المجموع : 66
شكايةُ قلب بالأسى نابض العرق
شكايةُ قلب بالأسى نابض العرق / إلى قائم الدستور والعدل والحق
ملوك على كل الملوك ثلاثة / لها الحكم دون الناس في الفتق والرتق
وأقسم إِنّي لا أكون لغيرها / مطيعاً ولو من أجلها ضُربَت عُنقي
فهل أيها الدستور تسمع شاكياً / بك اليوم يرجو أن يرى نهضة الشرق
لقد جئت من أفق الصوارم طالعاً / علينا طلوع الشمس من منتهى الأفق
فصادفت منا أمة قد تعشقت / لقاءك حتى جاوزت مبلغ العِشق
ولم نُبدِ عُنفاً حين جئت وإنما / هتفنا جميعاً بالوفاق وبالرفق
وظلنا نرجّي منك للخرق راقعاً / ولكن تراخى الأمر مُتّسع الخرق
بك اليوم أشقانا الأُلى أنت مُسعِد / لديهم فيالَلَه للمسعد المشقي
نراك بأيديهم على الخلق حجةً / وأنت عليهم حجة لا على الخلق
قد استأثروا بالحكم وارتزقوا به / وسَدُّوا على مَن حولهم منبع الرزق
كأنّا لهم شاءٌ فهم يحلبوننا / وكم مَخضُوا أوطاننا مخضة الزق
وهم يأخذون الزُبد من بعد مخضها / ولم يتركوا للساكنيها سوى المَذْق
أترضى بأن تختصّ بالحكم معشراً / وتصبح للباقين حبراً على رَق
وهم يريدون الصفو منك ولم نَرد / سوى نغبة من بعض سؤرهم الرَنْق
فما نحن إلا كالظماء وإنهم / كساقٍ يُرينا الماء عَذباً ولا يسقي
ألم تر أنا طول عهدك لم نقم / نسابق أهل المجد في حَلْبَة السبق
ولم نكُ ندري لاهتضام حقوقنا / أنحن من الأحرار أم نحن في رِق
ولم نستفد إلا سقوط وِزارة / وتأليف أخرى مثل تلك بلا فرق
وما ضرّهم لو أسقطوا نهج سَيرهم / وساروا بمنهاج التبصُّر والحِذق
ألم يُبصروا للعدل غير طريقهم / فإن طريق العدل من أوضح الطرق
وماذا عسى يجدي سقوط وزارة / إذا لم تقم أخرى على العدل والصدق
مضى كامل من قبل حلمي وإن جرى / كما جر يا حقي فمثلهما حقي
وما الهّم عندي بالذي ذكرته / وإن كان يشجيني ويدعو إلى الزَعْق
ولكن وراء الستر كفٌ حفيّة / تزحزح من شاءت عن الأمر أو تبقي
ولولا يدٌ شدت لساني بنعسةٍ / لبُحت بسرِّ كالشجا هو في حَلقي
فيا أيها الدستور فاقض بما ترى / وأبرق ولكن لا تكن خلب البرق
ولسنا نريد اليوم حكماً عليهم / ولكن نناديهم وندعو إلى الحق
تعالوا إلى أمر نساويه بيننا / وبينكمُ في الجِلّ منه وفي الدِق
فإن فعلوا هذا فيا مرحباً بهم / وإلا فيا سُحق المعاند مِن سحق
سنطلب هذا الحق بالسيف والقنا / وشَِيب وشبان على ضُمَّر بُلق
بكلّ ابن حرب كلما شدّ هّزها / بعزم من السيف المهند مشتق
تراه إذا ما عبّس الموت وجهه / بوجهٍ يلاقي الموت مبتسم طَلْق
من العرب مطبوع الطباع على العلا / بديع معاني الحسن في الخَلق والخُلق
أرى الحق لم يَغش البلاد وإنما
أرى الحق لم يَغش البلاد وإنما / مشى ضارباً في الأرض تلِفظه الطرق
فيُصبح في أرض ويُمسي بغيرها / وحيداً فما يؤويه غرب ولا شرق
توطّن قَفر الأرض مُبتعداً بها / إلى حيث لا أنس ولا طائر يَزقو
وقد يهبِط الأمصار وهو مُحجَب / ويظهر أحياناً كما أومض البرق
ومن عجب أن الورى يدعونه / وهم من قديم الدهر أعداؤه الزرق
أعدوا له في البرّ والبحر قوةً / إذا ظهرت ينسدّ من دونها الأفق
وطاروا بطياراتهم يُمطرونه / قذائف من نار كما أمطر الوَدق
يقولون إن الحقّ في الخلق قوة / تذِل لها أعناق قهراً وتندق
فما باله يُمسي ويُصبح شاكياً / ولا يتحاشى عن ظُلامته الخلق
إلى الله نشكو الأمر من مدنيّة / تعارض في أوصافها الكذب والصدق
وكم قد سمعنا ساسة الغرب تدّعي / بأشياء من بُطلانها ضحك الحق
فهم منعوا رِقّ الأسير وإنما / أجازوا لهم أن يشمَل الأمم الرق
ألم ترَ في القطر العراقي أمةً / من الأسر مشدوداً بأعناقها رِبق
قد اختطّ فيه السيف للقوم خطّة / من العُنف لم يُمرر بساحتها رِفق
واوْجرهم سّماً من الذلّ ناقعاً / بكأس من العُدوان ليس لها مَذق
فدجلة من وقع الشوائب أصبحت / تُعاف لأن الماء في حوضها رَنق
وإن الفرات الغَمر أمسى وماؤه / من الضَيم غَور ما لأوشاله عُمق
رعى الله بين الوادَيين مَواطناً / إذا ذُكرت يهتزّ بي نحوها عِشق
قضيت بها عصر الشباب فلي بها / خواطر لم يسمح بإفشائها النطق
فلا تعجبُوا من أنني عند ذكرها / أنوح عليها مثلما ناحت الوُرق
وإني إذا أبصرتها مستضامةً / يكاد لها قلبي من الحزن يَنشقّ
ألم ترها قد أصبحت من إسارها / تُليح بطرف في لواحظه العِتق
تجرّ قيود الذل راسفةً إلى / تكاليف حكم في سياسته المحَق
ويحلب شطرَيها العدوّ ضرائباً / ويمخضها درّاً كما يُمحض الزِق
سلام على وادي السلام الذي به / تفاقم هول الخطب واتسع الخَرق
سَنفديه حتى لا حياة عزيزة / ونبذل حتى لا نفيسٌ ولا عِلق
ونُدرك فيه ثأرنا بكتائب / لها نَسَب من صلب يعرب مشتق
وإن الليالي بالخطوب حوامل / ولا بدّ يوماً أن سيأخذها الطلق
فتُنتج حرباً ما يَبوح سعيرها / وتَستَنّ في ميدانها الدُهم والبُلق
بكلّ أخي عزم كأنّ مَضاءه / مشطّبةٌ بيض ومَسنونة زُرق
تلقّف رايات العلا سواعد / لهنَّ بتصريف القنا في الوغى حِذق
فإما المنايا نستطب بطبّها / وإما مُنىً فيها يتِمّ لنا السَبق
إذا نحن لم نملك على الدهر أمره / فلا دام فينا نابضاً للعلا عِرق
تبلَج أفق الشرق من بعدما اغبرّا
تبلَج أفق الشرق من بعدما اغبرّا / وكشّر عن صبح الأمانيَ مفتّرا
ولو كان صبحاً ناصع اللون سرّني / وبرّد حرّاً كان في كبِدي الحرّى
ولكنه صبح يلوح لناظري / بحاشية الزرقاء كالدم محمرّا
أراه كوجه الغادة الخَود راقني / بحسن ولكن قد تجهّم وازورّا
لمحت تباشير المنى من خلاله / ضئالاً كمهوك غدا يشتكي الضُرّا
