المجموع : 71
وَكُنّا نُرَجّي بَعدَ عيسى مُحَمَّداً
وَكُنّا نُرَجّي بَعدَ عيسى مُحَمَّداً / لِيُنقِذَنا مِن لاعِجِ الضُرِّ وَالبَلوى
فَأَوقَعنا في تيهِ موسى فَكُلُّنا / حَيارى وَلا مَنٌّ لَدَيهِ وَلا سَلوى
خُذِ الكَأْسَ مِنّي أيُّها الرَّشَأُ الأَحْوى
خُذِ الكَأْسَ مِنّي أيُّها الرَّشَأُ الأَحْوى / وَشِمْ نَظَراً يَصْحو مِنَ المُقْلَةِ النَّشْوى
فَلِلْأَمَدِ الأَدْنى سَمَتْ بِكَ هِمَّةٌ / وَلي هِمَّةٌ تَسْمو إِلى الغايَةِ القُصْوى
أَنا ابْنُ سُراةِ الحَيِّ مِنْ فَرْعِ غالبٍ / أَرى فيهِمُ مِنْ تالدِ المَجْدِ ما أَهْوى
وَأَطْلُبُ أَمْراً حالَ بَيْني وَبَيْنَهُ / زَمانٌ نَباني وَامْتَعَضْتُ مِنَ الشّكْوى
فَيا سَعْدُ ناولني السُّرَيْجِيَّ إِنَّهُ / شَكا ظَمَأً بَرْحاً وقد حان أَنْ يَرْوَى
وَقَرِّبْ جَوادي وَانْشُرِ الدِّرْعَ إِنَّها / إِذا الحَرْبُ حَكَّتْ بَرْكَها بِيَ لا تُطْوى
سَتَعْلَمُ إِنْ قَرَّطْتُ طِرْفِي عِنانَهُ / مَنِ الأَشِرُ الرَّوَّاعُ وَالمَرِسُ الألْوى
أتيتُكَ أشكو رَيْبَ دَهريَ فانتصر
أتيتُكَ أشكو رَيْبَ دَهريَ فانتصر / لِعَبدِك مِنهُ واسْمَعِ البَثَّ والشَّكوى
ولا ترضَ مَنهُ ظُلْمَ عبدِكَ إنَّهُ / إذا ظلَمَ المَلوكَ كرَّ على المَوْلى
وَلمّا وَرَدنا ماءَ مَدينَ يَستقي
وَلمّا وَرَدنا ماءَ مَدينَ يَستقي / عَلى ظَمأ بِتنا إِلى موقف النَجوى
نَزَلنا عَلى حيٍّ كرامٍ بيوتهم / مُقَدّسة لا هِندَ فيها وَلا عَلوى
وَلاحَت لَنا نارٌ عَلى البُعد أضرمَت / وَجَدنا عَلَيها مِن تحبُّ وَمَن تَهوى
سَقانا وَحيّانا فَأَحيا نُفوسَنا / وَأَسكَرَنا مَن راح إِجلاله التَقوى
سَلامٌ وَهَل يُغني السَّلام على الَّذِي
سَلامٌ وَهَل يُغني السَّلام على الَّذِي / مَضى هالكاً عنّى كَما اِقتَرح الرَّدى
سَددتُ بهِ بَطنَ الصَّعيد وَإِنّه / لَيُؤلم قَلبي أَنْ سَددتُ بهِ الثّرى
وَعَن غَيرِ إِيثارٍ عَمَرتُ بِهِ اللّوى / وَحَكّمتُ في أَوصالِهِ شِقّةَ الرِّدا
فَخُذْ سِرَّ قَلبي مِلءَ كفّيكَ من شجىً / وَخُذ جَفْنَ عَيني ملءَ كفّيكَ مِن قَذى
فَبنْ غَير مَملولٍ فَكم بانَ بائنٌ / مغافصةً لا عَن ملالٍ ولا قِلى
أَقولُ وَقَد عَزّ اِصطِباري هَكَذا / أَرادَ مَليكُ الأرضِ أَو هَكذا قَضى
أمنزل ذات الخال حييت منزلاً
أمنزل ذات الخال حييت منزلاً / وإن كانَ قلبي فيك بالوجد مبتلى
لك الله قلباً لا يزال مقيداً / بشجوٍ ودمعاً لا يزال مسلسلا
يعبر عن سر الهوى وأضيعه / فيا لك دمعاً معرباً راح مهملا
كفى حزناً أن لا أراقب لمحة / ولا أنظر اللّذّات إلاّ تخيّلا
ولا أستزير الطيف خوف فراقه / لما ذقت من طعم التفرّق أوّلا
وأقسم لو جاد الخيال بزورةٍ / لصادف باب الجفن بالفتح مقفلا
وأغيد قد أضنى العواذل أمره / فقل في أسى أضنى محبًّا وعذّلا
غرير رنت أجفانه ووصفنه / فراح كلانا في الورَى متغزّلا
إذا شئت أن أشدو بأوصاف ثغره / بدأت ببسم الله في النظم أوّلا
حذار عوادي القتل من سيف طرفه / فما كسر الأجفان إلا ليقتلا
بليت به ساجي اللحاظ كليلها / وما زال تعذيب الكليلة أطولا
