عَن رَسولِ اللَهِ وَالخَطُّ بارعُ
وَقَد نَشَأت ما بَين تَقوى وَمُصحَفٍ / فَلا الذكرُ مَقطوع وَلا الدين ضائعُ
وَما هَمُّها فيما النساءُ يَرَونَهُ / لِباس وَتَزيين وَخلّ يَباضِعُ
أَجَل هَمُّها تَحصيلُ أَجرٍ تُعِدُّهُ / لِيَوم معادٍ أَو كِتابٍ تُطالِعُ
تطالعُ تَفسيراً وَنَحواً مُلطفاً / وَفِقهاً وَتَأريخاً وَطبّاً تُراجِعُ
وَقَد قَصَدت إِكمالَ أَركانِ دينِها / بحجٍّ لِبَيتِ اللَهِ وَالقَصد نافِعُ
فَحجَّت وَزارَت خَيرَ مِن وطِئ الثَرى / نَبيٌّ كَريمٌ في ذوي الحَرم شافِعُ
وَلَمّا قَضى الرَحمَنُ إِنفاذ حُكمِهِ / وَكُلُّ الَّذي قَد حُمَّ لا شَكَّ واقِعُ
قَضَت نَحبَها شَرخَ الشَبابِ شَهيدَةً / وَلَم تَكُ مِمّن في الحِمامِ تُنازِعُ
وَلَكن بذهنٍ ثابِت قَد تَشهَّدَت / ثَلاثاً وَفاضَت وَهيَ فيهِ تُراجِعُ
وَلَم تَقضِ حَتّى قَد رَأَت مُستَقَرَّها / مِن العالمِ العُلوِيِّ وَالروح طالِعُ
وَكانَ لَها يَومٌ عَظيمٌ لِمَوتِها / فَأعولَ نِسوانٌ وَشُقَّت مَدارِعُ
وَكانَت قَد أَوصَت لا يُناعُ إِذا قَضَت / فَما قَبلت تِلكَ الوصاةَ السَوامِعُ
تَمشّى سَراةُ الناسِ ظُهراً أَمامَها / وَصلّوا عَلَيها وَالدُعاءُ مُتابَعُ
وَسارُوا أَمامَ النَعشِ حَتّى أَتَوا بِها / لِمنزِلِها وَالقَبرُ أَقبَح واسِعُ
وَلَما أَثارُوا بالمساحي بَدا لَهُم / تُرابٌ كَمثلِ الوَرسِ أَصفَرُ فاقِعُ
وَفاحَ أَريجُ المسكِ مِن جَنباتِهِ / كَأَنَّ بِهِ تجرَ اللطائِمِ واضِعُ
أَيا تُربَةً حلَّت نُضارُ قَرارها / سَقاكِ مِن الغَيثِ الهَوادي الهَوامِعُ
بَخِلتَ برَشحٍ مِن كِتابٍ مُمَزَّقٍ
بَخِلتَ برَشحٍ مِن كِتابٍ مُمَزَّقٍ / وَقَد كُنتَ تَسخو بِالهَوامِي الهَوامِعِ
وَدافَعتَني بِالرَدِّ إِذ كُنتُ سائِلاً / وَما كُنتُ لَما سَلتَني بِالمدافِعِ
أَعَرتُكَ تَسهيلَ الفَوائِدِ بُرهَةً / وَأَصبَحت في التَرشيحِ ظُلماً مُنازِعي
فَلي سَبقُ فَضلٍ قَد جُزيتُ بِضِدِّهِ / وَوصلَةِ وُدٍّ صِرتَ فيها مُقاطِعي
وَما كُنتَ تَدري ما الكِتابُ وَإِنِّما / وَشَى نَحوَك الواشي بِهِ وَهوَ خادِعي
تُنازِعني النَفسُ اللجوجُ طِلابه / فَقُلت لَها إِذ أَيأسَتني مَطامِعي
إِذا شافِعي فيهِ غَدا لي مانِعي / فَأَنى بِإدراكي لما عِند شافِعِ
وَرابِعَةٍ شَتّى المَذاهبِ ضَمَّهُم
وَرابِعَةٍ شَتّى المَذاهبِ ضَمَّهُم / نَدِيٌّ لأشتاتِ المسرّاتِ جامِعُ
نشنِّفُ أَسماعاً بِدُرٍّ بِمثلِهِ / تَتِيهُ عَلى سودِ المَآقي المَسامِعُ
وَتَنظِمُ مَنثوراً مِن الكَلِمِ الَّذي / هُوَ الدُرُّ لَكن لَم يُثَقِّبهُ صانِعُ
وَنادَمَنا ظَبيٌ نَصَبنا حَبائِلاً / لَهُ فَهوَ في تِلكَ الحَبائِلِ واقِعُ
يُدير لَنا مِن لَحظِهِ بابليَّةً / وَيَبسُطُ أُنساً للَّذي هُوَ طامِعُ
فَنهصُرُ مِنهُ الغُصنَ وَالغُصنُ مائِسٌ / وَنُبصِرُ مِنهُ البَدرَ وَالبَدرُ طالِعُ
وَلَولايَ أَضحى الظَبيُ للذئبِ طعمة / وَلَكِن حَماهُ اللَيثُ وَالذئبُ جائِعُ