ولم أدرِ لما استبهمت اخرياته / أ أطمع أم أستشعر اليأس مضطرّاً
ولو كنت أدري ما وراء احمراره / لسَرّى عن النفس الكئيبة ما سرّى
ولكنّه ورّى عواقب أمره / فزادت شكوك النفس من أجل ما ورى
يُهامسني بالوعد قولاً مجمجماً / كأن هو يخشى أن أذيع له سرّا
وإني لأخشى أن أكون بوعده / وإن أسفرت أوصاحه الغُرّ مغترّا
وما كل صبح يرتجي الناس خيره / ولا كل ليل مظلم يُضمر الشرّا
فإن كنت يا صبح الأمانيِّ صادقاً / بوعد فحيّا الله طلعتك الغرّا
خليلي هل من عاذرٍ في قصيدة / أقول بها حقاً وإن قلته مُرّا
أرى هَبوة سوداء في الجوّ أسبلت / حجاباً بآفاق العراقَيْن مُمترّا
وأرخت بأرض الشام منها على الرُبا / سدولاً بها جوّ السماء قد اغبرّا
ومدّت على بيروت منها غَيابةً / بها عاد وجه الأفق أسفع مُكدرّا
وما هي إلاّ عارض من تناكر / به مربَع الآمال أقفر واقَورّا
ترى القوم فيه نَوؤهم متخاذل / وآمالهم أمست كتيبتها فُرى
عجبت لقوم أصبحوا يُنكروننا / وقد عرَفونا في الزمان الذي مَرا
همو أسمعونا نعرة عربية / فدوّى صداها في المسامع مُصطرّا
فكم من خطيب قام فيها مثرثراً / فطرّى لنا من يابس القول ما طرّى
وكم شاعر قد أرخص الشعر دونها / وكم قلم فوق الطروس بها صرّا
وكنا أجبناهم إليها إجابةً / بها قد تركنا جانب الدين مزورّا
رجاء اتحاد في طريق سياسة / تعُمّ مراميها بني يعرب طُرّا
فمذ حان أن يخضلّ غصن اعتزازنا / ويرتع بعد اليبس رطباً ويخضرا
نصبنا خياشيم الرجاء لريحهم / فهّبت لنا نكباء عاتية صرّا
لعمري لقد ساء الكرام ابن غانم / بباريس إذ قد قال ما يُخجل الحرا
نفى عن مناميه العروبة وادّعى / جُزافاً وخلّى منهج القوم وابترّا
وهل حسِبوا أن العروبة في الورى / من العَرّ حتى أنكروا ذلك العرّا
كأن لم يقم من بينهم ناعرٌ بها / ولم يك ضرّانا بها أمسَ من ضرّى
فما أحد منهم وفى بعهوده / ولا أحد منهم بما قال قد برّا
وكان غروراً كل ما حالفوا به / وشرّ الحليفَين الذي خان أو غرّا
وعاد الذي كنا نؤمَل مُنهم / إلى غير ما كنّا نؤمل منجرّا
وقد صوَّحت تلك الأمانيّ كلها / فحاكت نبات الأرض إذ هاج مصفرّا
وأصبح فينا شامتاً كل من غدا / لأبناء قنطوراء يغضب ممقرّا
رويدك غورو أيّهذا الجنيرال
رويدك غورو أيّهذا الجنيرال / فقد آلمتنا من خطابك أقوال
أتيت بلاد الشرق من بعد هدنة / قد اضطربت في المسلمين بها الحال
فجاء إليك ابن الدَنا وهو مسلم / يكيل لك الوُدّ الصميم ويكتال
وقام خطيباً معرباً عن عواطف / لقومك تكريمٌ بهنّ وإجلال
فقمتَ له في محِفل القوم خاطباً / تَجُرّ ذيول الفخر عُجباً وتختال
فذكّرته أهل الصليب وحربهم / إذا نبعث منهم إلى الشرق أبطال
وقلت عن الإفرنج قومِك إنهم / لأبطال هاتيك المعارك أنسال
فحركت حزناً كان في الشرق ساكناً / وجدّدت عهداً منه في الشرق أو جال
أسأت إلينا بالذي قد ذكرته / من الأمر فاستاءت عصور وأجيال
ذكرت لنا الحرب الصليبية التي / بها اليوم قد تّمت لقومك آمال
وتلك لعمري قرحة قد نكأتها / بما قلته فاهتاج بالشرق بلبال
فيا عجباً من أمة قدتَ جيشها / تشابه كردينالها والجنيرال
ولو أننا قلنا كما أنت قائل / لأنحى علينا بالتعصُّب عُذّال
وقالوا لنا أنتم أولو جاهلية / وإن خالفوا وجه الصواب بما قالوا
فلا تصمن الحرب بعد انقضائها / بما هو للدنيا وللدين اخجال
ولا تنس فضل الشرق إذ كان ناصراً / لقومك فيما أحرزوه وما نالوا
فقد قادت الأعراب نحو عدوّكم / خُيولاً لها في حَومة الحرب تجوال
وقامت لكم منهم بمكة راية / لكم فُتحت فيها من القدس أقفال
لقد أغضبوا البيت الحرام وربّه / وهم بمقام البيت لا شك جُهّال
ولو أن عهد المسلمين كعهدهم / قديماً لحالت دون ذا النصر أهوال
ولكنهم باعوا الديانة بالدُنى / فحالت لعمري منهم اليوم أحوال
لذلك قام ابن الدّنا عن دناءة / يُحابيك فيما فيه للقوم إذلال
ولا تحسَبنه مخلصاً في مقاله / ولكنه في مكسب المال محتال
فكان قتيلاً بالمطامع عزُّه / فذّل وإن الحرص للعزّ قتّال
خليليّ قوما بي نطأطيء رءوسنا / لدى جَدَث تعنو لمن ضم أجيال
لدي الجدث الفرد الذي فيه قد ثوى / من الملك الفرد ابن أيوب رئبال
فنبكي على الأوطان حول رِجامه / كما قد بكت من فقدها الأَّم أطفال
ونستنزف الدمع الغزير لتُربه / كما ستنزفت دمع المحبّين أطلال
حنانيك يا قبر ابن أيوب فانصدع / لِينهض ثاوٍ في مطاويك مِفضال
إليك صلاح الدين نشكو مصيبةً / أصيب بها قلب العلا فهو مُغتال
ودارت رءوس القوم فيها توجُّعاً / وحزناً كما دارت بسكران جِريال
وقطبت الأيام حتى تشابهت / بها غُدُواتٌ كالحاتٌ وآصال
وأمسى حمى الإسلام تنتاب روضه / فترعاه من سَرح المُعادين آبال
خطاب يهودا قد دعانا إلى الفكر
خطاب يهودا قد دعانا إلى الفكر / وذكَّرنَا ما نحن منه على ذُكر
ومجَّد ما للعُرب في الغرب من يدٍ / وما لبني العباس في الشرق من فخر
لدى محفِل في القدس بالقوم حافلٍ / تبَّوأه هرير صموئيل في الصدر
دعاهم رئيس القدس ذو الفضل راغب / إليه فلَبَّوْا دعوة من فتىً حرّ
فأمسَوْا وفي ليل المحاق اجتماعهم / يحفّون من هرير صموئيل بالبدر
فياليلة كادت وقد جَلَّ قدرها / تكون على علاّتها ليلة القدر
ولما تناهى من يهودا خطابه / وقد سرّنا من حيث ندري ولا ندري
تصّدى له هرير صموئيل ناطقاً / بسحر مقال جلّ عن وصمة السحر
فصدّق ما للعرب من تالد العلا / وما لهم في العلم من خالد الذكر
وزاد بأن أوما إلى ما لصنعهم / على صخرة البيت المقدس من أثر
وقال وقد أصغى له القوم إننا / سنَرْأب ما أثأتْه منكم يد الدهر
