القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ حَمْدِيس الكل
المجموع : 114
ثلاثةُ أفلاكٍ عن العين مُضمرهْ
ثلاثةُ أفلاكٍ عن العين مُضمرهْ / تدور إذا حرّكتها في حشَا كُرَه
فلا فَلَكٌ إلّا يُخَصُّ بدورةً / موافقةٍ منها الخلافَ مُقَرَّره
وللفلك النّارِيِّ مِنهُنَّ كَفَّةٌ / ترى النّارَ فيها للبخور مُسَعّره
تَمُرُّ على فُرُشِ الحريرِ وغَيرها / وراءَ حجابٍ وهيَ غَيرُ مُؤثِّره
وتبدي دخاناً صاعداً من منَافِسٍ / مُصَنْدَلَةٍ أنْفاسُهُ ومُعنبَرَه
ولم أرَ ناراً تطعم الندّ قبلها / لها فَلَكٌ في الأرض في جَوفِ مجمَرَه
تُلطِّفُ أجْساماً كثافاً بلذعها / فتصعدُ أرواحاً لطافاً مُعَطَّرَه
وتَغشى علِيّاً نَفحةٌ كَثَنائِهِ / مُرَدّدَةٌ في مَدحه ومُكَرَّرَه
هُمامٌ إذا سَلَّ المُهَنَّدَ في الوَغى / وَأَغمَدَهُ في الهامِ بِالضربِ حَمَّرَه
رَزينُ حَصاةِ الحِلمِ شَهمٌ مُهَذَّبٌ / تَرى مِنهُ بَدراً في السريرِ وَقَسوَرَه
بَنى سَعدُه قَصراً على البحرِ سامِياً / فتحسبُهُ من جوهر الحسن صَوّرَه
يُنيرُ على البعدِ ائتِلاقاً كَأَنَّما / على الشطِّ لقى لجُّهُ منه جَوهَرَه
أبَرّ على إيوان كسرى فلو رأى / مراتِبَهُ في الملك منه لأكبَرَه
أبى اللَّه إلّا أَن يَكونَ لك النّصْرُ
أبى اللَّه إلّا أَن يَكونَ لك النّصْرُ / وأن يَهْدِمَ الإيمانُ ما شاده الكفرُ
وأَن يُرجعَ الأَعلاجَ بَعدَ عِلاجها / خَزايا على آثارِها الذُّلُّ والقهرُ
لِيَهنَكَ فتحٌ أولغ السيف فيهمُ / ولاح بِوَجه الدين من ذِكره بِشرُ
بِسَعْدٍ كساكَ اللّهُ منه مهابةً / وإشراقَ نور منه تَقْتَبِسُ الزُّهرُ
ودون مَرَامِ الرّوم فيما سَمَوا له / قلائدُ أعناقٍ هي القُضُبُ البترُ
وخطِّيَّة تختَطُّ مِنهُم حيازِماً / وأحداقها زرقٌ وأجسادها حُمرُ
إذا أُشْرِعَتْ للطّعْنِ سَرتْ كأنَّما / يُشَكُّ بها في كلّ سابقةٍ نَحْرُ
أُشَبِّهُها بالقَطرِ يُبْدي تَألُّقاً / بِأَطرافِ أَغصانٍ يُحاصِرها غُدْرُ
وَسُحْبٌ بأجوافِ الكنائن أُودعت / شآبيبها نبلٌ من الزنج لا قطرُ
وخيلٌ ترى خيلَ العلوجِ مُضافةٌ / إِلَيها حميراً لا الَّتي نتج القَفْرُ
كَأنَّ على العقبانِ مِنها ضَراغماً / فأنيابها عُصْلٌ وأبصارها جَمرُ
وحمرُ دماءٍ كَالخُمورِ الَّتي سقوا / تَحَمّرَ منها في الظبا وَرَقٌ خُضرُ
بَنو الأَصفَرِ اصْفَرَّتْ حَذاراً وُجوههم / فَأَيديهِمُ مِن كُلِّ ما طَلَبوا صِفْرُ
تَنادَوا كَأَسرابِ القَطا في بِلادِهمْ / وكان لهم في كل قاصيةٍ نَفْرُ
ولمّا تناهى جمعُهُمْ ركبوا به / قَرَا زاخِرِ الآذيِّ آفاقُهُ غُبرُ
