المجموع : 72
أَمَا والهوى لو أن أحكامه قِسْطُ
أَمَا والهوى لو أن أحكامه قِسْطُ / لما اجترأتْ أنْ تملك العربَ القِبْطُ
وخَطَّتْ على لَبّاتها البيضِ أَسْطُرا / يكون بأطراف الوَشيجِ لها نَقْط
بأيدي رجالٍ تعرف الحربُ صبرهم / كأنهمُ من نَسْجِ عِثْيَرِها شمْط
بجُرْدٍ يُطير النار كالقاعِ رَكْضُها / كأنْ قد توارَى في سنابكها النِّفْط
وإلا فِلمْ تُنْمَى المَذاكي وتنتمي / شِفار المَواضي أو لما يُرْكَزُ الخَطّ
عسى الجانبُ الغربيُّ يُهدي نسيمَه
عسى الجانبُ الغربيُّ يُهدي نسيمَه / من الثَّغْر بالعَرْفِ الذي كنتُ أعرفُ
به من ظهور الظاهرية نشوةٌ / يُولِّدها روضٌ مُطِلٌّ مُفوَّف
فيُخبِر هل آثارُ لهوِى كعَهْدِها / هناك إذِ الأيامُ تُعطِي وتُنصِف
فما اعتضْتُ من تلك الرُّبا غيرَ حسرةٍ / عليها ودمعُ العينِ يستهلُّ فيَذْرِف
وسُكْناي بالفسطاط عزٌّ وإنما / محلُّ فؤادي فيه أَسْنَى وأَشْرَف
صحبتُ به عيش الشبيبةِ خالعا / عذارى ولم أحِفلْ بلاحٍ يعُنِّف
وأهلٌ وإخوان وبشر وغبطة / وأمن ومحبوب وجاه ومُسْعِف
يخلّفتُ عن تلك الديار ضرورةً / وبالرغم مني دونَهن التخلف
تَولَّى شبابٌ واقترابٌ فأَمْعَنا
تَولَّى شبابٌ واقترابٌ فأَمْعَنا / ووالَى مَشيبٌ واغترابٌ فأَدْمَنا
فيا حَبَّذا ليلُ الشبابِ الذي نأى / ولا حبذا صبح المشيب الذي دنا
إذا ما رأيتَ الشيبَ في عارضِ امرىءٍ / وإنْ لم يمتْ فاحسِبْه مَيْتا مُكفْنا
وإنْ ظهرتْ بيضاءُ في مَفْرِق الفتى / فأَوْلَى بذاك الموضع الضربُ بالقَنا
وقد كان صبري حارب الهجر والنوى / فما صَدَّه ضعفٌ ولا غالَه ونا
فلما ثنى عنه الشباب عنانه / وشاهَد من جيش المَشيب مُكمَّنا
تولى وكم ناديتُه بعد أنْ رأى / طليعةَ شيبي للرجوع فما انثنى
سقى العهدَ عهدَ الثغرِ بل عهدَ أهلِه / حَياً كدموعي تجعل السيل دَيْدَنا
فكم لي به من غُدوة وعشية / يقصِّر عن إدراك أمثالها المُنى
فطَوْرا لنا بين الكروم مَرابع / يشاهد فيها البدرُ أمثاله بنا
وطورا على ماء الخليج وقد جَلا / عليه نسيمُ الريح كَشْحا مُعَكَّنا
كأن حَباب الماء ثوب بَرقِش / وقد شابَه لون الضحى فتَلَوَّنا
حَبابٌ حكى بطنَ الحُباب وظهرَه / إذا الريحُ صاغتْ منه درعا وجَوْشَنا
فكان كأجيادِ الظباء تلفَّتت / فأظهرْنَ تدريجا هناك مُغَضَّنا
إذا أبرم التيار داراته حكى / أنامل خرّاط يحرّر مُدْهُنا
