القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ نُباتَةَ السَّعْدِيّ الكل
المجموع : 92
تنفّستُ محزوناً وليس تَنفُّسي
تنفّستُ محزوناً وليس تَنفُّسي / على مَطعم من الحياةِ ومَلبَسِ
سِوى أنّ مالي عاذِرٌ عن خليقَتي / وأنّي على الأقْتارِ أُعطي وأنتَسي
فيا رُبَّ ماءٍ قد ذَعَرْتُ وحوشَهُ / وأطيارَهُ والصبحُ لم يَتَنفّسِ
بحرفٍ إذا حنّتْ أقولُ لها قِرى / بُغامُكِ تغريدي وظهركِ مَجلِسي
فإنّي وصُحبى بالثّنيّةِ أنْ سَرَوْا / سَرَيتُ بهم أو عَرّسوا لم أُعَرِّسِ
إذا اتّسعتْ أرضٌ وضاقتْ مَعيشضةٌ / لبستُ ثيابَ الفاتكِ المُتَغطْرسِ
فَيا ليتَ شعرَ الأروعِ ابنِ نُباتَةٍ / بأيِّ صروفِ الدّهْرِ لم يتمرسِ
أفي كلِّ يومٍ عثرةٌ بعد عثرةٍ / يكرِّرُ فيها نظرةَ المُتفرسِ
هل العيشُ إلا نِقمةٌ أثرَ نِعْمَة / أو العُمْرُ إلاّ مَقْطَفٌ أثرَ مَغْرَسِ
أتاني حديثٌ منكَ أوحشَ حاسداً / كنوداً وباتَ الليلُ خِلّي ومؤنِسي
بأيِّ يدٍ أولَيتني منكَ نِعْمَةً / فدتْكَ صدورٌ من تميمٍ بأنفُسِ
وراحتْ عليكَ المكرُماتُ وروّحتْ / بكلِّ طليقِ الوجهِ لم يتعبَّسِ
فما حازمٌ قد قَوّمَ الدّهرُ ميلَهُ / إذا لم يقوِّمْ جانبيهِ بكيِّسِ
ومُستثقلٍ للشّامِ عزمي وربّما
ومُستثقلٍ للشّامِ عزمي وربّما / سَبَقتُ إلى الوِردِ القَطا وهو سادِكُ
لَعَمركَ ما خلّفتُ في أرضِ بابلٍ / هَوايَ ولا ضاقتْ عليّ المسالِكُ
تبيتُ مَطايا الهَمِّ وهي شَوارِدٌ / لها بين قلبي والضُّلوعِ مَبارِكُ
أبَى الضيمَ لي أنْ أقبلَ الضيمَ صارمٌ / وقلبٌ إذا سيمَ الدنيّةَ فاتِكُ
وكفٌّ بفعلِ الخيرِ والشّرِ ثرَّةٌ / وسنٌ على ما أحدثَ الدهرُ ضاحِكُ
يَودُّ الردى لي مَعشرٌ بنفوسِهم / وإنْ سَلكوا الفجَّ الذي أنا سالِكُ
فكيفَ تردونَ القصائدَ بعدَما / شَرَدْنَ وهنّ المُحصَناتُ الفَوارِكُ
إذا أعظُمي زارتْ من الأرضِ حُفرةً / ولاكَ كُساها من فمِ التربِ لائِكُ
فَمَنْ يجمعُ الألفاظَ وهي شَتائِتٌ / ومن يَملِكُ اللّذّاتِ وهي مَوالِكُ
وإنّي لأغْضي الطّرْفَ عن كلِّ منظَرٍ / يَصَبُّ إله الناسكُ المتماسِكُ
وما ذاكَ من جهلٍ به غيرَ أنّني / عيوفٌ لأخلاقِ الألائمِ تارِكُ
فهلْ رجلٌ يشرى هوايَ بغارةٍ / تُفدّي عِتاقَ الخيلِ فيها النَيازِكُ
وهلْ تعْصِمَنّي بالعواصمِ رحلةٌ / إذا ارتكبتْ فيها القِلاصُ الرواتِكُ
تَحِنُّ رِكابي بالعِراقِ صَبابةً / وماشاكَ منها موضعَ الرجْلِ شائِكُ
صِلِ الأرضَ واقطعْها وإنْ بعُدَ المَدى / من العيسِ أوْصالاً ولانتْ عرائِكُ
لعلكَ يوماً أنْ تَروحَ ببلدةٍ / ومالُكَ مملوكٌ وسيفُكَ مالِكُ
ومَن كان سيفُ الدولةِ العَضْبُ سيفه / وناصرهُ لم تنتهِكه النّواهِكُ
رَمى بصدورِ الخيلِ هاجرةَ الوَغى / وللموتِ ظِلٌّ تبتنيهِ السّنابِكُ
يموتُ إذا ما قيلَ إنّكَ عائِشٌ / ويَحْيا إذا ما قيلَ إنّكَ هالِكُ
فتى الحربِ ما للحربِ عندكَ بُغيةٌ / إذا رَويتْ خِرْصانُها والبَوانِكُ
مدى الحربِ سلماً والرحيلِ إقامةً / وبَذْلُكَ ما تحوي الأكُفُّ المَسابِكُ
تَعُدُّ جموعُ الرومِ سلمَكَ مَعْرَكاً / ألا إنّ سِلمَ الغالبينَ مَعارِكُ
لهم منكَ أسيافٌ حِدادٌ وذُبَّلٌ / مِدادٌ وخيلٌ تعتليها الصعالِكُ
إذا أشرقتْ أسيافُهم ووُجوهُهُمْ / فيومُكَ فيهم أبيضُ اللونِ حالِكُ
ولمّا رأوا ألاّ معاذَ وإنّما / طويلُ شَمامٍ عند خيلِكِ حاتِكُ
وإنّكَ للبحرِ المُسَخّرِ خائِضٌ / إليْهِ وللسدِّ المُمنّعِ هاتِكُ
نَضَوْكَ ثيابَ الحقدِ غيرَ مُفاضةٍ / وأعطوكَ ما أعطتْ هواكَ الممالِكُ
سَما بكَ همٌ لو سَما النجمُ نَحوَهُ / ثناهُ كَلالٌ أو فَناءٌ مُواشِكُ
بعيدُ المدى نوءُ العَطايا سِجالُهُ / ونوءُ المَنايا طُرْقُهُ والمسالِكُ
فما لقيتْ منكَ الرّغائِبُ واللها / وما لقيتْ منكَ الدماءُ السّوافِكُ
بنفسي وأهْلي والصّوارمُ والقَنا / فتىً شِعْبُهُ للزّائِرينَ مَناسِكُ
أقامَ على ما بينَ مصرٍ وبصرةٍ / مُقاماً تَحاماهُ الليوثُ الفَواتِكُ
وفي كلِّ يومٍ سيّدٌ من عبيدِهِ / به الثّغْرُ ثَغرٌ كشّفته المضاحِكُ
سقى اللهُ من أسقى من العزّ آملاً / سحائِبَ تَمريها الرِّياحُ السّواهِكُ
وأعطى المُنى والسؤلَ من حقّقَ المُنى / بساكنِها والظُّلْمُ أرعنُ ماحِكُ
سِناناً أعارته يَمينَكَ صَعْدَةً / لها في قلوبِ الدارِعينَ مَسالِكُ
ومن لكَ في الدُنْيا بأروعَ ماجدٍ / يُواسيكَ في أهوالِها ويُشاركُ
إذا شامَ برقاً من سمائِكَ شائِمٌ / تَعرَّضَ منك العارضُ المُتدارِكُ
إليكمْ بَني اليونانِ منّي نصيحةً / منحتُكُموها والدِّيارُ دَكادِكُ
دَعوا الليثَ لا يَفْرِسْكُم الليثُ إنّهُ / متى ما يُصرِّفْ نابَه فهو صائِكُ
أبى اللهُ إلاّ آلَ حمدانَ إنّهمْ / غَواربُ سادتْ تغلِباً وحوارِكُ
همُ الشّمسُ في صدرِ النّهارِ ترفّعتْ / وفي هامةِ الليلِ النّجومُ الشّوابِكُ
مدحتُكَ لا إني لغيركَ مادِحٌ / أبَتْ هِمَمٌ لي في السّماءِ سَوامِكُ
وعزمٌ بأطرافِ الهمومِ معرِسٌ / وهمٌّ لأطْرافِ الرّماحِ مشابِكُ
ولكنكَ المقدارُ سَلَمَ فضلَهُ / لكَ الملكُ والمَملوكُ والمتمالِكُ
وما اعتاضَ مدحٌ أنتَ ربّ كلامِهِ / نَداكَ مُسَدِّيةِ ومجدُكَ حائِكُ
وشَطبةِ مَلكٍ للجِيادِ سُيوفُهُ / وإنْ سبقتْها المُدْرَكاتُ الركائِكُ
