المجموع : 149
غَدَت أَعيُنٌ لِلناسِ رُمداً مُصابَةً
غَدَت أَعيُنٌ لِلناسِ رُمداً مُصابَةً / بِعَينيكَ إِنَّ السِحرَ مِنها يُؤثِّرُ
وَكَم أَثَّرَت عَيناكَ في أَعيُنِ الوَرى / إِلى أَن غَدَت في نَفسِها تَتَأَثَّرُ
كَذا الصارِمُ الصَّمصامُ إِن دامَ قاطِعاً / يَصِر فيهِ مِنهُ عِندَ ذاكَ تَأثُّرُ
أَرى كُلَّ عُضوٍ في الفَتى نافِعاً لَهُ
أَرى كُلَّ عُضوٍ في الفَتى نافِعاً لَهُ / سِوى واحد فيهِ جَلوب لَهُ الضرّا
فَأَقبِح بِهِ عُضواً يولِّدُ أَفرُخاً / وَيُكسِبُهُ ذُلاً وَيُعقِبُهُ فَقرا
وَلَو أَنَّهُ يُكفاهُ عاشَ مُمَتَّعاً / بِدُنياهُ مَرجُوّاً لَهُ الفَوزُ في الأخرى
أَسحرٌ لِتلكَ العَينِ في القَلبِ أَم وَخز
أَسحرٌ لِتلكَ العَينِ في القَلبِ أَم وَخز / وَلينٌ لِذاكَ الجسمِ في اللَمسِ أَم خَزُّ
وَأملود ذاكَ القَدّ أَم أَسمَرٌّ غَدا / لَهُ أَبَداً في قَلبِ عاشِقِهِ وَهزُ
فَتاة كَساها الحُسنُ أَفخرَ مَلبَسٍ / فَصارَ عَلَيهِ مِن مَحاسِنِها طرزُ
وَأَهدى إِلَيها الغُصنُ لينَ قوامِهِ / فَماسَ كَأَنَّ الغُصنَ خامرَهُ العِزُّ
يَضوعُ أَديمُ الأَرضِ مِن نَشر طيبِها / وَيخضَرُّ في آثارِها تُربُهُ الجرزُ
وَتَختالُ في بُردِ الشَبابِ إِذا مَشَت / فيُنهِضُها قَدٌّ وَيقعِدُها عَجزُ
أَصابَت فُؤادَ الصَبِّ مِنها بِنَظرَةٍ / فَلا رُقيةٌ تُجدي المُصابَ وَلا حِرزُ
أَقامَ زَماناً وَهوَ أَخرَسُ باهِتٌ / فَإِن رامَ تَكليماً يَكونُ لَهُ رَمزُ
وَلَو أَنَها تَسخو بِأَدنى وِصالِها / لأَقنَعَهُ المسكينُ مِن لَحظِها غَمزُ
أَهاجَكَ ربعٌ حائِلُ الرَسمِ دارسُه
أَهاجَكَ ربعٌ حائِلُ الرَسمِ دارسُه / كَوَحيِ كِتابٍ أَضعفَ الخَطَّ دارِسُه
غَدا موحِشاً بَعدَ الأَنيسِ وَلَم يَكُن / لِيوحش إِلا وَهوَ قَد بانَ آنسُه
تَبدَّل مِن لَمياءَ ريماً وَقَلَّما / يُجانِسُها ظَبيُ الفَلا أَو تُجانِسُه
وَهَب أَنَّهُ يُحكى بجيدٍ وَمُقلَةٍ / فَأينَ لَهُ لَدنُ الأَراكِ وَمايِسُه
غنينا زَماناً آمِنينَ بِغِبطَةٍ / فَفَرَّقَنا صَرفٌ مِن الدَهرِ بائِسُه
زَمان يُلَبّي القَلبُ داعِيَ صَبوَةٍ / وَيَسبي حِجاهُ ناغِش الطَّرفِ ناعِسُه
مِن الترك لَم يُربَع بِنَجدٍ وَإِنَّما / رَبا في عَرينِ اللَيثِ وَاللَيثُ حارِسُه
فَلا وَصلَ إِلا مِن تَلَفُّتِ نَظرَةٍ / تجاهِرُهُ حيناً وَحيناً تُخالِسُه
غَرَستُ بِلَحظي الوردَ في وَجَناتِهِ / وَلَكنَّهُ لا يَجتَني مِنهُ غارِسُه
جَميلٌ كَأَنَّ الحسنَ خُيِّرَ فَاغتَدى / خصيصاً بِهِ إِذ لا نَظيرَ يُنافِسُه
فَلِلشَمسِ ما تُبديه غُرَّةُ وَجهِهِ / وَللكثبِ ما تُخفيهِ مِنهُ ملابِسُه
جَرى فَجرى الضرغامُ في أَجَماتِهِ / غَدا وَهوَ جَهمُ الوَجهِ أَربد عابِسُه
بَراهُ الطَوى حَتّى كَأَنَّ زَئيرَهُ / بُغامٌ وَشَبحاً مِنهُ واراهُ رامِسُه
فَمرَّ بِهِ خيطٌ مِن الوَحشِ آنَسَت / سَنا مُقلَةٍ تَدنُو وَصَوتاً يُهامِسُه
فَفَرَّت هَوادِيها وَأفردَ قَرهَبٌ / مُذلَّق مَدرىً مُهلِكٌ مَن يُراعِسُه
أَقاما زَماناً وَهوَ قَد ضَبَئَت بِهِ / بَراثنُ فيهِ فَهوَ لا شَكَّ فارِسُه
بِأَفتكَ مِنهُ حينَ يَرنُو بِمُقلَةٍ / تُريكَ الرِضى وَالمَوتُ فيهِ مُلابِسُه
وَدَويَّةٍ تَيهاءَ غُفلٍ سَلَكتُها / وَجنحُ ظَلامِ اللَيلِ تَسطو حَنادِسُه
قَصِيّةُ أَرجاءٍ قَريبَةُ متلَفٍ / يَظَلُّ بِها الخَرِّيتُ يَحتارُ هاجِسُه
