المجموع : 61
ولو أنني وقّرتُ شعري وَقارَهُ
ولو أنني وقّرتُ شعري وَقارَهُ / ولم أترفّعْ عن مكاني وموْضعي
لأكبرتُ أن أومي إليك بنظرةٍ / لعُظْمِكَ عندي أو أشيرَ بأصبَعي
أصابتْ سهامُ البأسِ قلبَ المطامعِ
أصابتْ سهامُ البأسِ قلبَ المطامعِ / وصابَتْ بغَيثِ البأس سحبُ الفجائعِ
وما أرْسِلِ الناعي به يوم موتِه / سوى صممٍ أصمى صَميمِ المَسامِعِ
وقد خلّفتْ فينا أياديهِ روضة / سَقاها سحابُ العوجدِ غيث المدامع
فكم لبيوتِ الشِعْرِ من دوحةٍ بها / وكم للقوافي من حَمامٍ سواجِعِ
وكم جَفْنِ ضيفِ سائلِ الدمعِ ساهرٍ / وكم جفنِ سيفٍ جامدِ الدمِ هاجعِ
وكانت منياتُ الظُبى بيمينِه / فقد أمِنَتْ من جَوْرِها المتتابع
وأحسبُ أن الموتَ وافاهُ سائلاً / فبلّغَهُ ما رامَهُ غيرُ مانِعِ
وما كنتُ أخشى غيرَهُ وقد انقضى / فكل مصاب بعدَهُ غيرَ فاجعِ
وأقسمُ لو ماتَ امرؤ قبلَ وقتِه / لكنتُ على الأعقابِ أولَ تابعِ
عجبتُ لقبرٍ باتَ بينَ ضُلوعِه / يقال له سُقيتَ غيثَ الهوامِعِ
وهل تنفعُ الأنواء في سَقْي تُرْبِهِ / بفيض يمين اللُجّةِ المُتدافِعِ
وأهيف أبقى من طِلابيَ كلَّهُ
وأهيف أبقى من طِلابيَ كلَّهُ / وإن كان قد أجْدى عليّ فما أبقى
تثنّى فلا تنسَ الغصونَ ولينَها / ورجّعَ أصواتاً فلا تذْكُرِ الوُرْقا
وأعْجَبُ إذ تحتثُّ يمناهُ طارَهُ / فيسمَعُها رعداً ويُبصِرُها بَرْقا
أزَهْرُ جنانٍ من جنانٍ تنمّقا
أزَهْرُ جنانٍ من جنانٍ تنمّقا / وخمرُ بيانٍ من بَنانٍ تعتّقا
وإلا فما هزّ المعاطفُ أغصُناً / كأنّ به من مسّ ذكراهُ أولقا
ألا إنه طُرْسٌ تبسّم عن نُهىً / جَرى في حواشيه فشقّ وشوّقا
دجىً عارضَ الأقلامَ فيه وأومضت / بروقُ المَعاني بينَهُ فتألّقا
تَلينُ لعزْمي بالعَراءِ العوائك
تَلينُ لعزْمي بالعَراءِ العوائك / ولا أرى فيما تحنُّ الأرائكُ
أبى الحبُّ أن يُنضى من الجفن فاترٌ / فيثْنيه أن يُنضى من الجَفْنِ فاتكُ
وكم صد عني موثَق الخدّ مونق / فما سدّ عني باتر الحد باتك
معارف من أهل الهوى ومن الهوى / يقال بها سَلْمٌ وفيها معارك
برزنَ ومن دون النحور أسنّةٌ / فوالكٌ إن صفحتَهُنّ فوالكُ
فطوراً يقولُ الطرفُ هنّ سوافرٌ / وطوراً يقول القلبُ هنّ سوافكُ
ألم ينتَهِ الجفنُ السقيمُ وإنه / لناهٍ لجسمي لو قبِلتَ وناهكُ
أعانكَ في قتلي قوامٌ مهفهفٌ / تأوّدَ غصنٌ منهُ واهتزّ عاتكُ
وما زال في ردْعٍ لدرعكَ صائل / على أنّه ردعٌ لردْعِكَ صائكُ
أكان حراماً لو تداركتَ مهجةً / تحكم فيها جورُك المتداركُ
كأن لم يُضاحكْ بالشموسِ كوكباً / بهنّ الدُجى ضاحٍ محيّاهُ ضاحكُ
ولم تسبأ الصهباء قال شعاعُها / أشابَ مديري أم مديرُ سبائك
مصفرّةٌ قد أسقمَ الدهرُ جسمَها / فصحّت وفي النيرانِ تصفو السبائكُ
عجوزٌ عليها سَبحةٌ من حَبابها / تُصلّي على قوم بها وتُباركُ
عكفنا على حاناتِها فكأنّها / مشاعرُ تقوىً أُوثرت أو مناسكُ
أبينا سوى الدين النؤاسيّ بعدَها / ولا شكّ في أن النؤاسيّ ناسكُ
وذكّرنا رضوانَ عرْفُ نسيمها / فقال لنا رضوانُ رضوانُ مالكُ
هنالك عاطينا السُرى كأسَ عزمةٍ / معربدةً منها القلاصُ الرواتِكُ
نصبنا جناحَ الشوقِ بين ضُلوعِها / فمرّت مروّاتٌ ودُكّتْ دكادكُ
تكادُ وقد هزّتْ جوانبَ بيدها / تقولُ عليها ما تحركَ حاركُ
كأنّا وأفواهُ الفِجاجِ تمُجّنا / الى مالكٍ من كلّ أرضٍ مسالكُ
هو البحرُ يستمطي البحارَ ركائباً / إليه وتستجري الرياحُ السواهكُ
فإن أحْي إذ حُيّيت غُرّةَ وجهِه / فكم قلتُ إني دونَ دهلِكَ هالكُ
