القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : مَحمود سامِي البارُودِي الكل
المجموع : 123
أَدِيرَا كُؤُوسَ الرَّاحِ قَدْ لَمَعَ الْفَجْرُ
أَدِيرَا كُؤُوسَ الرَّاحِ قَدْ لَمَعَ الْفَجْرُ / وَصَاحَتْ بِنَا الأَطْيَارُ أَنْ وَجَبَ السُّكْرُ
أَمَا تَرَيَانِ اللَّيْلَ كَيْفَ تَسَلَّلَتْ / كَوَاكِبُهُ لِلْغَرْبِ وَانْحَدَرَ النَّسْرُ
فَقُومَا انْظُرَا ما يَصْنَعُ الصُّبْحُ بِالدُّجَى / فَإِنِّي أَرَى مَا لَيْسَ يَبْلُغُهُ الذُّكْرُ
أَرَى أَدْهَمَاً يَتْلُوهُ أَشْهَبُ طَارِدٌ / كِلا الْفَرَسَيْنِ اغْتَالَ شَأْوَهُمَا الْحُضْرُ
وَقَدْ حَنَّتِ الأَطْيَارُ فِي وُكُنَاتِهَا / وَقَامَ يُحَيِّينَا عَلَى سَاقِهِ الزَّهْرُ
وَأَصْبَحَتِ الْغُدْرَانُ تَصْقُلُها الصَّبَا / وَيَرْقُمُ مَتْنَيْهَا بِلُؤْلُئِهِ الْقَطْرُ
تَرِفُّ كَمَا رَفَّتْ صَحَائِفُ فِضَّةٍ / عَلَيْهِنَّ مِنْ لأْلاءِ شَمْسِ الضُّحَى تِبْرُ
عَصَائِبُ حَوْلَ الْمَاءِ يَدْرِمْنَ هُتَّفَاً / بِلَحْنٍ لَهُ فِي كُلِّ سَامِعَةٍ أَثْرُ
إِذَا صَرْصَرَ الْبَازِي تَلَبَّدْنَ بِالثَّرى / مِنَ الرُّعْبِ حَتَّى لا يَبِينُ لَهَا صَرُّ
يُسَارِقْنَهُ حَتَّى إِذَا غَابَ ظِلُّهُ / عَنِ الْمَاءِ عَادَ اللَّحْنُ وَانْتَشَرَ الْهَدْرُ
تَرَاهُنَّ أَسْرَابَاً عَلَى المَاءِ حُوَّماً / يُقَرِّبُهَا ظِمْءٌ وَيُبْعِدُها ذُعْرُ
تَرُوحُ وَتَغْدُو بَيْنَ أَفْنَانِ دَوْحَةٍ / سَقَاهَا مِنَ الْوَسْمِيِّ مُسْتَوْكَفٌ غَزْرُ
لَهَا فِي نَوَاحِي الأُفْقِ لَفْتَةُ أَصْيَدٍ / يَلُوحُ عَلَى أَطْرَافِ عِرْنِينِهِ الْكِبْرُ
مَلاعِبُ لَهْوٍ يَقْصُرُ الطَّرْفُ دُونَهَا / وَدُنْيَا نَعِيمٍ لا يُحِيطُ بِهَا الْفِكْرُ
فَيَا صَاحِبَي نَجْوَايَ قُومَا لِشُرْبِهَا / فَفِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ طَابَتْ لَنَا الْخَمْرُ
وَشَأْنَكُمَا فِي الرَّاحِ فَالْعَيْشُ وَالصِّبَا / إِذَا الرَّاحُ لَمْ تَخْفِرْهُمَا فَسَدَ الْعُمْرُ
خَبِيئَةُ قَوْمٍ خَلَّفُوهَا لِغَيْرِهِمْ / خَلَتْ دُونَهَا الأَيَّامُ وَاخْتَلَفَ الْعَصْرُ
فَجَاءَتْ كَمِصْبَاحِ السَّمَاءِ مُنِيرَةً / إِذَا اتَّقَدَتْ فِي الْكَأْسِ سَارَ بِهَا السَّفْرُ
وَإِنْ أَنْتُمَا غَنَّيْتُمَانِيَ فَلْتَكُنْ / أَنَاشِيدَ يَهْفُو دُونَ تَسْمَاعِهَا الصَّبْرُ
أَنَاشِيدَ فِيهَا لِلْمَلِيحَةِ وَالْهَوَى / مَعَاذِيرُ أَحْوَالٍ يَلِينُ لَهَا الصَّخْرُ
لَعَلَّ هَواهَا أَنْ يَعُودَ كَمَا بَدَا / رَخِيَّ الْحَواشِي قَبْلَ أَنْ يَنْشَبَ الْهَجْرُ
مِنَ الْبِيضِ مَيْسَانُ الْعَشِيَّاتِ غَادَةٌ / سَلِيمَةٌ مَا تَحْوِي الْمَعَاقِدُ وَالأُزْرُ
إِذَا سَفَرَتْ وَالْبَدْرُ لَيلَةَ تَمِّهِ / وَلاحَا سَوَاءً قِيلَ أَيُّهُما الْبَدْرُ
لَهَا لَفْتَةُ الْخَشْفِ الأَغَنِّ وَنَظْرَةٌ / تُقَصِّرُ عَنْ أَمْثَالِهَا الْفَتْكَةُ الْبِكْرُ
تَرُدُّ النُّفُوسَ السَّالِماتِ سَقِيمَةً / وَتَفْعَلُ مَا لا تَفْعَلُ الْبِيضُ وَالسُّمْرُ
خَفَضْتُ لَهَا مِنِّي جَنَاحَيْ مَوَدَّةٍ / وَدِنْتُ لِعَيْنَيْهَا كَمَا حَكَمَ الدَّهْرُ
عَلَى أَنَّ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَشِيرِهَا / قَوَارِعُ سُوءٍ لا يَنَامُ لَهَا وِتْرُ