وَقَد سَلَكت فيها السَعالى مُلاوَةً / فَخافَت بِها إِذ لَم تَجِد مَن تُلابِسُه
إِذا عَزَفت لَيلاً أَجابَ لَها الصَدى / يَطِنُّ بِهِ طامٍ مِن القُفِّ طامِسُه
وَمنهلُ قَلتٍ وَسطَ قُنَّةِ شامِخٍ / تُلَطِّفُهُ في كُلِّ حين رَوامِسُه
وَتُنقِصُهُ يُوحٌ بِحَرِّ سُمومِها / فَيُربيه مُنهَلُّ الغَمامِ وَباجِسُه
تَظَلُّ سِراعُ الفَتخ يسقطنَ دونَهُ / فَلَيسَ لَها وردٌ وَقَد عَزَّ لامِسُه
وَرَدَّت وَقَد مَجَّت ذُكاءُ لُعابها / بِنحرِ فَتىً حرُّ الهَجيرِ يُوانِسُه
بِقَلبٍ تَكادُ النارُ مِن نَفَيانِهِ / تُشَبُّ وَيُوري شُعلَةً مِنهُ قابِسُه
وَبحرٍ كَثيفِ الجانِبَينِ عَرَمرَمٍ / تضيءُ لَنا مثلُ الشُموسِ فَوانِسُه
وَقَد مَلأَ الأَرضَ الفَضاءَ كَأَنَّما / تُمَدُّ بِأَملاكِ السَماءِ فَوارِسُه
إِذا ماجَ بِالأَرضِ ابذَعَرّت وُحوشُه / وَضاقَت بِهِ أَنجادُهُ وَأَواعِسُه
مَطوتُ بِهِ في السَيرِ في طَلَبِ العِدا / عدا الدين حَتّى عادَ للدينِ شامِسُه
عَلى رَبذٍ سامي التَليلِ كَأَنَّهُ / يُعارضُهُ مِن أَشهبِ البَرقِ ناخِسُه
عَبوثٍ بِأَشلاءِ اللجامِ كَأَنَّما / بِهِ أَولَقٌ حَتّى لَقَد ضَجَّ سايِسُه
وَغَيث وَليّ في قَرارةِ وَهدةٍ / أَقامَ بِهِ رَطبُ النَباتِ وَيابِسُه
بعيدٌ عَن الروّادِ لَيسَ بِمَعلَمٍ / مَخُوفٍ بِهِ الآسادُ تَسطو عَنابِسُه
مَلاعِبُ ضِرغامٍ مَزاحِفُ ضَرزَمٍ / قَتولٌ بِنَفثِ السُمِّ من هُوَ دايِسُه
إِذا انسابَ في يَبسٍ يَمُرُّ كَأَنه / حَريقٌ تَلظّى أَو خَريقٌ نُلامِسُه
فَما يَأتِ مِن وَحشٍ لوردٍ فَإِنَّهُ / يُناهِشُهُ هَذا وَذاكَ يُناهِسُه
فَكائن بِهِ مِن آهبٍ قَد تَمَزَّقَت / وَشِلوِ لجام ماتَ مَن هُوَ ناهِسُه
هَبَطتُ وَفي كَفّي رَسُوبٌ كَأَنَّهُ / سَنا البَرقِ وَهناً لاحَ وَاللَيلُ دامِسُه
وَراحَ أَبُوها ابنُ الغَمامِ وَأمُها / اِبنَةُ الكَرمِ عَرشاً طابَ مِنهُ مَغارِسُه
صَفَت فَأَرَتنا ذاتَها مِن إِنائِها / وَلاحَت لَنا لَونينِ قانٍ وَوارِسُه
جَلوبٌ لأَنواعِ السُرورِ تهونُ في / صِيانَتِها نَفسُ الفَتى وَنَفائِسُه
وَتُكسِبُ عَقلَ المَرءِ بَأساً وَنائِلاً / فَتُخشى عَواليهِ وَتُغشى مَجالِسُه
تَمَزَّزتُها صِرفا فَعاثَت بِنهيتي / تُريني مُليكاً كِسرَوِيّاً أفاعِسُه
وَرَوض يَفاع نادَمَتهُ لطائِف / مِن المُزنِ تَندى وَهوَ وَطفٌ نَواعِسُه
فَتُشرِقُ فيهِ الشَمسُ تُلقي شُعاعَها / عَلَيهِ فَيَبدو وَهوَ تُجلى عَرائِسُه
أَقَمتُ بِهِ يَوماً أُغازِلُ جُؤذَراً / مِن التُركِ أَخطا من بِشَمسٍ يُقايِسُه
وَيَوماً أُعاطِي قَهوَةً ذَهَبيَةً / أَخا ثِقَةٍ خِلاً قَليلاً وَساوِسُه
وَيَوماً أُغادي للسماعِ لِغادَةٍ / لَطيفة جسِّ العودِ يُطرِبُ نامِسُه
وَيَوماً أجيلُ العَينَ في زَهَراتِهِ / أُشاهِدُ مَخلوقاً غَريباً مَقايِسُه
فَمِن أَحمرٍ في أَخضَرٍ مَعَ أَصفَرٍ / وَأَبيضَ مَع مسودِّ لَونٍ يُجانِسُه
وَيَوماً لهوناهُ بغَرثانَ أَدرَعٍ / لَهُ أنيبٌ عُصلٌ وَلَحظٌ يُشاوِسُه
يسُوف ترابَ الوَحشِ أَينَ مَقَرُّهُ / فَيُغنيهِ عَن لَمحِ العُيونِ مَعاطِسُه
فَكَم إجَّلٍ أَردى وَكَم قَرهَبٍ فَرى / فَلا خُزَزٌ ناجٍ وَلا هِقل يائِسُه
إِذا نَحنُ أَشليناهُ أطلقتُ تابِعاً / لَهُ أَسفَعَ الخَدينِ ذُلقا نَواهِسُه
فَحلَّقَ صُعداً ثُم أَبصَرَ بِالصُوى / ثعالةَ يردى وَهوَ بَهرٌ مَنافِسُه
فَسامَتهُ وَانقَضَّ يلطُمُ وَجهَهُ / جَناحاهُ وَالغرثانُ وافى يُمارِسُه