إذا أعجبتْ صملاخة أعجبَ النّدى / تمايلُه في مالهِ وهو تامِكُ
تناهبها الحيانِ بَكْرٌ وتغلِبٌ / وأسلمَها الحيانِ سعدٌ ومالِكُ
أبَتْ عادةٌ للفتكِ خوفَ المخاوفِ
أبَتْ عادةٌ للفتكِ خوفَ المخاوفِ / وحاجةُ رُمحي في ملوكِ الطّوائِفِ
رحلنا من الأطْوادِ أطوادِ بالِسٍ / وتِلْكَ الهوى منّا وإنْ لم تُساعِفِ
بخيلٍ جعلْنا زادَهُنّ وزادَنا / من الجريِ والإقْدامِ يومَ التسايِفِ
عليهنَّ وثّابونَ فوقَ ظهورِها / إلى الموتِ ورّادُونَ حوضَ المَتالِفِ
دَعوتُهُمُ ليْلاً فقاموا لدعوتي / قيامَ صدورِ الأخضرِ المُتقاذِفِ
إلى كلِّ قِرْضابٍ من الضّربِ ناحلٍ / وكلِّ سنانٍ من دمِ القلبِ راعِفِ
فما شِئْتَهُ من سافعٍ غيرِ مُلجَمٍ / ومعتنقٍ للقرنِ غير مُسايِفِ
عَرَفْتَ بني حواءَ قبلَ اختبارِهم / ومن لكَ في هَذا الزّمانِ بِعارِفِ
تريكَ الذي قد غابَ عنكَ ظَنونُهُ / بحزمٍ لمستورِ المُغيَّبِ كاشِفِ
وحيٍّ حُلولٍ بالمَزونِ يَروقُهم / حنينُ المَلاهي واصطخابُ المَعازِفِ
تَرى الهولَ يومَ الرّوعِ من فتكاتهم / إذا قَرّعوا أفراسَهُمْ بالمَجازِفِ
ألِكْني إلى حيِّ الأراقِمِ إنّني / أرى فَخرَهُمْ في الناسِ إحدى الطّرائِفِ
أنَخْنا فَحيّوا بالسّبابِ وحرَّشوا / لنا كلَّ كلبٍ بالعَراقيبِ عارِفِ
وما ظَلَموا الأوْداجَ ظلمَ ضُيوفِهم / ولا بَذَلوا الأموالَ بذلَ الرّوادِفِ
أبعدَ الذي أمْسى بحرّانَ قَبْرُهُ / تُصافِحُه أيْدي الرياحِ العَواصِفِ
هَوَتْ أُمُّهم يومَ استقلَّ مُودِّعاً / على النّعشِ ماذا أدْرَجوا في اللّفائِفِ
لقد دَفَنوا روحَ النّدى ويَدَ الرّدى / ومُنيةَ مأمولٍ وعِصمةَ خائِفِ
لقد نَطَقَتْ بالوجدِ منكَ مدامعٌ
لقد نَطَقَتْ بالوجدِ منكَ مدامعٌ / وهَبْتَ زَماناً حُسْنَها لسُرورِها
أبَتْ زفراتٌ تَستَحِمُ خُيولَها / يدُ الشّوقِ إلاّ مسّةً في ظُهورِها
إذا كنتَ لم تَشْهَدْ مكارِمَ صاعدٍ
إذا كنتَ لم تَشْهَدْ مكارِمَ صاعدٍ / وقَصّرَ عن إدْراكِهِنَّ بكَ العُمْرُ
فطَرْفَكَ فارفعْ فالمجَرَّةُ قَبْرُهُ / وأفْعالُهُ من حَوْلِها الأنْجُمُ الزُّهْرُ
إذا لم ترعْني الحادِثاتُ فطالما
إذا لم ترعْني الحادِثاتُ فطالما / غَدا خَلِقاً عنْدي جديدُ المصائِبِ
لقد بدَهتني بالغرائبِ برهة / فلم ألْقَ شيئاً لم يكنْ في تجارِبي
فَيا صاحبيّ من هِلالِ بنِ عامِرٍ / وسعدِ بنِ زيدٍ في الذّرى والغَوارِبِ
تعجبتُما أنْ أفنتِ العيسُ دمعَها / على طلَلٍ بينَ العُذَيْبِ فَراسِبِ
فَلا تحسَبا أنّ المَطايا عَرفْنَه / فتلكَ دُموعي في عيونِ الرّكائبِ
حَنيني أراها كيفَ تستشعِرُ الهَوى / دعائمُها فيض الدّموعِ السّوارِبِ
إذا ما هززتَ الغُرَّ آلَ نُباتةٍ / هززتَ متونَ المُرهَفاتِ القواضِبِ
ألا نادِ في الأحْياءِ هلْ مِن مُفاخرٍ / يفاخِرُنا في الناسِ أن مِن مُحارِبِ
ونحن بَنو سعدٍ تزورُ جفاننا / أباعدَنا في الجدْبِ قبل الأقارِبِ
إذا السنةُ العُظْمى أناخَتْ بمعْشَرٍ / أنَخْنا إليهمْ باللُّها والرغائِبِ
إذا اصطرعَتْ نيرانُنا ورِياحُها / ولم تبقَ نارٌ تستنيرُ لطالِبِ
رفَعْنا لها أموالَنا وجيادَنا / وأثوابَنا حتى تجيءَ بساغِبِ
نزلْنا من السبعِ السّمواتِ منزِلاً / وضعْنا به الأقدامَ فوقَ الكَواكِبِ
تبسَّم خلاّبٌ فغرّكَ ثغرُهُ
تبسَّم خلاّبٌ فغرّكَ ثغرُهُ / أخوكَ عدوٌّ والزّمانُ صديقُ
ولو أمكنته في اختيالكَ فُرصةٌ / تحدَّرَ صَمْصامٌ عليكَ ذَلوقُ
يُسِرُّ الفتى محض الهَوى وهو مُغرَمٌ / ويُظهِرُ بعضَ الودّ وهو حَنيقُ
ويَخرَسُ عن رَدِّ الجوابِ وعندَه / لسانٌ بأسْرارِ الغُيوبِ نَطوقُ
ولم أرَ مثلَ المالِ للمرءِ ناصراً / إذا خذلَ المرءَ الشقيقَ شَقيقُ
يعبسُ أحياناً ويضحكُ تارةً / وفي كل وقتٍ وجهُ مالِكَ رُوقُ
نصحْتكَ لا أني لودِّك خاطبٌ / إليْك ولا أني عليك شفيقُ
ولكنّ مجدَ القومِ يُثْلَمُ حَدُّهُ / إذا كان للسّاعي إليهِ طَريقُ
أيَا من بشرقِ الأرضِ والغربِ يَمتري
أيَا من بشرقِ الأرضِ والغربِ يَمتري / صَدى الجودِ أو يطوي إليه الفَيافِيا
أقيموا له إنْ كنتمْ من ثِقاتِهِ / بكاةً على أمواتِه وبَواكِيا
فإنّ بميّافَارِقينَ حفيرةً / تركْنا عليها ناظرَ الجودِ دامِيا
تُضَمِّنُها الأيدي فتى ثكلتْ بهِ / غَداةَ ثَوى آمالَها والأمانِيا
مِنَ التغلِبيينَ الأُلى لو رأيتَهم / رأيتَ رجالاً يَخلقونَ المَعاليا
إذا هطَلوا خِلتَ السَّحابَ سَواقِياً / وإنْ نَطقوا خِلتَ الكلامَ قَوافِيا
وأيُّ فتىً يشْكو إلى الموتِ فقدَه / كأنْ لم يكنْ يوماً له الموتُ شاكِيا
إذا ذكرتْ أخلاقُه منه شيمةً / تسربلَ منه أخلَق الحَدِّ ماضِيا
فتىَ يشربُ الماءَ الزّلالَ لفَقْدِه / ذعافاً ويجني الطيّباتِ أفاعِيا
فيا قَبرَه جُدْ كلَّ أرضٍ بجودِهِ / ولا تنتظِرْ فِيها السَّحابَ الفَواديا
فإنكَ لو تدري بما فيكَ من نَدى / تصدّعتَ حتى يُصبحَ الجوُّ طامِيا
ويا يومَه عَزَّ الأنام بفقدِه / فأنتَ بمولاهُم تُعزّى المَواليا
وحاشاكَ سيفَ الدولةِ اليومَ أنْ تُرى / من الصبرِ خُلوا أو إلى الحزنِ ظامِيا
فإنْ تَكُ أفنتْ سطوةُ الدّهْرِ عمرَه / فعُمْرُ عُلاهُ يتركُ الدّهْرَ فانِيا
وما فيه مفقودٌ إذا كنتَ حاضراً / ولا فيهِ مَثكول إذا كنتَ باقِيا