فَيَا رَبَّةَ الْخَلْخَالِ رِفْقَاً بِمُهْجَتِي / فَبِالْغَادَةِ الْحَسْنَاءِ لا يَحْسُنُ الْغَدْرُ
وَبُقْيَا عَلَى قَلْبِي فَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِهِ / سِوَى حُبِّ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ لَهُ عُذْرُ
أَخِي وَصَدِيقِي وَابْنُ وُدِّي وَصَاحِبِي / وَمَوْضِعُ سِرِّي حِينَ يَعْتَلِجُ الصَّدْرُ
هُوَ الصَّاحِبُ الْمَشْكُورُ فِي الْوُدِّ سَعْيُهُ / وَمَا خَيْرُ وُدٍّ لَيْسَ يَلْحَقُهُ شُكْرُ
أَمِينٌ عَلَى غَيْبِ الصَّدِيقِ إِذَا وَنَتْ / عُهُودُ أُنَاسٍ أَوْ تَطَرَّقَهَا فَتْرُ
فَلا جَهْرُهُ سِرٌّ وَلا سِرُّ صَدْرِهِ / إِذَا امْتَحَنَ الْوَاشِي ضَمَائِرَهُ جَهْرُ
يَدِبُّ عَلَى الْمَعْنَى الْخَفِيِّ بِفِكْرَةٍ / سَوَاءٌ لَدَيْهَا السَّهْلُ في ذَاكَ وَالْوَعْرُ
لَهُ الْبُلْجَةُ الْغَرَّاءُ يَسْرِي شُعَاعُهَا / إِذَا غَامَ أُفْقُ الْفَهْمِ وَالْتَبَسَ الأَمْرُ
تزَاحمُ أَفْواجُ الْكَلامِ بِصَدْرِهِ / فَلَوْ غَضَّ مِنْ صَوْتٍ لَكَانَ لَهَا هَدْرُ
لَهُ قَلَمٌ لَوْلا غَزَارَةُ فِكْرِهِ / لَجَفَّتْ لَدَيهِ السُّحْبُ أَوْ نَفِدَ الْبَحْرُ
إِذَا اخْتَمَرَتْ بِاللَّيْلِ قِمَّةُ رَأْسِهِ / تَفَجَّرَ مِنْ أَطْرَافِ لِمَّتِهَا الْفَجْرُ
إِلَيْكَ ابْنَ بَطْحَاءِ الْكَلامِ تَشَذَّرَتْ / بِرَكْبِ الْمَعَانِي لا يُكَفْكِفُهَا الزَّجْرُ
قَلائِصُ لا يَرْعَيْنَ عَازِبَةَ الْكَلا / وَلا يَسْتَبِقْنَ الْمَاءَ إِنْ فَاتَهَا الْعِشْرُ
وَمَا هُوَ إِلَّا الشِّعْرُ سَارَتْ عِيابُهُ / وَفِي طَيِّهَا مِنْ طِيبِ مَا ضُمِّنَتْ نَشْرُ
فَأَلْقِ إِلَيْهِ السَّمْعَ يُنْبِئْكَ أَنَّهُ / هُوَ الشِّعْرُ لا مَا يَدَّعِي الْمَلأُ الْغَمْرُ
يَزِيدُ عَلَى الإِنْشَادِ حُسْنَاً كَأَنَّنِي / نَفَثْتُ بِهِ سِحْرَاً وَلَيْسَ بِهِ سِحْرُ
فَدُمْ لِلْعُلا وَالْعِلْمِ وَالْحِلْمِ وَالتُّقَى / وَنَيْلِ الْمُنَى مَا أَوْرَقَ الْغُصُنُ النَّضْرُ
تَأَوَّبَ طَيْفٌ مِنْ سَمِيرَةَ زَائِرٌ
تَأَوَّبَ طَيْفٌ مِنْ سَمِيرَةَ زَائِرٌ / وَمَا الطَّيْفُ إِلَّا مَا تُريهِ الْخَوَاطِرُ
طَوَى سُدْفَةَ الظَّلْمَاءِ وَاللَّيْلُ ضَارِبٌ / بِأَرْوَاقِهِ وَالنَّجْمُ بِالأُفْقِ حَائِرُ
فَيَا لَكَ مِنْ طَيْفٍ أَلَمَّ وَدُونَهُ / مُحِيطٌ مِنَ الْبَحْرِ الْجَنُوبِيِّ زَاخِرُ
تَخَطَّى إِليَّ الأَرْضَ وَجْدَاً وَمَا لَهُ / سِوَى نَزَواتِ الشَّوقِ حَادٍ وَزَاجِرُ
أَلَمَّ وَلَمْ يَلْبَثْ وَسَارَ وَلَيْتَهُ / أَقَامَ وَلَوْ طَالَتْ عَلَيَّ الدَّيَاجِرُ
تَحَمَّلَ أَهْوَالَ الظَّلامِ مُخَاطِراً / وَعَهْدِي بِمَنْ جَادَتْ بِهِ لا تُخَاطِرُ
خُمَاسِيَّةٌ لَمْ تَدْرِ مَا اللَّيْلُ وَالسُّرَى / وَلَمْ تَنْحَسِرْ عَنْ صَفْحَتَيْهَا السَّتَائِرُ
عَقِيلَةُ أَتْرَابٍ تَوَالَيْنَ حَوْلَهَا / كَمَا دَارَ بِالْبَدْرِ النُّجُومُ الزَّواهِرُ
غَوَافِلُ لا يَعْرِفْنَ بُؤْسَ مَعِيشَةٍ / وَلا هُنَّ بِالْخَطْبِ الْمُلِمِّ شَواعِرُ
تَعَوَّدْنَ خَفْضَ الْعَيْشِ فِي ظِلِّ وَالِدٍ / رَحِيمٍ وَبَيْتٍ شَيَّدَتْهُ الْعَنَاصِرُ
فَهُنَّ كَعُنْقُودِ الثُّرَيَّا تَأَلَّقَتْ / كَواكِبُهُ فِي الأُفْقِ فَهْيَ سَوَافِرُ