وَلم يَبرَحا حَتّى أَفاتاهُ نَفسَهُ / فَمِن دَمِهِ يَروى لغوبٌ وَلاحِسُه
فَيا حَبَّذا يَومٌ وَثانٍ وَثالِثٌ / وَرابعُ يَومٍ طابَ وَاليَوم خامِسُه
لَقَضَّيتُ أَيّامي بِأُنسٍ وَلَذَّةٍ / فَخامِسُها يَتلوهُ في الأُنسِ سادِسُه
وَدَيرٍ بِمَوماةٍ قَصِيٍّ عَن الوَرى / يَدُلُّ عَلَيهِ التائِهينَ نَواقِسُه
حَوى مِن بَناتِ الرومِ أَقمارَ غَزلةٍ / وَولدانَهُم حَتّى لَغَصَّت كَنائِسُه
تَناظَرَ فيهِ الحُسنُ أَينَ مَقَرُّهُ / أداماتُهُ يَختارُها أَم شمامِسُه
طَرَقتُ وَسيدُ الخرقِ يَغسِلُ ساغِباً / وَقَد راءَ قِرناً لا تُرامُ مَخالِسُه
فَأَقعى قَليلاً ثُم يطفِرُ طامِعا / فَأَعجَلَه سَهمٌ عَن القَصدِ حابِسُه
وَأَوجَرتُهُ خَطِّيَّةً ثُمَ مَخذماً / فَقَد قُطِعَت أَوصالُهُ وَكرادِسُه
وَكُنتُ بِمَرأى مِن ذَوي الدَّيرِ فَاِغتَدى / عَلى راحَتي مَسحاً وَلَثماً قَساوِسُه
أَرَحتُهُمُ مِن غاشِمٍ كانَ دَأبُهُ / إِذايَتَهُم وَالظُلمُ يَردى مَلابِسُه
وَأَشمط بَهّاتٍ غَريبٍ مُمَزَّقٍ / رَميةِ أَفّاقٍ كَثير دَهارِسُه
فَفي السِيمِيا وَالكيميا مَع طَلاسِمٍ / وَزُرقٍ وَأَوفاقٍ وَرَملٍ خَلابِسُه
وَرميٍ وَتَنجيمٍ وَضَربٍ لِمَندَلٍ / وَإِحضارِ عفريت وَجِنٍّ يُهامِسُه
وَتَغويرِ ماءٍ وَاحتِفارِ مَطالِبٍ / وَضَربِ حَصىً وَالسُمُّ جُدِّعَ عاطِسُه
وَرُؤيا مَناماتٍ وَسَمعٍ لِهاتفٍ / وَدَعوى كَراماتٍ وَخُضرٍ بَواجِسُه
يُداهِي عُقول الناسِ إِذ دَسَّ نَحوَها / مُحالاتِهِ وَالشَيخُ جَمٌّ دَسائِسُه
رَآني أَخا صَمتٍ وَسَمتٍ فَظَنَّني / تُؤثِّر في المُوهِماتُ هَوادِسُه
وَلَم يَعرف المسكينُ أَنّي أَنا الَّذي / قَرَأتُ حُروفاً لَم تُجزِها قَراطِسُه
وَدَرَّستُ فَنَّ العِلمِ حَتّى لَقَد غَدَت / مَحافِلُهُ بي تَزدَهي وَمَدارِسُه
وَصَنَّفتُ فيهِ عِدَّةً مِن صَحائِفٍ / تَضيَّقُ عَنها إِذ تُعَدُّ فَهارِسُه
وَكَم بَيتِ شعرٍ قَد وَضَعتُ عِمادَهُ / عَلى بَحرِ علمٍ فيهِ بَحري دايِسُه
وَمِن فِقَرٍ قَد غُصتُ في البَحرِ مُخرِجاً / لآلئَها ذهني لَها هُوَ غاطِسُه
إِذا قَرَعَت سَمعَ الحَسودِ فَإِنَّهُ / يُرى وَهوَ غَيظا باهِتَ الطَرفِ ناكِسُه
وَمَيدانِ علمٍ قَد حَضَرتُ وَلَم يَكُن / لِغَيري إِحضارٌ بِهِ أَنا فارِسُه
إِذا قُلتُ أَصغى أَهلُهُ وَتَفهَّموا / غَوامضَ قَد أَعيت عَلى مَن يُجالِسُه
لَنَوَّةَ بِي علمي وَزِدتُ جَلالَةً / وَغَيريَ فيهِ خاملُ الذكرِ باخِسُه
وَطبَّقَ ذكري الأَرض حَتّى كَأَنَّما / أَنا مَثَلٌ سارٍ تخبُّ عَرامِسُه
كَأَنِّيَ شَمسٌ قَد أَضاءَ بِنُورِها / جَميعُ الدُنى مَعمورُهُ وَدوارِسُه
لِيَشنا حَياتي مَن أَرادَ فَإِنَّني / شَجاحَلقِهِ حَتّى يُوارِيهِ رامِسُه
ضنيت فَلَما جاءَني مَن أُحِبُّهُ
ضنيت فَلَما جاءَني مَن أُحِبُّهُ / أَزالَ الضَنى عَني وَسُرَّت بِهِ النَفسُ
فَنادَمتُ مِنهُ البَدرَ يَبهَرُ نورُهُ / فَيا مَن رَأى بَدراً يُنادِمُهُ الأنسُ
تَمَتَّعتُ مِن أُنسٍ بِهِ اِثنينِ لَم نُرَع / فَلَما أَتانا ثالِثٌ ذهبَ الأنسُ
أشيرُ لَهُ بِاللَثمِ إِن كانَ غافِلاً / وَيَأنَفُ صَوناً أَن يَرى بَينَنا لَمسُ
أَدارَ عَلَيَّ الكَأسَ مَلأى صَبابَةً / فَها أَنا نَشوانٌ ولَم تَفرغ الكَأسُ
أَبا النَصرِ لا يَنفَكُّ حُبُّكَ ساكِناً / صَميمَ فُؤادِي أَو يَضمنِيَ الرمسُ