إذا ما بدا أو ماس أو صان أو رنا / فما البدر والخطّيّ واللّيث والطّلا
وقالوا أتحكيه الغزالة في الضحى / فقلت ولا لحظ الغزالة في الفلا
فلا تنكرا منه حلاوة لحظه / فذاك أراه بالنعاس معسلا
ولا تعجبا من ردفه وثباته / فلولا وشاحا عطفه لتهيّلا
غدا البدر أن يحكي سناه وإنما / رأى مللاً من خلقه فتنقّلا
وماثل ريق النحل لذة ريقه / فقال اللّمى ما أخجل المتنحّلا
تبارك من جلّى صحائف أوجهٍ / وأوضح آيات الثغور ورتّلا
وشيد للملك المؤيد رتبة / من المجد تملي المادح المتوسلا
مليك رقى قبل الصبا كاهل العلى / فكيف وقد أبصرته متكهّلا
كريم الثنا نال الكواكب قاعداً / وجاوز غايات العلى متمهّلا
تخاف الغوادي من نداه كسادها / وما نفحت كفّاه إلا لتفعلا
يقولون أعدى باليمين يساره / فجادت فمن أعدى الذي جاد أوّلا
ومن في المعالي قد تقدَّم ورده / أجلْ إنها عادات آبائه الأولى
ملوك إذا قام الزمان لمفخرٍ / غدا بليالي ملكهم متجمّلا
كرام ثوَوا ثم استقلّ حديثهم / فأحزن في عرض البلاد وأسهلا
أناملهم تحت الثرى ربع مائه / وأقدامهم يكفيه أن يتزلزلا
رقوا ما رقوا من سؤدد ثم قوّضوا / فزادَ على ما أنهجوه من العلا
هنيئاً لدست الملك بدراً وغرَّة / إذا انْهلَّ في يوم الندَى وتهللا
دع الغيث بنار البرق والطود راسياً / ويمّمه إن راعَ الزمان وأمحلا
لراحة إسماعيل أصدق موعداً / وساحته الفتحاء أمنع مقفلا
هنالك تلقى أنعماً تترك الثرى / يراد وعزماً يترك الماء يصطلى
وأصيد من نسل الملوك إذا انْتدى / رأيت معمًّا في السيادة مخولا
أخا كرمٍ تبغي العواذل عطفه / فتلقاه أندى ما يكونُ معذّلا
دنا رفدُه قيد الوريد وإنَّما / ترفَّع حتَّى خاطبَ النجم أسفلا
فداه كرام العالمين فإنه / أبرُّهمُ مالاً وأشرف موئلا
إذا فاخر الأنداد جاءَ فخاره / بهذا الثنا يستوقف المتأمّلا
وبالعلم وضَّاح الهدى متألِّقاً / وبالحلمِ فيَّاح الجنا متهدِّلا
وبالمنطق الأزكى أسد محرَّراً / وبالسؤددِ الأجلى أغرّ محجَّلا
وبالزهدِ موصول القيام كأنما / يغازل طرفاً من دجى الليل أكحلا
وبالبأس سلْ عنهُ الصوارم في الوغى / وكانت مواضي البيض أفصح مقولا
وما هي إلاَّ همَّةٌ ملكيَّةٌ / انْقضى عزمها فرض العلى وتنفَّلا
يخصُّ سجاياها الوفا وهو مسلمٌ / وكان يهوديًّا يخصُّ السموألا
ويغني عن الأمداح مشهور فضلها / وما الصبح محتاجٌ إلى الوصفِ والحلى
وما الشمس في أفقِ السماء منيرة / تخال بها من ضحوة الغيظ أثكلا
بأوضح للأبصارِ من مجدِه الذي / توقَّد حتَّى لم تجد متوقّلا
ثنى رجله فوق النجوم ولو علتْ / وطالتْ ثنى باعيه أعلى وأطولا
وما روضة خاطت بها إبرة الحيا / من الودق ثوباً علق الوشي مسبلا
بأعبق من أوصافه الغرُّ نفحةً / وأبرع من ألفاظِه الزهر مجتلى
أوابد قد أعيى امرئ القيس قبلنا / سنا نجمها الهادِي فماتَ مضلَّلا
له راحة ضمَّت يراعاً ومرهفا / كأنَّهما زاداه بالمكثِ أنملا
يراعاً إذا مدَّته يمناه بالندى / رأيت عباب البحر قد مدَّ جدولا
وسيفاً كأنَّ القين سوَّاه جذوةً / فلو لو يعاهد بالطلا لتأكَّلا
مبيد لو أنَّ المرء ضاعف درعه / ومثله في نفسه لتجدَّلا
يؤيد خدّيه يدٌ ضربت به / دراكاً فما تحتاج كالبيض صيقلا
