القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ناصِحُ الدين الأَرَّجاني الكل
المجموع : 76
أقولُ وقد ذَمَّ الوزيرُ زمانَه
أقولُ وقد ذَمَّ الوزيرُ زمانَه / من الغيظِ ذَمَّ العاجِزِ المُتَحيِّرِ
تَذُمُّ زمانَ السّوء يا صدْرُ ظالِماً / ولولا زمانُ السّوء لم تَتَصدر
ألم تَرَيا أنّ الحُمولَ تَسيرُ
ألم تَرَيا أنّ الحُمولَ تَسيرُ / وأنّ سُليمى بالسّلامِ تُشيرُ
فلا تَعذُلاني إنْ بكَيتُ صَبابةً / وفي مُهجَتي جَيشُ الغرامِ يُغير
وقَفْتُ أمامَ الظَعْنِ والحَيُّ راحِلٌ / وقد حال من دونِ الوَداعِ غَيور
أُغِيّضُ دَمعي وهْو يسَبِقُ واكفاً / وأَلزَمُ قلبي الكفَّ وهْو يَطير
وما راعني في الصُّبْحِ إلاّ حُداتُهمْ / تُغنّي عِجالاً والمَطِيُّ تَثور
هلَ انْتَ معِيري نَظْرَةً أَشتَفي بها / إليهم وهل للنّاظِرَيْنِ مُعير
وقد سار أفلاكُ المطايا وفوقَها / بُدورٌ تَجلّى والبُروجُ خُدور
فخَلّفني قَلْبي وسارَ مُبادِراً / معَ الإلْفِ لمّا حانَ منه مَسير
فلا زالَ يَسْقي الجِزْعَ باكِرُدِيمةٍ / كما جَدَّ بالأظعانِ منه بُكور
تَطاوَلَ ليلُ الأبرقَيْنِ بِناظِري / وَعهْدي بلَيلِ الجِزْعِ وهْو قصير
أَحِنُّ إلى الجَرْعاء من رَمْلِ عالِجٍ / فهل ماؤها للواردِينَ نَمير
ولا عيبَ في آرامِها غيرَ أنّها / بها عن عُيونِ النّاظرِينَ نُفور
وكم راحَ عانٍ للصّبابةِ حائرٌ / وكم لاحَ عِينٌ للنّواظِرِ حُور
أقولُ لبَدْرٍ في دُجَى اللّيلِ طالعٍ / ولي بَصَرٌ مِمّا يُنيرُ حَسير
أَأَرجِعُ عنكَ الطَّرْفَ حتّى أُعيدَه / على عَجَلٍ إنّي إذَنْ لَصَبور
أيا قاتِلي ما لِلّيالي ورَيْبِها / وما للعَوادي تَعْتَدي وتَجور
إذا قلتُ هذا حين أَحظَى بقُربِكمْ / تَعرَّضَ دَهْرٌ بالرّجالِ عَثور
لعَمْري لئن مَلَّ العَذولُ مَلامتي / لقد عرضَتْ دونَ المَلامِ أُمور
وقد سَدَّدتْ نحوي اللّيالي سِهامَها / وأَفصحَ لي عمّا يُريدُ نَذير
وشَنَّ عليَّ الشّيبُ من أَجلِ حَرْبها / دِلاصاً له في العارِضَينِ قَتير
فولَّتْ به اللّذَّاتُ حتّى كأنّها / حواشي ظِلالٍ قَصّهُنَّ هجير
كأنّي وإلْفي قانِصٌ وطَريدُه / وشَيْبيَ صُبْحٌ رابَ منه سُفور
وما حالُ مَن يبغي اصطياداً بكَفِّهِ / إذا لاح نَوءٌ والوَسائقُ نُور
فَحُثا خَليليَّ المطايا كأنّها / قُصورٌ عليها في الصَّباحِ صُقور
طِوالُ الذُّرا خُضنا بها لُجَجَ الفَلا / فما بَرِحَتْ تَجْري لَهُنَّ ضُفور
إلى أن تَساهَمْنا فَلثَّمَ رَكْبَها / شُحوبٌ وأَلْوى بالرّكابِ ضُمور
وقد كُنَّ إملاءَ الجبالِ فلم يزَلْ / بها السّيرُ حتّى عُدْنَ وهْي سُطور
إلى قُطْبِ مَلكٍ لم يَزلْ فلَكُ العُلا / عليه بشُهْبِ المكرماتِ يَدور
وهل غيرُ تأميلِ الهُمامِ ابنِ ناصرٍ / لِمَنْ يَتّقي رَيبَ الزَّمانِ نَصير
أخو المجدِ أمّا المُجتدي منه دائماً / فَغمْرٌ وأمّا المُجتلَي فَمُنير
تُضِيءُ لأبصارِ الوَرى شمسُ وجهه / وصَوبُ نَداهُ للعُفاةِ درُور
إذا ما بهاءُ الدِّين ظاهَرَ نَصْرُه / فللدّينِ بالإسعادِ منه ظُهور
فتىً رفَع الإقبالُ رايةَ رأيِه / فعَزَّ به مُلْكٌ وسُرَّ سرير
حوَى الحسنَ في خَلْقٍ وخُلْقٍ كليهما / فَراقَك منه ظاهِرٌ وضَمير
إليه انتمتْ فينا الفضائلُ كُلُّها / فدَعْوَى سِواهُ للفضائلِ زُور
وقالتْ أَبونا ابنُ الكرامِ مُحمَّدٌ / فقلتُ أَبٌ لو تَعلَمونَ كَبير
هُمامٌ به فيها اقتديتُ فكُلُّنا / له فِكْرةٌ تُسدي العُلا وتُنير
تَقومُ قناةُ المُلْكِ من حُسنِ رأيه / وحُسْنُ ثَناهُ في عُلاهُ يَسير
فللقَوْلةِ الغَرّاء منّيَ خاطِرٌ / وللدّولةِ الغرَّاءِ منه خَطير
غدا لملوكِ الأرضِ بالنُّصحِ عُمدةً / على حينَ أَمرُ الاِعتمادِ نَزور
متى باشَر الخطْبَ الجليلَ برأْيهِ / أتَى المُلكَ بالفَتْحِ القريبِ بَشير
وكم فِتْنَةٍ تَطْغَى بكلِّ مُشيِّعٍ / له النّقْعُ ليلٌ والسِّنانُ سَمير
كأنَّ سُيوفَ الهندِ فيها كواكبٌ / مع الصُّبْحِ في هامِ الكُماةِ تَغور
وتَبْني نُسورُ الخَيلِ ممّا تُثيرُه / على الجوِّ طَوْداً تَعتليه نُسور
فقد أصبحَتْ خَوفاً صُدورُ معاشرٍ / كما نُفِّرَتْ من طَيْرِهنَّ وُكور
كُفيتَ بإيماءٍ منَ الرَّأْي شَرَّها / فَقرَّ قَرارٌ واستمَرَّ مَرير
أيا مَن سما نَفْساً وأصلاً فأَشرقَتْ / لعُلياهُ أنْوارٌ لهنَّ بُهور
إليكَ كأنّ الدّهْرَ في كلِّ ليلةٍ / بكفِّ الثُّريا في السَّماء يُشير
تقولُ كذا فلْيَسْمُ في المجدِ مَن سما / ويَفخَرْ بإدْراكِ العلاء فَخور
جمَعْتَ التُّقَى والجودَ والبأسَ والنُّهى / بَيانُك دُرٌّ والبنانُ بُحور
ولمّا حجَجْتَ البيتَ حَجَّك لائذاً / بكَ البيتُ والوفدُ الحَجيجُ حُضور
ولم تُرَ يوماً كعبتانِ تلاقَتا / ورُكنانِ إمّا زائرٌ ومَزور
بمَسْحِ يَمينِ اللّهِ زِدْتَ ميامِناً / فأصبحْتَ من جَوْرِ الزّمانِ تُجير
يُعيرُ ملوكَ الأرضِ رأيُك نُورَهُ / كأنّك شمسٌ والملوكُ بُدور
إذا اجتمعَتْ يوماً به ادَّخَرتْ سناً / إلى العودة الأُخْرَى بذاكَ تُنير
أرَى رائدَ التّوفيقِ في كلِّ مَنْزِلٍ / يَصيرُ معَ الإقبالِ حيث تَصير
وكم حاسدٍ عُلْياكَ يُمسي كأنّه / لفَرْطِ الأَسى من مُقْلتَيْهِ نَحير
إذا لُحْتَ للأبصارِ أَغضَى كأنّمَا / سَناك سِنانٌ في حَشاهُ طَرير
فدَتْك رجالٌ أَصبحوا وجسومُهمْ / إذا هيَ قِيستْ للقُلوبِ قُبور
هُمْ في قُصورٍ تُضرَبُ الحُجْبُ دونَهمْ / وفيهمْ لناعمّا نُريدُ قُصور
وحَقُّ صدورٍ للورى أنْ يُرَى لهمْ / قلوبٌ عليها يَشتمِلْنَ صُدور
هُمُ مَيّزوا الأموالَ وهْي لِلُؤْمِهمْ / صِحاحٌ عنِ الأعراضِ وهْي كُسور
وقد تَسلَمُ الأعراضُ وهْي سخافة / قواريرُ منهمْ والأكفُّ صُخور
أيا مَن كَفُوآتُ المدائحِ أصبحَتْ / لها من سَجاياهُ الحِسانِ مُهور
ولي من ثنائي والولاءِ أَواصِرٌ / ترادَفَ منها أوّلٌ وأَخير
وعندي لأَسلافٍ مضَوْا لكَ أَنعُمٌ / وبالحِفْظِ عَهْدُ الأكرمينَ جَدير
وإنّي على شُكْري لهنّ مُثابِرٌ / طُوالَ اللّيالي ما أقامَ ثَبير
فكيف بشُكْرٍ في أوانِ اكتِهالِه / إذا أحسنَ الرُوّادُ وهْو شَكير
أقولُ لقُرحانِ الصّبابةِ مُدْنَفٌ / بشِعْري وعِزْهاةُ المدائحِ زير
على أنّ بالأفكارِ شُغْلاً لوِ انتهَتْ / عنِ النَّظْمِ لكنّ اللِّبيبَ وقور
كأنّ فؤادي طُولَ دهريَ حلبةٌ / على أنّه للنائباتِ أَسير
تَخلَّف فيه قاصرَ الهَمِّ نافِثاً / صاوا وأَرْيُ الشِّعْرِ منه مَشور
قَدِمتَ علينا والرّبيعُ بمَوعدٍ / فقد عادَ روضُ العيشِ وهْو نَضير
لِجودِك يا أَندَى الورى ولجودِه / سحابانِ كُلٌّ للأنامِ مَطير
ففي كُلِّ دارٍ مِنْحةٌ وعَطيَّةٌ / وفي كُلِّ قاعٍ رَوضةٌ وغَدير
كأنّ الأقاحي والشّقائقَ في الثَّرى / خدودٌ بها مَصقولةٌ وثُغور
فعشْ ألفَ عَصْرٍ مثلَ ذا العصرِ كاملاً / فمِثْلُك مجداً لم تَجِدْه عُصور
لدَهْرِكَ تَغْدو كيف شِئْتَ مُصرِّفاً / إذا صَرَّفتْهم كيف شِئْنَ دهور
وأَحسنُ حالِ الدّهرِ أنّك سالِمٌ / وهل فَقْدُ خَلْقٍ ما بَقِيتَ يَضير
كفانا كريمٌ من بني الدّهرِ واحدٌ / وواحِدُ صِدْقٍ إن وجَدْتَ كثير
أَتُراه بنفسِه يَذكرُ المَوْ
أَتُراه بنفسِه يَذكرُ المَوْ / لَى أمِ الحَزمُ مُوجِبٌ إدّكارَه
قد أَطال انتظاريَ الدَّهرُ والطّا / لبُ للشّيءِ قد يُطيلُ انتِظاره
وأزال اصْطباريَ الزَّمنُ الصّعْ / بُ فلم يَملِكِ الفؤادُ اصطِباره
كلّما قلتُ حانَ إنجازُ أَمري / عَرَضَ الدّهرُ دُونَه أَعذاره
يَشْغَلُ الحَجُّ تارةً هكذا عنْ / نِي المَوالي ويَشغَلُ الغَزْوُ تاره
فإلى اللّهِ أشتكِي ما أُلاقِي / من أُمورٍ تَضيقُ عنها العِباره
لم أَضِعْ إذ دَنا المَسيرُ بَلِ ازْدَدْ / تُ ضَياعاً فالهَمُّ يَقدَحُ ناره
وانقِطاعي عنِ اتّباعِ الحواشي / فَرْطُ عَجْزٍ قد بَزَّ قلبي قَراره
فقصَدْتُ المَولَى العزيزَ لكَي يَج / بُرَ من قلبيَ الكئيبِ انكِساره
وانتهَتْ حَيرتي فصَيرَّتُ في أم / ري إلى رأيهِ الكريمِ اخْتِياره
فاصْطِناعي في مثْلِ ذا الوقتِ أَمْرٌ / لستُ أَرجو إلاّ عليهِ اقْتِداره
ما كان لي في الخُوزِ شَيءٌ سوى
ما كان لي في الخُوزِ شَيءٌ سوى / دارٍ وإدرارٍ وأشعارِ
فانتَهبَ العَسكرُ داري بها / واحتَبَس الكُتّابُ إدراري
وأصبحَ الجوعُ بها شاغِلاً / عن عَمَلِ الأشعارِ أفكاري
فاليومَ ما عِنْدي سوى اسْمٍ من ال / أشعارِ والإدرارِ والدّار
ألا ليتَ شِعْري هل أَبِيتَنَّ ليلةً
ألا ليتَ شِعْري هل أَبِيتَنَّ ليلةً / وليس على سُورِ المدينةِ حارِسُ
وهل يَتجلَّى صُبحُ يومٍ لناظرِي / ولم يأْتِنا من فارِسٍ فيه فارس
طلعْتَ طلوعَ البدرِ يا ملكَ الورَى
طلعْتَ طلوعَ البدرِ يا ملكَ الورَى / وقد غُمِسَ الآفاقُ في ظُلَمٍ غَمْسا
فجَلّيتَ ليلَ الخَطبِ عنّا بغُرّةٍ / غدَتْ تَقبِسُ الأبصارُ أَنوارَها قَبسا
