المجموع : 44
أشدُّ الهوى ما يمنعُ العينَ أن تكرى
أشدُّ الهوى ما يمنعُ العينَ أن تكرى / ويملأُ سمعَ المرءِ عن عذلِه وقرا
ويُضحي ونارُ الشوقِ بين ضلوعِه / تُؤججُها الشكوى وتُضرِمُها الذكرى
ويوسِعُه الوجدُ الذي في فؤادِه / لأهلِ الحمى نهياً على البينِ أو أمرا
ويُمسي حليفَ الشوقِ ذا جسدٍ له / بحكمِ الهوى بالٍ وذا مقلةٍ عبرى
غريبَ هوًى سقّى الديارَ بأدمعٍ / جَرَتْ في عِراصِ الربعِ هامعةً تترى
بكى جَزَعاً لمّا رأى الربعَ بعدهمْ / مِنَ الجيرةِ الغادينَ مُستوحِشاً قَفْرا
اِذا هطُلتْ فيه سحابةُ دمعهِ / وأنفدَها التَّذكارُ أعقبَها أُخرى
أحبَّتنا هل ذلكَ العهدُ باللَّوى / يعودُ كما قد كنتُ أعهدُه دهرا
وهل تلكمُ الأيامُ تَرجِعُ بعدَما / حشا كبدي تذكارُ أوقاتِها جمرا
لئن مَنَّ هذا الدهرُ بالقربِ بعدَما / تناءيتمُ عنّي سأُوسِعُه شكرا
وأقبلُ منه العُذْرَ في كلَّ حادثٍ / يجيءُ به حتى أُفهَّمُهُ العُذْرا
تكلَفُني الأيامُ صبراً عليكمُ / وهيهاتَ لا أسطيعُ بعدكمُ صبرا
وأسألُ عنكم كلَّ برقٍ على الحمى / يلوحُ فيبدي لمعُه عَذَباً حُمرا
عقدتُ به أهدابَ جفني وطَلَّقَتْ / لأجلكمُ عينايَ تهويمَها النَّزْرا
أُهَيْلَ الحِمى قد ضقتُ ذرعاً ببينكمْ / فهل مِن دنوًّ منكم يشرحُ الصَّدْرا
فلا تَصْرِفوا وجهَ المودَّةِ بعدما رأينا / زماناً في أساريرِه البشرا
ولا تُتبِعُوه بعدَ طيبِ حديثكمْ / حديثاً أرى في ضمنِه نظراً شَزْرا
وخيرُ خِلالِ المرءِ وجهٌ مُسَهَّلٌ / وخُلْقٌ رضيٌّ يَمْلِكُ الرجلَ الحُرّا
فأُقسمُ مذ بانَ الخليطُ عنِ الحِمى / تبدَّلتُ حلوَ العيشِ من بعدِه مُرّا
فما بالُ طيفِ العامريَّةِ هاجري / وقد كانَ قبلَ اليومِ لا يعرفُ الهجرا
أمِنها تُراهُ عُلَّمَ الغدرَ آنفاً / وقد مرَّ دهرٌ وهو لا يعرفُ الغدرا
لئن زارني والشامُ داري ودارُه / بنجدٍ ومرماها لقد أبعدَ المسرى
فلا كان قلبي كيف يصبرُ بعدما / تناءتْ وسارَ الواخداتُ بها عَشْرا
منعَّمةٌ حوراءُ يفضحُ وجهُها / بلألائهِ الشمسَ المنيرةَ والبدرا
لقد كنتُ ألقى منه في كلَّ ساعةٍ / ومِن بشرِه في وجهِ آماليَ البُشرى
وأرشفُ ظلمَ الثغرِ عذباً مُجاجُه / بنفسيَ أفدي ذلكَ الظلمَ والثغرا
فمَنْ للفتى الولهانِ أن لم يفزْ بهِ / على ظمأٍ منه وللكبدِ الحرّى
