القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ الرُّومِي الكل
المجموع : 408
وجدتُ أبا عبد الإلهِ خليفةً
وجدتُ أبا عبد الإلهِ خليفةً / لصاحبهِ إسحاقَ بعد وفاتِهِ
كفاني وأغناني فلستُ بفاقدٍ / لعمرُك من إسحاق غير حياتِهِ
فيا لكَ من ذُخْرِ امرئٍ لزمانه / مُعَفٍّ على ما كان من نكباتِهِ
حباني به إسحاقُ خيرَ بقيّةٍ / يُخلِّفها المفقودُ من بركاتِهِ
وما كان إلا الغيثَ أحيا بقَطْرِهِ / وولّى فأحيا بعده بنباتِهِ
يُعبِّس والإنصافُ تحت عبوسه / ويضحك والإيناس في ضحكاتِهِ
نَهوضٌ بأعباء الكتابة مُرْفِقٌ / رعيَّتَهُ مستظهرٌ لرُعاتِهِ
ترى كلّ نفسٍ رِيَّها وشفاءَها / إذا رُوِّيت أقلامُه من دواتِهِ
تنال بأنبوبِ البراعة كفُّهُ / ذُرى ما تَعاطى فارسٌ بقناتِهِ
ومن كان فرداً في عظيم غَنائهِ / عن الملك لم يَصغُرْ صغيرُ أداتِهِ
جبى الفيْء للسلطان والفيء فاغتدى / له الرتبةُ العلياءُ فوق جُباتِهِ
رآه أبو العباس أَقومَ قائمٍ / بأعماله عند امتحانِ كُفاتِهِ
وألفى لديه عِفّةً وأمانةً / وإحداهما يكفي امرَأً من ثِقاتِهِ
أراني إذا حاولتُ وصفَ جلالهِ / أو الشكرَ عما كان من فَعلاتِهِ
تشاغلتُ عن شكري له بصفاتِهِ / وأذهلني شكري له عن صِفاتِهِ
فقصَّرتُ في الأمرين والقلب مُضمِرٌ / مودَّتَهُ في مستقرِّ ثباتِهِ
ولو طال مدحي فيه وانكدَّ لم تجز / إطالتي المكتوبَ من حسناتِهِ
ولولا اتِّقائي للتعدِّي زَعمتُهُ / أخا الدهر لا يُغضي إلى أُخرياتِهِ
وما زال يعلُو قدرُهُ قدرَ مدحهِ / وأين مَنالُ الشعرِ من درجاتِهِ
أزِرْ صلةً قدَّمْتَها أَخَوَاتِها
أزِرْ صلةً قدَّمْتَها أَخَوَاتِها / وإلا فأطلِقْها تَزُرْ أَخَوَاتِها
ولا تحْسِبَنِّي راضِياً منك بالتي / تَسَخّطَ قبلي معشرٌ أمَّهاتِها
ولم أحْتَقِرْ ما كان مِنْك وإنهُ / لكُثْرٌ إذا عَدَّتْ رجالٌ صِلاتِها
ولكنّهُ في جنبِ جودِك تافهٌ / وفي عين حُرٍّ أبْعَدَتْ غَلَواتِها
أتعطي سوايَ الأمهاتِ من اللُّهى / وَتَخْتصُّني منها بصغرى بناتِها
أبَتْ لي قبولَ الخسف نفسٌ أبيَّةٌ / تبيعُ بعزِّ الموتِ ذلَّ حياتِها
عزاؤكَ أن الدهرَ ذو فَجعاتِ
عزاؤكَ أن الدهرَ ذو فَجعاتِ / وكلُّ جميعٍ صائرٌ لشَتاتِ
لك الخيرُ كم أبصرتَهُ وسمعتَهُ / قرائنَ حيٍّ غيرَ مختلجاتِ
هلِ الناس إلا معشرٌ من سلالةٍ / تعودُ رُفاتاً ثَمَّ أيَّ رفاتِ
مياهٌ مَهينات يؤولُ مآلُها / إلى رِمَمٍ من أعظُمٍ نخراتِ
أرى الدهر ظَهراً لا يزال براكبٍ / وإن زل لم يُؤْمنْ من العثراتِ
ومن عجبٍ أنْ كلما جدَّ ركضُنا / عليه تباعدنا من الطَّلباتِ
وأعجبُ منه حرصُنا كلما خلتْ / سنونا كأنا من بني العشراتِ
نُخلِّف مأمولاتنا وكأننا / نسيرُ إليها لا إلى الغَمراتِ
غُررْنا وأُنذرنا بدهرٍ أَملَّنا / غُروراً وإنذاراً بهاكَ وهاتِ
إذا مجَّ مجاتٍ من الأَري أَعْقبت / بأقصى سهام في أحدِّ حُماتِ
أميْري وأنت المرءُ ينجم رأيهُ / فيسري به السارونَ في الظُّلماتِ
وتعصِفُ ريحُ الخطبِ عند هُبوبها / وأنت كركنِ الطَّودِ ذي الهَضباتِ
عليك بتقوى الله والصبرِ إنهُ / مَعاذٌ وإن الدهر ذو سَطواتِ
وليس حكيمُ القوم بالرَّجل الذي / تكون الرزايا عنده نَقماتِ
فُجعَت فلا عادت إليك فجيعةٌ / كما يُفجَع الأملاك بالملِكاتِ
أصِبْتَ وكلٌّ قد أُصيب بنكبة / يُهاض بها الماضي من النَكباتِ
فلا تجزعَنْ منها وإن كان مثلها / زعيماً بنفرِ الجأشِ ذي السكناتِ
وما نَفْرُ نفسٍ من حلول مصيبةٍ / وقد أيقَنَتْ قِدماً بما هو آتِ
أتوقنُ بالمقدور قبل وقوعِه / وتنفِر نفرَ الغِرِّ ذي الغفلاتِ
لقد أونَست حتى لقد حان أنسُها / بما شاهدت للدهر من وقعاتِ
فما بالها نفرُ الأغرَّاء نفرُها / وقد أُنذِرت من قبلُ بالمَثُلاتِ
من احتسبَ الأقدار أيقن فاستوتْ / لديه منيخات ومنتظَراتِ
هلِ المرءُ في الدنيا الدنيةِ ناظرٌ / سوى فقد حبٍ أو لقاء مَماتِ
ألم تَر غَاراتِ الخطوب مُلِحّةً / فبين مُغاداةٍ وبين ثباتِ
تروحُ وتغدو غير ذات ونيَّةٍ / على حيوان مرة ومَواتِ
وما حركاتُ الدهر في كل طَرفةٍ / بلاهيةٍ عن هذه الحركاتِ
سَيسْقي بني الدنيا كؤوسَ حتوفهم / إلى أن يناموا لا منامَ سُباتِ
وفاءٌ من الأيام لا شك غدرُها / وهل هنّ إلا منجزاتُ عِداتِ