ألا رُبَّ شأوٍ رامه فتسهَّلت / رباه وصعبٍ راضه فتذلَّلا
وجيشٌ كأن الجوّ قد مدَّ أنجماً / عليه ووجه الأرض أنبت دبَّلا
كأن عتاق الطير بين رماحه / بنودٌ تهاوى للطعان وتعتلى
إذا نبضت يوماً بوادي قسيه / تلبس ثوب النقع بالنبلِ مجملا
رماه بعزمٍ فانْجلى ليل خطبه / ولو رامه الصبح المنير لما انْجلى
وذي ظمأة بادِي الخمول توعَّرت / عليه مساري الرزق حتَّى تحيلا
علا وارْتوى لما دعاه كأنما / يشافه من حوضِ الغمامة منهلا
وبيداء مقفار إليه قطعتها / فلاقيتَ معلوماً وفارقت مجهلا
وقلت لخليّ أنزلاني فهذه / منازله ثمَّ اعقلا وتوكَّلا
هنالك عاهدت الرياض أنيقة / ترفّ وجاورت الغمائم همَّلا
وقضَّيت في ظلِّ النعيم ليالياً / لو انْتقضت كانت كواكب تجْتلى
ولا عيبَ في نعمائها غير أنَّها / تجود متوهي الكاهل المتجمِّلا
وإني إذا أجهدتُ مدحي فإنَّما / قصاراي منها أن أقول فأخجلا
لبابك يا ابن الأكرمين بعثتها / أؤانس من مدحٍ عن الغيرِ جُفَّلا
وأرسلتها غرَّاء كالغصن يانعاً / وزهر الرُّبى ريَّان والريح سلسلا
ممنَّعة المغزى تجر برأسهِ / جريراً وتلقي من جرى الكلب جرولا
شببت لها فكري وفاحت حروفها / كأنيَ قد دخَّنت في الطرسِ مندلا
وأعْتقت رقِّي من خمولٍ عهدته / فحزت وَلا قلبي وللمعتق الولا
وأنت الذي أسْعفتني فصنعتها / ولولا الحيا لم يصبح الترب مبتَّلا
فلو رامها الطائيّ من قبل لم يقل / لهانَ علينا أن نقول ونفعلا
وكم مثلها أهديتها طيّ مدرجٍ / تكاد لفرطِ الشوق أن تتسلَّلا
يفوه بها الراوي فيملأ لفظها / فم الخلّ درًّا أو فم الضدّ جَندلا
جمعت بنعمى راحتيك فنونها / كما جمعَ السلك الجمانَ المفصَّلا
ومثلك من حلَّت أياديه حسنها / فزادَ وثنى حظّها فتكمَّلا
بقيت لهذا الدهر تبسط إن أسا / يديك فما ينفكُّ أن يتنصَّلا
ودمت لشأوِ المجد بالطول راقياً / ومن طلبَ المجد العليَّ تطوَّلا
حلفت يميناً ليسَ مثلك في الورَى / فما شرع الإسلام أن أتحلَّلا
دعوني لذكرى حسنه أقْتضي العذلا
دعوني لذكرى حسنه أقْتضي العذلا / ليملأ سمعي عنه أحسن ما يملى
بروحيَ أمرُّ الناس نأياً وجفوةً / وأحلاهمُ ثغراً وأملحهم شكلا
يقولون في الأحلام يوجد شخصه / فقلتُ ومن ذا بعده يجد الأحلا
ومن لي بطرف يستزير خياله / وقد حلف التَّسهيد من بعده أن لا
روى وجهه من تحت صدغيه معرضاً / فأعدم طرفي ذلك الروض والظلاّ
وكلَّفتني في رحلتي وإقامتي / على حسنه المطلوب أن أضرب الرملا
كأنيَ لم أختم على تبرِ خدِّه / بلثمٍ ولم أجعل عناقي له قفلا
ولم يسع نحوي شخصه أو خياله / فإن لم أصب من وصله الوبل فالطلاّ
على أنَّ لي فيه أمانيّ فكرة / أعيد على رغم الحسود بها الوصلا
ولي في الذي أهوى هوىً فلو أنه / تكلَّف لي عطفاً لناديته مهلا
وكانَ بودِّي لو أطقت تسلياً / فحققت عنهُ صبوتي كلما ملاّ
وحمّلت عنه ما عناه فلم أدع / على خصره سقماً ولا جفنه ثقلا
تحكَّم في ودِّي لديه وسلوتي / فأحسن في أحكامه العقد والحلاَّ
وإني على ظنِّي به وصبابتي / لأقنع من يدري على الطرفِ أن يجلى
أبى الله أن يجزي بذكرى أسرةٍ / تطفَّلت في العليا على مجدِهم طفلا
