المجموع : 47
تَصَدَّتْ لِوَشْكِ البَيْنِ من جَفْوَةِ الصَدِّ
تَصَدَّتْ لِوَشْكِ البَيْنِ من جَفْوَةِ الصَدِّ / وحَلَّتْ قناعَ الصَبْر عن زفرة الوجْدِ
وألقتْ إلى حُكمِ الأَسى عِزَّةَ الأُسا / فَنَمَّ بما تُخْفي تُبارِيحُ مَا تُبْدِي
وأسْفَرَ رَيْبُ السُّخْطِ عن صادِقِ الرِّضا / ولاح هِلالُ الوصلِ من مَغْربِ الصَّدِّ
فوشكانَ مَا لَفَّتْ قضيباً بقاضِبٍ / وأدْنَتْ نِجادَ السَّيْفِ من مَسْلَكِ العِقْدِ
وَهبَّ غليلُ الشَّجْوِ فِي غَلَلِ اللَّمىَ / وسالَ جُمانُ الخَدِّ فِي يانِعِ الوَرْدِ
فَجَرَّعتُ حَرَّ الشَوْقِ من بَرَدِ الحَيا / وزَوَّدْتُ مُرّ الصَّابِ من ذائِبِ الشَهْدِ
وقالتْ وتَوْديعُ التَفَرُّقِ قَدْ هَفا / بِصَدرٍ إلى صدرٍ وخَدٍّ إلى خَدِّ
عَسى قُرْبُ مَا بَيْنَ الجوانِحِ فَأْلَنا / لِمَجنى ثِمارِ القُرْبِ من شَجَرِ البُعْدِ
فسَبْقاً إلى ذي السَّابِقاتِ برِحْلَةٍ / تَلُوحُ بنَجمِ العِلْمِ فِي مَطْلَعِ السَّعْدِ
إلى الحِمْيَريِّ العامريِّ الَّذي بِهِ / غَدَتْ حُرْمَةُ التَأميلِ وارِيَةَ الزَّنْدِ
إلى مَلِكٍ مِلْءِ الرَغائِبِ والمُنى / وملْءِ نِجادِ السّيْفِ والدِّرْعِ والبُرْدِ
ومِلْءِ مَكَرِّ الخيلِ فِي حَوْمَةٍ الوغى / وملْءِ رداءِ الحِلمِ فِي مَشْهَدِ الحمدِ
وَ مُؤْتمَنٍ للهِ مُسْتَحْفَظٍ لَهُ / لما ضاعَ من حقٍّ وَمَا خاسَ من عَهْدِ
تَجَلَّى لَنا فِي مَطْلعِ المُلكِ فَانْجَلَتْ / بِهِ ظُلُماتُ الغَيِّ فِي سُبُلِ الرُّشْدِ
فأعْلقَ سيفَ النصر فِي عاتِقِ العُلاَ / وأثْبَتَ تاجَ المُلْكِ فِي مَفْرِقِ المجدِ
وأشْرَقَ فِي جَوٍّ من العِزِّ مُعْتَلٍ / وأغْدَقَ من ظِلٍّ عَلَى الأرضِ مُمتَدِّ
ولاقى وْجوهَ الراغبينَ كأنَّما / أمانِيُّهُم يُصْبِحَنَ مْنهُ عَلَى وعْدِ
ونادَى خُطوبَ الدَّهْرِ بَرَّحْتِ فَاقْصِري / وثَوَّبَ بالآمالِ أبْرَحتِ فامْتَدِّي
إلى رَوْحِ إنعامٍ يُراحُ إلى المُنى / ولُجَّةِ معروفٍ تُهِلُّ إلى الوِرْدِ
تُرَاثُكَ عن جَدٍّ وجَدٍّ بِهَدْيِهِمْ / تَناهى بِكَ الدُّنْيا إِلَى أَسْعَدِ الجَدِّ
فحسبُكَ من نفسٍ وكافِيكَ من أبٍ / وشَرْعُكَ من عَمٍّ وناهِيكَ من جَدِّ
بِهِمْ مُدَّ بَحْرُ الدِّينِ فِي كُلِّ بلدةٍ / وهُمْ تركوا بَحْرَ الأعادي بلا مَدِّ
وهُمْ عَمَرُوا الأيَّامَ من ساكِنِ الهُدى / وأخْلَوا غِياضَ الشِّركِ من ساكِنِ الأُسْدِ