يَوَدُّ بِأَنَّ اللَيثَ يَحظى بِعُلوِهِ / وَتَبقى لَهُ أَوراكُهُ وَالأَكارِعُ
فَقُلتُ لَهُ يا ذئبُ أَقصِر عَن الرَشا / فَإِنَّ الرَشا في غابَةِ اللَيثِ راتِعُ
أَيا لافِظاً بِالسِحرِ ها أَنا سامِعُ
أَيا لافِظاً بِالسِحرِ ها أَنا سامِعُ / وَيا ناثِراً للدُرِّ ها أَنا جامِعُ
لَقَد حُزتَ في شَرخِ الشَبابِ مَعارِفاً / وَحُزتَ مدىً لِلشَيبِ إِذ أَنتَ نافِعُ
مُبينُ بَيانٍ لَيسَ يَنفَكُّ دائِماً / بدائهُ مِنهُ تعتَرى أَو بَدائِعُ
إذا الناسُ قَد ضَنُّوا برُشحٍ مُصَرَّدٍ / فَمِن بَحرِهِ الطامي هَوامٍ هَوامِعُ
وَإِن قَدَحُوا يَوماً زِناداً لِفكرَةٍ / فَمِن فِكرَةِ الواري سَوارٍ سَوارِعُ
وَإمّا بَدا أَو فاهَ يَوماً فَأَعيُنٌ / إِلَيهِ وَأَسماعٌ سَوامٍ سَوامِعُ
يَروقك لَفظاً أَو يَروعُك مَنظَراً / فَأَعجِب بِهِ مِن رائِقٍ وَهوَ رائِعُ
غَدا مالِكي في الحُبِّ مَن هُوَ شافِعي / فللّهِ مِنهُ مالكٌ ليَ شافِعُ
جَميلٌ نَقيُ العِرضِ عَمّا يَشينُهُ / سِوى خِلسَةٍ للطَرفِ وَالطَرفُ خاشِعُ
وَما إِن يَضُرُّ البَدرَ إِن كُنتُ ناظِراً / إِلَيهِ وَقَد أَيأَسنَ مِنهُ المَطامِعُ
وَإنَّ مَقامَ الحبِّ عِندي ساعة
وَإنَّ مَقامَ الحبِّ عِندي ساعة / لسعدِكَ ملك الأَرضِ بَل هُوَ أَشرَفُ
يَجودُ بِأُنسٍ مَع حَديثٍ كَأَنَّهُ / جَنى النحلِ مَمزوجاً بِهِ مِنهُ قَرقَفُ
وَيَعرِفُ أَن قَد ذُبتُ مِنهُ صَبابَةً / وَما عارفٌ حباً كَمن لَيسَ يَعرِفُ
وَتَسري إِلى قَلبي لَطائِفُ أُنسِهِ / فَيَقوى بِذاكَ الأُنس من حَيثُ يَضعفُ
وَلَم أَرَ أَحلى مِن منادمةِ الهَوى / وَلا سيَّما إِن كانَ حُبُّك يُنصِفُ
فَنهصُرُ مِن ذاكَ القوام أَراكَةً / وَتلثُمُ خَدّاً فيهِ وَردٌ مُضَعَّفُ
أَرَى كُلَّ مَن يَهوى يَحِنُّ حَبيبُهُ / إِليهِ وَيُدنيهِ وَبِالوَصلِ يُسعِفُ
وَقَلبي أَراه لَم يَكُن قَطُّ مائِلاً / لِمحبوبٍ إلا وَهوَ يَجفُو وَيجنفُ
لأَكلُ الشَعيرِ وَاقتناءُ المَعارِفِ
لأَكلُ الشَعيرِ وَاقتناءُ المَعارِفِ / أَلذُّ مِن السَلوى وَلِبسِ المَطارِفِ
وَإِنّي لمُستغنِ بعلمٍ جَمَعتُهُ / وَهَيهاتَ ما يُغني تَليدي وَطارِفي
وَأَغيَدَ طاوِي الخَصرِ رَيّانَ ما حَوَت
وَأَغيَدَ طاوِي الخَصرِ رَيّانَ ما حَوَت / مآزِرُهُ كَالغُصنِ ينآدُ في الحتفِ
أُقبِّلُهُ بِالوَهمِ منّي وَلَو دَنا / إِليّ حَبيبي كُنتُ قَبَّلتُ بِالخَطفِ
يَزيدُ عَلى مَرِّ الزَمانِ مَلاحَةً / فَكالشَمسِ في مَبدى وَكَالبَدرِ في نصفِ
حَبيبٌ بَعيدُ الغورِ قاسٍ فُؤادُهُ / وَلَكنَّهُ قَد لانَ بِاللَفظِ وَاللُطفِ
فَلا وَصلَ إِلا بِاختلاسةِ نَظرَةٍ / تَزيدُ بِها بَلوايَ ضعفاً عَلى ضَعفِ
لَهُ أَينَعَت أَيكُ العُلومِ فَإِن ترِد
لَهُ أَينَعَت أَيكُ العُلومِ فَإِن ترِد / جَناها مَتى ما شاءَ يَهمِ وَيَقطِفِ
تنوَّعَ في الآدابِ يُبدي معانيا / يُعبِّر عَنها بِالكَلام المُثَقَّفِ
كَلامٌ لَهُ سَهلُ المناحِي لَطيفُهُ / وَقَد صانَهُ عَن كُلفَةِ المُتَعَسِّفِ