يَعِدْن بغدر ليس بالمُخلفاتِهِ / فقُلْ في وفاءٍ من أخي غَدراتِ
تعزَّ بموت الصِّيد من آل مُصْعب / تجدهُم أُسىً إن شئت أو قدواتِ
تعزَّوا وقد نابتهُمُ كلُّ نوبةٍ / وماتوا فعزَّوا كلَّ ذي حسراتِ
ومن سُنن اللَّه التي سنّ في الورى / إذا جالتِ الآراءُ مُعتبِراتِ
زوالُ أصول الناسِ قبل فروعهم / وتلك وهذي غيرُ ذات ثباتِ
ليبقَى جديدٌ بعد بالٍ وكلُّهم / سَيْبلَى على الصّيفاتِ والشَّتَواتِ
وإن زالَ فرعٌ قبل أصلٍ فإنما / تُعَدُّ من الأحداث والفَلتاتِ
وتلك قضايا الله جلَّ ثناؤه / وليست قضايا الله بالهفواتِ
لِيُعلَم ألَّا موتَ ميتٍ لكَبْرةٍ / ولا عيش حيٍّ لاقتبال نباتِ
وتقديمُ من قَدَّمت شيءٌ بحقِّهِ / فَدَعْ عنك سَحَّ الدمع والزفراتِ
ولا تَسخَطِ الحقَّ الذي وافق الهدى / هوى من له أمسيتَ في كُرباتِ
رُزئتَ التي ودَّت بقاءَك بعدها / وأحيت به في ليلها الدعواتِ
وكانت تَمنَّى أن تُردَّى سريرها / وبعضُ أمانيِّ النفوس مُواتي
فلا تكرهَنْ أن أوتِيَتْ ما تودُّهُ / فكرهُك ما ودت من النكراتِ
ألم تر رُزءَ الدَّهر من قبل كونهِ / كفاحاً إذا فكَّرتَ في الخلواتِ
بلى كنتَ تلقاهُ وإن كان غائباً / بفكرك إن الفكرَ ذو غزواتِ
فما لك كالمَرميِّ من مأمنٍ لهُ / بنَبْلٍ أبَتْه غيرَ مُرتقباتِ
زَعِ القلب إن الفاجعاتِ مصائبٌ / أصابت وكانت قبل مُحتسَباتِ
فإن قلتَ مكروهٌ ألمت فُجاءةً / فما فوجئت نفسٌ مع الخطراتِ
ولا غوفصت نفسٌ ببلوى وقد رأت / عِظاتٍ من الأيام بعد عظاتِ
إذا بغَتتْ أشياءُ قد كان مثلها / قديماً فلا تعتدَّها بغَتَاتِ
جزعتَ وأنت المرءُ يوصف حزمُهُ / ولا بدَّ للأَيقاظِ من رَقَداتِ
فأعقِبْ من النوم التنبُّهَ راشداً / فلا بد للنُّوام من يقظاتِ
ومَن راغم الشيطانَ مثلك لم يُجب / رُقاهُ ولم يَتْبع له خُطواتِ
ومما ينسِّيك الأَسى حسناتُها / وإن كنت منها يا أخا الحسناتِ
فإن ثوابَ الله في رُزء مثلها / لِقاؤُكها في أرفع الدرجاتِ
وذاك إذا قضَّيتَ كلّ لُبانةٍ / من المجد واستمتعتَ بالمُتُعاتِ
مضت بعدما مُدَّتْ على الأرض برهةً / لتُمجِدَ من فيها من البركاتِ
فإن تكُ طوبى راجعت أخواتها / فقد زوِّدت من طيّب الثمراتِ
لعَمرك ما زُفّت إلى قعر حفرةٍ / ولكنها زُفَّت إلى الغُرُفاتِ
ولولاك قلنا من يقومُ مقامها / ومن يؤثِر التقوى على الشبهاتِ
سقاها مع الدمع الذي بُكِيَتْ به / حيا الغيثِ في الروحات والغدواتِ
وصلّى عليها كلما ذرَّ شارقٌ / وحان غروبٌ صاحبُ الصلواتِ
تَنفَّسَ في وجهي فكدتُ أموتُ
تَنفَّسَ في وجهي فكدتُ أموتُ / وأعرَضَ عنّي ساعةً فحييتُ
وأنتَنني حتى ظننتُ بأنني / وحقِّكما يا صاحبيَّ خَريتُ
فإن لم أكن فتشتُ حقاً غُلالتي / لأغسل عنها سَلْحَها فعميتُ
أكُفُّ الغواني بالخنا خَضِراتُ
أكُفُّ الغواني بالخنا خَضِراتُ / وهنَّ بأقران الهوى ظَفراتِ
ضعُفنَ وكان الضعفُ منهنَّ قوةً / فهنَّ على الألبابِ مقتدراتُ
ومُنتقباتٌ بالضياءِ وضاءةً / كما هنَّ بالظَّلْماء مُعتجراتُ
خُلقن من الأضداد فاسودَّت الذُّرا / سوادَ الدجى وابيضَت البَشَراتُ
ومِسْنَ وكثبانُ المآزر رُجَّحٌ / وقضبانُ ما وُشِّحن مُضْطمِراتُ
بَكَرْنَ على باكورتي فابتكرنَها / وهن لها إذ ذاك مُبتكِراتُ
كِلانا اجتنى ما يشتهي من خليله / فأغصانُ ما نهواهُ مُنهَصِراتُ
ذَكَرتُ الصبا وهناً فلا الوجْدُ مُقْلِعٌ / لشيء ولا الأحشاءُ مُصطبراتِ
غليلٌ أبى أن يُطفِئَ الدمعُ نارَهُ / ويُضرمهُ أن تَعصِب الزفراتُ
ألا إنما الدنيا الشبابُ وإنما / سرور الفتى هاتيكمُ السّكراتُ
ولا خيرَ في الدنيا إذا ما رعيتَها / وقد أيبستْ أجنابُها الخَضِراتُ
نُراعُ إذا لاحت نجومُ مشيبنا / كأن نجوم الليل مُنكدراتُ
وتنفطرُ الأكبادُ عند شُمولهِ / كأنّ الطِّباق السبع منفطرات
سيُنسيك أيامَ الشباب وبردَها / فتىً ما جدٌ أيامُه سَبِراتُ
مواصلةٌ آصالُها غُدواتها / من اللاءِ لم تُخْلق لها جمراتُ
ولم تُسلِكَ الأيامُ عن زهَرَاتها / بمثل فتىً أخلاقه زَهراتُ
كمثل أبي العباس إن كان مثلُهُ / وهل مثلُه دامت له الخيَراتُ
أخو السَّرو من آل الفرات وكلُّهُمْ / سَراةٌ ولكن للسَّراةِ سَراةُ
يدُ الله يا آل الفرات عليكُمُ / وأيديكُمُ بالعرفِ منهمراتُ
تَحلّ أياديكم بحقٍ وإنها / لديكم بلا حق لمُحتقَراتُ