وما إن تَرى بدْرَ السّماء وإنْ سَما / بمُهْدٍ إلينا فيه إلاّ إذا أَمسى
وإنْ هو وافانا نهاراً فما سَناً / بطَلْعتِه يُهْدي إلى ناظرٍ أُنْسا
ولكنْ فتَى الفتيانِ بَدرُ بنُ مُقْبِلٍ / له النُّورُ مِلْءَ الأرضِ أصبحَ أو أَمسى
إذا سار غَطّى الشّمسَ بالنّقْعِ خَيلُه / ولم أَر بدراً قبلَه يَستُرُ الشّمْسا
أجلْ هو بَدْرٌ في عُلُوٍّ ولم يكُنْ / يُطيقُ فَمُ الرّاجِي لأنملِه لمَسا
غدا فلكاً للدِّينِ في دَورانِه / حياةٌ وموتٌ ضُمّنا الجودَ والبأسا
تَرى منه مَلْكاً لا يُوازيهِ مُشبِهٌ / من النّاسِ لا أصلاً شريفاً ولا نَفْسا
سَليلُ مُلوكٍ من ذُؤابةِ خِنْدِفٍ / له الهمّةُ العلياءُ والعِزَّةُ القَعْسا
بنو أسدٍ تَأْوي إلى أَجَمِ القَنا / وتَفْرِسُ يومَ الرَّوعِ فُرسانَه فَرْسا
صَفوحٌ إذا أَصغَى له السّمْعُ راعياً / إلى عُذْرِ جانٍ رَدَّ مأْتَمَهُ عُرْسا
مُحَيّاهُ سَعْدٌ غيرَ أنّ سِنانَه / على القِرنِ يَغدو في الوغَى كَوكباً نَحْسا
تَرى رجلاً لوناً إذا قابلَ العِدا / ويَرجِعُ مُرتَجّاً إذا طَعَنَ الخَلْسا
جُعِلْنا فِداك الدَّهرُ أَرسَى بصَرفهِ / علينا وصَرفُ الدّهرِ مَضٌّ إذا أَرسى
وكان لنا بُرءاً غِياثُك عاجِلاً / ويُمنُك نَرجو منه أَلاّ نَرى نِكْسا
فأَمطِرْ على أرضي سَحائبَ رحمةٍ / فقد ظَمئتْ حتّى لقد يَبَسَتْ يَبْسا
وبالأمسِ قد أَولَيتَنا منك نِعمةً / فأَحسِنْ إلينا اليومَ إحسانَكَ الأمسا
ودونَك من فِكْري لك ابنةَ ساعةٍ / يكاد يُضيءُ الأرضَ إيداعُها الطِّرسا
ولو أنّني وَفّيتُ مدحَك حَقَّه / لكانَ سَوادُ العينِ منّي له نِقْسا
وفي الكُفْؤ لا في المَهْرِ أَوفيتُ مِدْحتي / ويَدرُسُ عِزُّ الدّهرِ إن قُلتُه دَرْسا
ولي منك آمالٌ قديماً غرَسْتُها / وهأنذا مُستَثمِرٌ ذلك الغَرْسا
فشَفِّعْ فدَتْكَ النّفْسُ منّيَ شافعاً / لقومٍ بنابِ الدّهرِ قد نُهِسوا نَهْسا
فمِثْلُك مَن لو يَشْتري مَدْحَ مادحٍ / بأبياتِ مالٍ عَدَّها ثَمَناً بَخْسا
ودُمْ للعُلا مادام للّهِ عابِدٌ / وما لاحَ نَجْمٌ وامتطَى راكبٌ عَنْسا
جُعِلتُ فِداك الدَّهْرُ أغرزَ نابَهُ
جُعِلتُ فِداك الدَّهْرُ أغرزَ نابَهُ / بشِلْوِ فتىً فيه نُدوبُ عِضاضِ
قضَى زَمني جَوراً عليّ وكم تَرى / شِكايَةَ قاضٍ من نِكايةِ قاض
رَجوتُ وما زال الزّمانُ مُعانِداً / يَخوضُ بيَ الأَهوالَ كُلَّ مَخاض
رَحيليَ عنكم راضياً فأُتيحَ لي / رَحيلُكمُ عنّي وما أنا راض
ولي دينُ جُودٍ غَيرَ أَنّىَ ساكتٌ / وتَرْكُ التَّقاضي للكريمِ تَقاض
ولولا انقِطاعي اليومَ في دارِ غُرْبةٍ / مَكانَ التّقاضي كان عنه تَغاض
فما لي إلى الأوطانِ قُدْرةُ راجعٍ / ولا ليَ في الأسفارِ أُهبَةُ ماض
فجُدْلي وسُحبُ الجود إن هي أمطرتْ / أَتَى الشُّكْرُ في آثارِها برِياض
بحَمّالِ أثقالٍ إذا ارتحَلَ الفتَى / قَطوعِ طِوالٍ يَتَّصلْنَ عِراض
إذا هو أَضحَى تحت رَحْلِ مُسافِرٍ / مضى كمضاءِ الحارثِ بْنِ مُضاض
ودُمْ للعُلا مادام في الدَّهرِ كاتبٌ / يَخُطُّ سواداً فيه فوقَ بياض
بما عَنَّ من شَكْوَى زمانٍ تَعرَّضا
بما عَنَّ من شَكْوَى زمانٍ تَعرَّضا / تناسَيْتُ لذّاتِ الزّمان الّذي مضى
فلا تُذْكِراني عَهْدَ نجدٍ وأهلَه / إذا الرّيحُ هَبّتْ أو إذا البرقُ أَوْمضا
فما في ضَميري اليومَ من طارقِ الأسَى / مَكانٌ لتَذْكارِ السُّرورِ الّذي انقَضى
ولو خَلصتْ لي من فؤاديَ شُعبةٌ / من الهمِّ لَم أَذكُرْ سوى ساكني الغَضا
وواللهِ لا أَنسىَ مدَى الدّهرِ عهدَهمْ / على حالتَيْ سُخطٍ من الأمرِ أو رِضا
أولئك هم روحي فلولا بقاؤهم / معَ البُعدِ في قلبِ المُحبّ لهمْ قضَى
رعَى اللهُ قوماً ودَّعوا من أحبّةٍ / قضَى الدّهرُ فيهم بالتَفرُّقِ ما قضَى
إذا قام في عَيني خيالُ عُهودِهم / تَضايقَ بي رَحْلي على سَعَةِ الفَضا
فكيف بصبرٍ يا أُميمَ أُعيرُهُ / فؤاداً لنَهْبِ الشّوقِ فيهمْ مُعرّضا
ولا عِوضٌ لي عنهمُ إن طَلبتُه / ولو كان أيضاً ما استَخْرتُ التعوُّضا
لقد سَرَّ هذا العيدُ كُلاًّ بلَهْوهِ / وقد زادَ قلبي لَوعةً حين أَعْرضَا
دُنُوُّ أعادٍ وانتزاحُ أحِبّةٍ / لقد أَمرضَ الهمّانِ قلبي وأَرمَضا
فكِلْني إلى ما بي وخُذْ أنت قَهوةً / حكَتْ لهَباً من ساطعِ النُّورِ مُحتَضا
عُقارٌ إذا مَسّتْ يمينُك كأسَها / حَملْتَ بها سَيفاً على الهمِّ مُنتَضى
يَعودُ إلى خَدِّ الندّيمِ خِضابُها / إذا هو من كَفِّ المُديرِ لها نَضا
إذا أنت ذَهّبتَ الزُّجاجَ بِلَوْنها / تَرْكتُ بجاري الدّمعِ خَدّي مُفضَّضا
وكيف إذا ما أطلَق الشّوقُ عَبْرتي / أُطيقُ لبحرٍ مائجٍ أن أُغّيِضا
وآمُلُ أن يَسْري الكرى بخيالِهم / وما كان جَفني بعدَهم لِيُغَمّضا
هُمُ أَعرضوا عنّي وولّوا بِوَصْلِهمْ / فولّى لذيذُ العيشِ عنّي وأَعرضا
فأُقسِمُ لولا نورُ وجهِك لم أكنْ / أرَى بعدَهم يوماً من الدّهرِ أَبيضا
ولكنْ جَلا فخْرُ الرّئاسةِ ناظِري / بغُرّةِ وجْهٍ كُلُّ أُفْقٍ بهِ أَضا
تَهدَّى فجَلَّى كُلَّ ما كان مُظلِماً / وجادَ فأغنَى كُلَّ مَن كان مُنْفِضا
جَوادٌ يُنيلُ الجَزْلَ من سَيْبِ كَفّهِ / إذا ما لَئيمُ القومِ أَعطَى فَبرَّضا
بليغٌ يكاد الطّرِسُ يُصبِحُ مَتْنُه / بفَيْضِ النّدى من راحتَيْهِ مُروَّضا
عَجِبتُ لكفٍّ منه تُبسَطُ دائماً / ويَملِكُ منها للأعنّةِ مَقْبِضا
فتىً لو أُطيقُ الاقتداءَ بفِعْلهِ / لكان حقيقاً أنْ يُسَنَّ ويُفْرَضا
قَرينانِ ما زالا له الكفَّ والنّدى / وإلفانِ ما انفكّا له الرأيَ والمَضا
سِمامُ الأعادي في فَمِ القلم الّذي / يَمُرُّ له فوقَ الكتابِ مُنَضْنِضا
إذا وعَد الّراجينَ في كَلماتِه / حكَتْ لك رَوضاً في جوانبِه إضا
وإن أَوعدَ الجانِينَ جاء وَعيدُه / كأنّ أُسوداً في نواحيهِ رُبَّضا
وإن حَدَّثَ الأقوامُ عن سَلَفٍ له / فأحْرِ بفَخْرٍ أن يَطولَ ويَعرُضا
به ثَبَت البيتُ الرّفيعُ عِمادُه / على حينَ بيتُ الأعجزِينَ تَقّوضا
كفى رؤساءَ العَصرِ أنّك فَخرُهمْ / إذا رفَع الوُرْقُ الرِّجالَ وخَفَّضا
تَرى الحَسَنَ المأمولَ في آلِ قاسمٍ / كبَدْرِ الدُّجَى بين النُّجومِ تَعرَّضا
هُمُ رؤساءُ النّاس وهْو رئيسُهمْ / عَلاءً لكَبْتِ الحاسدين مُقيَّضا
أَسا جُرْحَ هذا المُلكِ لمّا رأى له / أديماً بأنيابِ الزّمانِ مُعَضَّضا
وزاحمَ عنه مَنكِبَ الدَّهرِ نَجدةً / فَزيَّل أقدامَ الخُطوبِ وأدْحَضا
فدُمْتَ منيعَ العِزِّ في دِرْعِ عِصْمةٍ / إذا الدَّهرُ عن قَوسِ النّوائبِ أنْبَضا
فما أنا بالّناسي صَنائعَكَ الّتي / رَددْتُ بها ظَهْرَ المُعاندِ مُنقَضا
تَمنّيتُ لو كان الزّمانُ يُعيرُني / جَناحاً إلى نَيلِ المعالي لأنْهَضا
وأقطَعَ عُمْري في ذُراكَ بغِبْطةٍ / وأهجُرَ أذراءَ الّلئامِ وأرفُضا
وأُصبِحَ في يُمنَى يدَيك على العِدا / حُساماً إذا ما أنت أَمضَيتَه مضَى
ولكنْ إذا أَبرمت أَمراً أُريدُه / أَبى الدّهرُ إلاّ أن يَجورَ فيَنْقُضا
على أنّني أُهدي على القُرْبِ والنّوى / ثناءً على ما قد منَنْتَ كما اقْتَضى
وأُفصحُ قَولاً بالّذي أنت أهلُه / ولو لم يكُنْ ما كان أيضاً لِيَغْمُضا
وأُنشِدُ تَقْريظي لدَيكَ مُصرَّحاً / وأَذكرُ نَثْقيلي عليك مُعرِّضا
وأحْسنُ ما يُلفَى ليَ الأمرُ مرَّةً / إذا ما غدا منّى إليك مُفَوَّضا
وليس زَماني ما بَقِيتُ وإن جَفا / بذَمّي له أَهلاً لأنْ أتعَرَّضا
فهل أنت للأيّامِ اعنّيَ زاجرٌ / فلستُ أَرى في القومِ إلاّ مُحرّضا
أَبِنْ لي مكاناً من قَبولِك في الورَى / وأكرِمْ وَليّاً في الهوَى لكَ مُمْحِضا
فلا زال صرفُ الدَّهرِ حين تَقودُه / ذَلولاً وللقومِ المُعادينَ رَيِّضا
ليسعَى كما تَرضَى إذا سعَتِ الدنا / ويَجري بما تَهوَى إذا ما جَرى القَضا
قُروضٌ من الدَّهرِ الهِباتُ لأهلِه / فلا ارتَجَعَ النُّعمَى التي لك أَقرَضا
ودُونَك من مَيدانِ فكْريَ سابِقاً / إذا ما جيادُ الشِّعْرِ جارَيْنَه نَضا
أتاكَ على أنْ ليس رُتْبةُ جِنْسِه / إلى حَدِّ أن يُجلَى عليك ويُعْرَضا
فهل أنتَ أعلَى اللّهُ قَدْرَك / عاطِفٌ عليه فيُكْسَى من قَبولِك معْرضا
فقد كنتَ قِدْماً تَرتَضِي ما أقولُه / وما تَرتَضيهِ أنت لا شَكّ مُرتَضى
وكم من لسانٍ يَقْرِضُ الشِّعرَ حَقُّهُ / من الشِّعْرِ أن يُقتَصَّ منه فيُقْرَضا
فدُمْ في بقاءٍ لا تَزالُ خُيولُه / تُصيبُ لها في حَلْبةِ الدَّهرِ مَرْكضا
وعشْ سالماً ما غَيّر الأُفْقُ لُبْسَه / فَسوَّدَ طَوراً للعيونِ وبَيّضا
سَرى ولثامُ الصُّبحِ قد كاد يَنحَطُّ
سَرى ولثامُ الصُّبحِ قد كاد يَنحَطُّ / خَيالٌ تَسدَّى القاعَ والحيُّ قد شَطُّوا
وزار وقد نَدَّى النّسيمُ حُلِيَّهُ / فبات يُباري الثَّغْرَ في بَرْدِه السِمط