فبوركَ في العيسِ الذي بلغَتْ له / وردّت مراعيها لها والمَباركُ
ولا عثرَتْ تلك الجواري فإنّها / لأوعَرُ من سُبْلِ الجواري سوالِكُ
إليكَ زففنا مُحصَناتٍ من الثَنا / وكم رجّعَتْ حاشاكَ وهي فواركُ
مديحٌ إذا حلّى الطروسَ وحلّها / فهنّ حوالي نقسِه لا حوالِكُ
صقيلاتُ أبشارِ البروقِ كأنّما / أُمرَّتْ عليها بالشموسِ المداوكُ
إذا خُدمَتْ بالشكر عرصَةُ مالكِ / شدَتْ يدَهُ أنّى لمالِكَ مالِكُ
لها ترفع الأستار وهي سواترُ / وتأبى العُلا لي أن أقولَ هواتِكُ
بقيت لثغرٍ لو سواكَ ولن يرى / ألمّ به ما كشّفَتْهُ المضاحِكُ
هو الأفقُ إلا أن وجهكَ بدرُه / وأفعالُك الزُهْرُ النجومُ الشوابِكُ
علَتْ بك عزماتٌ قواضٍ قواضبٌ / عليه وهمّات سوامٍ سوامِكُ
وفضلُ سدادٍ كالصراطِ استقامةً / فما للمُنى إلا عليه مسالكُ
وملموسةٌ كالطودِ ما أنت آخذٌ / بيُمناكَ فيها فالمُجاذِبُ تاركُ
إذا مزّقَتْ منها الصوارمُ جانباً / ببرقٍ سَناها رقّعَتْهُ السنابكُ
وأنتَ الذي أبرمْتَ من آلِ هاشمٍ / قِوى دولةٍ حلّتْ عُراها البرامكُ
ومثلُك حامي همّةٍ وأئمةٍ / لها الملأ الأعلى حمًى والملائكُ
وهبتْ فليسَ البحرُ إلا ركيّةً / وليس المجاري منه إلا ركائكُ
مضَتْ حيثُ لا العَضْبُ المهنّدُ ضاربُ / فيُخشى ولا اللّدْنُ المثقّفُ شائكُ
وكم لفظةٍ وليتَ بالخَطْبِ دونَها / لما لاكَها من قبلِ فكّيْكَ لائكُ
ولا شكّ أنّ الجودَ للناسِ راحةٌ / كِلا ذا وذا منها لديكَ مواشِكُ
تُشاركُكَ القُصّادُ فيما حويتَهُ / فهلْ لك في كسبِ العُلى مَنْ يشاركُ
فكشِّفْ حجابَ السّمْعِ عن صِدْقِ مقولي / فما هو فيما قالَهُ فيكَ آفكُ
كذا فليحُكْ بردَ المدائحِ شاعرٌ / ولا عارَ إنْ قالوا له أنتَ حائكُ
قَرَنْتَ بواو الصدغ صادَ المُقَبّل
قَرَنْتَ بواو الصدغ صادَ المُقَبّل / وأعربتَ في لامِ العذارِ المسلسلِ
فإن لم يكن وصلٌ لديك لآملِ / فكم لاحَ في مرآك للمتأمّلِ
يُعزُّ الأماني منه خطُّ مبيّنٌ / فإن حاولْتهُ صادفْت كلّ مُشْكلِ
بدائعِ أصلِ الحبِّ منها مسبِّبٌ / لمن كان فيها قانعاً بالتعلل
وقد ذكَروا أنّ الشبابَ ولايةً / تؤكّدُ بالإجمالِ أو بالتجمُّلِ
وقالوا أتَتْ كُتُب العِذارِ بعزلِه / فقلتُ لهمْ لا تعجَلوا فبِها ولي
وما صدّني عن ترك حبّكَ فتنةً / بخدٍّ كروضٍ أو رضابٍ كسلسَلِ
ولكنْ لقولٍ قد محا الشِعْرُ رسمَهُ / وهل عند رسمٍ دارسٍ بالهونِ منزلي
لك الله قد أنِسْتُ بعزّتي / فما منزلُ اللذاتِ بالهونِ منزِلي
ألم يَدْرِ أني آخرٌ في ضلوعه / فؤادُ أبى أن يرتَضي لحظَ أولِ
نعمْ ليس نَسْري في المطارِ بواقعٍ / وليس سِماكي في النِفارِ بأعزلِ
سل الأفْقَ عني وهو روضةُ نرجس / يشقُّ نواحيْها المجرَّ بجَدْول
وكيف اعتزامي والنجومُ أسنّةٌ / تلمّعُ في الظَلْماءِ من حلفِ قسطَلِ
وكيفَ طرقتُ الحَذْرَ يُكرَهُ ربّهُ / على رغم أنفِ الساهرِ المتبتّلِ
وعانقتُ غصنَ البانِ لان لمُجتَنٍ / وقبّلتُ بدرَ التمّ ضاءَ لمجتلِ
وهل أنا إلا نبعةٌ يمنيّةٌ / منضّرةُ الأفنانِ في رأسِ يذْبُلِ
سقى أصلَها النعمانُ ماءَ مَفاخرٍ / فأثْمَرَ منها كلُّ فرعٍ بأفضلِ
ومنْ كان صدرُ الدين أحمدُ شيخَهُ / أطالَ به باعَيْ يمينٍ ومِقْوَلِ
إمامٌ لقيتُ الدّهرَ أدهمَ دونَه / فألبستُه وصفَ الأعزّ المُحجّلِ
أقامَ به اللهُ الشريعةَ فاعتلتْ / دعائمُها فوقَ السِماكِ وتعتلي
يفسِّرُ من ألفاظِها كلّ مُشكِلٍ / ويفتحُ من أعواصها كلَّ مُقْفَل
وما كان لولا أحمدٌ دينُ أحمدٍ / ليدري صحيحٌ سالم من مُعلَّل
ولا عرَفَتْ حُفّاظُهُ بين مُسْنِدٍ / يُعنْعِنُهُ رفعاً ولا بينَ مرسّلِ