أيادٍ بوادٍ لا تُفيق وشايةً / بأيدِ انتهاءٍ وهي مُستتَراتُ
قِرىً لكُم تُخْفونه وهو ظاهرٌ / سجاياكُمُ قِدْماً به يَسراتُ
وكيف بأن يخفَى قِراكم وإنما / بلادُ بني الدنيا لكم حَجَراتُ
أزَرتُمْ قراكم كلّ قومٍ فجاءهم / هنيئاً ولم تُقطع له القَفراتُ
جريتُم مع السُّبَّاق في كل حلبةٍ / فجئتم ولم تُرْهِقْكُمُ الفَتراتُ
رَجَحْتُمْ على أكفائكُم إذ وُزِنتُمُ / وهل يستوي الآلاف والعَشَراتُ
لنا أثرَاتٌ دونكم بثرائكم / ولكن لكم بالسؤدد الأَثراتُ
حلمتم وفيكم مَنعةٌ فأكفُّكم / قوادر لا يعجزنَ مُغتفِراتُ
أَكفٌّ عن الهافينَ طرّاً صوافحٌ / وهنَّ من الباغين مُنتصراتُ
كأنكُمُ ليناً وحدّاً مَناصلٌ / لها الصفحاتُ المُلس والشَّفراتُ
إذا افتخرَ السادات يوماً سكتُّمُ / ولم تَسكُتِ الأحلامُ والأَمرات
وما فَخْرُ قومٍ والمَفاخرُ كلُّها / بهم عند ذكر الفخر مُفتخِراتُ
لهم شِيمٌ إنْ لم تكن أزليةً / فإن بحارَ الأرض مُحتفَراتُ
مفجَّرةٌ قبل السؤال وبعدَهُ / صوافي جِمام الماء لا كَدِراتُ
تكلَّمُ عنكم ما تبين صنائعٌ / سُترنَ وهُنَّ الدهرَ مُشتهراتُ
ومنكم أبو العباس ذاك الذي لهُ / تقاصَرُ في أبدانها القَصَراتُ
فتىً لا قضاياه علينا بوادرٌ / ولا الجود منه باللُّهى خَطَراتُ
ولكن قضاياه سدادٌ وَجُودُهُ / ينابيع بالمعروف مُنفجراتُ
هو المرءُ يسعى والمساعي ثقليةٌ / ويسبِقُ والأنفاس مُنبهراتُ
له ضحكاتٌ حين يُسألُ حاجةً / إذا كثُرت من غيرِهِ الضَّجراتُ
يقول ويُولي منّةً بعد مِنَّةٍ / فيُطنبُ والأقوالُ مُختصراتُ
فلو أُنزلتْ بعد النبيِّينَ سورةٌ / إذاً أنزلت في مدحهِ سُوراتُ
جرى وجرتْ أقلامُهُ خيلَ حَلْبةٍ / وأقلامُ قومٍ عنده حُمُراتُ
نصيحاً إذا غشَّ الولاةَ كفاتُهم / وفيِّاً إذا ما خيفَتِ الغدراتُ
أميناً على مالِ الملوكِ وفيئِهِم / وسوقِهمُ ليست له حثَراتُ
ضليعاً إذا ما اسْتُحْمِلَ الخطبَ ناهضاً / بأعبائه ليست له عثراتُ
يُرَوِّي فَتُسْتَلُّ السيوفُ ولم تزلْ / له هَدآتٌ غِبَّها نَفَرَاتُ
وكم هَدآتٍ للأرِيبِ أَريبةٍ / يخالُ الأعادي أنها فَتَرَاتُ
أخُو الفِكَر اللَّائي إذا فِكَرُ الوَرَى / تَنَاسَتْ هُدَاها فهي مدَّكِرَاتُ
لقد خِيرَ فيه للوزير ولم يزلْ / أبو الصقر مختاراً له الخِيرَاتُ
به تَتَعَرَّى المرْهَفَاتُ وتارةً / تَسَتَّرُ والأغمادُ منحَسِرَاتُ
أمنْتُ ولو غاض الفراتُ من الصَّدَى / لأنك لي يا ابن الفرات فُراتُ
ترى الدَّهْرَ مُرْتَاعاً إذا ما تَتَابَعتْ / إلى صَرْفه من أحمدٍ نظراتُ
مُحَاذَرةً ممن إذا ما تحرَّرتْ / عوارفُهُ زالتْ بها النَكِراتُ
أساءتْ ليَ الأيامُ يا ابن مُحَرَّرٍ / وهُنَّ إليَّ الآنَ مُعْتذِراتُ
رأَينَ مطافي حول حقْوَيْكَ عائذاً / فهنَّ لما أبصرنَهُ حَذِراتُ
وأَوْعدتُهَا تَنْكِيرَكَ النُّكْرَ صادقاً / فقلت رُوَيْداً تَنْجَلي الغمراتُ
إلى الله أشكُو سوءَ رَأْيٍ مُؤَمَّلٍ / معارفُ شِعْرِي عنْده نَكِرَاتُ
وقدْ كنتُ منْ حرمانه في بَليَّةٍ / فقد أرْدفَتْ حرمانَهُ الحَسَراتُ
توَالتْ على العافينَ آلاءُ عُرْفِهِ / وأخْفَقْتُ والآمالُ مُنْتظِرَاتُ
فأَنَّى أَثاب الثَيِّبات ولم يُثِبْ / عَذارَى ولم تُفْضَضْ لها عُذُراتُ
أعِذْ كلماتي فيه من قول قائلٍ / أرى شَجَراتٍ ما لها ثَمراتُ
أمُنْطَوِيَاتٌ دون كَفِّي صِلاتُهُ / وأسرابُ مدْحي فيه منتشرات
أرى الشعر يُحْيي المجد والبأْس والندى / تُبَقِّيهِ أرواحٌ لها عَطراتُ
وما المجد لولا الشِّعْرُ إلا مَعاهدٌ / وما النَّاسُ إلا أعْظمٌ نَخِراتُ
وقد صُغْتُ ما التيجانُ أشباهُ بعضِهِ / وقد حِكْتُ ما أشْباهُهُ الحَبِراتُ
ولا عيبَ في أخلاقه غيرَ أنهُ
ولا عيبَ في أخلاقه غيرَ أنهُ / أخو عزماتٍ في الندى مَحِلاتِ
جدودٌ تُنجِّيهِمْ من اللَّوم فوقها / جُدود تنجيهم من الهلكاتِ
فتى يَتَّقي لحظَ العيونِ ويرْعَوي
فتى يَتَّقي لحظَ العيونِ ويرْعَوي / ويَغْشَى رماحَ الخطّ مشتبكاتِ
وحَبَّبَ يومَ السبتِ عِنْديَ أَنَّني
وحَبَّبَ يومَ السبتِ عِنْديَ أَنَّني / تُنادِمُني فيه الذي أنا أحَبَبْتُ
ومن عجَبِ الأشياء أَنِّيَ مُسْلِمٌ / حَنِيفٌ ولكنْ خيرُ أيَّامِيَ السَّبتُ
ومُختضِباتٍ من نجيعِ دمائها