وما عَطّرتْ نجداً صَباها وإنّما / سَرى وهْو مَجرورٌ على إثْره المِرط
هو البدرُ وافَى والثُّريّا كأنّها / على الأُفْقِ مُلقىً منه من عَجَلٍ قُرْط
من البيضِ يَهْدي الركبَ باللّيلِ وجْهُها / إذا ضلّ مثْلي في غدائِرها المُشط
تَراكَ بعَينَيها المَهاةُ إذا رنَتْ / ويُعطيك ليتَيْها الغزالُ الّذي يَعْطو
عَقيلَةُ رَهْطٍ لو أَخلَّتْ برَهْطِها / كفاها بأنّ العاشِقينَ لها رَهْط
يَحُفُّ بها من سِرِّ قَيْسٍ فَوارسٌ / تَخُبُّ بهمْ خَيلٌ لوجْهِ الفلا تَغْطو
إذا ما تَثَنّتْ والقنا مُحدِقٌ بها / تَرى الخُوطَ في أثناء ما يُنبِتُ الخَطّ
هُمُ يومَ زَمُّوا للفراقِ رِكابَهم / رَمونا بسَهْمٍ في القلوبِ فلم يُخْطوا
وساروا بأفلاكٍ من العيسِ فوقها / كواكبُ إلاّ أنّ أبراجَها الغُبط
وألْوتْ بَصبري يومَ ولَّتْ غَريرةٌ / تُحكَّمُ في نَفْسِ المُعنّى فتَشْتَطّ
فَرشْتُ لها خَدّي لتَخْطو كرامةً / عليه فلم تَمْلِكْ من التِّيهِ أن تَخْطو
وعُدْتُ ولي سِلْكٌ من الجِسمِ ناحلٌ / عليهِ لِدُرِّ الدَّمعِ من مُقْلتي خَرْط
يَبُلُّ البُكا خَدّي وفي القلبِ غُلَّتي / وكم سُقِيتْ أَرضٌ وفي غَيرِها القَحْط
فلا زال من دَمعِ الغوادي على اللِّوى / سُقيطٌ يُحلَّى منه باللُّؤْلُؤ السِّقْط
مَعارِفُ أشباهُ الصّحائفِ وُضَّحٌ / لأيدي البِلَى في كُلِّ رَسْمٍ لها خَطّ
حكَى النُّؤْىُ منها مَشْقَ بعضِ حُروفِه / ويحكي الأثافي السُّودَ من بَعْضِها النَّقْط
وعَهدي برَبْعِ العامريّةِ مَرّةً / وَرَكْبُ الهوَى منّا بِواديهِ يُحْتَطّ
وشَرْطُ اللّيالي أن يَفينَ لأَهْلِه / وتَأْبَى اللّيالي أن يَصِحَّ لها شَرط
فآهاً على تلك العُهودِ الّتي مضَتْ / لقد دُرسَتْ حتّى كأنْ لم تَكُنْ قَطّ
كذا الدّهرُ إنّ تَكشِفْ حقيقةَ خُلْقِه / تَجِدْ لا الرِّضا منه يَدومُ ولا السُّخْط
ولا تَضَعُ الأَيّامُ شيئاً مكانَه / ولكنّها العَشْواءُ سِيرتُها الخَبط
وزائرةٍ لِلَّيلِ قُرْبٌ بشَخْصِها / إليَّ وللفجرِ المُنيرِ بها شَحْط
كأنّ الدُّجى منّي شبابٌ لِمَيْلها / إليَّ به والصُّبحَ في طَرْدِها وَخْط
سرَى من أعالي الرَّقمتَيْنِ خَيالُها / وقد حان من عُقْلِ النُّجومِ بها نَشط
ونحن على الأكوارِ مِيلٌ من السُرَى / بِوادي الخُزامى والمَطيُّ بنا تَمْطو
ركائبُ أبقَى الوَخْدُ منهنَّ في الفلا / شَبيهاً بما أَوهَى من الأَنسُعِ المَغْط
فللّهِ من عِيسٍ بَرَى السّيْرُ نَحْضَها / نَجاءً كما الوَى بأنساعِها المَعْط
رفَعْنا لإدراكِ المعالي رِحالَنا / ومادونَ لُقيانِ الأميرِ لها حَطّ
فزُرْنا ظهيرَ الدينِ وابنَ قِوامِه / وكُلُّ وَساعٍ من نَجائِبنا تَعْطو
لقد ضَمَّ أشتاتَ المحامدِ ماجدٌ / يَداهُ يدٌ تَسخو ندى وَيدٌ تَسطو
فتىً ظلَّ يزْهَى السيّفُ والسَّيبُ أنه / يَخُصُّهما من كفِّه القَبضُ والبَسْط
يُميتُ ويُحيي في الوَرى غيرَ أنّه / عطاياهُ دَأْبٌ وانتِقاماتُه فُرط
بيمناهُ ضَبْطٌ للممالكِ كُلّها / وليس لأَدنَى ما يَجودُ به ضَبْط
له قلمٌ يَقتَصُّ من أَرؤسِ العدا / بما قد جنَى في رأسهِ الثَّقُّ والقَطّ
وَينطِقُ عن مَكنونِ قَلْبٍ إذا ارتأَى / فما لِسُتورِ الغَيْبِ من دونه لَطّ
ويَحلو الوغَى والعاسِلاتُ أساوِدٌ / لها في سُوَيْداواتِ أبطالِها بَسط
وللدّمِ من نَحْرِ الكَمّيِ صَوائكٌ / من النّضْحِ حَيّاتُ الرّماح بها رُقْط
تَثَنّى العَوالي كَالقُدودِ نَواعِماً / بِحَيثُ الحَنايا كَالحَواجِبِ تَمتَطُّ
سَمَت بِوَجيهِ المُلكِ في المَجدِ رُتبَةٌ / إِذا ما تَعلى الحاسِدونَ لَها اِنحَطّوا
وَهَل مِن فَتىً جَعدٍ سِواهُ مِنَ الوَرى / تَجودُ عَلى العِلّاتِ مِنهُ يَدٌ سَبطُ
فَقابَلَ أَطرافَ العُلا في أَماثِلٍ / لَهُ حينَ يَعزى مِن بُيوتِهِمُ الوَسطُ
مَقاديمُ يَعتَمّوانَ بِالبيضِ نَجدَةً / فَأَرؤُسُهُم عَصرَ الشَبابِ بِها شُمطُ
إِذا ما لَهُم لَم يُستَبَح يَومَ جودِهِم / فَيُؤخَذُ ما اِعتَدّوا سَماحاً بَأَن يُعطوا
هُمُ القَومُ إِن يُدعَوا إِلى العَفوِ أَسرَعوا / كَراماً وَإِن يُدعَوا لِيَنتَقِموا يُبطوا
فَلا زالَ مِن عَينِ الحَسودِ لِمَجدِكُم / يَسيلُ وَمِن نَحرِ العَدُوِّ دَمٌ عَبطُ
وَما أَنا إِلّا عَبدُ نِعمَتِكَ الَّذي / لِمَيسَمِها البادي بِصَفحَتِهِ عَلطُ
وَذاكِرُ عَهدٍ مِنكَ إِذ أَنا أَغتَدي / وَبِالقَومِ لي في ظِلِّ دَولَتِكُم غُبطُ
وَطيبُ لَيالٍ كَالجِنانِ اِفتَقدتُها / كَآدَمَ مِنها حينَ أَدرَكَهُ الهَبطُ
فَإِن كانَ تاجُ المُلكِ مانِعَ جانِبي / مِنَ الدَهرِ أَن يَلقاهُ مِن صَرفِهِ ضَغطُ
وَأَيُّ فَتىً مِنهُ تَذَكَّرتُ أَصبَحَت / عَلَيهِ جُيوبُ الصَبرِ لي وَهيَ تَنعَطُّ
فَلا يَتَمَنّوا سَلوَتي بَعدَ مَوتِهِ / فَما هِيَ إِلّا في رَمائِمِهِ خَلطُ
فَإِن تَكُنِ الأَيّامُ جارَت بِفَقدِهِ / فَقُل في اللَيالي أَيُّ أَفعالِها قِسطُ
وَلَكِن إِذا عاشَ الهُماُمُ مُحَمَّدٌ / فَفيهِ لَنا من نَيلِ كُلِّ مُنىً قِسطُ
وَبَينَ جُفونِ الحاسِدينَ بِلَحظِهِ / قَتادَةُ غَيظٍ لا يُطالقُ لَها خَرطُ
فَقُل لِعَدُوٍّ ذاقَ سَورَةً بِأَسِهِ / رُوَيدَكَ إِنَّ النارَ أَوَّلُها سَقطُ
فأَرعِ رعاكَ اللهُ سَمْعَك عِذْرةً / ضعيفةَ وَقْعِ القولِ أسهُمُها مُرط
وما هو إلاّ أن تَعُمَّ جَرائمي / بصَفْحِ كما أنحَى على الوَرَقِ الخَبْط
فدام على الرّاجينَ مُلكُك إنّهُم / غَدوْا وبه من عَيْنِ دَهرهمُ غُطّوا
ولا زالَ مَمدوداً عليك رِواقُها / سَماءً بغَيْمٍ لا يُتاحُ لها كَشْط
لضَيفِ النّدَى يُمسي بأَفنائِكَ القِرَى / وخَيْلِ العُلا يُضْحِي بأبوابك الربط
تَقاسَمُ أفعالَ المكارِمِ كَفُّه / فكلٌّ له قسْمٌ وكلٌ له قِسط
وخُذْها تَهزُّ العِطفَ منكَ تَطرُّباً / كما شُعشِعَتْ للشَّربِ صَهباءُ إسْفَنْط
هيَ الدُّرُّ منثوراً وغايةُ فَخْرهِ / بسَمعكِ يوماً أن يكونَ له لَقْط
ألا طرقَتْنا والثُّريّا كقُرْطِها
ألا طرقَتْنا والثُّريّا كقُرْطِها / وقد بَرَدَتْ في نَحْرِها دُرُّ سِمْطِها
فهاجَتْ على القَلْبِ المَشوقِ صَبابةً / نفَيْتُ الكَرى عن مُقلَتَيَّ لفَرْطها
وما بَرِحَتْ حتّى تَهاوَتْ منَ الدُّجَى / فَرائدُ أَعياها تَعجُّلُ لَقْطها
وبَثَّ مَشيبُ الصُّبْحِ أَوضاحَ فَرعِه / فغَضّتْ جُفونُ اللّيلِ عن لَمْع وَخْطها
سَرتْ وصَبا نَجْدٍ معاً من عِراصِها / فما عَبِقَتْ إلاّ بأَعطافِ مِرْطها
فَزِعْتُ إلى دَمْعي على جَرَيانِه / فلم يُغْنِ عن إنهالِ خَدٍّ لِخَطّها
بَلَلْتُ به خَدّي وفي القلبِ غُلّتي / وكم غَيْثُ أَرْضٍ جازَ مَوضِعَ قَحْطها
وإنّ للَيْلَى في فُؤادي مَحلّةً / متى يَرْمِها الواشي بسَهْمٍ يُخَطِّها
على أنّ لَيلَى إن أَصابَتْ وَقلّما / شَكَرْنا لها أَو أَخطأَتْ لم نُخَطِّها
كأنّ وِسادي بعدَ توديعِ طَيْفِها / قَتادٌ وقد كَفّلتِ جَفْني بخَرْطها
فهل زَورةٌ أُخرَى اللّيالي مُعادَةٌ / علىَّ حَرِيّاً مَن نَوى ماء شَطّها
ولو شَرَطَتْ روحي ثَوابَ مَسيرِها / فما قَدْرُ روحي في الوفاءِ بشَرْطها
لَعلَّ زماناً أنْ يَعودَ كعَهْدِه / فتَرضَى قُلوبٌ جَمّةٌ بَعدَ سُخْطها
وقد يُعقبُ المّيلُ الطّويلُ صَبيحةً / وتَقرُبُ دارُ الحَيَّ من بَعْدِ شَحْطها
وللهِ ما تَخْدِي بنا كُلُّ رَسْلةٍ / يَعُطُّ رداءَ البِيدِ أَيسَرُ عَطّها
وقد قُلتُ لمّا عارضَتْ عُقَدَ الِلّوَى / وهَبّتْ معَ الحادي بغَوْريِّ سِقْطها
كأنّ مَصوغاتٍ بأيدي عِجالِها / إذا ذَعرتْ ليلُ الكئيبِ بخَبْطها
إلى أينَ مَسرَى العِيسِ تحت رِحالِها / وبابُ أَمينِ المُلْكِ خَيرُ مَحَطِّها
فَسِيروا إلى أفناء أبيضَ ماجدٍ / له من بُيوتِ المجدِ غُرّةُ وَسْطها
كريمٌ إذا مَرَّ العذولُ بسَمْعِه / يُراجِعُ عن سَمْحِ الأنامِلِ سَبْطها
حَميدٌ على سَهْلِ الزّمانِ وَوَعْرِه / وثَبْتٌ على جَوْرِ اللّيالي وقِسْطها
فكم غايةٍ يا ابْنَ الكرامِ بلَغْتَها / على صَهوةٍ من صَعبةٍ لم تُوَطّها
وكم نعمةٍ أعطَيْتَها وهْي جَزْلَةٌ / ولكنّني نَشّرتُها لم أغَطَها
شكَرتُ فزِدْنا زادَك الله نعمةً / تَدومُ على شِيبِ اللّيالي وشُمْطها
وجُدْ لي بحالٍ بعدَ مالٍ وهَبْتَه / فما عُقْدَةٌ إلا وأنتَ لِنَسْطها
فإنّيَ مَنْسوبٌ إليكَ مَودّةً / وفَخْرُ سَراةِ النّاسِ في عِزِّ رَهطها
فإنّ القوافي الغُرَّ ما لم تَسِرْ بِها / لكالشّمسِ ما دامَتْ تُقيمُ بخَطّها
فحرِّرْ لآدابي سُطورَ عنايةٍ / هيَ الوَسْمُ في ضاحي سَوالفِ عُلْطها
واتْعَبْ بها كفَّ الكريمة شأنُها / متَى تُسألِ الجَدْوى العظيمةَ تُعْطِها
وإنّ يَميناً لا تَضُنُّ بمالِها / لَمَرجُوَّةٌ ألاّ تَضُنَّ بخَطّها
فلا زال تَصريفُ العِنانِ لقَبْضها / ولا زال تَخْليدُ الثَناءِ لبَسطها