وهُمْ جَرَّدُوا أسياف دِينِ مُحَمَّدٍ / وخَلَّوا سيوفَ النَاكِثينَ بلا حَدِّ
وهُمْ سَلبُوا كِسْرى وقَيْصَراً / وحَلَّوْكَ تاجَ المُلكِ فَرْداً بلا نِدِّ
دعائِمُ سُلْطَانٍ وأرْكانُ عِزَّةٍ / بِهَا وَشَجَتْ قُربى تميمٍ من الأزدِ
وما حَفِظُوا أعلامها ونِظامَها / بِمِثْلِكَ من مولىً ومِثلِيَ من عَبْدِ
بما شدْتَ فِيهَا من سَناءٍ ومِنْ سَناً / ورَاقَ عليها من ثَنائي ومِنْ حَمدي
فما جَلَتِ الدنيا عَروسَ رِياسَةٍ / لِمُلْكِهِمُ إلّا وَفِي صَدْرِها عِقدي
ولا جاشَتِ الآفاقُ من طِيبِ ذِكرِهِمْ / بِجَيشِ ثناً إلّا وَفِي وسْطِهُ بَندي
بما بَسَطوا لي أيْدِياً مَلَّكَتْ يَدِي / أعِنَّةَ أعنْاقِ المُسَوَّمَةِ الجُرْدِ
وما مَهَّدُوا لي من فِراشِ كَرَامَةٍ / وَمَا أتْبعُوني من لِواءٍ ومن جُنْدِ
وكم جَلّلُوني نِعْمَةً قَدْ جَلَوْتُها / عَلَى غابِرِ الأزمانِ فِي حُلَّةِ الخُلدِ
فإنْ تَمْتَثِلْها مِنْهُمُ فيَّ فَذَّةً / فَكَمْ حُزْتُها مِنْهُمْ عِدَاءً بلا عَدِّ
وإن تَحْبُنيها عَنْ تَناهِيكَ فِي النُّهى / فقِدْماً حَبانِيها أبوكَ مِنَ المَهْدِ
وإن عَمَّ أهْلَ الأرضِ فَيْضُ نَدَاكُمُ / فإنِّيَ قَدْ بَرَّزْتُ فِي شُكْرِكُمْ وَحْدِي
بَدائِعُ أضْحَتْ فِيكُمُ آلَ يَعرُبٍ / أوَائِلَ مَا قَبْلي وآخِرَ مَا بَعْدِي
وما بُعْدُ عهدي عَنَكَ يُنسِي عُهُودَهُمُ / إليكَ بحقِّي من وفائِكَ بالعَهدِ
ولا نأيُ دارِي عَنْكَ يُبْلي وَسائِلاً / جَلِيٌّ بِهَا قُرْبي وَفيٌّ بِهَا بُعْدِي
فَلا أخْطأت أسْيافُكُمْ سَيْفَ مُعْتَدٍ / ولا خَذَلَتْ أيْدِيكُمُ ظَنَّ مُعْتَدِّ
ولا زَالَتِ الأيامُ تُشْرِقُ مِنْكُمُ / كَمَا أشْرَقَ الإحسانُ من عِنْدِكُم عِنْدِي
كَذا ينتهي البَدْرُ المُنيرُ إلى الشمْسِ
كَذا ينتهي البَدْرُ المُنيرُ إلى الشمْسِ / وتَمْتَزجُ النفسُ الكريمةُ بالنَفْسِ
وتَلْتَحِمُ الأنسابُ من بَعْدِ بُعْدِها / وتدنو القلوبُ المُوحشاتُ إلى الأنسِ
ويُجْمَعُ شملُ الوَصْلِ من فُرْقَةِ القِلى / ويُرْفَعُ بَنْدُ الوَصلِ من مَصْرَعِ النِّكْسِ
كجمعِ سُلَيْمانَ النبيِّ بصِهْرِكُمْ / ذوي يَمَنٍ والشامِ والجِنِّ والإنسِ
وتأليفِ ذِي القرْنَينِ إذ هُدِيَتْ لَهُ / كرِيمةُ دارَا دَعوَةَ الرُّومِ والفُرسِ
فأْهلاً بذاتِ التَّاجِ من سَلَفِ العُلا / إلى ابنِ ذَوي التِّيجانِ فِي سالِفِ الحَرْسِ