فيا لكَ بيتاً لا يقال لأهله / عزيز علينا أن نرى ربعكم يبلى
ولو حلَّ بي طيفاً وللراح سوْرَةٌ / بعقليَ لم أسلك به غير ما حلاَّ
سجيَّة آباءٍ كرمٍ ورثتها / وفقه عفاف يجمع الفرع والأصلا
ويدعو حماه طالباً بعد طالب / إلى المال يستجدى أو العلم يستجلى
فيا ليت شعري هل أرانيَ واقفاً / على بابهِ لا أقتضي الكتب والرسلا
فآوي بشطِّ النيل طرفي وناقتي / وأطرح في تيَّاره السرح والرحلا
وأسكن حيث الشهب حصباء واطئٍ / وحيث يمدُّ العزّ من فوقها ظلاَّ
وحيثُ أصوغ اللفظ أهلاً لمدحِهِ / وأمَّا سوى لفظي هناك فلا أهلا
وحيثُ زماني فهو ضدٌّ معاكس / يعود إذا طارحته صاحباً خلاَّ
أقول أبو جهل فلما أحفَني / ظلال الحمى العالي أقول أبى جهلا
هنيئاً لوفدٍ سائرين لبابه / لقد حمدوا المسرى وقد عرفوا السبلا
وإن امرأً أسرت إليه جياده / ليعظم أن يرضى الهلال لها نعلا
وإن لقاضي المسلمين عوارفاً / بها كم أقمنا للثنا شاهداً عدلا
ونحواً من العلياء نزِّه وضعه / فما الاسم منقوصٌ ولا الفعل معتلاَّ
رِدوا بحره واسْتصغروا ورد جعفرٍ / وقيسوا به الآمال واطْرحوا الفضلا
بني دلف طبتم وطابَ قديمكم / فأكرم بكم فرعاً وأكرم بكم أصلا
وجزتم مدا العلياء لم يتل سبقكم / ولكن على السماع ذكركمُ يتلى
فلا طرقت أيدي الخطوب لكم حمى / ولا فرَّقت عين الزمان لكم شملا
أرَى فِتنَةَ الدُّنيا هي الآيةُ الكُبرَى
أرَى فِتنَةَ الدُّنيا هي الآيةُ الكُبرَى / يَضِلُّ بها الهادي فيلهو عن الأُخرَى
غَفَلْنا بها عمَّا بها عن جَهالةٍ / فليسَ بما في البيتِ صاحبُهُ أدرَى
تَظَلُّ المنايا واقفاتٍ بمَرصَدٍ / فمن فاتَ يُمناها تَلَقَّتْهُ باليُسرَى
نَراها على غير اعتبارٍ بما نرى / كما الواو في عمروٍ تُخَطُّ ولا تُقرا
يَظُنُّ الذي خلفَ الجِنازةِ أنَّهُ / أمينٌ فلا يجري على ذلك المَجرَى
ترى عينُهُ حُفَرَ الضَّريحِ وقلبُهُ / هنالِكَ مشغولٌ بأنْ يبتني قَصْرا
غِشاءٌ من الدُّنيا علينا كأنَّها / عَلى حَدَقِ الأبصارِ قد كَتَبتْ سِحْرا
لنا كلَّ يومٍ خُطبةٌ من جِنازةٍ / ولكنَّ في الآذانِ عن صوتها وَقْرا
قدِ اندَكَّ في بَغدادَ طَوْدٌ فأجفَلَتْ / لهُ الشَّامُ حتى هزَّ من هَوْلِهِ مِصرا
أتاهُ رسولُ البينِ في حين غفلةٍ / وقد هابهُ جَهْراً فداهَمَهُ غَدْرا
قد اختارهُ الباقي الذي هو عبدُهُ / بليلٍ إليهِ في الطِّباقِ بهِ أسرَى
فكانَ لهُ في دارةِ الأرضِ مأتَمٌ / وفي العرشِ عيدٌ يجمعُ الفِطرَ والنَّحرا
إمامٌ من الأفراد في أهل عصرِهِ / شمائلُهُ الغرَّاءُ قد زانت العَصْرا
أدَقُّ الوَرَى فِكراً وأكرمُهُم يداً / وأفصَحُهم نظماً وأبلغُهم نَثرا
هوَ العُمَرِيُّ الباذخُ الشَّرفِ الذي / حباهُ بهِ الفاروقُ وهوَ بهِ أحرَى
جميلُ الثَّنا لا يقطعُ الدَّهرُ ذِكرَهُ / صدقتُ ولكن ذِكرُهُ يقطعُ الدَّهرا
لئن باتَ في أكفانهِ البيضِ مُدرَجاً / ففي جَنَّةِ الخُلدِ ارتدَى سُندُساً خُضْرا
وإن لم يَذُقْ في الأرضِ خمراً فقد سُقي / هناكَ خموراً غيرَ مُعقبةٍ سُكرا
لقد كُنتُ أجني الدُرَّ من لفظهِ وها / أنا من ثناهُ اجتلي الأنجُمَ الزُّهرا
وأذكرُ من ألطافِهِ ووِدادهِ / بدائعَ شَتَّى لا أُطيقُ لها ذِكرا