ونُنْهضكم في منهج العلم نهضةً / مقَوّمةً مَا اعْوَجّ فيكم من الأمر
فكانت لهذا القول في القوم هِزّةٌ / سروريّة من دونها هزّة السكر
حنانَيْك يا هربر صموئيل كم لنا / على الدهر من حق مضاع ومن وِتْر
لنا قلَب الخَؤون مِجَنّه / وكرّ علينا لابساً جلدة النمر
وأغرى بنا الأحداث مُبْتكِراً لها / فلم يأتنا إلا بحادثة بِكر
وقد أفنَت الأيام كل عَتادنا / سوى ما ورثنا من إباءٍ ومن صبر
فلسنا وإن عضّت بنا اليوم نابُها / نقرّ على ذلّ وننقاد عن ذُعر
فَمن سامَنا قسراً على الضيم يلقَنا / مصاعيب لا تُعطي المقادة بالقسر
لنا أنفس تحيا بثروة عزّها / وإن نشأت بين الخَصاصة والفقر
إذا نحن عاهدنا وفَيْنا ولم نكن / إذا ما ائتُمنّا جانحين إلى الخَتْر
فإن شئت يا هربر صموئيل فاختبر / خلائق منا لا تميل إلى الغَدْر
وعَدَت فأمسى القوم بين مشّكِك / ومنتظر الإنجاز منشرح الصدر
فكذّب وأنت الحرّ مَن ساء ظنّه / فقد قيل إن الوعد دّين على الحرّ
ولسنا كما قال الألى يُتهِموننا / نُعادي بني اسرال في السرّ والجهر
وكيف وهم أعمامنا وإليهم / يمت بإسماعيل قِدماً بنو فهر
وإني أرى العُربيَّ للعرب ينتمي / قريباً من العِبريّ يُنمى إلى العِبر
هما من ذوي القُربى وفي لغتَيْهما / دليل على صدق القرابة في النَجْر
ولكننا نخشى الجلاء ونتّقي / سياسة حُكم يأخذ القوم بالقهر
وهل تثبت الأيام أركان دولة / إذا لم تكن بالعدل مشدودة الأزر
وها أنا قبل القوم جئتك معلناً / لك الشكر حتى أملأ الأرض بالشكر
هي النفس أغشى في رضاها المعاطبا
هي النفس أغشى في رضاها المعاطبا / وأحمل منها بين جنبَيّ قاضِبا
تكلّفني أن أخبط الليل بالسُرى / وأن أمتطي فيه من الهَول غاربا
وتُنهضني للمجد بالعزم ماضياً / وبالهمّ مقلاقاً وبالرأي صائبا
ولم ترضَ إلاّ كالجبال مَعزّةً / ولم تهوَ إلاّ كالشموس مناقباً
إذا أنا أنزلت النجوم لأرضها / أبَتهنّ إلاّ أن يكنّ ثواقبا
وترفُض مني كل عيش منعَّم / إذا ازوَرّ ذاك العيش بالذلّ جانبا
ولم تَبغ لي إلاّ الحقيقة بُغيةً / ولم ترض لي إلاّ الكريم مصاحبا
تقول إذا أوردتها ماء مِذنَب / رد البحر بي غَمراً وخلّ المذانبا
وإني لأشكوها إليها تظلُّماً / فأرجع عنها بعد شكواي خائباً
على أن لي منها حصاةً رَزينة / قتلت بها كل الأمور تجاربا
لقد تِعبَت فيما تروم من العلا / كذلك نفس الحرّ تلقى المتاعبا
ألم تر ما لاقى ابن لبنان في العلا / من الأْين لما ساح في الأرض ضاربا
تيمَّم من بعد الحجاز تهامة / وراح إلى صنعاء يُزجي الركائبا
وجاء إلى أرض العراقين مُبحراً / وكرّ إلى مجد يجوب السَباسبا
ليجمع من أبناء يعرب شملهم / ويَقضي حقاً للمَواطن واجبا
أخو هِمّة لو مدّ باعاً إلى العُلا / لأوشك منها أن ينال الكواكبا
له قلم عزّ القرائح شاعراً / كما ابتزّ فُرسان البلاغة كاتبا
لقد زُرت نجداً يا أمين فقل لنا / أتذكر من أخبار نجد جوائبا
فما حالة الإخوان فيها فإننا / نرى الناس عنهم يذكرون الغرائبا
فهل كفَّروا من ليس يُرسل لحية / وهل فَسّقوا من ليس يحفي الشواربا
وما أنا من قوم يدينون باللحى / ولم يقبلوا إلاّ من الحَلْق تائبا
ودع عنك أخبار العراق فإنني / لأعلم منها ما يَفُوق العجائبا
فويحاً لأهل الرافدين إذ انطووا / على اليأس من نور يشُق الغياهبا
لهم ملك تأبى عِصابة رأسه / لها غير سيف التيمسيين عاصبا
لقد عاش في عزّ بحيث أذلّهم / وقد ساءهم من حيث سرّ الأجانبا
وليس له من أمرهم غير أنه / يُعَدّد أياماً ويأخذُ راتبا
تبوَّأ عرش الملك لا بحُسامه / ولا كان في يوم له الشعب ناخبا
ولكن بطيّارات قوم تطايرت / فكانت من شُواظٍ سحائبا
ألا عَدّ عمّا في العراق فإنني / أراه بأخلاق الزمان مَعايبا
معايب لو أني هتكت ستارها / لأرسلت منها للمُعاند حاصبا
فلا تحسبنْه أنه ذو حكومة / ولو ضرّبوا ظلماً عليه الضرائبا
لئن ألَّفُوا بالكذب فيه وِزارة / فإنّ بها للكاذبين مآربا
وإنيّ لأهوى الفجر إن كان صادقاً / وتُنكر عيني الفجر إن كان ماذبا
تبسّم لبنان بعَوْد أمينه / وأضحى لأذيال المسرَّة ساحبا
أخا الفضل قد آنَست لبنان حاضراً / كما كنت قد أوحشت لبنان غائبا
وما أنت إلاّ يُبهج طالعاً / ويُحزن آفاق المواطن غاربا
محّييك في بغداد إذ جئت قادماً / يحييك في بيروت إذ جئت آيبا
بكت في ظلام الليل تندب أهلها
بكت في ظلام الليل تندب أهلها / بصوت له الصخر الأصمَ يَلين
وباتت وقد جلّ المُصاب حزينةً / لها في مناحى الغُوطتين أنين
تئن وقد مدّ الظلام رِواقه / وخيّم صمت في الدجى وسكون
إذا هي مدّت في الدُجُنّة صوتها / تَميد له في الغوطتين غصون
وتلهب منه في الفضاء شرارة / فتُبصرها في الرافدين عيون
وتَهبو له في ساحل النيل هَبوة / أبو الهول منها واجد وحزين
ومن بعد وهن أشرق البدر طالعاً / فأسفر منها عارض وجبين
فأبصرت منها الوجه أزهر مشرقاً / بخديه سر للجمال مصون
جمال بديع بالجلال متَّوج / له سبب في المكُرمات متين
وبَرقَعَها حزن فكان لوجهها / مكان من الحسن المَهيب مكين
فتاة جَثَت في الأرض تبكي وحولها / صريع على وجه الثرى وطعين
فضمت إلى الصدر اليدين وعينها / تقاذفُ منها بالدموع شؤون
وقد شَخَصت نحو السماء بطرفها / لها كلَّ آن زَفرة وحنين
وما أنس لا أنس العشّية أنها / تورّمَ منها بالبكاء جفون
وإن غزير الدمع خدّد خّدها / فلاحت من الأشجان فيه فتون
ولما انقضى صبري تراميت نحوها / كما ترتمي بالعاصفات سَفين
وقلت لها مَن أنت رُحماك إنني / لك اليوم خِلٌ صادق وأمين