تُمَثِّلُهَا الذِّكْرَى لِعَيْنِي كَأَنَّنِي / إِلَيْهَا عَلَى بُعْدٍ مِنَ الأَرْضِ نَاظِرُ
فَطَوْرَاً أَخَالُ الظَّنَّ حَقَّاً وَتَارَةً / أَهِيمُ فَتَغْشَى مُقْلَتَيَّ السَّمَادِرُ
فَيَا بُعْدَ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ أَحِبَّتِي / وَيَا قُرْبَ ما الْتَفَّتْ عَلَيهِ الضَّمائِرُ
وَلَوْلا أَمَانِي النَّفْسِ وَهْيَ حَياتُهَا / لَمَا طَارَ لِي فَوْقَ الْبَسِيطَةِ طَائِرُ
فَإِنْ تَكُنِ الأَيَّامُ فَرَّقْنَ بَيْنَنَا / فَكُلُّ امْرِئٍ يَوْمَاً إِلَى اللَّهِ صَائِرُ
هِيَ الدَّارُ مَا الأَنْفَاسُ إِلَّا نَهَائِبٌ / لَدَيْهَا وما الأَجْسَامُ إِلَّا عَقَائِرُ
إِذَا أَحْسَنَتْ يَوْماً أَسَاءَتْ ضُحَى غَدٍ / فَإِحْسَانُهَا سَيْفٌ عَلَى النَّاسِ جَائِرُ
تَرُبُّ الْفَتَى حَتَّى إِذَا تَمَّ أَمْرُهُ / دَهَتْهُ كَمَا رَبَّ الْبَهِيمَة جَازرُ
لَهَا تَرَةٌ فِي كُلِّ حَيٍّ وَما لَهَا / عَلَى طُولِ مَا تَجْنِي عَلَى الْخَلْقِ وَاتِرُ
كَثِيرَةُ أَلْوَانِ الْوِدَادِ مَلِيَّةٌ / بِأَنْ يَتَوَقَّاهَا الْقَرِينُ الْمُعَاشِرُ
فَمَنْ نَظَرَ الدُّنْيَا بِحِكْمَةِ نَاقِدٍ / دَرَى أَنَّهَا بَيْنَ الأَنَامِ تُقَامِرُ
صَبَرْتُ عَلَى كُرْهٍ لِمَا قَدْ أَصَابَنِي / وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَنْدُوحَةً فَهْوَ صَابِرُ
وَما الْحِلْمُ عِنْدَ الْخَطْبِ وَالْمَرْءُ عَاجِزٌ / بِمُسْتَحْسَنٍ كَالْحِلْمِ وَالْمَرْءُ قَادِرُ
وَلَكِنْ إِذَا قَلَّ النَّصِيرُ وَأَعْوَزَتْ / دَوَاعِي الْمُنى فَالصَّبْرُ فِيهِ الْمَعَاذِرُ
فَلا يَشْمَتِ الأَعْدَاءُ بِي فَلَرُبَّمَا / وَصَلْتُ لِمَا أَرْجُوهُ مِمَّا أُحَاذِرُ
فَقَدْ يَسْتَقِيمُ الأَمْرُ بَعْدَ اعْوِجَاجِهِ / وَتَنْهَضُ بِالْمَرْءِ الْجُدُوُد الْعَوَاثِرُ
وَلِي أَملٌ فِي اللَّهِ تَحْيَا بِهِ الْمُنَى / وَيُشْرِقُ وَجْهُ الظَّنِّ والْخَطْبُ كَاشِرُ
وَطِيدٌ يَزِلُّ الْكَيْدُ عَنْهُ وَتَنْقَضِي / مُجَاهَدَةُ الأَيَّامِ وَهْوَ مُثَابِرُ
إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَرْكَنْ إِلَى اللَّهِ فِي الَّذِي / يُحَاذِرُهُ مِنْ دَهْرِهِ فَهْوَ خَاسِرُ
وَإِنْ هُوَ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى ما أَصَابَهُ / فَلَيْسَ لَهُ فِي مَعْرِضِ الْحَقِّ نَاصِرُ
وَمَنْ لَمْ يَذُقْ حُلْوَ الزَّمَانِ وَمُرَّهُ / فَمَا هُوَ إِلَّا طَائِشُ اللُّبِّ نَافِرُ
وَلَوْلا تَكَالِيفُ السِّيَادَةِ لَمْ يَخِبْ / جَبَانٌ وَلَمْ يَحْوِ الْفَضِيلَةَ ثَائِرُ
تقلُّ دَوَاعِي النَّفْسِ وَهْيَ ضَعِيفَةٌ / وَتَقْوَى هُمُومُ الْقَلْبِ وَهْوَ مُغَامِرُ
وَكَيْفَ يَبِينُ الْفَضْلُ وَالنَّقْصُ فِي الْوَرَى / إِذَا لَمْ تَكُنْ سَوْمَ الرِّجَالِ الْمَآثِرُ
وَمَا حَمَلَ السَّيْفَ الْكَمِيُّ لِزِينَةٍ / وَلَكِنْ لأَمْرٍ أَوْجَبَتْهُ الْمَفَاخِرُ
إِذَا لَمْ يَكُنْ إِلَّا الْمَعِيشَةَ مَطْلَبٌ / فَكُلُّ زَهِيدٍ يُمْسِكُ النَّفْسَ جَابِرُ
فَلَوْلا الْعُلا مَا أَرْسَلَ السَّهْمَ نَازِعٌ / وَلا شَهَرَ السَّيْفَ الْيَمَانِيَّ شَاهِرُ
مِنَ الْعَارِ أَنْ يَرْضَى الدَّنِيَّةَ مَاجِدٌ / وَيَقْبَلَ مَكْذُوبَ الْمُنَى وَهْوَ صَاغِرُ