هوى قصباتُ السّبْقِ في العلم وادِعاً / فوا عجَباً للسابقِ المتمهل
نَماهُ الى الفُرس الكرامِ فوارسٌ / بأقلامِهم يغنَوْنَ عن حمْلِ ذُيَّلِ
إذا اعتقَلوها للأناملِ سدّدَتْ / الى الخَطْبِ حتفاً لا يخِلُّ بمقْتَلِ
همُ آلُ كسرى غير أنّ تُقاهُمُ / نماهمْ الى آلِ النبيّ المرسَّلِ
لهم دورُ فضلٍ بالفراتِ فسيحةٌ / لضيفِ المعالي لا بدارةِ جُلجُل
وحسبُهُم بالحفاظِ الحَبْرِ مَفْخَراً / عَلا فهو يرنو للكواكبِ من عَلِ
تسيرُ العَطايا من أسرّةِ وجهه / مخايلَ برقِ العارضِ المتهلِّلِ
تفيضُ بحارُ العلمِ من لهَواتِه / فإن كنت ظمآناً فرِدْ خيرَ منهَلِ
فمن سجعةٍ لم تُلْفَ في لفظِ شاعر / ومن فَقْرةٍ لم تأتِ من مترسَّل
ولله ألفاظٌ جَلاها يراعُه / كعِقْدِ بأجيادِ الطروسِ مفضَّلِ
لآلئ لو كانت نجوماً لغادرَتْ / لياليُّها والصبحُ ما لاحَ ينجَلي
بنو الخاطر العجلانِ عن كلِّ مشكلِ / لها لا بَنو العجلانِ رهطُ ابنِ مُقْبل
فيا أحمدُ المحمودَ من كلِّ ناطقٍ / على كل مَعنى في فَنا كلّ منزلِ
تحاسدَتِ الأيامُ منك فلا تزلْ / مُنى القادمِ الجذلانِ والمترحِّلِ
تعودُ لك الأعيادُ ألفاً مثالُه / وإنْ شئتَ ألفاً بعد ذاك فعوّلِ
أسائلُ عنها الركبَ والدمعُ سائلٌ
أسائلُ عنها الركبَ والدمعُ سائلٌ / عَسى استعطَفَتْها للوصالِ الوسائلُ
وأستخبِرُ الحادي ولا علمَ عندَهُ / بما كتمَتْ عنه القَنا والقنابِلُ
وقد عقدتْ كفُّ النسيمِ برودَها / فعدتُ وعندي للبَليلِ بلابِلُ
وكيف ألومُ الراحَ في الراحِ بعدَها / إذا كان فيها في الشَمولِ شمائلُ
فإن غُرِسَتْ في بابلٍ فتوقّها / فكلُّ غزالٍ حلّ بابلَ نابِلُ
ولولا رسومٌ للرسومِ لأقْشَعَتْ / سحائبُ من دمعي هوامٍ هواملُ
وقد شبّ ريحُ الهجْرِ نارَ هَجيرِه / فقُلِّصَ منها للوصالِ أصائلُ
وأودى رياضاً من صِبا وصبابةٍ / لبهجتِها زهرُ الخمائلِ خاملُ
أعاذلُ لا تعبَثْ بقلبي فإنّه / عن العذلِ لا ذُهليّةُ الحيّ ذاهلُ
وإن لُمْتُ عاماً أولاً منه عاصياً / فما عندَه في قابلٍ لك قابِلُ
وواللهِ ما السُلوانُ عندي بناصرٍ / لمن خذلَتْه الآنساتُ الخواذِلُ
دعِ الكلةَ الحمراءَ تشجو بريمِها / لمن رامَ منها طُرّةً فهو باخِلُ
تحملَ منه بعضُه جوْرَ بعضِه / وهذا وشاحٌ شاهدٌ وخلاخِلُ
رماني وقال اردُدْ عليّ مثالَها / فأنصَفَ لكنْ أين صبرٌ يُناضلُ
وغيرانَ أمّا ظِفْرُه فمهنّدٌ / ذليقٌ وأما نابُه فهو ذابِلُ
شققتُ إليه ثوبَ نقْعٍ كأنّه / دُجى الليلِ أنه متواصِلُ
وما كنتُ من أبطالِه غير أنني / جليدٌ لأعباءِ النوائبِ حاملُ
ولولا الإمامُ الحَبْرُ ما عزّ جانبي / ولا سدّ مني معشرٌ وقبائلُ
هو البحرُ بالعِرفانِ والعُرفُ قد طَمى / فأنهلَ منه سائلٌ ومُسائلُ
فحاتمُ طيٍّ في السماحةِ مادِرٌ / لديهِ وقسٌّ في الفصاحةِ باقِلُ
من الفُرْسِ فُرسانُ الحديثِ ومن غدَتْ / أواخرُهُم ممدوحةٌ والأوائلُ
همُ القومُ أمّا مجدُهم فمخيّمٌ / لديهم وأما ذكرُهُم فهو راحِلُ
تتيهُ بهِم يومَ اللقاءِ سوابحٌ / وتُزْهى بهم يومَ العَطاءِ محافِلُ
وتُلهِبُ نارَ البأسِ في الحربِ منهمُ / أيادِ بها ماءُ السماحةِ جائلُ
وما الناسُ إلا متنُ رمحٍ وهم به ال / عَوالي وبعضُ الفاخرينَ الأسافِلُ
سقى الله دوحَ المجدِ صيّبَ سَقْيهِمْ / فعارضُهُ داني الهيادبِ هاطِلُ
لهمْ شرفٌ بالحافظِ الحَبْرِ يعتلي / فيصعَدُ حيثُ النيّراتُ نوازِلُ
وناهيكَ من حَبْرٍ حُسامُ يراعُه / له لفْظُ سحبانٍ وقُسُّ حَمائلِ
يجولُ بميدانِ البلاغةِ طاعناً / برُمْحِ يراعٍ سدّدَتْهُ الأناملُ