فقالت وقد ألقت إليّ بنظرة / عن القصد فيها مُعرب ومُبين
أنا البلدة الثكلى دمشق ابنة العلا / أما أنت في مغنى دمشق قَطين
ألم تر أبنائي يُساقون للردى / فمنهم قتيل بالظُبى وسجين
فأين أباة الضيم من آل يعرب / ألم يأتِ منهم ناصرٌ ومُعين
فقلت لها لبَّيك يا أُمّ إنهم / سيأتيك منهم بارزٌ وكمين
سندرك فيك الثأثر من أنفس العدى / ونُوقِد نار الحرب وهي زَبون
فهذي دمشق يا كرام وهذه / أحاديث عنها كلهن شُجون
خليلّ هل من منصت فأبثَّه
خليلّ هل من منصت فأبثَّه / شجون فتى يشكو الأليم من البَثّ
فأني سئمت العيش في عنفوانه / ويسأم مثلي كلّ محترث حرثي
أقول وليل الغرب ليس بنائم / أما لنيام القوم في الشرق من بعث
لقد جاح هذا الشرق بعد اعتزازه / جوائح أودت منه بالكرش والفَرث
فساء من الإملاق والجهل خُلقه / وصار سمين القوم يَبطِش بالغَث
وعاد هزيلاً مجده متلفّعاً / بسحقٍ دَريس من مفاقَره رَثّ
وهبَت به هوج الرياح فلم تدع / من العلم جذراً فوقه غير مُجتَثّ
أرى غثياناً في النفوس وهل ترى / نفوساً على خُبث المطاعم لا تغثي
فيا قومنا أين المساواة عندكم / فقد طال عنها في مواطنكم بحثي
وأين مواثيق الأخوة إنني / أرى حبلها في كل يوم إلى النكث
إن بصدري للقريض لفَوْرةً / يزيد بها من طول غفلتكم نفثي
أراكم فأهجو ثم أطرق ذاكراً / أوائلكم قبلاً فأندب أو أرثي
وأبكي على المجد الذي كان دونه / على رُكبتَيْه الدهر من خشية يجثي
يقولون إن الأرث في الخلق سُنّةٌ / فهل بطلت في خلقكم سنة الإرث
فهلا ورثتم ثلث ذاك الذي بنوا / من المجد لا لا بل أقلّ من الثلث
فعدتم وقاموا واستكَنْتم وفاخروا / بعزٍّ على وجه البسيطة مُنَبثّ
وما أتعبَ المستنهضيكم فإنهم / يحثّون منكم للعلا غير محتثّ
أما والعلا واهاً لها من ألِيَّةٍ / عدِمت العلا إن بِتّ منها على حنث
لاحتقرن الموت في معرك المُنى / واستُر أفق البأس بارَهَج الكث
وأركب متن الهَول دون لُبانتي / ولست أبالي بالكوارث والكَرْث
وأجري بمُستَنّ الخطوب مشمِّراً / واخبط ليل المزعجات بلا لُبْث
ولولا إبائي إن أخاطب ماجناً / كتبت هجاء الدهر بالقلم الثلث
أيا سائلاً عنا ببغداد إننا
أيا سائلاً عنا ببغداد إننا / بهائم في بيداء أعَوزها النبت
علت أمة الغرب السماء وأشرفت / علينا فظلَنا ننظر القوم من تحت
وهم ركضوا خيل المساعي وقد كبا / بنا فَرَس عن مِقَنب السعي مُنَبت
فنحن أناس لم نزل في بَطالة / كأنا يهود كل أيَامنا سبت
خضعنا لحكام تجور وقد حلا / بأفواهها من مالنا مَأكل سُحت
وكم قامَرتنا ساسة الأمر خُدعةً / فتَمّ علينا بالخِداع لها الدَسْت
لماذا نخاف جُبناً فلم نقم / إلى الذَّب عنا من أمور هي الموت
إذا كنت لا ألقى من الموت مَوْثلاً / فهل نافعي إن خِفته أو تهَيَّبت
ولَلموت خير من حياة تَشوبها / شوائب منها الظلم والذُل والمقت
إليك زعيم الهند أورد هاهنا
إليك زعيم الهند أورد هاهنا / سؤالاً له أرجو الجواب تفضّلا
فنحن هنا في مجلس ذي أمانةٍ / فلم يخشَ فيه الحرّ أن يَتَقوّلا
إذا ما سمعتُ الهند في قول قائل / تخيّلت فيلاً بالحديد مكبّلا
تُزَجّيه كفّ الأجنبيّ مسخَّراً / فيمشي بأعباء الأجانب مُثقلا
ويَبرك أحياناً على الأرض رازحاً / له أنّةٌ من ثِقل ما قد تحملا
ويُنخَس أحياناً فتعلوه رجفةٌ / فيمضي على رغم القُيود مهرولا
وإني أظنّ الفيل صاحب قوّة / تكون له لو شاء من ذاك مّوْثلا
فلو قام هذا الفيل واستجمع القوى / لهزّ بها شُمَّ الجبال وقلقلا
ولو لم تكن بالفيل عندي عَلاقة / لما رُمت عن هذا جواباً مفضّلا
لنا حَمَل وهو العراق نظنّه / غدا من وراء الفيل للذئب مَأكلا
فإن ينجُ هذا الفيل من قيد أسره / نجَوْنا وإلاّ أصبح الأمر مُعضلا
فإن لم يكن هذا صحيحاً فما الذي / ترون سوى هذا عليه المُعَوّلا
ومن بعد هذا يا محمد إنني / أحيّيك باسم الناهضين إلى العلا
لقد جمع الدهر المكايد كلّها
لقد جمع الدهر المكايد كلّها / بقِدرٍ كبيرٍ صيغ من معدن الخبث
وصبّ عليها من بئار صروفه / سجالاً من الكذب المموَّه والحنث
وأنقع فيها ما يعادل ثلثها / من المكر بل ما قد يزيد على الثلث
وفتّت أرطالاً من الغدر فوقها / وعالجها بالدقّ والدلك والدَعت
وأوقد ناراً للخديعة تحتها / تزيد على نار الغضى أو على الرِمث
ففارت ملياً فيه ثم تصعّدت / بخاراً بانبيق من السحر والنَفث
فصاغ طباع الإنكليز من الذي / تقاطر في الإنبيق كالمطر الدَثّ
دع اللَوم واسمع ما أقول فإنني / قتلت طباع التيمسيّين بالبحث
كأنهم والناسَ عُثّ وصوفة / وهل يستقيم الصوف في عيثة العث
فكم حرثوا في أرض مستعمراتهم / مظالم سوداً كنّ من أسوأ الحرث
وكم أيقظُوا والناس في الليل نُوَّم / بها فِتناً كالدَجن يَهمي على الوعث
وهم يأكلون الزبد من منتجاتها / ويُلقون للأهلين منهنّ بالفَرث
فيَحظَوْن منها بالنفائس دونهم / ويعطونهم منها السَقيط من الخُرثى
زُرِ الهند إن رمت العيان فكم ترى / على الأرض من غُبر هناك ومن شُعث
يقولون إنا عاملون لسعدكم / ولم يعملوا غير الكوارث والكرث
فكم بعثُوا في الشرق حرباً ذميمة / تمثّل في أهوالها ساعة البعث
وكم أرسلوا دسّاً جواسيس مكرهم / على الناس يشتدون بالنبش والنبث
وهم سلُبوا أرض العراق سمينها / ولم يتركوا للقوم منها سوى الغث
إذا ما رأيت القوم في فخّ مكرهم / رققت لهم تبكي على القوم أو ترثي
فلا تَرجُ في الدنيا وفاءً لعهدهم / فلا بدّ في الأيام للعهد من نكث
وما الحكم إلاّ عندنا كمِظَشّة / رمَوها إلينا كي يَرَوا لُعبة الطث