إِذَا كُنْتَ تَخْشَى كُلَّ شَيءٍ مِنَ الرَّدى / فَكُلُّ الَّذِي في الْكَوْنِ لِلنَّفْسِ ضَائِرُ
فَمِنْ صِحَّةِ الإِنْسَانِ ما فِيهِ سُقْمُهُ / وَمِنْ أَمْنِهِ مَا فَاجَأَتْهُ الْمَخَاطِرُ
عَلَيَّ طِلابُ الْعِزِّ مِنْ مُسْتَقَرِّهِ / وَلا ذَنْبَ لِي إِنْ عَارَضَتْنِي الْمَقَادِرُ
فَمَا كُلُّ مَحْلُولِ الْعَرِيكَةِ خَائِبٌ / وَلا كُلُّ مَحْبُوكِ التَّرِيكَةِ ظَافِرُ
فَمَاذَا عَسَى الأَعْدَاءُ أَنْ يَتَقَوَّلُوا / عَليَّ وعِرْضِي نَاصِحُ الْجَيْبِ وَافِرُ
فَلِي فِي مرَادِ الْفَضْلِ خَيْرُ مَغَبَّةٍ / إِذَا شَانَ حَيَّاً بِالْخِيَانَةِ ذَاكِرُ
مَلَكْتُ عُقَابَ المُلكِ وَهْيَ كَسِيرَةٌ / وَغَادَرْتُهَا فِي وَكْرِهَا وَهْيَ طَائِرُ
وَلَوْ رُمْتُ مَا رَام امْرُؤٌ بِخِيَانَةٍ / لَصَبَّحنِي قِسْطٌ مِنَ الْمَالِ غَامِرُ
وَلَكِنْ أَبَتْ نَفْسِي الْكَرِيمَةُ سَوْأَةً / تُعَابُ بِهَا والدَّهْرُ فِيهِ الْمعايِرُ
فَلا تَحْسَبَنَّ الْمَالَ يَنْفَعُ رَبَّهُ / إِذَا هُوَ لَمْ تَحْمَدْ قِرَاهُ العَشَائِرُ
فَقَدْ يَسْتَجِمُّ الْمَالُ وَالْمَجْدُ غَائِبٌ / وَقَدْ لا يَكُونُ الْمَالُ والْمَجْدُ حاضِرُ
وَلَوْ أَنَّ أَسْبَابَ السِّيَادَةِ بِالْغِنَى / لَكَاثَرَ رَبَّ الْفَضْلِ بِالْمَالِ تَاجِرُ
فَلا غَرْوَ أَنْ حُزْتُ الْمَكَارِمَ عَارِياً / فَقَدْ يَشْهَدُ السَّيْفُ الْوَغَى وَهْوَ حَاسِرُ
أَنَا الْمَرءُ لا يَثْنِيهِ عَنْ دَرَكِ الْعُلا / نَعِيمٌ وَلا تَعْدُو عَلَيْهِ الْمَفَاقِرُ
قَؤُولٌ وَأَحْلامُ الرِّجَالِ عَوَازِبٌ / صَؤُولٌ وَأَفْوَاهُ الْمَنَايَا فَوَاغِرُ
فَلا أَنَا إِنْ أَدْنَانِيَ الْوَجْدُ بَاسِمٌ / وَلا أَنَا إِنْ أَقْصَانِيَ الْعُدْمُ بَاسِرُ
فَمَا الْفَقْرُ إِنْ لَمْ يَدْنَسِ الْعِرْضُ فَاضِحٌ / وَلا الْمَالُ إِنْ لَمْ يَشْرُفِ الْمَرْءُ سَاتِرُ
إِذَا ما ذُبَابُ السَّيفِ لَمْ يَكُ مَاضِياً / فَحِلْيَتُهُ وَصْمٌ لَدَى الْحَرْبِ ظَاهِرُ
فَإِنْ كُنْتُ قَدْ أَصْبَحْتُ فَلَّ رَزِيَّةٍ / تَقَاسَمَهَا فِي الأَهْلِ بَادٍ وحَاضِرُ
فَكَمْ بَطَلٍ فَلَّ الزَّمَانُ شَبَاتَهُ / وَكَمْ سَيِّدٍ دَارتْ عَلَيْهِ الدَّوائِرُ
وَأَيُّ حُسَامٍ لَمْ تُصِبْهُ كَلالَةٌ / وَأَيُّ جَوَادٍ لَمْ تَخُنْهُ الْحَوافِرُ
فَسَوْفَ يَبِينُ الحَقُّ يَوْماً لِنَاظِرٍ / وَتَنْزُو بِعَوْرَاءِ الْحقُودِ السَّرائِرُ
وَمَا هِيَ إِلَّا غَمْرَةٌ ثُمَّ تَنْجَلِي / غَيَابَتُهَا وَاللَّهُ مَنْ شَاءَ نَاصِرُ
فَقَدْ حَاطَني في ظُلْمَةِ الْحَبْسِ بَعْدَما / تَرَامَتْ بِأَفْلاذِ الْقُلُوبِ الْحَنَاجِرُ
فَمَهْلاً بَنِي الدُّنْيا عَلَيْنَا فَإِنَّنَا / إِلَى غَايَةٍ تَنْفَتُّ فِيهَا الْمَرائِرُ
تَطُولُ بِهَا الأَنْفَاسُ بُهْراً وَتَلْتَوِي / عَلَى فَلْكَةِ السَّاقَيْنِ فِيهَا الْمآزِرُ
هُنَالِكَ يَعْلُو الْحَقُّ وَالْحَقُّ وَاضِحٌ / وَيَسْفُلُ كَعْبُ الزُّورِ وَالزُّورُ عَاثِرُ
وَعَمَّا قَلِيلٍ يَنْتَهِي الأَمْرُ كُلُّهُ / فَمَا أَوَّلٌ إِلَّا وَيَتْلُوهُ آخِرُ
أَمَرْيَمُ لا واللَّهِ أَنْسَاكِ بَعْدَما
أَمَرْيَمُ لا واللَّهِ أَنْسَاكِ بَعْدَما / صَحِبْتُكِ فِي خَفْضٍ مِنَ الْعَيْشِ أَنْضَرِ
فَقَدْ كُنْتِ فِينَا بَرَّةَ الْقَوْلِ سَرَّةً / سَلِيمَةَ قَلْبٍ فِي مَغِيبٍ وَمَحْضَرِ