يَشُقُّ على قلبي رِثاءٌ أخُطُّهُ / لهُ ودموعي أوشكت تُذِهبُ الحِبْرا
وتُوشِكُ أن تُصلى الصَّحيفةُ في يدي / فتُحرَقُ من تصعيدِ أنفاسِيَ الحَرًّى
سَقَى الله قبراً ضمَّ أعظُمَهُ وكم / فؤادٍ تمنَّى أن يكونَ لهُ قَبْرا
ولو كانَ القبرُ يَملِكُ أمرَهُ / لرَدَّ البِلَى عنهُ واحرَزَهُ ذُخرا
لَأَستَسقِيَنَّ العَينَ غَيثاً لِرَبعِكُم
لَأَستَسقِيَنَّ العَينَ غَيثاً لِرَبعِكُم / وَإِن زادَهُ صَوبُ الدُموعِ مُحولا
لَأَستَنشِقَنَّ الريحَ شَوقاً إِلَيكُمُ / إِذا هِيَ هَبَّت بُكرَةً وَأَصيلا
لَأَنتُم وَإِن خُنتُم مَواثيقَ عَهدِنا / أَحِبَّةُ قَلبي لا أُريدُ بَديلا
لَآخِرُ عَهدي مِثل أَوَّله لَكُم / وَإِن كُنتُمُ لا تَحفَظونَ خَليلا
لَأَسعَفتُمُ المُشتاقَ لَو ذُقتُمُ الهَوى / فَأحيَيتُمُ بِالوَصلِ مِنهُ قَتيلا
لَأَجرُكُمُ بِالوَصلِ أَفضَلُ مغنَمٍ / بِعَيشِكُمُ رِفقاً عَلَيهِ قَليلا
لَأَن تُحسِنوا أَولى بِكُم مِن إِساءَةٍ / وَما كانَ أَولى بِالجَميلِ جَميلا
لَأَستَرزِقَنَّ اللَهَ نَوماً فَرُبَّما / وَجَدتُ إِلَيكُم في المَنامِ سَبيلا
لَأَستَحسِنَنَّ الذُلَّ في طاعَةِ الهَوى / وَأَيُّ مُحبٍّ لا يَعيشُ ذَليلا
لَآلئُ عَيني عقدُها مُتَناثِرٌ / وَإِن كانَ لا يشفي البُكاءُ عَليلا
سَأسألُ رَبّي أَن يُديمَ بيَ الشَكوى
سَأسألُ رَبّي أَن يُديمَ بيَ الشَكوى / فَقَد قَرَبَت مِن مَضجَعي الرَشأ الأَحوى
إِذا عِلَّةٌ كانَت لِقُربِك عِلَّةً / تَمَنَّيتُ أَن تَبقى بِجِسمي وأن تَقوى
شَكَوتُ وَسِحرٌ قَد أَغَبَّت زِيارَتي / فَجاءَت بِها النُعمى الَّتي سُمِّيَت بَلوى
فَيا عِلَّتي دومي فَأَنت حَبيبَةٌ / وَيا رَبّ سمعا مِن نِدائيَ وَالشَكوى
حُجِبْتَ فَلا وَاللَه ماذاكَ عَن أَمري
حُجِبْتَ فَلا وَاللَه ماذاكَ عَن أَمري / فاِصغ فَدَتكَ النَفسُ سمعا إِلى
فَما صارَ إِخلال /
وَلَكِنَّهُ لَمّا أَحالَت مَحاسِني / يَدُ الدَهرِ شُلَّت عنكَ دأباً يدُ الدَهرِ
عُدمتُ مِنَ الخُدّامِ كُلّ مُهَذّبٍ / أَشيرُ إِلَيهِ بِالخَفيِّ مِن الأَمرِ
وَلَم يَبقَ إِلّا كُلُّ أَدكَنَ أَلكَنٍ / فَلا آذِنٌ في
حِمارٌ إِذا يَمشي وَنَسرٌ مُحَلِّقٌ / إِذا طارَ بُعداً لِلحَميرِ وَلِلنِسرِ
وَلَيسَ بِمُحتاجٍ أَتاناً حِمارُهُم / وَلا نسرُهُم مِمّا يَحِنُّ إِلى وَكرِ
وَهَل كُنتُ إِلّا البارِدَ العَذبَ إِنَّما / بِهِ يَشتَفي الضَمآنُ مِن غُلَةِ الصَدرِ
وَلَو كُنتُ مِمَّن يَشربِ الخَمر كُنتَها / إِذا نَزَعَت نَفسي إِلى لَذَّةِ الخَمرِ
وَأَنتَ ابنُ حمديس الَّذي كُنتَ مُهديا / لَنا السحرُ إِن لَم نأتِ في زَمَنِ السحرِ
تَخَيَّرْتَ فاسْتَمْسَكتَ بالعُرْوَةِ الوُثقى
تَخَيَّرْتَ فاسْتَمْسَكتَ بالعُرْوَةِ الوُثقى / فَبُشْرَاكَ أَنْ تَفْنى عِدَاكَ وأنْ تَبقى
فما أبطلَ الرحمنُ باطِلَ من بغى / عَلَى الحَقِّ إِلّا أَن يُحقَّ بكَ الحَقَّا
وما لاح هَذَا المُلْكُ بدراً لِتِمِّهِ / بوجهِكَ إِلّا أَن يُبيرَ العِدى مَحقا
وما كُنتَ عند الله أَكْرَمَ من حَبا / خِلافَتَهُ إِلّا وأَنتَ لَهُ أَتْقى