ولمّا عَدِمْنا الصبرَ بعدَ محمّدٍ / أتينا أباهُ نستفيدُ التّعازِيا
عجبتُ له كيفَ استقلَّ بحزنِه / عليْهِ وقد هدّ الجبالَ الرّواسِيا
ولكنّهُ سيفٌ إذا التبستْ بهِ / صُروفُ اللّيالي رَدَّهُنّ نَوابِيا
جديرٌ إذا مالجَفنُ جلّلَ نصْلَه / بتمزيقِه حتى ترى النّصلَ بادِيا
بِطولِ ذِراعٍ لا يَرى الرمحَ نائلاً / وحدّةِ كفٍّ لا يَرى السيفَ كافِيا
إذا الحُزْنُ ولّى نفسَه صدرَ جازعٍ / أقامَ عليه حسبة الصبْرِ والِيا
فلا زالتِ الدُّنيا ولا زالَ مجدُه / يُغرّي به أيامَها واللّيالِيا
ألا كلُّ بُرءٍ بعدَ رَامة مُسقِمي
ألا كلُّ بُرءٍ بعدَ رَامة مُسقِمي / وكلُّ نعيمٍ لا أقولُ لهُ دُمِ
تعطلتِ الأجزاعُ من كلِّ مُسرجٍ / يُمسِّحُ أعطافَ الجيادِ ومُلجِمِ
وخيلٍ كأمْثالِ الأهلّةِ كُلّلَتْ / من أبناءِ سعدٍ والرَّبابِ بأنجُمِ
كأن لم نُردها والحيا غيرُ باخلٍ / ولم نرعَ فيها والثّرى غيرُ مُعدَمِ
وللجدِّ صيدٌ بينَ خَودٍ وفارسٍ / وللهوِ صيدٌ بينَ ظَبيٍ وضَيْغَمِ
فمَنْ مبلغٌ عني قبائلَ خِنْدِفٍ / رِسالةَ صَبٍّ بالنصيحةِ مُغْرَمِ
أتَخضِبُ قيسٌ بالدّماءِ رماحَها / وفيكُم رماحٌ لا تتوقُ إلى الدّمِ
نصحتكُم حتى أرَبتُ ظنونَكُم / ووشيتُ بُرْدَ القولِ للمتوهّمِ
فإنْ قلتمُ إنّي أكلتُ لحومَكم / بلومي فإني آكلٌ غيرُ مُطْعِمِ
وإني لخافي الثغْرِ عن كلِّ فَرْحَةٍ / إذا فضّتِ اللّذّاتُ عن كلِّ مَبسمِ
تركتُ وراءَ القلبِ ليلةَ عرَّسوا / بحرانَ عزّي في الحياةِ ومَغنَمي
وألبستُ أتوابَ الدفينةِ ماجِداً / إذا شَمَّ ريحَ الظلمِ لم يتظلمِ
فإنْ بخِلَتْ عني تميمٌ بنصرِها / فربّ غلامٍ بالحسامِ مُعَمّمِ
وشُمٍّ من الفتيانِ سلّوا سيوفَهم / فحلّوا عليها كلَّ جيدٍ ومِعصَمِ
حَكمْتُ فأعطيتُ الحكومةَ فيهمُ / وكنتُ إذا حكّمتُ لم أتحكِّمِ
رأيتُ أبا سهلٍ تناولَ مجدَها / وقد قَصُرَتْ عنها يدا كلِّ منعمِ
أُمسّحُ أضْغانَ العدوِّ ببلدةٍ / تطالعُها الغاراتُ من كلِّ مخرمِ
على حين فارقتُ الهَجيمَ ومازناً / وأصبحَ عِرضي فُرصةَ المتهضمِ
ولمّا التوى حبلُ الخِناقِ تلوّمتْ / عن النصْرِ كفي وهو لم يتلومِ
تخطّى حُقود القومِ ينقُلُ ظلَّهُ / على كل مقرورٍ من الغيظِ مُفعمِ
فتىً مثلُ طعمِ الرّاحِ تحيا بهِ المُنى / وتَسلُبُ لُبَّ الفالِ المتكلّمِ
كأنّك إذْ كررتَ طرفَك فيهمُ / رميتَهُم من مقلتيكَ بأسهُمِ
فما تركَ الأعداءُ ظلمى تقيّةً / ولكنّهم خافوا حميّة أرقمِ
ووثبةَ ضرغامٍ كأنّ زئيرَهُ / تَهَدُّمُ طودٍ من هِضابِ يَلَمْلَمِ
لهُ في الدّروعِ السابريةِ وَقفةٌ / تُبدّدُ أعيانَ الحديدِ المنظّمِ
نظرتُ بصدرِ العينِ فاشتدّ ساعِدي / وطارتْ يَميني بالحُسامِ المُصَمّمِ
فإنّ معزَ الملكِ أتعبَ همّه / فحازكَ من آمالِه بالتّجشُّمِ
وكان إذا هبّت زعازعُ فتنةٍ / دعاكَ لنا قبل الخميسِ العَرَمْرَمِ
برأيكَ يُثنَى الدّهرُ عن حدثانِهِ / ويُفتحُ من قُفلٍ من العيسِ مبهمِ
ولمّا دعاهُ الموتُ قال لأهلِهِ / صِلوا حبلَ قومٍ بالوفاءِ متيمِ
لقد جعلَ الأهواءَ وهي حَزونةٌ / تَخُبُّ إليكُم من فصيحٍ وأعْجَمِ
رمى دونَكُم حدّ السيوفِ بوجهِه / وعانقَ أطرافَ الوشيجِ المقَوَّمِ
وكان لكُم لمّا تلجلجَ قولُكم / مكانَ الثّنايا واللّسانِ من الفمِ
فهلْ سرّكم أنّ الخِصامَ تكشّفتْ / صبابتُه عنكم ولم يتكلّمِ
وبالبصرةِ الحمراءِ خاضَ مُشَمّراً / إلى عزّكمْ نارَ الحَريقِ المضرَّمِ
عشيةَ لا يُغني عن السيفِ حدُّه / إذا لم تُقدّمهُ يدُ المتقدمِ
وصبحٌ من البيضِ القواضبِ مشرقٌ / يُصَبُّ على ليلٍ من النقعِ مُظْلِمِ
من النفر البيضِ الذين توسّدوا / أكفَّ اللّيالي قبلَ عاد وجرهمِ
تَدلّوا على هامِ المكارمِ والعُلا / وغيرُهم يَرقى إليها بسُلَّمِ
تحرمتُ بالوُدّ المقرَّبِ منكُمُ / ولمْ آتّخذْ أموالَكم للتحرُّمِ
وأخفيتُ عنكُم حاجتي وهي خلةٌ / تلوحُ لعينِ الناظرِ المتوسمِ
ولستُ بقوالٍ إذا الرزقُ فاتني / وصادفَ غيري قد ضللتَ فيمِّمِ
لأفْقَر منّا بلدةً ومحلّةً / تشبُّ بروقُ العارضِ المُترنّمِ
وآخذُ عفوَ العيشِ لا أستكدّه / لَحا اللهُ غنماً يستقادُ بمغْرَمِ
فإن كنتُ أرضى بالبَشاشةِ منكُمُ / ويسترُ عدمي شيمتي وتكرُّمي
فربَّ جوادٍ قيّدَ الفقرُ جودَهُ / ومبتسمٍ تعبيسُه في التبسُّمِ
وقفنا على قبرِ العلاءِ بنِ صاعدٍ
وقفنا على قبرِ العلاءِ بنِ صاعدٍ / وأفواهُنا فيها صُدورُ الأنامِلِ
نزورُ غريباً لا يحنُ إلى هوىً / ولا يشتكي فقدَ الخليطِ المُزايلِ
بعيشكَ لا تبخلْ بِرَدِّ جوابنا / متى كنتَ لا تخفى بطلعةِ سائِلِ
وكيفَ تُجيبُ السّائلينَ وبينهم / وبينكَ أطباقُ الثّرى والجَنادِلِ
بكيتُكَ للمكروبِ شُدَّ خِناقُه / وللخصمِ أعمى كلَّ حقٍّ بباطِلِ
ومولىً غسَلْتَ الذُّلَ عن حرِّ وجهِه / وناقلتَ عنه القولَ كلَّ مُناقِلِ
ومطروقةِ العينينِ طائرةِ الكَرى / تكفكِفُ أسرابَ الدموعِ الهَوامِلِ
لقد وَلَدتْ حزناً طويلاً وحسرةً / تَهزُّ حَشاها بالضُّحى والأصائِلِ
رحلتَ إلى مجهولةِ الماءِ والقِرى / ولم تتزودْ زادَ يومٍ لراحِلِ
وفارقتَ أقواماً يرونَ حياتَهم / وقد غالكَ المقدورُ إحدى الغَوائِلِ
كأنّكَ لم تعقِرْ لصَحْبِكَ ناقةً / فيأكل منها راكبٌ متنَ راجِلِ