وما كُتْبُه إلا الكتائبُ في الوغى / ولا الحجّةُ الغرّاءُ إلا الجحافِلُ
جنى كلَّ فخرٍ عن رياضِ جدودِه / وهل ثمرٌ إلا العُلا والفضائلُ
فهُنِّئَ بالشهْرِ الأصمّ فإنّه / لجدُّ سميعٍ بالذي أنا قائلُ
ولا زالَ في عزٍّ يدومُ ونعمةٍ / يُقيمُ وسعدٍ مُسعدٍ لا يُزايلُ
لقيتُ حِمامي إذ فقدتُ حميمي
لقيتُ حِمامي إذ فقدتُ حميمي / وعوضتُ من همّاتِهِ بهمومِ
وعاشرتُ من لا ترتضيه خلائقي / ولا يقتضيهِ مَنصبي وصَميمي
وقلتُ هو الدهرُ اللئيمُ ولم يكن / لتظفَرَ كفّي عندَهُ بكريمِ
ولو أنّني والحزمُ ما زال شيمتي / أخذتُ به جانبتُ كلَّ نَديمِ
فما عندهُم إلا خداعٌ مسالمٌ / يبيتُ له قلبي بليلِ سليمِ
فكنْ جانباً عن معشرٍ ذاك شأنُهُمْ / حديثُهُمُ فيه كمثلِ قَديمِ
ومنْ كان ذا جهلٍ بأهلِ زمانِه / فإنّي بهِمْ مذْ كنتُ جدُّ عليمِ
كتمتَ الهوى حتى أضرّ بك الكتْمُ
كتمتَ الهوى حتى أضرّ بك الكتْمُ / ولامكَ أقوامٌ ولومُهُمُ ظُلْمُ
ونمّ عليك الكاشحونَ وقبلَهُم / عليك الهوى قد نمّ لو نفع النَمُّ
وزادكَ إغراءً بها طولُ نَجْلِها / عليك وأبْلى لحمَ أعظمِكَ الهَمُّ
فأصبحتَ كالنّهديّ إذ ماتَ حسْرةً / على إثْرِ هندٍ أو كمنْ سُقِيَ السُمُّ
ألا مَنْ لنفسٍ لا يموتُ فينْقَضي / شَقاها ولا تحيا حياةً لها طعمُ
فذُقْ هَجْرَها قد كنت تزعم أنّهُ / رشادٌ ألا يا ربّما كذِبَ الزّعْمُ
لقد فزتُ من نثر الكلامِ ونظمِه
لقد فزتُ من نثر الكلامِ ونظمِه / بما استصْغَرَ الدرَّ المصونَ لعُظْمِهِ
وأيدتُ بالمعنى الذي راقَ ماؤه / فأروِ به من شئتَ منا واظْمِهِ
ووفّيتُ حقّ المُلْكِ بالخدمةِ التي / تجرّدَ ذيلُ العزمِ عن ساقِ حزْمِه
فإن تدعُ أن قيلَ الوفاءُ أباً له / فحاً إذا ما العزُّ كان ابنَ عمّهِ
ألبّيكَ ألفاً أيها الصارخُ الذي / غدا منه حربُ الدهرِ يُدْعى بسَلْمِه
ومَنْ ذا الذي يا بنَ الكرامِ يحيدُ عن / ولايةِ من يَعْنو الأنامُ بحكمِه
وماذا مكانُ الحِلْمِ عنهُ ولو جرى / للقمانَ هذا لم يؤيَّدْ بحِلمِه
فإنْ زاغَ عمّا دمتُه فيه زائغٌ /
تفرد في علمِ النجومِ بقسمةٍ
تفرد في علمِ النجومِ بقسمةٍ / يذَمُّ بها إقليدس ويُهانُ
وخصّ بها أعضاءه فلدُبْرِه الز / زباني كما للحيةِ الخَرَتانِ
تعلقَ قلبُ المستهامِ بحبّكُمْ
تعلقَ قلبُ المستهامِ بحبّكُمْ / فلمْ يستطعْ إطباقَ جفنٍ على جَفْنِ
وأطمعَ في إحسانِكُم فرطُ حسنِكُم / ألا إنما الإحسانُ من شيمِ الحُسْنِ
فإنْ تهجروا المشتاقَ فالقلبُ خائفٌ / وإن تصلوْهُ فهو في غايةِ الأمنِ
لأية حالٍ فيْضُ دمعِكَ هتّانُ
لأية حالٍ فيْضُ دمعِكَ هتّانُ / وما هذه نعْمٌ ولا تلك نَعمانُ
أكلُّ مكانٍ للبخيلةِ منزلٌ / وكلُّ حمولٍ للبخيلةِ إظغانُ
وإلا فهلْ أسررت رأي متمّمٍ / فبانَ على آثارِهم عندما بانوا
سقى اللهُ نُعمانَ الأراك مدامعي / وقلتُ ولو أن المدامعَ طوفانُ
ديارٌ بها للسُمْرِ غابٌ وللظِّبا / جداولُ أنهارٍ وللجردِ غِزْلانُ
إذا رتَعَتْ آرامُها قلتُ وجْرةٌ / وإن ربضَتْ آسادُها قلتُ خُفّانُ
نعمتُ بها والعيشُ أخضرُ يانعٌ / وغصنُ الصِبا لدِنُ المعاطفِ ريّانُ
فما نهدَتْ عن شرْعةِ الحبِّ ناهدٌ / ولا أوهنَ الشملَ المجمّعَ وهْنانُ
أما وبدورٍ في غُصونٍ تمايلتْ / وما هي أقمارٌ ولا تلك أغصانُ
لقد جبتَ عرْضَ البيد وهي فسيحةٌ / ودُسْتَ عيرنَ الليثِ والليثُ غضبانُ
ولا صاحبٌ إلا تنسمُ نفحةٍ / هزَزْتَ لها عِطْفي كأنيَ نشوانُ
يميلُ إليها أخدعُ الصبِّ كبكبٌ / ويَلوي لها عِطفَ المتيّم ثَهْلانُ