سل الإنكليزي الذي لم يزل له
سل الإنكليزي الذي لم يزل له / بدست وزير الداخلية مقعد
أ أنت وزير أم عميد وزارة / نراك إليها كل يوم تَرَدَّد
فها أنت مُلقاة إليك أمورنا / تحلّ لنا ما شئت منها وتعقد
وتأخذ منا راتباً كموظف / وهذا لعمر الله أنكى وأنكد
أنحمل منك اليوم عبء تحكُّم / وندفع فيه الأجر منّا وننقد
وما شأن ذيّاك السفير الذي له / على الجانب الغربيّ قصر مشيّد
وكانت لكم من قبل فينا استثارة / فزالت ولكن دام منكم ترصُّد
تبّدلتم استقلالنا بانتدابكم / ولكن على وجه لنا هو مُعبِد
خلقتم لنا من كل عهد مموَّهٍ / قيوداً بها استقلالنا يتقيّد
إلى أن غدا استقلالنا ضُحكة الورى / به ساخرٌ كلُّ امرئ ومندِّد
وصار كسيفٍ قاطعٍ في أكُفكم / يجرّد للإرهاب طوراً ويُغمَد
غَرَرتم به الأغرار والله شاهد / على أنه في الحكم لفظ مجرّد
وهل يستقل الشعب في أمر نفسه / إذا لم يكن في حكمه يتفرّد
فما هو إلاّ المَيْن منكم أعانكم / عليه رجال خائنون وأيّدوا
وما سكت الأحرار عن مخزياتكم / فكم أبرقُوا غيظاً عليكم وأرعدوا
ولا تعجبوا أن يمقت الشعب دأبكم / فيظهر وهو الساخط المتمرِّد
رويداً فإن رمتم من الشعب ودّه / فخلُّوا له الأمر الذي يتقلّد
وكونوا له عوناً على ما يَهُبّه / يكن لكم عوناً على ما يهدِّد
وإلاّ فأنتم ظالمون وإنما / أخو الظلم مأخوذ بما يتعمّد
ألا انهض وشمِّر أيها الشرق للحرب
ألا انهض وشمِّر أيها الشرق للحرب / وقبِّل غِرار السيف واسل هوى الكتب
ولا تغتر أن قيل عصر تمدُّن / فإن الذي قالوه من أكذب الكذب
ألست تراهم بين مصر وتونس / أباحُوا حِمى الإسلام بالقتل والنهب
وما يُخذ الطليان بالذنب وحدهم / ولكن جميع الغَرب يؤخذ بالذنب
فإني أرى الطليان منهم بمنزل / يُعدّ وهم يُغرونه منزل الكلب
فلولاهم لم يَنقُضِ العهد ناقض / ولا ضاع حقّ في طرابُلُس الغرب
بلاد غدت في الحرب تندب أهلها / فتبكي وتستبكي بني الترك والعُرب
قد اغتالها الطليان وهي بمضجع / من الأمن لم يُقضِض برعب على الجنب
فما انتهبت إلاّ لصرخة مِدفع / وما نهضت إلاّ إلى موقف صعب
فأمست وأفواه المدافع دونها / تمُجّ عليها النار كالوابل السكب
صواعق من سُحب الدخان تدُكّها / وتنسفها نسف الزلازل للهضب
غدت ترتمي فيها عشيّاً وبُكرة / فلا يابساً أبقت ولم تُبق من رطب
وما أن شكا من عضّة الحرب أهلها / ولكنهم شاكونْ من غصَة الجدب
فما خفقت عند الهياج قلوبهم / ولا أخذت أعصابهم رجفة الرُعب
ولكن جرت نُكب الرياح بأرضهم / فجرَّت عليها كلكل الحِجج الشهب
يعزّ علينا أهل برقة أنكم / تدور عليكم بالدمار رَحى الحرب
وأنا إذا ما تستغيثون لم نجد / إليكم على بُعد المسافة من درب
وقد علم الأعداء أن سيوفنا / تململ في الأغماد شوقاً إلى الضرب
ولكن هو البحر الذي حال بيننا / فلم نستطع زحفاً على الضُمَّر القُب
ولولاه فاجأنا العدوّ بفيلق / يبين ضحاً من هَوله مطلع الشهب
فيا بحر فاجمد أو فغُر إن جيشنا / عليك غدا كالبحر يَزخَر بالعتب
ويا سحب هلاَ تنزلين فتحملي / إلى الحرب جيشنا ينشر النقع كالسحب
ويا ريح قد ضِقنا فهل لك طاقة / بحمل منايانا إلى المعرك الرحب
إلى خير أرض داسها شرّ معشر / بأرجلهم قُطّعن من أجرل جُرب
أما والعلا يا أرض برقة إننا / لنشرَق من جرَاك بالبارد العذب
نراك على بُعد تُسامين ذِلةً / فيحزُننا أن لم نكن منك بالقُرب
وما نحن إلاّ الليث شُدَّت قيوده / وأُلقي حياً شبله في فم الذئب
يرى الشبل مأكولاً فيزأر مُوثَقاً / ويضرب كفَّيه على الأرض للوثب
فلا يستطيع الوثب إلاّ تمطِّياً / وزَأراً وانشابَ المخالب بالترب
ويا أهل بنغازي سلام فقد قضت / صوارمكم حق المّواطن في الذَب
حميتم حمى الأوطان بالموت دونها / وذاك بما فيكم لهنّ من الحبّ
ومن مبلغ عنا السَنوسيّ أنه / يمدّ لهذا الصدع منه يدَ الرَأب
فإنا لنرجو أن يقود إلى الوغى / طلائع من خيل ومن إبل نُجْب
فيَحمي بلاد المسلمين من العدى / وينهض كشافاً لهم غُمّة الخطب
فإن حشا الإسلام أصبح دامياً / إلى الله يَشكو قلبه شدة الكرب
فقم أيها الشيخ السنوسي مُدرِكاً / جنود بني عثمان في الجبل الغربي
وكن أنت بين الجُند قطب رحى الوغى / وهل من رحى إلاّ تدور على قُطب
ويا معشر الطليان قُبّحت معشراً / ولا كنت يا شعب المخانيث من شعب
تركت وراء البحر مَزحف جيشنا / وأججت ناراً في طرابلس الغرب
أتحسب هاتيك الديار وقد خَلَت / من الجند تخلو من ضراغمة غُلْب
فما هي إلاّ أرض أكرام معشر / من العُرب لم تنبت سوى البطل الندب
سترجع عنها بالفضيحة ناكصاً / وتَذكرك الأيام باللعن والسَبّ
مشيتم إلينا معجَبين بجمعكم / تظنون حرب المسلمين من اللعب
فلما حللتم أرضنا ذقتم الردى / بأسيافنا حتى صحوتم من العُجب
سنُلبسكم ثوب المهالك ضافياً / ونحملكم منها على مَركب صعب
ونستَمطِر الأهوال حتى نُخيضكم / بسيل دم فوق البسيطة منصّب
وما دعوة البابا لكم مستجابة / فقد أغضبت طغواكم غَيرة الرَبّ
أجل إنكم أغضبتم الله فاتقُوا / وإن رضِيَت تلك الحكومات في الغرب
أيا زعماء الغرب هل من دلالة / لديكم على غير الخديعة والكذب
تقولون إن العصر عصر تمدُّن / أمن ذلكم قتل النفوس بلا ذنب
ألم تُبصروا القَتْلى تمجّ دماءها / على الأرض والجرحى يئنون في الحرب
أفي الحق أم في العلم أن لا يسوءكم / ويُخجلكم شنّ الإغارة للغصب
وهل أغْلَفَت هذي العلومُ قلوبكم / بأغْطِية قُدّت من الحجر الصُلب
كذبتم فإن العصر عصر مطامع / تُقَدّ لها الأوداج بالصارم العضب