وراحلةٍ وسطَ الفلاةِ تركتَها / تُغنّيهم أعضاؤها في المراجِلِ
فتى ينصرُ المولى ويغفر جهلَه / فليس بمعذولٍ وليسَ بعاذِلِ
أُقلبُ طَرفي في الأنامِ فَلا أرَى / على ما بِنا من غفلةٍ غيرَ غافِلِ
يعيّرُ زيدٌ بالسّفاهةِ مَزيداً / وقبرُ حليمٍ مثلُه قبرُ جاهِلِ
وأُقسِمُ ما الدُّنيا بدارِ إقامةٍ / ولا هي إلاّ مثلُ بعضِ المنازِلِ
نسيرُ إلى الآجالِ حولَ رجائِها / ونَطوي بها الأيامَ طيَّ المَراحِلِ
ونأكلُ مرْعاها فتأكلُنا به / لقد طلبت أرواحنا بالطّوائلِ
أصاعِد جنبها الدروعَ فإنّهُ / لبطنِ الثّرى تُثْري بُطونُ الحوامِلِ
وقد أخذتْ منكَ المصائبُ قبلَها / فَما طفِرتْ من مقلتيْكَ بطائِلِ
هَبِ الدهرَ لم يسمحْ بهِ يا ابن ثابتٍ / أكنتَ توَلّيهِ ملامَةَ عاذِلِ
ومَن ذا الذي يهوَى تلوّنَ عيشه / ويَرْضى عن الأيّامِ غيرُ المجامِلِ
أقِلها صروفَ الدهرِ كلَّ إقالةٍ / وعشْ سالِماً يا خيرَ حافٍ وناعِلِ
فإنّ الذي يُحثى عليهِ من الثّرى / كآخرَ تستهديهِ أيدي القَوابلِ
خليليَّ لا تستعجِلا وَدَعَاني
خليليَّ لا تستعجِلا وَدَعَاني / وحلاّ بدارِ الحزمِ وانتظِراني
لَم يكُ هَذا الدّينُ سنةَ واحدٍ / وأصبحَ منهُ اليومَ ما تريانِ
تُحرقُ دوحَ الواديينِ شرارةٌ / ويجمعُ جَدَّ المرءِ بعدَ حِرانِ
كأنّكما لم تعلَما حربَ وائلٍ / وما استلبتْ من صَعدَةٍ وحِصانِ
وقتلَ كليبٍ في جريرةِ ناقةٍ / وقد كانَ لا يَخشى جِنايةَ جانِ
وعبسٌ أذاعُوا في الرّهانِ سيوفَهُم / فافنوا بها الإعمارَ وهي فَوانِ
وأسندتِ الشَّعرَ الرقابُ نحورُها / إلى حَرِّ ضربٍ صادقٍ وطِعانِ
ألا رَجُلٌ يستلُّني من هَويّةٍ / تهدَّمَ بي في قعرِها الرَّجَوانِ
ومولىً كمولى الذئبِ شمَ نجيعَهُ / رأى الدهرَ يَرمي صفحتي فرَماني
دعاني وعَرضُ الرملِ بين وبينَه / فألاّ دَعاني والرماحُ دوانِ
فإنْ كانَ رمحي ليس يبلُغُ قلبَه / فإنّ سِناني في القُلوبِ لساني
وحمّلَ ركبانَ الطريقِ وعيده / فعلم سنى الضّحكَ حين أتاني
وقلتُ لمن أدى الرّسالةَ قل لهُ / ستُنكِرُ هَذا القولَ حين تَراني
فخرّ صَريعاً للوعيد كأنّني / ثَنيتُ له بالسّمهريِّ بَناني
أأنْ غلبتْ سعدٌ على المجدِ كلِّه / غلبتَ على البغضاءِ والشنآنِ
فقد بَليتْ تحت الترابِ عِظامُهُمْ / وغيظُك لا يَبلى على الحَدثانِ
تُلفَّتُ في أعطافِها وبُرودِها / بني وائلٍ تعساً لشرِّ زَمانِ
وهل ينفعُ الفتيانَ حسنُ جسومِهِمْ / إذا كانت الأعراضُ غيرَ حِسانِ
فلا تجعل الحسنَ الدليلَ على الفتى / فما كلُّ مصقولِ الحديدِ يمانِ
لعَمري لقد قادَ الضلالُ ركابَنا / إلى شرِّ مخلوقٍ من الحَيوانِ
أبَوا أنْ يبلوا في الهَجيرِ حلوقنا / وأعينُها تَدمى من الهَمَلانِ
ولو جاورتْ وهباً لقصَّ حِبالَها / وأثقالَها عن منكبٍ وجِرانِ
لضمّ على أحشائِها رُكباتِها / وقال رِدي قبلَ الحياضِ جِناني
وإنّ فتىً بعدَ القطيعةِ زرتُه / لأكرمُ من تمشي بهِ قدمانِ
سَقانيَ في كأسِ البشاشةِ مرحباً / ألا مرحبا أكرمتَ غيرَ مُهانِ
فقلْ للطّوالِ الشُّمِّ كعبِ بنِ عامرٍ / وخُصَّ سَراةَ الحيِّ من غَطَفانِ
وبكراً ومن حلّ القَنانَ وطيئاً / ومن ضَمَّ من أشياعِها الجَبَلانِ
رِدوا وانزلوا عَرضَ البلادِ فأنّى / نزلتْ من الدُنْيا أعزَّ مكانِ
علِقتُ على ضعفِ الحِبالِ وذلِّها / بأمنعِ حبلٍ علقته يدانِ
فأصبحتِ الأقدارُ ترهبُ أسهمي / وتأخذُ أحداثُ الزّمانِ أماني
وإنّ الخَنا والغدرَ في الناسِ شيمةٌ / كَفى اللهُ وهبا شرَّها وكفاني
حماني من الظّنِّ الكذوبِ وقال لي / همومُك من همي وشانُك شاني
وكانتْ ضُلوعي لا يقرُّ قرارُها / وقلبي لا يهدأ من الخَفَقانِ
دعوتُ سواهُ للعُلا فأجابَني / وأجللتُه عن مَطلَبي فَبداني
وجاءَ بها كعبيةً حاتِميّةً / سجيّةَ ماضي الشفرتين هِجانِ
ومكرمةً في ذا الزمانِ غريبةً / تَدارَكها تجري بغيرِ عِنانِ
ولي حاجةٌ لولاكَ عزَّ طِلابُها / على كلِّ قاصٍ في البِلادِ ودانِ
سعى نحوَها الساعونَ يبتدرونَها / ولكنّه سَعيٌ لعمرُكَ وانِ
هم كرِهوا الأقرانَ حينَ تزعزعَتْ / صدورُ القَنا والتفتِ الفئتانِ
إلى أينَ وليتُم وجارُ بيوتكُم / يجاذبُ حبلي ذِمّةً وضَمانِ
وباتَ على الجُدرانِ يَرمُقُ قوتَها / جناحا غرابٍ هَمَّ بالطّيرانِ
إذا اللهُ لم يأذنْ لِما أنتَ طالبٌ / أعانكَ في الحاجاتِ غيرُ معانِ
تلافَ بها حقَّ المروءةِ وارعَها / فَما يُمكن الأحصانُ كلَّ أوانِ
وكم من عزيزٍ قد تخطيتُ نصرَهُ / إليكَ وباقي الريقِ غيرُ جَنانِ
تُجيرُ على الأعداءِ والطعنُ فائرُ / وبيضُ الظُّبا والهامُ يَعْتَلِجانِ
وكنتُ إذا ما حاجةٌ حالَ دونَها / نهارٌ وليلٌ ليسَ يَعتذرانِ
حَملتُ على سوءِ القضاءِ ملامَها / ولم أُلزمِ الإخوانَ ذنبَ زَماني
عجِبتُ لِهذا الدهرِ كيفَ يَضيمُنا / على ما بهِ من ذِلّةٍ وهَوانِ
وتَطرُقُنا فيه المناحِسُ بعدَما / رأتكَ نجومُ الليلِ والقمرانِ
ولو كان خَلقٌ فوقَها كنتَ فوقَه / فما هذه الدنيا وما الثَّقلانِ
رأيتُ لساني فيكَ يحسِدُ خاطري / وتحسُدُه في مدحِكَ الشّفتانِ
فيا ربِّ هَبْ لي وصلَ وهبٍ وقربَهُ / وصدعْ هَوى من شئتَ بعد تَدانِ
فأقْسِمُ لوْلا بذلُه ووفاؤهُ / لصافحتُ سيفي واعتنقتُ سِناني
ألَمْ أكُ يا شيبان أوّلَ طاعِنٍ