أَلا عَلِّلَن قَلباً بِأَيسرِ كَلمَةٍ / فَقَد شَفَّها وَجدٌ وَقَد غالَها اليَأسُ
وَيُزهى الفَتى بِالمال وَالجاهِ في الدُّنى
وَيُزهى الفَتى بِالمال وَالجاهِ في الدُّنى / وَلذةِ مَطعومٍ وَناعمِ مَلبوسِ
وَغايتُهُ ضعفٌ وَشَيبٌ وَميتةٌ / وَقَبرٌ وَبَعثٌ للنَعيمِ أَو البُوسِ
تَذكَرتُ تَقبيلاً لأَنمُل راحَةٍ
تَذكَرتُ تَقبيلاً لأَنمُل راحَةٍ / بِراحَتِها جُرحُ النَوائبِ قَد يُوسى
فَأَرسَلتُ طُرسِي نائِباً عَن فَمي لَها / فَيا حُسنَهُ طُرساً بِها صارَ مَلموسا
أَناملُ لَم تُخلَق لِغَيرِ مَكارِمٍ / فَكَم جَلَبت نُعمى وَكَم أَذهَبت بُوسا
مَتى تَسمحُ الأَيامُ بِالرِحلةِ الَّتي / تُرينيَ رَبعاً بِالمَكارمِ مَأنوسا
وَتَشهدُ قُطباً لِلسيادَةِ دائراً / بِهِ فلكُ العَلياءِ بالسَعدِ مَحروسا
كَريمٌ إِذا ما طَوَّحت غُربةُ النَوى / إِلَيهِ بِعافٍ صارَ في الجودِ مَغموسا
إِذا اِسوَدَّت الأَيدي لِبُخلٍ يُشينُها / فَكم مِن يَدٍ بَيضاءَ جادَ بِها مُوسى
أَمِن بَعدِ أَن حَلَّت نُضَيرة في الرَمسِ
أَمِن بَعدِ أَن حَلَّت نُضَيرة في الرَمسِ / تَطيبُ حَياتي أَو تَلَذُّ بِها نَفسِي
فَتاةٌ عَراها نَحوَ سِتَةِ أَشهرٍ / سُقامٌ غَريبٌ جاءَ مُختَلِف الجِنسِ
فحبنٌ وَحُمّى ثُمَ سُلٌّ وَسَعلَة / وَسَكبٌ فَمَن يَقوى عَلى عِللٍ خَمسِ
وَكانَت رَأَت رُؤيا مِراراً وَأَنَّها / تَروح مِن الدُنيا إِلى حَضرَةِ القُدسِ
فَقرَّ حَشاها وَاِطمَأَنَّت لما رَأَت / جِنانا وَكانَت مِن حَياةٍ عَلى يَأسِ
فَما ضجِرَت يَوماً وَلا اِشتَكَت الضَنى / وَلا ذَكَرَت ماذا تُقاسِي مِن اليأسِ
قَضَت نَحبَها في يَوم الاثنينِ بَعدَما / تبدّى لَنا قرنُ الغَزالَةِ كَالوَرسِ
فَصَلّى عَلَيها الناسُ يثنونَ وَاِنثَنَوا / بِها لضريحٍ مُظلمٍ موحشِ الطَمسِ
يُونِّسها في رَمسِها العمل الَّذي / تَقدَّمَها أَعظِم بِهِ ثُمَّ من أُنسِ
وَراحَت إلى رَبٍّ كَريمٍ نَظيفَةً / مبرأةً مِن كُلِّ ذام وَمِن رِجسِ
وَما وَلَد النسوانُ أُنثى شَبيهها / وَأَنّى يُقاسُ الأَنجمُ الزهرُ بِالشَمسِ
وَكانَت نضارُ نِعمَت الخَودُ لَم تَزَل / على طاعَةِ الرَحمنِ تُضحي كَما تُمسي
نَجيةُ قُرآن تُردِّدُ آيَهُ / مُقسمةً بَينَ التَدَبُّرِ وَالدَرسِ
وَحامِلَةُ الآثارِ عَن سَيِّدِ الوَرى / مُحمدٍ المَبعوثِ للجِنِّ وَالإِنسِ
رَوَتها بِمصر وَالحِجازِ وَجاوَرَت / بِمَكةَ تَسخو بِالدَنانيرِ لا الفلسِ
وَزارَت رَسولَ اللَهِ أَفضَلَ مَن مَشى / بِطيبَةَ وَاِحتَلَّت بِأَربُعِها الدرسِ
مصلِّيَة حيناً عَلَيهِ وَتارَة / مُسلمةً في الجَهرِ مِنها وَفي الهَمسِ
وَحازَت جَمالاً بارِعاً وَفَصاحة / فَأَوضَحُ مِن شَمس وَأَفصَحُ مِن قسِّ
وَقَد عنيت بِالنَحو عُظمَ زَمانِها /
وَتَكتُب خَطاً نادِراً ذا بَراعَةٍ / يُريك اِزدِهاءَ الرَوضِ في أَبهَجِ اللَبسِ
فَما الرَوضُ مَطلولاً تفتَّحَ زَهرُهُ / فراقَ لذي عَينٍ وَشاقَ لذي حِسِّ
بِأَبهَجَ مِما قَد وَشَتهُ أَنامِلٌ / لَها بِسَوادِ النَفسِ في أَبيَضِ الطُرسِ
فَلَو أَبصَرتهُ لابنِ مُقلَةَ مقلَةٌ / لأَغضَت حَياءً وَهوَ قَد عَضَّ في الخَمسِ
وَنَجلُ هِلالٍ لا يُساوي قُلامَةً / لظُفر نُضار
سَقى رَوضَةً حَلَّت نضار بتربها / مِن المُزنِ وَبلٌ دائمُ السحِّ وَالبَجسِ
وَلا زالَ تَسقيهِ سَحائبُ رَحمَةٍ / تواليهِ في آتٍ وَحالٍ يَلي أَمسِ
أَلا بِأَبي خِلٌّ حَمِدتُ إِخاءهُ