وما روضةٌ قد فوَّفَ القطرُ نبتَها / فأطرى لسانُ الحالِ عن نَورِها القَطْرا
وفاحَ نسيمٌ في الرياضِ كأنَّما / تَحمَّلَ وهناً من لطائمها عِطرا
ونوّعتِ الأزهارُ أرجاءَ دوحِها / اِذا ما مضى نشرٌ شممنا لها نشرا
كشعري إذا نضَّدتُ جوهرَ لفظِه / ونظَّمتُ منه في عقودِ العُلى دُرّا
وسائطُ لفظٍ لو تنضَّدَ دُرُّهُ / على عُنُقِ الجَوزاءِ أكسبَها فخرا
وما النجمُ أنأى منه بعداً ومطلباً / اِذا رامَهُ الجهّالُ يوماً ولا أسرى
له في بلادِ اللهِ أوسعُ مَرْكَضٍ / اِذا طائرُ الأشعارِ ألزمَها الوَكْرا
لكم مِن فؤادي شاهدٌ ليس يكذبُ
لكم مِن فؤادي شاهدٌ ليس يكذبُ / ومِن دمعِ عيني صامتٌ وهو مُعرِبُ
ولي من شهودِ الحبَّ خدٌّ مُخَدَّدٌ / وقلبٌ على نارِ الغرامِ يُقَلَّبُ
ولي بالرسومِ الخُرسِ مِن بعدِ أهلِها / غرامٌ عليه ما أزالُ أؤنَّبُ
واِنْ عنَّ ذكرُ الراحلينَ عنِ الحِمى / وقفتُ فلا أدري إلى أين أذهبُ
فربعٌ أُناجيهِ وقد ظلَّ خالياً / ودمعٌ أُعانيهِ وقد بات يُسكَبُ
وصبرٌ / وقد بانوا تباعدَ للنوى
ووجدٌ وقد ساروا الى الصبَّ يَقرُبُ /
يُروَعُه لمعُ البروقِ وتارةً / يبيتُ بتغريدِ الحمامِ يُعذَّبُ
ودمعٌ على الخدَّينِ يَهمي سحابُه / اِذا ما انبرتْ الحمائمُ تَندُبُ
ويَشغَفُها بانُ الحمى وظِلالُه / فتُوفي على فرعٍ مِن البانِ تَخطُبُ
فللّهِ مِن نارٍ لا يعرفُ الغمضَ جفنُها / اِذا ما بدا مِن أوّلِ الليلِ كوكبُ
تبيتُ تُراعيه ودونَ لقائها / بمَنْ بانَ عن نعمانَ عنقاءُ مُغرِبُ
فجسمي وقد بانوا الى الحيَّ راجعٌ / وقلبي مع الأحبابِ في الركب يَجنُبُ
وقد كان مِن مُرَّ التجنَّي مروَّعاً / فكيف إذا ما عادَ وهو تَجنُّبُ
وما أنا في وجدي بأوَّلِ واثقٍ / تبدَّى له برقٌ مِنَ الوعدِ خُلَّبُ
ولا حائرٍ في عرصةِ الربع واقفٍ / يُحيَّيهِ في شرعِ المطامعِ أشعبُ
يسائلُ عن هندٍ فلمّا ترحّلتْ / أقامَ فحيَّتْهُ على الدارِ زينبُ
لها مِن غزالِ الرملِ حُسْنُ التفاتهِ / اِذا ضَلَّ عنه في الأجارِعِ رَبْرَبُ
ويَسلبُه سحرُ العيونِ اصطبارَهُ / ويَخلُبُه لفظٌ مِنَ الماءِ أعذبُ
ويَصْدِفُها شَعرٌ بفَودَيهِ أشيبٌ / ويَشغَفُه ثغرٌ للمياءَ أشنبُ
ولم أنسَها يومَ الوَداعِ وقد بدا / لتوديعنا ذاكَ البنانُ المخضَّبُ