ألَمْ أكُ يا شيبان أوّلَ طاعِنٍ / مشى رمحُهُ فيهم وآخرَ آيبِ
وكانَ فِراري مغنياً بقُصيبةٍ / غناءَ دِفاعي عنكم بالذّنائبِ
تركتُ كعوبَ الرمحِ في صفحاتِهم / ووزعْتُه في مُردهم والأشائبِ
ولم أُبقِ فخْراً للعدو عليكم / بقتلي وقد أعرضتُم بالمناكِبِ
لخوفهم من دولةٍ أستديلُها / أشدُّ عليهِم من بكاءِ أقارِبي
بَرى اللهُ وهباً يومَ صوّرَ خَلْقَهُ
بَرى اللهُ وهباً يومَ صوّرَ خَلْقَهُ / نهاية آمالي وأقصى مآرِبي
ولولاهُ ما لبيتُ دعوةَ ماجدٍ / ولا كنتُ أرضى غايةً في المَطالِبِ
رَدَدْتَ صروفَ الدّهْرِ عني ذليلةً / تُقلِّبُ أطرافاً بغيرِ مَخالِبِ
وعلّمتني من أينَ يُكتَسَبُ الغِنى / ومن أينَ كانت حِرفَتي في المكاسِبِ
وكثرتَ إخواني وكنتُ مسافراً / غريبَ الهَوى في بلدتي وأقارِبي
فزِدني نُهى قاضي القُضاةِ ووُدَّهُ / ورودَ العِطاشِ الهيمِ صفوَ المشارِبِ
أقولُ له إذْ شردَ الجورَ عدلُه / هذاذيك يا ربَ الهُمومِ الغَرائبِ
أفادَ عقولَ الناسِ صحّةُ رأيِه / فلم يُبقِ نفْعاً يُرْتَجى في التّجارِبِ
وقورٌ ولو دارتْ رَحا الحربِ حولَه / وهبتْ أعاصيرُ القَنا والقواضبِ
أتَتْهُ على قربِ المزارِ ركائبي / تخبُّ بولهانِ المودةِ خاطِبِ
فلا تَحرمنّي وُدَّهُ إنّ وُدَّهُ / ليرفعُ من بدرِ الدُّجى والكواكبِ
أخافُ إذا جئتُ العُلا أنْ يقولَ لي / رجعتَ ولم تُبصِر نظامَ المناقِبِ
فَيا وهبُ لَبّس أحبُلي بحِبالهِ / تكن نعمةً أنعمتَها في النّوائبِ
فأنتَ شِهابي في الخطوبِ إذا دَجَتْ / وغيثي إذا جفّتْ جُفونُ السّحائبِ
وفدتُ فلم أترُكْ مقالاً لوافدِ
وفدتُ فلم أترُكْ مقالاً لوافدِ / وقد تركَ الماضونَ لي كلَّ شاردِ
يمُرُّ بأفواه الرّواةِ كأنّه / جَنى النحلِ ممزوجاً بسُم الأساوِدِ
خَطَتْ إبلي عَرضَ الفراتِ بقاطعٍ / تمائمِ أوجاعِ الهَوى والعَوائدِ
وغيّرَ وُدّي يا بنة القومِ مطلبٌ / هجرت له ضَمَّ الثديِّ النّواهدِ
تلومين في زيدٍ وقد مسّ جلدَه / على خطأٍ من فعله سوطُ عامدِ
ولو كان يُغني الصفحُ عنه قُلامةً / صفَحنا ولكن شيمةٌ من مُعاودِ
ألم أكُ قد حذرتُهُ يومَ دابِقٍ / سؤالَ المغاني والرسومِ البَوائدِ
وقلتُ له لا تُتْبِعِ البرقَ نظرةً / ولا تعلُ أطرافَ القِنانِ الفواردِ
ولمّا رأى عَبْساً تشُدُّ رحالَها / عَدا لؤلؤاً من عينهِ غيرَ جامدِ
فكيفَ إذا صاحَ الحُداةُ وراءَها / وقد قلّدوا أعناقَها بالمقاودِ
دَنونا ولم تدنُ الجبالُ كأنّها / وقد طلبَتها الخيلُ إحدى الطرائدِ
فلمّا بدا الهِرْماسُ تنقشهُ الصَّبا / حَمى قطرةً من مائهِ ألفُ ذائدِ
فلا تَرِدِ الهِرْماسَ يا راكبَ الحِمى / ورِدْ غيرَه صُم الصّفا والجلامدِ
أتمنعُنا غَنمٌ من الماءِ شربَة / وتسألُنا غنَمٌ فَضولُ المَراودِ
فوَ اللهِ ما أدري أأكرهُ فيهمُ / صدورَ العَوالي أمْ صدورَ القصائدِ
على أنّ أطرافَ الأسنّةِ مَطْرَدٌ / لكل فتىً عن عِرضِه لم يُطاردِ
إذا وصلَ الوَسميّ بيني وبينكم / وعادَ إلى طَورَيْن صوبُ الرواعدِ
فلا تأمَنوا أنْ تسمعوا صوتَ فتيةٍ / طِوالِ المَذاكي والقَنا والسّواعدِ
خُذوا اليومَ من إيماننا في رؤوسكم / عمائمَ إلاّ أنّها من حَدائدِ
بما وَرَدَتْ أنعامُكم ومطيُّنا / معذّبة الأكبادِ حولَ المَواردِ
ولو بِنَدى قاضي القضاةِ تعرّضَتْ / لما عُرّضَتْ آمالُها للمواعدِ
وكان عبيدُ اللهِ أولَ قائمٍ / لمَكرمَةِ الدّنيا وآخرَ قاعدِ
فتىً لا تَراهُ ماشياً فوقَ زَلّةٍ / ولا راكباً إلاّ ظهورَ الشّدائدِ
جَمَعْتَ نظامَ الدّينِ بعدَ شَتاتِهِ / وأصلحتَ من آرائهِ كلَّ فاسدِ
على حين ناضلتَ العِدَى وتقلّبتْ / عليكَ اللّيالي في ثيابِ المكائدِ
قدحتَ بزَنْدِ الرّأيِ والشّكُ سامرٌ / يُغازلُ أبصارَ العُقولِ الهَواجدِ
وكنتَ إذا رضتْ همومُك عزمةً / رميتَ بِها خلفَ السُّها والفَراقدِ
وكيف وجدتُم والسّفاهةُ كاسمِها / عقوبة جمِّ العفوِ في اللهِ حاقدِ
لعَمري لقد كاثرتُم بنعيمكم / لمُعتبرٍ في هذه الدارِ زاهدِ
وقد كنتُ أرسلتُ النذيرَ إليكُمُ / وقلتُ لكم نبهتُم غيرَ راقدِ
أخافُ من الليثِ المغَمِّضِ وثبةً / تُرَقِّصُ أحشاءَ الرجالِ الأجالِدِ
أرى شُعَبَ الوادي تَسيلُ عليكُم / وأذرَعكم تَثنى متونَ الوسائدِ
فلو أنّكم إذْ صرّحَ الشّرُّ عُذتُمُ / ببُرْدَيْهِ أو ألقيتُم بالمَقالِدِ
لردَّ إلى لِينِ الحشايا جُنوبكُم / وأطبقَ أجفانَ العُيونِ السّواهدِ
حَسدتُم مزيا نعمةِ اللهِ عِندَه / وما خَيرُ نُعمى لا تُعابُ بحاسدِ
أقيموا له عُوجَ الضّلوعِ فإنّما / زَرَعْتُمْ بِها شوكَ الفَسادِ لحاصدِ
لجامُ الأعادي لا يذوبُ لباطلٍ / ولا هوَ للحقِّ المُبينِ بجامدِ
مَصائدُكم مكشوفةٌ لعيانِه / ويحفظُكم من خافياتِ المَصائدِ
مُقيماً بدار الحزمِ يَرقُبُ عَوْدَكُمْ / ويسألُ عن أظعانِكم كُلَّ واردِ
يَعزُّ عليه أنْ تَثوبَ حُلومُكُمْ / وقد أُكِلَتْ أعراضُكم بالمَبارِدِ
تجاوزْ تغمدْ أُعْفُ عن هَفواتِهم / أقِلْ زلل الأولادِ يا خيرَ والدِ
فقد يلِدُ الإنسانُ غيرَ شبيهه / ويَصنَعُ معروفاً إلى غيرِ حامدِ
وأنتَ الذي لا يثلِمُ الجهلُ حِلمَه / ولو بينَ حِضنَي عَذبةِ الريقِ ناهدِ
فلا تَتْركَني عُرضةً لمُضاغِنٍ / يُزخرفُ قولاً لا يقومُ بشاهدِ
تهضَّمني عِرضي وكاثرَ ناصري / وظَفّر أعدائي وشمَّتَ حاسدي