تَوَلَّتْ جنودُ اللَّهِ بِالرّيحِ حَرْبَهُمْ / وَلَيسَ لِمَخلوقٍ عَلى حَربِها صَبرُ
فَكَم مِن فَريقٍ مِنهُمُ إذ تَفرَّقوا / له غَرَقٌ في زخرةِ الموج أو أسرُ
وظَلَّت سِباعُ الماءِ وهيَ تنوشُهُمْ / فلا شلو منهم في صريحٍ ولا قبرُ
فإن سَلِمَ الشطرُ الَّذي لا سلامةٌ / له من ظُبا الهيجا فقد عطِبَ الشطرُ
أَتَوا بِأَساطيلٍ تَمُرُّ كَأَنَّها / جَرادٌ مُظِلٌّ ضاق عن عرضه البَحرُ
وخيلٍ حَشَوْا منها السفينَ ولم يكنْ / لها في مجالِ الحرب كرٌّ ولا فَرُّ
وَقَد رَكِبتْ فرسانها صَهَوَاتها / فأرْجَلَهُمْ عنها التذلّلُ والذعرُ
سلاهبُ أهدَوْها إليك ولم يكنْ / جزاءٌ لذاكَ من علاك ولا شكرُ
فَسلْ عنهمُ الديماسَ تسمعْ حديثَهمْ / فَهُم بالمواضي في جزيرَتِهِ جَزْرُ
وما غنِموا إلّا مُنىً كَذبتْ لهم / وكان لهم بالقَصْرِ عن نَيلها قصرُ
شَرَوْهُ فباعوا بالرّدى فيه أنفساً / أرِبحٌ لهم في ذلك البيع أم خُسْرُ
وقَد طَمِعوا في الزَّعمِ أن يُثبتوا له / جناحَين يُضْحي مِنهُما وهوَ النّسْرُ
ورامُوا بِهِ صَيْدَ البلادِ وغنمها / فَأَضحى وَقَد قُصَّت خوافِقهُ العشرُ
أُذيقوا به حصراً أذلّ عرامهم / كما ضاق عِندَ المَوتِ عن نَفَسٍ صدرُ
وَجَرَّ إِلَيهم في جِبالٍ مِنَ القَنا / مَناياهُمُ بِالقتلِ جَحفَلُكَ المَجْرُ
وَقائِدُكَ الشَّهمُ الَّذي كان بينَهمْ / صَبيحَةَ لاقاهُم على يده النصرُ
رأوا بأبي إسحقَ سَحْقاً لجمعهم / فإبْرَامُهُمْ نَقْضٌ ونظمهم نَثرُ
ولو لبثوا في ضيقِ حصرهمُ ولمْ / يَطِرْ مِنهُمُ شَوقاً إلى أَجلٍ عُمْرُ
لَقامَ عَلَيهِم مِنجَنيقٌ يُظِلّهُمْ / بِصمّ مرادٍ ما لِما كَسَرَتْ جَبرُ
إذا وُزِنَ الموتُ الزّؤامُ عليهمُ / بكفّة وَزّانٍ مَثاقيلُهُ الصخرُ
فَكَم جَهدُوا أَن يَفتَدوا مِن حِمامِهم / بِأَوزانِهم تِبراً فما قُبِلَ التبرُ
هناك شَفى الإسلامُ منهم غليلَهُ / بِطَعنٍ له بَتْرٌ وضَربٍ له هَبْرُ
وكانوا رأوا مَهْدِيَّتَيْكَ وفيهما / لِعِزِّ العدى أمْرٌ فهالَهُمُ الأمرُ
كَأَنّ بُرُوجَ الجوِّ مِنكَ رَمَتهُمُ / بشُهْبٍ لها نارٌ ولَيسَ لَها جَمرُ
فَما للعلوجِ امتَدَّ في الغيِّ جَهلُهم / أما كانَ فيهم منْ لبيبٍ له حِجْرُ
فَكَم قَسَموا في الظنِّ أَميالَ أَرضِنا / أما كانَ فيهم منْ لبيبٍ له حِجْرُ
ولا وَرَدوا من مائها حَسْوَ طائرٍ / يُبَلّ بهِ منهُ إِذا يَبِس السَّحْرُ
أما فتحتْ منهم بلاداً بلادُنا / بِزَعمهِمُ كُفراً على إِثرِهِ كُفرُ
وكانَت مفاتيحَ البلادِ سُيوفُنا / وأَقفْالها إذ فتحهُنَّ له عُسْرُ
وآذى زجارَ فَتْح رَيّو وقُطْرُها / يَهُدّ قُوَاهُ من صقليّةٍ قطرُ