ومُختضِباتٍ من نجيعِ دمائها / إذا جُنِيَتْ من بُكْرَةِ الغَدَوات
تكاد بأن تَطْغَى إذا ما لمسْتُهَا / فأرْحمُها من سائر الغَدَوَاتِ
بكت شجوها الدنيا فلما تبيَّنتْ
بكت شجوها الدنيا فلما تبيَّنتْ / مكانَك منها استبشرت وتَغَنَّتِ
لتَسْتَمْتِعِ الدنيا بوجهك دهرَها / فقد طالما اشتاقت إليك وحَنَّتِ
تبحّثْتُ عن أخبارِه فكأنما
تبحّثْتُ عن أخبارِه فكأنما / نبشتُ صداهُ بعد مرِّ ثَلاثِ
تلقَّتْنيَ الأنباءُ عَنه شبيهَةً / نواشِرَ أرواحٍ لهن خِباثِ
مطايبُ عيشٍ زايلَتْهُ مخابِثُهْ
مطايبُ عيشٍ زايلَتْهُ مخابِثُهْ / ومُقْبِلُ حظٍّ أطلقْته رَوائِثُهْ
ودولةُ إفضالٍ ويُمنٍ وغبطةٍ / كأن حُزونَ الدهر فيها دمائِثُهْ
وغيثٌ أظلّ الأرضَ شرقاً ومغرباً / فقيعانُهُ خُضرُ النبات أَثائثُهْ
فظبيٌ له سِحرانِ طَرفٌ ونَغمةٌ / يُجدُّ بك الإغرامَ حين تعابثُهْ
يُناغمُ أوتاراً فِصاحاً يروقُنا / تأَنِّيه في تصريفها وحثَاحِثُهْ
ويلحظ ألحاظاً مِراضاً كأنها / تُغانجُ من يرنو لها وتُخانثُهْ
فَيسْبيكَ بالسحر الذي في جُفونِهِ / ويُصيبك بالسِّحر الذي هو نافثُهْ
يَحِنٌّ إليه القلبُ وهو سَقامُهُ / ويألفُ ذكِراه الحشا وهو فارثُهْ
يُجيعُ وِشاحَ الدرّ منهُ مَجالُهُ / ويُشبع مِرطَ الخَزِّ منه مَلاوِثُهْ
وقد طلعتْ باليُمن والسعد كلِّه / لنا والثرى ريَّان تندى مباحِثُهْ
ثلاثةُ أعيادٍ فللفطر واحدٌ / وللعُرف ثانيه وللَّهو ثالثُهْ
يُعَيِّدُها فرعٌ من المجد طيِّبٌ / جَناهُ إذا ما الفرعُ جَمَّت خبائثُهْ
ألا فاسقني في الفِطْر كأساً رَويَّةً / لعلَّ لُهاثَ الصوم يُنقَعُ لاهِثُهْ
مُشعْشَعةً يُضحي لها العُودُ ناطقاً / تَنَاغَى مَثانيهِ لنا ومَثالثُهْ
مع ابن وزيرٍ لم يزل ومحلُّهُ / من الفضلِ يرضاهُ النبيُّ ووارِثُهْ
وما كنتُ مكذوباً وما كنتُ كاذباً / لدى الله لو قلتُ النبيُّ وباعثُهْ
من الصالحين المُصلحينَ بيُمنهِ / غدا العيشُ محموداً ولُمَّتْ مشاعِثُهْ
إذا لم يَعِثْ في مالهِ لعُفاتهِ / فما يُعرفُ العَيْثُ الذي هو عائِثُهْ
تَضمَّنَ تذليلَ الزمان فأصبحتْ / أواعِرُهُ ذَلَّت لنا وأواعِثُهْ
وأُيِّدَ بابنٍ مثلهِ في غَنائه / إذا كَثُرت من رَيب دهرٍ كوارثُهْ
أَغرُّ يكنَّى بالحُسين تضمَّنت / محاسنهُ ألا تُغِبَّ مغاوِثُهْ
إذا ما عُبيدُ اللَّه ضاهاهُ قاسمٌ / فثَمَّ قديمُ المجد ضاهاه حادِثُهْ
ألا بُورك الزرعُ الذي هو زارعٌ / من البِرِّ والحرثِ الذي هو حارثُهْ
ويا حالفاً أنْ ما رأى مثلَ قاسمٍ / على ظهريَ الحِنثُ الذي أنت حانثُهْ
بَرِرتَ وعهدِ اللَّه بِرّاً مُبيَّناً / وإن كثُرت من ذي شِقاقٍ هَنابثُهْ
أبى أن يُرى الحقُّ الذي هو باخسٌ / أخاهُ أو العهدُ الذي هو ناكثُهْ
حليمُ عليم إن تجاهلَ دهرُهُ / جوادٌ كريمٌ إن ألحت مغَارِثُهْ
يظلُّ وتدبيرُ الممالِك جِدُّهُ / وبذل العطايا المُنفِساتِ معَابثُهْ
فتى يقتلُ الأموال في سُبل العلا / لتُورثَهُ المجدَ السنِيَّ مَوارثُهْ
ضرورٌ نفوعٌ عاجلُ النفع ثَرُّهُ / على مُعتفيه آجلُ الضَّرِّ رائثُهْ
نهى جودُهُ عن كل سمحٍ وباخلٍ / شَذى القولِ حتى أحسنَ القولَ رافثُهْ
ترى صاحبَيْه ذا سؤالٍ يَميحُهُ / فواضلهُ أو ذا سؤالٍ يُباحِثُهْ
وما يجتني الميسورَ من لا يزورُهُ / ولا اللؤلؤَ المنثور من لا يُحادثُهْ
وإما أغذَّ السيرَ في إثر خُطَّةٍ / فلا العَجزُ ثانيه ولا الشكُّ رائثُهْ
إذا ما تلاقى كيدُهُ وعداتُه / فثَمَّ تلاقى أجدلٌ وأباغثُهْ
وإمّا أراغَ الحزمَ للخطب مرّةً / فلا الحزمُ معييهِ ولا الخطبُ كارثُهْ
أظلُّ إذا لاقيتُ غُرَّةَ وجههِ / ولَيلي نهارٌ ساكنُ الظلِّ ماكِثُهْ
ليقْصُرْ عليه اليوم في ظلّ غِبطةٍ / ولا يَقْصُرِ العمرُ الذي هو لابثُهْ
ولا زال قَصرُ القُفْصِ أعمرَ مَنزلٍ / به وبدهرٍ صالح لا يُماغثُهْ
فما فضلُهُ والمدحُ دعوى ومُدَّعٍ / ولكنْ هما مِسكٌ ذكيٌّ ومَائِثُهْ
وقدٌّ كغصن البان مُضطمِرُ الحشا
وقدٌّ كغصن البان مُضطمِرُ الحشا / تَنُوء به كثبانُ رمل أواعِثُ
يُجاذِبها عند النهوض وينثني / بأعطافها فرعٌ سُخامٌ جُثاجِثُ
كأن صباحاً واضحاً في قِناعها / أناخَ عليه جُنْحُ ليلٍ مُغالثُ
وتبسِمُ عن عِقدين من حَبِّ مزنةٍ / به ماثَ صفوَ الراح بالمسك مائثُ