وأطمَعَه خِذلانُ من كنتُ أرتجي / أبى الله خِذلاني وأنتَ مُعاضدي
هَلُمَّ إلى قاضي القضاةِ فإنّه / سيأخذُ للمجحودِ من كلِّ جاحدِ
ويحكُم فينا حاكمٌ في يمينه / أزمةُ غاياتِ العُلا والمحامدِ
تُصَوَّرُ منه المكرماتُ وتنتمي / إليه سُعودُ المُشتري وعُطاردِ
أمِنْتُ وقد أبصرتُ ثغركَ ضاحِكاً / تجهُّمُ أحداثِ الخُطوبِ النّواكدِ
وواللهِ لا أُعطي المذلّةَ طائِعاً / ولا كارِهاً حَدَّ السّيوفِ البواردِ
فإنّ شبيباً سنّ في العِزِّ سُنّةً / لكلّ كريمِ الأريحيّةِ ماجدِ
مَضى لا يَظُنُّ الذُّلَّ يَحْرُسُ نفسَهُ / من الأجلِ الداني ولا المتباعدِ
يُفَلِّقُ هاماتِ الملوكِ حُسامُهُ / ويأخذُ من تيجانِها بالمَعاقدِ
فكلّ لئيمٍ بعدَه لمُهَيْرَةٍ / وكلُّ نجيبٍ بعدَه للولائدِ
وسهمُ بنُ كعبٍ خُيِّرَ الذُّلَّ والرّدى / فخافَ الرّدى واختارَ شرَّ القَلائدِ
وأعجبه شَمُّ النّسيمِ الذي تُرى / ولم يدرِ سهْمٌ أنُّ غيرُ خالدِ
وإنّ بَني كعبٍ تبيدُ جسومُها / وما كان من أفعالِها غيرُ بائدِ
أصِبْ شكرَها يا سيدَ النّاسِ واغتَنم / ثناءَ بَواقٍ في الزّمانِ خَوالدِ
فإنْ تَغمروني بالفوائدِ إنني / لأغْمركم من منطقي بالفَوائدِ
سأهدي إليكُم كلَّ بيتٍ مُهذَّبٍ / صَقيلِ النّواحي في المناقبِ زائدِ
إذا قلتُه فيكُم رواهُ عدوّكم / فيمدحُكم عنّي لسانُ المعاندِ
ولو كان يومٌ فيه للفتكِ مَطْمَعٌ / كفيتُكم كيدَ العدوِّ المناجدِ
يقولُ بنو حَمدانَ إنّكَ مملِقٌ
يقولُ بنو حَمدانَ إنّكَ مملِقٌ / وما ضرَّهُ إنْ كانَ ليسَ لهُ مالُ
له سابحٌ لا تَلْحَقُ الريحُ عفَوهُ / ومِن قَصَبِ الخَطيِّ أسمرُ عَسّالُ
وأبيضُ من ماءِ الحديدِ ومِغْفَرٌ / ومن نسجِ داود المضاعف سربالُ
عتاد امرئ لا يملأ الهولُ قلبَه / له في سَوادِ الليلِ حِلٌّ وتَرحالُ
رأيتَ كَريماً مفرداً فنصرتَه
رأيتَ كَريماً مفرداً فنصرتَه / وأنتَ لها عندَ الشّدائدِ فَعّالُ
على حين لم يشهدْ أبوهُ وخانَه / أخوهُ وأعرى ظهرَهُ العمُّ والخالُ
ولم تَحمِ من لُؤمِ اللّوائمِ عِرضَه / فطاعنت عنه والأسنّةُ أقْوالُ
حفاظاً على المجْدِ التليدِ وغيرةً / أما لكَ عن كسبِ المَحامِدِ أشغالُ
جعلتَ الغِنى سيفاً ورُمحاً وسابحاً / وسابغةً فيها فضولٌ وأذيالُ
ستُخْصبُ أرماحُ الصّعاليكِ بعدَها / وقولُكَ هذا حين يَخْضَبُ أمثالُ
حَمى المجدَ من أنْ يستضامَ سَمَيْدَعٌ / وقورٌ لأعباءِ المَغارمِ حَمّالُ
أخو ثِقةٍ لا يملكُ المالُ همَّهُ / فينفَعَ إكثارٌ لديهِ وإقلالُ
كعاليةِ الرّمحِ المثقَفِ ماجداً / إذا لم يكن للنّاسِ فالناسُ أشكالُ
دَعُوا شَبَحي في الحبِّ يَخفى ويَظهرُ
دَعُوا شَبَحي في الحبِّ يَخفى ويَظهرُ / ولا تعذلوني والصّبابةُ تَعْذرُ
فإنّ الذي حملتموهُ ملامَكم / فتىً ظهرُهُ من حادثِ الدهرِ موقرُ
تلومونَ فيكُم كلَّ شَيءٍ صنعتُم / سوى اللؤمِ فيكُم يُستفادُ ويُشكرُ
فإنْ تَنزِفوا ماءَ الجفونِ فإنّما / لكَمْ كنتُ أستَسقي الدموعَ وأذْخَرُ
سَقى اللهُ أرضاً لا أبوحُ بذِكْرِها / فتُعْرَفُ أشجاني بها حينَ تُذكرُ
سِوى أنّها مسكيةُ التربِ ريحُها / تَروقُ وتَنْدَى والهَواجِرُ تَزْفُرُ
نَعِمْتُ بِها يجْلو عليّ كؤوسَه / أغَرُّ الثّنايا واضحُ الجيدِ أحْوَرُ
فوَاللهِ ما أدري أكانتْ مُدامَةً / من الكرمِ تُجْنى أم منَ الشّمسِ تُعصرُ
إذا صَبّها جنحُ الظّلامِ وعبَّها / رأيتَ رداءَ الليلِ يُطْوى ويُنشَرُ
أصاحِ تأمَّل هل تَرى اليومَ ما أرَى / تَرى فتنةً نيرانُها تُتَسَعَّرُ
فلا تصحبِ الصّمْصامَ إنْ كنتَ صاحبي / نهيتُكَ عن خُلْقي وأنتَ مُخيَّرُ
ستعلمُ إنْ جرّبْتَني في ضَريبةٍ / وجربتَهُ أيُّ الحُسامَيْنِ أنصَرُ
وإنّ الذي يُعطيكَ عقلكَ أبكَراً / وعامِلُه من نَحْرِ مولاكَ أحْمَرُ
يَسومُكَ أمراً يلمعُ الضيمُ خلفَهُ / فهلْ أنتَ بالضيمِ المحاولِ تَشْعُرُ
غَدا كلُّ قومٍ يَجبُرونَ كسيرَهم / وعثرةُ جاري كسرُها ليس يُجْبَرُ
يَبيتُ مبيتَ المطمئنِ سَوامُهُ / وباتَ سَوامي بالأسنّةِ تَذعرُ
فلو بعبيدِ اللهِ لبستُ أحبُلي / أمرَّ قُواها المشرفيُّ المُذَكَّرُ
ولو عندَهُ قاضيتُ من أنا خصمُه / قضى لي قاضٍ حكمُه لا يُغَيَّرُ
ولكنّما سامرتُ أحلامَ باطلٍ / وجاورْتُ وسْناناً يَنامُ وأسهَرُ
تفكَّر لمّا جئتُ مستصرخاً بهِ / ولا يَصْرُخُ المَحْروبُ مَنْ يتفكّرُ
رأى المجدَ بين الجحفَلين غنيمةً / يكون لمن يَغشى الطِّعانَ ويَصبِرُ
فلم يَركَبِ التغريرَ في طلبِ العُلا / تسربلُ ثوبَ الذُّلِ من لا يُغَرّرُ
لَحا اللهُ ملانَ الفؤادِ من المُنى / إذا أمكنته فُرصةٌ لا يُشَمِّرُ
يُلاحظُها حتى يفوتَ طلابُها / ويُصْبِحُ في إدبارِها يتَدَبَّرُ
دعوتُكم للخيلِ وهي تَلُفُّني / فكنتم إماءً للقَوافلِ تَزجُرُ
ومن حَذرِ البلْوى فررتُ إليكُم / فلاقيتُ منكم فوقَ ما كنتُ أحذَرُ
ولم أدرِ أنّ الضّيمَ يومَ أتيتكم / تخيرتُه في بعض ما أتَخَيَّرُ
وقلتُ لكم رُدّوا وسيقةَ جارِكُم / فلم تَقدِروا أنتم على اللؤمِ أقدَرُ
فهبْكم زَهِدْتُم في الجَميلِ لعينِه / ألم تَعْمَلوا أنّ الأحاديثَ تؤثَرُ
سيحفظُ ما ضيعتُم متيقظٌ / يضيءُ إذا اسودّ الزمانُ ويُسفِرُ
إذا خوّفوهُ الذّلَّ لاحظَ سيفَه / وكيفَ يَغيبُ العِزُّ والسيفُ يَحضُرُ