فَلُقِّيتِ مِنْ ذِي الْعَرْشِ خَيْرَ تَحِيَّةٍ / تُوافِيكِ فِي رَوْضٍ مِنَ الْقُدْسِ أَخْضَرِ
بَكَيْتُ عَلِيَّاً إِذْ مَضَى لِسَبيلِهِ
بَكَيْتُ عَلِيَّاً إِذْ مَضَى لِسَبيلِهِ / بِعَيْنٍ تَكَادُ الرُّوحُ فِي دَمْعِهَا تَجْرِي
وَإِنِّي لأَدْرِي أَنَّ حُزْني لا يَفِي / بِرُزْئِي وَلَكِنْ لا سَبِيلَ إِلَى الصَّبْرِ
وَكَيْفَ أَذُودُ الْقَلْبَ عَنْ حَسَرَاتِهِ / وَأَهْوَنُ مَا أَلْقَاهُ يَصْدَعُ فِي الصَّخْرِ
يَلُومُونَنِي إِنِّي تَجَاوَزْتُ فِي الْبُكَا / وَهَلْ لاِمْرِئٍ لَمْ يَبْكِ فِي الحُزْنِ مِنْ عُذْرِ
إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَفْرَحْ وَيَحْزَنْ لِنِعْمَةٍ / وَبُؤْسٍ فَلا يُرْجَى لِنَفْعٍ وَلا ضَرِّ
وَمَا كُنْتُ لَوْلا قِسْمَةُ اللَّهِ فِي الْوَرَى / لأَصْبِرَ لَكِنَّا إِلَى غَايَةٍ نَسْرِي
لَقَدْ خَفَّفَ الْبَلْوَى وَإِنْ هِيَ أَشْرَفَتْ / عَلَى النَّفْسِ ما أَرْجُوهُ مِنْ مَوْعِدِ الْحَشْرِ
صَبَرْتُ وَمَا بِالصَّبْرِ عَارٌ عَلَى الْفَتَى
صَبَرْتُ وَمَا بِالصَّبْرِ عَارٌ عَلَى الْفَتَى / إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَعَابٌ وَلا نُكْرُ
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ في الصَّبْرِ أَعْدَلُ شَاهِدٍ / عَلَى كَرَمِ الأَخْلاقِ مَا حُمِدَ الصَّبْرُ
بَلَوْتُ إِخَاءَ النَّاسِ دَهْرَاً فَلَمْ أَجِدْ
بَلَوْتُ إِخَاءَ النَّاسِ دَهْرَاً فَلَمْ أَجِدْ / أَخَا ثِقَةٍ يَرْعَى مَغِيبِي كَمَحْضَرِي
فَإِنْ أَتَغَيَّرْ عَنْ وِدَادٍ فَإِنَّنِي / أَرَى كُلَّ شَيءٍ عُرْضَةً لِلتَّغَيُّرِ
يُسَائِلُنِي عَمَّا كَتَمْتُ مِنَ الْهَوَى
يُسَائِلُنِي عَمَّا كَتَمْتُ مِنَ الْهَوَى / صَدِيقي وَفِي بَعْضِ الإِجَابَةِ مَا يُزْرِي
فَإِنْ لَمْ أَقُلْ حَقَّاً كَذَبْتُ عَلَى الْهَوَى / وَإِنْ قُلْتُ إِنِّي عَاشِقٌ بُحْتُ بِالسِّرِّ
لَعَمْرِي لَقَدْ أَيْقَظْتُ مَنْ كَانَ رَاقِدَاً
لَعَمْرِي لَقَدْ أَيْقَظْتُ مَنْ كَانَ رَاقِدَاً / وَأَنْذَرْتُ لَكِنْ لَمْ تَكُنْ تَنْفَعُ النُّذْرُ
نَصَحْتُ فَكَذَّبْتُمْ فَلَمَّا أَتَّى الرَّدَى / عَمَدْتُمْ لِتَصْدِيقِي وَقَدْ قُضِيَ الأَمْرُ
فَلَمْ يَبْقَ فِي أَيْدِيكُمُ غَيْرُ حَسْرَةٍ / وَلَمْ يَبْقَ عِنْدِي غَيْرُ مَا عَافَهُ الصَّدْرُ
فَجَاءَ الَّذِي كُنْتُمْ تَخَافُونَ شَرَّهُ / وَزَالَ الَّذِي لَمْ يَبْقَ مِنْ بَعْدِهِ شِعْرُ
لَئِنْ فَرَّقَتْ مَا بَيْنَنَا شُقَّةُ النَّوَى
لَئِنْ فَرَّقَتْ مَا بَيْنَنَا شُقَّةُ النَّوَى / لَعَمْرِي وَحَالَتْ دُونَنَا نُوَبُ الدَّهْرِ
فَشَخْصُكَ فِي عَيْنِي وَذِكْرُكَ فِي فَمِي / وَحُبُّكَ فِي قَلْبِي وَسِرُّكَ فِي صَدْرِي
أُصَافِي خَلِيلِي مَا صَفَا لِي فَإِنْ جَفَا
أُصَافِي خَلِيلِي مَا صَفَا لِي فَإِنْ جَفَا / عَتَبْتُ عَلَيْهِ غَيْرَ جَافٍ وَلا وَعْرِ
فَإِنْ عَادَ لِي بالْوُدِّ عُدْتُ وَإِنْ أَبَى / صَبَرْتُ لأَرْعَى ذِمَّةَ الْوُدِّ بِالصَّبْرِ
فَإِنْ زَادَنِي هَجْرَاً ضَرَبْتُ عَنِ اسْمِهِ / وَأَمْسَكْتُ عَنْ سُخْطِي عَلَيْهِ وَعَنْ شُكْرِي
وَمَا تِلْكَ مِنِّي نَبْوَةٌ غَيْرَ أَنَّنِي / أُنَزِّهُ نَفْسِي عَنْ مُلابَسَةِ الغَدْرِ