فلا تُغضبوا الإسلام إن سيوفه / مواضٍ كما قد كُنّ في سالف الحُقب
هو النصر معقود برايتنا الحمرا
هو النصر معقود برايتنا الحمرا / على أنه في الحرب آيتنا الكبرى
حليفان من نصر مبين وراية / به وبها نعلو على غيرنا قدرا
لئن أدبر الطليان عند كفاحنا / فإن لهم في بطش شُجعاننا عذرا
فإنا لقوم إن نهضنا لحادث / من الدهر أفزعنا بنهضتنا الدهرا
ندُك هضاب الأرض حتى نثيرها / غُباراً على أعدائنا يكثح الذعرا
ونأكل مُرّ الموت حتى كأننا / نَلوك به ما بين أضراسنا تمرا
فسل جيش كانيفا بنا كيف قَوَّمت / شِفار مواضينا خدودهم الصُعرا
وكيف هزمناهم فَولَّوْا كأننا / وإياهم أسد الشَرى تَطرد الحُمرا
وكم قد نثرنا بالسيوف جماجماً / نظمنا بها فوق الثرى للعدى شعرا
وما جزعي للحرب يَحمَى وطيسها / ولكن لأرواح بها أزهقت صبرا
لك الله يا قتلى طرابلس التي / بها حكَّم الطليان أسيافهم غدرا
أداموا بها قتل النفوس نكايةً / إلى أن اصاروا كل بيت بها قبرا
ولما أحاط المسلمون بجيشهم / فعاد الفضاء الرحب في عينه شِبرا
تقهقر يبغي في الديار تحصُّناً / فقرَّبها من خشية الموت واستذرى
وأصبح ينكي أهلها من تغيُّظ / فيقتلهم صبراً ويُرهقهم عسرا
فأوسعهم بالسيف ضرباً رقابَهم / وآنافَهم جَدعاً وأجوافهم بَقرا
وما ضرّ كانيفا اللعين لو أنه / تقحمّ في الهيجاء عسكرنا المجرا
أيُحجم عنا هارباً بعُلوجه / ويبغي بقتل الأبرياء له فخرا
وهل حسِبوا قتل النساء شجاعة / وقد تركوا عند الرجال لهم ثأرا
لقد شجُعوا والموت ليس له يد / ولم يَشجُعوا والموت يطعنهم شزرا
يعِزّ على أسيافنا اليوم أنها / تقارع قوماً قرعهم بالعصا أحرى
ولم تك لولا الحرب تعلو سيوفنا / رءوسا نرى ملء القحوف بها عهرا
ومن مبكيات الدهر أو مضحكَاته / لدى الناس حرٌّ لم يكن خصمه حرا
لئن أيها القتلى أريقت دماؤكم / فما ذهبت عند العدى بعدكم هدرا
سنثأر حتى تسأم الحرب ثأرنا / ونقتل عن كل امرئ أنفساً عشرا
وإني لتغشاني إذا ما ذكرتكم / لواعج حزن ترتمي في الحشا جمرا
على أن قرص الشمس عند غروبها / يذكرني تلك الدماء إذا احمرّا
فأبكي تجاه الغرب والبدر لائح / من الشرق حتى أُبكي الشمس والبدرا
ويا أهل هاتيك الديار تحيّةً / توفّيكم الشكر الذي يرأس الشكرا
فقد قمتم للحرب دون بلادكم / تذودون عن أحواضها البغي والنُكرا
وثرتم أسوداً في الوغى يعرُبيّةً / غدا كل سيف في براثنها ظُفرا
تراها لدى الحرب العوان مُشيحةً / تُهَمهم حتى تُنطق الفتكة البكرا
ولو أن كَفّي تستطيع تناوُشاً / فتبلغُ في أبعادها الأنجم الزُهرا
لرتّبت منها في السماء قصيدة / لكم واتخذت البدر في رأسها طُغرى
وخلّدتها آياً لكم سَرمديّةً / مدائحها تستوعب الكون والدهرا
يقولون إن العصر عصر تمّدن / فما باله أمسى عن الحق مُزورا
إلى الله أشكو في الورى جاهليّة / يَعدّون فيها من تمدّنهم عصرا
أتتنا بثوب العلم تمشي تبختُراً / إلى الخير لكن قد تأبّطت الشرا
فلا تلتَمِظ في مدحها متمطِّقاً / فإن أظهرت حلواً فقد أبطنت مرا
لقد ملك الإفرنج أرض مراكش / وقد ملكوا من قبلها تونس الخضرا
ففاجأنا الطليان من بَعد مُلكهم / لكي يسلبونا في طرابلس الأمرا
وقالوا ألم تأت الفرنجة تونسا / وهذي جيوش الإنكَليز أتت مصرا
فخلُّوا لنا ما بين هذي وهذه / وإلاّ قسرناكم على تركها قسرا
فقلنا لهم إنا أحقّ بمُلكها / فقالوا ولكن زند قُوّتنا أورى
أهذا هو العصر الذي يدّعونه / فسحقاً له سحقاً ودفراً له دفرا
ذهبت لحيٍّ في فروق تزاحمت
ذهبت لحيٍّ في فروق تزاحمت / به الخلق حتى قلت ما أكثر الخلقا
ترى الناس أفواجاً إليه وإنما / إلى التلعات الزهر في درج ترقى
يضيء به ثغر الحضارة باسماً / بلامع نور علّم السحب البرقا
رأيت مبانيه وجُلت بطرقه / فما أحسن المبنى وما أوسع الطرقا
فكم فيه من صرح ترى لدهر متلعا / يمدّ إلى ادراك شرفته العنقا
قصور علت في الجوّ لم تلق بينهما / وبين النجوم الزهر في حسنها فرقا
هنالك للأرضين أفق بروجه / تضاحك أبراج السموات والأفقا
بروج ولكن شارقات شموسها / تدور بأفق يجمع الغرب والشرقا
بحيث ترى حمر الطرابيش خالطت / برانيط سوداً كالسلاحف أو ورقا
وتلقى الوجوه البيض حمراً خدودها / وتلقى العيون السود والأعين الزرقا
خدود جرى ماء الشبية فوقها / ففيه عقول الناظرين من الغرقى
محاسن كالازهار قد طلّها الهوى / وهبّ نسيم العشق من بينها طلقا
فمن ذات دلّ أعجزالشعر وصفها / وأن كان فيها الشعر ممتلئاً عشقا
ومن ذي دلال رنّح الحسن عطفه / إلى أن رجا من حسنه عطفه الرفقا
وكم مسرح فيه الحسان تلاعبت / تمثّل كيف الناس تسعد أو تشقى
حسان علت في الحسن خَلقاً وخِلقةً / وهل خلقة تعلو إذا سفلت خلقا
تمثّل ما قد مرّ منَا وما حلا / وما جلّ من أمر الحياة وما دقّا
فتلقى دروساً لو وعتها حياتنا / لبدّل كذب في سعادتها صدقا
إذا مثّلت شكوى الحزين بكت بها / عيون البلايا والزمان لها رقّا
وأن صوّرت حقّاً هوى كل باطل / على رأسه حتى تجدّل مندقّا
وماذا ترى فيه إذا زرت حانةً / ترى الأنس يشدو في فم يجهل النطقا
سكوتٌ على قرع الكؤوس مغرّدٌ / بلحن سرور يترك الهمّ منشقا
عليهم سحاب الاحتشام يظلّهم / متى هم أرادوا سحّ من قبل ودقا
أوانس قد نادمن كل غرانق / فمنهنّ من تسقى ومنهنّ من تسقى
فمن ذا يراهم ثم لم يك واغلاً / عليهم وأن أمسى يعد الفتى الأتقى
ألست بمعذور إذا أنا زرتهم / وساجلتهم شوقاً فقل ويحك الحقا
فقد لامني لما رآني بحيّهم / فتىً منه قحف الرأس ممتلئ حمقا