وكنتم تُسِرونَ الضّغائِنَ دونَهُ / فقد جَعلت تلكَ الضّغائنُ تَظْهَرُ
أردتم بِها العُظمى فنالَتْ رؤوسَكم / ومن تحتِه كان المُبَخْتِرُ يَحفِرُ
وما غرّكُم من صادقِ الشدّ باسلٌ / يظَلّ إلى أعدائِهِ يتبخترُ
ضَعوا حَلَقَ الماذيِّ فوقَ قلوبِكم / فإنّ عيونَ السّمهريّةِ تَنْظُرُ
ولا تأمَنوا ثَغرَ الهُمامِ فإنّهُ / يُقَهقِهُ في أبصارِكُم وهو يَزأَرُ
فَيا حاكمَ الحكّامِ أنتَ بسطتَهُم / بحلمكَ حتى كاشَفوكَ وأصحَروا
أتوكَ يهزّونَ الصوارمَ والقَنا / وعادُوا تشَظّى فيهُمُ وتكسَّرُ
فقدْ بقيتْ للسّمهريّةِ فيهِمُ / كُلومٌ بمثلِ السمهريةِ تُسْبَرُ
أقِلهُم سَفاهَ الرّأي واغْفرْ ذنوبَهم / فرَبُّ الأيادي مَنْ يُقيلُ ويغفِرُ
وسخطُكُم للمذنبينَ منيةٌ / وعفوكم منها يُجيرُ ويَخفرُ
أرى شجراً قد أورقَ الوعدُ عودَه / وأنتَ له إنْ سَلّمَ اللهُ مُثْمِرُ
وغيرُكَ كدَّ الظنَّ والأمرُ مُقبلٌ / وعلّلَ بالتشْريفِ والأمرُ مدبرُ
ولكنّني لا أظلِمُ المجدَ حقَّهُ / مَحلُّكَ أعلى في الخُطوبِ وأكبرُ
أحلكَ أطرافَ الذّرى وأحلَّهم / بُطونَ الثّرى واللهُ بالناسِ أبصَرُ
وما بَرحَتْ من راحتَيْكَ غَمامةٌ / تُطبِّقُ أرضي نَبْتُها الدهرَ أخْضَرُ
وتاللهِ لا أنْسى يداً لكَ إنّما / يضِلُّ ويَنْسى الشيءَ من يتذكّرُ
يداً كيفَما أومأتُ نلتُ نوالَها / وفيها غِنىً للمستنيلِ ومَفخَرُ
جلوتَ القَذى حتى تأمّلَ ناظري / وما كنتُ من فرطِ المذلةِ أبصُرُ
وأنتَ حسَمتَ الداءَ عني وزَفرَتي / تُفرّقُ نفسي والعوائدُ حُضَّرُ
عشيةَ عزّاني الطبيبُ وقالَ لي / دَواؤكَ معدومٌ وجُرحُكَ أغبَرُ
فبَلّغ أميرَ المؤمنينَ رسالةً / وكل مؤدٍ ما سواكَ مقصرُ
أتُقْطِعُ داري خارجياً لسانُه / لكم وعليكُم قلبُهُ حينَ يُدبِرُ
وكيفَ ولم نذنبْ تُصانُ عَصاهُمُ / وتُبْرَى بأيديكُم عَصانا وتُقْشَرُ
فَلا تتركنها شُبْهَةً لمبائعٍ / يخونُ بِها عندَ الخَصامِ ويَغْدُرُ
وإنْ يكُ إنصافي تعَذّرَ عندكم / فإنّ ورودَ الموتِ لا يَتَعذّرُ
ألا صارمٌ قد هذّبَ القينُ نَصلَه / ألا صَعْدَةٌ فيها سِنانُ مؤمَّرُ
عَسى ممسك الريحِ القَبول يُعيدُها
عَسى ممسك الريحِ القَبول يُعيدُها / ويُنْقِصُ من أنفاسِنا ويَزيدُها
أحِن إذا وافتْ من البشرِ رُفقةٌ / تنمُّ بأسرارِ الهنيِّ بُرودُها
وأسألُها عن نعمةٍ بعُريْعرٍ / تشاغلَ واشيها وغابَ حسودُها
وعن جَوْشَنٍ يا حبّذا أرضُ جَوشَنٍ / لو انّ نُحوسي تلتقي وسُعودُها
أجارَ زفيرَ العاشقينَ نسيمُها / ولا خابَ من صوبِ الغَمامِ صَعيدُها
ألا علّلِلاني يا خليليّ بالمُنى / فإنّ المُنى يُدْني هَوايَ بَعيدُها
ولا تأمَنا ذِكرَ الحِمى إنْ طَربْتُما / علي زَفرتي أنْ يستطيرَ وقودُها
وكم بالحِمى ودعتُ من وصلِ خلَّةٍ / وغانية بنأى من القُرطِ جيدُها
ألَذُّ من النَّيلِ المُعَجَّلِ وعدُها / وأنفعُ من وصلِ الغَواني صدودُها
مُنعَّمةٌ يَروي من الدمعِ جَفنُها / ولم يروَ من ماءِ الشّبيبةِ عودُها
ومن فتيةٍ مثلِ الصقورِ وصبيةٍ / على الخيلِ أعوادُ السّروجِ مهودُها
أقولُ لمرّاقِ العراقِ تمتّعوا / ولم تغشكُم حربٌ يشيبُ وليدُها
سرى نحوَكم من أرضِ كَرْمانَ ماجدٌ / له راحةٌ يستضحِكُ المحلَ جودَها
ومنسوبةِ الأدراعِ والبيضِ والقَنا / يقادُ إلى سوقِ المنيةِ قودُها
مضمرةٌ أحشاؤُها وشفاهُها / يُضمرُ أحشاءَ البحارِ وُرودُها
فلم يبقَ بينَ الكَرّكانَ وبرقةٍ / أخو رايةٍ إلاّ شجاهُ وئيدُها
وفي حشراتِ الأرضِ والليثُ ساغبٌ / مطاعمُ لو أنّ الهِزَبرَ يصيدُها
مُجَلْجِلُها بين السُّكَيرِ وواسِطٍ / تُصارعُ هوجَ العاصفاتِ بنودُها
وفي أفقِ الدبرينِ منها غَمامةٌ / بوارِقُها مشبوبةٌ ورعودُها
يرجمُ فيها ظنَّه كلُّ راكدٍ / وهيهاتَ من رَجمِالظنونِ ركودُها
ودون التفافِ النقعِ ثُلمة / تُقامُ بحدِّ المرهَفاتِ حُدودُها
رويةُ غواصٍ يحككُ هَمَّهُ / لمكرُمَةٍ يَسعى لها أو يفيدُها
فَما ذابَ شطرُ اليومِ حتى تصافَحتْ / أسنّة أرماحِ العِدى وخدودُها
وأقدمَ وثّابٌ على الهولِ خيلُهُ / إذا كُلِّلَتْ لا تَقشَعِرُّ جلودُها
يُعيد إلى حَدِّ الطعانِ صدورَها / ولا يُدرِكُ الغاياتِ إلا مُعيدُها
رميتَ جباهَ التركِ يومَ لقيتَهُم / بشهباءَ من شَرِّ النّزالِ قُيودُها
وكلُّ فتىً تحتَ العَجاجَةِ وكدُهُ / إذا الخيلُ جالتْ ميتَةً يستجيدُها
أبى الملِكُ المنصورُ أنْ يتملّكوا / فيملِكُ أحرارَ الرجالِ عبيدُها
تقاضيتُم ميسورهُ فقضاكُم / مُقوَّمةً شَزْرُ الطعانِ يقودُها
وإلاّ فطَرّدْها إلى كلِّ بلدةٍ / يُعالجُ أغلالَ الهَوانِ طَريدُها
أقِمْ أوَدَيْها بالثِّقافِ ولا تَرِدْ / بها غايةً كلُّ العبيدِ تُريدُها
فإنّ الثغورَ البيضَ خلفَ ابتسامِها / حَنادِسُ أكبادٍ تَفورُ حُقودُها
رأيتُكَ إذْ عمّ البلاءُ وأقبلتْ / مَسيرةُ وِرْدٍ لم تَجدْ مَنْ يذودُها
صَليتَ بها دونَ الجُناةِ ونارُها / يُنالُ بمهراقِ الدّماءِ جمودُها
تداركتَ أطْنابَ الخلافةِ بعدَما / وهى سمكُها العالي ومالَ عمودُها
وأعفيتَ من تدبيرها متكلِّفاً / تُحَلُّ به يومَ الحفاظِ عقودُها
رأى للمعالي والمكارمِ هضبةً / يُقَطِّعُ أنفاسَ الرجالِ صُعودُها
لمن حلَّ منها باليَفاعِ حَرورُها / ولكنه للمستظلِّ بَرودُها