ألم يسبِ جيشُ الغزو منهم نواعِماً / فَمن ثيِّبٍ تُقْتادُ في إثرها بِكرُ
وَقَوْصَرّةٍ فيها رؤوسُ جدودهم / إلى اليوم ملآن بأفلاقِها العفرُ
فلو تسألُ الريحُ المعاطسَ منهمُ / لأخبرها عَن كُلِّ شلوٍ بها دِفرُ
وَما قَتلوا مِن شِدَّةِ البأسِ أَهلها / ولكنّهم قُلٌّ أحاطَ بهم كثرُ
أَتُعجِمُ نبعَ العربِ عجمٌ ولا يُرَى / لما اشتدّ منها في نَواجِذِها كَسرُ
توالتْ عليها منهمُ كلُّ صيحةٍ / كما رَوَّع الأعيارَ من أسَدٍ زأرُ
فجاءَت رياحٌ والرِّياحُ جيادُها / فَشُدّ منَ الدينِ القويمِ بِها أزرُ
فَأَوَّلُ إِنصافٍ تَولوه كفُّهُمْ / أذى كلّ فظٍّ في سَجِيَّتِه غدرُ
وبادرتِ الإقدام منهم بمقدم / فكم خَبَرٍ عنها يصدِّقه الخبرُ
وَدُهم بني دهمانَ فاض على الوغى / بِكُلِّ فتىً أحلى بسالتِهِ مُرُّ
وشاهَت مِنَ الضُّلّالِ بالعزِّ أَوجُهٌ / عليها بُسُورٌ إِذ تَصَدَّى لَها بترُ
وكرَّت بنو زيدٍ على كلِّ شَيظَمٍ / وَسِرّ المواضي في أكفِّهمُ جهرُ
وجاء ابنُ زيّادٍ بصخر فكافحت / عَنِ الثغر أنيْابٌ فلم يُلْثَم الثغرُ
هِزَبرٌ على بحرٍ منَ الحربِ مُفْعَمٍ / على جِسمه نَهيٌ وفي يده نهرُ
وَقَد حالَ بَينَ الرّومِ والبحرِ فالتَجوْا / إلى القصرِ حتّى جاءَهُم بالرّدى القصرُ
أَعارِبُ جدّوا في جهِادِ أعاجِمٍ / خنازير شَبّتْ حَرْبَها أُسُدٌ هُصرُ
إِذا قيلَ يا أهلَ الحفائظِ أقْبَلَتْ / مُلَبّيَةً فيها غطارِفةٌ غُرُّ
عَلَيهم مِنَ الماذِيِّ كلُّ مُفاضَةٍ / مُكَحّلَةٍ بالنّقع أعيْنُهُا الخزرُ
كتائِبُ من كلّ القبائلِ أقبَلَتْ / لِفَرْضِ جهادٍ ما لِتارِكِهِ عذرُ
أعزّ بهم ذو العرشِ دينَ مُحَمَّدٍ / وَضُمّ عليه من كفالَتِه حجرُ
وفي كلِّ سَيفٍ سايرت منهمُ العِدى / قبائلُ منها أُشْبِعَ السهلَ والوعرُ
إذا ماج بحرٌ في شوانيهمُ بهم / أتى مَدَدٌ منّا فماجَ به البَرُّ
حَمى ابنُ عليٍّ حَوْزَةَ الدين فاحتمى / كمُفْترِسِ الكفّينِ يَدْمى له ظفرُ
مليكٌ له في الملك سيرةُ أكبرٍ / أبى اللَّه أنْ يَختالَ في عِطفِهِ الكبرُ
أبيٌّ كحَدِّ السيفِ من غيرِ نَبْوَةٍ / إذا ما مضَاءُ الذمر قلَّ بِهِ الذَّمرُ
هُوَ النّجْدُ يقري الرمحَ والسيفَ كَفُّهُ / بِعُضوَين يُلْفَى فيهما العمرُ والذكرُ
وما حسَنٌ إلّا مليكٌ مُتَوَّجٌ / أفاضَ الغنى من راحتيه فلا فقرُ
كَأَنَّ حَبِيّاً ساكباً فيضَ ودقهِ / وقَد يَحْتبي منه لقُصّادِهِ البدرُ
إذا ما جَرَى في محفلٍ حُسْنُ ذكره / تَعَلّقَ تشريفاً بأذْيالِهِ الفخرُ
فلا زال والتوحيدُ مُعْتَصِمٌ به / تُزَانُ به الدنْيا ويخدمه الدهرُ
وجفنَينِ أوْفَى بالمنِيَّة فيهما
وجفنَينِ أوْفَى بالمنِيَّة فيهما / عليكَ من الغزلان وَسْنانُ أحْوَرُ
