القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : جَميل صِدقي الزَّهاوي الكل
المجموع : 152
أَتى غابة اللَّيث الفَتى يَتعرضُ
أَتى غابة اللَّيث الفَتى يَتعرضُ / وَلليث فيها مربض ثم مربضُ
فخر صَريعاً من سماع زئيره / وَما فيه عرق للسلامة ينبض
وَحاول في الوقت النهوضَ فَلَم يطق / وَمن لم تطاوع رجلُه كيف ينهض
وَكانَ لذعر فيه يرجف جسمه / كأَنَّ به حمَّى لعطفيه تنفض
وَعند هدوء اللَيث يفتح عينه / وَعند زئير الليث للعين يغمض
بدا اللَيث يَرغو راعِداً من عرينه / عَلى شرف وَالعين حمراء تومض
وَلَكِنَّه إِذ لَم يُشاهد فريسة / تَباعد لا يلوي وَلا يتأرض
وَأَما صَريع الخوف في جنب دوحةٍ / فقد كانَ مِمّا نابه يترمَّض
وأصغى فَلَم يَسمَع زَئيراً يريبه / فَقامَ وَولَّى ظهره الغاب يركض
وَمن يلقِ من بعد المخاوِف فرجةً / فَلَيلته سوداء وَاليوم أَبيض
نجت نفسه لكنَّ من كانَ جاهِلاً / لها مرة أُخرى لهلك يعرض
تمخض من حين لآخر زاحِراً / وإني لأدري ما به يتمخض
محضتك نصحي أَن تحيد عَن الخنى / وَمن كانَ مثلي فهو للنصح يمحض
تحاول أَن تلقى من النقد شهرة / وإنك لَو تَدري عَلى الماء تقبض
تحاول تقويضاً لما قد بنيته / وَما أَنا أَبنيه فَلا يتقوض
تحاول إجهازاً عليّ بلدغة / كأَنَّك صلٌّ مِن قَريب ينضنض
أراك من الإجهاد تعبان لاهثاً / فَتنقدني طوراً وطوراً تحرِّض
ذممت قَريضاً كنت تكثر مدحه / فَبَعضُك من لؤمٍ لبعضك ينقض
تكلمت في الآداب تنتحل الهدى / وَما كنت قبلا بالهدى تتمضمض
أَمِنك الهدى يرجى لآداب أُمَّة / وإنك ذاك الجاهِل المتحمض
وَكنت بشعري معجباً دون غيره / وكنت له تطري وكنت تقرِّض
أَلمّا رأَيت الدهر حرباً يعضني / أَخذت تعاديني وَجئت تعضض
لَك الوَيل من لؤم مشى فيك سمه / فإنك من أَوصابه لست تنفض
وإنك للعلم الَّذي فيّ مبغضٌ / كَما أَنا للجهل الَّذي فيك مبغض
وَكَم تدَّعى في النقد أنك صادق / وتورد بالزعم الدَليل فأدحض
وَما كل من قد قال شعراً بمحسن / وَلا كل من قد شاء للشعر يقرض
لئن ذهب الشعر الجَميل مضيعاً / فمن ذا عَن الشعر الجَميل يعوض
وإني أَخذت الشعر باليد من علٍ / كَما طائر من حالق يتقضض
لئن عد فرضاً ذو عداء صياله / فإن عَلى الحر الدِفاع لأفرض
أَردت صيالي فاِحتمل وقع ركلتي / وإنك أَنت البادئ المتعرض
لَقَد رفعت لي راية النصر أُمَّةٌ / فمثلك في وقت لها ليس يخفض
وإني قَد أَدعوك يوماً بِباطِلٍ / أَديباً ولكنَّ المروءة ترفض
ألا نهضة تدني الرجال من العلى
ألا نهضة تدني الرجال من العلى / فَقَد طالَ في دار الهوان قعودُها
بِنَفسي كماة تحسب الموت أَن يرى / عَن الموت يَوماً روغها وَمحيدها
أباة ترى أَنَّ الحَياة حَقيرة / وَما حب نفس لا يَجوز خلودها
وَتَعلم أَنَّ المَوت حق وأنها / إذا لَم تَرِده فهو سوف يرودها
إذا لَم تبد بالسيف يوم كَريهَة / فمر اللَيالي بعد حين يبيدها
أُولَئك أشراف البلاد وَفخرها / أُولئك في رأيي أُولئك صيدها
أَلَيسَ الرضى بالجهل أكبر حطة
أَلَيسَ الرضى بالجهل أكبر حطة / أَلَيسَ ذِراع العلم أقدر رافعِ
يَقول لسان الدهر يا قوم إنكم / هجعتم وإن الشر لَيسَ بهاجِع
نُريد جَميعاً أن تصحّ عقولنا / وَنكرع في سمٍّ من الجهل ناقع
خذ العلم إن العلم مال لمعدم / وَريٌّ لعطشان وقوت لجائع
إذا همَّ قوم أن يَنالوا سعادة / فإن اِقتناء العلم كل الذَرائع
فَلا شعب إلا وهوَ بالعلم وحده / سَعيد وإلا كانَ جم الفَجائع
إذا شاع فيه العلم فالعَيش نافع / وإن لم يشع فالعَيش لَيسَ بِنافع