فلا راحةٌ إلا وقد سارَ أُنْسُها / ولا صبرَ إلا وهو بالهجرِ يُغلَبُ
ومَنْ يُعتِبُ المشتاقُ والنأيُ خصمُه / ومَنْ ذا الذي يوماً على البينِ يَعتِبُ
وأُلزِمتُ ذنباً في الهوى ما اقترفتُهُ / وما كنتُ لولا الدمعُ في الحبَّ أُذنِبُ
حنينٌ إذا جَدَّ الرَّحيلُ رأيتُه / بنفسيَ في اِثرِ الظعائنِ يًلْغُبُ
شوقٌ إلى أهلِ الديارِ يحثُّه / غرامٌ إلى العذريَّ يُعزى ويُنسَبُ
وما مزنةٌ أرختْ على الدارِ وبلَها / ففي كلَّ أرضٍ جدولٌ منه يَثْعَبُ
اِذا ما ارجحنَّتْ في الهواءِ وأرزمتْ / تدلَّى لها فوقَ الخمائلِ هَيدَبُ
واِنْ نضبتْ ممّا تًسُحُّ سحابةٌ / ألحَّتْ عليها دِيمةٌ ليس تَنضُبُ
بأغزرَ مِن دمعي وقد أُخفرَ السُّرى / وأمستْ نياقُ الظاعنينَ تُغرَّبُ
ولا بنتُ دوحٍ في الحدائقِ أصبحت / تنوحُ على بانِ الحِمى وتُطَرَّبُ
لها في أفانينِ الغصونِ ترنُّمٌ / يكادُ بما عندَ الحمامةِ يُعرِبُ
بأطيبَ مِن شعرٍ أُنضَّدُ لفظَهُ / على حَسْبِ ما أختارُه وأُرتَّبُ
قريضٌ غدتْ منه القصائدُ شرَّداً / تُشرَّقُ ما بينَ الورى وتُغَرَّبُ
قصائدُ لو أنَّي تقدَّمتُ أوّلاً / بهنَّ لأطراها نِزارٌ ويَعرُبُ
ولو أنَّها في عصرِ قومٍ تقدَّموا / لكانتْ بأفواهِ البريَّةِ تُخْطَبُ
واِنْ رامَها غيري وحدَّثَ نفسَهُ / ضلالاً بما فيها مِن الفضلِ يَتعَبُ
فهنَّ لأربابِ المنائحِ مفخرٌ / وهنَّ لأربابِ المدائحِ مكسبُ
ويختارُها عقلُ الأريبِ قينثني / اليها ويُمسي عن سواها يُنكَّبُ
وما فاحَ عرفُ المسكِ إلا وجدتَهُ / يُحدَّثُ أن العرفَ منهنَّ أطيبُ
أضرَّ بعيني دمعُها وانسكابُهُ
أضرَّ بعيني دمعُها وانسكابُهُ / على طللٍ أعيا عليَّ جوابُهُ
أخاطبُه بعدَ الأنيسِ وما الذي / يُفيدُ وقد سارَ الفريقُ خطابُهُ
عُلالةُ مشغوفٍ يزيدُ غليلَهُ / ضِرامُ الهوى بعد النوى والتهابُهُ
متى كَظَّهُ مِن جاحمِ الشوقِ زفرةٌ / أعدَّتْ تؤمُّ المازِمَيْنِ ركابُهُ
نجائبُ ما هابتْ مِنَ الخَرْقِ بُعْدَهُ / ولا غرَّها مِن بعدِ ظِمءٍ سرابُهُ
يسائلُ هل عادَ الخليطُ إلى الحمى / وقد طالَ تطلاباً لليلى اغترابُهُ
واِنْ لمعتْ مِن جانبِ الغَورِ لمعةٌ / بكاها بدمعٍ لا يَجِفُّ سحابُهُ
يطولُ على بالي الديارِ بكاؤهُ / ويعلو على خالي الربوعِ انتحابُهُ