تَنَزَّهَ عَن حوشيِّ لَفظٍ وَرذلهِ / وَبُرِّئَ مِن تَعقيدِهِ وَالتَعَجرُفِ
فَما رَوضَةٌ غَناء غبَّ سَمائها / وَقَد جادَها طَلٌّ بِأَسحَمَ أَوطفِ
وَقَد شَرَقت يُوحٌ عَلَيها فَأَشرَقَت / بِنوّارِها كَالوَرد تَحتَ التَسجُّفِ
فَيُونِع مِنها كُلُّ ما كانَ قاحِلاً / فَيَختالُ في بَردِ الشَبابِ المُفَوَّفِ
بِأَحسنَ مِما قَد وَشَتهُ أَنامِلٌ / لَهُ في حَديثِ المُصطَفى أَو بِمُصحَفِ
له خُلُقٌ كَالماءِ لُطفاً شَرابُهُ / غَدا سائِغاً لِلوارِدِ المُتَرَشِّفِ
جَميلُ المحيّا مُستَنيرٌ كَأَنَّما / مَحاسِنُهُ تُشتَقُّ مِن حُسنِ يُوسُفِ
عَليمٌ بِأَعقابِ الأُمورِ كَأَنَّما / يُشاهِدُها بِالفِكرِ مِن عِلم آصِفِ
حَليمٌ عَن الجاني صَفوحٌ كَأَنَّما / تحلُّمُهُ يَمتدُّ مِن حُلمِ أَحنَفِ
وقورٌ فَما أَن يَستقرَّ كَأَنَّما / رَزانَتُهُ مِن شامِخٍ متكَنِّفِ
إِذا ذُكِرَت أَوصاف أَحمدَ في الوَرى / ثَمِلنا كَأَنّا قَد ثَمِلنا بِقَرقَفِ
لَقَد غاصَ في بَحرٍ مِن العلمِ زاخرٍ / فَأَخرجَ دُرّاً يَنتَقِيهِ وَيَصطفِي
وَمَن يَكُ تاجاً لِلمَعالي فَإِنَّهُ / يزين اللآلي بِالثَناءِ المُضَعّفِ
ثَناء أَريجِ المِسكِ شَنف مَسامِعٍ / وَذكر لأَفواهٍ وَمسك لآنفِ
وَلما رآهُ الدَهرُ مَلكاً مُعَظَّماً
وَلما رآهُ الدَهرُ مَلكاً مُعَظَّماً / رَماهُ بِأَمرٍ فَاتَّقاهُ بِأَنفِهِ
وَلو غَيرُهُ يُرمى بِما كانَ قَد رَمى / لَولّى سَريعاً وَاتقاهُ بِرِدفِهِ
كَذا الباسلُ الضِرغامُ في الحَربِ إِنَّما / يُصابُ بِوَجهٍ لا يُصابُ بِخَلفِهِ
بروحي الَّتي زارَت بليلٍ فَقابَلَت
بروحي الَّتي زارَت بليلٍ فَقابَلَت / عُيوناً بَراها السُهدُ وَالأَعيُن الوُطفِ
فَعاجَلتها باللثمِ عِظماً لردفِها / وَعالجتُها باللِينِ مِنّي وَبِاللُطفِ
وَقُلتُ أَرى وَرداً بِخدِّكِ ذابِلاً / أَلا فإذني باللَثم فيهِ وَبِالقَطفِ
وَعِطفاً تَثنّى ناعِماً ذا لُدُنَّةٍ / فَما بِالُه لا يَنثَني لي بِالقَطفِ
لَجَمَّعتُ بَدراً وَالنَقا وَأَراكةً / بنورِ المُحيّا مِنكِ وَالرِدفِ وَالعِطفِ
وَلما رَأت ما بي وَأَطربَ سَمعَها / نسيبيَ فيها قبَّلتني بِالخَطفِ
فَيا لَكِ مِنها قُبلةً لَو تمكَّنت / لَقَد كانَ بردُ الريقِ حَرَّ الحَشا يطفي
وَولَّت فَأَبقَت في فُؤادي وَمُقلَتي / جَحيماً وَدَمعاً لا يَمَلُّ مِن النَطفِ
تَمتَّع بِهِ لَدنَ المَعاطفِ أَهيفا
تَمتَّع بِهِ لَدنَ المَعاطفِ أَهيفا / يَسقيكَ من عَذبِ المَراشفِ قَرقفا
هُوَ الشَمس لَكن لَيسَ فيهِ تَأنُّثٌ / هُوَ البَدرُ إِلا أَنَّه لَيسَ أَكلَفا
تَولَّدَ بَينَ التُركِ في مِصرَ فاحتَوى / إِلى لُطفِهِ حُسنا حَكى فيهِ يُوسُفا
مجَذَّبُ لَحظٍ جاذِبٌ لِقُلوبِنا / وَليِّنُ لَفظٍ قَلبُهُ أَشبَهَ الصَفا
رِياضُ جَمالٍ وَجهُهُ فَلذا تَرى / بِهِ نَرجِساً غَضّاً وَوَرداً مُضَعَّفا
يُحارِسُهُ مِن رائِدِ القَطفِ أَرقمٌ / مِن الشَعرِ ما يَهتَزُّ إِلا لينقفا
مَحاسِنهُ تَكفيهِ حَملَ سِلاحِهِ / أَلَم تَرَ ما في القَلبِ أنفَذ مَصرِفا