أَرى العلم مجفوّاً أَراه مبعداً / أَراه طَريداً وَهُوَ جم المنافع
توقف عنه الشعب يطلب دافِعاً / وإن اِحتياج الشعب أكبر دافع
أَلَسنا بَني قوم سموا بِعلومهم / فَفازوا بصيت في البَسيطة ذائع
أَلَسنا بَني قوم بنوا بفتوحهم / صروح فخار في أجل المواقع
أَلَيسَ دِماء الشعب من دم يعرب / أبيهم فَما للشعب غير مشايع
وَماذا جَرى حتى تَباين قصدنا / وَحَتى اِختلفنا هَكَذا في الطَبائع
وَقفت عَلى المستنصرية باكياً / عَلى العلم أسقى ربعه بمدامعي
بكيت مَغانيه فَما نفع البكا / وَلا باخ منه الحزن بين أضالعي
أَمرت عيوني أن تصون دموعها / ولكن عيوني هذه لم تطاوع
ألا لَيت شعري هَل أَرى العلم بازِغاً / كَما كانَ في أيام تلك المطالع
وَهَل ليل هَذا الانحطاط بذاهب / وَهَل يوم ذياك الرقيِّ براجع
نعم لنهوض الناهضين موانعٌ / أَلَيسَ من الحزم اِقتحام الموانع
فَيا للقلوب الخادِرات من الضنى / وَيا للعيون المغمضات الهواجع
رجال يُقاسون الجمود ونسوة / يرين بأبصار الشقاء الخواشع
ألا إن ليل الجهل أَسود دامسُ
ألا إن ليل الجهل أَسود دامسُ / وإن نهار العلم أَبيض شامسُ
تشق حياة ما لها من مدرب / وَتشقى بلاد ليس فيها مدارس
ومن لم يحط علماً بأمر محيطه / عداه الهدى أَو أَقلَقته الهواجس
تَنام بأمن أُمَّةٌ ملء جفنها / لها العلم إن لم يسهر السيف حارس
وَللعلم أَيام هي السعد كله / وأَمّا لَيالي الجهل فهي مناحس
وَلَيسَ كمثل العلم للمال حافظ / وَلَيسَ كمثل الجهل للمال طامس
وَنحن بعصر لَم يكن فيه مفلحاً / بأَعماله إلا الَّذي هُوَ دارس
إذا المرء فاِعلم طال في العلم باعه / تناول ما قد رامه وَهو جالس
قضى أن يعيش الناس في الأرض ربهم / وَذو الجهل مَرؤوس وَذو العلم رائس
إذا ما أَقام العلم راية أُمة / فَلَيسَ لها حتى القيامة ناكس
وَخير مرب للتلاميذ عارف / بما هُوَ في ذهن التَلاميذ غارس
ستأتي ثماراً يانعات عقولهم / إذا عولجت بالعلم تلك المغارس
وكائن لنا من عادة ساء أَمرها / وَلما يقبحْها إلى الشعب نابس
إذا خلق الثوب الَّذي يلبس الفَتى / فأخلق بأن يستبدل الثوب لابس
إلينا اِلتفت يوماً من الدهر واِبتسم / بأوجهنا يا علم فالجهل عابِس
أَلَم تجر عفواً في جوارك دجلة / فَقُل لي لماذا أَنت يا حقل يابس
يَلوح لعيني حيثما أَنا ناظر / معاهد علم في العراق دوارس
أَقمنا إذ الأقوام طراً تقدموا / بمنزلة فيها الرؤوس نواكس
يهدد بغداد اِختناق كأَنَّما / من الجهل قد سدت عليها المنافس
فَيا قوم من شر الجهالات فلنخف / فهن لنا هن الذئاب النواهس
أَلا أَيها الشعب الكسول المضيعُ
أَلا أَيها الشعب الكسول المضيعُ /
تيقظ إلى كم أَنت في الجهل تهجع /
وغير من العادات ما ليس ينفع /
فما القبح في خلق امرئٍ مثل حسنه /
ولا سيئات الناس كالحسنات /
تقدم وسارع فالَّذي يتأخرُ /
يُلاقي هواناً موته منه أَيسر /
لقد أبطأ الشعب الَّذي يتعثر /
وأسرع أَقوامٌ وأَبطأ غيرهم /
وإبطأؤهم من كثرة العثرات /
تظنيت أن الشعب شعب موفق /
ولكن ظني بات لا يتحقق /
ولا خير في شعب من السيف يفرق /
وما خلت أن الشعب يغضي على القذى /
وأن أباة القوم غير أباة /
أَقول لشعري أَيُّها الشعر صل وجل
أَقول لشعري أَيُّها الشعر صل وجل / فأَنتَ بميدان الفصاحة فارسُ
أَغاظك أن الجهل في الناس جاهر / يقول وأن العلم في الأذن هامس
يمارس شعري اليوم إصلاح أُمَّة / فَلِلَّه شعري اليوم ماذا يمارس
سأرحل عن بغداد يوماً مخلفاً
سأرحل عن بغداد يوماً مخلفاً / بها الشعر إن الشعر مني مشتق
وَما هو إلا بعض ما أَنا واجد / وإلا شعور النفس مني والخلق
