المجموع : 44
ربوعٌ خلتْ مِن أهلِها وديارُ
ربوعٌ خلتْ مِن أهلِها وديارُ / دموعي على أطلالهنَّ غزارُ
وقفتُ بها يومَ الوَداعِ وللنوى / عَدِمتُ النوى بينَ الأضالعِ نارُ
عشيَّةَ رَفَّعْنَ الحُمولَ إلى الحمى / وقوَّضَ أهلُ الرقمتينِ فساروا
وكم مِن يدٍ فوقَ الحشا تلزمُ الحشا / لروعةِ بينٍ والمطيُّ تُثارُ
وكم كَبِدٍ أبدى بها البينُ والهوى / ندوباً وكاساتُ الفراقِ تُدارُ
وقد كنتُ أخشى البعدَ أيامَ قربنا / بسَلْعٍ فما ردَّ البعادَ حِذارُ
أحِنُّ إلى أوقاتِه كلَّما بدا / لنا غَسَقٌ يجلو دجاهُ نهارُ
وأشتاقُ اياماً تقضَّتْ بأهلِه / قِصاراً وأيامُ الدنوَّ قِصارُ
فيا ليتهمْ راعَوا عهوداً رعيتُها / وقد شابَ فيها لِمَّةٌ وعِذارُ
وليتهمُ مِن رحلةٍ قد تواعدوا / بها قبلَ تثويرِ المطيَّ أجاروا
فبينَ التنائي والمنيةِ ريثما / يُحثحِثُ حادٍ أو يُشَدُّ شِجارُ
وباكٍ من الهجرِ المبرَّحِ والضنى / شِعارٌ على لَبّانِه وصِدارُ
أبى جفنُهُ أن يَسْتَلِذَّ بغُمْضِه / على أنَّه قبلَ الرحيلِ غِرارُ
سلامٌ على تلكَ الديارِ واِنْ غَدَتْ / من الظَّبياتِ الغيدِ وَهْيَ قِفارُ
سلامُ امرئٍ يرعى العهودَ كأنَّهُ / وقد بَعُدُوا عنه لهنَّ جِوارُ
مقيمٍ على حفظِ المواثيقِ عهدَه / واِنْ بانَ جيرانٌ وشَطَّ مزارُ
همُ القومُ مذ بانوا فلم يبقَ مطمعٌ / لصبريَ أن يُعزى اليه قرارُ
خلا منهمُ نجدٌ فما الموتُ سُبَّةٌ / ولا الدمعُ من بعدِ التفرُّقِ عارُ
ولا عذرَ لي في الوجدِ أن لم أمتْ جوًى / وقد هَجَرَتْ بعدَ الوصالِ نَوارُ
ورُدَّتْ عواريُّ الدنوَّ وكلُّ ما / تراه مِنَ الأشياءِ فهو معارُ
وكلُّ دمٍ قد طُلَّ في الوجدِ عندما / تولَّتْ وجَدَّ البينُ فهو جُبارُ
خليليَّ هذا الربعُ غيرَّه البِلى / ففي كَبِدي مما عراهُ أُوارُ
غدا هَمَلاً بعد الزَّيارةِ ربعُهُ / وقد كانَ قبلَ اليومِ وهو يُزارُ
وهيَّجَ وجدي / والغرامُ كثيرة
دواعيِهِ عندي معصمٌ وسوارُ /
وبُزْلٍ تَهادَى في الفلاةِ كأنَّها / سَفينٌ وخدّاعُ السَّرابِ بحارُ
غدا دمعُها مما أضرَّ بها الوجا / على وجناتِ البيدِ وهو نُثارُ
عليها رجالٌ أن أظللَّكَ حادثٌ / فهمْ فيه أعلامٌ له ومنارُ
مناجيدُ يُحمى في عزيزِ ديارهمْ / بطولِ القنا جارٌ لهم وذِمارُ
مساعيرُ يُدعَى في النزالِ اليهمُ / اِذا خامَ عنه معشرٌ وبُشارُ
فلم تُغنِ عنّي في الغرامِ سيوفُهمْ / ولا ذبَّ منها مَضرِبٌ وغِرارُ
أحبَّتنا قلبي كما قد عهدتُمُ / من الريحِ أن هبَّتْ يكادُ يَغارُ
ودمعي سقى هيمَ المطايا قِطارُه / وقد بَخِلَتْ سُحْبٌ تنوءُ عِشارُ
اقيلوهُ هذا الذنبَ فهو وَشَى بنا / واِنْ كان فيه لا يُقالُ عِثارُ