فقال أفي الحيّ الذي شاع فسقه / تجول أمل تمنع عمامتك الفسقا
فقلت أجل أن العمائم عندنا / لتمنع في لوثاتها الفسق والرزقا
ولكنّني ما جئت إلا توصّلاً / لذكى شقاءٍ في العراق به نشقى
شقاء تمطَى في العراق تمطّياً / وألفى جراناً لا يزحزح واستلقى
فإن العراق اليوم قد نشبت به / نيوب الدواهي فهي تعرقه عرقا
تمشّت به حتى أعادت سواده / بياضاً ومدت للبوار به ربقا
فلهفي على بغداد إذ قد أضاعها / بنوها فسحقاً للبنين بها سحقا
جُزوها عقوقاً وهي أمٌ كريمة / والأم أبناء الكريمة من عقّا
أدامت لها الأحداث مخضاً كأنها / قد اتخذتها الحادثات لها زقّا
سأبكي عليها كلّما جُلت سائحاً / وشاهدت في العمران مملكةً ترقى
وأندبها عند الأغاريد شارباً / من الدمع كأساً لا أريد لها مذقا
تذكرت في أوطانيَ الأهل والصحبا
تذكرت في أوطانيَ الأهل والصحبا / فأرسلت دمعاً فاض وابله سكبا
وبتّ طريد النوم أختلس الكرى / بشاخص طرفٍ في الدجى يرقب الشهبا
كئيب كأن الدهر لم يلق غيره / عدوّاً فآلى لن يهادنه حربا
يقلّ كروباً بعضها فوق بعضها / إذا ما رمى كرباً رأى تحته كربا
وإنّي إذا ما الدهر جرّ جريرةً / لتأنف نفسي أن أكلّمه عتبا
وقد علم القوم الكرام بأنني / غلام على حبّ المكارم قد شباً
وإني أخو عزم إذا ما انتضيته / نبا كل عضب عنه أو أنكر الضربا
وإني أعاف الماء في صفو القذى / وإن كان في أحواضه بادراً عذبا
ولكنّ لي في موقف الشوق عبرة / تُساقط من أجفانيَ اللؤلؤ الرطبا
إذا ضربت أوتار قلبي شجونه / بدت نغمات ترقص الدمع منصبّا
وقاطرةٍ ترمي الفضا بدخانها / وتملأ صدر الأرض سيرها رعبا
لها منخر يبدي الشواظ تنفساً / وجوف به صار البخار لها قلبا
تمشّت بنا ليلاً تجرّ وراءها / قطاراً كصفّ الدوح تسحبه سحبا
فطوراً كعصف الريح تجري شديدةً / وطوراً رخاءً كالنسيم إذا هبّا
تساوى لديها السهل والصعب في السرى / فما استسلهت سهلاً ولا استصعبت صعبا
ندكّ متون الحزن دكاً وإنها / لتنهب سهل الأرض في سيرها نهبا
يمرّ بها العالي فتعلو تسلّقاً / ويعترض الوادي فتجتازه وثبا
وتخترق الطود الأشم إذا انبرى / وقد وجدت من تحت فنّته نقبا
يرنّ بجوف الطود صوت دويّها / إذا ولجت في جوفه النفق الرحبا
لها صيحة عند الولوج كأنها / تقول بها يا طود خلّ ليَ الدربا
وتمضي مضيّ السهم فيه كأنما / ترى افعواناً هائجاً دخل الثقبا
تغالب فعل الجذب وهي ثقيلة / فتغلب بالدفع الذي عندها الجذبا
طوت بالمسير الأرض طيّا كأنها / تسابق قرص الشمس أن يدرك الغربا
وما أن شكت أينا ولا سئمت سرىً / ولا استهجنت بعداً ولا استحسنت قربا
عشيّة سارت من فروق تقلّنا / وتقذف من فيها بوجه الدجى شهبا
فما هي إلا ليلة ونهارها / وما قد دعونا من سلانيك قد لبّى
فجئنا ولم يعي الصفار مطيّنا / كأن لم نكن سفراً على ظهرها ركبا
تعاليت يا عصر البخار مفضّلاً / على كل عصر قد قضى أهله نحبا
فكم ظهرت للعلم فيك معاجز / بها آمن السيف الذي كذّب الكتبا
تظاهرت من فعل البخار بقوّة / يُذلّل أدنى فعلها المطلب الصعبا
وأُقسم لو لا الكهرباء فوقه / لقلت على كل القوى ته به عجبا
هو العلم يعلو في الحياة سعادة / ويجعلها كالعلم محمودة العقبى
فكلّ بلاد جادها العلم أمرعت / رباها وصارت تنبت العزّ لا العشبا
متى ينشئ الشرق الذي اغبّر أفقه / سحابة علم تمطر الشرف العذبا
فإنّ دبور الذلّ ألوت بعّزه / وكادت سموم الجهل تحرقه جدبا
تبصّر إذا دارت رحى الشرق هل ترى / سوى الجهل في أثناء دورتها قطبا
وخرساءَ لم ينطق بحرفٍ لسانها
وخرساءَ لم ينطق بحرفٍ لسانها / سوى صوت عرق نابض بحشاها
حكت لهجة التمام لفظاً ولم تكن / لتفصح إلا بالزمان لغاها
لها ضربان في الحشا قد حكت به / فؤاداً تغشَاه الهوى وحكاها
جرت حركات الدهر في ضرباتها / وبانت مواقيت الورى بعماها
على وجهها خطّت علائم تهتدي / بها الناس في أوقاتها لمناها
مشت بين آنات الزمان تقيسه / وما هو إلاّ مشيها وخطاها
بها يتقاضى الناس ما يوعدونه / ويُرشد ضلاّل الزمان هداها
غدت كأخي الإيمان تأكل في معيً / وما أكل إلاّ التواء معاها
تدور عليها عقرب دور حائر / بتَيهاء غمّت في الظلام صواها
تريك مكان الشمس في دورانها / إذا حجبت عنك الغيوم ضياها
فأعجب بها مصحوبةًجاء صنعها / نتيجة أفكار الورى وحجاها
بنتها النهى في الغابرين بسيطةً / فتمّ على مرّ الزمان بناها
تنادي بني الأيام في نقراتها / أن اسعوا بجدٍ بالغين مداها
ولا تهملوا الأوقات فهي بواترٌ / تقطع أوصال الحياة شباها
أرى الحسن في لبنان أينع غرسه
أرى الحسن في لبنان أينع غرسه / وقارب حتى أمكن الكفّ لمسه
إذا ما رأته عين ذي اللبّ مشرقاً / تنزّت به في مدرح الحبّ نفسه
زكا مغرساً فالذام ليس يؤمّه / وطاب جنىً فالسوء ليس يمسّه
قسا صخره لكن تفجّر ماؤه / فلان بكفّ العيش منه مجسّه
لقد لبس الجوّ اللطيف فزانه / بما فيه من غرّ المحاسن لبسه
ففي الليل لم يزعجك برد نسيه / وفي الظهر لم تلفحك بالحرّ شمسه
وقد عبّدت للسالكين طريقه / وحرّر أهلوه وبورك أنسه
فمن كان في طرق التواصل عثرةً / فقد جاز في شرع المحبّة دعسه
تضيء نجوم السعد واليمن فوقه / فينجاب شؤم الدهر عنه ونحسه
ويهمس في أذن الطبيعة جوّه / فيضحكها فوق الربا الخضر همسه
كأن النسيم الطلق بين جنانه / غناء حبيب يطرب النفس جرسه
كأن جبال المَتن حدبة عابد / هوى ساجداً شكراً وبيروت رأسه
يقال عن الأضواء في جوف ليله / ببيروت إذ يغشى من الليل دمسه
تزوّج صنّين الفتى بنت جاره / فأضواء بيروت الوسيطة عرسه