فَجَفنٌ له عَضْبٌ منَ اللَّحظِ مُرْهَفٌ / وَجَفْنٌ به ماضٍ من الهند مُبْتِرُ
وأمضاهما حدّاً فلا تغتررْ به / غِرَارُ الَّذي فيه من السّحْرِ جَوْهَرُ
خَلَتْ منك أَيّام الشَّبيبَةِ فَاعْمُرْهَا
خَلَتْ منك أَيّام الشَّبيبَةِ فَاعْمُرْهَا / وماتَتْ لياليها من العُمْرِ فانْشُرْهَا
وهذا لَعَمْري كلّهُ غيرُ كائنٍ / فأخْرَاكَ وَاصِلهْا ودنياكَ فاهجرها
أرى لك نفساً في هواكَ مقيمةً / وقد طالَ ذا منها لكَ الويلُ فاقْصرها
وكم سيّئاتٍ أُحْصِيَتْ فنسيتَها / وأنتَ متى تقرأ كتابَكَ تذْكرْها
فيا ربِّ إنِّي في الخضوع لقائلٌ / ذنوبي عُيوبي يوْم ألقاك فاسترها
جَرَى بكَ جَدٌّ بِالكرامِ عَثُورُ
جَرَى بكَ جَدٌّ بِالكرامِ عَثُورُ / وجارَ زمانٌ كنتَ فيه تُجيرُ
لَقَد أَصبَحَتْ بيضُ الظبا في غمودها / إناثاً لِتَرْكِ الضّرْبِ وهيَ ذُكورُ
تجيءُ خلافاً للأمور أُمُورُنا / وَيَعدلُ دهرٌ في الورى ويجورُ
أَتَيأَسُ في يومٍ يناقضُ أمْسهُ / وَزُهْرُ الدَّراري في البروجِ تَدورُ
وقد تنْتخي الساداتُ بعد خمولها / وَتَخرُجُ مِن بَعدِ الكُسوفِ بُدورُ
لئن كنتَ مقصوراً بدارٍ عَمَرْتَها / فقد يُقْصَرُ الضِّرغامُ وهوَ هَصورُ
أغَرَّ الأَسارى أن يقالَ مُحَمَّدٌ / غريبٌ بأرض المغربَينِ أَسيرُ
تُنافِس مِن أَغلالِها في فكاكها / وَيُقُصَمُ منها بِالمُصابِ ذُكورُ
وكُنتُ مُسجّىً بالظبا من سجونها / بِسورٍ لها إِنَّ السجونَ قُبورُ
إلى اليوْم لم تَذْعَرْ قطا الليل قُرّحٌ / يُغيرُ بها عِندَ الصَّباحِ مُغِيرُ
ولا راحَ نادٍ بِالمكارِمِ للغِنى / يُقَلِّبُه في الرّاحَتَينِ فَقيرُ
لَقَد صُنْتَ دينَ اللَّه خَيرَ صِيانَةٍ / كَأَنَّك قَلبٌ فيه وهوَ ضَميرُ
وَلَمّا رَحلتمْ بالنّدى في أَكُفِّكمْ / وَقُلْقِلَ رَضْوَى مِنكُمُ وثَبيرُ
رَفَعتُ لساني بِالقيامَةِ قَد أَتَت / ألا فانظروا هذي الجبال تسيرُ
أَمِثلُكَ مولىً يَبسُطُ العبدَ بِالعذرِ
أَمِثلُكَ مولىً يَبسُطُ العبدَ بِالعذرِ / بِغَيرِ انقِباضٍ مِنكَ يَجْري إلى ذكرِ
لَهَدّ قريضَ الفضلِ ما هدّ من قوى / وَحَلّ به ما حلّ من عُقْدةِ الصّبرِ
وإنّي امْرؤ في خَجْلَةٍ مُسْتَمِرّةٍ / يذوبُ لها في الماءِ جامدةُ الصّخْرِ
أتتني قوافيك التي جَلّ قدرُها / بما نقطةٌ منهنّ مُغْرِقَةٌ بَحْري
لَعَلّك إذ أغنيتي منك بالنّدى / أردتَ الغنى لي من مَديحك بِالفخرِ
لعمريَ إني ما توهّمْتُ ريبةً / فتدفعَ وَجْهَ العُرْفِ عِندكَ بالنكرِ
وطَبعكَ تِبرٌ سحّرَ الفضلُ محْضَهُ / وحاشا له أن يَستَحيلَ مَعَ الدَّهرِ
وَكُنتُ أمَلُّ الجودَ مِنكَ وأَنتَ لا / تَمَلّ عَطاءً منه يأتي على الوَفْرِ