لَقَد هاجَ فيَّ الشعرَ ذكرُ أحبتي
لَقَد هاجَ فيَّ الشعرَ ذكرُ أحبتي / وأحسن شعر قيل ما هاجه الذكرُ
وَما الشعر إلا بالمَعاني الَّتي له / إذا كبر المعنى به كبر الشعر
كأنيَ من حبي لِلَيلى ومن نوىً
كأنيَ من حبي لِلَيلى ومن نوىً / نأت بيَ عن لَيلى أبيتُ على جمر
ويحدث عندي ذكر ليلى صبابةً / فماذا ترى لي محدثاً عندها ذكري
أحبك يا لَيلى على السخط والرضى / وأهواك يا ليلى على الوصل والهجر
لعلك يا ليلى إذا متُّ آسياً / تمرين يوماً بعد ذكري على قبري
تريدين مني الشعر يا ابنة يعرب / وإنك أنت الشعر أو قبلة الشعر
ونحن بأرض جمَّة شعراؤُها / ولما يُجِدْ في الشعر منهم سوى النزر
كثار لعمري المعجبون بشعرهم / وليس الألى قد برزوا فيه بالكثر
وما كل من قد غاص في البحر طالباً / ليخرج منه الدر يظفر بالدر
ويرزي بفحل الشعر ناسٌ حسادةً / أولئك فحل الشعر أيضاً بهم يزرى
ويدري غواة الشعر من هو مفرد / ولكنَّ من لم يغو بالشعر لا يدري
وليس المجيد المستقل مقلداً / ولا ذا مغالاة يبالغ في الأمر
وليس بسبّاقٍ سوى الشاعر الَّذي / إذا قال كان الشعر ضرباً من السحر
وهل عُدَّ يوماً غير ذي عبقرية / من الشعراء المستقلين في الفكر
ومن كانَ حراً في شعور يبثه / قريضاً يفك الشعر من ربقة الأسر
إذا الشعر لم يوقظ أناساً من الكرى / فَلَيسَ عليه وهو قد هزَّ من وزر
إذا كان من بحر الطبيعة يستقي / فَلَيسَ إلى التَقليد للشعر من فقر
تكاد على طول الجفاء ومضِّه / تَموت السَجايا الغرّ في الشاعر الحر
لعمرك ليس الشعر شيئاً هو الوَزنُ
لعمرك ليس الشعر شيئاً هو الوَزنُ / وَلا هو لفظ ضاق عن فهمه الذهنُ
بل الشعر معنى رائق يوقظ الهوى / ولفظ رقيق مثلما يطلب الفنّ
إذا كانَ معنى الشعر ينظمه الفَتى / جميلاً ورق اللفظ تم له الحسن
إذا ما به غنى المغنون هاجني / فثار بما غنوا سروري والحزن
إن الشعر لم ينهض بآداب أُمة / إذاً خابَت الآمال في الشعر والظن
لقد دفنوا الشعر الجميل بحفرة / وَللشعر حسن لا يغيره الدفن
شدا يتغنّى العندليب بلحنه / على فنن لدن فأطربني اللحن
لقد راق قَلبي العندليب وشدوه / وراق عيوني تحته الفنن اللدن
شدا فدنت منه الطيور كأنه / خطيب ينادي الطير والمنبر الغصن
يقولون إن الشعر نحن عماده / فمن أنتم حتى يكون لكم نحن
لقد جاهَروا بالسب يخفون نفسهم / لعمر أبي تلك السفاهة والجبن
ومن لم يزن عند التكلم نفسه / فمن حقه أن لا يقام له وزن
إلى أين نأوى حين يظلم ليلنا / إذا هدموا ما قد بنينا ولم يبنوا
أدير بروض الشعر يا قوم أبصاري
أدير بروض الشعر يا قوم أبصاري / فأنظر أشواكاً بجانب أزهارِ
وما الشعر يخشى في العراق معارضاً / ولكنما أنصاره غير أنصار
وليس على ليل قد اسودَّ فحمه / ملام ولكنَّ الملام على الساري
وَللشعر إما قيل بالحق قيمة / وإن كانَ في بغداد لَيسَ له شاري
إذا لم يبث الشعر إحساس أهله / فَلَيسَ خليقاً أَن يفوز بإكبار
وأحسن شعر ما يتم انطباقه / على الأمر أو يبدي الخيال بمقدار
وأحسن منه حكمة عربية / تدور على الأَفواه كالمثل الجاري
ويكدر ماء الشعر بعد صفائه / ويصفو لمن يُعْنَى به بعد أكدار
سيأتي زَمان فيه للشعر دولة / فتخبر فيه القوم من أنا آثاري
اذا أَنا لم أَتبع شعوراً يجيش بي / فكيف إذا حاولتُ أنظم أَشعاري
أَقول لمن يزري على الشاعر الَّذي / له الحق جماً أن يكون هو الزاري
تريد مَع التقليد في الشعر جدة / وما زند أصحاب التقاليد بالواري
أراك بإيعاز الجهالة ساعياً / لتحويل ماء عن مجاريه موار
وكم تدعي بالشعر علما ونقده / وأَنتَ عن العلم الَّذي تدعي عاري