بروحي بدوراً ما تزالُ كواملاً / اِذا حلَّ في بعضِ البدورِ سِرَارُ
وشعرٌ إذا ما الفكرُ أبدى جيادَهُ / سَبَقْنَ فلم يُدركْ لهنَّ غبارُ
فما بالُ أربابِ النظيمِ كانمَّا / أُديرَ عليهمْ في النديَّ عُقارُ
أمِنْ نشواتِ الشَّعرِ ضلَّتْ عقولُهمْ / فخامرَهمْ طيشٌ وخَفَّ وقَارُ
فهذا قريضٌ لو تقدَّمَ عصرُه / لصلّى عليه يَعْرُبٌ ونِزارُ
تخيَّرَ أشتاتَ الفضائلِ لفظُهُ / فليس يدانيهِ الغَداةَ فَخارُ
ولم يَعْرُه مني كعاداتِ شعرهمْ / متى طلبوه وروعةٌ ونِفارُ
فأشعارُ أهلِ العصرِ غايةُ لفظِها / لُجَينٌ وامّا لفظُه فنُضارُ
تَضاعُفُ ما ألقاه غيرُ بديعِ
تَضاعُفُ ما ألقاه غيرُ بديعِ / ولي كَبِدٌ للبينِ ذاتُ صدوعِ
سلامٌ على أُنسي وقلبي وراحتي / وطيفِكمُ بعدَ النوى وهجوعي
سلامٌ امرئٍ أمسى رهينَ صبابةٍ / وشوقٍ إلى رؤايكمُ وولوعِ
قنوعٍ بما تُهدي الرياحُ وطالما / تفيّأَ ظلَّ الوصلِ غيرَ قنوعِ
يَحِنُّ إذا ما شامَ ومضةَ بارقٍ / على عَذّباتِ الأبرقَينِ لموعِ
حنينَ المطايا الهيمِ من بعدِ ظِمئها / الى طيبِ وردٍ بالحِمى وشروعِ
إِذا نكَّبتْ ماءَ العُذَيبِ فِإنَّهُ / على ثقةٍ منها بماءِ دموعي
يوزَّعهُ البينُ المشتَّتُ ظالماً / على جيرةٍ بالمنحنى وربوعِ
صَحِبْتُهمُ والعيشُ في عُنفوانِه / شهيَّ المبادي والشبابُ شفيعي
لياليَ لم يقدحْ زِنادَ فراقهم / ضِرامُ الهوى العذريَّ بينَ ضلوعي
متى شئتُ غازلتُ الغزالَ مُقرَّطا / على غِرَّةِ الواشي وباتَ ضجيعي
مُدِلاً بأبرادِ الشبابِ مباعداً / بعزَّتها عن ذِلَّةٍ وخضوعِ
إلى أن تبدَّتْ للمشيبِ أوائلٌ / تشيرُ على غَيَّ الهوى بنزوعِ
تبدَّلتُ عن ليلِ الشبيبةِ مُكْرَهاً / بصبحٍ مِنَ الشيبِ المُلِمَّ فظيعِ
بدا طالعاً راعَ الشبابَ نهارُه / ومَنْ لي به لو دامَ بعدَ طلوعِ
سأبكي بِدّرَّ الدمعِ ماضي شبابِه / فاِنْ لم يُفِدْ بكيَّتُه بنجيعِ
ربيعَ زمانِ العمرِ والوصلُ مكثِبٌ / وناهيهما مِن نعمةٍ وربيعِ
فما ذُخِرَتْ تلكَ الدموعِ واِنْ غلتْ / لغيرهما في حِنْدِسٍ وصديعِ
ومما شجاني البرقُ يهتزُّ ناصعاً / لموعاً كمطرورِ الغِرارِ صنيعِ
فحتامَ بالبرقِ الحِجازيَّ مَوْهِناً / وبالصبحِ لا أنفكُّ غيرَ مروعِ
أُراعُ بنارَيْ بارقِ وصبابةٍ / مقيلُهما مِن مزنةٍ وضلوعِ
وأرتاحُ أن هبَّ النسيمُ مُعنبَراً / رقيقَ حواشي البُردِ بعدَ هزيعِ
كأنَّ الصَّبا قد بشَّرتْني بأوبةٍ / لِمَنْ بانَ عن روضِ الحمى ورجوعِ
وهيهاتَ لا ظِلُّ الشبابِ وقد نأوا / ظليلٌ ولا مرعى الهوى بِمَريعِ
وخَرْقٍ جزعنا بالمطيَّ سرابَهُ / وما فوقَها للبينِ غيرُ جَزُوعِ