فَكَيفَ أظُنُّ الظنّ غيرَ مُبَرّأٍ / تواضَعَ تيهاً كوكبُ الجوِّ عن قدري
يَخِفُّ على خُدّام مُلْكِك جانبي / كما خَفَّ هُدْبٌ في العيونِ على شُفرِ
إِذا طارَ مِنهُم بِالوصيَّةِ سَوْذَقٌ / فذلك في إفصاحِ منطقه القمري
تُحدّثُ عيني عينَهُ بالّذي يرَى / بوجهكَ لي من حُسنِ مائيّة البِشرِ
لياليَ لا أشْدوكَ إلّا مطَوَّقاً / بنعماكَ في أفنانِ روْضاتِكَ الخُضرِ
وما زالَ صَوْبٌ من نداكَ يَبُلُّني / ويثقلني حَتَّى عَجَزْتُ عَنِ الوكرِ
بَكَيتُ زَماناً كانَ لي بِكَ ضاحكاً / وَكسْرُ جناحي كان عندك ذا جَبْرِ
وأطرَقْتُ لمّا حالتِ الحالُ حَيْرَةً / تَحَيّرَ منها عالمُ النفس في صدري
فخذها كما أدري وإن كلَّ خاطري / وإن لم يكن منها البديعُ الَّذي تدري
إذا ما الهَواءُ اعتَلَّ كانَ اعتلالُنا
إذا ما الهَواءُ اعتَلَّ كانَ اعتلالُنا / محيطاً بما يُجريهِ فينا التنفّسُ
وَرُبَّتما كانَ الغذاءُ مَضَرّةً / يَذُمّ به العقبى جَهُولٌ وَكَيِّسُ
وأمْراضُنَا أَسبابُهُنَّ كَثيرةٌ / تَحِلُّ بِأَجسامٍ فتهلكُ أنْفُسُ
لأمرٍ طويلِ الهمّ نُزْجي العَرَامِسَا
لأمرٍ طويلِ الهمّ نُزْجي العَرَامِسَا / وتطوي بنا أخفافُهُنَّ البَسابِسا
وَتَذْعَرُ بالبَيداءِ عِيناً شوَارِداً / تُذَكّرُ بالأحداقِ عيناً أوانِسا
عذارَى تَرَى الحسنَ البديعَ مُطابِقاً / لأنوَاعِهَا في خَلْقِهِ ومجانسا
أعاذلُ دَعْني أطْلِقِ العبرةَ الَّتي / عَدِمْتُ لها من أجمل الصبْرِ حابسا
فإنِّي امْرؤٌ آوي إلى الشّجَنِ الَّذي / وَجَدتُ له في حَبَّةِ القلبِ ناخِسا
لَقَدَّرَت أَرضي أن تَعُودَ لِقَوْمِهَا / فَساءَتْ ظُنوني ثُمَّ أصبحتُ يائسا
وعزّيْتُ فيها النّفسَ لمّا رأيْتُها / تُكابِدُ داءً قاتل السمّ ناحِسا
وكيف وقد سِيمَتْ هواناً وصَيّرَتْ / مساجدَها أيدي النّصارى كنائسا
إذا شاءتِ الرّهبانُ بالضرْبِ أنْطقَتْ / مَعَ الصبحِ والإِمساءِ فيها النَّواقِسا
لَئِن كان أعيا كلَّ طِبٍّ علاجُها / فكم جَرَبٍ في السيفِ أعيا المَداوسا
صقليَّةٌ كاد الزمانُ بلادها / وكانت على أهلِ الزّمان محارسا
فَكَم أَعيُنٍ بالخوفِ أَمسَتْ سَوَاهراً / وكانت بِطيبِ الأَمنِ مِنهُم نواعِسا
أرى بَلَدي قد سامَهُ الرومُ ذلّةً / وكانَ بِقَومي عِزُّهُ مُتَقاعِسَا
وَكانَت بِلادُ الكفرِ تَلْبَسُ خَوْفَهُ / فَأَضحى لذاكَ الخوفِ مِنهُنَّ لابِسا
عدمتُ أُسوداً منهمُ عَرَبِيّةً / تَرى بَينَ أَيديها العلوجَ فَرائِساً
فَلَم تَرَ عَيْني مِثْلَهُمْ في كَتيبَةٍ / مضاربَ أبطالِ الحروبِ مَدَاعِسا
ويا رُبَّ برَّاقِ النصال تخالُهُ / من النقع ليلاً مُشْرِقَ الشهب دامسا