فعُجْتُ مع الشوقِ المبرّحِ طوعَه / ولي كلما لامَ العواذلُ عِصْيانُ
فلما رأيتُ الدارَ حيّيْتُ ربْعَها / وللطَرْفِ إنكارٌ وللقلبِ عِرْفانُ
وقلتُ لها قلبي كأهلكِ قد نأى / فها أنتِ إطلالٌ وها أنا جُثْمانُ
فأينَ أفنانُ القدودِ وقد هفَتْ / فأشْجَتْ لطيرِ الحَلْي فيهنّ ألحانُ
لياليَ تُزْري بالكواكبِ أكؤسٌ / تداورُ بالشمسِ المنيرةِ نُدْمانُ
تصرّمُ ذاك العيشُ إذا تذكُّراً / شَببْتُ له بين الأضالعِ نيرانُ
فإن كنتَ من ماءِ الجزيرةِ راوياً / فإني الى عَذْبِ العُذَيْبِ لظمآنُ
وقد أقطعُ البيداءَ والبدرُ فارسٌ / له الليلُ طرفٌ والكواكبُ خُرْصانُ
بمنجردٍ في الوعرِ وعلٍ وفي النَقا / عقابٌ وفي سهْلِ البسيطةِ سرْحانُ
سَرى وكأنّ الريحَ ملءُ حِزامِه / بها وكأنّي في مَطاهُ سُلَيمانُ
وأخضرَ مرهوبِ الغرارِ إذا بكى / فحاملُهُ طلْق الأسرّة جَذْلانُ
وأرقطَ إما نسبةٌ حين يَنتَمي / فصقرٌ وإما نصْبةٌ فهو بُسْتانُ
وروضٌ به للنهرِ تجري مجرّة / وللزَهْرِ غذّتهُ المواطرُ شَهبانُ
وقد أتْلَعَتْ أجيادَها قُلَلَ الرُبى / فقلّدَها للنورِ دُرٌّ وعَقْيانُ
يعبّرُ عن نشرِ الأثيرِ كأنّما / تجرُّ على تلك الرُبى منه أردانُ
أغرّ له حالا نوالٍ وفَتكةٍ / ففي السِلْمِ مِطْعامٌ وفي الحربِ مِطْعانُ
من القومِ ما غيرُ الظُبى لبيوتِهم / أساسٌ ولا غيرُ الذّوابل أركانُ
إذا جرّدوا بيضَ السيوفِ فما لَها / سوى أرؤسِ الصِيْدِ البَهاليلِ أجفانُ
ظِماءُ حروبٍ من قلوبِ عداتِهمْ / لهم قُلُبٌ والسّمهريّةُ أشطانُ
رعوا من يواليهم وراعوا عداتهم / فأقوامهم عزوا وأضدادهم هانوا
تكفّلهُم للمجدِ أفضلُ كافلٍ / وغذّتْهُمُ من صفوةِ الفضلِ ألبانُ
صفا منهمُ جودٌ عميمٌ ومنظرٌ / وسيمٌ وعِرْضٌ لا يُشابُ وأذهانُ
إذا صمَتوا خفّوا وإن نطَقوا هُدوا / وإن نزَلوا زانُوا وإن ركبوا صانوا
أجاروا وما جاروا وأوْلوا وما ألَوْا / ومنّوا وما منّوا ومانُوا وما مانوا
وكم سقَتْ الأعداءَ كأساً مريرةً / صوارمُ تَثْنيهِمْ صريماً ومُرّانُ
سوامٍ رعَوْا نبتَ الرماحِ فهوّموا / عجافاً وما كلُّ المَسارِحِ سُعْدانُ
تميمٌ تمامٌ فضلُهُم غيرَ أنّهُ / أعزّ وما ذلّوا وأوْفى وما خانُوا
ولستَ تَرى في مَحْكَمِ الذكرِ سورةً / تقومُ مقامَ الحمْدِ والكلُّ قُرآنُ
لهُمْ شرفٌ يزدادُ فخْراً بذِكْرِه / فهُمُ المعالي ناظرٌ وهْو إنسانُ
له قلمٌ كالصِّلِّ لكنْ لُعابُه / لِباغي النَدى شهدٌ وللقِرْنِ ذيفانُ
إذا جالَ يوماً فالأناملُ سابِحٌ / ومُنخَرِقُ الطُرْسِ المنمّقُ ميدانُ
فللهِ منه واحدٌ بين قومِه / وهمْ بين أحياءِ القبائلِ وحْدانُ
يجودُ ويخْفى جودُه فيُذيعَهُ / ثناءً وما بالمِسْكِ يعبَقُ كَتْمانُ
أحبَّ المعالي فاغتدتْ وهْي طوعُه / ومنْ شِيمِ المحبوبِ مَطْلٌ ولَيّانُ
وأسعدَ بالندبِ السعيدِ فللعُلى / تجمُّع شملٍ لا دنا منهُ فُرقانُ
فللمجتلي شمسٌ وبدرٌ تألّقا / وللمُجتَدي سيحانُ فاضَ وجَيْحانُ
ومن عجبٍ أن قسّم الفضلَ فيهما / ولا واحدٌ في قسمة منه نُقْصانُ
علاهُمُ سَماءٌ والأميرُ محمّدُ / بها قمرٌ طلْقُ الأسرّةِ ضَحْيانُ
طلاقتُهُ دلّتْ على طيبِ أصلِه / وفي الفجْرِ وضّاحاً على الصُبْحِ عُنوانُ
ليهنِكُمُ العيدُ السعيدُ وإن غَدا / بفضلكُمُ يزهو جلالاً ويزدانُ
إذا كنتم عيداً لنا كلّ مدّةٍ / فقد باتَ شوّالٌ سواءً وشعبانُ
أقامتْ على جودي جودِك فاكتفَتْ / سفينةُ آمالي وللبُخْلِ طوفانُ
لساني غوّاصٌ وفكريَ بحرُه / وشِعْري درٌّ يُستفادُ ومَرْجانُ
إذا اختالَ فيه لابِسوهُ فحِلّةٌ / تزينُ ومن بعضِ الملابسِ أكفانُ