تريد بظفر منك تمزيق جلده / فهل لك عند الشعر ويحك من ثار
لعلك لا تدري بانك واقف / بليل وقد أَدجى على جرف هاري
أرى الناس في الآداب فوضى فما بهم / جريءٌ يعز الحق منها بإظهار
وإني دريت الحال ثم ذممته / فهل أَنتَ يا من جاء يحمده داري
إذا كان شعري لا يلاقي حفاوة / فَلَيسَ على شعري هنالك من عار
بل العار كل العار يلحق معشراً / أبوا لفساد الذوق أنساً بأفكاري
ألا فاِنتبه للأمر حتامَ تغفلُ
ألا فاِنتبه للأمر حتامَ تغفلُ / أما علمتك الحال ما كنت تجهلُ
أغث بلداً منها نشأت فقد عدت / عليها عوادٍ للدمار تعجل
قد استصرخت أم ربيت بحجرها / وإنك عنها غافل لست تسأل
رعى اللَه ربعاً كان بالأمس عامراً / بأهليه وهو اليوم قفر معطَّل
كأنّيَ بالأوطان تندب فتية / عليهم إذا ضام الزَمان المعول
تقول أما من مسعدٍ لبلاده / يناصرها فيما دهاها وَينشل
أما من ظهير يعضد الحق عزمه / فقد جعلت أركانه تتزلزل
أما من طبيب ذي تجارب حاذق / يضمد جرحاً دامياً كاد يقتل
وإن حصول الشيء رهن بفرصة / إذا هي فاتَت فهو لا يتحصل
بِنَفسي أفدي كل حر سميذع / يرى أن لوث العار بالدم يغسل
وَما رابَني إلا غرارة فتية / تؤمل إصلاحا وَلا تتأمل
تؤمل إصلاحاً وترجو سعادة / أَلا باطل ما تَرتَجي وتؤمل
توالت عليها الحادِثات فكلما / ترحل عنها مشكل حل مشكل
تعلل بالآمال نفسك راجياً / سلاماً لها لو كانَ يجدى التعلل
وَما هي إِلّا دولة همجية / تسوس بما يقضي هواها وتعمل
فترفع بالإعزاز من كان جاهِلاً / وتخفض بالإذلال من كان يعقل
فمن كانَ فيها أولاً فهو آخرٌ / ومن كانَ فيها آخراً فهو أول
وَما فئة الإصلاح إلا كبارق / يغرك بالقطر الَّذي ليس يهطل
لهم أثر للجور في كل بلدة / يمثِّل من أَطماعهم ما يمثل
إذا نَزَلوا أَرضاً تفاقم خطبها / كأنهم فيها البلاء الموكل
فَطالَت إلى سورية يد عسفهم / تحمِّلها ما لم تكن تتحمل
وكم نبغت فيها رجال أَفاضل / فَلَمّا دَهاها العسف عنها ترحلوا
وبغداد دار العلم قد أصبحت بهم / يهددها داء من الجهل معضل
نحوّلُ عنها كل يوم رزية / فَتبقي دماراً ثم لا يتحول
وسل عنهم القطر اليماني إنه / يبوح بما يعرو البلاد وينزل
بلاد بها الأموال من يد أَهلها / تنزَّع غصباً والنفوس تقتَّل
وتلطمنا كف الإهانة منهم / فنلثمها من خشية ونقبل
شريف ينحَّى عن مواطن عزه / وآخر حر بالحديد يكبل
وجازعة عبرى لقتل حليلها / ووالدة تبكي بنيها وتعول
إذا سكت الإنسان فالهم والأسى / وإن هو لم يسكت فموت معجل
ولجتم طريق العنف تستنهجونه / أَما عَن طَريق العنف يا قوم معدل
لَقَد عبثت بالشعب أَطماع ظالم / يحمِّله من جوره ما يحمل
فَيا ويح قوم فوضوا أَمر نفسهم / إلى ملك عن فعله ليس يسأل
إلى ذي اختيار في الحكومة مطلق / إذا شاء لم يفعل وإن شاء يفعل
وَذي سلطة لا يرتَضي رأي غيره / إذا قال قولاً فهو لا يتبدل
أَيأمر ظل اللَه في أَرضه بما / نهى اللَه عنه والكتاب المنزَّل
فيفقر ذا مال وينفي مبرءاً / ويسجن مظلوماً ويسبي ويقتل
تمهل قَليلاً لا تغظ أمة إذا / تأجج فيها الغيظ لا تتمهل
وأَيديك إن طالَت فَلا تغترر بها / فإن يد الأيام منهن أَطول
إليك فإن الظلم مرد فريقه / وإن طَريق الظلم للخسر موصل
وكم تعد الأقوام أنك باذل / حقوقاً لهم مغصوبة ثم تبخل
تَقول إذا عم الفساد فإنني / بإصلاحه في فرصة متكفل
أبعد خراب الملك وا ذلّ أَهله / تُهيِّئ إصلاحاً له أَو تؤمل
قَضى اللَه أَن تَشقى بلاد بربها
قَضى اللَه أَن تَشقى بلاد بربها / فيكرم ذو نقص وينكى سميذعُ