خلوا بين أطراف القنا بكماتِهِ / لِطَعنٍ مِنَ الفرسانِ يخلي القوانسا
وما خلتُ أنّ النّارَ يَبْرُدُ حَرّها / على سَعَفٍ لاقته في القيظِ يابِسا
أما مُلِئَتْ غزواً قَلَوْرِيّةٌ بهم / وأَردَوا بَطاريقاً بها وأَشاوِسا
هُمُ فَتَحوا أَغلاقَها بِسُيوفِهِمْ / وهم تَركوا الأَنوارَ فيها حَنادِسا
وساقوا بِأَيدي السبيِ بيضاً حَواسِراً / تَخَالُ عَلَيهِنَّ الشعورَ بَرانِسا
يَخوضونَ بَحراً كلَّ حِينٍ إِلَيهِمُ / بِبَحْرٍ يَكونُ المَوجُ فيهِ فَوارِسا
وحربيّةٍ ترمي بِمُحْرِقِ نِفْطِها / فيَغْشى سَعُوطُ الموتِ فيها المَعاطِسا
تراهُنّ في حُمْرِ اللّبودِ وصُفْرِهَا / كمثل بناتِ الزّنج زُفّتْ عَرَائِسا
إذا عَثّنَتْ فيها التنانير خلتَها / تُفَتِّحُ للبركانِ عنها مَنافِسا
أفي قَصْرينِّي رُقْعَةٌ يَعْمُرُونها / ورَسْمٌ منَ الإِسلامِ أَصبَحَ دارِسا
وَمِن عَجَبٍ أَنَّ الشياطينَ صَيّرَتْ / بُروجَ النُّجومِ المحرِقاتِ مَجالِسا
وَأَضحَتْ لَهُم سَرْقُوسةٌ دارَ مِنْعَةٍ / يَزورونَ بِالدَّيرين فيها النواوِسا
مَشَوْا في بلادِ أهْلُها تحْتَ أرْضِهَا / وما مارسوا منهم أبِيّاً مُمارسا
ولو شُقّقَتْ تلكَ القبورُ لأنهَضَتْ / إِلَيهِم مِنَ الأَحداثِ أُسداً عَوابِسا
وَلَكِن رَأَيتُ الغيل إن غابَ لَيثُهُ / تَبَخَّرَ في أَرجائِهِ الذئبُ مائِسا
وَوَرْدِيَّةٍ في اللوْن والفَوْحِ شُعشِعَتْ
وَوَرْدِيَّةٍ في اللوْن والفَوْحِ شُعشِعَتْ / فأبدتْ نجوماً في شُعاعٍ من الشمسِ
نفيتُ همومَ النفس منها بشربةٍ / دَبيبُ حُمَيَّاها يَرِقُّ عَنِ الحسِّ
كأن يدي من فضّةٍ فإذا حَوَتْ / زجاجتَهَا عادت مُذَهَّبَةَ الخمسِ
ولمَّا التقى الأجسامُ من غير ريبَةٍ
ولمَّا التقى الأجسامُ من غير ريبَةٍ / وقَد تَلِفَتْ بالشوقِ فيهِنَّ أَنفُسُ
جنينا ولم تُنْسَبْ إلينا جنايةٌ / ثمارَ نعيمٍ تُجْتَنَى حين تُغْرَسُ
ولمّا اسْتَقَلّ النجم يَرْفَعُ رايةً / يحلّ بها نُورٌ ويرحلُ حِنْدِسُ
تنهّدْتُ مرتاعَ الفؤادِ وإنّما / تنهدتُ للصبح الّذي يَتَنَفَّسُ
فيا صُبْحُ لا تُقْبِلْ فإنّكَ مُوحِشٌ / ويا لَيلُ لا تُدبِر فإنّكَ مؤنِسُ
وَخَفّاقَةِ الراياتِ في جوْفِ نقْعِها
وَخَفّاقَةِ الراياتِ في جوْفِ نقْعِها / ترى الجُرْدَ فيها بالكماة تَكَدّسُ
زَبونٌ رَبَا سَمّ بأطرافِ سُمْرِها / كأنّ ثعابِيناً بها تَتَنفّسُ
تروقُكَ كالحسناءِ يضحك سِنّها / وترتاعُ منها وهي كالغولِ تَعْبسُ
وتقلعُ أَرواحَ العداةِ أَسِنَّةٌ / تراهنّ منهمْ في الحيازيم تُغْرَسُ
فَكَم طَعنَةٍ نَجلاءَ تَحسبها فماً / له هَرَتٌ في الذمر بالدمِ تَقْلِسُ