إلى وارِثِ الأحسابِ هُوداً وتُبَّعاً / وباني العُلا بالدِّينِ سَمْكاً عَلَى أُسِّ
ولابِسِ حِلْمٍ قَدْ تناهى مَدى النُّهى / وحاجِبِ مُلكٍ قَدْ عَلا حاجِبَ الشَمْسِ
ويا رُبَّ حَرْبٍ أسْمَعَتهُ دعاءها / بِهِنْدِيَّةٍ عُرْبٍ وألسِنَةٍ خُرْسِ
فكم سَلَّ من كَرْبٍ وأنْقَذَ من عَمىً / وَروَّح من رُوحٍ ونفَّسَ من نَفْسِ
وأسْبَلَ من غَيْثٍ ومَلَّأَ من يَدٍ / وكم فَكَّ من غُلٍّ وأطْلَقَ من حَبْسِ
زكا فَرعُها فِي آلِ ذِي النُّونِ سُنَّةً / بِهَا رَاقَتِ الأثمارُ فِي يابِسِ الغرسِ
فلِلَّهِ أكْفاءٌ تدانَوْا لِصَفْقَةٍ / من الصِّهْرِ قَدْ جلَّتْ عن الغَبنِ والوَكسِ
وذكَّرَهُمْ يومُ التخاذُلِ يَوْمَهُمْ / بموتِ عهودٍ كُنَّ يَحْيَيْنَ بالأمسِ
فأسمَعَهُمْ داعي تُجيبَ فمثَّلوا / الدَّاعِي إلى الجودِ والبأسِ
فيا ذِمَّةَ الصِّهر الَّذِي شَدَّ عَهْدَها / بخاتِمَةِ الآياتِ من آيةِ الكُرسِي
فَعَفّتْ رسومَ الغَدْرِ من ظاهرِ الثرى / وخَطَّتْ وفاءَ العهدِ فِي صَفْحَةِ الشَّمسِ
وسلَّتْ منَ الإقبالِ والهَدْي والهُدى / صوارِمَ لا تُثْنى بِدِرْعٍ ولا تُرْسِ
إذا غَنِمَتْ جاءَتكَ بالأمنِ والمُنى / وإن غضِبتْ أنحَتْ عَلَى الشُومِ والتَّعْسِ
بسَرَّاءَ مِمَّا ثَبَّتَ اللهُ أو مَحا / وشَحناءَ مما يَنْسخُ اللهُ أو يُنسي
لها أعيُنٌ أهْدى إلى الحَقِّ من قَطاً / وألسِنةٌ بالسَّلْمِ أخطبُ من قَسِّ
وما قَصَّرَتْ عن ساعِيَيْ آلِ مُرَّةٍ / لصُلْحِ بني ذُبْيانَ والحَيِّ من عَبْسِ
ولله مَا زُفَّتْ ليحيى كتائِبٌ / مُرَوِّعَةُ الإقدامِ مُرْهِبَةُ الجَرْسِ
يُضِيءُ الدُّجى من عِزِّ من حَلَّ وَسْطَها / ويُظْلمُ عنها ثاقِبُ الوَهْمِ والحِسِّ
ويُحجَبُ بالرَّاياتِ فِي مُشرقِ الفَلا / ويُشْرقُ بالإعظامِ فِي الظُلَمِ الدُّمْسِ
وقد رُفِعَتْ رَفْعَ الحصونِ قِبابُها / عَلَى حُلَلِ الإحصانِ والطُّهْرِ والقُدْسِ
وحُلِّيَتِ البيضُ الصَّوارم والقنا / عَلَى الدُّرِّ والياقوتِ لُبساً عَلَى لُبْسِ
هِداءٌ هَدى سُبْلَ الرَّغائِبِ وانْتَحى / يُنَشِّرُ مَيْتَ السَّلْمِ من ظُلَمِ الرَّمْسِ
ويومُ بِناءٍ قَدْ بَنى فرْجَةَ المُنى / بعُرْسٍ غَدَتْ منه المكارِمُ في عُرْس
وقد أذَّنا فِي الأرضِ حَيَّ ومَرْحَباً / إلى المَشهَدِ المذكورِ والمَنظَرِ المُنْسي
يُريكَ النجومَ الزُهْرَ فِي مَجْلِسِ القِرى / من الطَّاسِ والإبريقِ والجام والكأسِ