تجولُ مِنَ الضُّمرِ النسوعُ واِنَّنا / لأنحفُ مِن جُدْلٍ لها ونسوعِ
عليها رجالُ الوجدِ لم تلقَ فيهمُ / لفادحِ خطِب البينِ غيرُ قريعِ
متى صُمَّ عن داعي الغرامِ عصابةٌ / فما فيهمُ في الوجدِ غيرُ سميعِ
بكَوا في رسومٍ غيرَّتْها يدُ البِلى / بدمعٍ على أطلالهنَّ هموعِ
بكاءَ مشوقٍ في الديارِ مُوَلَّهٍ / سميعٍ لأحكامِ الفراقِ مطيعِ
أضاعَ عهودَ القومِ لمّا أذاعَها / بدمعٍ لأسرارِ الغرامِ مذيعِ
أرسمَ الهوى العذريَّ دمعُكَ في الرسمِ
أرسمَ الهوى العذريَّ دمعُكَ في الرسمِ / دليلٌ على ما في الجوانحِ مِن نُعْمِ
وقفتَ به قبلَ التفرُّقِ باكياً / كانَّكَ بالتفريقِ قد كنتَ ذا عِلْمِ
وأصبحَ في الأطلالِ قِسمُكَ وافراً / مِنَ الدمعِ والتبريحِ والبينِ والسُّقْمِ
مرابعُ ما طولُ الوقوفِ بنافعٍ / على ما شجاني مِن أثافيَّها السُّحْمِ
وليس سؤالُ الربعُ إلا علالةً / متى رمتَ نطقاً مِن ملاعبِه العجْمِ
ملاعبُ خُلانٍ تعرَّفَها البِلى / فا شكلتِ الآثارُ حتى على الوهمِ
وقد دَرَستْ إلا بقيةُ معهدٍ / على وَجَناتِ التربِ أخفى مِنَ الوشمِ
فأَغْنَى وليُّ الدمعِ فيه وطالما / تحدَّرَ وسميّاً فأغنى عنِ الوسمي
علامةُ أربابِ الغرامِ وقوفُهمْ / على الدارِ مِن بعدِ الخليطِ على رغمِ
فمِنْ مشتكٍ بيناً اليها وناشدٍ / فؤاداً أضاعوه ومِنْ عَبْرَةٍ تهمي
وليلٍ بطيءٍ الفجرِ خِلْتُ غدافَه / وقد باتَ مكتوفَ الجناحينِ مِن همَّي
تطلَّبتُ فيه شاردَ النوم ضَلَّةً / وأين كرى جفنٍ تعلَّقَ بالنجمِ
وشاطرتُ فيه النيَّراتِ سهادَها / فهل مِن مُعينٍ لي على السَّهَرِ الجَمَّ
سألتكَ يا حزبَ الفراقِ وحربَه / بيومِ النوى إلا جنحتَ إلى السلمِ
أرادَ عسوفُ القصدِ تشتطُ كلَّما / بدتْ لكَ اسرارُ المحبينَ في الحُكْمِ
وكيف أُرجَّي منكَ سلماً وهذه / سهامُ النوى والهجرِ داميةَ الكَلْمِ
وقد كنتُ مِن قبلِ المحبّةِ حازماً / ولكنَّها الأهواءُ تَذْهَبُ بالحزمِ
ومبتسمٍ أضحتْ لآليءُ ثغرِهِ / تُخَجَّلُ منضودَ الفرائدِ بالنظمِ
لبهنانةٍ نمَّ العواذلُ في الهوى / عليها فأضحى البينُ في حبَّها خصمي
همُ حَلاَّوْا الظمآنَ عن رشفاتِه / وذادوه لا ذادوه عن باردِ الظَّلْمِ
ولما رأيتُ الركبَ صرعى صبابةٍ / على الربعِ يُفْتُنونَ المعالمَ باللثمِ
بكيتُ بدمعٍ في الطلولِ مورَّدٍ / على موجعاتِ البينِ مذ لجَّ في ظُلمى
فجسمي ورسمُ الدارِ لما تشابها / عفاءً سألتُ الركبَ أيُّهما جسمي
وخَرقٍ به البزلُ المراسيلُ جُنَّحٌ / نواحلُ كالأرسانِ تنفخُ في الخُطمِ
برى نَيَّها طولُ الوجيفِ وأصبحتْ / طِلاحاً عجاناً فهي جلدٌ على عظمِ