فَمِن لَحظِهِ الوسنانِ سَلَّ مُهنَّداً / وَمِن قَدِّهِ الفَينانِ هَزَّ مُثَقَّفا
نعِمنا بِهِ ضَمّاً وَشَمّاً وَلَم نُبَل / أَجارَ زَمانٌ مع سِوانا أَم أنصفا
وَما العَيش إِلا خُلسَةٌ مِن محجَّبٍ / يُبيحُكَ ما تَهوى عِناقاً وَمَرشَفا
هفَّ لبرقٍ بِالحمى قَد هَفا
هفَّ لبرقٍ بِالحمى قَد هَفا / وَما اِختَفَت أَسرارُهُ مُذ خَفى
غَيرانُ حَتّى مِن نَسيمِ الصَبا / سَكرانُ لَكن مِن لمى أَهيَفا
كَالشَمسِ لَكن إِنَّما وَجهُهُ / لفَرطِ حُسنٍ فيهِ لَن يَكسِفا
عَربدَ مِنهُ طَرفُه وَهوَ لا / يَشربُ حاشى دينه قرقفا
لَكنَّ رَيّا ريقِهِ قَد سَرَت / مِنهُ لطَرفٍ قَد حَكى مُرهَفا
سَقُمتُ مِن سُقمٍ بِأَجفانِهِ / مازالَ يَعدي مدنفٌ مدنفا
أَسمرُ قَد هَزَّ لَنا أَسمَراً / بِنارِ خَدٍّ مِنهُ قَد ثقّفا
أَثمرَ أَعلاهُ هِلالاً وَقَد / كادَ لثِقلِ الرِدفِ أَن يقصَفا
لَقَد غِبتَ سِتّاً بَعد عَشرٍ وَإِنَّني
لَقَد غِبتَ سِتّاً بَعد عَشرٍ وَإِنَّني / لَفي كُلِّ وَقتٍ مسمعِي يَتَشَوَّفُ
إِذا قالَ إِنسانٌ نَعَم قُلتُ شَيخنا / وَمَن بِلقاهُ في الدُنا نَتَشَرَّفُ
أَلَم تَدرِ أَن للعينِ سِرّ تَطَلُّع / يَشِفُّ عَلى سِرِّ الضَميرِ وَيَلطُفُ
هَنيئاً بِتأَليفٍ غَريبٍ نِظامُهُ
هَنيئاً بِتأَليفٍ غَريبٍ نِظامُهُ / لَقَد حارَ في أَوصافِهِ نظمُ عارِفِ
غَدَت شَمسَ حُسنٍ بنتُ بَدر سِيادةٍ / تُزَفُّ لِبَدرٍ نجلِ شَمسِ مَعارِفِ
سميّانِ للطُهرِ البَتولِ وَللرِضا / عَلىٍّ وَنَجلا الأَكرمينَ الغَطارِفِ
فَدامَ عليّ عاليَ الجَدِّ سَيِّداً / وَلا زالَ في ظِلٍّ مِن العَيشِ وارِفِ
وَساعَةِ أُنسٍ قَد قَطَعتُ قَصيرَةٍ
وَساعَةِ أُنسٍ قَد قَطَعتُ قَصيرَةٍ / كَرَجعَةِ طَرفٍ أَو كَنُغبَةِ خائِفِ
حَوَت مَجلِساً فيهِ المُنى قَد تَجمَّعت / غناءٌ لِذي سَمعٍ وَكَأسٌ لِراشِفِ
وَصورةُ حُسنٍ لَو تَبَدَّت لِراهِبٍ / لأنستهُ ما في هَيكَلٍ وَمصَاحِفِ
غَريبةُ حُسنٍ بِدعَةٌ في جَمالها / لَطيفةُ مَعنىً فيهِ كُلُّ اللَطائِفِ
وَما كُنتُ أَدري أَنَّ للشَمس ضرَّةً / إِلى أَن رَأَيتُ الشَمسَ ذاتَ السَوالِفِ
أَلا فاغرُبي شَمسَ النَهارِ فَإِننا / غَنينا بِشمسٍ نورُها غَيرُ كاسِفِ
وَيا بدرُ كُم قَد شبَّهوكَ بوجهها / لَقَد غَلِطوا ما مشرقٌ مثلَ خاسِفِ
وَيا غُصنُ كَم تَحكي اِعتِدالَ قَوامِها / حَكيتَ وَلَكن أَينَ ثقلُ الرَوادِفِ
هُوَ الحسنُ حُسن التركِ يَسبي الوَرى لُطفا
هُوَ الحسنُ حُسن التركِ يَسبي الوَرى لُطفا / وَيعطِفُ سالي القَلبِ نَحوَ الهَوى عطفا
يدِرنَ مِن اللُخصِ السَواجي مُدامَةً / فَللّهِ ما أَحلى وَلِلّهِ ما أَصفى
وَيَنصُبنَ مِن هُدبِ المآقي حَبائلاً / فَكَم أَنفُسٍ أَسرى لَدى المُقلَةِ الوَطفا
وَبي قَمَرٌ مِنهُم تَبدّى فَأَصبحت / مَنازِلُهُ مِن جِسمي القَلبَ وَالطَرفا
حَكى الشَمسَ وَجهاً وَالغَزالَ التَفاتَة / وَدِعصَ اللوى رِدفاً وَغُصنَ النَقا عِطفا