أَلا بِأَبي خِلٌّ حَمِدتُ إِخاءهُ / رَقيقُ الحَواشي جامعُ الشَملِ وَالأنسِ
قَطَعنا بِهِ لَيلاً كَأَنَّ حَديثَهُ / أَزاهيرُ رَوضٍ صينَ عَن بَذلَةِ اللَمسِ
وَبِتنا يُعاطينا الحَديثَ كَأَنَّهُ / جَنى النَحلِ مَمزُوجاً لَنا بابنةِ الكَأسِ
حَبيبٌ إِلى كُلِّ الأَنامِ كَأَنَّهُ / تَقسَّمَ بَين القَلبِ وَالروحِ وَالنَفسِ
هُوَ النَجمُ جَلّى ظُلمَةَ اللَيلِ نورُهُ / فَأَوضَحُ مِن شَمسٍ وَأَفصَحُ مِن قسِّ
وَلَكنَّهُ إِذ لاحَت الشَمسُ غائِبٌ / وَلا غَروَ إِنَّ النجمَ يَخفَى مَعَ الشَمسِ
ذَوو العلمِ في الدُنيا نُجومٌ زَواهِرُ
ذَوو العلمِ في الدُنيا نُجومٌ زَواهِرُ / وَإِنَّكَ فيها الشَمسُ حَقّاً بِلا لَبسِ
إِذا لُحتَ أَخفَى نورُكم كُلَّ نيِّرٍ / أَلَم تَرَ أَن النَجمَ يَخفى مَعَ الشَمسِ
أَيا كاسياً مِن جيّدِ الصُوفِ جِسمَهُ
أَيا كاسياً مِن جيّدِ الصُوفِ جِسمَهُ / وَيا عارياً مِن كُلِّ فَضلٍ وَمِن كَيسِ
أَتَزهى بِصوفٍ وَهوَ بِالأَمسِ مُصبِحٌ / عَلى نَعجَةٍ وَالآن مُمسٍ عَلى تيسِ
تَيَمَّن بِها مِن غُرَّةٍ نورُها الشَمسُ
تَيَمَّن بِها مِن غُرَّةٍ نورُها الشَمسُ / أَنارَت دجى الأَيامِ فارتفَعَ اللَبس
وَأَلمِم بمُغني دَولَةٍ ناصِرِيَّةٍ / تَكنَّفَها الاقبالُ وَالنَصرُ وَالأُنسُ
تَولّى لَها التَدبيرَ أَروَعُ ماجدٌ / كَثيرُ التَوقّي شَأنُهُ الجودُ وَالبَأسُ
وَمَن يَكُ سَيفُ الدينِ نائِبَ مُلكِهِ / يَنَم وَجُفونُ الدَهرِ عَن مُلكِهِ نُعسُ
أَميرٌ خَبيرٌ ذو وَغىً وَسِياسَةٍ / تَغايرَ في عَليائِهِ الطَرف وَالطِرسُ
كَأَنَّ الوَرى جِسمٌ لَدَيكَ شِفاؤُهُ / وَأَمرُكَ في تَدبيرِهِ الروحُ وَالنَفسُ
إِلَيهِ اِنتَمَت كُلُّ المَكارِمِ وَاِنتَهَت / فَبِالشَخصِ مِنهُ يَفخَرُ النَوعُ وَالجِنسُ
مُميت نُفوسٍ إِن عَصَت وَمُفيدُها / إِذا ما أَطاعَت فَهوَ يجرح أَو يَأسُو
يقَصِّرُ عَن إِدراكِهِ كُلُّ واصفٍ / وَلَو أَنَّهُ بَكرٌ وَساعدهُ قَسُّ
كَريمٌ يُحاكي البَحرَ جودُ بنانِهِ
كَريمٌ يُحاكي البَحرَ جودُ بنانِهِ / عَلى أَنَّهُ أَحلى مِن الشَهدِ للنَفسِ
وَمَنبعُ آدابٍ تَحلّى بِحَملِها / فَيُزري بِسحبان وَيربي عَلى قسِّ
مَواهِبُهُ دَرٌ عَلى كُلِّ مُعتَفٍ / وَأَلفاظُهُ دُرٌّ عَلى صَفحَةِ الطِرسِ
يَرى بَذلَ آلافٍ قَليلاً وَغَيرُهُ / يَرى الغايةَ القُصوى إِذا جاءَ بِالفَلسِ
وَنُبِّئتُ أَن قَد زادَ ما بِكَ سَيِّدي
وَنُبِّئتُ أَن قَد زادَ ما بِكَ سَيِّدي / فَضعفيَ قَد أَربى وَصَبريَ ناقِصُ
وَلِم لا وَلي نَفسٌ إِليك نُزوعها / وَبِرُّكَ لي وافٍ وِودُّكَ خالِصُ
نَشَأت برَوضِ العِلم وَالغُصنُ دَوحَةٌ / وَلا زَهرها ذاوٍ وَلا الظِلُّ قالِصُ
فَضيلة نَفسٍ لَم تَشنها رَذالة / وَشيمة حُرٍّ لَم تَشُبها النَقائصُ
إِذا لاحَت العَلياءُ كُنتَ مُبادِراً / إِلَيها وَإِن تَبدُ الدَنايا فَناكِصُ
فَدَتكَ لِداتٌ ضَيَّعُوا شَرخ عمرهم / وَأَنتَ عَلى نَيلِ المَعارِفِ حارِصُ
إِذا فَحَصُوا عَن نَيل لذاتٍ اِنقَضَت / فَإِنَّك عَن تَدقيقِ عِلمِكَ فاحِصُ
وَإِن شُغِلُوا يَوماً بِصَيدٍ وَلَذَّةٍ / فَأَنتَ لشُرادِ المسائِلِ قانِصُ
وَفي نسبةٍ لِلنورِ أَصدَقُ شاهِدٍ / عَلى عنصرٍ زاكٍ عَدَتهُ القَوارِصُ
فَلا زالَتِ الأَنوارُ تُشرِقُ دائِماً / وَشانيكَ في بَحرِ الشَقاوَةِ غائِصُ
وِدادي صَحيحٌ لَم تَشُنهُ النَقائصُ