غدتْ كالحنايا فوقَ كلَّ نجيبةٍ / مِنَ القومِ ماضي العزمِ أنفذُ من سهمِ
فهنَّ سفينُ البرَّ يُقْذَفْنَ كلَّما / بدا لامعاً بحرٌ مِنَ الآلِ كاليَمَّ
على شُعَبِ الأكوارِ منهنَّ فتيةٌ / قريبونَ مِن مدحٍ بعيدونَ مِن ذمَّ
يصمُّونَ عن داعي الشنارِ نزاهةً / ويُسمِعُهمْ في الروعِ قرعُ القنا الصُّمَّ
له نسبٌ في المكرماتِ مؤثَّلٌ / يذودُ الدنايا عن عرانِينها الشُّمَّ
وحَلْبَةِ شعرٍ أقبلتْ فيه سُبَّقاً / جيادُ قريضي وهي تَمزَعُ في اللُّجمِ
تُغيظُ بُناةَ الشَّعرِ منها قصائدٌ / تَدِقُّ معانيهنَّ إلا على فهمي
رياضُ قريضٍ قد رقمتُ بساطَها / بفكرٍ عزيزِ المثلِ في صنعةِ الرَّقْمِ
ينقَّحُها فكري فتأتي سليمةً / مبرأةَ الألفاظِ مِن خَجَلِ الخَرْمِ
اذا أُنشدتْ هزَّ النديَّ سماعُها / وفكَّتْ وثَاقَ القلبِ مِن رِبقةِ الهمَّ
أفي كلَّ يومٍ عبرةٌ لكَ تَهمَعُ
أفي كلَّ يومٍ عبرةٌ لكَ تَهمَعُ / وقلبٌ مِنَ البينِ مُوَجَّعُ
وورقاءَ تَهدي لاعجَ الشوقِ والهوى / اِذا ما انبرتْ فوقَ الغصونِ تُرَجَّعُ
وريعٍ إذا حيَّيتَ دارسَ رسمِه / شجتكَ ديارٌ للأحبَّةِ بلقعُ
منازلُ يَشجيني لهنَّ وقد خلا / مِنَ القومِ مصطافٌ يروقُ ومريعُ
أسوفُ ثرى الأطلالِ فيها وهكذا / أخو الشوقِ مِن فرطِ الصبابةِ يصنعُ
وقفتُ بها والدمعُ تجري غروبُه / على الخدَّ منّي والحمائمُ تَسجَعُ
فمنهنَّ تغريدٌ ومنّي على الحمى / وأيامِه نوحٌ يزيدُ وأدمعُ
حمائمُ لم يسجعنَ في البانِ والغَضا / مغرَّدةً إلا وعينايَ تَدمَعُ
على جيرةٍ بانوا فلي بعدما نأوا / على الربعِ جفنٌ بالمدامعِ مُترَعُ
حَفِظْتُ لهمْ عهدَ الحمى وزمانَه / على أنَّهمْ خانوا العهودَ وضيَّعوا
لقد أودعوا قلبي مع الوجدِ والأسى / ضِرامًا مِنَ الأشواقِ ساعةَ ودَّعوا
فلا أدمعي ترقا ولا القلبُ ساكنٌ / ولا لوعتي تخبو ولا العينُ تهجعُ
يُجَدَّدُ لي ذكراهمُ كلَّ ساعةٍ / فؤادٌ بأيامِ التواصلِ مولعُ
وما كنتُ أدري قبلَ ما بانَ حيُّهم / بأنَّي إذا بانوا عنِ الجِزعِ أجزعُ
ولا أن تَهيامي القديمَ يعيدُه / جديدًا كما كان الحنينُ المرجَّعُ
ومما شجاني في الأراكِ حمامةٌ / تنوحُ وبرقٌ جَنبَهُ يتلمَّعُ
أُقابلُ ذا مِن نارِ قلبي بمثلِه / وتصدحُ هذى في الغصونِ فيُصدَعُ
وقائلةٍ والحيُّ قد سارَ غُدوةً / ولم يبقَ مِن قربِ التزاورِ مطمعُ
وقد ضقتُ ذرعًا بالفراقِ وصُنْعِه / حنانيكَ كم تبكي وكم تتوجَّعُ
كأنَّك لم تعلمْ بأنَّكَ في الهوى / تُعذَّبُ أحيانًا به وتُمتَّعُ
فقلتُ لها أُبدي التجلُّدَ ظاهرًا / ولي كَبِدٌ مِن هولهِ يَتقطَّعُ
سأقنعُ بالطيفِ الملمَّ على النوى / وما كنتُ لولا البعدُ بالطيفِ أقنعُ