وسَقْيٌ يُنَسِّي الإلفَ ريقةَ إلفِهِ / وطعْمٌ لهُ وقعُ الحياةِ من النَّفْسِ
وأمواهُ وَرْدٍ فِي وُرُودِ حِياضِها / شفاءُ الظِّماءِ الهِيمِ من غُلَّةِ الخِمسِ
وغَيمٌ من العُودِ الذَّكيِّ تراكَمَتْ / أعاِليهِ حَتَّى كِدْنَ يُوجَدْنَ باللَّمْسِ
وغالِيَةٌ تكسو المشيبَ شَبابَهُ / وتُنَبِتُ سُودَ العُذْرِ فِي الأوْجُهِ المُلْسِ
مكارمُ أضحت للرجال مغانماً / بلا نصب المغزي ولا سُنَّةِ الخُمْس
فإنْ حَمَلَتْ من بعدِها سَيْفَ فِتْنَةٍ / يَدٌ فَتَخَلَّتْ من أنامِلِهَا الخَمْسِ
وإن أوْتَرَتْ قَوساً إلى رَمْيِ مُسْلِمٍ / فلا انْفَصَلَتْ عن مَقْبِضِ العَضْمِ والعَجْسِ
ولا ضاعَتِ الأنسابُ بالغَدر والقِلى / ولا بِيعَتِ الأحسابُ بالثَّمَنِ البَخْسِ
ولا زالَ مَا ترْجُوهُ أقْرَبَ من غَدٍ / ولا انْفَكَّ مَا تخشاهُ أبْعَدَ من أَمْسِ
وأيُّ زنادَيْ فتنةٍ أوْرَيا لَهَا
وأيُّ زنادَيْ فتنةٍ أوْرَيا لَهَا / سَنا صُبْحِ حَقٍّ فِي دُجى ليلِ باطِلِ
وسيفَيْنِ رَدَّ اللهُ غَرْبَ شَباهُما / تَلاَقٍ بصَفْحَيْ واصِلٍ لمُواصِلِ
حليفَيْنِ شَدَّا عقدَ مَا احْتلَفا لَهُ / ورَدَّا عليهِ عاطِفاتِ الوَسائِلِ
أُهَنِّيكُما مَا يَهْنِئُ الدِّينَ مِنكُما
أُهَنِّيكُما مَا يَهْنِئُ الدِّينَ مِنكُما / هدىً ونَدىً فلْيَسْلَمِ الدِّينُ واسْلَما
وشهرٌ تولَّى راضِياً قَدْ بلَغْتُما / مداهُ كِراماً قُوَّمَ الليلِ صُوَّما
وفِطرٌ تحلَّى بالصلاةِ إلى الَّذي / دَعَوْناهُ ألّا يُوحِشَ الأرْضَ مِنكُما
فأسْفرَ عن وجْهٍ تجلَّى سَناكُما / وصدقٍ تجلَّى بالسلامِ عَلَيْكُما
وأكرِم بِه فِطراً يْبَشِّرُ بالمُنى / وعيداً مُعاداً بالسرورِ لَدَيْكُما
ولم أرْ يوماً كَانَ أبْهجَ مَنظَراً / وأسْنى وأسْرى فِي القلوبِ وأكْرَما
وأكبَرَ أَقماراً عَلَوْنَ أهِلَّةً / وعالَيْنَ فِي جَوٍّ من النَّقْعِ أنْجُما
ولا مَلِكاً قَدْ عظَّمَ اللهُ قَدْرَهُ / أَقَلَّ اختيالاً منكُما وتَعَظُّما
يُضاحِكُ فِيهِ الشمسُ دُرّاً وجَوْهَراً / ويحسُدُ منهُ الرَّوْضُ وَشْياً مُنَمْنما
وخُطَّابُ أمرِ الثَّغْرِ قَدْ صَدَقَتْهُمُ / عيونٌ يُعَفِّينَ الحديثَ المُتَرْجَما
خَلَتْ لكَما من كلِّ بَعْلٍ ومالِكٍ / ونادتكُما للنّصْرِ فَذَّاً وتَوْأمَا
دوالَيْكُما إنَّ الرَّمايا لِمَنْ رَمى / ودونَكُما إنَّ العزيزَ لِمَنْ حَمى