وفوق الثَّرى خَزٌّ من الروض أخضرٌ / يُقابل خَزّافي ذرَا الغيثِ أَدْكَنا
ترى ذا بطُرْز النَّوْر سُفْلا مُخَمَّلا / وذاك برَقْم البرق عُلْوا محسَّنا
وفي خَلل الأوراق وُرْقٌ غناؤها / ألذُّ وأحلى في القلوب من الغنى
شَدَتْ فهْي مثلُ الصَّبِّ أَوْدَى غرامه / بكتمانه حتى تلاشى فأعلنا
إذا راسلتْها شَمْأَلٌ خِلْتَ صِبْيةً / يُغَنِّين شيخاً أعجم اللفظ أَلْكَنا
مكانٌ به زهر البَساتين والفَلا / تَخال عليه منه ثوبا مُفَنَّنا
بَهارا وأزهارا ووردا ونرجسا / وآسا ونسْرينا وجُلاّ وسَوْسنا
تخال حصى الياقوت فيه ملوَّنا / فلو صَلُبت أحجاره كان مَعْدِنا
وقطرُ الندى فيهن أنصاف لؤلؤ / فلو جَمَدت كانت تُصان وتُقتَنى
رياضٌ حكى الديباجُ منها محاسنا / فلو كُنّ ديباجا لأصبح مُثْمَنا
لَعَمْري لقد خلَّفتُ منها مَواطنا / أبى الدهرُ أنْ أعتاضَ منهن موطنا
أنا ابْنُ مُضاضٍ وهْي أوطانُ جُرْهُمٍ / فلا فرقَ في طول التفرّق بيننا
عسى مُنْيَةٌ قبلَ المنيةِ تنقضي / فيرشفَ ثغرَ الثغرِ طرفي إذا رنا
سألتُك يا رَبّاه عَوْدا فجُدْ به / وجازِ بخيرٍ من دعوتُ فأَمَّنا
حديثٌ إذا تمَّ اسْتُعِيد كأنه
حديثٌ إذا تمَّ اسْتُعِيد كأنه / لذاذةُ عذبِ الماءِ في فم حائمِ
تأمَّلْ فَدَتْكَ النفسُ يا صاحِ منظرا
تأمَّلْ فَدَتْكَ النفسُ يا صاحِ منظرا / يُثب به قلبُ اللبيبِ على الفِكْرِ
حَيا وابلٍ يَهْمِي على شجرٍ بدا / به ثمرُ النّارنجِ كالأُكَرِ التِّبْر
دموعٌ حَداها الشوقُ فانهملتْ على / خدودٍ تراءتْ تحتَ أَنْقَةٍ خُضْر
وقالوا يعود الماءُ للنهر بعد ما
وقالوا يعود الماءُ للنهر بعد ما / خَلتْ منه آبارٌ وجَفَّتْ مَشْارعُهْ
فقلنا إلى أنْ يرجعَ الماء عائداً / ويُنبتَ شَطّاهُ تموتُ ضفادعه
ذكرتُ به عهداً كأنْ لم أفُزْ به
ذكرتُ به عهداً كأنْ لم أفُزْ به / وعيشاً كأني كنتُ أقطعه وَثبا
أنا المذنب الخَطّاء والعفوُ واسعٌ
أنا المذنب الخَطّاء والعفوُ واسعٌ / ولو لم يكن ذنبٌ لَماَ عُرف العفوُ
هلالٌ يُحاكِي نصفَ حَلْقةِ عاجِ
هلالٌ يُحاكِي نصفَ حَلْقةِ عاجِ / ومُعْوَجَّ صَدْعٍ في صفاء زُجاجِ
لقد دقَّ حتى أوهم العينَ أنها / تُراقبُ عَوْجَي شيبةٍ وحِجاج
يذم المحبون الرقيبَ وليت لي
يذم المحبون الرقيبَ وليت لي / من الوصل ما يُخْشَى عليه رقيبُ
وللهِ مَجْرَى النيل فيها إذا الصَّبا
وللهِ مَجْرَى النيل فيها إذا الصَّبا / أَرتْنا به في سيرها عسكرا مَجْرا