قضى أَن يعيش الحر فيها مهدداً / مهاناً وهل مِمّا قضى اللَه مفزع
بلاد بها قد ضاع من كان فاضلاً / وَللملك من أَهل الفضيلة أَضيع
إلى أي وقتٍ نعبد الظلم خشية / فنسجد للقوم البغاة ونركع
حملنا الأذى حتى حنى من ظهورنا / وَلَم يَبقَ في قوس التحمل منزع
تيقظت الأقوام من غفلة لها / ونحن بحال لم نزل فيه نهجع
كَم اِرتَفَعَت من أمة بعد أُمة / بتعميمها للعلم والعلم يرفع
ولكننا من دون كل جماعة / من الناس كالأَنعام في الجهل نرتع
رعى اللَه شعباً أَهملته رعاتُه / وملكاً كبيراً ركنه متزعزع
تقطع منه كل يوم مدينة / وَما الكف إلا أصبع ثم أصبع
وَللموت خير من حياة مهانة / يَرى الحر وجه السوء فيها ويسمع
يهددني بالموت قوم وإنه / لدون الَّذي من عسفهم أَتَجرَّع
أَلَستم إذا متنا تموتون مثلنا / إذن قَد تَساوى آمنٌ ومروع
على أَن موت المرء وهو منعم / أَشد عليه منه وهو مفجع
يحول عنها العين ثم يعيدُها
يحول عنها العين ثم يعيدُها / حذار عدى تَغلي عليه حقودُها
وَيغضي خلال النظرتين محاذراً / رقيباً لها إن لم يكده يكيدها
أَبى القلب إلا حب لَيلى وإنما / يكاد الهَوى يرديه لولا وعودها
وَما العدل إلا غادة عربية / بعيدة مهوى القرط باد نهودها
جلتها يد الأحقاب فهي جميلة / وقد قل للعشاق بالوصل جودها
بدت في برود للصبا عبقرية / وقد شف عن جسم وضيء برودها
مهفهفة الأعطاف طيبة اللمى / وإن كان مراً هجرها وصدودُها
إذا نظرت بين الجماهير نحوه / وَلَو مرة في العمر فهو سعيدها
وإن هي لم تعطف عليه بنظرة / بكت منه عين لا يرجَّى جمودها
وَباتَ كئيباً يرقب النجم طالعاً / بعين له شكرَى قَليل هجودها
وَتشخص طول الليل أَبصاره إلى / سماء نأت عنه بعيد حدودها
حوت أنجماً زُهراً يقدنَ وإنما / قواها الَّتي قد ثرن فيها وقودها
تروم صعوداً نفسه في فضائها / فيعيى عليها ثم يعيى صعودها
فتطلب منه أن يحلَّ عقالها / فذلك ينفي كربها ويفيدها
ويسهل منه للسماءِ رُقيها / وتطوي مسافات ويدنو بعيدها
ترى النفع كل النفع في الموت إنما / أَضر بها بين العداة وجودها
تَقول له لا تحرصنّ سفاهةً / عَلى عيشة قد بان عنك رغيدها
تريد بعزم أن تفارق جسمه / وتلك عليه شقة لا يريدها
تنازعه حوض المنيَّة نفسه / فتطلب ورداً عنده ويذودها
وَلَو أنه خلَّى إليه سبيلها / هناك شفاها من أوامٍ ورودها
إذا هي ماتَت مات كل همومها / وأقلع عنها نحسها وسعودها
سواء على من بات في بطن حفرة / رهين البلى بيض الليالي وسودها
سقى تربة الأوطان للعدل ديمةٌ / تخفف من إمحالها وتجودها
ربوع تَغشَّاها البلى وَمنازل / تغير بعد الظاعنين عهودها
وعهدي بها للأسد قبل مرابضا / فقل لي وأفصح أين سارت أسودها
أيزرى أيزرى في أُرومة قدرها / عداءُ لئام بالشرور تكيدها
يعز على عينيّ أَن تنظرا إلى / بلاد تسوس الناس فيها قرودها
تعيث بأهليها فتغصب حقهم / وتسلب من أَموالهم وتبيدها
يعز على عينيَّ أن تريا بها / شباباً من الأحرار صفراً خدودها
تعالج هَمّاً قدَّر اللَه أنهُ / يَجُرُّ بها نحو الردى ويقودها
إذا لجأت من همها في نهارها / إلى الليل كان الليل مِمّا يزيدها
أَسارى قصارى ما تحاول أنها / تَموت بعز أو تفك قيودها
تَقَطَّعُ من وقع الهموم قلوبُها / وتنضج من نار العذاب جلودها
إذا سئلت عما تجن من الجوى / أَضر بها إقرارها وجحودها
محاطون بالأرزاء في أرض ذلة / تهائمها منحوسة ونجودها
إذا أقلعت عنهم سحابة فتنةٍ / أظلتهمُ أخرى تدوّى رعودها
حياة لهم لم يبق ضمن جسومهم / سوى شعلة منها قريب خمودها
كَفى الغرب فخراً أنه متقدمُ