تقصّرَ عن نُعماكَ أولادُ جفنةٍ / ويعصُرُ عن إدراكِ شأوي حسّانُ
سقاني بعينيه كؤوسَ هواهُ
سقاني بعينيه كؤوسَ هواهُ / وجرّدَ منها إذ سكِرْتُ ظُباهُ
فزد كلَفاً فيه وفرطَ صبابةٍ / فإنّ مَنونَ القلب دونَ مناهُ
أوامرُهُ تجري عليك كأنّه / وأستغفرُ الله العظيم إلهُ
علِمنا وقد ماتَ الكمالُ التّساويا
علِمنا وقد ماتَ الكمالُ التّساويا / فيا حسناتِ الدّهرِ عُدّتْ مُساوياً
وقُمنا نرجّي في المُصابِ مُواسياً / فأعوزَنا لمّا عدِمنا مُوازِيا
فكانتْ حُلى الأيامِ منهُ لآلئاً / فوا أسفي كيفَ استحالتْ لَياليا
وكنا لبِسْناها قلوباً ضواحكاً / فكيف نزَعْناها عيوناً بواكيا
ومما شجا أنّ المعاليَ جُدِّلت / ولم تنتصِرْ فيها الكماةُ العَواليا
سألتُ فقالوا مصرعٌ لو علمتُه / فأيقنتُ لكنّي خدعتُ فؤاديا
فحين احتوَتْ كفُّ المنونِ على المُنى / تقلّصَ عن يأسٍ جَناحُ رَجائيا
ومن يسألِ الرُكبان عن كلِّ غائبٍ / فلا بدّ أن يلقى بَشيراً وناعيا
ولما سرى بي نحوَه الوجدُ قاعِداً / ولم أستطِعْ عَقْراً عقرتُ القوافيا
وقمتُ بها بين السِّماطين مُعوِلاً / لعلّ المراثي أن تسُدّ المرازِيا
وسيّرتُ منها بالوادي نوادباً / شوائدَ للذكرِ الجميلِ شَوادِيا
وعضْبِ جدالٍ فلّلَ الدهرُ حدَّهُ / وما كان إلا قاضب الجدِّ قاضيا
وباعثُ روحِ الحمدِ في مِعطفِ العُلى / إذا ما ارتقى يوماً فحاز التّراقيا
وماسحُ أعطافِ الإمام إذا التوَتْ / أفاعيهِ حتى لا يُلائمُ راقيا
وبحرٌ من المعروفِ لم يبقِ ظامياً / فلم تُبقِه أيدي الحوادثِ طاميا
ونورٌ من الإحسانِ ما كان ذاوياً / ولا كان مَنتابُ الحَيا منه ضاويا
ونورٌ هدىً أسرى به خابطُ الهَوى / فلمّا خبَتْ أضواؤهُ عاش عاشِيا
لِمَعْناهُ قامَ الجوّ بالرّعدِ نائحاً / وبالبرقِ مَلْطوماً وبالغيثِ باكيا
وأسبلتِ الظلماءُ سُودَ غدائرٍ / عليهِ أشابَ الصّبحَ منها النّواصيا
تخرّمَهُ الدهرُ المُخاتِلُ صائداً / فخلّف حتى الرِّيَّ في الماءِ صاديا
وطار إليه الموتُ يُزجي حوَافيا / يطيرُ بها نحو النفوسِ حَوافيا
ولو رامَه شاكي السِلاحِ مُحسَّداً / لراح كما لا يشتهي عنه شاكيا
تظلّمَ ديوانُ المظالمِ بعدَه / وأظلمَ حتى عاد أسحمَ داجيا
ولم يقعِ التوقيعُ فصْلَ قضيّةٍ / وإن كان فيها الحكمُ للعين باديا
له قلَما حكمِ البديعِ وحكمةٍ / يكفّان عُدواناً به وأعاديا
يَبيتُ وقد نامتْ عيونٌ كثيرةٌ / لأمرٍ سِواهُ راعياً ومراعيا
جديرٌ بأن يلقى الملمّات وادعاً / ويرجعها عنه تذمّ التّلاقيا
تخيّر منه الدهر أغلبَ أغلبٍ / وصارمُه العضب الجراز اليمانيا
يُجيبُ الدواعي والعوادي وإنّما / يُجيبُ الدواعي من يكفّ العواديا
وهيهاتَ جرّ الدهر من قبل جُرهماً / وشدّ على عادٍ وشدّادَ عاديا
وكدَّر نُدْماني جَذيمةُ بعدَما / أقاما زماناً يشربانِ التّصافيا
وعطّلَ حُلواناً وكانت نحورُها / من النخلتَيْنِ التوأمينِ حواليا
وردّد زيداً حين أمسى ابنَ أمِّه / صريعاً سريعاً ليس يُمكِنُ آسيا
فدعْ هرَمَيْ مصرٍ فيا رُبّ قائلٍ / لقد هرِما حتى أُعيداً بواليا
وأمّا افتراقُ الفرقدينِ فإنّهُ / يكونُ افتراقاً لا يحولُ تلاقيا
كذا شيمةُ الأيامِ ما بين أهلِها / تُديرُ التّنائي تارةً والتّدانيا
جليس أميرِ المؤمنينَ أقَمْتها / لفَقْدِكَ فاسمعْ صالحاتٍ بواقيا
وقد كنتُ أجلوها عليكَ تهانياً / فها أنا أجلوها عليك تعازيا
ولولا سليلاكَ اللذانِ توارثا / عُلاكَ ملأتُ الخافقَيْنِ مَراثيا
هُما ألبساني عنك ثوبَ تصبُّرٍ / وأعلاقُ وجْدي باقياتٍ كما هيا