صَبَبنا عَلَيها ضَرْبَنا من صَوارمٍ / فغاصت بها من أسْرِها القلبَ أنفُسُ
ونَحنُ بَني الثغرِ الَّذينَ نُفوسُهُمْ / ذُكورٌ بِأَبكارِ المنايا تُعّرِسُ
فمن عزْمنا هنديّةُ الضّرْبِ تُنتَضى / ومن زَنْدنا ناريّةُ البأس تُقْبَسُ
وأبْيَضَ ماضٍ لا يَقي من غرارِهِ
وأبْيَضَ ماضٍ لا يَقي من غرارِهِ / غَداةَ قِرَاعِ الهامِ دِرْعٌ ولا تُرْسُ
يمُجّ سريعاً في فم الجرح حَدُّهُ / منَ السمِّ ما سَقَته من ملكها الفُرسُ
إذا ما بدا غمده قلت رَفّعَتْ / بخاراً لطيفاً فوق جَدْوَلِهِ الشمسُ
يُفَرِّقُ بَينَ الرأسِ والجسمِ حَدُّهُ / وإن كان لم تَشْعُرْ بضربتهِ النّفسُ
فَمَضْرِبُهُ في هامةِ القرن مَأتَمٌ / وَمَضْرِبُهُ في كَفِّ صاحِبِهِ عُرْسُ
حَللت بيوْمي إذ رَحلتُ عنِ الأمْسِ
حَللت بيوْمي إذ رَحلتُ عنِ الأمْسِ / وِسِرْتُ ولم أُعمِلْ جوادي ولا عَنْسي
مراحلُ دنْيانا مراحِلنُا الَّتي / ترَاَنا عليها نقطَعُ العَيشَ بِالخمسِ
ونَحنُ بِدارٍ يَعْقُبُ الخوفُ أَمنَها / وتذهبُ فيها وحشةُ الأمْنِ بالأُنْسِ
ليالٍ وأيامٌ بساعاتها سَعَتْ / لتفريقِها ما بين جِسْمِكَ والنّفْسِ
وإنّي وإنْ أصبحتُ منها مسُلَّماً / لأكْثرُ قوْلي ليتَ شعريَ هل أُمسي
ومن حلّ في سبعين عاماً كأنَّهُ / عِلاجُ علِيلٍ في مُواصَلَةِ النُّكسِ
فَما فَهمُ الأَشياء بالدرْسِ وَحْدَهُ / ولكنه بدءُ التفهّم والدّرْسِ
وكم حِكَمٍ في خطِّ قوْمٍ كثيرةٍ / وأفْضَلُ منها لَمْعَهٌ من سَنا الحسِّ
إلى كم أراني في هَوَى النفسِ خائضاً
إلى كم أراني في هَوَى النفسِ خائضاً / ولم أتّقِ الإِغراقَ منها على نَفسي
وقد شَمِلَتنْي شيبةٌ لم أبِتْ بها / فما ليَ في ليلي وقد طَلَعَتْ شمسي
غرست بكفَّيَّ المعاصيَ جاهِداً / ولا شكّ أنّي أجْتَني ثَمَرَ الغَرسِ
إِلى اللَّه أَشكو جُملَةً أَرتدي بها / وأصْبحُ منها في الذنوب كما أمْسي
فيا وحشتي من سوءِ ما قدّمَتْ يدي / إذا لم يكنْ في القبر من رحمةٍ أُنْسي
وريحانَةٍ في النفس مَنبِتُ غُصْنها
وريحانَةٍ في النفس مَنبِتُ غُصْنها / لها نَفَسٌ يُحْيي بنفحتِهِ النّفسا
إذا أقْبلتْ كانتْ بتقْويمِ خَلْقِها / وَمِشْيَتِها بِالشمسِ تَستَوقِفُ الشَّمسا
فتاةٌ إذا استعطفتَ باللين قلبها / على الصّبّ أضحى وهو من حجرٍ أَقسى
ولا شكّ أنَّ الماء رطبٌ وكلّما / سَقَيْتَ حديداً فيه زادَ به يُبْسا
بِأَيِّ وَفِيٍّ في زمانِك تختصُّ
بِأَيِّ وَفِيٍّ في زمانِك تختصُّ / فيغلو غلُوّاً في يديكَ له رُخْصُ
وكم من عدوٍّ كامنٍ في مُصادِقٍ / وَمَوضِعِ أمْنٍ فيه يحترسُ اللِّصُّ