وِدادي صَحيحٌ لَم تَشُنهُ النَقائصُ / وَحَظّي عَلى فَرطِ المَحَبَّةِ ناقِصُ
وَلَو رامَ عَذلي من يُريني نَصيحَةً / رَدَدتُ عذولي وَهوَ خزيانُ ناكِصُ
وَعلّقتُه تركي أَصلٍ وَمُقلَةٍ / لَهُ نَسَبٌ في آلِ خاقان خالِصُ
رَبا وَهوَ ظَبيٌ بَينَ أُسدٍ وَغِزلةٍ / قسيُّ فَؤادٍ نافرُ الطَبعِ نائِصُ
وَعَهدي بِغزلانِ الفَلا يَقنِصونها / وَهَذا غَزالٌ لِلضَراغيمِ قانِصُ
خَصائصُ حُسنٍ زَيَّنتها صِفاتُهُ / وَغَيرُ حَبيبي زََيَّنتهُ الخَصائِصُ
مُحجَّبُ حُسنٍ لا يَزال يَصونُه / رَقيبٌ عَلى حِفظٍ لَهُ الدَهر حارِصُ
فَلا وَصلَ إِلا بِاختِلاسَةِ ناظِرٍ / إِلَيهِ لَهُ طَرفٌ إِذا لاحَ شاخِصُ
وَها هُوَ ذا عَن طَرفِيَ الشَهرَ غائِبٌ / وَها أَنا ذا عَن حَتفيَ اليَومَ فاحِصُ
فَقَلبيَ في نارٍ مِن الوَجدِ خالِدٌ / وَطَرفيَ في بَحرٍ مِن الدَمعِ غائِصُ
مُصابٌ عَرانا فادِحٌ وَهوَ مُمرضي
مُصابٌ عَرانا فادِحٌ وَهوَ مُمرضي / فَطَرفي طُوالَ اللَيلِ لَيسَ بِمُغمَضِ
وَدَمعيَ هَتّانٌ وَقَلبيَ خافِقٌ / كَئيبٌ وَشَوقي دائِمٌ لَيسَ يَنقضِي
حَنيناً لِمَن كانَت ذُكاءُ شبيهةً / لَها في الذَكا وَالنُورِ وَالمَنظَرِ الوَضي
وَقَد مُيِّزَت عَنها بِعَقل وَفِطنَةٍ / وَعلمٍ وَإِحسانٍ مَع الخلقِ الرَضي
فَتاةٌ كَأنَّ الحُسنَ كانَ يُحبُّها / يُطاوِعُها فيما تُحِبُّ وَتَرتَضي
فَجاءَت وَكُلُّ الحُسنِ مِلءُ رِدائها / وَأَترابُها جاءَت بِحُسنٍ مُبَغَّضِ
وَزادَت إِلى هَذا الجَمالِ فَضائِلاً / لِغَيرِ نُضارٍ مِثلُها لَم يُقَيَّضِ
مَعارفَ تُبديها لِتَعليمِ جاهِلٍ / عَوارفَ تُسديها بِأَحمرَ أَبيَضِ
فَأَحمرُها الدِينارُ نارٌ لِسائِلٍ / وَدِرهمُها الدرهامُ دُرٌّ لِقُبَّضِ
وَإِن أَعرَضَت عَنّا كَما شاءَ رَبُّنا / فَما القَلبُ عَنها طولَ دَهري بِمُعرِضِ
قَضَت عِندَما لاحَت ذُكاءُ وَأَشرَقَت / لَنا عِوَضاً أَقبِح بِها مِن مُعَوِّضِ
فَغودِرَ حُزنٌ في قُلوبٍ تَقَطَّعَت / وَفي أَعيُنٍ بِالدَمعِ وَالدَمِ فيَّضِ
نُزَجي دِماء النَفسِ مِن بَعدِ إِمضاضٍ
نُزَجي دِماء النَفسِ مِن بَعدِ إِمضاضٍ / وَيَجذِبُنا يَومٌ فَيَومٌ بأَمراض
وَكانَ لَنا فَضلٌ مِن العُمرِ سابِقٌ / قَطَعناهُ في لَهوٍ وَفي نَيلِ أَغراضِ
مَلِلنا وَمَلَّتنا الحَياةُ فَلو أَتَت / شعوبُ استَرحنا مِن مُقاساةِ أَعراضِ
تقارب خَطو وَاِنحِناء وَشَيبَة / وَضَعف لحاظٍ وَاِنتِهاض كمنهاضِ
وَكُنتُ اِمرَأً لي بِالعُلومِ عَلاقَةٌ / سَراتي مِن تَكليفِها ذات اِنقاضِ
عُنيتُ بِها إِحدى وَسَبعينَ حِجَّةً / نَهاراً وَلَيلاً في اِجتِهادٍ وَتنهاضِ
فَأكتب في التَفسيرِ أَشعارَ حِكمَةٍ / أَقَرَّ لَها الحُسّادُ قَسراً بِأَنغاضِ
نَضَوا هِمماً في نَيلِ دُنيا عَريضَةٍ / فَنالوا وَإِنّي للذي نُوِّلُوا ناضِ
أَحَبُّوا دَناياها فَصارُوا عَبيدَها / وَإِنّي حُرٌّ في اِتِّراكٍ وَإِبغاضِ
إِذا وَرَدوا قَلتاً مِن العلمِ آجِناً / وَرَدت نِطافا غربةً ملءَ أَحواضِ
ثَلَلتُ بعَضبِ الحَزمِ عَرشَ فَضائِلٍ / وَهُم ثَلمُوا فيها يَسيراً بِمِقراضِ
وَلَما تَناضَلنا لِنَقنِص شارِداً / أَصَبتُ بِحَدٍّ إِذ أَصابُوا بِمِعراضِ
فَصارَ لَنا حَظٌ مِن العلمِ وافِرٌ / وَهُم قَد رَضُوا مِنهُ بِإدراكِ أَبعاضِ
وَما الفَضلُ إِلا أَن يرى المَرءُ أُمةً / فَريداً تَهادى ذكرَهُ كُلُّ رَكّاضِ
يَطوفُ عَلى الآفاقِ ينشُرُ فَضلَهُ / ثَناءً كَمثلِ المِسكِ فُتَّ بِمِرضاضِ