وما زلتُ ألْقى الأسعد الجدّ مُسعِداً / وأرجعُ دون المرتضى الذكرِ راضيا
سقى الرائحُ الغادي ضريحَك صوبَه / وإن كان يسقي الرائحاتِ الغَواديا
ولا برِحَتْ فيه القلوبُ عقيرةً / تُسيلُ بأسرابِ الدِّماءِ المآقيا
يقولُ أناس لو نعتّ لنا الهَوى
يقولُ أناس لو نعتّ لنا الهَوى / فوالله ما أدري لهُم كيفَ أنعتُ
بَلى غيرَ أني لا أزالُ كأنّما / عليّ من الأحزانِ بيتٌ مُبيَّتُ
إذا اشتدّ ما بي كان أفضلُ حيلتي / لهُم وضعَ كفّي تحت خدّي وأصْمُتُ
شجَتْهُ بظهرِ الصالحيّةِ دورُ
شجَتْهُ بظهرِ الصالحيّةِ دورُ / أقام بها يبكي فليسَ يَسيرُ
منازلُ عفّى رسمَها بعد جِدّةٍ / سحابٌ أثارتْهُ الرياحُ غَريرُ
لئن أقفرتْ من شخصِ أسماءَ أدْوُرٌ / لقد عمَرَتْ منها الغداةَ صُدورُ
عجبتُ لها تنأى جفاً وخيالُها / يُلمُّ إذا جنّ الدُجى ويَزورُ
ولي عندَ زَوْرِ الطيفِ من طيبِ نَشْرِها / ومن فيضِ دمعي روضةٌ وغَديرُ
ولمّا بدَتْ أسماءُ يخطُرُ حولَها / كواعبٌ يصرَعْنَ البيبَ وحورُ
حكتْ ما بقلبي من غرامٍ روادفٌ / وما لي من صبرٍ لهنّ خُصورُ
وأبصرتُ كُثْباناً يميسُ يمينُها / غصونٌ ومن فوق الغصونِ بُدورُ
مَرَرْن بغِزْلانِ الصريمةِ فالتقى / أنيسٌ على حافاتِها ونَفورُ
ودانَيْنَ أكنافَ الحِمى فتشابهَتْ / ثغورُ أقاحٍ في الرُبى وثُغورُ
ألا قاتلَ اللهُ العيونَ فإنّها / تحكّمُ فينا عزةً وتَجورُ
تتبّعُ حبّاتُ القلوبِ كأنّها / لها عند حبّاتِ القلوبِ ثُؤورُ
أقاطعةً حبلَ الوصالِ ترفّقي / قليلاً فقلبي في يديكِ أسيرُ
نسيتُنّ عهداً قد عقدناهُ بيننا / وإني له يا هذه لذَكورُ
وما ذاك إلا أن بدا لك مَوْهِناً / فراعكَ بين العارضينَ قَتيرُ
وفيفاءَ تكبو الريحُ في جنَباتِها / ويرجِعُ عنها الطرفُ وهو حَسيرُ
تعسّفتُها ثبْتَ الجَنانِ ببازلٍ / تكادُ إذا استنّ الطريقُ تطيرُ
يقول الحُدا فيها وقد رُفعت من الد / ياجي لأسفارِ الصّباحِ سُتورُ
كأنّ بياضَ الصبحِ في حالِكِ الدُجى / من البيضِ مفتوقُ الأديمِ شَهيرُ
فقلتُ بعُدْتُمْ بل حكى وجهَ أحمدٍ / كذلك يسْري ضوؤه ويَنورُ
فقالوا جميعاً قد أصَبْتَ شبيهَهُ / لعمرُك ما في ذي المقالةِ زُورُ
أبا طاهرٍ فخراً بما قد حوَيْتَه / فما لك في أهلِ الزمانِ نظيرُ
محيّاك هذا ألبسَ العيدَ حُلّة / بها وجهُه للناظرينَ يَنورُ
أقمتَ منارَ العلمِ شرْقاً ومغرِباً / فأحكامُه طُراً عليك تَدورُ
حميتَ ببذْلِ الجودِ عِرْضَكَ فاحتَمى / وللعِرْضِ من بذْلِ المكارمِ سُورُ
أُريتَ سحابَ الجودِ في أفُقِ الدُجى / فبابُك من ماءِ السحابِ مطيرُ
فلا غرْوَ إذ كانتْ أياديكَ لم تزَلْ / تسُحّ النّدى أن لا يكونَ فقيرُ
إليك أتَتْ تطوي الفَيافي ركائبي / ولما يخِبْ ركبٌ إليك يَسيرُ
إذا لم تُجِرْنا من صروفٍ تواترتْ / علينا فمَنْ هذا سواكَ يُجيرُ
فلا زِلْتِ في عزٍ نجومَ سُعودِه / وإن طالتِ الأيامُ ليس تَغورُ
بعينيهِ شُكْري لا بكأسِ عُقارِهِ
بعينيهِ شُكْري لا بكأسِ عُقارِهِ / رشاً صادَ آسادَ الشرى بنُفارِهِ
فيا حبّذا خمرُ الفتورِ يُديرُها / على وردِ خديْهِ وآسِ عِذارِه
سَقاني فلما أن تملّكَني الهَوى / ثنى معطَفَيْهِ عن صريعِ خُمارِهِ
فللبدرِ ما يُبديهِ فوق لِثامِه / وللغُصْنِ ما يُخفيهِ تحت إزارِه
تضيءُ بروقُ البيضِ دون اجتلائهِ / وتهوي نجومُ السُمرِ دون اقْتِسارِه
وقد غَنيتْ أعطافُهُ عن رِماحِه / كما غنِيَتْ أشْفارُهُ عن شِفارِه
لئن كان طرْفي مُقْفراً من جَمالِه / فإنّ فؤادي عامرٌ بادِّكارِه
وواللهِ لولا أنه جنّة المُنى / لَما كان محفوفاً لنا بالمكارِهِ