أَلا هَتَفَتْ بِالأَيْكِ سَاجِعَةُ الْقُمْرِ
أَلا هَتَفَتْ بِالأَيْكِ سَاجِعَةُ الْقُمْرِ / فَطُفْ بِالْحُمَيَّا فَهْيَ رَيْحَانَةُ الْعُمْرِ
وَإِنْ أَنْتَ أَتْرَعْتَ الأَبَارِيقَ فَلْتَكُنْ / سُلافاً وَإِيَّاكَ الْفَضِيخَ مِنَ التَّمْرِ
فَقَاتِلَةُ الْعُرْجُونِ لِلْفَاقِدِ النَّدَى / وَصَافِيَةُ الْعُنْقُودِ لِلْمَاجِدِ الْغَمْرِ
مُوَرَّدَةٌ تَمْتَدُّ مِنْهَا أَشِعَّةٌ / تَدُورُ بِهَا في ظِلِّ أَلْوِيَةٍ حُمْرِ
إِذَا شَجَّهَا السَّاقُونَ دَارَ حَبَابُها / عَلَيْهَا كَمَا دَارَ الشَّرَارُ عَلَى الْجَمْرِ
ثَوَتْ فِي ضَمِيرِ الدَّهْرِ والْجَوُّ ظُلْمَةٌ / بِلا كَوْكَبٍ وَالأَرْضُ تَسْبَحُ في غَمْرِ
فَجَاءَتْ وَلَوْلا عَرْفُهَا وَبَرِيقُهَا / لَكَانَتْ خَفاً بَيْنَ الدَّسَاكِرِ كَالضَّمْرِ
تُزَفُّ بِأَلْحَانِ الْمَثَانِي كُؤُوسُهَا / كَمَا زُفَّتِ الْحَسْنَاءُ بِالطَّبْلِ وَالزَّمْرِ
كُمَيْتٌ جَرَتْ فِي حَلْبَةِ الدَّهْرِ فَانْطَوَتْ / ثَمِيلَتُهَا وَالْخَيْلُ تُحْمَدُ بِالضُّمْرِ
فَكَمْ بَيْنَ آصَالٍ أَدَرْنَا كُؤُوسَهَا / وَبَيْنَ لَيَالٍ مِنْ كَواكِبِها نُمْرِ
إِذَا أَنْتَ قَامَرْتَ الزَّمَانَ عَلَى الْمُنَى / بِمَا دَارَ مِنْ أَقْدَاحِهَا فُزْتَ بِالْقَمْرِ
فَخُذْ في أَفَانِينِ الْخَلاعَةِ وَالصِّبَا / وَدَعْنِي مِنْ زَيْدِ النُّحَاةِ وَمِنْ عَمْرِو
أُولَئِكَ قَوْمٌ في حُروبٍ تَفَاقَمَتْ / وَلَكِنْ خَلَتْ مِنْ فَتْكَةِ الْبِيضِ وَالسُّمْرِ
فَمَا تَصْلُحُ الأَيَّامُ إِلَّا إِذَا خَلَتْ / قُلُوبُ الْوَرَى فِيها مِنَ الْحِقْدِ وَالْغِمْرِ
وَلا تَتَعَرَّضْ لاِمْرِئٍ بِمَسَاءَةٍ / وَلا تَحْتَلِبْ ضَرْعَ الشِّقَاقِ وَلا تَمْرِ
وَلا تَحْتَقِرْ ذَا فَاقَةٍ بَيْنَ طِمْرِهِ / فَيَا رُبَّ فَضْلٍ يَبْهَرُ الْعَقْلَ فِي طِمْرِ
وَكَيْفَ يَعِيشُ الْمَرءُ فِي الدَّهْرِ آمِناً / وَلِلْمَوتِ فِينا وَثْبَةُ اللَّيْثِ والنِّمْرِ
وَمَا أَحْسَبُ الأَيَّامَ تَصْفُو لِعَاقِلٍ / وَلَكِنْ صَفَاءُ الْعَيْشِ لِلْجَاهِلِ الْغُمْرِ
سَعَيْتُ فَأَدْرَكْتُ الْمُنَى في طِلابِها / وَكُلُّ امْرِئٍ فِي الدَّهْرِ يَسْعَى إِلَى أَمْرِ
وَلَمَّا اسْتَقَلَّ الْحَيُّ فِي رَوْنَقِ الضُّحَى
وَلَمَّا اسْتَقَلَّ الْحَيُّ فِي رَوْنَقِ الضُّحَى / وَقَطَّعَ أَنْفَاسَ الْمُقِيمِ الْمُسَافِرُ
تَحَوَّلَ رَاعِي الصَّبْرِ عَنْ مُسْتَقَرِّهِ / وَبَاحَتْ بِأَسْرَارِ الْقُلُوبِ النَّوَاظِرُ
لَكَ الْحَمْدُ إِنَّ الْخَيْرَ مِنْكَ وَإِنَّنِي
لَكَ الْحَمْدُ إِنَّ الْخَيْرَ مِنْكَ وَإِنَّنِي / لِصُنْعِكَ يَا رَبَّ السَّمَواتِ شَاكِرُ
فَأَنْتَ الَّذِي أَوْلَيْتَنِي كُلَّ نِعْمَةٍ / وَهَذَّبْتَنِي حَتَّى اصْطَفَتْنِي الْعَشَائِرُ
فَقَرِّبْ لِيَ الْخَيْرَ الَّذِي أَنَا رَاغِبٌ / وَبَاعِدْنِيَ الشَّرَّ الَّذِي أَنَا حَاذِرُ
فَلَيْسَ لِمَنْ تُقْصِيهِ فِي النَّاسِ نَافِعٌ / وَلَيْسَ لِمَنْ تُدْنِيهِ فِي النَّاسِ ضَائِرُ
وَلا لاِمْرِئٍ أَلْهَمْتَهُ الرُّشْدَ خَاذلٌ / وَلا لاِمْرِئٍ أَوْرَدْتَهُ الْغَيَّ نَاصِرُ
فَإِنْ أَدْرَكَتْ نَفْسِي الْمَرَامَ وَلَمْ أَقُمْ / مَقَامَ ضَلِيعٍ بِالَّذِي أَنْتَ آمِرُ