كَفى الغرب فخراً أنه متقدمُ / وأنَّ له مالاً به يتنعمُ
وأن له في البر جيشاً عرمرماً / يماثله في البحر جيش عرمرمُ
نعم هو أرقى خطةً بشرية / سمت باتباع العلم والعلم سُلَّم
تَرقَّى فلمَّا اشتد ساعده عتا / وَبات يغيظ الشرقَ والشرق يكظم
يطيل على إِجحافه بحقوقه / سكوتاً كأَنَّ الشرق ليس له فم
فَيا أَيُّها الغرب المدلُّ بنفسه / رويدك ما هَذا الغرور المذمم
أَلَم يَكُ هَذا الشرق من قبل أَعصرٍ / مضت لك أستاذاً كبيراً يعلم
مَضى زمن للعلم والشرقُ زاهرٌ / بأَنواره والغرب إذ ذاك مظلم
فَكانَت سماء العلم في الشرق تحتوي / على أَنجم والغرب ما فيه أَنجم
وكان ظلام الجهل في الغرب عابساً / وكان ضياء العلم في الشرق يبسم
فَما كانَ يطغيه هناك رقيُّه / ولا يزدهيه أنه متقدم
فَيا غرب لا تجرح من الشرق قبله / بإيراد دعوى أنك اليوم أَعلم
رويدك لا تغترّ بالدهر إِن صفا / فَلَيس بباقٍ فيه بؤسى وأنعم
بِماذا تَرى أن ارتقاءك عهده / يدوم وأن الشرق لا يتقدم
أَتَزعم أن الشرق يلبث صاغراً / أمامك مغصوباً وأَنت المكرَّم
وَتَبقى عليه هَكَذا متسيطراً / تمص دم الأموال منه وتهضم
أَلا اصبر عليه نصف عصر فإنه / سيرقى به لو أنه منك يسلم
سينهض من بعد الخمول إلى العلى / ويُرجع مجداً دارساً ويتمِّم
نعم فسدت في الشرق بعض عروقه / ولكن بجسم الشرق ما فسد الدم
سترقى بلاد الشرق بعد انحطاطها / لَو اَنَّ بنيها اِستَيقَظوا وتعلَّموا
يَزول تماماً ما بها من تأخر / لَو اَنَّ حكومات البلاد تَنظِّم
هُنالك يحيا المجد من بعد موته / هنالك يبني العلم ما الجهل يهدم
فتمنحها عَن طيب نفس مجالساً / نيابيةً فيها العدالة تحكم
وإن هي لا تعطي الرعايا حقوقها / فإن الرعايا للحكومات ترغم
فتأخذ منها ما تريد بقوة / إذا اتحدت فهي الصواعق تحطم
وأما بقاء العلم عندك آلة / بها أنت تأتي ما تشاء فمبهم
لَقَد طالَ صبر الشرق يا غرب فازدجر / فإنك إن لم تزدجر سوف تندم
تهكمت بالشرق احتقاراً لأهله / فَيا غرب ما إن يفلح المتهكم
قصصت جناحيه وحملت ظهره / عنىً وهو لا يشكو ولا يتبرم
فآلمت قلب الشرق والشرق صابر / ولكن لحين يصبر المتألم
لقد ظن أهل الغرب أو بعض أهله / وبعض ظنون الناس والناس مأثم
بأن بقاء المسلمين جميعهم / على الجهل أعصاراً من الدين ينجم
لقد جهلوا الإسلام كل جهالة / فآذوه ذما شأن من ليس يفهم
وقالوا بنى الإسلام عمران أهله / زماناً وأما اليوم فهو يهدم
وعدوا من الأسباب وهي كثيرة / لديهم حجاب المسلمات واعظموا
وليس من الدين الحجاب لو أننا / رجعنا إلى أحكامه نتفهم
ولو كان نص قائل بوجوبه / ولا نص فيه حسبما أنا أعلم
نأوله حتى تقول بينه / وبين طريق العلم فهو المقدم
فقد صرح الأعلام من علمائنا / بما دونوا من كتبهم وتكلموا
بأن دليل العقل في كل مطلب / هو السيف في تحكيمه الأمر يحسم
وأن دليل النقل إن كان مانعاً / يُأَوَّل بالعقل الذي هو أحكم
ومنا الطلاق استقبحوه لأنه / يحل الرباط العائلي ويجذم
نعم قبحه إن لم يكن لاقتحامه / بواعث تقضى بالفراق مسلم
وأما إذا ما كان ثم تنافر / فإيقاعه بالطبع أولى وأسلم
وقد جعل الإسلام أمر بتاته / ثلاثاً ليكفي الوقت من هو يندم
وأما التعدي في الزواج لأربع / فمما أساءوا الظن فيه وأوهموا
نعم جوز القرآن ذاك لأهله / بشرط إذا راعوه فهو محرم
ألا وهو العدل الذي قد نفاه في / تعدده واللَه بالناس أعلم
فوسع فيه المسلمون سياسة / ليكثر طبق الحاجة النسل منهم
وأضربت عن باقي اعتراضاتهم فما / لها قوة يأتي لها الرد مسلم
فإن شتمونا بعد ذلك كله / فما نحن للقوم المسيئين نشتم