ولا زال إسخاطُ العَذولِ ببَذْلِها / ولا زال إرضاءُ الملوكِ بضَبطها
ولا زالتِ الأقلامُ حين تُديرُها / وقد أخذَتْ من كُلِّ حُسنٍ بقِسْطها
تَشُقُّ قلوبَ الحاسدِينَ كشَقِّها / وتُلْقي رُؤوسَ المارقينَ كقَطّها
ولا عجَبٌ أن تَملِكَ العَينَ إن جرَتْ / وماسَتْ على القرطاسِ أعطافُ رُقْطها
فما اللّحْظُ من عَينِ الفتاة كجَرْيها / وما الخالُ في خَدِّ المَليحِ كنَقطها
فما زال يَعلو نَجْمُ جَدِّك صاعداً / إذا ما جُدودُ القومِ أهوتْ لهَبْطها
وإنّي لأَرجو أن تُرى لك دَولةٌ / تُطيلُ شفاهُ النّاسِ خِدمةَ بُسْطها
أَثِرْها فقد طالَ الغَداةَ وُقُوعُها
أَثِرْها فقد طالَ الغَداةَ وُقُوعُها / ولا تَخْدُ إلاّ أَنْ تَطولَ نُسوعُها
طِراباً يفوتُ البرقَ خَطْواً بَطيئُها / إذا غرَّد الحادي فكيف سَريعها
جَواذِبَ فَضْلاتِ الأزِمّة في السُّرَى / تَكشَّفُ عن أَقطاعِهنّ قُطوعها
قَوادِحَ ما يُهدِى الضّياءَ لرَكْبِها / بأَخفافِها واللّيلُ داجٍ شُموعها
تَقطَّعُ أثناءَ الحبالِ تَعجْرفاً / إذا ما بدا في الصُّبْحِ لاحَ قطيعها
عليها من الحَيِّ اليمانينَ غِلْمةٌ / يُنيلُ المَعالي وَخْدُها ووُلوعها
إذا ذكَرتْ عهْدَ المعالي تقطَّعَتْ / حَمائلُها مِمّا تَلَوَّى ضُلوعها
عِصابةُ مَجدٍ حاولَتْه وكُلُّهمْ / طَلوبُ ثَنيّاتِ العلاءِ طَلوعها
تُبِيتُ ومن أيدي المطايا وِسادُها / بقَفْرٍ ومن بيضِ المَواضي ضَجيعها
رمَتْ بصدورِ العيسِ تَبْغي مَطالِباً / عسى بَعْدَ يأسٍ أن تَدانَى شُسوعها
وعِيدٌ من اليومِ المُناخِ وهذه / ديارُ العلا يُبكي العيونَ خُشوعها
أَأطلُبُ إبدالَ الكرامِ وقد مضَوْا / على حينَ أضحَتْ مُقْفِراتٍ رُبوعها
وآمرُ دَهْري أن يُعيدَ زَمانَهمْ / وتلك لعَمْري أَمرةٌ ما يُطِيعها
سقَى اللهُ عهدَ الأكرمِينَ وحُسْنَه / بَواكرَ مُزْنٍ يَستهِلُّ هُموعها
ولا زالَ إلاّ من دموعٍ سَحابُها / يَجودهمُ أو من سَحابٍ دموعها
عُهودُ مُلوكٍ مُحْسِنينَ تَصرَّمَتْ / فباتَتْ لهمْ عَيْني قليلاً هُجوعها
وما هيَ إلاّ الرُّوحُ أَودَى ذَهابُها / بجِسمي ولا يُحيِيهِ إلاّ رجوعها
رَعيتُ هوَى الحسناء حُبّاً فلم أَضِعْ / وفي النّاسِ راعِي خُلّةٍ ومُضِيعها
فلا سَلِمَتْ نَفسٌ شديدٌ نِزاعُها / إذا هي لم تُصبِحْ شديداً نُزوعها
وفي النّاسِ راضي النّفسِ طَوْعاً صَبورُها / إذا ما عدا خَطْبٌ وفيهمْ جَزوعها
حمَى جُودُ زَينِ المُلْكِ سَرْحَ خواطري / فلا رائعٌ بالنّائباتِ يَروعها
كفَى الدّولةَ الغَرّاءَ فخْراً تُعيدُه / بأنّكَ يا ابنَ الأكرمينَ مُطيعها
فإنْ تك في حَرْبٍ فأنت حُسامُها / وإن تَكُ في جَدْبٍ فأنتَ رَبيعها
وقد عَلِمَتْ أن كنتَ أوّلَ قائمٍ / إلى نَصْرِها حتّى اطْمأنّ مَروعها
وأوّلُ نَصْرٍ جَرَّ نَصْراً جُنودُه / لسلطانِها والحَربُ تُمرَى ضُروعها
وأوّلُ فَتْحٍ من أبي الفَتْحِ جاءه / وسُمْرُ القَناسَدّ الفَضاءَ شُروعها
فكم قد كَفى من وَقعةٍ بعدَ وَقْعةٍ / وغادَر من قَتْلَى يُخاض نَجيعها
ببِيضٍ صَقيلاتِ المُتونِ كأنّها / سَرائرُ أفواهِ الغُمودِ يُذيعها
وخَيْلٍ تَهادَى بالكُماةِ سِراعُها / كما مَرَّ ليلاً من بُروقٍ لُموعها
تَجيء سَواءً والسّهامُ إذا رُمُوا / عليها فلا تَعدو المُروحَ وُقُوعها
غداةَ كأنّ الهامَ حَبٌّ نَدوسُه / وقد حُصِدَتْ بالمَشرفيِّ زُروعها
كأنّ محاريبَ القنا ثُغَرُ العِدا / فما أَصبحتْ إلاّ وفيها رُكوعها
سَوابقُ أيامٍ إذا هي عُدِّدَتْ / تَعجّبَ من أخبارِهنَّ سَميعها
فإنْ تُصْفِ خُوزِسْتانَ أقلامَك الّتي / بها اليومَ تَحمي أن يُرامَ مَنيعها
فلا فَخْرَ في هذا ومن قبلُ قد صفَتْ / بسَعْيكَ للمُلْكِ البلادُ جَميعها
بنَصْرِ بنِ منصورٍ تَلاقَتْ أُمورُها / ولولا نَداهُ لاستطارَتْ صُدوعها
بَعيدُ المدَى بأْساً وجُوداً وإنّما / يَسودُ الورَى ضَرّارُها وَنفوعها
فكم أَمطَر العافينَ غُزْرَ نَوالهِ / بكفٍّ له صَوبُ الغوادي رَضيعها
وكم طَرَحَ الأعداءَ من سَطَواتهِ / مَطارِحَ لا يرجو انتعاشاً صَريعها
أيا ماجِداً يغدو وفي طَيِّ بُردهِ / فريدُ بني الدّنيا عُلاً وقَريعها
يُبَشّرُ آمالَ الرّجالِ ببِشْرِهِ / كما بَثَّ أنوارَ الصباح سُطوعها
ويجعلُ أثمانَ المحامدِ مالَهُ / إذا ضَنَّ بالأموالِ يوماً جَموعها
أمَنْ يَشترى الأحرارَ أَكرمُ عادةً / إذا عرَض الأحرارُ أم مَن يَبيعها
أَعِرْ سَمْعَكَ المَحْروسَ شَكْوى حوادثٍ / لنَفْسٍ قليلٍ للزّمانِ خُضوعها
فَراغِيَ في أياّم شُغْلِكَ هُجْنةٌ / سَيَقْرَعُ أسماعَ الكرامِ شَنيعها
نَبتْ بي بلادٌ حين ذَلَّ رَفيعُها / لرَيْبٍ لياليها وعَزَّ وضَيعها
وأَخّرَنا ما قدَّم القومَ دُونَنا / تَقلُّبُ أيّامٍ عَجيبٍ صَنيعها
ذَريعةُ أبناءِ الزَّمانِ وَقاحةٌ / مُجَرَّدةٌ يُدني الأماني شَفيعها
وتلك لعَمْري في الزّمانِ إلى الغنى / سَبيلٌ ولكنْ أين مَن يَسْتَطيعها
سأَقطَعُ آفاقَ البلادِ برِحْلةٍ / يُؤَمِّمُ أقصاهنّ أَرضاً مُريعها
لأَِحْوِيَ غُنْماً أو لأُبْليَ عِذْرةً / بسَعْيٍ عسى ألا يَضيقَ وَسيعها
وما اللّيلةُ اللّيلاءُ إلاّ حقيقةٌ / بأن يتَجلّى عن صباحٍ هَزيعها
وشُكرك زادي حيث سِرْتُ ومِدْحةٌ / كما يُرتَضى إعجابُها ونُصوعها
سأنظِمُ في عُلياكَ كُلَّ قصيدةٍ / وقافيةٍ يَسْبى العُقولَ بَديعها
مُخصَّرةِ الأبياتِ تُمسِي كأنّها / نُجومُ الدُّجَى إفْرادُها وشُفوعها
إذا شَهِد الأعراضَ مَعرَكُ ألسُنٍ / وهُزَّتْ رِماحُ الذّمِّ فهْيَ دُروعها
فلا زلْتَ في ظلِّ السّعادةِ تَرتَعي / رياضَ نعيمٍ لا يَجُفُّ مَريعها
ولا بَرِحَتْ أبناؤكَ الغُرُّ عُصبةً / أمامَ المعالي لا يَفَضُّ جُموعها
كعِقْدِ الثُّريّا لا يُفرَّقُ شَمْلُها / بحالٍ ولا يُخشَى انخِفاضاً رفيعها
لهمْ أنفُسٌ عُلْويّةٌ فمِنَ النُّهَى / حُلاها وفي رَوْضِ العلومِ رُتوعها
كَرُمْتَ وحُزْتَ الفضلَ نفْساً ومَعشراً / ولولا أُصولٌ لم تُورَّقْ فُروعها
فلا زِلْتَ للعلياءِ شَمساً مُنيرةً / يَزينُ سَماءَ المكرماتِ طُلوعها
منَحتُكَ فاشكَرْها مقالةَ ناصحٍ
منَحتُكَ فاشكَرْها مقالةَ ناصحٍ / كما شكَرتْ ثِقْلَ الشُنوفِ المَسامعُ
تَناسَ الأسَى وامسَحْ على القلبِ مَسحةً / كما انقادَ مَزْموماً إلى الصَّبرِ جازع
فلا غابِرٌ في الدَّهْرِ يَرجوهُ آملٌ / ولا غُبَّرٌ في الخِلْفِ يَمْريهِ طامع
نظَرْنا ومِلْءُ الجَوِّ والأرض ليلةً / نجومٌ وأصبَحْنا وكُلٌّ بَلاقع
ولكنّها غابَتْ ليومٍ وعاودَتْ / وغابوا وما فيهم إلى الحَشْرِ راجع
فبتُّ أُراعيها وأندُبُ معشَراً / شَأْوها إلى العُلْيا وهُنَّ طَوالع
يُقلّبْنَ تقليبَ الأرانبِ أَعيُناً / مُفتَّحةَ الأجفانِ وهْي هَواجع
لَقِيتُ صُروفَ الدَّهْرِ وهْي تَنوشُني / أُطاعنُها والقلبُ بالصّبرِ دارع
وأَستَجلِبُ الأقلامَ رِزْقي وغَيرُها / إلى الرّزْقِ لو أيقظْتُ عَزْمي ذرائع
جرَتْ وأعاليها أسافِلُ خِلْفةً / فلا خالفَتْها من كريمٍ أَصابع
ألا هل إلى نَيْلِ الغنى من وسيلة / يَمُتُّ بها إلاّ السُّيوفُ القَواطع
شُموسٌ تَهاوَى في رؤوسٍ فَيعْتلي / لها شَفَقٌ من حيثُ تَغرُبُ طالع
فحَتّامَ أَكسو الباخلينَ قلائداً / وفوقَ أَكُفِّ اللُّؤْمِ منهمْ جَوامع
وما الدُّرُّ في مُستودَعِ البحرِ ضائعاً / ولكنّه في أَخمَصِ الوَغْدِ ضائع
مَدائحُ أمثالُ الرُّقَى نَفَثاتُها / لتُكفَى الأذايا لا لِتُسْدَى الصّنائع
وقَرْعٌ لأبواب اللّئامِ تَعِلَّةً / ومُضطَربُ الأحرارِ في الأرضِ واسع
ألا قاتلَ اللهُ المطامعَ إنّما / تُذِلُّ عزيزاتِ النّفوسِ المَطامع
سأُظهِرُ أقصَى اليأسَ منهمْ نَزاهةً / وأرضَى بأدْنى العَيشِ والحُرُّ قانع
وأَدفَعُ عنّي طارِقَ الهمِّ بالمُنَى / وأَنظُرُ هذا الدَّهرَ ما هو صانع
أَمَلَّ على القلبِ الغرامَ فأبلَغا
أَمَلَّ على القلبِ الغرامَ فأبلَغا / وفي وَصْفِ بَرْحِ الشّوقِ للوُسْعِ أَفرغا
وأَوفَى على عُودٍ خَطيبُ صبابةٍ / من الخَطْبِ مَن أَصغَى إلى سَجعِه صَغا
وقد رَدَّد الألحانَ للصَّبِّ شائقاً / فأَلغَى لها قولَ العذولِ الّذي لَغا
وماذا عسى شَيطانُ عَذْلِك صانِعاً / إذا لم يَجِدْ بينَ الأحبّة مَنْزَغا
لئن كان لَومي في هوَى البيضِ سائغاً / لقد كان إسعادي عليهنَّ أَسوغا
خليليّ إنْ يَمّمْتُما أرضَ عامرٍ / فلا تَبْخَلا أن تَسمَعا وتُبلِّغا
ذكرتُكُمُ والأرضُ يَبْسٌ فلم يَزَلْ / بعيني البُكا حتّى أسالَ وأَرزَغا
وفي الحيِّ أترابٌ إذا شغَل الفتى / هواهُنّ لم يَطْرَبْ لأَنْ يَتفَرَّغا
ظَلَمْنَ الثّنايا الغُرَّ لمّا صَقلْنَها / وأَرْشَفْنَها دوني أَراكاً مُمضَّغا
وفي مُستدارِ الخَدّ من كُلّ غادةٍ / تَرى سِحْرَ عينَيْها لدِينكَ مُوتِغا