فإنَّ جَنِيَّ الباسِقاتِ لِمنْ جَنى / وإنَّ سماءَ المَكرُماتِ لِمَنْ سَما
وما تَيَّم الأخطارَ والرُّتَبَ العُلى / كَمَنْ باتَ مَشْغوفاً بِهِنَّ مُتَيَّما
ومَنْ رَفَعَ الأعلامَ فِي السَّلْمِ والوغى / لِيجعلَها للحقِّ والعدلِ سُلَّما
ومَنْ ليسَ يرضى الفضلَ إلّا مُبادِئاً / ولا يصنَعُ المعروفَ إلّا مُتَمِّما
ومن لا يرى نَيْلَ المراتِبِ مَغنَماً / لمَنْ قَدْ يرى بذلَ الرَّغائِبِ مَغرَما
ومن حَدَّ ألّا يُورِدَ الماءَ خيلَهُ / غداةَ الوغى حتَّى يخوضَ بِهَا الدَّما
ومن ليسَ يرضى حُكْمَ يُمْناهُ فِي العِدى / إذا لَمْ يَكُنْ فِيهِ النَّدى مُتَحَكِّما
ومن بَشَّرَ الإسلامَ بالسَّلْمِ قادِماً / وأنذرَ حِزْبَ البَغيِ بالسيفِ مُقْدِما
مكارِمُ تعتامُ الكِرامَ فلا تَبِتْ / كريمةُ هَذَا الثغرِ منهنَّ أَيِّما
فَشُدَّا لَهَا مِيثاقَ مَهْرٍ مُؤجَّلٍ / وسُوقا إليها المَهْرَ مَهْراً مُقَدَّما
فقد لَبِسْتَ بُرْدَ الوفاءِ وَقَلَّدَتْ / ترائبَها عِقْدَ الوفاءِ مُنَظَّما
وقد أشرَقَتْ مِنْ فَوقِ تاجُو مُنِيفَةً / بتاجِ هِلالٍ قَدْ تَكَلَّلَ أنْجُما
وأنَّى بِهَا عن كُفْرِها ومَلِيكِها / وبالهائِمِ المُشْتاقِ عَنْها وعَنْكُما
وفِلْذَةُ قَلبي فِي حِماها رَهِينَةً / وإنسانُ عَيْني فِي ذَراها مُخَيِّما
تَقَسَّمَ رَيْبُ الدَّهْرِ والنَّأي شملَنا / وقلباً غدا لِلبَينِ نَهْباَ مُقَسَّما
فما نَأْتسِي إِلّا أَسىً وتَعَزِّياً / وَمَا نلتَقي إِلّا كَرىً وتَوَهُّما
لياليَ كالإِعدامِ طَوَّلَها الأَسى / وطاوَلْتُها حَوْلاً وحَوْلاً مُجَرَّمَا
أَسَهْماً رماهُ عن قِسِيِّ جَوانِحِي / فِراقٌ فوَالى منهُ قَلْبيَ أَسْهُما
بذكراكَ شَاجَيْتَ الحمامَ فلَوْ وَفى / لأَنباكَ عن شَجْوِي إذَا مَا تَرَنَّما
وإِنْ يَرْعَ لي وَكْفُ الحيا حقَّ مُسعِدٍ / يُخَبِّرْكَ عن دمعي إليك إذا همى
فكم عذتُ من لَيْلِ الهمومِ بلَيْلَةٍ / تركتُ بِهَا الأَجفانَ حَسْرَى ونُوَّمَا
فأَسْرَيْتُها بِالشِّعْرَيَيْنِ مُفَرِّطاً / وأَفْنَيْتُها بالقلبِ عنها مُخَيِّما
وكم ليلةٍ ليلاءَ وافَيْتُ صُبْحَها / أَذَرَّ عَلَى عيني ظلاماً وأَظْلَما
دُجىً مثلَ جِلْبابِ السماءِ اسْتَمَرَّ بِي / فَقَنَّعَ فَوْدَيَّ المشيبَ وعَمَّما
وصبحاً كسا الآفاقَ نُوراً وبهجةً / ووَجْهِيَ قِطْعاً من دُجى الليلِ مُظْلما