لِيجُلو عن الدنيا بكَ الهَمَّ والأَسى / ويجمعَ فِي سلطانِكَ الغَرْبَ والشَّرْقا
رَدَدْتَ نظامَ المُلكِ فِي عِقدِ سِلكِهِ / وَمَا كَانَ إِلّا صُوفَةً فِي يَدَيْ خَرْقا
وأَضْحكْتَ سِنَّ الدهرِ من بعدِ مُقلَةٍ / مدامِعُها شوقاً إِلَى الحَقِّ مَا تَرْقا
وقلَّدْتَ والي العهدِ سَيفاً إِلَى العِدى / فسارَ كَأَنَّ الشمسَ قُلِّدَتِ البرقا
وَسيطَيْ سَمَاءٍ قَدْ جَعَلْتَ نُجُومَها / صفائِحَ بيض الهِند والأَسَلَ الزُّرقا
بَوَارِقَ لَوْ لَمْ تَخْطِفِ الهامَ فِي الوَغى / لَخَرَّتْ جُسومٌ من رَواعِدِها صعقا
كَأَنَّ الملا مِنْهُنَّ أَحشاءُ عاشِقٍ / تُبَكِّي دَماً عَيناهُ مِنْ حَرِّ مَا يَلقى
هَوادِيَ فِي ضَنكِ المَكَرِّ ولا هُدىً / نَواطِقَ بالفتح المبينِ ولا نُطقاً
يُخَبِّرْنَ عن إِلحاحِ سَعيِكَ فِي العِدى / كَأَنَّ سَطيحاً فِي سَنَاهُنَّ أَوْ شِقَّا
وَيَجْلُونَ عن لَيْلِ العَجاج كَأَنَّمَا / تُقَلِّبُ إِحداهُنَّ ناظِرَتَيْ زَرْقا
وَجُرْداً يُنازِعْنَ الكُماةَ أَعِنَّةً / يُفرِّغْنَها جُهْداً ويَمْلَأْنَها عِتقا
تَكِرُّ وِرَاداً من دِماءِ عُدَاتِها / وإِنْ أَقدَمَتْ شُهْباً عَلَى الطَّعنِ أَوْ بُلقا
رَوَائِعَ يَوْمَ الرَّوْعِ تَعدُو سَوابحاً / كِراماً وتُمْسِي فِي دِماءِ العِدى غرْقى
ضَمانٌ عليها نَفسُ كُلِّ مُنازِعٍ / ولو حَمَلَتْهُ الغُولُ أَوْ رَكِبَ العَنقا
تَبارى إِلَى الهَيجا بأُسْد خَفِيَّةٍ / إِذَا هالَ وَجْهُ المَوْتِ هَامُوا بِهِ عِشقا
وإِنْ فَزِعُوا نحو الصَّريخ فلا ونَى / وإِن وَرَدوا حَوْضَ المَنايا فلا فَرْقا
عبيدٌ مَماليكٌ وأَمْلاكُ برْبَرٍ / وكلُّ عظيم الفَخْرِ قَدْ حُزْتَهُ رِقَّا
هُمُ فئةُ الإِسلامِ إِنْ شَهِدُوا الوَغى / وهُمْ أُفُقٌ لِلْمُلْكِ إِن نَزَلوا أُفْقا
عَمَمْتَهُمُ نُعْمَى جَزَوْكَ بِهَا هَوىً / وأَوْزَعْتَهُمْ حِلْماً جَزَوْكَ بِهِ صِدقا
وأَوْرَيتَهُمْ زَنداً يُنيرُ لهم هدىً / وأَقْبَلتَهُمْ كَفَّاً يُنير لَهُمْ رِزْقا
وَعَزْماً لنصرِ الدينِ والمُلكِ مُنتضىً / ورأْياً من التوفيقِ والسَّعْدِ مُشتَقَّا
شَمَائِلُ إِنْعامٍ شمِلتَ بِهِ الوَرى / وأَخلاقُ إِكرامٍ عممتَ بِهِ الخَلقا
فَجَدُّكَ مَا أَعلى وذكرُك مَا أَبقى / وراجيكَ مَا أَغنى وشانِيكَ مَا أَشقى
ويمناكَ بالإِحسانِ حسبُ مَنِ اعتَفى / وسُقياكَ بالمعروفِ حَسبُ منِ استَسقى
وناداكَ عبدٌ يقتضِيكَ ودائِعاً / وإِن عَظُمَتْ خَطْراً فأَنفِسْ بِهِ عِلقا
به أَنْسَتِ الدنيا أَساطِيرَ من مَضى / وأَتعَبَتِ الأَيَّامُ أَقلامَ مَن يَبقى
إِذا مَا شَجا الأَعداءَ فِي قِممِ الذُّرَى / شَفاها بِحَظٍّ تَحْتَ أَقدامِها مُلقى
وإِنْ يَكُ مسبوقاً فيا رُبَّ سابقٍ / بعيدِ المَدى لا يدَّعِي معَهُ سَبقا
وإِنَّ لَهُ فِي راحَتَيْكَ وسائِلاً / تُنادِيهِ من جَوِّ السَّماءِ ألا تَرْقى
فَسِرْ فِي ضَمانِ اللهِ ناصِرَ دَوْلَةٍ / كَأَنَّ عمودَ الصُّبحِ فِي وَجْهِها انشَقَّا
وحسبُكَ مَنْ حَلّاكَ تاجَ خِلافَةٍ / رآكَ لَهَا أَهْلاً فأعطاكَها حَقَّا
غرامٌ ولا شكْوى وعَتْبٌ ولا عُتْبى