أَبدرَ بَني خاقانَ رِفقاً بِعاشِقٍ / بَراهُ الهَوى حَتّى لَقَد كادَ أَن يَخفى
وَقَد عُدتَني يَوماً فعِدني بِمثلِهِ / لَعلي مِن الأَوصابِ إِن زُرتَني أَشفى
تَداوى أُناسٌ بِالبِعادِ فَما شَفُوا / وَلا شَيء أَبرا مِن وِصالٍ وَلا أَشفى
وَما أَنسَ لا أَنسى زيارَةَ مالِكي / أُلاحِظُ مِنهُ البَدرَ وَالغُصنَ وَالكَشفا
هَصَرتُ بِذيّاكَ القَوامِ أَراكَةً / وَأفنيتُ تلكَ الراحَ مِن ريقِه رَشفا
أَيا ذَهبيَّ اللَونِ روحيَ ذاهِبٌ / فرِفقا بِهيمانٍ عَلى المَوتِ قَد أَشفى
حَكى من أحب المسكَ لَوناً وَنَفحةً
حَكى من أحب المسكَ لَوناً وَنَفحةً / لِذَلك أَضحى وَهوَ فينا مُشَرَّفُ
وَقَد لَبِسَت بُرداً سَوادَ قُلوبِنا / أَلَم تَرَها أَضحَت عَلَيها تُرَفرِفُ
وَمالَت إِلَيها العَينُ إِذ هِيَ شِبهها / فَلَيسَ لَها عَنها مَدى الدَهرِ مَصرِفُ
وَنُبِّئتُ مَن أَهواهُ قَيَّد أَدهَماً
وَنُبِّئتُ مَن أَهواهُ قَيَّد أَدهَماً / صَمَودا وَلَكن إِن مَشى هُوَ ناطِقُ
أَيا عَجَباً هَذا الحَديدُ يُحِبُّهُ / عَلى قُسوَةٍ فيهِ فَكَيفَ الخَلائِقُ
أَمِن حارةِ البَرقيَّةِ التاجَ بارِقٌ / وَناجاكَ طَيفٌ في الدُجُنَّةِ طارِقُ
تَشوقُكَ رُؤياها فَهَل أَنتَ ناظِرٌ / وَيَعبِقُ رَيّاها فَهَل أَنتَ ناشِقُ
مَطالِعُ أَقمارٍ وَغابُ ضراغِمٍ / تُشَدُّ عَلى الحرصانِ مِنها المَناطِقُ
وَمَسرَحُ غِزلانٍ وَمَسرى أَهِلَّةٍ / لَهُنَّ مَراعٍ في الحَشا وَمَشارِقُ
تَجُرّ قُدودُ العِينِ فيها ذَوابِلاً / وَتَجري خُيولٌ للتَصابي سَوابِقُ
تَمَلَّكني بِالحارةِ الأَحورُ الَّذي / غَدا ساكِناً بِالقَلبِ وَالقَلبُ خافِقُ
غَزالٌ رَخيمُ الدَلِّ أَحوَرُ أَهيفٌ / غَريبُ جَمالٍ فائِقُ الحُسنِ رائِقُ
كَأَنَّ مِن البِلَّورِ قَد صيغَ جِيدُهُ / وَقَد صُبِغت مِن وَجنَتَيهِ الشَقائِقُ
وَمِن لَدنِ عِطفَيهِ وَسَهمِ لِحاظِهِ / يَهِف إِلى قَتلي رَشيقٌ وَراشِقُ
وَمِن دَمِ قَلبي في تورُّدِ خَدِّهِ / وَلاعجِ أَشواقي شَهيدٌ وَسائِقُ
مَليحٌ مَصونُ الحسنِ عَما يَشينُهُ / وَقَد زانَ حُسنَ الخَلقِ مِنهُ الخَلائِقُ
وَلي زَمَنٌ أَهواهُ وَالقَلبُ كاتِمٌ / فَهَل هُوَ يَدري أَنَّني فيهِ عاشِقُ
وَلا وَصلَ مِنهُ غَير خِلسَةِ ناظِرٍ / أُسارِقُهُ إِن لاحَ فيمَن يُسارِقُ
لِساني كَتومٌ لِلهَوى وَجَوارِحي / بِحُبِّ الَّذي قَد حَلَّ فيها نَواطِقُ
وَلَم أنسَهُ إِذ قالَ يَوماً مُجاوِباً / لِمَن قالَ هَذا الحسنُ مَولاي فائِقُ
لأَحسنُ شَيءٍ فيّ عَيناي إِنَّها / سهامٌ روامٍ للقُلوبِ رَوامِقُ
أَيا مَلِكَ الأَتراكِ إِن قُلوبَنا / إِلَيكَ صَوادٍ في هَواكَ صَوادِقُ
فَمُنَّ عَلَيها وَانقَعَنَّ غَليلَها / بِوَصلٍ فَإِنَّ الوَصلَ للهَجرِ ماحِقُ
تَلافَ تَلافَ العاشِقين فَإِنَّهُم / لَهُم أَنفسٌ ذابَت وَدَمعٌ يُسابِقُ
أَعَين حَياتي وَالَّذي بِبَقائِهِ
أَعَين حَياتي وَالَّذي بِبَقائِهِ / بَقائي لَقَد أَصبَحت نَحوَك شَيِّقا