عَقارِبُ صُدْغٍ لا يَضُرُّكَ وَصْلُها / ولكنّما يُمسِينَ بالهَجْرِ لُدَّغا
سفَرْنَ لنا حتّى تَركْنَ عُيونَنا / مِلاءً وغادَرْنَ الجوانحَ فُرَّغا
فمالي أُحبُّ الآفِلينَ وقد أَرى / من الغيدِ أقماراً على العيسِ بُزَّغا
على حينَ أَلوَى الحلْمُ بالجهلِ كَبْرةً / وعَمّمَ منّي الرّأسَ شَيبٌ تفَشّغا
وكم ليلةٍ يا لَيلُ قَصّرْتُ طُولَها / وقَضَيتُ عَيشاً بالبِطالةِ أَرفَغا
لَهْوتُ بها حتّى ثنَى اللّيلُ صَدرَه / وعاد الدُّجَى بالصُّبْحِ أَدْهَم أَصبَغا
وعُدُت ولم يَشعُرْ بيَ الحَيُّ غادياً / يُخلِّفُ هامُ الأُكْمِ طِرْفي مُفَدَّغا
أَقُدُّ أديمَ البيدِ بالسّيرِ حيثما / وجَدْتُ وراءَ العِزِّ في الأرضِ مَنسَغا
بذي غُرَّةٍ ضافي الحُجولِ كأنّما / تَوَضّأَ من ماءِ الصّباحِ فأَسْبَغا
عسى يَشْتَفي من لاعجِ الشّوقِ مُدْنَفٌ / بأنفاسِ عُلْويِّ الرّياحِ تَنشّغا
أَتملِكُ غَضَّ الطَّرْفِ يا صاحِ بعدما / تَزيّنَ بالحَلْيِ الثَّرى وتَزيّغا
أَرى صَنَعَ الأنواء أَظْهرَ حذْقَه / فَوشّعَ أَبرادَ الرّياضِ وَصبّغا
وفي عَذَبِ الأفنانِ من كُلِّ أيكةٍ / كَرائنُ للألحانِ يَغدونَ صُوَّغا
كأنّ الرّبيعَ الطّلقَ والطّيرَ أصبحَتْ / لأيّامهِ تَدعو بمُخْتلِفِ اللُّغا
زمانُ جَلالِ الدّينِ أقبلَ فاغتَدى / به شُعراءَ كُلُّ مَن فيه بَبَّغا
وفاؤوا إلى ظلٍّ من العيشِ لم يزَلْ / له اللهُ من لطْفٍ على الخَلْقِ مُسبِغا
حَصودٌ بحَدِّ السّيفِ في طاعةِ الهُدَى / إذا أينعَتْ بالبَغْيِ هامةُ مَن طَغى
تُشَبُّ له نارانِ باللّيلِ للقرى / لكَيْ يُؤْنِسَ السّاري وفي الصُّبْحِ للوغَى
إذا ما انتَدى ثمَّ احتَبى بوَقارِهِ / فلا رَفثٌ فيما يُقالُ ولا لَغا
تَسوسُ الوَرى يُمنَى يدَيهِ جلالةً / بإعمالِ أَلْمَى يَلْفِظُ الدُّرَّ أَفشَغا
يَمُجُّ على خَدّ البياضِ رُضابَه / فيَجْلو صباحاً بالظّلامِ مُثَمَّغا
ولم أَر في الأملاكِ أَسْرعَ مُنْهَراً / لسَجْلِ النّدى منه وأَوسَعَ مُفْرَغا
أخو العزْمِ وَطّاءٌ بأخمَصِ بأْسِه / لرأْسِ المنايا أو يَعودَ مُثلَّغا
قليلٌ إليه جُوُد أسحَمَ أوطَفٍ / إذا مُثِّلوا أو بأْسُ أَهْرَتَ أَفْدَغا
تَجلَّى غداةَ الرَّوعِ والنّقْعُ ثائرٌ / بناظرتَيْ أَقْنى بمَنْسِرِه شَغا
وللحربِ عن أنيابِها الرُّوقِ كَشْرةٌ / إذا الطّعْنُ أَضحَى للجُنوبِ مُدغْدِغا
بكلّ قناةٍ في يدِ الذِّمْرِ صَدْقَةٍ / تُرَى لصدورِ الخَيلِ في الرَّوْع مِبْزَغا
إذا ظَمئتْ من نَحْرِ طاغٍ إلى دَمٍ / غدا لاهثاً منه السِّنانُ ليُولَغا
أيا جامعاً عفْواً وسيعاً ظِلالُه / وعَضْباً صَنيعاً مِصْدَعَ الهام مِصْدَغا
فكم حائدٍ عن طاعةِ الحقِّ حائنٍ / أُحيطَ به والبَغْيُ صارِعُ مَنْ بَغَى
غدا فاصِدَ الأَوداجِ منه بسَيْفِه / وكان دَمُ العصيانِ فيه تَبيَّغا
وذي هَفْوةٍ قد نَبّه السّعْدُ جَدَّهُ / وللرّيقِ منه في المُخَنَّقِ سَوَّغا
فأقبلَ يَستَشْفي لِعُرِّ جرائمٍ / به في ثَرى عُذْرٍ له مُتَمرِّغا
ولم أَر للأحياء أَبعدَ مَطْرَحاً / وأَشأمَ منْ بَكْرِ الشِّقاقِ إذا رغَا
عَجِبْتُ لمُلْقىً بين عينَيْه رُشْدُهُ / ويَأْبى لطولِ الغَيِّ إلاّ تَملُّغا
إذا ما دنا من ثَعْلَبِ الرُّمْحِ نَحْرُه / غدا كاسْمِه عن قَصْدِه منه أَرْوَغا
وهل منكُمُ إلاّ إليكمْ مَفَرُّه / فبالعُذْرِ فلْيَبْلُغْ منَ العَفْوِ مَبْلَغا
فلا زال كُلَّ من عَدُوٍ وحاسدٍ / ومن مَسْفَكٍ منه تُرَى الأرضُ مَرسَغا
خليطَيْنِ هذا بالدّماء مُردَّعاً / صريعاً وهذا بالدُّموعِ مُردَّغا
فَدَى ابْنَ عليٍّ ذا العُلا كُلُّ باخلٍ / يُريك فِداءَ المالِ عِرْضاً مُمَشَّغا
وكلُّ حسودٍ ناكِصِ السَّعْيِ ناقِصٍ / مُعنّىً إذا أَملكْتَ في الرَّأْيِ أَمرَغا
أيا مَن عَلا للمُلْك رأياً ورايةً / فقَوَّم للدّنيا وللدّينِ زيَّغا
دعاكَ أميرُ المؤمنين وَليَّهُ / ولم يَدْعُ أقواماً عنِ النّصْرِ رُوَّغا
فلا زلْتُما كالشّمسِ والبَدْرِ للورَى / قَرينَيْ عَلاء مُدرِكَيْ كُلِّ مُبْتَغى
ألا أَيُّها المَولَى الوزيرُ الّذي يُرَى / لراجيهِ من عزٍّ إلى النّجْمِ مُبْلِغا
إليكَ منَ الأيّامِ أشكو روائعاً / ولو شئْتَ عن قلبي الغداةَ لفَرّغا
قضَيتُ وَداعي كَعبةً لم أَجدْ لها / بغطْفَيَّ آثارَ التّحلُّلِ سَيِّغا
وزُوِّدْتُ من بَحْرِ المكارمِ قَطرةً / وكم شاربٍ قيل احْتَسى وقدِ ارتَغى
سَجيّةُ دَهرٍ لم يزَلْ من عِنادِه / لمثْلَي إن أَعطَى العطيّةَ أَو شَغا
سأجمعُ أَشتاتَ العزيمةِ قاذِفاً / بأيدي المطايا تَلطِمُ البِيدَ دُمَّغا
وإن لم أَجدْ لا القَلْبَ في الصّدْرِ ساكناً / ولا الصّبْرَ إن سرْنا على القَلْبِ أُفْرِغا
عَلى أَنَّني أَشكو النَوى ظالِماً لَهُ / وَما القُربُ ما اِستَمتَعتُ إِلّا تَبَلُّغا
ولا أَشتكي إلاّ زماناً بجَوْرهِ / أَحالَ اعتدالَ الحالِ منّي إلى الصَّغا
فبَدَّلَني والنّقْصُ فيه كأنّني / له سِينةٌ أُلقِيتُ في لَفْظِ أَلْثَغا
فلولا صُروفُ الدّهرِ لم أكُ ساعةً / لعُلياكَ من شُغْلي بمَدْحٍ لأفْرُغا
وكم قد تَعنَّى في مَديحِك خاطري / فما كان قَولي من فِعالِك أَبلَغا
فبلّغَك الأيّامُ قاصيةَ المُنَى / ومَلَّكك الإقبالُ ناصيةَ البِغى
وعُمِّرْتَ عُمْراً لا يُرَى طَرَفٌ له / ولكنّما يَحْكي لك الطّوْقَ مُفْرَغا
لقد كنتُ للآمالِ فيكَ مُقسِّماً / ومنك وفَضْلُ الخَيرِ ما زالَ يُبتَغى
وبُلِّغْتُ ما أَمّلْتُ فيكَ وآنَ أنْ / أكونَ لِما أَمّلتُ فيك مُبَلَّغا
مَحلُّكَ سامٍ والعلاءُ به اعتكَفْ
مَحلُّكَ سامٍ والعلاءُ به اعتكَفْ / وفَضْلُكَ بادٍ والحسود به اعْتَرَفْ
وأنت سديدٌ من يدِ اللهِ مُرسَلٌ / وإصلاحُ أحوالِ العبادِ له هَدَف
وكم سارَ لي من لَفْظةٍ هيَ دُرّةٌ / عُلاكَ لها تاجٌ وفكْري لها صَدَف
وذو شَغَفٍ منّي بمدحِكَ خاطِرٌ / بتَبليغِه أقصى المُنَى أنت ذو شَغَف
وقالوا عُلاكَ النّجمُ إذ ليس يُمتطَى / وقالوا نَداكَ البحرُ إذا ليس يُنتزَف
وما كان يُبْقي الخَلْقُ بِلّةَ إصبَعٍ / منَ البحرِ لو أمسَى كَجودِك يُغْتَرَف
ولا ما تُعيرُ الشّمسُ ظُفْرَ مُنجّمٍ / من الضّوءِ لو أضحَى كجاهِك يُلْتَحَف
ولا سَرَفٌ في الجُودِ قولُك دائماً / إذا قالَ بعضُ النّاسِ لا خيرَ في السَّرَف
وأنت الّذي مذْ جَدَّ في المَجْدِ ما ونَى / ومُذْ سار في إثْرِ المَحامدِ ما وَقَف
يُصَمّم حيثُ السّيلُ لو مَرَّ لانثنَى / ويُشرِقُ حيثُ البدرُ لو لاح لانْكَسَف
ويَشرُفُ أفعالاً ويَعلَمُ أنّه / تَواضعُه للنّاسِ أزْيَدُ للشّرَف
وتَبعُدٌ منّا الشّمسُ جِدّاً إذا بدَتْ / ولكنّنا من ضَوئها الدَّهَر في كَنَف
وكم لائمٍ في فَضْلِ مَسْعاهُ لامَه / فقال له مَهْلاً وأقوالُه نُتَف
وكم حاجةٍ للحُرِّ لمّا قضَيْتَها / حَسِبتَ غطاءً عن فؤادٍ قدِ انكَشَف
ألا يا هُماماً سَدَّد الحَقُّ رأْيَه / فليس له عن مَنْهَجِ الخَيرِ مُنْحَرَف
وصادفَ من دونِ الّذي رامَ من عُلاً / مَجاهِلَ لم تُسلَكْ إلى المجدِ فاعْتَسف
تَوسّطَ أعلَى قُنّةِ المُلْكِ طالعاً / وحَلَّ من السّفْحِ الحَسودُ على الطّرَف
وعَفَّ عنِ الخُلُقِ الدَّنيءِ وعافَه / وقاك الرَّدى مَنْ لم يَعِفَّ ولم يَعَفْ
تأملْ بعَينَيكَ العشيّةَ ناظِراً / إلى جَحفل الفِطْرِ الجديدِ الّذي زَحَف
فقد مَدَّ كَفُّ الغَربِ زَنْداً مُخضَّباً / عليه هِلالٌ كالسِّوارِ إذا انْعطَف
فأومَى بتَسليمٍ عليكَ مُهنِّئاً / بِعيدٍوفي كفّيْهِ من يُمْنِه تُحَف
فعادَ إليك العِيدُ ما هبّتِ الصَبا / وما انتابَ من بَعدِ الدُّجى الصُّبحُ وارْتدَف
وعادَ إليكَ الصّومُ في ظِلِّ دَولةٍ / بأَلْفِ افتِتاحِ واخْتتامٍ ومُنْتصَف
فصَومُك صَومٌ عن تُقىً وهو الّذي / لدَى اللهِ يَزداد المُطيعُ به زُلَف
وفي النّاسِ مَن حُكْمُ البَهيمةِ حُكْمُه / إذا صامَ حاشا الأكرمينَ أوِ اعتكَف
فيُقذَفُ في فيهِ اللّجامُ إذا بَدا الصْ / صَباحُ ويُلْقَى عنه باللّيْلِ للعَلَف
وهاتفةٍ هاجَتْ حَنيني بشَجْوِها / ولو أنّ ما بي بالحَمامِ لَما هَتَف
وقَلبي إلى وَكْري شَبيهُ جَناحها / إلى وكْرِها ليلاً إذا جَنّها السَّدَف
دنا العِيدُ من ناءٍ عن الأهلِ نازحٍ / فَسَرَّ الوَرى طُرّاً وضاعَف لي أَسَف
ولي كَبِدٌ منها على النّأي فِلْذَةٌ / إذا ما جرى ذكْرٌ لها عندَه ارتَجَف
فيا ليتَ عَيْني حيث تُبصِرُ وَجْهَه / قريباً ومَن يَطْوِي ليَ النّيّةَ القَذَف
صبيحَةَ يومِ العِيدِ والأنْس ُمُثْمِرٌ / فَمنْ مَدَّ كَفَّيْ فارغٍ مَدّةً قَطَف
إذِ النّاسُ مَسرورونَ كُلٌّ بصَحبِه / وكُلُّ مغيث كُلّما أَبَصَرَ الْتَهَف
وخلفَ النّوى قَومٌ عليَّ أَعِزّةٌ / كرامٌ يَزجّونَ اللّيالي على شَظَف