وكم فرَس في الحسن أُكمِل خلقُهُ / فلمَّا عَدا في الشأوِ أدركهُ النقصُ
وكم منظرٍ في البُزْلِ قدّم في السرى / فلمَّا استَمَرَّ النصُّ أخّرَهُ النصُّ
كذاكَ خليلُ المرءِ يدعو اختبارُهُ / إلى ما يكون الزهدُ فيه أوِ الحرصُ
ولا خَيْرَ في خُلْقٍ يُذَمّ لجهله / وَيُحْمَدُ منه قبْلَ خِبرَتِهِ الشخصُ
وما المالُ إلّا كالجَناحِ لِناهِضٍ / وقد يَعْتريهِ عن حوائجه القَصُّ
وكم فاضلٍ ملبوسُهُ دونَ قَدْرِهِ / وِعَا الجوهرِ الأجسام لا الدرُّ والفصُّ
ومُرْوٍ صَدى الرّوضاتِ يسحبُ دائباً
ومُرْوٍ صَدى الرّوضاتِ يسحبُ دائباً / على الأرْضِ منه جُمْلَةً تَتَبَعّضُ
إِذا ما جرَى واهتَزَّ للعينِ مُزْبِداً / حَسِبتَ به فَرواً مِنَ النّسْرِ يُنفَضُ
وتَنسابُ منه حَيَّةٌ غَيرَ أَنَّها / تطولُ على قَدْرِ المَسابِ وتعْرُضُ
وتحسبُهُ إن حَبّكَتْ مَتْنَهُ الصَّبا / عموداً علاهُ النّقْشُ وهو مُفضَّضُ
لهُ رِعْدَةٌ تعتادُهُ في انحدارِهِ / كما تَبْسُطُ الكفُّ العنانَ وتقبضُ
كَأَنَّ لَهُ في الجسمِ روحاً إذا جرى / به نَهْضَةٌ والجسمُ بالروح يَنْهضُ
وما هوَ إلا دمْعُ عينٍ كأنّها / لطولِ بكاءٍ دهرَهَا لا تُغمِّضُ
إذا سَرَحَتْ للسقي من كلّ جانبٍ / رأيتَ بقاعَ الأرض منها تُرَوِّضُ
يُقيمُ عَلَيها الأنسُ والصبحُ مقبلٌ / ويرحلُ عنها الوحشُ والليل معرضُ
ومُعْرِضَةٍ وَلّتْ تَمُدّ تجنُّباً
ومُعْرِضَةٍ وَلّتْ تَمُدّ تجنُّباً / قصارَ خطاها عن مَشيبِيَ والوخطِ
عَسى لِلرّضى في بَعضِ خلقكَ رقيةٌ / مجرَّبةٌ يُرْقَى بها خُلُق السخطِ
عَقيلَةُ حَيٍّ لا ترى ذاتَ بَينِهِم / تُراعُ ببينٍ من نَوَاهمْ ولا شحطُ
تَرَى ما تَرى من بَأسِهِم في عِداتِهم / بِأَطرافِ بيضِ الهندِ والأسَل الخطي
أخاديدَ ضَرْبٍ يَحقر الشكلَ شكلها / وآثارَ طعنٍ يَزدَرينَ على السقطِ
وثابِتَةِ الوَقفَينِ جَوّالَةِ القُرْطِ
وثابِتَةِ الوَقفَينِ جَوّالَةِ القُرْطِ / أصَبْتُ رشَادي في هواها ولم أُخطْي
إذا مَشَطَتْ فرعاً تَفَرّعَ ليلُهُ / وطالَ من القيناتِ فيه سُرَى المِشطِ
تقومُ فيغشاها له بحرُ ظلمةٍ / ترى قدماً منها تقبل بالشطِّ
إِذا كانَ في الكتب اتّصالُ لِقائِنا
إِذا كانَ في الكتب اتّصالُ لِقائِنا / فكلّ فراقٍ موجِعٌ في انقطاعها
وإن كانتِ الأَيّامُ مَطبوعة على / خِلافي فقُلْ مَنْ لي بِنَقْل طباعها
فلا تقطعوا عنّا سطورَ رسالةٍ / تُمَثِّلُ لي أشخاصَكُمْ في سماعها
فلي كَبِدٌ بالبين منكم تَصَدّعَتْ / وطولُ اغترابي زائدٌ في انصداعها
لأصْبَحْتُ في الدّنْيا حريصاً عليكمُ / ألا إِنّ مثلي زاهدٌ في متاعها

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025