وفي فلكِ الأحداجِ بدرُ محاسنٍ / كسَتْهُ أيادي البين ثوبَ سِرارِه
كأنّ الثريّا والهلالَ تقاسما / جمالَهُما من قُرطِهِ وسِوارِه
وكم جرّدتْ دونَ الظِباءِ من الظُبى / لقتلِ شحٍ لا يُرْتَجى أخذُ ثارِه
وما أطلقت بالسّحْر غزلانُ بابلٍ / لواحظَها إلا انثنى في إسارِه
إذا غرَسَتْ أيدي الصبابةِ في الحشا / أصولَ الهوى فالوجدُ بعضُ ثِمارِه
إذا هبّ نجديُّ النسيمِ أخالَهُ / سموماً بما يُمْليهِ من وهْجِ نارِه
ومن لي بطيفٍ من تهامةَ طارقٍ / على بُعْدِ مَسراهُ ونأيِ مزارِه
غراماً بباناتِ اللِوى وأراكِه / وشوقاً الى قُلاّمِه وعَرارِه
ووجداً كوجدِ الحافظِ الحَبِر العُلا / يضيءُ شموساً في سماءِ افتخارِه
يجودُ فللعافي جزيلُ نوالِه / ويعفو فللجاني جميلُ اغتفارِه
ويُغْني عيونَ المُجْتَدين وعيشُهُمْ / بنضْرتِه مملوءة ونُضارِه
نمَتْه الى المجدِ المؤمّلِ عُصبةٌ / أشادوا بناءَ المجدِ بعد دثارِه
رَقوا رُتَبَ العلياءِ إرثاً وسؤدداً / وكم مستجدِ المجدِ أو مُستَعارِه
إذا ادّخر المالَ الأنامُ أفادَه / جوادٌ يَرى الإسعافَ خيرَ ادّخارِه
ولا فضلَ في نيلِ العُلا دون بذلِه / كذا الماءُ يَرْوي من صدًى في قرارِه
إذا هزّ في الطُرْسِ اليراعَ منمَّقاً / تصرّفتِ الأقدارُ طوعَ اقتدارِه
جَلا سُدُفاتِ الجهلِ شارقُ عِلْمِه / كما صدعَ الإظلامَ ضوءُ نهارِه
إمامٌ غدا المحرابُ والجودُ دأبَهُ / وكم عاكفٍ في خمرِه وخُمارِه
وجوٍّ يُصيبُ العيدَ غيثاً سحابُه / وقدرُ سماءِ المجدِ قُطْبُ مَدارِه
عميمٌ بلِ الإحسانُ يُمْنُ يمينِه / لمَنْ يترجّاهُ ويُسْرُ يسارِه
تضيءُ بروقُ البِشْرِ في صَفَحاتِه / وتعشو عيونُ الطارقينَ لنارِه
فحسبُ الأماني أن يُضيءَ جبينُه / وحسبُ المنايا أن يُناخَ بِدارِه
جدَتْ سُحُبُ الآمالِ ريحَ ارتياحِه / يُحكمُها كيفَ اشتهتْ في بِحارِه
فبتْ جارَه إن شئتَ أن تُدْركَ العُلا / وإن شئتَ أن تلقى المنونَ فجارِه
هنيئاً له الشهرُ الأصمُّ وأنّهُ / لَيسمَعُ ما نظّمْتُه في مَنارِه
فلا زال يُكْسى حُلّةَ الفضلِ عِطْفُهُ / وكلُّ معادٍ لابسٍ ثوبَ عارِهِ
ولما بَدا ركْبُ السحابِ تسوقُه
ولما بَدا ركْبُ السحابِ تسوقُه / حُداةُ الرياحِ الهوجِ وهي تُزمجِرُ
ركنتُ لبيت أستجَنُ من الحَيا / بهِ وإذا غيثٌ من السقفِ يقطُرُ
فلا فرقَ ما بين السحابِ وبينِه / سوى أنّ ذا صافٍ وذاك مكدَّرُ
أعن وسَنٍ ترنو عيونُك أم سُكْرِ
أعن وسَنٍ ترنو عيونُك أم سُكْرِ / أم اسْترَقَتْ من بابلٍ صنعةَ السِّحْرِ
وهلْ حملَتْ تلك الروادفُ أغصناً / تأوّدَ في أوراقِ أبرادِها الخُضْرِ
وما لحُدَوجِ العامليّةِ حُرِّمَتْ / زيارتُها إلا على المَهْمَهِ القَفْرِ
كفى حزَناً أن لا تَزاوُرَ بينَنا / على القُربِ إلا بالخيالِ الذي يسْري
وقَفْرٍ كأطرافِ المواضي قطعتُهُ / برَكْبٍ كأطرافِ المُثقّفَةِ السُمرِ
وقد شقّ صدرُ الأفْقِ عن قلب بدرِه / كما نشَروا طيّ الصحيفةِ عن عَشْرِ
وما راقَني إلا حمائمُ أنجُمٍ / تحومُ من الفجرِ والمُطلِّ على نهْرِ
إذا بلغْت بابَ الأعزِّ ركائبي / فلا شُدَّتِ الأكوارُ منها على ظهْرِ
إمامٌ إذا استنصرْتَهُ في مُلمّةٍ / قَضاها ببيضٍ من عزائمه بُتْرُ
نوالٌ كما قد سحّ مُنبجِسِ الحَيا / وعزمٌ كما قد شُبّ متّقدُ الجُمْرِ
عليه يمينٌ أن تفيضَ يمينُه / بيُمْنٍ وأن تنهلّ يُسْراهُ باليُسْرِ
سأحمِلُ من فِكْري إليه طرائفاً / من الشِعْرِ قامتْ للمُقصِّرِ بالعُذْرِ
خفضتُ بها الأشواقَ حتى كأنّها / وإن رفعتْني الآن من أحرفِ الجرِّ