وَإِنَّ اِمرأً قَد حازَ علماً وَلَم يَكُن / يَجودُ بِهِ كَالفَأرِ عاشَ بِمِرحاضِ
تَرى الشَيخَ مِنهُم شاتِماً لِذَوي النُهى / تَسَلُّطَ كَلبٍ كاشِرِ النابِ مِعضاضِ
وَأَقرَضَهُم قَرضاً قَبيحاً حَياتَهُ / فإذا ماتَ جازَوهُ بِأَقبح إِقراضِ
فَذَلِك إِن يَهلَك فَلا ذاكِرٌ لَهُ / بِخَيرٍ وَلا ناسيهِ مِن شَرِّ قَرّاضِ
وَقالوا أَبو حَيان كانَ معلِّما / بِخَلقٍ رَضِيٍّ لِلتَلاميذِ مُرتاضِ
فَما كانَ نَجاهاً وَلا شاتِماً لِمَن / يَعلِّمُه بَل خُلقُه طيِّبٌ راضِ
لَقَد فُجِعَ الأَصحابُ مِنهُ بِأَوحَدٍ / بِبَحرٍ زَخورٍ بِالفَضائلِ فيّاضِ
أَليفٍ لِقُرآنٍ حَليفٍ لسُنةٍ / عَن الشَرِّ مِبطاءٍ إِلى الخَيرِ نَهّاضِ
عليمٍ بِتَنقادِ الكَلامِ وَصوغِهِ / إِلى كُلِّ مُعتاصٍ عَن الفَهمِ خَوّاضِ
فَسَل فسر كَشّافٍ وَفسرَ وَجيزِهم / لَقَد أَدجَيا مِن نَقدِه بَعدَ إِيماضِ
وَتَسهيلُهُم قَد راضَهُ ناقِداً لَهُ / فَيا حِذقَ نقّادٍ وَيا رِفقَ روّاضِ
وَمَن يَعنَ بِالتَسهيلِ يَرأس بِفَهمِهِ / وَقاري سِواهُ في عَناءٍ وَإِحراضِ
كِتابٌ نَفيسٌ لَم يُؤلَّف نَظيرُهُ / غَدا زُبدةً في النَحوِ مِن بعدِ تَمخاضِ
بِهِ نُسِخت كُتبُ النَحاةِ وَمُزِّقَت / فَصارَت هَباءً طارَ في كُلِّ أَراضِ
وَما النَحوُ إِلا ما جَمَعنا بِشَرحِهِ / لحازَ الَّذي قالوهُ في العصر الماضي
وَفاقَ بِتَنقيحٍ وَتَفصيلِ مُجمَلٍ / وَتَرتيبِ تَخليطٍ وَتَصحيحِ مِمراضِ
وَإِيجادِ مَعدومٍ وَإِيجازِ مُسهَب / وَتَعيينِ إِبهامٍ وَتَوضيحِ إِغماضِ
وَإِن كِتابَ الارتشافِ لَزائِدٌ / عَلَيهِ بِأَحكامٍ غَدَت طَوعَ نَفّاضِ
نَفَضتُ عَلَيهِ لُبَّ ما قَد كَتَبتُهُ / بِتذكِرَتي فَاختالَ زَهواً بِتَنفاضي
وَرتَّبتُهُ بِالعَقلِ وَاختَرتُ لَفظهُ / وَمَثَّلتُهُ كَي يُستفادَ بِإِيقاضِ
وَزادَ عَلى التَسهيلِ مثليهِ فَازدَهى / عَلى كُلِّ تَأليفٍ طوالٍ وَعرّاضِ
فَجاءَ غَريبَ الوَضعِ لَم يَأتِ عالمٌ / لَهُ بِنَظيرٍ بلهَ عَصريَ أَو ماضِ
وَمَن لَم يَكُن في العلمِ مُنتَمياً لَنا / فَذاكَ دَعِيٌّ فيهِ حُكماً مِن القاضي
وَيا عَجَباً مِن مُدَّعِينَ فَضيلَةً / بِنزرٍ مِن الأَوراقِ ذاتِ إِنقاضِ
رَأَوا سيبويهِ تِلكَ الأَوراقَ فَاِكتَفَوا / بِها كَظِماءٍ حينَ بلّةَ أَبراضِ
فَما رَوِيَت مِنها وَأَلقَت أَجِنَّةً / لِغَيرِ تَمامٍ قَد رَغَونَ لإِجهاضِ
وَكانوا كَتُرّاكٍ لَذيذ حلاوَةٍ / وَقَد آثَروا مَضغاً لِدِفلى وَحُمّاضِ
وَلَما غَنُوا عَن سيبويهِ تَعوَّضوا / بكُنّاشَةٍ جَدّاءَ مِن شَرِّ أَعواضِ
وَما وارِدُ البَحرِ المُحيطِ كَلاجئٍ / إِلى ثَمَدٍ نَزرِ البَلالَةِ غَيّاضِ
لَسَهَّلتُ هَذا العلمَ حَتّى لَقَد غَدا / كَشَربَةِ ماءٍ قَد جَرى علوَ رَضراضِ
مَشُوبا بشَهدٍ فَهوَ يَنساغ في اللُهى / وَللقلبِ يَسري في صَفاءٍ وَتَمحاضِ
فَإِن أُمسِ قَد أَقوَت مِن العلم حَضرَتي / وَأَصبَحتُ نَفضاً هامِداً بَينَ أَنقاضِ
فَما ماتَ مَن أَبقى تَآليفَ زانَها / تَلاميذُ كُلٌّ في مباحيثِهِ ماضِ
لِيَهنا بَنو الأَعرابِ أَن كُنتُ شَيخَهُم / وَأنهضتُهم في عِلمِهِ أَيّ إِنهاضِ
فَصارُوا رُؤوساً يُقتَدى بِأَتباعِهِم / كُسُوا مِن دُروعِ الفَضلِ أَكمَل فَضفاضِ
حَوَوا قَصَباتِ السَبقِ علماً وَسُؤدداً / فَما فَاضِلٌ عَما حَوَوهُ بِمعتاضِ
إِذا باحِثٌ وَافى يخبِّطُ قابَلُوا / تَخابيطَهُ صَفحاً بِتَركٍ وَإعراضِ