أَقَمتَ بِقَلبي غَيرَ أَنَّ لِمُقلَتي / بِرُؤيتكَ الحَظَّ الَّذي يُذهِبُ الشَقا
وَما كانَ ظَنّي أَنك الدَهرَ تارِكي / وَلَو أَنَّني أَصبحتُ بَينَ الوَرى لَقا
لَطائفُ مَعنىً في العِيان ولَم تَكُن / لِتُدرك إلا بِالتَزاوُرِ وَاللِقا
وَيَوماً قَطَعناه سُروراً وَلَذَّةً
وَيَوماً قَطَعناه سُروراً وَلَذَّةً / نُجاذِبُ أَطرافَ الحَديثِ المُنَمَقِ
ندامى وَفاءٍ لا جَفاءَ لَديهمُ / مَكارِمُهُم خَلقٌ بِغَيرِ تَخَلُقِ
قَد ارتَضعوا كَأسَ الوفاقِ فَلا تَرى / خِلافاً لَدَيهم في فَعالٍ وَمَنطِقِ
صَفَفنا حَوالي بُركَةٍ راق ماؤُها / وَرَقَّ كَأَخلاقٍ لَنا لَم تُرَنَّقِ
سَبَحنا بِها عَوماً فَغارَت لِسِبحنا / إوَزٌ فَفاتَتنا تَصيحُ وَتَلتَقي
وَناعورةٌ تَحكي بِطولِ بُكائها / وَرَنَّتِها صَبّا كَثيرَ التَشَوُّقِ
لَئِن ضاقَ مِنها الجفنُ مِن عَبَراتها / فَأَضلاعُها عَن دَمعِها لَم تُضَيَّقِ
بَكَت فَأَرَتنا الدَهرَ يَضحكُ إِذ بَكَت / وَناحَت فَأَزرَت بِالحَمامِ المطَوَّقِ
وَقَد ضَمَّنا وَسطَ الرِياضِ مُكَعَّبٌ / كَطَوقٍ بِجيدٍ أَو كَتاجٍ بِمِفرَقِ
تُطالِعنا الشَمسُ المُنيرةُ لَحظَها / مسارقةً مِنها تَطلُّع شَيِّقِ
وَتُلقي عَلَينا مِن شَبابيكِ نورها / شُعاعاً يحاكي نَقشَ بُردٍ مُنمَّقِ
إِذا ما التقَى بالماءِ مِنها شُعاعُها / تَأَلَّق بِالحِيطانِ أَيّ تَأَلُّقِ
فَيَرقُصُ مِنها الظِلُّ في جُدراتها / إِذا الماءُ أَضحى بِالصبا ذا تَرقرُقِ
وَغابَت فَباتَ البدرُ يَحرُسُنا لَها / رَقيباً عَلَينا مِن حذارِ التفرُّقِ
لَئن جُذِبَت قَسراً إِلى نَحو مَغرِبٍ / فَعَمّا قَليلٍ سَوفَ تَبدو بِمشرِقِ
فَيا عَجَباً للنَيِرينِ تَشوّقا / إِلَينا وَمن نَهواهُ لَم يَتَشَوَّقِ
وَلا عَجَبٌ وَالشكلُ يَشتاقُ شَكلَهُ / وَيُضحي بِهِ وَجداً شَديدَ التَعلُّقِ
لَنا مَجلِسٌ فيهِ نَدامى كَأَنَّما / سُقُوا بِكُؤوسِ الودِّ غَيرِ المُرَنَّقِ
كَواكبُ أَضحى في الأَثير مَقَرُّها / وَللشرفِ الأَعلى تَسيرُ وَتَرتَقي
إِذا نَفحةٌ قُدسِيَّةٌ شَرَفِيَّةٌ / تَهبُّ شَمَمنا عَرفَ مِسكٍ مُفَتَّقِ
وَمَهما تَنازَعنا كُؤوسَ حَديثِها / سَكِرنا بِأَشهى مِن رَحيقٍ مُعَتَّقِ
مُحادَثةٌ تَسبِي العُقولَ وَصورة / تَمامٌ فَبُغيا سامِعٍ أَو مُحَدِّقِ
حَوى شرفُ الدينِ المَكارمَ كُلَّها / فَقُل ما تَشا فيهِ مِن الخَيرِ تَصدُقِ
لَقَد جُبِلَت مِنهُ السَجايا عَلى فَتىً / أَمَدَّ بِإِحسانٍ وَأَوفى بِموثَقِ
يُقيِّدُ آمالاً بِمالٍ مُسَرَّحٍ / وَيَجمَعُ خِلّانا بجُودٍ مُفَرَّقِ
وَيُشفِقُ أَن يَلقى صَديقاً مُعاتِباً / وَلَيسَ عَلى جَمعٍ لِمالٍ بِمُشفِقِ
يَزيدُ عَلى الإِقلالِ مِنهُ سَماحَةً / وَيُغضي حَياءً عَن سَفاهَةِ أَخرقِ
فَلَيسَ الَّذي يُؤذِي عِداهُ بِمنجَحٍ / لَدَيهِ وَلا باغي جَداهُ بِمخفِقِ
وَنِسبتُهُ للقُدسِ أَيَّةُ نِسبَةٍ / تَدُلُّ عَلى التَطهيرِ مِن كُلِّ موبِقِ
إِمامَتُهُ في العلمِ ثابِتَةٌ لَنا / بنصٍّ وَإِجماعٍ ورَأيِ المُدَقِّقِ