بكاءُ مشوقٍ بانَ عنه قرينُهُ / كما بانَ عنه قبلَ ذاكَ شبابُهُ
فيا ليت شعري هل يعودُ زمانُه / كما راعَ قلبي حين طارَ غرابُهُ
وهيهاتَ لا يُرْجَى وقد بانَ عودُهُ / ومَنْ لي به لو كان يُرْجَى اِيابُهُ
اِذا صدَّ مَنْ تهواه من غيرِ علَّةٍ / وأصبحَ فيه لا يُفيدُ عتابُهُ
وزادَ على مُرَّ التجني وأمسيا / يزيدان قبحاً صَدُّه واجتنابُهُ
فسيّانِ بَعْدَ الهجرِ عندي وبعدما / يصدُّ زوراراً بُعْدُهُ واقترابُهُ
أحبَّتنَا رفقاً بصبًّ نقضتمُ / عُرى عهدِه ظلماً فزادَ اكتئابُهُ
وأصبحَ مغلوبَ التجلُّدِ كلَّما / بدتْ مِن أعالي الأبرقَيْنِ هضابُهُ
يَحِنُّ إلى مَنْ حلَّ في جنباتهِ / ويهوى الذي أمستْ تَجِنُّ قِبابُهُ
ويَسلُبهُ ظبيُ العقيقِ سُهادَهُ / ويُسكِرُه مِن غيرِ خَمْرٍ رُضابُهُ
ويُعجِبُهُ مَرُّ النسيم إذا سرى / اليه بعَرْفٍ أَكْسَبَتْهُ ثيابُهُ
ويُذكِرُه طيفُ الخيالِ ازديارَهٌ / اِذا نابَ عن طيبِ الوصالِ كتابُهُ
واِنْ لاحَ مِن أرضِ اليمامةِ بارقٌ / وطالَ على متنِ السحابِ انتصابُهُ
وأومضَ كالسيفِ الصقيلِ مجرداً / وفارقَهُ مِن بعدِ لأي قِرابُهُ
سَقَيْتُ بدمعي ماحِلَ الربعِ فانثنى / على سُحُبِ الأجفانِ يُثني تُرابُهُ
وضاقتْ بهامي الدمعِ منه طلولُهُ / وغُصَّتْ بباديَّ الدموعِ رحابُهُ
وقلتُ له لا تَحْفَلَنَّ بباخلٍ / مِنَ القَطْرِ لا يَهمي عليكَ ربابُهُ
ففي هذه الأجفانِ بحرٌ إذا وَنَتْ / عليكِ عِشارُ السُّحبِ جاشَ عُبابُهُ
وفي هذه الأشعارِ شعرٌ منقَّعٌ / يَعِزُّ على أهلِ القريضِ طِلابُهُ
كشعري الذي أضحى إلى العَرَبِ الأولى / ويكفيهِ مِن دونِ القريضِ انتسابُهُ
يضوعُ إذا أنشدتُه في محافلٍ / مِنَ الناسِ بينَ الخافقينِ مَلابُهُ
واِنْ غابَ عن أفكارِ قومٍ صحيحةٍ / غدا والى فكري الصحيحِ انتسابُهُ
ويَفْعَلُ في العقلِ الصحيحِ سماعُه / مِن السُّكرِ فِعلاً لم ينلْهُ شرابُهُ
اِذا ما أخذتُ الطِرسَ والقلمَ الذي / يسيرُ بهذي السائراتِ لعابُهُ
فأيُّ نظيمٍ ما أُحمَّرُ وجهَهُ / وأيُّ عليمٍ في الزمانِ أهابُهُ
دعوتُ بماءٍ في اِناءٍ فجاءني
دعوتُ بماءٍ في اِناءٍ فجاءني / غلامٌ بها صرفاً فأوسعتُه زَجْرا
فقالَ هو الماءُ القَراحُ واِنَّما / تجلَّى لها خدَّي فأوهمكَ الخَمْرا