وأقرعُ سنَّي للفراقِ ندامةً / على فائتِ الوصلِ الذي ليس يَرجِعُ
على أننَّي ما زالَ قلبي معذَّبًا / بجيرانِ سَلْعٍ أن أقاموا وأزمعوا
وحوراءَ بانتْ عن مرابعِ لَعْلَعٍ / فما راقني مِن بعدِ ذلكَ لَعْلَعُ
ولا شاقني مِن بعدِما أوضعتْ بها / الى البينِ أعضادُ النجائبِ مَوضِعُ
فهل لليالي القربِ مِن بعدِ ما مضتْ / حميدةَ أوقاتِ الزيارةِ مَرجِعُ
ومَنْ لي بأنْ يدنوا المزارُ فأشتكي / اليها صنيعَ البينِ بي وهي تَسمَعُ
وأُنشدُها مّما أُحبَّرُ شُرَّدًا / يَذِلُّ لها حُرُّ الكلامِ ويخضعُ
لها في نديَّ القومِ نشرٌ تخالُه / شذا المسكِ في أرجائهِ يتضوَّعُ
متى سمعوا منّا البديعَ وعظَّموا / محاسنَهُ نظَّمتُ ما هو أبدعُ
معانٍ هي البحرُ الخِضَمُّ يَزينُها / كلامٌ هو الروضُ الأريضُ الموشَّعُ
على مَفْرقِ الأيامِ مِن دُرَّ لفظِها / وعسجدِ في الدهرِ تاجٌ مرصَّعُ
كفى حَزَناً أنَّي أبثُّكَ ما عندي
كفى حَزَناً أنَّي أبثُّكَ ما عندي / وقد رحلَ الأحبابُ عن علَمَيْ نَجدِ
وكيف وقد كنتُ الأمينَ على الهوى / أُحدَّثُ عن أشياءَ طالَ لها جَحْدي
وما لُمْتُهمْ فيما جنوه مِنَ النوى / لعلمي بأنَّ اللومَ في الحبَّ لا يُجْدي
فيا عاذلي دعْ عنكَ عَذْلي فما أرى / عليكَ ضلالي في الغرامِ ولا رشدي
إليكَ فهذا الشوقُ قد عادَ مأْلَفاً / لقلبي وهذا الوجدُ قد صارَ لي وَحْدي
أحِنُّ إلى ليلى فلو زالَ حبُّها / ولا زالَ عن قلبي طَرِبْتُ إلى هندِ
سقى زمنَ الجرعاءِ دمعي إذا ونتْ / سحائبُ يحدوهنَّ حادٍ من الرعدِ
اِذا لمعتْ فيها البوارقُ خلتُها / قواضبَ في ليلٍ مِنَ النقعِ مسودَّ
زماناً قطعناهُ شهيّاً أوانُه / بساعاتِ وصلٍ كلُّها زمنُ الوردِ
فليت لأيامِ تقضَّتْ بقربهمْ / رجوعاً ولا يُرْجَى لما فاتَ مِن ردَّ
ومما شجاني في الأراكِ حمامةٌ / تغنَّتْ على فرعٍ من البانِ والزَّنْدِ
تنوحُ اشتياقاً والهديلُ أمامَها / على البانِ لم تعبثْ به راحةُ البُعْدِ
فكيف بها لوعاينتْ موقفَ النوى / مضافاً إلى هجرِ تطاولَ أوصدِِّ
وخوصُ النياقِ الواخداتِ بواركٌ / لوشكِ النوى مابينَ حَلِّ إلى شَدِّ
ومَعْرَكٍَ بينٍ فالغزالُ مرَّوعٌ / يُودِّعنُي سرّاً ودمعيَ كالعِدِّ
فطوراً أُرى فيه جريحَ لحاظِه / وطوراً أُرى فيه طعينَ قنا قَدِّ
وقد عدتُ مقروناً بوجدي ولوعتي / غداةُ سرى الحادي عنِ الأجْرَعِ الفردِ
أسائلُ رسمَ الدارِ عن أمدِ النوى / واِنْ لم أكن بالعَودِ منهمْ على وعدِ
وذي هَيفٍَ ما زالَ يهزأُ قدُّه / وقد هزَّهُ الاِعجابُ بالقُضُبِ المُلْدِ
تطاولتِ الأزمانُ بيني وبينَهُ / وما حالَ حاشاه ولا حلتُ عن عهدِ