يغَصُّ بها الخَلخال والعاجُ والبُرى / وأثوابُها بالخَصْر منها غَوارثُ
ربيبة أتراب حِسان كأنها / بناتُ أَداحٍ لم يَشْنهنَّ طامثُ
غرائرُ كالغِزلان حورٌ عيونُها / رخيماتُ دَلٍّ ناعماتٌ خَوانثُ
يَعِدنْ فما يُنجزنَ وعداً لواعدٍ / وهن لميثاق الخليل نواكثُ
غَنِيتُ بها فيهنَّ والشملُ جامعٌ / وأغصانُ عيشي مورقاتٌ أَثائثُ
وللهو مُهتادٌ أنيقٌ وللصبا / مَغانٍ بِهنَّ الغانياتُ لوابثُ
يُمنِّيننا منهنَّ نجحَ مواعدٍ / أكفٌّ بحباتِ القلوب ضَوابثُ
وأعيانُ غِزلانٍ مِراضٍ جُفونُها / لواحظُها في كل نفسٍ عوائثُ
إذا هن قرَّبن الظما من نفوسنا / إلى الرِّيِّ تُلقَى دون ذاك الهنَابثُ
ويحلفنَ لا ينقُضنَ في ذات بيننا / على الدهر معهوداً وهنَّ حوانثُ
وإن نحن أبرمنا القُوى من حِبالنا / أبى الوصلَ دهرٌ بالمحبين عابثُ
ومختلفاتٌ بالنمائمِ بيننا / نوابثُ عن أسرارنا وبواحثُ
يباكرنَ فينا نجعةَ العتبِ بيننا / كما انتجع الوِردَ العِطاشُ اللواهثُ
فبدَّد منّا الشملَ بعد انتظامِهِ / صروفٌ طوتْ أسبابنا وحوادثُ
وكلُّ جديدٍ لا مَحالةَ مُخلِقٌ / وباعثُ هذا الخَلْقِ للخلقِ وارثُ
وهنَّ الليالي حاكِماتٌ على الورى / بنقضٍ ولا يبقى عليهن ماكثُ
وَمَنْ لم ينلْ مُلكَ المكارمِ باللُّهى / فأموالُهُ للشامتينَ مَوارثُ
يسود الفتى ما كان حشوَ ثيابهِ / حِجاً وتُقىً والحلمُ من بعدُ ثالثُ
وغيثٌ على العافينَ منهمرُ الحيا / وليثٌ هصورٌ للعُداة مُلائِثُ
وصفحٌ وإكرامٌ وعقلٌ يَزينُهُ / خلائق لا يَخْزَى بهن دمائثُ
وكَفَّانِ في هذي رَدَى كل ظالمٍ / وفي هذه للمُستغيث مَغَاوثُ
فكن سيداً ذا نعمةٍ غيرَ خاملٍ / وصُن منكَ عِرْضاً أن يسبَّك رافثُ
كَشَيْخٍ رأيناه تزوَّج آنِفاً
كَشَيْخٍ رأيناه تزوَّج آنِفاً / فأمسى وما داناه كسرى المتوَّجُ
علا قَرْنُهُ في الجوِّ حَتَّى كأنه / إلى النجم يرقى أو إلى الله يَعْرجُ
على أنه جَعْدُ البنان دُحَيْدحٌ / إذا ما مشى مستعجلاً قيل يَدْرُجُ
أظنُّ أبا حفص سيَحْسَبُ أنه / هو الرجل المعْنيُّ والحق أبلجُ
إذا مادحٌ أرَّقْتَ عينيهِ باطلاً
إذا مادحٌ أرَّقْتَ عينيهِ باطلاً / كواكَ بمكْواة الهِجاء فأنضجا
فإن قلت سَمْجٌ ما أتيتَ فصادقٌ / وبخسُك حقّي كان من قبلُ أسمجا
على أنه لا ذنب عند ذوي النُّهى / لناقِد أرضٍ عرَّفَ الناسَ بهرجا
رأى الناسَ يغترُّون منك بظاهرٍ / كذوبٍ فجلَّى منْ غرُورِك ما دَجَا
هجاكَ فلم يترك رجاء لمَنْ رجا / جداكَ ولا بقَّى هجاءً لمن هجا
وقد كان من يرجوك في سجن حيرةٍ / فأَوجَدَهم مِن ذلك السِّجْنِ مخرجا
ألا رُبَّ غِرٍّ باعك النومَ لَيْلَهُ / وراقبَ ضوء الفجر حتى تبلّجا
يدبِّجُ فيك الشعر ضَلّ ضلالهُ / فكافأتَ بالحرمانِ ما كانَ دَبَّجَا
ألا أيُّهذا الناس طال ضريرُكُم
ألا أيُّهذا الناس طال ضريرُكُم / بآل رسول الله فاخشوا أو ارْتجوا
أكُلَّ أَوانٍ للنبي محمدٍ / قتيلٌ زكيٌ بالدماء مُضرَّجُ
تبيعون فيه الدينَ شرَّ أئِمَّةٍ / فلله دينُ الله قد كاد يَمْرَجُ
لقد ألحجوكم في حبائل فتنة / ولَلْملحِجُوكُم في الحبائل ألْحَجُ
بني المصطفى كم يأكل الناس شِلْوَكُم / لِبَلْواكُمُ عمّا قليل مُفَرَّجُ
أما فيهمُ راعٍ لحق نبيه / ولا خائفٌ من ربه يتحرجُ
لقد عَمَهُوا ما أنزل الله فيكُمُ / كأنّ كتاب الله فيهم مُمَجْمَجُ
ألا خاب من أنساه منكم نصيبَهُ / متاعٌ من الدنيا قليلٌ وزِبرجُ
أبعدَ المكنَّى بالحسين شهيدكم / تُضيء مصابيحُ السماء فَتُسْرَجُ
شَوىً ما أصابت أسهمُ الدهر بعده / هوى من هوى أو مات بالرمل بَحرَجُ
لنا وعلينا لا عليه ولا له / تُسَحْسِحُ أسرابُ الدموع وتَنْشِجُ
وكيف نُبكِّي فائزاً عند ربه / له في جنان الخلد عيشٌ مُخَرْفجُ
وقد نال في الدنيا سناءً وصِيتةً / وقام مقاماً لم يَقُمْهُ مُزَلَّجُ
فإن لا يكن حيّاً لدينا فإنه / لدى اللَه حيٌّ في الجنان مزوَّجُ
وكنَّا نرجِّيه لكشف عَماية / بأمثاله أمثالُها تتبلَّجُ
فساهَمَنَا ذو العرش في ابن نَبيِّه / ففاز به والله أعلى وأفلجُ
مضى ومضى الفُرَّاط من أهل بيته / يؤُمُّ بهم وِرْدَ المنية منهجُ
فأصبحتُ لا هم أبْسَؤُوني بذكره / كما قال قبلي في البُسُوء مُؤَرِّجُ
ولا هو نسَّاني أسايَ عليهمُ / بلى هاجه والشجوُ للشجو أَهْيجُ