فَلا لاحَ لِي في ذُرْوَةِ الْمَجْدِ كَوْكَبٌ / وَلا طَارَ لِي فِي قُنَّةِ الْعِزِّ طَائِرُ
أَبَابِلُ رَأْيَ الْعَيْنِ أَمْ هَذِهِ مِصْرُ
أَبَابِلُ رَأْيَ الْعَيْنِ أَمْ هَذِهِ مِصْرُ / فَإِنِّي أَرَى فيها عُيُوناً هِيَ السِّحْرُ
نَوَاعِس أَيْقَظْنَ الْهَوَى بِلَوَاحِظٍ / تَدِينُ لَهَا بِالْفَتْكَةِ الْبِيضُ وَالسُّمْرُ
فَلَيْسَ لِعَقْلٍ دُونَ سُلْطَانِها حِمىً / وَلا لِفُؤادٍ دُونَ غِشْيَانِهَا سِتْرُ
فَإِنْ يَكُ مُوسَى أَبْطَلَ السِّحْرَ مَرَّةً / فَذَلِكَ عَصْرُ الْمُعْجِزَاتِ وَذَا عَصْرُ
فَأَيُّ فُؤادٍ لا يَذُوبُ صَبَابَةً / وَمُزْنَةِ عَيْنٍ لا يَصُوبُ لَهَا قَطْرُ
بِنَفْسِي وَإِنْ عَزَّتْ عَلَيَّ رَبِيبَةٌ / مِنَ الْعينِ في أَجْفَانِ مُقْلَتِهَا فَتْرُ
فَتَاةٌ يَرِفُّ الْبَدْرُ تَحْتَ قِناعِهَا / وَيَخْطِرُ فِي أَبْرَادِهَا الْغُصنُ النَّضْرُ
تُرِيكَ جُمَانَ الْقَطْرِ في أُقْحُوانَةٍ / مُفَلَّجَةِ الأَطْرَافِ قِيلَ لَهَا ثَغْرُ
تَدِينُ لِعَيْنَيْهَا سَوَاحِرُ بَابِلٍ / وَتَسْكَرُ مِنْ صَهْبَاءِ رِيقَتِهَا الْخَمْرُ
فَيَا رَبَّةَ الْخِدْرِ الَّذِي حَالَ دُونَهُ / ضَرَاغِمُ حَرْبٍ غَابُهَا الأَسَلُ السُّمْرُ
أَمَا مِنْ وِصَالٍ أَسْتَعِيذُ بِأُنْسِهِ / نَضَارَةَ عَيْشٍ كَانَ أَفْسَدَهُ الْهَجْرُ
رَضِيتُ مِنَ الدُّنْيَا بِحُبِّكِ عَالِمَاً / بِأَنَّ جُنُونِي فِي هَوَاكِ هُوَ الْفَخْرُ
فَلا تَحْسَبِي شَوْقِي فُكَاهَةَ مَازحٍ / فَمَا هُوَ إِلَّا الْجَمْرُ أَوْ دُونَهُ الْجَمْرُ
هَوىً كَضَمِيرِ الزَّنْدِ لَوْ أَنَّ مَدْمَعِي / تَأَخَّرَ عَنْ سُقْيَاهُ لاحْتَرَقَ الصَّدْرُ
إِذَا مَا أَتَيْتُ الْحَيَّ فَارَتْ بِغَيظِهَا / قُلُوبُ رِجَالٍ حَشْوُ آماقِهَا الْغَدْرُ
يَظُّنُّونَ بِي شَرَّاً وَلَسْتُ بِأَهْلِهِ / وَظَنُّ الْفَتَى مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وِزْرُ
وَمَاذَا عَلَيْهِمْ إِنْ تَرَنَّمَ شَاعِرٌ / بِقَافِيَةٍ لا عَيْبَ فِيهَا وَلا نُكْرُ
أَفِي الْحَقِّ أَنْ تَبْكِي الْحَمَائِمُ شَجْوَها / ويُبْلَى فَلا يَبْكِي عَلَى نَفْسِهِ حُرُّ
وَأَيُّ نَكِيرٍ فِي هَوىً شَبَّ وَقْدُهُ / بِقَلْبِ أَخِي شَوْقٍ فَبَاحَ بِهِ الشِّعْرُ
فَلا يَبْتَدِرْنِي بِالْمَلامَةِ عَاذِلٌ / فَإِنَّ الْهَوَى فِيهِ لِمُعْتَذِرٍ عُذْرُ
إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْحُبِّ فَضْلٌ عَلَى النُّهَى / لَمَا ذَلَّ حَيٌّ لِلْهَوَى وَلَهُ قَدْرُ
وَكَيْفَ أَسُومُ الْقَلْبَ صَبْراً عَلَى الْهَوى / وَلَمْ يَبْقَ لِي فِي الْحُبِّ قَلْبٌ وَلا صَبْرُ
لِيَهْنَ الْهَوَى إِنِّي خَضَعْتُ لِحُكْمِهِ / وَإِنْ كَانَ لِي فِي غَيْرِهِ النَّهْيُ وَالأَمْرُ
وَإِنِّي امْرُؤٌ تَأْبَى لِيَ الضَّيْمَ صَوْلَةٌ / مَوَاقِعُهَا فِي كُلِّ مُعْتَرَكٍ حُمْرُ
أَبِيٌّ عَلَى الْحِدْثَانِ لا يَسْتَفِزُّنِي / عَظِيمٌ وَلا يَأْوِي إِلَى سَاحَتِي ذُعْرُ
إِذَا صُلْتُ صَالَ الْمَوْتُ مِنْ وَكَرَاتِهِ / وَإِنْ قُلْتُ أَرْخَى مِنْ أَعِنَّتِهِ الشِّعْرُ
أَبَى الضَّيْمَ فَاسْتَلَّ الْحُسَامَ وَأَصْحَرَا
أَبَى الضَّيْمَ فَاسْتَلَّ الْحُسَامَ وَأَصْحَرَا / وَذُو الْحِلْمِ إِنْ سِيمَ الْهَوَانَ تَنَمَّرَا