كأنَّ الهوى إلى عليه أَليَّةً / بأنْ لا أَرى لي منه ماعشتُ مِن بُدِّ
وهيَّجتُ أشجانَ الرِّفاقِ بعالجٍ / وهوجُ المطايا الناجياتِ بنا تَخدي
وقد زرتُ ربعَ الظاعنينَ عشيَّةً / فباتَ إلى قلبي رسيسُ الهوى يَهدي
بنوحٍ على ما فاتَ مِن زمنِ الصِّبا / ودمعٍ على عيشٍ تقضَّى بهمْ رغدِ
وأعدانيَ الرسمُ الدريسُ بسُقْمِه / فأعديتهُ والسُّقمُ أكثرُه يُعدي
فيا قلبُ قد أصبحتَ جَلْداً على النوى / وما كنتَ تُدعَى قبلَ ذلكَ بالجَلْدِ
ولو لم تكن جَلْداً لما كنتَ بعدهمْ / بقيتَ ولو أصبحتَ مِن حجرٍ صَلْدِ
أحبتَّنا مَنْ حلَّ بالجِزعِ بعدكمْ / وقد بنتمُ عنه ومَنْ حلَّهُ بعدي
ومَنْ باتَ يَسقيهِ الدموعَ غزيرةً / تَحدَّ رُشوقاً فوقَ ذاكَ الثرى الجَعدِ
وينظرُ خفّاقَ البروقِ فينطوي / على أضلعٍ لم يبقُ فيها سوى الوجدِ
اِذا لاحَهُ حرُّ الغرامِ رأيتُه / يعانقُ أطلالَ الديارِ مِنَ الوقدِ
يُبَرِّدُ بالائآرِ لذعَ غليلِهِ / وجاحمُ نارِ الشوقِ في ذلكَ البَرْدِ
وما صارمٌ يَفْري الضرائبَ باتكٌ / مَخُوفُ سُطا الحدَّينِ يُعزى إلى الهندِ
اِذا ما انتضاهُ في الكريهةِ ضاربٌ / ومَرَّ يؤمُّ القِرنَ في ملتقى الأسدِ
يرى الموتَ منه في الغِرارينِ كامناً / يلاحظُه مابينَ حدِّ إلى حدَّ
بأمضى غِراراً مِن لساني إذا انبرى / يُنَظَّمُ شِعراً ليس لي فيه مِن نِدِّ
فكلُّ كلامٍ فيه عِقْدٌ منضَّدٌ / وكلُّ قصيدٍ فيه واسطةُ العِقْدِ
متى ينجلي بالقْربِ ذا الناظرُ القذي
متى ينجلي بالقْربِ ذا الناظرُ القذي / ويَرجِعُ سهمُ البعيدِ غيرَ مقذَّذِ
وأصبحُ لا مِن روعةِ البينِ والنوى / اخافُ ولا مِن وِقْفَةِ المتلَوَّذِ
وتَنفحُني مِن نسمةِ القربِ نفحةٌ / أهيمُ سروراً مِن تأرُّحِها الشذي
ولمّا تفرَّقنا وأمسيتُ ممسكاً / بكفِّي على أعشارِ قلبٍِ مغلَّذِ
وقفتُ على بالي الديارِ كأنَّني / بجمرِ الأسى والشوقِ فيهنَّ محتذي
سقى دارهَمْ بالخَيْفِ كلُّ غمامةٍ / يعيشُ بها ميتُ النباتِ ويغتذي
أناسٌ نأوا عنِّي فها أتا بعدَهمْ / أجوبُ الفيافي منفذاً بعدَ منفذِ
أقابلُ مِن شمسِ الظهيرةِ نارَها / على كلَّ مفتولِ الذراعِ مُهَربِذِ
كلانا غَراماً أو عُراماً إلى الحمى / أخو عَزَماتٍ كالحُسامِ المُشَحَّذِ
به جِنَّةٌ فيه وبي فضلُ جِنَّةٍ / كلانا على عِلاتِه كالمُوَخَّذِ
نجيبٌ نمتْهُ للِفجاجِ نجائبٌ / سفائنُ بيدٍ مِن نجائبِ شُمَّذِ
فِانْ وقفتْ دون المرادِ طلائحاً / فعذْ برسولِ الريحِ أن هبَّ أو لُذِ
فِانَّ النسيمَ الرطبَ مِن جانبِ الحمى / يُبِّردُ تسعيرَ الفؤادِ المحنَّذِ
فؤادٌ مشوقٌ قد تشرَّبَ شوقهُ / الى مَنْ نأى عن أرضِ نجدٍ وقد غُذي