تُناجيهِ نَفسٌ بِالعلومِ وَغَيرُهُ / يَلوذُ بِتَجميعِ الكَلامِ المُلَفَّقِ
وَقَد نُقِشَت كُلُّ العُلومِ بِصَدرِهِ / فَأكرِم بِحبرٍ نَيِّرِ النَفسِ مُشرِقِ
وَقابَل مِنها الجنسُ مرآةُ عَقلهِ / فَمثل فيها كُلَّ نَوعٍ مُحقَّقِ
بَديهَتُهُ أَعيَت رَوِيَّةَ غَيرِهِ / وَفكرَتُهُ قَد أَعجَزَت كُلَّ مُفلقِ
بَنانٌ بِهِ يَبدو البَيانُ مُوشَّعا / بِمُظلِم نَقشٍ وَسطَ نَيرٍ مُهَرَّقِ
بِنظمٍ كَزُهرٍ في المَجرة سُبَّحٍ / وَنَثرٍ كَزَهرٍ غبَّ أَو كَف مُغدِقِ
وَذِهنٍ كَأَنَّ النارَ مِنهُ تَوَقَّدَت / فَلَولا نَداهُ كانَ من يَدنُ يُحرَقِ
وَجُودٍ كَأنَّ السُحبَ مِنهُ تَعَلَّمَت / فَلولا ذكاء كانَ مَن يُعطَ يَغرَقِ
رَسا فَكَأنَّ الطَودَ يَحكي ثَباتَهُ / همى فَكَأنَّ الجودَ بِالبَحرِ مُلتَقِ
إِذا عَصَتِ الناس القَوافي فَإِنها / تُطاوِعُهُ فيما يَشاءُ فَينتَقي
وَإِن راجَعَ الناسُ الدَفاتِرَ لَم يَكُن / يُراجعُ إِلا فِكرهُ ذا التَدفُقِ
وَإِن أَصلَدُوا يَوماً زِناداً فَإِنَّهُ / لَيُوري بِها نارَ الذَكاءِ المُحَرِّقِ
فَلا مُشكلٌ إِلا بَدا غَيرَ مُشكِلٍ / وَلا مُغلَقٌ إِلا غَدا غَيرَ مُغلَقِ
فَصيحُ مَقالٍ حينَ يَخرَسُ قسُّهُم / فَسيحُ مَجالٍ إِن يَحِلُّوا بِمأزِقِ
يَسهِّل ما قَد كانَ حَزنا وَطالَما / أَجَدَّت لَنا آدابُهُ كُلَّ مُخلَقِ
إِذا تُلِيَت في الناسِ آيُّ محمدٍ / تَرى كُلَّ ذي سَمعٍ مَتى يُصغِ يُطرِقِ
وَيَأتي مِن النَظمِ البَديعِ بِمُعجزٍ / يَطيحُ لَدَيهِ نَظم كُلِّ مُخرِّقِ
وَكانَ ابنُ مُوسانا عليٌّ مُؤيداً / أَتى بشذورٍ لحنَ كَالجَوهَرِ النَقي
وَأَبدَعَها في العالمينَ فَرائِداً / جَمَعنَ إِلى الإِبداعِ حُسنَ التَأنُّقِ
وَكانَ بِها نَقصٌ فَجاءَ مُكمِّلا / لِذاكَ ابنُ موسى بِالكَلامِ المطَبَّقِ
تَشابَه نَظماً إِذ حَكاه كَأَنَّهُ / جَريرٌ وَقَد بارى نِظامَ الفَرَزدَقِ
فَإِن لا يُكنهُ فَهوَ لا شَكَّ صِنوُهُ / لقي في هَوى لَيلى كمثلِ الَّذي لَقي
أَقاما لَها في الذهنِ أَبدَعَ صورَةٍ / لَطيفةِ مَعنىً رائِقِ اللَفظِ مونقِ
وَقَد حَجباها ضِنَّةً أَن يَنالَها / فَتى غَيرُ أَهلٍ للندى وَالتَصدقِ
وَكَم أَرِقا فيها التِذاذاً وَأَرَّقا / وَمَن يَعشَقَن لَيلى يُؤرِّق وَيأرقِ
وَما اِدَّعيا فيها وَلَكن كِلاهُما / سُقي مِن هَوىً لَيلاً بِراحٍ مُوَرّقِ
فراقَ لَها وَقتٌ وَقَد لاحَ نورُها / مِن أَندلسٍ لِلقُدسِ تَسري وَتَرتقي
لَقَد بطَنَ الأَمرُ الَّذي هُوَ ظاهر / لِليلى فَأَصبت ذا السَعادةِ وَالشَقِي
فَكَم مُعسِرٍ قَد آيَسَتهُ وَلَم يَصِل / وَكَم مذهَب قَد فَلَّسَته وَمُورِقِ
رَأى قَمراً قَد صارَ شَمساً فَغَرَّهُ / تنقُّلُ لَونٍ في صَفاءٍ وَرونقِ
وَما ذاكَ إِلا حُمرةُ الخجلِ الَّتي / تَزولُ عَلى قُربٍ بسَيرٍ وَمَيلَقِ
وَما أَنا في لَيلى وَلا ابني وَلا ابنُهُ / نَظيرَ عليٍّ أَو محمدٍ التَقِي
عليٌّ لَهُ شِبهٌ بِخُلق محمدٍ / أَخُوه بِلا شَكٍّ سُقي فَضلَ ما سُقِي
