المجموع : 66
خليليّ قوما بي لنشهد للربا
خليليّ قوما بي لنشهد للربا / بجانبَي البسفور مشهد اسرار
أجيلاً معي الأفكار فيها فإنها / مجال عقول للأنام وأفكار
خليليّ أن العيش في ماء شرشر / إذا الشمس تستعلي وفي ماء خنكار
سفوح جبال بعضها فوق بعضها / مكلّلة حافاتهنّ باشجار
يروق بجنبيها خرير مياهها / ويشجى بقطريَها ترنّم أطيار
ويجري النسيم الرطب فيها كأنه / تبختر بيضاء الترائب معطار
معاهد زرها قي الهواجر تلقها / موشحة فيها برقة أسحار
نزلنا بها والشمس من فوق أرسلت / على منحنى الوادي ذوائب أنوار
وقد ظلّ من بين الغصون شعاعها / يوقّع دينارً لنا جنب دينار
كأنّ التفاف الدوح بينها / جيوب من الأنوار زرًت بأزرار
تميل إذا هبّ النسيم غصونها / فتأتي بظلّ في الجوانب موّار
ترانا إذا ما الطير في الودح غرّدت / نميل بأسماع إليها وأبصار
رياض تنسّمنا بها الريح ضحوةً / فنمّت لنا من طيبهنّ بأسرار
يلوح بها ثغر الطبيعة باسماً / فيفترّ منها عن منابت أزهار
مشاهد في تلك الربا ومناظر / تجلت على أطرافها قدرة البارى
وقفت على البسفور والريح عاصف
وقفت على البسفور والريح عاصف / وللدَوح ظلّ دونه متقلّص
وفي البحر تجري موجة أثر موجةٍ / كجري طموح الخيل إذ يتوقّص
ويزبد أعلى الموج حتى كأنه / هضاب إلى أطرافها الثلج يخلص
كأن رياح الجوّ عند هبوبها / تغنّي وهذا الموج في البحر يرقص
كذا حادثات الدهر تمضي رواقصاً / بها العيش يصفو أو به يتنغّص
وفي كل يوم للزمان عجائب / بها الناس تغلوا أو بها الناس ترخص
وأعجب ما في الدهر أنّ هبانه / تزيد لمن فيه المروءة تنقص
وربّ أفيك جاء يمذق ودّه / ويظهر أخلاصاً وما هو مخلص
ولكنّه في وده الثعلب الذي / يروغ أو الكلب الذي يتبصبص
تعالَيت عن تبكيته إذ رأيته / جهولاً على علاّته يتعنفص
وفلت له لا تَدن مني فإنني / بغيض إليّ الكاذب المتخرّص
وإنك عارٍ من سوى العار فإبتعد / فإني بأثواب العلا متقّمص
حرصت على تكريم محضر صاحبي / وإني على ذا في المغيب لأحرص
وما غرّني ذو ظاهر متودّد / إذا كان فيه باطن متلصّص
ويا رب وجه لم يرُقني بياضه / فلمّا دنا مني إذا هو أبرص
فيا شعراء القوم كفّوا وغاكم / فشرح العلا في بعض شعري مُلخص
دعوا كشف مكنون الصدور لفطتني / فإني بذا من دونكم متخصص
ذكاء لو اجتزت الجدار بنوره / لشفّ لعينيّ الجدار المجصّص
ولست على الأعقاب في الرأي ناكصاً / إذا كان للمستضعف الرأي مَنكص
على أن لي في معرض الشك ربصةً / وربّ يقين ناله المتربّص
إذا أنا لم أنكر على الدهر جَوره / فلا وطئت بي موطىء العزّ أخمص
يدلّ على لؤم الغزالة أنها
يدلّ على لؤم الغزالة أنها / إذا طلعت هاج الذباب طلوعها
فكم راع نومي عند كل صبيحة / طنين ذبابات توالى وقوعها
لقد غاظني عند الشروق هياجها / كما سرّني عند الغروب هجوعها
إذا وقعت فوق الجبين أذبّها / فيزعجني نحو الجبين رجوعها
بواحدة منها يطول تضجّري / فكيف إذا أنهالت عليّ جموعها
تهاوى على الأقذار مولعةً بها / وما ضرّها لكن سواها ولوعها