أبيتُ إذا نام الخَليُّ كأنما / تَبطَّنَ أجفاني سَيَالٌ وعَوْسَجُ
أيحيى العلا لهفي لذكراك لهفةً / يباشر مَكْواها الفؤادَ فيَنْضجُ
أحين تَراءتك العيونُ جِلاءها / وإقذاءَها أضحتْ مَرَاثيك تُنسَجُ
بنفسي وإن فات الفداءُ بك الردى / محاسنُك اللائي تُمَحُّ فَتُنهَجُ
لمن تَسْتجِدُّ الأرضُ بعدك زينةً / فتصبحَ في أثوابها تتبرَّجُ
سلامٌ وريحانٌ ورَوحٌ ورحمةٌ / عليك وممدودٌ من الظلِّ سَجْسَجُ
ولا برح القاعُ الذي أنت جارُهُ / يَرِفُّ عليه الأقحوان المُفلَّجُ
ويا أسفي ألّا تَرُدَّ تحيةً / سوى أَرَجٍ من طيب رَمْسك يَأرجُ
ألا إنما ناح الحمائمُ بعدما / ثَوَيْتَ وكانت قبل ذلك تَهْزَجُ
أذمُّ إليك العينَ إن دموعها / تَداعَى بنار الحزن حين تَوهّجُ
وأحمدُها لو كفكفتْ من غُروبها / عليك وخَلَّتْ لاعجَ الحزن يلْعَجُ
وليس البكا أن تسفح العينُ إنما / أحرُّ البكاءينِ البكاءُ الموَلَّجُ
أتُمتِعُني عيني عليك بدمعة / وأنت لأذيال الرَّوامس مُدْرَجُ
فإني إلى أن يدفن القلبُ داءه / لِيَقْتُلَنِي الداءُ الدفين لأَحوجُ
عفاءٌ على دارٍ ظعنتَ لغيرها / فليس بها للصالحين مُعَرَّجُ
ألا أيها المستبشرون بيومه / أظلت عليكم غُمَّةٌ لا تفرَّجُ
أكلُّكُمُ أمسى اطمأن مِهادُه / بأنّ رسول الله في القبر مُزْعَجُ
فلا تشمتوا وليخسإ المرءُ منكُمُ / بوجهٍ كأَنَّ اللون منه اليَرَنْدَجُ
فلو شهد الهيجا بقلبِ أبيكُمُ / غداةَ التقى الجمعان والخيلُ تَمْعَجُ
لأَعطى يد العاني أو ارمدَّ هارِباً / كما ارْمَدَّ بالقاع الظليمُ المهيَّجُ
ولكنه ما زال يغشى بنحره / شَبا الحرب حتى قال ذو الجهل أهوجُ
وحاشا له من تِلْكُمُ غيرَ أنه / أبَى خطَّةَ الأمر التي هي أسمجُ
وأين به عن ذاك لا أين إنه / إليه بِعِرْقَيْهِ الزَّكيين مُحْرَجُ
كأني به كالليث يحمي عرينَه / وأشبالَه لا يزدهيه المُهَجْهِجُ
يَكرُّ على أعدائه كرَّ ثائرٍ / ويطعنهم سُلْكَى ولا يتخلَّجُ
كدأْب عَليٍّ في المواطن قبله / أبي حسنٍ والغصن من حيث يخرجُ
كأني أراه والرماح تَنوشُهُ / شوارعَ كالأشطان تُدْلَى وتُخْلَجُ
كأني أراه إذ هوى عن جواده / وعُفِّر بالتُّرْبِ الجبينُ المشجَّجُ
فحُبَّ به جسماً إلى الأرض إذ هوى / وحُبَّ به روحاً إلى الله تعرجُ
أأرديتُم يحيى ولم يُطْو أيْطَلٌ / طِراداً ولم يُدبْر من الخيل مَنْسِجُ
تأتَّتْ لكم فيه مُنَى السوء هَيْنَةً / وذاك لكم بالغيِّ أغرى وألهجُ
تُمَدُّون في طغيانكم وضلالكم / ويُسْتدرَج المغرور منكم فُيُدْرَجُ
أَجِنُّوا بني العباس من شَنآنكم / وأوْكُوا على ما في العِيابِ وأشْرِجوا
وخلُّوا ولاةَ السوء منكم وغيَّهم / فأحْرِ بهمْ أن يغرقوا حيث لجَّجوا
نَظَارِ لكم أنْ يَرجع الحقَّ راجعٌ / إلى أهله يوماً فتشجُوا كما شجوا
على حين لا عُذْرى لمُعتذريكُمُ / ولا لكُمُ من حُجة الله مخرجُ
فلا تُلْقِحُوا الآن الضغائن بينكم / وبينهُم إنَّ اللواقح تُنْتجُ
غُرِرتم إذا صدَّقْتُمُ أن حالة / تدوم لكم والدهر لونان أخْرَجُ
لعل لهم في مُنْطوِي الغيب ثائراً / سيسمو لكم والصبحُ في الليل مُولَجُ
بمَجرٍ تضيق الأرضُ من زفَراته / له زَجَلٌ ينفي الوحوشَ وهَزْمَجُ
إذا شيمَ بالأبصار أبرقَ بيضُهُ / بوارقَ لا يَسْطِيعُهُنَّ المُحمِّجُ
تُوامضه شمسُ الضحى فكأنما / يُرَى البحرُ في أعراضه يتموَّجُ
له وَقْدةٌ بين السماء وبَيْنَهُ / تُلِمُّ بها الطيرُ العَوافي فتُهرَجُ
إذا كُرَّ في أعراضه الطرفُ أعرضت / حِراجٌ تحارُ العينُ فيها فتحْرَجُ
يؤيده ركنان ثَبْتان رَجْلُهُ / وخيلٌ كأَرسال الجراد وأَوْثَجُ
عليها رجال كالليوث بسالةً / بأمثالها يُثْنَى الأبيُّ فَيُعْنَجُ
تدانوا فما للنقع فيهم خصاصة / تُنَفِّسه عن خيلهم حين تُرْهجُ
فلو حصبتْهم بالفضاء سحابةٌ / لَظلَّ عليهم حصبُها يتدحرجُ
كأَن الزِّجَاجَ اللَّهذمياتِ فيهمُ / فَتِيلٌ بأطراف الرُّدْينِيِّ مُسْرجُ
يودُّ الذي لاَقوْهُ أن سلاحه / هنالك خَلْخَالٌ عليه ودُمْلُجُ
فيدركُ ثأرَ الله أنصارُ دينه / ولله أوْسٌ آخرون وخزْرجُ
ويقضي إمام الحق فيكم قضاءَهُ / تماماً وما كلُّ الحوامل تُخْدَجُ
وتظعن خوفَ السَّبي بعد إقامة / ظَعائنُ لم يُضرب عليهنَّ هودجُ
وقد كان في يحيى مُذَمِّرُ خطّةٍ / وناتجها لو كان للأمر مَنْتَجُ