لَقَد جاءَ يوم فيه ينتبه الشَرقُ
لَقَد جاءَ يوم فيه ينتبه الشَرقُ / وَيرجع محموداً إِلى أَهله الحقُّ
إذا الشرق ألقى في الحياة اعتماده / عَلى نفسه مستغنياً أَفلح الشرق
وأَكبر أَنصار البلاد رجالها / وأَحسن أَخلاق الرجال هو الصدق
وإن دعام الحذق خلق يقيمه / فإن لم يكن خلق فلا ينفع الحذق
وفي بعض من عاشرت شيء تجله / فذلك لو فتشت عنه هو الخلق
جرى الشرق شوطاً في الرهان وبعده / جرى الغرب حثحاثاً فكان له السبق
يقاسي القيود الشرق والغرب مطلق / فبين كلا القسمين هذا هُوَ الفرق
إن الشرق بعد اليوم لم يرع نفسه / أَلمَّت به الجلّى وعاجله المحق
أَلا فليرقع ثوبه كل من له / يد قبلما في الثوب يتسع الخرق
قد انطفأت تلك النهى منذ أعصر / وتومض أَحياناً كما يومض البرق
أحسُّ بأن الشرق ينبض عرقه / فَلَو لَم يكن حياً لما نبض العرق
يريد ليحيا الشعب حراً كغيره / وأَكبر أَرزاء الشعوب هو الرق
متىّ أَيُّها الصبح الجَميل تبين لي / فيبيض في ليل الهموم بك الأفق
أَتَعلم ليلى أنَّ في الحي مغرماً / بها لفؤاد بات يحمله خفق
إذا لَم يكن سير السياسة راشداً / فما إن يفيد العنف منها ولا الرفق
يحاول ناس خوض دجلة جهدهم / وتمنعهم منها الزوابع والعمق
إذا جئتني لَيلاً فدعنيَ راقداً / وَفي الصبح أَيقظني متى غنت الورق
هُوَ الصبح إي واللَه قد لاح سيفه / وإن إهاب الليل منه سينشق
مَتى ما اطمأن القلب بالنفع في الحيا / فَقَد لا يَروع الليل والرعد والبرق
وإن الَّذي يَسعى لتحرير أُمَّة / يهون عليه النفي والسجن والشنق
إذا رمت عن دار المذلة رحلة / فسر قبل أَن تنسد في وجهك الطرق
وإن لم تكن للشعب أذن سميعة / فَماذا عسى أَن ينفع القائل النطق
قد اسودَّ ليلي بالسحاب فَلا أَرى / طَريقي به إلا إذا أَومض البرق
فَيا رَب في بغداد قد كثر الأذى / وَيا رب في بغداد قد ضجر الخلق
أُفارق أَصحاباً وأهلاً وإخوانا
أُفارق أَصحاباً وأهلاً وإخوانا / وَأَرضاً بها قد عشت عمراً وأَوطانا
أُفارق خلاني بها لضرورة / وأوجع بمضطر يفارق خلانا
أُفارقهم إبان شيخوختي الَّذي / لحملي على الأسفار لم يك إبانا
أَطعت ضرورات الحياة وليتَني / عصيت ولكن كيف أسطيع عصيانا
ستحملني فوق البحار بواخر / وأَحمل لي فوق البواخر أحزانا
أَرى الناس في بغداد يحتقرونني / لأني أشبعت الحقيقة تبيانا
وَلَو أنني شايعتهم في ضلالهم / لكان نصيبي منهمُ غير ما كانا
ولكن نفسي حرة لا تجيز لي / لشيء سوى الحق المؤيد إذعانا
إلى مصر مجذوباً إليها بقوة / وَكَم جذبت مصر إلى مصر إنسانا
بلاد بها يمسي الغَريب معزَّزاً / وَيَلقى حفاوات هناك وإحسانا
أَرى من خلال الدمع حين أصبه / تعاسة أَيامي ببغداد ألوانا
نزلت كَما يَرجو السلام على الرحب
نزلت كَما يَرجو السلام على الرحب / بمشرفة بين المحابر والكتب
وَجئت إلى بغداد تبصر دجلة / وتشرب من سلسال منهلها العذب
فَقامَت بتَكريم الرجاحة أمة / ورحب شعب بالكياسة واللب
تَباركت للتهذيب من منتدى رحبِ
تَباركت للتهذيب من منتدى رحبِ / ومن مورد صاف لوراده عذبِ
ومن منهل للعلم أثرى به الحجى / فأكبره أَهلُ الرجاحة واللب
لَقَد أخذت تطريه بالحق دجلة / وَتوفيه حمداً من لسانٍ لها رطب
وتهدي له الريحان ريانَ نافحاً / وما أنضر الريحانَ في البلد الخصب
وكم لبني الزوراء من وطنية / بنوها على أس الصداقة والحب
أولئك قوم ما لهم في حياتهم / سوى أن يروا عز المواطن من إرب
وإِني بليلى مغرم وهي موطني / وَعلِّي أُقضِّي في غَرامي بها نحبي
ولعت بها حسناء تزهو كزهرة / نمت فأطلت في الرَبيع على العشب