غرامٌ ولا شكْوى وعَتْبٌ ولا عُتْبى / وشوقٌ ولا لُقْيا وصبرٌ ولا عُقْبى
وكم حَنَّ معشوقٌ وأَعْتَبَ عاشِقٌ / وقلبُكَ مَا أَقْسى وقَلْبِيَ مَا أَصْبى
سأَصْدَعُ أَحناءَ الضُّلوعِ بِزَفْرَةٍ / تُطيرُ إِلَيْكِ القلبَ لَوْ أَنَّ لي قَلْبا
وأُسْبِلُ آماقَ الجفونِ بِعَبْرَةٍ / وإِنْ حُرِمَتْ منكِ المودَّةَ فِي القُرْبى
بِنِسْبَتِنا فِي رِقِّ مولىً أَضافَنا / فَبَوَّأَنا الإِكرامَ والمنزِلَ الرَّحْبا
وحسبُكِ و المَنْصُورُ جامِعُ شَمْلِنا / وكُنْتِ لَهُ شَرْقاً وكُنتُ لَهُ غَرْبا
فَجَهَّزَ فِيَّ العلمَ والحلمَ والنُّهى / وجَهَّزَ فيكِ الخيلَ والطعنَ والحربا
فَلَبَّيْتِهِ سَيْباً ولَبَّيْتُهُ مُنىً / ودِنْتُ لَهُ سلْماً ودِنْتِ لَهُ حَرْبا
فلا عَدِمَ الإِسلامُ من عَزَمَاتِهِ / سيوفاً بِهَا نَسْبِي وُجُوهاً بِهَا نُسْبى
أَيا ربعَ صبري كيف طاوَعَك البلى
أَيا ربعَ صبري كيف طاوَعَك البلى / فجَدَّدتَ عَهْدَ الشَوقِ في دِمَنِ الهوى
وَأَجْرَيْتَ ماءَ الوَصْلِ في تُربَةِ الجَفا / فَأَورَقَ غُصْنُ الحُبِّ في روضَةِ الرِّضَا
أَرَدْتَ بتجْديدِ الهوى ذكرَ ما مضى / فأَحْيَيْتَ عَهدَ الحُبِّ في مأْتمِ النَّوى
وَكَشَّفْتَ غيمَ الغَدْرِ عن قَمَرِ الوفا / فَأَشْرقَ نُورُ الوَصْلِ عن ظُلَمِ الجَفا
كَأَنَّك عايَنتَ الذِّي بي مِنَ الهوى / فَقَاسَمْتَني البلوى وقاسمتُكَ البِلى
وَدارَتْ بُروجُ اليأسِ في فَلَكِ الرَّجا / وَهَبَّ نَسِيمُ الشَّوقِ في أَمَلِ المُنى
لَئِنْ ماتَ يأْسِي منهُ إِذْ عاشَ مَطْمعي / فَإِنّي قَدِ اسْتَمْسَكْتُ مِنْ لَحْظِهِ الرَّجَا
وَما ذَكَرَتْكَ النَّفْسُ إِلا تَصاعَدَتْ / إِلَى العَيْنِ فَانهَلَّتْ مع الدَّمْعِ فِي البُكا
تُواصِلُنِي طوراً وَتهجرُ تارةً / أَلا رُبَّ هَجْرٍ جَرَّ أَسبابَهُ الصَّفا
أَرى الغَيَّ رُشداً في هواهُ وإِنَّني / لأَقْنَعُ بِالشَّكْوى إِلى خيرِ مُشْتَكى
أَلَمْ تَرَ أَنِّي بِعْتُ عِزّي بِذِلَّةٍ / وَطاوَعْتُ ما تهوى لِطَوْعِكَ ما تَشا
وَما وَحَياة الحُبِّ حُلْتُ عَن الَّذي / عَهِدْتَ وَلكن كلُّ شيءٍ إِلى انْتها
وَرَيَّانَ مِنْ ماءِ الشَّبابِ كَأَنَّما / يُوَرِّدُ ماءَ الحُسْن في خدِّهِ الحَيَا
إِذا قَابَلَ الليلَ البهيمَ بوَجهه / أَرَاكَ ضياءَ الصُّبْح في ظلمةِ الدُّجى
أَبى لحظُ طَرْفي أَن يفارقَ طَرْفَهُ / فلو رُمْتُ أَثنيهِ عَن الطَّرْفِ ما انْثَنَى
أُشَبِّهُ صُدْغَيْهِ بِخدَّيْهِ إِذْ بدا / بِسَالِفَتَي ريمٍ وَعِطفينِ من رَشا
إِذا ما انتضى سيفَ المَلاحةِ طَرْفُهُ / فَلَيْسَ لراءٍ طَرْفَهُ لَمْ يَمُتْ عَزَا
أَبى أَن تنيلَ القلبَ رِقَّةُ كَأْسِهِ / وَدقَّتْ عن التشبيهِ في اللطفِ بِالهوا
كَأَنَّ بَقايا ما عفا من حَبَابها / بقيةُ طَلٍّ فوق وَرْدٍ مِنَ الندى
وَنَدْمانِ صدقٍ قال لي بعد رقدةٍ / أَلا فَاسْقِني كأساً عَلى شدَّة الظَّما
فناولتُه كأساً فَثنّى بمثلها / فقابلني حسنَ القبولِ كما انثنى
تحَامى الكرى حتَّى كأَنَّ جفونَهُ / عليه لهُ مِنْها رقيبٌ من الكرى
وليلٍ تَمادى طولهُ فَقَصَرتُه / بِرَاحٍ تُعيرُ المَاءَ مِنْ صفوِها صفا