يحاسبُ أيامَ الفراقِ ولم يكن / حنانيكَ لولا الشوقُ فيها كَجِهْبِذِ
فمن لي بأيامِ الغرامِ ولم أقلْ / على مؤلمِ الهجرانِ هل أنتَ منقذي
ومَنْ لي بأنْ تُثنَى الحدوجُ رواجعاً / فَتَغْنَمَ عيني نظرةَ المتلذِّذِ
وأغدو ولا ذا القلبُ مِن حرِّ بينهمْ / كما غادروه مِن جُذا الشوقِ يَجتذي
ولمّا ترامَى السربُ قلتُ بليةٌ / تراءتْ لمسلوبِ الفؤادِ مجذَّذِ
لئن أخطأتْهُ يومَ رامةَ أعينٌ / مِنَ العِينِ لم تثبتْ حشاشَتَه فذي
ومزمعةٍ مِن غيرِ جرمٍ ترحُّلاً / ودمعي عليها رُقْيَةُ المتعوِّذِ
أقولُ لها في عشرةِ البينِ هذه / يميني وهذا البينُ عطفاً بها خُذي
فقد أخذَ الهجرانُ والشوقُ والنوى / بنا في أفانينِ الهوى كلَّ مأخَذِ
مُعاهِدُكِ المأمونُوهو على الهوى / أمينٌ فِانْ لم يرعَ عهدَكِ يُنْبَذِ
فتَّى يدُه الطولى واِنْ طالَ عهدُه / بها مِن حبالِ الشوقِ لم تَتجبَّذِ
يُنَظِّمُ وجداً كلَّ بِكرٍ رقيقةٍ / بحكمٍ على أهلِ القريضِ منفَّذِ
مسلَّمةٍ مِن كلَّ عيبٍ يَشينُها / مبرّأةٍ مِن وصمةِ المنطقِ البذي
تعجِّزُ مِن أهلِ الفريضِ فحولَهُ / قصائدُ مِن صوغِ اللبيتِ المجرَّذِ
ينقِّحُها فكري على ما يُريدُه / فيصبيكَ تنقيحُ المجيدِ المنجِّذِ
لقد هزأتْ مِن أهل ذا الفن جملةً / بلابسِ شُربُوشِ ولابسِ مِشْوَذِ
وُلُوْعٌ بَتذكارِ الأحبَّةِ لا يَفْنَى
وُلُوْعٌ بَتذكارِ الأحبَّةِ لا يَفْنَى / وفرطُ حنينٍ في المنازلِ لو أغنى
ودمعٌ غزيرٌ بعدَ جيرانِ حاجرٍ / يُخَجَّلُ هامي غَربِ دِمتهِ المُزْنا
أُوزَّعُه يوماً على الهجرِ والنوى / ويوماً إذا ما اجتزتُ بالربعِ والمغنى
ومنزلِ لهوٍ مذ وقفتُ بربعِه / عقيبَ نوى سكانِه قارعاً سنّا
أُنادي به لُبنى واِن كنت لا أرى / سوى مربع بالي الرسومِ ولا لُبنى
على العادةِ الأولى فلّلهِ درُّها / قُبَيلَ النوى ما كان أصفى وما أهنا
وللهِ أيامٌ حظيتُ على الحمى / بها مثلَ رَجْعِ الطَّرْفِ ثمَّ انجلتْ عنّا
لئن لا مني العُذّالُ فيها فما لهم / ضلوعي التي مِن جمرِ الغَضا تُحنى
ولا قطفوا باللثمِ وردةَ خَدَّها / ولا هصروا في ثِني أبرادِها الغصنا
مهفهفةٌ كم باتَ يَحسِدُ قربَها / اليَّ النوى حتى اشتفى فعلُها منّا
لعمري لقد أمهى لها البينُ بعدما / تدانى مزارنا مخالِبَهُ الحُجْنا
وسارتْ فقلبي بعدما بانَ أُنسُها / كأنّي أراه حلَّ مِن بعدِها سِجنا
فيا ليتها عادتْ وعادتْ بأهلِها / حميدةَ أوقاتِ التداني كما كنّا
لقد حَسَدَتْ عينايَ عندَ سُهادِها / عقيبَ نوى أحبابها المقلةَ الوسنى
اِذا نفحاتُ الريحِ هبَّتْ عنِ الغَضا / معطَّرةَ الأنفاسِ مِن نحوِها هِمنا