وَإِن كانَ ذا فهمٍ وَعِلمٍ وَإِن هَفا / فَيُغضُونَ عَنهُ في وِدادٍ وَإحماضِ
وَإِن لجَّ في بَحثٍ لَهُ فاسِدٍ غَدا / كَعُروة دمّى رَأسَه فَتكُ برّاضِ
جَهابِذُ نَقّادُونَ يَجرحُ نَقدُهُم / كَحيَّة لِصبٍ هامزِ النابِ نَضناضِ
يَفوقُونَ نَحوي الوجود بِفطنَةٍ / لِسُرعَةِ إِدراك وَسُرعَةِ إِنباضِ
فَلا مَغرِبٌ كلا وَلا مَشرِقٌ حَوى / كَأَمثالِهِم في عَصرِنا ذا وَلا الماضي
صَرَفتُ الهَوى إِذ عَنَّ عَن شادِنٍ شَطا
صَرَفتُ الهَوى إِذ عَنَّ عَن شادِنٍ شَطا / وَأَيُّ هَوى يَبقى لذي لِمَّةٍ شَمطا
فَلا يَستَنفِزُّ القَلبَ قَلبٌ بِمعصَمٍ / وَلا كاعِبٌ جَرَّت عَلى كَعبها المُرطا
وَلا ناهِدٌ وَالنَحرُ نَهداهُ فُلِّكا / كَحُقَّينِ مِن عاجٍ أُجيدا مَعاً خَرطا
وَلا شادِنٌ أَحوى المآقي مُرَعَّثٌ / وَصُولٌ إِذا يَرنو أَخافُ لَهُ شَحطا
مِن التُرك لَم يَنشأ بِنجدٍ وَإِنَّما / رَبا في عَرينِ الأُسدِ تُمسِكُهُ ضَغطا
تَبايَنَ مِنهُ الرِدفُ وَالخَصرُ خِلقَةً / فَذا مُخصِبٌ رَيّاً وَذا مُجدِبٌ قَحطا
مُجَذَّبُ عَينٍ يَجذِبُ القلبَ عنوَةً / كَأَنَّ بِها هاروتَ يَأخذُهُ سَلطا
تغازِلُ عَيناهُ الخليَّ إِلى الصِبا / وَيعذِرُهُ فيهِ عَذارٌ قَد اِختَطّا
وَصورَةُ بَدرٍ قَد علتهُ ذُؤابَةٌ / تنوسُ عَلى متنيهِ كَالحَيَّةِ الرَقطا
تَرَكتُ لذاذاتِ الصِبا وَمجونَهُ / لِمَن لَم يَنَل فوادهُ مِن عُمرِهِ وَخطا
وَجَرَّبت حَظّي مَع زَماني فَتارَةً / تَبعتُ الرِضى مِنهُ وَتارات السُخطا
وَعِفتُ الدَنايا لَم أَكُن قَطُّ سائِلاً / لِرِفد وَلَو أَنَّ النُضارَ بِهِ أُعطى
سَجيَّةُ نَفسٍ نافَسَت في اِرتِضاعِها / بِثَديِ المَعالي أَو تُعاني بِها مَلطا
وَلي همةٌ هامَت بِإدراكِ غايَةٍ / مِن العِزِّ مَن يُبصر بِها يُكثِر الغَبطا
نَظَرت إِلى هَذا الوجودِ فَلَم أَجِد
نَظَرت إِلى هَذا الوجودِ فَلَم أَجِد / بِهِ غَيرَ كَذّابٍ مُراءٍ مُخادِعِ
وَمَسخَرةٍ نالَ المَعالي بِسُخفِهِ / قَد اِعتادَ صَكاً في القَفا وَالأَخادِعِ
وَجَمّاعةٍ للمالِ قَد باعَ دِينَهُ / بِنَزرٍ مِن الدُنيا كَثير المَطامِعِ
وَذي عَرشَةٍ مُستأذِب مُتنَمِّسٍ / جَهولٍ تَعاطى الكِبر في زِيِّ خاشِعِ
وَأَمّا الَّذي يَقفُو شَريعَةَ أَحمَدٍ / فَأَقلِل بِهِ مِن صادِقِ الدينِ صادِعِ
أَرى بَصرِي قَد قلَّ إِذ صِرتُ مُبتَلىً
أَرى بَصرِي قَد قلَّ إِذ صِرتُ مُبتَلىً / بِدائِرَةٍ مِنها لِوَجهي بَراقِعُ
ثَلاثَةُ أَلوانٍ فَأَبيضُ أَمهَقٌ / وَأَسودُ غِربيبٌ وَأَصفَرُ فاقِعُ
وَكُنتُ أَرى الخَطَّ الدَقيقَ إِذا بَدا / ظَلامٌ وَلَحظي باهِرُ النورِ باقِعُ
فَصِرتُ أَرى مالا أَنيسَ لِمُقلَتي / كَأَنَّ الدِيارَ الآهلاتِ بلاقِعُ
وَجرِّعتُ شَهداً يَومَ لا لي لَذةً / وَقِدماً سُقيتُ السمَ وَالسمُّ ناقِعُ
سَأَصبِرُ للأَمرِ الَّذي جاءَ ناظِري / وَأَعلمُ أَن ما قَدَّرَ اللَهُ واقِعُ
وَمَن مَزَقت أَيدي النَوائبِ حالَهُ / يَكونُ لَهُ مِن رَحمَةِ اللَهِ واقِعُ
وَمَن كانَ مَسروراً بِمَوقِعِ زلةٍ / تَكونُ لَهُ بِالسَوءِ مِنها مَواقِعُ
وَمَن لَم يُرَع يَوماً لِخَطبٍ أَصابَهُ / تُصِبهُ عَلى مَرِّ الزَمانِ مَواقِعُ
وَكُلّ خَطيب في النَوائِبِ مُفحِمٍ / وَهُم في رَخاءِ العَيشِ فُصحٌ مَساقِعُ
وَعِشرةُ هَذا الناسِ تَقضِي اِحتِمالَهُم / عَلى الغُبنِ أَو تَجري لَدَيهم فَراقِعُ