أُرَجّي لهمْ عَطْفَ الزّمانِ بصالح / ولولاهمُ لم أَرْجُ شيئاً ولم أَخَف
فجَدِّدْ إلى أمري لك الخَيرُ نظْرةً / فكم شَمْلِ أَحرارٍ بنِعْمَتِك ائْتَلف
كما أنّ صُنْعَ اللهِ عندك لم يَزَلْ / يُجَدِّدُ عزّاً باهراً لك مُؤْتنَف
برَغْمِ العِدا أن قد سمَوْتَ منَ العُلا / إلى رُتَبٍ منها طَريفٌ ومُطَّرف
وأن زارَك السُّلطانُ ضَيفاً مُسلِّماً / وما فَوقَ هذا للبريّةِ من شَرَف
وأَكرمْتَ مَثْواهُ فما مَرَّ طِرْفُه / على الأرضِ إلاّ فوقَ ما جُدْتَ من طُرَف
وجُودُكَ بالدّارِ الّتي قد بذَلْتَها / بَشيرٌ بأمْرٍ مَن تأمَّلَه عَرَف
ألم تَرَ أنّ البَدْرَ مَبدأُ نُورِه / إذا هو خَلّى البُرْجَ للشّمسِ وانْصَرَف
أيا مَن إذا ما جاوزَ الحَدَّ واصِفٌ / فأدْنَى عُلاه فوقَ أكبَرِ ما وَصَف
ومَن وجَهُه بِشْرٌ ومَن كفُّه نَدىً / ومَن خُلْقُه لطفٌ ومَن خَلْقُه لُطَف
هلَ أنْتَ مُعيني حينَ أَبغي مَعونةً / على نَيْلِ حَظ من يَدِ الدَّهرِ يُختَطَف
فعِندي زمانٌ لا يَزيدُ سوى أذىً / وعندي فؤادٌ لا يَزيدُ سوى أَنَف
ولي نَفْسُ حُرٍّ صَبْرُهُ يَقتُلُ الصَّدَى / إذا هو لم يُورَدْ بعِزٍّ على النُّطَف
إذا هو ألقَى بين عَينَيْه مَطْلَباً / مشَى فوقَ حَرْفِ السّيفِ فيه وما انْحَرَف
وما هِمَمي كالطَّيْرِ إن جُعْنَ جَوْعةً / يُحَلِّقْنَ جِدّاً ثُمّ يُسْفِفْنَ للجِيَف
تُفَوِّتُنا الأعراضُ ظُلْماً جَهالةً / بقومٍ وفي الأعراضِ لو شِئْتَ مُنتَصَف
إذا كُلَفي لم يَرفَعِ القومَ ثِقْلَها / فذاك عليهمْ لو درَوْا أكبرُ الكُلَف
فخُذْها كمَصْقولِ الثُّغورِ قَوافياً / تَلَذُّ بأفواهِ الرُّواةِ وتُرتَشَف
وشِعْري إذا ما لم يكُنْ فيك لم أُبَلْ / وإن لَجَّ طَبْعٌ كيفما جاءَ وارْتَصَف
لو أنّهمْ جادوا أَجَدْنا مَديحَهمْ / ولكنْ لِذاكَ الكَيْلِ يَصْلُحُ ذا الحَشَف
أَعدْتَ إلى فَرْعِ الزّمانِ شبَابَه / وقد شابَ حتّى دَبَّ في عَقْلِه الخَرَف
فَدُمْ للعُلا ما افتَرَّ للرَّوضِ مَبْسِمٌ / وجادَ له مُزْنٌ بأجفانِه وَطَف
جَنابُك للدُّنيا وللدّينِ كَعبةٌ / ودارُك للجَدْوَى وللحَمْدِ مُعتَكَف
وطَيفُك أمَا حينَ أُضِحي فطالبٌ
وطَيفُك أمَا حينَ أُضِحي فطالبٌ / يَحُثُّ وأمّا حينَ أُمسِي فلاحِقُ
أقولُ وقد ناحَتْ مُطوَّقةٌ وَرْقا
أقولُ وقد ناحَتْ مُطوَّقةٌ وَرْقا / على فَنَنٍ والصبحُ قد نَوَّر الشَّرْقا
بكَتْ وهْي لم تُبعِدْ بأُلاّفِها النّوى / كإلْفي ولم تَفْقِدْ قَرائنَها الوُرْقا
كذا كنتُ أبكي ضلّةً في وِصالِهمْ / إلى أن نأوْا عنّي فصار البُكا حَقّا
فلا تَضْرِبي قال الفِراقُ مَجانةً / فَتلقَيْ على فَقْدِ الأحبّةِ ما أَلْقى
خُذي اليومَ في أنْسٍ بإلفِكِ وانْطِقي / بشكْرِ زمانٍ ضَمَّ شَملَكما نُطْقا
وخَلّي البُكا ما دامَ إلفُكِ حاضراً / يكنْ بين لُقياه وغَيبتِه فَرْقا
وفي الدّهرِ ما يُبْكي فلا تَتعَجَّلي / ولا تَحسَبي شَيئاً على حالةٍ يَبْقى
أعِدْ نَظرةً تُبصِرْ صَنيعَ هَواكا
أعِدْ نَظرةً تُبصِرْ صَنيعَ هَواكا / وزِدْ فِكْرةً تُنْشِرْ صَريعَ نَواكا
ودَعْ عنك ذِكْري باللّسانِ فإنّني / أَغارُ مِنَ اسْمي أن يُقَبِّلَ فاكا
صَعُبْتَ مَراماً أن تُرينِيكَ يَقظةٌ / فَمن لي بَعْينٍ في المنامِ تَراكا
أراكَ ابْنَ نَعْشٍ في سَمائك عِزّةً / فليتَك تَرضَى أن أكونَ سُهاكا
بطَرْفِك تُهدي وهْو سَيفٌ تَحِيَّتي / أأزمعْتَ فَتْكاً بالمُحِبِّ عَساكا
أَسيرُ هوىً تُهوي إليه بصارمٍ / فإن كان يُرضى قَتْلُه فَهَناك
لِنَفْسِك تَغْدو ضائراً إن قَتلْتَه / لأنّك لو أبقَيْتَه لَفداكا
فحتّامَ يا قَلْبي تَمَلُّ تَقاضياً / غريمَ غرامٍ لو يَشاءُ قَضاكا
بروحيَ قلبي أَصبحَ الرَّهْنَ عنْدَه / فلستُ مُطيقاً ما حَيِيتُ فَكاكا
أيا ملكاً لم أَدّخِرْ عنه غايةً / من الوُدِّ قُلْ لي لِمْ حُرِمْتُ رضاكا
أتُنكِرُ إعزازي مكانَكَ جاهداً / وتَجْحَدُ إحساني إليك تُراكا
ذكَرتُك في مَدْحِ الوزيرِ مُشَبِبّاً / فحَسْبُك هذا مَفْخَراً وكفاكا
وأنشَدْتُ من مَنْظومِ وَصْفي لمَجده / شَبائهَ ما ضمَّتْ به شَفتاكا
فيا شِعْرُ لولا عَطْفةٌ منه أَدركَتْ / لقد كنتَ سَطْراً والزّمانُ مَحاكا
أتى عَدْلُ نُوشَروانَ من بَعْدِ فَتْرةٍ / فكان لأَرْماقِ العبادِ مِساكا
وأَدرَكَ عصْرَ الصّاحبِ العالِم الوَرى / فلاَقوا لمُلْكِ الأرضِ منه مِلاكا
نظَمْتَ نظامَ المُلْكِ عِقْدَ فضائلٍ / جَلالُك فيه للعيون جَلاكا
إذا ما أُميطَ الحُجْبُ عنكَ لجِلْسةٍ / تَناهَب أَفواهُ المُلوكِ ثَراكا
طَلعْتَ هُماماً ذا عِقابٍ ونائلٍ / فخافَك كُلُّ منهمُ ورَجاكا
وكم قامَ يَبغي شَأْوَ عَلْياكَ حاسِدٌ / فقالَ الزّمانُ اقْعُدْ فلستَ هُناكا
بكَى القَطْرُ لمّا جُدْتَ خَوْفَ افتضاحه / فَمن زاعِمٌ أنّ الغَمامَ حكاكا
وعلَّم شُهْبَ اللّيلِ أن تَهْدِيَ الوَرى / إذا اعتكَر الظّلماءُ نارُ قِراكا
وأفْرَسُ خَلْقِ اللهِ يومَ حَفيظةٍ / شُجاعٌ بمِلْءِ العَيْنِ منه رآكا
ثَبتَّ ثباتَ القَطْبِ في كُلِّ مَأزِقٍ / أَدار على هامِ البُغاةِ رَحاكا
على حينَ أطْرافُ الأسِنّةِ في الوغَى / لدى الطّعْنِ تَحكي ألسُناً تَتَشاكى
تُذيبُ قلوبَ الأسْدِ من قَبْلِ جَلْبها / يَراعُك في آجامِها وقَناكا
أجِلْ فيه يا دَستَ الوزارةِ نَظْرةً / تَرى السّعْدَ واشكُرْ إذ بلَغتَ مُناكا
وهل كنتَ إلاّ للجلالةِ مَرْكباً / مُنَى أنفَسِ القَومِ امْتطاءُ قَراكا
ولا عجَبٌ فيما مضَى أن تَنكّسَتْ / مَعاشرُ شَتّى في رُقِيِّ ذُراكا
فقد كان كُلُّ مِن حَضيضٍ بوثْبةٍ / من الجهلِ يَبْغي أن يَنالَ سُكاكا
وذا لم يزَلْ من رِفْعةٍ مُتَدّرِجاً / إلى رِفْعةٍ حتّى سَرَى فأَتاكا
فتىً هو كالنّجمِ العديمِ سُكونُه / وليس تُحِسُّ العَينُ منه حَراكا
فإن تَكُ فاتَتْهمْ فكم من طَريدةٍ / من الوَحشِ هذا يَطَّبيهِ وذَاكا
تَقنّصها ذو الجَدّ أخْذاً بكَفّه / وخابَتْ رجالٌ ناصِبونَ شِباكا
فأصبَحْتُما كُفْؤَينِ نالا تَواصُلاً / وقَرَّب سَعْدٌ من نَواهُ نَواكا
ولمّا رأَى السّلطانُ أنّك صارِمٌ / له اللهُ كَي تُفْني عِداهُ نَضاكا
رأى خِلَلاً تَشريفَه معَ عزِّه / فأَوْلاكَها للصّونِ حينَ بلاكا
فللّهِ عَيْنا مَن رآكَ وقد بَدا / سَناؤكَ مُجْتاباً لها وسَناكا
قَميصٌ من التِّبْرِ المُضاعَفِ نَسجُه / عَلْوتَ ذُرا الأفلاكِ وهْو عَلاكا
فلا تِبْرَ إلاّ هانَ حينَ حوَيْتَه / فَناقَضَ حتّى عَزَّ حينَ حَواكا
وتاجٌ تعالَى عن سَمِيّك عَقْدُه / لدِينِ هُدىً لم يَعْنِه وعَناكا
تَتَوَّجَهُ عاليِ سريرٍ تَرى له / قَوائمَ تُمطَى فَرقَداً وسِماكا
من الخيل سبّاق حكى كلَّ سُنبُك / يقلبُ فَهماً والسراة مداكا
يُقالُ له يا طِرْفُ لا طَرْفَ للورَى / يَنالُ إذا خَفّتْ خُطاكَ مَداكا
سَحابُ النّدَى مُلْقي عِنانِك سائراً / ومَطلعُ شَمسِ المَكرُماتِ مَطاكا
بغُرّةِ مَن في السّرجِ عن كُلِّ غُرّةٍ / غَنِيتُ وتَحجيلٍ يُذيلُ شَواكا
فإن تكُ خَلخالَ اللُّجَينِ حُرمْتَه / فقد عُوِّضَت طَوقَ النُّضارِ طُلاكا
فلمّا بدَتْ تلك المواكبُ طُلّعاً / وفيها النّدى والبَأْسُ مُكتَنِفاكا
وفي غَيمِ نَقعٍ أنت كالشَّمسِ حَشْوَه / تُنيرُ ونَثْرُ التِّبرِ قَطْرُ حَياكا
بُروقٌ منَ الأعلام تَتبَعُ خَفْقَها / رُعودٌ من الكُوساتِ سايرَتاكا
رأى الفلَكُ الدّوّارُ انّك فُقتَه / وخافَ عليه أن تَصُبَّ سُطاكا
فَرصَّع في تُرسٍ هلالاً وأنجُماً / وأغمدَ شَمساً في دُجىً ورَشاكا
فللّهِ سَيفٌ قال يا رأْيَ صاحبي / أَعِنِّي فأمضَى من ظُبايَ ظُباكا
وإن كان منه في القِرابِ مُهنّدٌ / إذا قَدَّ طَوداً لم تَخَلْه أَحاكا
وألويةٌ منهنّ صَقْرانِ أوفْيَا / على علَمَيْ رُمحَيْنِ فارْتبآكا
وليسا سوى النَّسْرَيْنِ من أُفُقَيْهما / لِحُبّهما نَيْلَ العُلا تَبِعاكا
فما بلَغا إلاّ تُراباً تَدوسُه / جيادُك لا أرضاً خطَتْ قَدماكا
وداعٍ بأعْلَى صَوته كُلَّ سامعٍ / إلى عَدْلك المأْمولِ مثْل نَداكا
يُراوِحُ ضَرباً نَوبةً بعد نَوْبةٍ / على غَيرِ ذَنْبٍ في مَنيعِ ذُراكا
ومَلْكٍ منَ الأقلامِ لكنْ سَريرُه / بَنانُك يَحْمي باللِّسانِ حِماكا
ويُفْرَشُ كافوراً ومَفرِقُ رأسِه / به المسْكُ من طولِ التَضَمُّخ صاكا
وصَفراءُ سَوداءُ الضّميرِ كأنّها / حَسودٌ يُجِنُّ القلبُ منه قِلاكا
عديمةُ حَلْيٍ إذ هيَ الحَلْيُ كلُّها / على أَنّها تُعتَدُّ بَعضَ حُلاكا
لعَمْري لقد أَعلَى مَنارَكَ هِمّةٌ / فلا ماجدٌ إلاّ اقتدَى بِهُداكا
وما أَنت إلا للسّلاطينِ كعْبةٌ / من الشّرفِ اللهُ العظيمُ بَناكا
ليعلَمَ مُهدي كُسوةٍ لك أنّه / هو المُكتسي للفَخْرِ حينَ كَساكا
ولم يَك تَشريفُ الملوكِ منَ العُلا / بمُبْتكرٍ حتّى يُقالَ زَهاكا