فشَطٌّ يهزّ السَّمْهَريَّة ذُبَّلا / ونهر يهز البيض هِنْديةً بُتْرا
إذا مَدَّحاكَي الوردَ غَضّا وإنْ صَفا / حَكَى ماءَه لونا ولم يَعْدُه شبرا
أرى الناس قد أغْروا ببَغْىٍ وغِيبةٍ
أرى الناس قد أغْروا ببَغْىٍ وغِيبةٍ / وقَدْحٍ ما مَيَّزَ الأمر عاقلُ
وقد لزموا مني الخلاف فكلُّهم / إلى كل من عادَى الخلائقَ مائل
إذا ما رأوا خيرا تعَامَوا وأُخرِسوا / وإن عايَنوا شرا فكلٌّ مناضل
فليس امرؤ منهم بناجٍ عن الأذى / ولا منهمُ عن ثَلْبِهِ متغافل
إذا كان ذا دينٍ رَمَوْهُ بِبدعة / وسَمَّوه زِنْديقا وقالوا مُجادل
وإنْ كان ذا زهدٍ يقولون أبلهٌ / وليس له حَزْم وما فيه طائل
وإن كان ذا صمت يقولون صورة / مُمثِّلة للعيِّ بل هو جاهل
وإن كان شريرا فويلٌ لأمه / لما عنه يحكي من تضم المحافل
وإن كان من بيت يقولون إنما / يُفاخر بالموتى ومن هو زائل
وإن كان مجهولا فذلك عندهم / كبيض دُمَيلٍ ليس يُعْرَف خامل
وإن قال قالوا فقُهه العلم قد أتى / كأنْ لم يكن من قبله قطُّ قائل
وإن كان مِقداما يقولون أَهْوَجٌ / وإِن كان ذا جُبْن يقولون نأكل
وإن كان ذا مالٍ يقولون مالُه / من السُّحْت قد أَرْبَى وبئس المآكل
وإن كان ذا فقر فذلك عندهم / حقير مَهين يزدريه الأراذل
وإِن يكتسب مالا يقولوا بهميةٌ / أتاه من المقدور حظ وطائل
وإن جاد قالوا أحمقٌ ومبذِّر / وإِن لم يَجُد قالوا شحيح وباخل
وإِن يَقْنع المسكينُ قالوا لعلةٍ / وذلة نفس قد حوتْها الرذائل
وإِن يَهْو للنسوان سمَّوه عاصيا / وإِن عفَّ قالوا ذاك خبث وباطل
وإن تاب قالوا لم يتب لزَهادةٍ / ولكنه خَبٌّ لعينٌ مُخاتل
وإن كان بالشِّطْرَنْج والنَّرْد لاعبا / ولاعَبَ ذا الألباب قالوا يُداخل
وإن واصَل الإخوان بالأكل عندهم / فذاك طفيليٌّ وللشرِّ واغِل
وإن رغِب المسكين عنهم بزهده / يقولون غَثٌّ بارد متثاقل
وإن رام شَرّا جَسَّروه لفعله / وإن كان فيه تُستباح المَقاتل
وإن ساد قالوا دأبنا وثراؤنا / وإن لم يَسُد وافاه خصم وخاذل
وإن يعتللْ يوما يقولوا عقوبة / لسيء ما يأتي وما هو فاعل
وإن صحَّ قالوا ليس لله حاجةٌ / بمن يَتحاماه الردى والنوازل
وإن مات قالوا لم يمت حتفَ أنفه / ولكنْ لتخليطٍ لما كان يأكل
فليس يُنجِّيه من القول عاجلٌ / وليس ينجيه من الويل آجل
وما الناس إلا شامتٌ ومُعاند / ذوو حسدٍ قد بان منه التحامل
فلا تتركنْ أمرا مخافةَ قائلٍ / فإن الذي تخشى وتَحْذَر حاصل