وَطَارَتْ بِهِ فِي مُلْتَقَى الْخَيْلِ عَزْمَةٌ / أَعَادَتْ جَبِينَ الصُّبْحِ بِالنَّقْعِ أَكْدَرَا
فَرَدَّ ذُبَابَ الْمَشْرَفيِّ مُثَلَّماً / وَغَادَرَ صَدْرَ السَّمْهَرِيِّ مُكَسَّرَا
جِلادُ امْرِئٍ آلَى بِقَائِمِ سَيْفِهِ / عَلَى الْمَجْدِ أَنْ يُولِيهِ نَصْرَاً مُؤَزَّرَا
جَدِيرٌ إِذَا مَا هَمَّ أَنْ يَكْسُوَ الْقَنَا / وَبِيضَ الظُّبَا ثَوْباً مِنَ الدَّمِ أَحْمَرَا
وَمَا كُلُّ مَنْ سَاسَ الأَعِنَّةَ فَارِسَاً / وَلا كُلُّ مَنْ نَاشَ الأَسِنَّةَ قَسْوَرَا
يَلُومُونَنِي في الْجُودِ وَالْجُودُ مُزْنَةٌ
يَلُومُونَنِي في الْجُودِ وَالْجُودُ مُزْنَةٌ / إِذَا هَمَلَتْ فِي مَوْضِعٍ نَبَتَ الشُّكْرُ
إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يُنْفِقْ مِنَ الْمَالِ وُسْعَ مَا / دَعَتْهُ الْمَعَالِي فَالثَّراءُ هُوَ الْفَقْرُ
أَرَى كُلَّ شَيءٍ عُرْضَةً لِلتَّغَيُّرِ
أَرَى كُلَّ شَيءٍ عُرْضَةً لِلتَّغَيُّرِ / فَمَا بَالُنَا بَعْدَ الْحَقِيقَةِ نَمْتَرِي
تَرَسَّمْ فَضَاءَ الأَرْضِ شَرْقَاً وَمَغْرِبَاً / عَسَاكَ تَرَى آثَارَ كِسْرَى وَقَيْصَرِ
أَلائِمَتِي كُفِّي الْمَلامَ عَن الَّذِي
أَلائِمَتِي كُفِّي الْمَلامَ عَن الَّذِي / أُحَاوِلُهُ مِنْ رِحْلَةٍ وَسِفَارِ
فَلَوْلا سُرَى الْبَدْرِ الْمُنِيرِ لَعَاقَهُ / عَنِ التِّمِّ لُبْثٌ فِي مَغِيبِ سِرَارِ
وَذِي نَخْوَةٍ نَازَعْتُهُ الْكَأْسَ مَوْهِناً
وَذِي نَخْوَةٍ نَازَعْتُهُ الْكَأْسَ مَوْهِناً / عَلَى غِرَّةِ الأَحْرَاسِ وَاللَّيْلُ دَامِسُ
فَمَا زِلْتُ أَسْقِيهِ وَأَشْرَبُ مِثْلَهُ / إِلَى أَنْ هَفَا سُكْرَاً وَإِنِّي لَجَالِسُ
فَبِتُّ أَقِيهِ السُّوءَ إِذْ كَانَ صَاحِبي / وَأَحْرُسُهُ إِنِّي لَدَى الْخَوْفِ حَارِسُ
لَدَى مَوْطِنٍ لا يَصْحَبُ الْمَرْءَ قَلْبُهُ / حِذَاراً وَلا تَسْرِي إِلَيْهِ الْهَوَاجِسُ
عَدُوٌّ وَلَيْلٌ مُظْلِمٌ وَصَوَاهِلٌ / تَجَاذَبُ فِي أَرْسَانِهَا وَتَمَارَسُ
فَلَمَّا اسْتَهَلَّ النُّورُ وَانْحَسَرَ الدُّجَى / قَلِيلاً وَحَنَّتْ لِلصَّبَاحِ النَّوَاقِسُ
دَنَوْتُ أُفَدِّيهِ وَأَغْمِزُ كَفَّهُ / بِرِفْقٍ وَأَدْعُو بِاسْمِهِ وَهْوَ نَاعِسُ
فَجَاوَبَنِي وَالسُّكْرُ فِي لَحَظَاتِهِ / يُسَائِلُ مَاذَا تَبْتَغِي وَهْوَ عَابِسُ
فَقُلْتُ أَفِقْ هَذَا هُوَ الصُّبْحُ مُقْبِلٌ / عَلَيْنَا وَهَذِي فِي الذَّهَابِ الْحَنَادِسُ
وَنَاوَلْتُهُ كَأْسَاً فَمَدَّ بَنَانَهُ / إِلَيْهَا عَلَى كُرْهٍ بِهِ وَهْوَ آيِسُ
فَمَا ذَاقَهَا حَتَّى تَهَلَّلَ ضَاحِكَاً / وَأَقْبَلَ مَسْرُورَاً بِمَا هُوَ آنِسُ
وَمِنْ شِيَمِي بَذْلُ الْوِدَادِ لأَهْلِهِ / كَذَلِكَ إِنِّي فِي الْوِدَادِ أُنَافِسُ
أَمَوْلايَ دُمْ لِلْمُلْكِ رَبَّاً تَسُوسُهُ
أَمَوْلايَ دُمْ لِلْمُلْكِ رَبَّاً تَسُوسُهُ / بِحِكْمَةِ مَطْبُوعٍ عَلَى الْحِلْمِ وَالْبَاسِ
وَلا زَالَتِ الأَعْيَادُ تَجْرِي سُعُودُهَا / عَلَيْكَ وَتَحْظَى مِنْ عُلاكَ بِإِينَاسِ
فَلَوْلاكَ مَا فَازَتْ يَدُ الْقُطْرِ بِالْمُنَى / وَلا نَشَأَتْ رُوحُ الْعَدالَةِ فِي النَّاسِ
وَهَذا لِسَانُ الشُّكْرِ يَدْعُو مُؤَرِّخَاً / حَوَى الْعِيدُ أَنْوَاعَ الْفَخَارِ بِعَبَّاسِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025