وكم لُجَّةٍ خضراءَ من لُجَجِ الرَّدى / ركبتُ لَهَا فِي الليلِ أَظْلَمَ أَدْهَما
كسا الصُّبْحُ أَعلاهُ مُلاءً مُهدَّباً / وأَسفَلَهُ الإِظلامُ بُرْداً مُحَمَّما
إذَا رَقرَقَتْ رِيحُ الصَّبا من جَناحِه / تَحَمَّلَ أُكْمَ الموتِ غَرْقى وعُوَّما
فأَهْوِ بِهِ فِي مُفْرَجِ الموتِ حَيَّةً / وأَعْلِ بِهِ فِي هَضْبَةِ الحَيْنِ أَعْصَما
خطوباً لبستُ الصَّبْرَ حَتَّى جَعَلْتُها / لِمَرْقى أَيادِي العامِرِيِّينَ سُلَّما
فأَصْبَحْتُ نَجْماً فِي سماءِ كَرَامَةٍ / مُحَيَّاً مُفَدَّىً بالنُّفوسِ مُعَظَّما
مَليكَيْ زمانَيْنا وجارَيْ دِيارِنا / بِزَاهِرَةِ المُلْكِ الَّتِي أَنْجَبَتْهُما
بعِزِّ لواءٍ يبلُغُ النجمَ إِنْ عَلا / وبَحْرِ عَطاءٍ يَرْغَبُ الأَرْضَ إِنْ طَمى
وخيلٍ تَهُدُّ الأَرضَ تَسْرِي وتَغْتَدِي / تقودُ ملوكَ الأَرضِ أَسْراً ومَغْنَما
أَما والقُصورِ البِيضِ منها وَمَا حَوَتْ / من الصِّيدِ كالآسادِ والبِيضِ كالدُّمى
وَمَا عَمَرَتْ منها الليالي وغَيَّرَتْ / وشَيَّدَ أَمْرُ اللهِ فِيهَا وهَدَّما
وعافِي قُصورٍ من قصورٍ بَلاقِعٍ / إذَا ذَرَّ قَرْنُ الشَّمْسِ فِيهِنَّ أَظْلَما
لقد سُلِّيَتْ عنها بلادٌ حَوَتْكُما / وَقَدْ عُوِّضَتْ مِنها جُفونٌ رأَتْكُما
فآواكُما ذُو العَرْشِ فِي ظِلِّ أَمْنِهِ / ولا حَلَّ عَقْدَ النَّصْرِ منهُ عَلَيْكُما
جَزَاءً لما أَوْلَيْتُما وكَفَيْتُما / وآوَيْتُما من غُرْبَةٍ وكَنفْتُما
يَا صَفْوَةَ الأَجفانِ من عَبَراتِها
يَا صَفْوَةَ الأَجفانِ من عَبَراتِها / ومُدَّخَرَ الأَضلاعِ من زَفَرَاتِها
هلُمِّي إِلَى أُمِّ الرَّزَايا فأَسْعِدِي / نفوساً يضيقُ الدَّهْرُ عن حَسَراتِها
لخطبٍ رمى فِي آلِ خَطَّابَ سَهْمَهُ / فَفُجِّعَتِ الدُّنيا بأَسْرى سَرَاتِها
فيَا عَبْرَةَ الأَيَّامِ بالقَمَرِ الَّذِي / بِهِ عاذَتِ الأَيَّامُ من عَبَراتِها
ويا غَمْرَةً لِلْمَوْتِ غالَ حِمامُها / فتىً أَنْقَذَ الأَحرارَ من غَمَراتِها
ويا دَوْحَةَ العِزِّ الَّتِي قادَتِ المُنى / إِلَى باسِقِ الأَغصانِ من شَجَراتِها
لَئِنْ فاتَني صَرْفُ الحِمامِ بِظِلِّها / لقد أَخْلَفَتْ لي من جَنى ثَمَرَاتِها
وإِن غاضَ عَيْنَيْ ماءِ دِجْلَةَ حَيْنُها / لقد أَغرقَتْ أَرْضَيَّ بَعْدَ فُرَاتِها
هِلالٌ بنورِ السَّعْدِ والحَقِّ مُقْمِرُ
هِلالٌ بنورِ السَّعْدِ والحَقِّ مُقْمِرُ / أَهلَّ عَلَى الإِسلامِ أَللهُ أَكْبَرُ