تحوم علينا بالجراثيم فالردى / إذا هي حامت تلوها وتبيعها
فيزعجنا بالخاز باز طنينها / وتقذف أوساخاً علينا فروعها
بها شره نحو المقاذرقادها / وما قادها نحو المقاذر جوعها
وفيها على ضعف الجوارح جرأة / يزيد بها فوق الوجوه طلوعها
فما وجه حرّ بالبياض يخيفها / ولا وجه عبد بالسواد يروعها
كذاك رعاع الناس بادٍ عوارها / كثير أذاها مستمرّ قنوعها
سيوف لحاظ أم قسيّ حواجب
سيوف لحاظ أم قسيّ حواجب / تريش إلى قلبي سهام المعاطب
وربّ كعاب أقبلت في غلائل / وقد لاح لي منها حليّ الترائب
لها جيد ظبيٍ واعتدال وشيجة / وعين مهاة وائتلاق الكواكب
ولا عيب فيها غير أن أولي الهوى / ينادونها في الحسن بنت العجائب
نضت عن محيّاها النقاب عشيّةً / فأسفر صبح الحسن من كل جانب
ومذ نشرت سود الذوائب أولجت / نهار محيّاها يليل الذوائب
تناسب فيها الحسن حتى رأيتها / تفوق الدمى في حسن ذاك التناسب
مفتّرة الأجفان تدمي بلحظها / قلوب أسود مدميات الكتائب
فلم أنسها واللهّ يوم تعّرضت / لنا بين هاتيك الظباء السوارب
وما كنت أدري ما الصبابة قبلها / ولاهمت يوماً في الحسان الكواعب
فأصبحت فيها ذا غرام ولوعة / ووجد وتهيام وهمّ مواظب
وما الصبر إلاّ غائب غير حاضر / وما الشوق إلا حاضر غير غائب
إلى كم تصبّ الدمع عيني وتسكب
إلى كم تصبّ الدمع عيني وتسكب / وحتّام نار البين في القلب تلهب
أبيتولي وجد يشبّ ضرامه / ودمع له في عارضيّ تصّبب
وهل لمشوق خانه الصبر عنكم / سوى دمعه فهو الدواء المجرّب
ألا أن يوماً جرّد البين سيفه / علي به يوم شديج عصبصب
فيا ليت شعري هل أفوز برؤيتي / محيّاً له كل المحاسن تنسب
وعينيك لا أسلوك أو يصبح السها / وشمس الضحا في ضوئه تتحجّب
فإني كما شاء الهوى بك مغرم / وأنت كما شاء الجمال محّبب
أحنّ إلى رؤياكم كلما سرى / نسيم وأبكي كلما لاح كوكب
وأذكركم للشمس عند طلوعها / ويعزب عني الصبر أيّان تغرب
لقد بان صبري يوم بينك إذ قضى / به صرف دهر لم يزل يتقلّب
تبصّر خليلي في الزمان فهل ترى / صفا فيه من وقع الشوائب مشرب
ومن نظر الدنيا وجرّب أهلها / رأى الغدر من أشداقّها يتحلّب
أ يوسف ما إن أنت من فحل هجمةٍ
أ يوسف ما إن أنت من فحل هجمةٍ / ولكن من الشَول الطوالب للفحل
لئن كنت تنمى للعطاء فإنه / عطاء الذي تزكو الورى فيه بالبخل
وإن كنت قد كفّرتني بجهالة / فبالبهت كم كفرت من مسلم قلبي
وإنك في تكفيرك الناس كافر / تهاون بالله الذي جلّ مثل
رويدك قد كفرت يا وغد مؤمناً / وكذبت فيما تدعي سيّد الرسل
وأنت امرؤٌ لم تجهل العلم وحده / بل الجهل أيضاً بل وجهلك بالجهل
وأنت من الإسلام في كل حالة / بمنزلة الظلم الصريح من العدل
نطقت ببطل القول تهذي ممخرقّاً / ومثلك من يهذي وينطق بالبطل
ألست الذي أعطى اللئام كرامةً / وكشّر فيه الأصل عن أربع عصل
وكم قرطست فيك الرماة ووترّت / عليك القسيّ الملس يا جعبة النبل
فيا علج أقصر عن نهيقك أنه / أضلّ كاضلال الخوار من العجل
أنزّه عنك السيف في قتلك الذي / تحتّم لكن يا مخنّث بالنعل