سبتنيَ ليلى إذ بدت بمحاسن / كثرن ومن حازت محاسنها تسبي
أحبك يا لَيلى على السخط والرضى / وأهواك يا ليلى على البعد والقرب
وإن شط عن عينيّ يوماً بك النوى / فإنك يا لَيلى تقيمين في قَلبي
فَيا نفحات الروض ضوعي ذكية / وَيا نسمات الصبح باردة هبّي
لَقَد جئتُ لَيلى أنفث الشعر عاتباً / فَكانَت على الإكثار تصغي إلى عتبي
وَكَم لك يا لَيلى ببغداد وامق / وَكَم لك يا لَيلى ببغداد من صبِّ
عسى أَن أَرى الشعب العراقي مسرعاً / يهب فقد ضر التأخر بالشعب
تريد بحبو في السباق إلى العلى / لحوقاً بمن يطوي المسافة بالوثب
متى يَستَفيق الشرق من رقدة له / فيسرع حثحاثاً ليلحق بالغرب
خذوا العلم عنه إن أردتم سلامة / فَلَيسَ لداء الجهل كالعلم من طب
لكل هوى في الشرق حزب مؤيد / سوى أن فيه الحق لَيسَ بذي حزب
ولا يصل الإنسان في طلب العلى / إلى منزل حتى يسير على الدرب
إن السحب لم تسكب على موطني الحيا / غزيراً فلا منِّي سلام على السحب
ذببت عَن الآداب في يوم عسرها / فما نفع الآداب في عسرها ذبِّي
سيعقب هَذا الليل فجر ينيره / بصدق وبعض الفجر يظهر بالكذب
يُقال لهم هاكم خذوا ثمر الهدى / فتمتد أيدٍ يرتجفن من الرعب
وإني امرؤٌ يبني أساس دفاعه / على السلم إن السلم خير من الحرب
وأشدو بشعري كالهزار مغرداً / وَما كانَ يوما في الحياة به كسبي
وَما زلت في جوّ من الفكر طائراً / ومن عادتي أن لا أَطير مع السرب
قد اجتمع الأمجاد يحتفلون بي / وأكثرهم صحبي سلام على صحبي
يحس لهم بالشكر قَلبي على الرضى / فيبدي لساني ما يحس به قَلبي
وَهَل أَنا إلا شعبة قد تفرعت / كغصن مع الأيام من دوحة الشعب
أَرى فلقاً يَمحو الدجى ثم لا أَدري
أَرى فلقاً يَمحو الدجى ثم لا أَدري / أَمطلع فجر ذاكَ أَم مطلع الشعر
أَم اليوم قد هبت ترحب دجلةٌ / ببلبلها الغرّيد بالشاعر الحر
كأَنَّ شعاع النجم والنجم طالع / يضيء جميلاً بعض أَخلاقه الغر
قد اخضلَّ روض الشعر حتى حمدته / وَحَتى رأَيت الزهر يبسم للزهر
ترنم يَشدو بلبل فوق أيكه / وَيهتف صبحاً بين أَغصانه الخضر
وإني لأطري الشعر منه يهزني / وأي امرئٍ للشعر إن هُزَّ لا يطري
وَما الشعر إلا ما اِنطوى لفظه على / شجيٍّ من الإحساس أو مطلب بكر
ولا هو إلا بالجناحين طائر / وكل جناح منه يظهر في شطر
وإن البيان العذب للبّ خالب / ولكن بعض الشعر ضرب من السحر
وإني لتعروني من الشعر هزةٌ / كأَنَّ بِجسمي كهربائية تسري
لَقَد طالَ ليلُ اليأس حتىّ أملني / وَلا بد لليل الَّذي طالَ من فجر
إلى أَن بدا صبح فغرد بلبل / وشبب في نهد من الروض بالزهر
بغناء جادتها من الليل مزنة / فَعادَت بها الأزهار باسمة الثغر
جرى شعراء العصر في حلبة لهم / فجاء أمام الكل ذو غرة يجري
لَقَد غمطوا بغدادَ في شعرائها / وَقالوا جلال الشعر أَجمع في مصر
من الناس مَن يدري وَلَيسَ بقائلٍ / حذاراً ومنهم من يقول ولا يدري
يَقولون إنا للحقيقة نَبتَغي / ومن يك أَهلاً للحقيقة يستقر
أَأَحكم بين المدعين بباطل / فأَحمل أَوزاراً ينوء بها ظهري
ورب ظلام في الحياة مخيم / أشدُّ على الإنسان من ظلمة القبر
وإني بمعروفٍ لأَعتز أنه / أَخو ثقة والحر يعتز بالحر
كلانا يريد الحق فيما يَقوله / وإني وإياه إلى غاية نجري
فخذ بيدي اللهم في كل دعوة / وَهَذا أَخي معروف اشدد به أزري
إذا قلتَ شعراً ذاع في كل جانب / كأَنَّ أَثير الكون واسطة النشر
أزحتَ بنور منك ظلمةَ ليله / فَماذا به أَبقيتَ للأَنجم الزهر

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025