أَغَرُّ نَما فِي الغُرِّ من آلِ هاشِمٍ / ووافى بِهِ يومٌ أَغَرُّ مُشَهَّرُ
بِهِ زِيدَ فِي آلِ النَّبيِّ مُحَمَّدٍ / حسامٌ وبَحْرٌ بالنَّدى يَتَفَجَّرُ
فَأَدْرَكَتِ الآمالُ غاياتِ سُؤْلِها / وأُعْطِيَتِ الأَيَّامُ مَا تَتَخَيَّرُ
وقامَ سريرٌ للخلافَةِ ثابِتٌ / وسَرْجٌ ومِحْرابٌ وتاجٌ ومِنْبَرُ
وَمَا النَّاسُ إِلّا آمِلٌ ومُؤَمِّلٌ / وَمَا الدَّهْرُ إِلّا مُبْشِرٌ ومُبَشِّرُ
وأَيَّامُ مَحْيانا حدائِقُ تَزْدَهِي / وأَوْجُهُ دنيانا كواكِبُ تُزْهِرُ
فَدُومُوا لهذا الدِّينِ حِصْناً ومَوْئِلاً / فأَنْتُمْ لَهُ عِزٌّ وذِكْرٌ ومَفْخَرُ
وَفِي سُرَّ مَنْ رَا من مَحَلِّي مَقاصِرُ
وَفِي سُرَّ مَنْ رَا من مَحَلِّي مَقاصِرُ / تُلاعِبُ فِيهِنَّ الظِّباءَ الجآذِرُ
وتُزْهى بِهَا من صِنْوِ دِجْلَةَ لُجَّةٌ / تَحَلَّلَ منها الرَّوْضُ جارٍ وجَائرُ
حَدَائِقُ جَنَّاتٍ نَضائِرُ زانَها / تَقَلُّبُ أَحْداقٍ إِلَيْها نَوَاظِرُ
مشابِهُ حُسنٍ مَا لَهُنَّ مَشابِهٌ / نظائِرُ شَكْلٍ مَا لَهُنَّ نَظائِرُ
ثَلاثٌ كأَطْلاءِ الظِّباءِ رَوَائِعٌ / ولا شَبَهٌ إِلّا الطُّلى والنَّوَاظِرُ
نَماها إِلَى الأَرْءامِ رُومٌ وَجِلَّقٌ / وأَرْضَعَها منهم سُلَيْمٌ وعامِرُ
لِتَأْثُرَ عَنَّا كُلَّما فاهَ خاطِبٌ / وأَغْرَبَ رَجَّازٌ وأَبْدَعَ شاعِرُ
إِذَا أَجْرَتِ الأَقلامُ عَنْهُمْ بِمَنْطِقٍ / أَرَتْكَ بُطُونَ الصُّحْفِ وَهْيَ أَزَاهِرُ
يُذَكِّرنَني ما أنْتَ عَنِّيَ مُبْلِغٌ / خَوَاطِبَ أَحياءٍ وَهُنَّ مَنابِرُ
بِتَرْجِيعِ ألْحانٍ كأَنَّ حَنِينَها / لما أنا من آثارِ مَجْدِكَ ذاكِرُ
ويُذْهِلُني عن سِحْرِ ما في جُفُونِها / بتُفَّاحِ سَواحِرُ
تُطَارِدُها في الجَوِّ نَزْواً كأَنَّها / نوازِعُ وبَوَادِرُ
نُسورٌ تَهادى بالسُّرورِ وإنَّني / لها بالذي يهدي السرور لزاجرُ
وإنْ بُدِّلَتْ منها السَكاكِينُ خِلْتَها / غماماً صائِرُ
وإنْ قامَ باسطُرْلابِهم يَدُ بعْضِها / فكِيوانُ أو بَهْرَامُ
يُخبِّرُني أنْ قَدْ تبيَّنتُ أنَّني / لمعروف ما تسديهِ نحويَ شاكرُ
وأنك موصولُ السُّعودِ بِغِبْطَةٍ / يُطاوِلُها في عُمْر أمْرِكَ عامِرُ
وحُيِّيتَ مِنِّي كُلَّ يومٍ تَحِيَّةً / تسيرُ بها الرُّكُبانُ ما سارَ سائِرُ
يلوحُ بها نَجْمٌ من الأُفقِ طالِعٌ / ويُرْجِعُها لي منكَ ما غارَ غائِرُ