هنالكُمُ يشقَى تَبَيُّغُ جهلكم / إذا ظلت الأعناقُ بالسيف تُودَجُ
محضْتكُم نصحي وإنِّيَ بعدها / لأعنِقُ فيما ساءكم وأُهَمْلِجُ
مَهٍ لا تعادَوا غِرّةَ البغي بينكم / كما يتعادى شعلةَ النار عَرْفجُ
أفي الحقِّ أن يُمسوا خِماصاً وأنتُمُ / يكاد أخوكُم بِطنةً يتبعَّجُ
تَمَشُّون مختالين في حُجراتِكم / ثقالَ الخُطا أكفالُكم تترجرجُ
وليدُهُم بادي الطَّوى ووليدُكم / من الريف ريَّانُ العظام خَدَلَّجُ
تذودونهم عن حوضهم بسيوفكم / ويَشْرع فيه أَرتبيلُ وَأَيْدُجُ
فقد ألجمتهم خِيفةُ القتل عنكُمُ / وبالقوم حاجٌ في الحيازم حُوَّجُ
بنفسي الأُلَى كظَّتهُم حسراتُكم / فقد عَلِزُوا قبل الممات وحَشرجوا
ولم تقنعوا حتى استثارت قُبُورَهم / كِلاَبُكُمُ منها بهيم ودَيْزجُ
وعيَّرتموهم بالسَّواد ولم يزل / من العَرَب الأمحاض أخضرُ أدعجُ
ولكنكم زرق يزين وجوهَكم / بني الرُّوم ألوانٌ من الرُّوم نُعَّجُ
لئن لم تكن بالهاشميين عاهةٌ / لما شَكْلُكُم تالله إلا المُعلْهجُ
بآيةِ ألا يبرحَ المرءُ منكُمُ / يُكَبُّ على حُرِّ الجبين فيُعفَجُ
يبيت إذا الصهباءُ رَوَّتْ مُشاشَه / يُساوِره علجٌ من الروم أعلجُ
فيطعنه في سَبَّة السوء طعنةً / يقوم لها من تحته يتفحَّجُ
لذاك بني العباس يصبر مثلُكُم / ويصبر للموت الكميُّ المدجَّجُ
فهل عاهةٌ إلا كهذي وإنكم / لأَكذبُ مسؤول عن الحق يَنهجُ
فلا تجلسوا وسط المجالس حُسَّراً / ولا تركبوا إلا ركائِبَ تُحْدَجُ
أبى الله إلا أن يَطيبوا وتخبثوا / وأن يسبقوا بالصالحات وتُفْلَجُوا
وإن كنتُمُ منهم وكان أبوكُمُ / أباهم فإن الصّفْو بالرَّنق يُمزَجُ
أروني امرءاً منهم يُزَنّ بأُبْنَةٍ / ولا تنطقوا البهتان فالحق أبلجُ
لعمري لقد أغرى القلوبَ ابنُ طاهر / ببغضائكم ما دامت الريحُ تَنْأَجُ
سعى لكُمُ مَسعاةَ سوء ذميمةً / سعى مثلَها مستكره الرِّجْلِ أعرجُ
فلن تعدموا ما حنَّت النيَّب فتنةً / تُحشُّ كما حُشَّ الحريقُ المؤجَّجُ
وقد بدأت لو تَزْجُرُونَ بَرِيْحَها / بوائجُها من كلِّ أوبٍ تبوَّجُ
بني مصعب ما للنبي وأهله / عدوُّ سواكم أفْصِحوا أو فلَجْلِجُوا
دماءُ بني عبَّاسكم وعَلِيِّهمْ / لكم كدماء الترك والروم تُهْرَجُ
يلي سفكَها العورانُ والعرجُ منكُم / وغوغاؤكم جهلاً بذلك تَبْهَجُ
وما بكُم أن تنصروا أولياءَكم / ولكنْ هَناتٌ في القلوب تَنجنَجُ
ولو أمْكَنَتكُمْ في الفريقينِ فرصةٌ / لقد بُيِّنَتْ أشياءُ تلوَى وتُحْنَجُ
إذن لاستقدتم منهما وِتْر فارسٍ / وإن وَلَّياكم فالوشائجُ أوشجُ
أبى أن تُحِبُّوهُم يدَ الدهرِ ذكرُكُم / لياليَ لا ينفكُّ منكم متوَّجُ
وإني على الإسلام منكم لَخائفٌ / بوائقَ شتّى بابُها الآن مُرتَجُ
وفي الحزم أن يستدرِك الناسُ أمركم / وحبلُهُمُ مستحكِمُ العقْدِ مدْمَجُ
نَظَارِ فإن الله طالبُ وتره / بني مصعبٍ لن يسبق اللهَ مُدْلِجُ
لعلَّ قلوباً قد أطلتم غليلها / ستظفر منكم بالشفاء فتُثلجُ
عقيدَ النَّدى أطلِقْ مدائح جمّةً
عقيدَ النَّدى أطلِقْ مدائح جمّةً / حبائس عندي قد أَتَى أن تُسرَّحا
ولم أحتَبِسها إذ حبستَ مثوبتي / لأن مديحاً لم يجد بعدُ مَمْدحا
ولا أن بيتاً في قريضي مثبَّجاً / أخاف لدى الإنشاد أن يُتصفَّحا
وما كان فيما قلت زيغٌ علمتُهُ / فأرجأتُهُ حتى يقامَ ويُصلَحا
ولكنَّ لي نفس عليك شفيقةٌ / تحاذر وِجدانَ العدا فيك مَقْدحا
إذا استشهدتْ ألحاظُهم عند مُنشَدي / شواهدَ وجدٍ إنْ تعاجمتُ أَفْصحا
فأدَّى إليهم كلَّ ما قد علمتَه / رُواءً إذا ورَّى لسانيَ صرّحا
هنالك يُنْحِي الحاسدون شِفارَهم / لِعرضٍ مُناهم أن يَرَوْا فيه مَجْرحا
فَتُلْحَى لعمري في ثوابٍ لويتَه / وأنت امرؤ في الجود يلحاك من لحَا
وكنت متى يُنشَدْ مديحٌ ظلمتَه / يكن لك أهجى كلما كان أَمْدحا
إذا أحسن المدحَ امرؤ كان حُسْنُه / للابِسِه قبحاً إذا هو أقبحا
ومبتسمٌ للمدح في ذي مروءةٍ / فلما درى أنْ لم يثوِّبه كلَّحا
رأى حسناً لاقاهُ جازٍ بسيِّئٍ / فهلّل إكباراً لذاك وسبَّحا
غششتُك إن أنشدتُ مدحِيك عاطلاً / وعرَّضْتُك اللُّوَّام مُمْسىً ومُصْبَحا
ولستُ براضٍ أن أراه مطوَّقاً / من العرف طوقاً أو أراه موشَّحا
لأبهِجَ ذا ودٍّ وأكبتَ حاسداً / مَسوءاً بما تُسدي وأُهْدي مُترَّحا