وَإِنَّ عَليّاً مِن محمدٍ الرَضِي / كَهارونَ مِن مُوسى حَديث المنطقِ
وَكَم مِن يَدٍ بَيضاءَ جاءَ لَنا بِها / فَأَغنى ابنُ موسى كُلَّ أَغبرَ مُملِقِ
أَيا دَوحَةَ الفَضلِ الَّتي طابَ أَصلُها / وَمَدَّت عَلَينا ظِلَّ فَينان مُورِقِ
لَقَد عَمَّ مِنكَ الجودُّ ناساً وَخَصَّني / فَها أَنا عَن تَقييدِهِ غَيرُ مُطلَقِ
يَظُنُّ الأُلى قَد عاصَروكَ بِأَنهم / حَكَوك لَقَد خابَت ظُنون المُصدِّقِ
وَما ثمدٌ بادي الحَصاةِ بِمُشبِهٍ / لِبَحرٍ زَخورٍ بِالمَعارفِ مُتأَقِ
فَذاكَ دَعِيٌ في المَعارفِ جاهِلٌ / وَذو نَسَبٍ بَينَ الأَفاضِلِ مُلصَقِ
يَرى البُخلَ مَدحاً وَالتَرافُعَ رِفعَةً / فَأَحسِن بِهِ مِن أَشدَقٍ مُتَفَيهِقِ
أَما لاحَظُوا مِنكَ التَواضُعَ شيمَةً / وَسُحبَ النَدى كَالعارِضِ المُتأَلِّقِ
وَردت النَدى زُرقَ الحمامِ وَحلَّقوا / عَلَيهِ وَما ذو الوَردِ مثلَ المُحَلِّقِ
فَخُذ مِن نَصيرٍ مدحَةً في محمَّدٍ / وَدَع قَولَ أَعشى في جِفانِ المُحَلّقِ
أَنفتُ عَلى صَحبي بِمَدحِي لَكم وَقَد / أَنِفتُ لَهُم عَن مَدحِ كُلِّ مُرهقِ
أَتَتني المَعاني العُقمُ وَالكَلِمُ العُلى / وَجاشَت بِصَدري فَيلَقاً بَعدَ فَيلَقِ
فَفَكَّرتُ وَهناً أَيُّها أَنا ناظِمٌ / وَسامرتُها أَختارُ مِنها وَأَنتَقِي
أجانِبُ وَحشِيّاً كَثيفاً سَماعُهُ / وَأَجنُبُ إِنسِيّاً لَطيفَ التَرَفُقِ
إِذا ما مَضى بَيتٌ تَلاهُ نَظيرُهُ / سَريعاً وَإِن لَم أَدعُ آخرَ يَلحَقِ
فَلا الفِكرُ مَكدودٌ وَلا الشعرُ غامِضٌ / وَلَكنَّهُ كَالبَحرِ إِن يطمُ يَفهَقِ
كَأنَّ القَوافِي قَد عَلِمنَ بِمَن لَهُ / يُنَظّمنَ فَانثالَت وَمَن يَقوَ يَسبُقِ
بَرَزنَ لَنا دُرّاً نثيراً وَإِنَّما / يَزينُ اللآلي النظم بَعدَ التَفَرُّقِ
أَجَدتُ نِظامَ الشعرِ حَتّى كَأَنَّني / لِجودَتِهِ مِن بَحرِ عِلمِكَ أستَقِي
وَما جادَ هَذا النُطقُ إِلا لأَنَّهُ / تَضمَّنَ أَوصافَ الجَوادِ المنطقِ
وَإِني وَإهدائي لَكَ النظمَ كَالَّذي / يَجيءُ برَشحٍ نَحوَ ذا ماء مُغرِقِ
برَوعي أَضحى روحُ قُدسِكَ نافِثا / وَبِالروح مني نَحوَ عَلياكَ قَد رقِي
لَحا اللَهُ دَهراً لَم يَنَل فيهِ فاضِلٌ / مِن الخَيرِ إِلا فَضلَ عَيشٍ مُرَمَّقِ
زَمانٌ بِهِ يَطفُو الأَسافلُ مثلَما / بِهِ يرسُبُ الأَعلَونَ أَهلُ التَحقُّقِ
وَمازالَ دستُ المُلكِ نَحوَكَ شَيِّقا / وَتُكسى مساوي كُلِّ أَنوَكِ مُطبِقِ
أَمثلُكَ تَعرى مِن مَحاسنِهِ العُلى / وَحقٌّ لَهُ مَن يَعدَمِ الكفو يسبِقِ
أَما إِنَّهُ لَو كُنتَ كاتبَ سرِّهِ / لأَصبَحَ ذا وشيٍ بَديعٍ مُحَقَّقِ
وَعبَّرَ عَن فَحواه أَفصحُ عالمٍ / بِموجَزِ لَفظٍ أَو بِمُسهَبِ مَنطِقِ
تَأَخرتَ عَن تَطلابِ ذاكَ تَقدُّما / سَعدتَ بِهِ إِذ كانَ غَيرُكَ قَد شَقِي
وَما العِزُّ إِلا في الفَراغِ عَن الدُنى / وَما الذُلُّ إِلا في التَساوي بِأَخرقِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025