تَجَافَتْ جُفونُ الشَّرْبِ فِيهِ عَنِ الكرى / فَمِنْ بينِ نشوانٍ وَآخَرَ ما انْتَشى
وَقَدْ شَربوا حتَّى كأَنَّ رؤوسَهُمْ / مِنَ السُّكْرِ فِي أَعْنَاقها سِنَةُ الكرى
يَطُوفُ بِراحٍ رِيحُها وَمَذَاقُها
يَطُوفُ بِراحٍ رِيحُها وَمَذَاقُها / نَسيمُ الصَّبا وَالعَيشُ في زَمَنِ الصِّبا
وركبٍ تَساقَوْا كؤوسَ الكرى
وركبٍ تَساقَوْا كؤوسَ الكرى / وقد طلب النومَ طولُ السرى
يؤمُّون نجداً فيا نجدُ بشرى / سيغبطُ منكَ الثريَّا الثرى
وقفتُ بواديهمُ لا أرى / كواعبَه البيضَ فيما أرى
أسائلُهُ أين أُدْمَ الصريمِ / وأَنْشُدُهُ أَيْنَ أُسْدُ الشرى
فلو كنتَ تُبصرني عنده / ذكرتَ جميلاً بوادي القرى
بقيتَ ولا كانَ الزمانُ ولا بقى
بقيتَ ولا كانَ الزمانُ ولا بقى / فنائِلُهُ بَدْءٌ ونَيْلُكَ مُنتَهى
قد أفنيتَ آمالي بجودِكَ والمُنى / وجودتني حتى غنيتُ عن الغِنى
وصيرتَني من بعدِ ما كنتُ واقفاً / أقولُ لدهري كلّما جاءَ ههنا
فودَّ نزارٌ لو يَسُرُّ ربيعةً / بأنّكَ أضجرتَ الأفاقِرَ باللُّها
وأنكَ لا تنفكُ تحت عَجاجَةٍ / تُقطَّعُ فيها المشرفيةَ بالطُلى
ثَنَتْها من الصخرِ السنابكُ فاغتدتْ / تَردُّ عن الفرسانِ عاديةَ الظُبى
إذا يئستْ عُقبانُها من خَصيلة / رفعتَ إليها الدارعينَ على القَنا
سيوفُكَ أمضى في النّفوسِ من الرّدى / وخوفُكَ أمضى من سيوفِكَ في العِدَى
وليلُكَ صُبْحٌ ما يَحولُ من الظُبى / وصُبحكَ ليلٌ ما يضيءُ من الثّرى
وأنتَ الذي لوْلاهُ ما عُرِفَ النّدى / ولا كانتِ الدُنْيا ولا خُلِقَ الوَرى
فتىً يتجافى لذةَ النومِ جفنُه / كأنّ لذيذَ النومِ في جَفنهِ قَذَى
أطرفُكَ شاكٍ أمْ سهادُكَ عاشِقٌ / يَغار على عينيكَ من سِنَةِ الكَرَى
ومن سهَرت في المكرُماتِ جُفونُهُ / رعَى طرْفُهُ في جوِّها أنجُمَ العُلا
وليس ينامُ القلبُ والجفْنُ ساهرٌ / ولا تغمُدُ العينانِ والقلبُ منتضى
ألا إنّ عينَ المرءِ عُنوانُ قَلبهِ / تُخبِّرُ عنْ أسْرارِهِ شاءَ أمْ أبى
رأيتُ كريماً يأكلُ الناسُ زادَهُ / إذا سَئِموا أزوادَهُ سَئِمَ الطّوَى
يَرى ما تَرى أبصارُهُمْ وهو مُطْرِقٌ / وما لا تَرى أبصارُهُم عينُه تَرى
فقلتُ سحابٌ أسْتَظِلُّ بظِلّه / ولا امترى غيرَ المودةِ والهَوى
فلم أرَ عيشاً قبلَهُ متزهِّداً / ولا صادِياً قبلي يَفِرُّ منَ الحَيا
لرأيكَ سيفَ الدولةِ الهمُ دونَه ال / عزيمةُ والوعدُ الذي دونَهُ النّدى
فلا زلتَ تُبلى جِدّةَ الدّهْرِ باقياً / وتلبس أثْوابَ الحياةِ بِلا مَدَى
أكفُّ لسان الدمع إن يشكوَ الهوى
أكفُّ لسان الدمع إن يشكوَ الهوى / كأن لسان السقم لا يُحسنُ الشكوى
فَإنْ يُلْتَمَسْ يوماً حجاكُم فإنَّكُمْ
فَإنْ يُلْتَمَسْ يوماً حجاكُم فإنَّكُمْ / جَبالُ الحِجَى لَكِنَّكُمْ أبْحُرُ الجَدْوَى
ومَنْ ذا الّذي تُرضي سَجاياه كُلُّها / كَفَى المَرْءَ نُبْلاً أنْ تُعَدَّ مَعائِبُهْ
ألاَ رُبَّ مَنْ يُدْعَى فَتًى لَيْسَ بِالفَتَى
ألاَ رُبَّ مَنْ يُدْعَى فَتًى لَيْسَ بِالفَتَى / ألاَ إِنَّ رِبْعِيَّ بْنَ كاسٍ هُوَ الفَتَى
طَوِيلُ قُعُودِ القَوْمِ فِي قَعْرِ بَيْتِهِ / إذَا شَبِعُوا مِنْ ثُقْلِ جَفْنَيِهِ سَقَى