فمن قبلُ في تَشريفك اللهُ بالغَتْ / عناياتُه حتّى كبَتْنَ عِداكا
فَقمّصَك الدّينَ المَصونَ بُرودُه / ورَدّاكَ مَصقولاً رِداءَ تُقاكا
وأمطاكَ ظَهْراً للعَلاء منُاصباً / نُجومَ الدُّجَى لم يَقْتَعِدْه سِواكا
وقلّد َسيَف الرأْيِ صَدرَك فاغتدَى / سلاحُ فتوحِ الأرضِ عندَك شاكا
وآتاك للتّقْوى مِجَنَّ كَلاءةٍ / إذا أرسلَ الباغي السِّهامَ وَقاكا
وأعلامَ ذِكْرٍ سائرٍ وسُرادِقاً / منَ العزِّ أَلْقَى حُجبَه وَحماكا
ومَدْحاً على أبوابك الدَّهرَ ضارباً / له نُوَباً لا يَنْقطعْنَ دِراكا
فهُنِّئْتَ تَشريفَيْنِ تَشريفَ عادةٍ / به المَجلسُ الأعلَى الغداةَ حَباكا
وتَشريفَ تَحقيقٍ منَ اللهِ سابقاً / خُصصْتَ به لم تَمتلِكْه أُلاكا
أَجَرَّك ذَيْلاً في المَجَرّةِ رافلاً / وخَطَّتْ سُموّاً في السَّماءِ خُطاكا
ولا شَكَّ أنّ البدْرَ في الأُفْقِ درْهمٌ / من النّثْرِ باقٍ في طَريقِ عُلاكا
أعدْتَ حياةَ الفَضْلِ قبلَ مَعادِه / سَماحاً فجازَى الأكرَمينَ جَزاكا
وما زال تَأْميلي يُسافرُ في الوَرى / فقال له ناديكَ ألْقِ عَصاكا
وقال ولم يَكْذِبْ ليَ الحَظُّ إنّما / غَناؤك في أَيّامه وغِناكا
فدَتْكَ نُفوسُ الحاسدِينَ من الورَى / وإن هي قَلّتْ أن تكونَ فِداكا
وحُيِّيَ فَرعٌ للعلاء نَمَيْتَه / وحُيِّيَ أَصْلٌ للعَلاءِ نَماكا
ووالَى كما يَهوَى وَليُّكَ دهرُه / وآخَى كما شاء الزَّمانُ أَخاكا
بَقيتَ يقولُ السّيفُ للقلَمِ استَمعْ / دُعايَ لمَن أهدَى مَضاءَ شَباكا
أَتبكي بيُمناهُ وأضحَكُ دائماً / ألا لا انْقَضي ضحْكي له وبُكاكا
فدُمْ في اللّيالي خالداً يا ابْنَ خالد / خَصيباً لروّادِ النَّوالِ رُباكا
يُرَى لك وَصْفاً في ظِلالِ سَعادةٍ / معَ النِّعَمِ اسْمٌ نَوَّلوهُ أَباكا
تَحِنُّ إلى شَرقيِّ نَعْمانَ ناقتي
تَحِنُّ إلى شَرقيِّ نَعْمانَ ناقتي / وَمسْرحُها الأدنَى بجَرْعاءِ مالِكِ
ولو أنّها تَشكو عِقالي حلَلْتُها / ولكنّها مَعقولةٌ بعِقالك
أُصبِّحُهمْ في مَعشري لِقراعِهمْ / وأطْرُقُهُمْ مُستأثِراً بوِصالك
ولم يَشْكُ قلبي قَطُّ صِدْقَ قِتالهِمْ / ولكنّه يَشكو أليمَ قِتالك
شَفتْه تَحيّاتُ العيونِ العلائلِ
شَفتْه تَحيّاتُ العيونِ العلائلِ / وأحيَتْه ألحاظُ الحسانِ القواتلِ
وأسْعدَهُ أيّامُ شَرْخِ شَبيبةٍ / صَقيلةِ أطرافِ الضُّحَى والأصائل
فقَصِّر مَلامي فهْي جِدُّ قَصيرةٍ / وأقْلِلْ عتابي فهْيَ جِدُّ قلائل
ودَعْني أُغالِطْ في الحقائقِ ناظري / فما النّدْبُ غيرُ العاقلِ المُتَجاهل
خَليليَّ هل أَثْني إلى الحَيِّ نظرةً / فأَشْفي بها قلباً طويلَ البلابل
ومِن نَظَري أُدهَي فما أنا صانعٌ / ويُحْيِينيَ الشّيْءُ الّذي هو قاتلي
ومَحْجوبةٍ تُهدي إليَّ خيالَها / على خَوْفِ أحراسٍ وبُعْدِ مَراحل
رأى النّاسُ إطْلاعَ المُقنَّع بَدْرُه / فظَنُّوه أقصَى الحِذْقِ في سِحْرِ بابل
وتَسْري بلَيلٍ وهْي بَدْرٌ خَفيَّةً / وكتمانُ حَقٍّ فوقَ إعلانِ باطل
صِلي حبْلَنا يا ظبيةَ القاعِ أوْقفي / قليلاً ولا تَخْشَيْ تَعرُّضَ نابل
فما يَطمعُ القَنّاصُ فيكِ وإنّما / تَعلّمَ من عينَيكِ رَمْيَ المَقاتل
وإنّي لأرعاكُمْ على القُرْبِ والنَّوى / وأذْكُرُكمْ بينَ القَنا والقنابل
وأقْري بما تَحْوي جُفوني نَزيلَكمْ / إذا قَلَّ ما تَحْوي جِفاني لِنازل
رُزِقْتُ منَ الدُّنيا نَباهةَ مُقْترٍ / وما العَيْشُ إلاّ في كِفايةِ خامل
وإنّي لأُخْفي عن صَديقيَ خَلّتي / وإن كنتُ أُصْفي للعَدوِّ شَمائلي
وأعلَمُ ما في نَفْس دَهريَ كُلِّه / فما أنا عن أسرارِه بمُسائل
وهل ضائري أن كنتُ في العَصْرِ آخِراً / إذا كان نُطْقي فوق نُطْق الأوائل
وما عابَ راجٍ راحةَ ابْنِ مُحمّدٍ / بأنْ خُلقَتْ بعدَ الغُيوثِ الهَواطل
وعَهْدُ الورَى بالبَدْرِ والبحرِ قَبْله / وقد فاق كُلاًّ في فُنونِ الفَضائل
فما البَحرُ في كُلِّ البلادِ بفائضٍ / وما البَدْرُ في كُلِّ الخصالِ بكامل
هُمامٌ تَراهُ في بني الدّهرِ غُرّةً / كذِكْرِ حَبيبٍ في مَقالةِ عاذل
يَزورُ العدا بالبيضِ تَدْمَى شِفارُها / وبالخَيْلِ تَجلو من ظَلامِ القَساطل
بذائبةٍ فوقَ الحَوامي جَوامدٍ / عليها ومن تحتِ النَّواصي سَوائل
إذا ما أَثَرْنَ النّقْعَ والصُّبْحُ طالعٌ / أعَدْنَ على صِبْغٍ من اللّيلِ ناصل
بَقِيتَ نصيرَ الدّينِ في ظلّ دولةٍ / وجَدٍّ لأقصَى كُلِّ ما رُمتَ نائل
تُصيبُ رماةُ السَّوْءِ عنك نُفوسَهمْ / كأنّك مِرآةٌ لعَيْنِ المُقاتل
فلم يَرَ في الدُّنيا ولم يَرْوِ مُخْبِرٌ / عليمٌ بآثارِ المُلوكِ الأفاضل
كبِكْرَينِ من فَتْحِ وسَدٍّ تَرادَفا / وكانا مكانَ النَّجْمِ للمُتناول
خطبتَهُما حتَّى أجابَ كِلاهما / ولا مَهْرَ إلاّ فضلُ بأْسٍ ونائل
وأفْكَرْتَ في حِصْنٍ تَمنَّعَ مُشْكِلٍ / وَثيقٍ له في الاِمتناعِ مُشاكِل
فألقيتَ ذا من فوقِ أقْودَ شامخٍ / وأعلَيتَ ذا من قَعْرِ أخضرَ هائل
فأقبَلْنَ أيدٍ للنُّضارِ هَوائلٌ / لأيدٍ عليها بالتُّرابِ هَوائل
إلى أن رفَوْنَ الأرضَ وهْي كثيفةٌ / برِفْقٍ كما تُرفَا رِقاقُ الغَلائل
كأنَّ انتساجَ الطِّينِ بالقصَب الّذي / نُظِمْنَ أكُفٌّ شابكَتْ بأنامل
كأنَّ الشَّواقيلَ العظامَ ورَمْيَها / إذا القومُ حَطُّوها مُنيخو جَمائل
كأنّ عَصِيَّ الماءِ طِرْفٌ عنَنْتَهُ / فأصعَدْتَه في مُرتقىً مُتَطاوِل
كأنّ عُيونَ النّاسِ أضحَتْ نواظراً / إلى بَرزَخٍ ما بَيْنَ بَحْرَيْنِ حائل
فإن يَكُ مُوسَى شَقَّ بحراً لأُمّةٍ / بضَرْبِ عَصاً حتّى نَجْوا مِن غَوائل
فبالقلَمِ العالي أشَرْتَ إشارةً / فأنشأْتَ في بَحْرٍ طريقَ السَّوابل
وإن يك ذو القَرنَيْنِ أحكمَ سَدَّهُ / بما شاع من تَمكينِه المُتكامل
فأنت الّذي وازَنْتَ بالتِّبْر قِطْرَه / على السِّكْرِ إنفاقَ امرئٍ غَيْرِ باخل
رأينا مَعادَ النّاسِ من قبلِ حَشْرِهمْ / بمَحْيا نواحي المَسْرُقانِ العواطل
وطالَتْ يدُ النَّهْرِ العظيمِ على القُرَى / فسَلَّتْ على كُلٍّ سُيوفَ الجَداول
فما بَرِحَتْ إلاّ وفي كُلِّ غَلْوةٍ / تَسوُّقُ عُمّالٍ وسَوْقُ عَوامل
كذا اللهُ يُحيي الأرضَ من بعدِ مَوْتها / ويُنتجُ مَكْنونَ اللّيالي الحَوامل
ولمّا عصَى الحِصْنُ الجَلاليُّ رَبَّهُ / وآوى من الأعداء أهْلَ الغَوائل
وصارتْ دماءُ المسلمينَ على الظّما / إلى القومِ أشْهَى من نِطافِ المَناهل
وعُوّدْنَ أن يَلْقَوْهُ لا بِمكائدٍ / يُطاقُ له ثَلْمٌ ولا بِجَحافل
تَمُرُّ عليهِ الحادثاتُ وصَرْفُها / كما مَرَّ بالمَبنيِّ فِعْلُ العوامل
سَموْتَ إليها بالجِيادِ كأنّها / وقد طَلَعَتْ خُزْراً خِفافُ أجادل
فما أصبحَتْ إلاّ منَ الجيشِ حالياً / لها الجِيدُ في يومٍ منَ الشَّمْسِ عاطل
وأنشأْتَ سُحباً للمَجانيقِ تحتها / فظلّتْ تَهامَى فوقها بالجَنادل
وأمطَرْتَهم منها بطَلٍّ منَ الرَّدى / ولو ثَبتوا أمطَرْتَ أيضاً بوابل
وحَرَّمتَ فَضْلَ الزّادِ بُخْلاً عليهِمُ / وكَفُّك بالدُّنيا تَجودُ لسائل
فلمّا جعَلْتَ الأرضَ وهْي فسيحةٌ / على شِيعةِ الإلحادِ كِفّةَ حابل
وأشْبهَ حَرْفَ الرّاءِ مأْمَنُ مُلْحدٍ / وأشبهَ وجهُ الأرضِ خُطْبةَ واصل
أذاعوا أماناً فيه عاجِلُ مَخْلَصٍ / وفي الدّهرِ ما يَقْضي عليهم بآجِل
ولو لَمْ يَلُوذوا بالنُّزولِ ورُمتَهمْ / لَحطَّهُمُ منها صُروفُ النّوازل
سَمَوا كطُغاةِ الجنِّ حتّى تَسَنَّموا / مَكانَ استراقِ السّمْعِ أعلَى مَنازل
فأَتْبَعْتَهُمْ قَذْفاً بشُهْبٍ ثَواقبٍ / منَ الرّأيِ رَدَّتْهُمْ لأسفَلِ سافل
قَلعْتَ بتلكَ القلعةِ اليومَ شَوكةً / بها المُلْكُ دهراً كان دامي الشَّواكل
وكانتْ كقلْبٍ أُودِعَ الغِشَّ منهمُ / فشُقَّ عن الدّاءِ القديمِ المُماطل
ولم تك إلاّ للقلاعِ كبيرةً / ففي كُلّها اليومَ احْتراقُ الثَّواكل
يَوَدّونَ في الأحداقِ لو حَلّ منهمُ / ويَسلَمُ منها وَقْعُ تلك المَعاول
هلِ المجدُ إلاّ ما بنَيتَ بهَدْمِها / وأمّنْتَ دينَ اللهِ من كُلِّ غائل
وقد كان لا يَخْشَى منَ الكَيدِ حُصْنُها / سليماً على طولِ المَدى من غَوائل
فمنْكَ على الإسلامِ مَنٌّ ولو أبَوْا / وأبقَوا أصابوا قلْبَه بطَوائل
وللهِ عينا مَنْ رأى مثْلَ يَومِها / ذَخيرةَ أعقابِ الدُّهورِ الأطاول
كأنّ ديارَ المُمطَرينَ حجارةٌ / جَعلْتَ أعاليها مَكانَ الأسافل
كأنّ شَظايا الصَّخْرِ في كُلِّ نُقْرَةٍ / تَطايَرُ من لاتٍ وعُزَّى ونائل
كأنّ نداءَ اليومَ أكملتُ دينَكُمْ / تِلاوةُ ذِكْرٍ يومَ فَتْحِكَ نازل
يُقدِّرُ قومٌ أنّه فَتْحُ مَعْقِلٍ / وما هو إلاّ فَتْحُ كُلِّ المَعاقل
شَهِدْتُ لقد أُوتيتَ بَسْطةَ قُدْرةٍ / وَعزْمٍ بتَذْليلِ المَصاعبِ كافل
فكيف إذا حاوَلْتَ أمراً وطالمَا / أتاحَ لك الإقبالُ ما لم تُحاول