وسربلتَ أبوابَ المدائنِ بهجةً / أناف بها والحاسدون شهودها
رأى فارس الأملاك يوم حللته / منظّمة فوت العيونِ جنودُها
يُراع بتحريكِ البنانِ وَقورُها / ويُجلدُ باللّحظِ الحقيرِ جَليدُها
مَنازلُ كسرى لم يشدها لنفْسِه / ولكنْ لفنّاخُسْرَ كان يَشيدُها
هو الملكُ المخلوقُ من خَطراتِهِ / طريفُ المعالي كُلها وتليدُها
ملوكُ بني ساسَانَ تزعمُ أنّه / له حُفظتْ أسرارُها وعهودُها
فتاها ومولاها ووارثُ مجدَها / وسيدُها إنْ كان ربٌّ يسودُها
وإنّكَ من قومٍ فَلَوْا هامةَ العُلا / بضربِ الطُلى والخيلُ تُدمى لبُودُها
رَعَوْا روضةَ الدهرِ العظيمِ ونفّرتْ / رماحُهم الأيامَ وهي برودُها
قبيلةُ بَهْرامٍ وأُسْرَةُ بَهْمَنٍ / يُميتُ ويُحيي وعدُها ووعيدُها
على زمنِ الضحّاكِ كانت عصابةٌ / ولوعاً بهاماتِ الملوكِ حديدُها
إذا سُبِرتْ غِبَّ الحروبِ جِراحُها / أتتها العوالي والسيوفُ تعودُها
تفارقُ في حُبِّ الثّناءِ نفوسُها / وقد علِمَتْ أنّ الثّناءَ خُلودُها
ولم أكُ أدري أنّ أُخوتَها القَنا / وأنّ الظُّبا آباؤُها وجدودُها
فلا تجعَلوا الأقدارَ مثلَ سيوفِها / فقد تَبسقُ الأقدارَ فيمن يَكيدُها
أقول وقد سُلَّتْ عشيةَ جازِرٍ / ولاذتْ بِها أغمادُها تَستَعيدُها
أتلكَ رقابٌ زايلتْها رؤوسُها / لِقاً أم سيوفٌ زايلتها غُمودُها
رَكِبنا إليها السيلَ في الليلِ مقبلاً
رَكِبنا إليها السيلَ في الليلِ مقبلاً / ولا يَركَبُ الأهوالَ إلاّ المُخاطِرْ
تعافُ وتأبى أن تسامَ دنيةً / وفي الجهلِ إنْ لم ينفعِ الحلمُ زاجرْ
لكلِّ محبٍ في الزّمانِ حبيبُ
لكلِّ محبٍ في الزّمانِ حبيبُ / وزيرُ العُلا في العاشقينَ نَجيبُ
وإنّ التي ضَرّاتُها البيضُ غادةٌ / لها السيفُ واشٍ والحِمامُ رقيبُ
رأينَ بجسمي فعلَها فنكرنني / كأني في أصداغِهنّ مَشيبُ
وما غَشِيَتْني يا ابنةَ القومِ طربةٌ / لبينكِ والعُذريُّ ثَمَّ طروبُ
تركتُ عليلاتِ النطافِ لوالهٍ / يحومُ على غُدْرانِها ويلوبُ
وكنتُ كروعاءِ الفؤادِ نحيبةٍ / بِغارِبِها والصفحتينِ نُدوبُ
يُوقّرُ بُعدَ الناعجات حنينُها / بأسمرَ يدعو حلمَها فيُجيبُ
ألا حبّذا ليلُ الكثيبِ وفائحٌ / من الروضِ مهجورُ الفِناءِ خَصيبُ
تنفضُ منظومَ النّدى عن فروعِه / يمانيةٌ تَنْدى بهِ وتَطيبُ
إذا ما نسيمُ الفجرِ باشرَ نشرَهُ / تنبّه منه سائقٌ وجنيبُ
متى نشرَ الوسمي بردةَ منعجٍ / وهل زالَ من وادي الأراكِ قَضيبُ
قِفا فاقضِياني لذةً من حديثهِ / علانيةً إنّ السِّرارَ مريبُ
ولا تُنكِرا صَبري إذا ما جزعتُما / فشوقي وإنْ هيّجتماه أديبُ
عَجِبْتُ من الأقدارِ كيفَ تضيمني / وكنتُ ولا شيءٌ إليّ عجيبُ
وكيفَ تصورتُ الثّوابَ عنيمةً / لممعتضٍ في حاجبيه قُطوبُ
ومذ زَعموا أنّ الحياةَ عطيةٌ / أُعرِّضُها للموتِ وهي هُبوبُ
ولكنّ مطبوعَ البشاشةِ صادَني / برُقيتهِ والفاعلونَ ضروبُ
رأى ورقَ الأيّامِ ليس يَروقُني / فحاولَ وُدّي والنجيبُ نَجيبُ
جلا ثَغرَه عبدُ العَزيزِ بنُ يوسفٍ / عليْنا وبشر اليوسفي خَلوبُ
أغرُّ كأنّ الشمسَ حينَ تَزوره / تضمّنها عندَ الشّروقِ غُروبُ
حديثُ شَبابِ السنِّ وهو مُدَرَّبٌ / بعيدُ منالِ القَدرِ وهو قريبُ
فإن غرّكُم لينٌ ينازعُ عِطفَه / فإنّ القَنا يهتزُّ وهو صَليبُ
فتى لا يَحُلُّ الدّهْرُ عقدةَ عزمِه / إذا اعترضتْ دون الخطوبِ خُطوبُ
يصمم في عشواءِ كلّ كَريهةٍ / بِها لفؤادِ المستميتِ وجيبُ
إذا طلبَ الأعداءَ لم يُفنِ صَبرَهُ / كلالٌ ولم يَنقض قُواه لُغوبُ
ولا حافر هش المُشاشِ مثلّم / ولا مِنسِمٌ دامي الأظَلِّ نكيبُ
ورجمٍ من المقدورِ صدّقَ ظنهُ / عشيةَ أغراضُ الرّجالِ غُيوبُ
يَقيسونَ أشباهَ الخُطوبِ وكلّهم / رفيقٌ بتفريجِ الكُروبِ طبيبُ
فَشاورهم ثمّ استبدّ برأْيِهِ / فتىً همّتُه بينَ الهمومِ غَريبُ
تشُبُّ مع الظّلماءِ بينَ جُفونِهِ / وبينَ غِلالاتِ الرُّقادِ حُروبُ
حَظِيتَ بآمالِ الكرامِ غُلُبّةً / وغيرُكَ يحظى مرةً ويَخيبُ
إذا جَمَعتْهُمْ في المكارمِ غايةٌ / فأنتَ لما لا يطلبونَ طلوبُ
وقد عاينوا سُحبَ البلاغةِ ثَرَّةً / عليكَ وأنواءُ السَّحابِ تَصوبُ
براعيةٍ سَرحِ العقولِ كأنّها / إذا سمِعوها في القلوبِ قُلوبُ
بها تُخدعُ الأروى وتستطلَقُ الجَنى / وتجمُدُ أكبادُ العِدى وتَذوبُ
وما كنتَ إلا الليلَ صُبَّ عليهمُ / تَغيبُ النّجومُ الزُّهرُ حينَ تَغيبُ
وسافرةٍ لا تقنص العينُ وجهَها / إلى كلّ أرضٍ تَغتدي وتَؤوبُ
ملكتُ ولم أملُك تميمةَ حاسدٍ / له بمعاريضِ الحديثِ دَبيبُ
توهّمَ بُعدي عن بلادكَ رغبةً / وما أنا عن كسبِ العَلاءِ رَغوبُ
عَتودٌ إذا ما اليأسُ خفّضَ جأشَهُ / وعندَ مَخيلاتِ المَطامعِ ذيبُ
وإنّي وإنْ لم أدنُ في النَّيلِ منكمُ / لأبعَدُ عمّا ساءكم وأغِيبُ
وأذكركم ذِكرَ المُحِبِّ حبيبَه / على النأي ما هبتْ صَباً وجَنوبُ
وقد يلتقي الأقوامُ بينَ جُسومِهم / وبينَ مُلاقاةِ القُلوبِ شُهوبُ
ودونَ مصافاةِ الحليمين محنةٌ / يكونُ لها بعدَ الفتورِ لهيبُ
عَسى مَرُّ يومٍ بعدَ يومٍ وليلةٍ / يَنالُ بهِ من راحتيكَ نَصيبُ
فإنّ سِنانَ السّمْهَري ترادفَتْ / أنابيبَ حتى نِلنَه وكُعوبُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025