ونبع الصفا والقاع فيه كلاهما / من الحسن ملأى بالبدائع كأسه
جرى الماء في واديهما متدفقاً / بانشودة الأطراب تنطق خرسه
أن تَزُرِ الشاغور يوماً تجد به / من الحسن ما قد خصّ بالفضل جنسه
جرى ماؤه العذب الزلال محاكياً / به الماس صفواً أو هو الماس نفسه
ترى طبع واديه رءوفاً بأهله / شديداً على ما يزعج النفس بأسه
فمن زاره مستوحشاً فهو انسه / ومن جاءه مستنزهاً فهو قدسه
فيا لائمي في حب لبنان انني / أحسّ لعمري منه ما لا تحسّه
إذا كان لبنان كليَلى محاسناً / فلا تعجبوا من أنيي اليوم قيسه
وأن تحمدوا منهُ الأيادي فإنني / أنا اليوم من بعد الأيادي قسَه
عجبت لمدفون به بعد موته / ولم ينتفض حيّاً وينشقّ رمسه
فمن لم يزُره وهو ربّ استطاعة / تحتّم في سجن الحماقة حبسه
ومن زاره مستشفياً زاره الشفا / وإن كان قبلاً يائساً منه نطسه
ولو جاءه من فَيه مسّ وجنّة / لما حلّه إلاّ وقد زال مسّه
وما حلّه مستوحش النفس واجم / من الناس إلاّ تمّ بالضحك انسه
محلّ اصطياف الأغنياء من الورى / يعيش عزيزاً فيه من ذلّ فلسه
فمن يبذلِ الدينار فيما يريده / فمأواه محمود وإِلاّ فعكسه
كمثل الذي لا تصرف الفلس كفُّه / ولو كان دون الفلس يقلع ضِرسه
كتبت كتاب المدح في وصف حسنه / فضاق ولم يستوعب الوصف طرسه
فما كل ما قالت به شعراؤه / سوى ثلث ما يحويه بل هو خمسه
ألا أن في لبنان جوّاً مروّقاً / إذا ما شفى المسلول لم يخش نكسه
إذا شئت أن تسري بكافرة الصوى
إذا شئت أن تسري بكافرة الصوى / يدوّي بقطريها هزيم الرواعد
وتذهب محيار الظلام تخبّطاً / وتعثر في ظلماءها بالجلامد
وتمشي فما تدري إلى قعر هّوة / تروح بها أم للمدى المباعد
فطالع أراجيف الجرائد أنني / أرى الويل كل الويل بين الجرائد
جرائد في دار الخالافة أضرمت / لهيب خلاف بينها غير خامد
ولم كيفها هذا الخلاف وإنما / أطافت بنقص للحقيقة زائد
فما بين مكذوب عليه وكاذب / وما بين مجحودٍ عليه وجاحد
ترى في فَروق اليوم قرّاء صحفها / فريقين من ذي حجةٍ ومعاندٍ
جدال على مرّ الجديدين دائم / بتفنيد رأيٍ أة بتزيف ناقد
فذائد سهم عن رميّ يردّه / وآخر رام سهمه نحو ذائد
وهذا إلى هذي وذاك لغيرها / من الصحف يدعو آتياً بالشواهد
وما هي إلاّ ضجّة كل صائت / بها مدّ للدنيا حبالة صائد
أضاعوا علينا الحق فيها تعمّداً / وعقبى ضياع الحق سود الشدائد
ولم أر شيئاً كالجرائد عندهم / مبادئه منقوضة بالمقاصد
يقولون نحن المصلحون ولم أجد / لهم في مجال القول غير المفاسد
وكيف بين الحق من نفثاتهم / وكلّ له في الحق نفثة مارد
فاياك أن تغير فيهم فكلهم / يجرّ إلى قرصيه نار المواقد
وكن حائداً عنهم جميعاً فإنما / يضلىّ امرؤٌ عن غيّهم غير حائد
على رسلكم يا قوم كم تسمعوننا / مقالة محقودٍ عليه وحاقد
ألا فارحموا بالصفح عن نهج صحفكم / فقد أوردتنا اليوم شرّ الموارد
وما الصحف إلاّ أن تدور بنهجها / مع الحق أنّي دار بين المعاهد
وأن تنشر الأقوال لا عن طماعة / فتأتي بها مشحونةً بالفوائد
وأن لا تعاني غير نشر حقائق / وتنوير أفكار وانهاض قاعد
أتبغون في تلفيقها نفع واحد / وتغضون عن اضرارها ألف واحد
ألا أن صحف القوم رائد نجحهم / وما جاز في حكم النهى كذب رائد
لعمري أن الصحف مرآة أهلها / بها تتجلى روحهم للمشاهد
كما هي ميزان لوزن رقيّهم / وديوان أخلاق لهم وعوائد
ألا تنظرون الغرب كيف تسابقت / به الصحف في طرق العلا والمحامد
بها يهتدي القرّاء للحق واضحاً / كما يهتدي الساري بضوء الفراقد
ولكن أبى الشرق التعيس تقدّماً / مع الغرب حتى في شؤون الجرائد
فلا تحملوا حقداً على ما أقوله / فإني عليكم خائف غير حاقد
وما هي إلاّ غيرة وطنيّة / فإن تجدوا منها فلست بواجد
أرى بعد نوم طال في الشرق يقظة
أرى بعد نوم طال في الشرق يقظة / نهوضيّةٌ فيها طموح إلى المجد
ففي مصر شيدت للعلوم معاهد / على اسس التحليل والبحث والنقد
فلم تتّخذ غير التجارب منهجاً / لتحقيقها من جوهر العلم ما يجدي
وفي الأفق التركيّ سارت غلى العلا / جيوش بأعلام التجدّد تستهدى
وفي الهند قامت للتحرّر ثورة / سياسية عزلاء قائدها غندي
وفارس حلّت عقدة من جمودها / وحنّت بمسعاها إلى سالف العهد
وفي الصين حرب نارها وطنيّة / تزيد بمرّ الدهر وقداً على وقد
وبغداد بين الأجنبيّ وبينها / مزيد صراع في السياسة مشتدّ
على أن حول النيل مثل صراعنا / ولكنّه بين الحكومة والوفد
ولم تخل من أعشابها بتجّدد / على جدبها أرض الحجاز ولا نجد
زمان أتى من كل قوم بنهضةٍ / سياسية حتى أتت نهضة الكرد
تباشير صبح لاح بعد نحوسةٍ / مشيراً إلى ما نرتجيه من السعد
فيا وفد مصر أنتم خير شاهد / على يقظة في الشرق وارية الزند
لقد جئتم روّاد علم وحكمة / فحيّيتمو أزكى التحيّات من وفد
ترودون أهل العلم مرعىً ومنزلاً / وتجتنبون الهزل في معرض الجد
وقد زرتمو دار السلام زيارة / ستذكرها الأقلام بالشكر والحمد
ومن ذكرها في كل عصر وموطن / ستستنشق الأيام أطيب من ورد
وتمتدّ بين النيل منها ودجلة / مدى الدهر أسباب التعارف والودّ
سلام على مصر التي أرسلت بكم / فطاحل علم لا تحيد عن القصد
لكم عند أهل الرافدين تجلّة / على قدر ما للرافدين من الرفد
يا دار قسطنطين أنت فريدة / في الحسن لولا جوّكِ المتقلّب
لقد اجتوَيتك لا لفقد محاسن / لكن هواؤك عارم متذبذب
أبداً سماؤك وجهها متلوّن / فأراه يبسم تارة ويقطّب
وأرى هواءك ناضحاً برطوبة / همم الرجال بها تجفّ وتنضب
تسري الرطوبة منه بين عروقهم / فتكاد من أعصابهم تتحلّب