وأدفع لؤماً طالما قد دفعتُه / بجهدي فأمسى عن ذَرَاكَ مزحزحا
مودّةُ نفسٍ شُبتُها بنصيحةٍ / وأنت حقيقٌ أن تُوَدَّ وتُنْصحا
وإن كنتُ ألقى ما لديك ممَنَّعاً / ويلقاه أقوامٌ سواي ممنَّحا
فيا أيها الغيثُ الذي امتدّ ظله / رُواقاً على الدنيا وصاب فَسَحْسحا
ويا أيها المرعى الذي اهتزَّ نبتُه / وَبَكّر فيه خصبُه وتَروَّحا
عذرتُك لو كانت سماءٌ تقشَّعت / سحائبها أو كان روضٌ تَصوَّحا
ولكنها سُقْيا حُرمتُ رويَّها / وعارضُها مُلقٍ كلاكل جُنَّحا
وأكلاء معروفٍ حُمِيتُ مريعَها / وقد عاد منها السهل والحَزنُ مسْرحا
عَرضتُ لأَذوادي وبحرُك زاخرٌ / فلما أردن الوِرْدَ ألفَينَ ضَحضَحا
فلو لم تَرد أذوادُ غيري غِماره / لقلت سرابٌ بالمتان تَوضَّحا
فيا لك بحراً لم أجد فيه مشرباً / وإن كان غيري واجِداً فيه مَسْبحا
سأَفخر إذ أعطانيَ الله مَفخراً / وأبجحُ إذ أعطاني الله مَبْجَحا
مديحي عصا موسى وذلك أنني / ضربتُ به بحر الندى فتضحضحا
فيا ليت شعري إن ضربتُ به الصَّفا / أيَبعث لي منه جداولَ سُيَّحا
كتلك التي أبدت ثرى البحر يابساً / وَشَقَّت عيوناً في الحجارة سُفَّحا
سأمدح بعض الباخلين لعلَّه / إن اطّرَدَ المقياسُ أن يتَسمّحا
ملكتَ فأسجح يا أبا الصقر إنه / إذا ملك الأحرار مثلُك أسجحا
تقبّل مديحي بالندى مُتقبَّلاً / أو اطرحه بالمنع المبيَّن مطرحا
فما حقُّ من أطراك ألا تثيبه / إياساً ولا يأساً إذا كان أروحا
ألم ترني جُمَّت عليك قريحتي / وكان عجيباً أن أُجِمَّ وتنزحا
فآونةً أكسوك وَشْياً محبَّراً / وآونة أكسوك ريطاً مُسيَّحا
محضتُك مدحاً أنت أهلٌ لمحضه / وإن كان أضحى بالعتاب مُضَيَّحا
وهبنيَ لم أبلغ من المدح مَبْلغاً / رضيّاً ألمْ أكْدَح لذلك مَكْدحا
بلى واجتهادُ المرءِ يوجب حقَّه / وإن أخطأ القصدَ الذي نحوَه نحا
أتاك شفيعي واسمه قد علمتَه / لتُرجِعه يدعى به وبأفْلحا
ومونقةِ الرواد مهتزة الربا
ومونقةِ الرواد مهتزة الربا / يحاسنُها سارٍ وغاد ورائحُ
توقَّد فيها كلما تَلَّعَ الضحى / مصابيحُ تذكو حين تخبو المصابحُ
تُضاحك نُوَّاراتُها زهرَاتها / لها أرَج في نافح العطر نافحُ
إذا مدّها المهموم في صُعدائه / إلى قلبه انساحت عليه الجوانحُ
زجرتُ ثناء الناس ثم انتجعته / ولم يتخالجني سَنيح وبارحُ
نصحت أبا بكر فردَّ نصيحتي
نصحت أبا بكر فردَّ نصيحتي / وقال صهٍ وجهُ المحرِّش أقبحُ
وحدثتُه عن أخته فصَدَقته / وأمحضُ نصح الناصحين المصرَّحُ
فقال عذيري منك شَيْخاً مضلَّلاً / أنَبْخَلُ يا هذا وأختي تَسمَّحُ
لها أجرُها إن أحسنتْ فلنفسها / وميزانُها يومَ القيامة يرجَحُ
أتعجب من أنثى تُناك بحقِّها / وهأنذا شيخٌ أُكَبُّ فأُنكَحُ
فقلت له حسبي لها بك قدوةً / أَقِلْني فإني إنما كنت أمزحُ
فذلك أغراه بهجري ولن ترى / زمانَك هذا تاجرَ النصح يربحُ
أيا ابن حريثٍ لا تَهِدْك عَضيهَةٌ / فإنك بالهُون الطويل موقَّحُ
وكن آمناً سير الهجاء فإنما / يسيِّره المرءُ المهجَّى الممدَّحُ
نباهةُ أشعار الفتى وخمولُها / على حَسْبِ من تلقاه يهجو ويمدحُ
فإن قالها في نابهٍ حُمِلَتْ له / وإن قالها في خاملٍ فهي رُزَّحُ
تسير بسيْر اسم المقُولَة باسمه / فَتَسْنَحُ في الآفاق طوراً وتبرحُ
عجبت لِقيل الناس إنك أَقرنٌ / وأنت الأجَمُّ المُستضام المُنطحُ
فكيف تُبارى بالقرون وطولها / ولستَ تُرَى عن نعجة لك تَنطحُ
تعرضتَ لي جهلاً فلما عَجمتني / تكشَّف عنك الجهلُ والليل يُصْبَحُ
وما كنت إلا ثعلباً بتَنوفة / أتيحت له صقعاءُ في الجو تَلمحُ
تَصُفُّ له طوراً وتقبضُ تارةً / إذا ما أفاءت فوقه ظل يَضْبَحُ
فلمَّا تعالت في السماء فحلّقت / وأمكنَها والأرض دَرْمَاءُ صَرْدَحُ
تدلَّت عليه من مدى مُسْتَقَلّها / وبينهما خَرقٌ من اللوح أفيحُ
برِزٍّ تُصيخُ الطير منه مخافة / فهنَّ مُصِفَّاتٌ على الأرض جُنّحُ
وكم قَائلٍ لَمَّا هجوتك غيرةً / أمالك في أعراضنا مُتَنَدَّحُ
أراها فأزْدادُ اشتياقاً وصَبْوَةً
أراها فأزْدادُ اشتياقاً وصَبْوَةً / وإن نزحَتْ فالموتُ دون نُزُوحِها
فليس شِفَاءُ النفسِ مِمَّا أحبُّه / لِعَفْرَاءَ إلا لَزَّ رُوحي بِروحها

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025