وهل فَلكٌ يُبدي خِلافَك بَعدَما / قضَى لك مُجريهِ بعِزٍّ مُواصل
ودونَ قِرانِ العاليَيْنِ وحُكْمِه / قَرينا عَلاءٍ في الأمورِ الجّلائل
تَملُّكُ ماضٍ في السّياسةِ قاهرٍ / وتَدْبيرُ كافٍ في الوِزارةِ عادل
إذا اقْتَرنا كانا على الأمنِ والغنى / ونَيْلِ المُنَى واليُمْنِ أقْوَى الدَّلائل
ألا أيُّها المَلْكُ الّذي أُفْقُ عَدْله / حَقيقٌ بإطْلاعِ الحقوقِ الأوافل
أعِدْ نَظراً في حالِ عَسكَرِ مُكْرَمٍ / تَجدْ عالَماً ألوىَ بهمْ ظُلْمُ عامل
ويُزْهَى بما يأتي وكم رأسِ عاملٍ / من العَدْلِ أن يُجْلَى على رأسِ عامل
فإن تُحْظِ من نُعماكَ قوماً شَفاعتي / فعُنوانُ عِزّ السّيفِ حَلْيُ الحَمائل
وإنْ نِلْتُ حَظّي عند مَن أنا آملٌ / فلم أنْسَ يَوماً حَظَّ مَنْ هو آملي
وأحسَنُ ما في الدّهرِ همّةُ مُفْضِلٍ / يُميّزُ بالإحسانِ خدمةَ فاضل
مَنَنْتَ ابْتداءً باصطناعي ولم أكنْ / لنَفْسي أرَى اسْتحقاقَ تلكَ الفواضل
ولكن يَرى قَومٌ على النّاسِ واجباً / إذا شَرَعوا إتمامَهمْ للنَّوافل
أَحِنُّ إلى تلك الضُّحَى والأصائلِ
أَحِنُّ إلى تلك الضُّحَى والأصائلِ / وما مَرَّ في أيّامِهنَّ القلائلِ
قَصُرنَ وكانتْ أوّلَ العُمْرِ لَذّةً / كما قَصُرَتْ ذَرعاً كُعوبُ العَوامل
لَيالٍ كجِلْبابِ الشَّبابِ لَبسْتُها / أُجَرِّرُ منها الذَّيْلَ تَجريرَ رافل
سَوالِفُ بيضٌ من زمان كأنّها / سَوالفُ بيضٍ من حسانٍ عَقائل
وقد مُلِئَتْ من كُلِّ حِلْىٍ لناظرٍ / فَيا حُسْنَها لو كُنَّ غيرَ زوائل
فللّهِ أيّامٌ قِصارٌ تتَابَعَت / فلمّا تقَضّتْ أعقَبتْ بأطاول
كأنّ اللّيالي حاسبَتْنا فأرسلَتْ / أواخرَ فاستَوفَتْ بقايا الأوائل
ألا فسقَى اللهُ الحِمَى وزمانَه / مُجاجةَ أخْلافِ الغَوادي الحَوافل
فكم صِدْتُ في تلكَ الدِّيارِ وصادَني / على عِزِّ قَوْمي من غَزالٍ مُغازل
ومِنْ أحوَرِ العَينَيْنِ في القُرْب سائفٍ / بألحاظِهِ سِحْراً وفي البُعْدِ نابل
يَصُدُّ دَلالاً ثُمَّ يأتْي خَيالُه / فأكرِمْ به من قاطعٍ مُتَواصِل
أأسماءُ قد حالَ النّوى دونَ وَصلِكُمْ / وما القلبُ عمّا قد عَهدْتُمْ بحائل
فإنْ أغشَ قوماً بعدكُمْ مُتعَلِّلاً / على أنّ حُبيّكمْ عنِ الخَلْقِ شاغلي
ففي ناظري منكْم مِثالٌ وإنّما / أرَى وَجْهَه في عَيْنِ كُلِّ مُقابل
أقولُ وأنفاسُ الرّياحِ عَوائدي / لِسُقْمٍ يُرَى في مُضْمَرِ القَلْبِ داخل
إذا اجْتمَعتْ نَفْسي وعَينُكِ والصَّبا / تَنازعتِ الشّكْوى ثَلاثُ علائل
مَريضانِ من حُزْنٍ وحُسْنٍ وثالثٌ / على النّأْيِ يَسْعَى بَيْنَنا بالرَّسائل
وهل يَستعينُ المَرْءُ يومَ حفيظةٍ / منَ الدَّهْرِ إلا بابْنِ جِنْسٍ مُشاكل
فإنْ أكُ ودَّعتُ الغَداةَ غِوَايتي / وأصبحَ سَيْفي وهْو في يَدِ صاقل
فكم ليلةٍ جادَتْ علَيَّ فأَبدعَتْ / بإدْناءِ بَدْرٍ من يَدِ المُتَناول
يُجاوِرُ منه الثّغْرَ خَطُّ عِذارِه / كما لاح حَولَ الشُّهْدِ تَدخينُ عاسل
وطافَ بِراحٍ للنّدامَى فلم يَزَلْ / تَهاداهُ راحٌ من خَضيبٍ وناصل
فلمّا تَخالَيْنا تَعاطَتْ شِفاهُنا / كُؤوساً أُجلَّتْ عن تَعاطي الأنامل
مُعارٌ منَ العَيشِ اقْتَضاني مُعيرُه / على عَجَلٍ والدَّهْرُ شَرُّ مُعامل
نَزلْتُ على حُكْمِ الزَّمانِ ورَيْبِه / وينزِلُ طَوعَ الحُكْمِ مَن لم يُنازل
وخَلّفْتُ في أرضي فؤاديَ ضِلّةً / فأصبَحْتُ منها راحلاً غيرَ راحِل
وقَوماً على نَأيِ الدّيارِ أعِزَّةً / أتَى دُونهَمْ بُعدُ المَدى المُتَطاول
إذا قُلتُ هذا مَوْعِدٌ من لقائِهمْ / تَمادَى به صَرْفُ الزَّمان المُماطل
ومن حُرَقي يا صاحِ أنّيَ ناهلٌ / ولا أرتَضي للوِرْدِ كُلَّ المَناهل
أُلاحِظُ أحوالَ الأنامِ بمُقْلةٍ / تَغُضُّ جُفونَ العارِفِ المُتَجاهل
ولمّا رأَيتُ العِزَّ عَزَّ مرَامُه / مِنَ البُعْدِ إلاّ بالمَطِيِّ الذَّوامل
زَجَرتُ إليه اليَعْمَلاتِ فَخوَّدَتْ / بصَحْبيَ أمثالَ النَّعامِ الجَوافل
وجاءتْ بنا أعلامَ جَيٍّ فلم أزَلْ / بها ذاكراً عَهْدَ الخليطِ المُزايل
أُقلِّبُ طَرْفي يَمنةً ثُمَّ يَسْرةً / على إثْرِ أحوالِ الزّمانِ الحوائل
وقالوا حِصارٌ قد أظَلَّ وعنْدَه / يُخافُ عنِ السُّبْل انْقِطاعُ السَّوابل
فقلتُ وأنْضاءُ الرِّكابِ مُناخَةٌ / وقد طَرقَتْ إحدَى الخُطوبِ الجلائل
خَليليَّ حُلاّ العُقْلَ للعيسِ وارْحَلا / فما أصفهانُ اليومَ مَثوىً لِعاقِل
وما الرَّأْيُ إلاّ قَصْدُنا الرَّيَّ دُونَها / فَعُوجا إليها من صُدورِ الرَّواحِل
نَزُرْ مِن مُعينِ الدّينِ مَولىً يُعينُنا / على الدَّهرِ إن راعَ الفَتى بالنَّوازل
ففي ظِلِّهِ أمْنُ المَروعِ وسَلْوَةُ ال / جَزوعِ وإفْضالٌ على كُلِّ فاضل
فتىً عَمّ أهْلَ الشّرقِ والغَرْبِ جُودُه / فما منْهُ خَلْقٌ غَيرُ نائِلِ نائل
بَقيّةُ أمجادِ الأنامِ وأنجُمِ ال / كِرامِ وأفْرادِ المُلوكِ الأماثل
سَرَيْنا إليه والبلادُ مُضِلّةٌ / نُطوِّفُ منها في الفيافي المَجاهل
فما زال يَهْدِينا إليهِ مَعَ النَّوى / إلى أنْ بلَغْناهُ سَناءُ القَوافل
ونحنُ على بُزْلٍ مُخدَّمةِ الشَّوى / يُطرِّبُها وَهْناً غِناءُ الجَلاجل
مُقلَّدةً منها الهوادي إذا سَرَتْ / قَدَحْنَ الحصَى واللّيلُ مُلقَى الكَلاكل
فأعناقُها قامَتْ مَقامَ حُداتِها / وأخفافُها نابَتْ مَنابَ المَشاعل
وقد عَجِبَتْ خُوصُ الرِّكابِ أنِ انْتَهتْ / إليكَ فقد ضَجّتْ لبُعْدِ المَراحل
فما كَرَعَتْ في غَيرِ مَاءٍ أَساحَهُ / نَداكَ لها في كُلِّ أغبَرَ ماحل
ولا رَتَعَتْ إلاّ معَ الأَمْنِ في الفَلا / بأكنافِ ما أَنشأْتَه مِن خَمائل
لقد ملأَتْ آثارُكَ الأرضَ كُلَّها / فما مِن حُلاها جِيدُ أرضٍ بعاطل
وزادك إخراجُ المَظالمِ مِن تُقىً / تَضاعُفَ جُودٍ بالعطايا الجَزائل
وما أُدِّيَتْ حَقَّ الأداء فَرائِضٌ / إذا لَمْ يُقارِنْها الفتَى بِنَوافل
كَرُمْتَ فَكَمْ أَغنَيْتَ من طالبٍ غِنىً / وَسائلَ رِفْدٍ لم يكُنْ ذا وَسائل
فآمَنْتَ حتّى عَزَّ وِجْدانُ خائفٍ / وأَعطَيْتَ حتّى عَزَّ وِجْدانُ سائل
مَواهِبُ مَغْشِيِّ الرِّواقَيْنِ ماجِدٍ / وإقْدامُ مَشْبوحِ الذِّراعَيْنِ باسل
منَ القومِ لا تُعزَى إليهمْ أَكُفُّهمْ / إذا لم تكُنْ مَبْسوطةً بالفَواضل
إذا قبَض الأيمانُ منهمْ أعِنّةً / غدا الفَضْلُ منهُمْ عندَها للشَّمائل
وما أحمدُ بنُ الفَضْلِ بالمُقْتِني سِوَى / مَحامِدَ من أيّامهِ وفَضائل
أخو عزَمات فاعِلٌ غَيْرُ قائِل / إذا ذُمَّ يوماً قائلٌ غيرُ فاعل
ندىً وردىً يُجْريهِما الدَّهرَ في الوَرى / له سُودُ أقلامٍ وَبيضُ مَناصل
أباً ماجِداً يأْوي الورَى منه عِزّةً / إلى صاحبٍ حامي الحقيقةِ عادل
حمَى الدِّينَ والدُّنيا لنا فَضْلُ جِدِّه / وليس أخو جِدٍّ كآخَرَ هازل
وأغضَى عنِ الجانينَ صَفْحاً لِحِلْمه / وما عاقلُ الأقوامِ كالمُتَعاقل
بَقيتَ لآفاقِ المكارمِ في الوَرى / سَماءَ عُلاً فيها نُجومُ شَمائل
وبُورِكْتَ من غَيْثٍ مدَى الدَّهْرِ ماطرٍ / تَجودُ بما تَحْوِي وبالعِرْضِ باخل
أرَى رائدَ الآمالِ فيكَ مُبَشِّراً / بأَمْرٍ إليه الدَّهْرُ كالمُتَطاول
وما هو إلاّ عَزْمةً منك تُنْتَضَى / لإعزازِ حَقٍّ أو لإذْلالِ باطل
ليَرْجِعَ عَدْلٌ يَشْمَلُ الخَلْقَ مِثْلَما / هُمُ اليومَ في جَوْرٍ وحاشاكَ شامل
إذا ما رعاكَ اللهُ فارْعَ عِبادَهُ / وحُطْهُمْ يَحُطْكَ اللهُ من كُلِّ هائل
كَبُرْتَ عنِ الشّيْءِ الّذي يَكْبُرُ الورَى / بهِ أبداً والنّاسُ شَتّى المَنازل
ويَطْلُبُك الشُّغْلُ الّذي يَطلُبونَه / فنَلْ منه فَخْراً ما سِواكَ بِنائل
وقد عَلِمَ الأقوامُ صِدْقَ مَقالتي / وما عالِمٌ في حَظِّه مِثْلَ جاهل
أحلَّك سُلطانُ السَّلاطينِ رُتبةً / يَضيقُ بها ذَرْعُ الحَسودِ المُساجل
وجاءتْك منه خِلْعةٌ خُلِعَتْ لها / قُلوبُ العدا من كُلِّ باغٍ مُناضل
كساك وبَيتُ اللهِ تَكسوه لم تَزَلْ / على النّاسِ من عِزٍّ مُلوكُ القَبائل
وما ذلك التَّشْريفُ والمَجدُ شامخٌ / سوى مَخْفَرٍ في جَنْبِه مُتَضائل
ولكنّه للمُلْكِ والدّارُ غُربةٌ / على صِدْقِ وُدٍّ منه إحدَى الدَّلائل
لِيَهْنِ الورَى أن قد وُقيتَ مِنَ الرَّدى / وأنْ قد رمَى الدَّهرُ العِدا في المَقاتل
وليس يَضيرُ الخَلْقَ واللهُ ناقِدٌ / إذا عاشَ عالٍ للوَرى فَقْدُ سافل
تَهاوَى نُجومُ القَذْفِ في كُلِّ لَيلةٍ / وتَلبَثُ أنوارُ البُدورِ الكَوامل
وما أنت في حالٍ منَ اللهِ خائباً / لأنّكَ لا تَرضَى بتَخْييبِ آمِل
مُعينُك مَن أنت المُعينُ لدينه / وكافيكَ في الدُّنْيا صُروفَ الغَوائل
ومَن كان عَوْناً للعبادِ وناصراً / فليس له رَبُّ العِبادِ بخاذل

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025