علامةُ أهلِ الوجدِ طرفٌ مسهَّدٌ / يفيضُ بقاني الدمعِ أو جسدٌ مضنى
وما روضةٌ قد وشَّعَتْها يدُ الحيا / فأبدتْ لنا أزهارُها الملبسَ الأسنى
سرى في حواشيها النسيمُ معنبراً / وجرَّ بليلاً في جوانبها الرُّدْنا
وحلَّ عليها المزنُ أخلافَ دَرَّهِ / وميَّلَ فيها الريحُ أغصانَها اللُّدْنا
بأحسنَ منها يومَ زارتْ وقد جَلا / صباحُ محيّاها لنا الأمنَ واليُمنا
فيا سائقَ الأنضاءِ يأتمُّ حاجراً / رويدكَ كم تُفنى بها السَّهْل والحَزْنا
يَطيرُ على وجهِ الثرى مِن لُغامِها / اِذا احتثَّها العادونَ ما أشبه العِهْنا
نواحلُ قد أنضيتُهُنَّ إلى الحمى / وقد كنَّ في الأرسانِ قبلَ النوى بُدْنا
فَعُجْ أيُّها العَجْلانُ بي نحوَ حاجرٍ / فلولا أليمُ الهجرِ والشوقِ ما عُجْنا
أسائلُ أطلالَ الديارِ واِنَّها / لتورِثُنا الهمَّ المبرَّحَ والحُزْنا
فأُقسمُ لولا جاحمُ الوجدِ لم نَبُحْ / بسرًّ ولولا البينُ فيهنَّ ما نُحْنا
وما ذاتُ طوقٍ في الظلامِ شجيةٌ / تُردَّدُ في الأغصانِ مِنْ شوقِها اللحنا
لقد أفصحتْ عما أَجَنَّ ضميرُها / الى أن غدونا عند اِفصاحِها لُكْنا
اِذا ما تغنَّتْ فوقَ غصنِ أراكةٍ / طربنا فحييَّنا أراكتَها الغَنّا
وخامرنا مِن نفحةِ البانِ نشوةٌ / رفضنا لِجرّاها السلافةَ والدَّنّا
بأطربَ مِن شعري وأين كمثلِه / قريضٌ عليه تَحسِدُ المقلةُ الأذِنا
اِذا ما دعا العُصْمَ استجابتْ صبابةً / اليه وأنساها شوامِخُها الرَّعْنا
فكيف إذا ما الصبُّ رجعَّ صوتَه / به عند تَذكارِ الأحبَّةِ أو غنّى
اِذاً لسمعتَ الوجدَ تُروى صحيحةً / أحاديثُه في كلَّ ناحيةٍ عنّا
نسيمٌ عن الأحبابِ هبَّ معطَّرا
نسيمٌ عن الأحبابِ هبَّ معطَّرا / تَفاوحَ مسكاً في الرياضِ وعنبرا
تأرَّحَ لمّا مرَّ بالحيَّ موْهناً / فيا ليتُه بي حين هبَّ تعثَّرا
سرى يملأُ الآفاقَ طيباً كأنَّما / تحمَّلَ مسكاً مِن اميمةَ أذفرا
أهيمُ بها وجداً وأفنى صبابةً / وحسبُ أخي الأشواقِ أن يتذكَّرا
مهاةٌ أرى مِن شَعرِها وجبينها / اِذا ما بدتْ ليلاً مِنَ الشَّعرِ مُقْمِرا
لقد أضرمتْ في القلبِ نارَ صبابةٍ / أبتْ بعدَ ذاكَ البُعْدِ إلا تسعُّرا
وأوردَني حبيَّ لها كلَّ موردٍ / مِنَ الوجدِ لم أعرفْ له الدهرَ مَصدَرا
اِذا ما تذكَّرتُ الزمانَ الذي صفا / به وصلُها بكَّيتُ ما قد تكدرا
زماناً رأينا الوصلَ فيه مروَّضاً / وغصنُ التداني بالأحبَّةِ مُثمِرا
فسقّاهُ دمعي لا السحابُ فاِنَّني / أرى الدمعَ مِن ماءِ السحائبِ أهمرا
يروحُ على أطلالِها متدفَّقاً / ويغدو على أرجائها متدَرا
وحيّا دياراً بالعقيقِ تبدَّلتْ / مِن الاِنسِ ظِلمانَ النعامِ المنفَّرا
لقد همَّ فيها المزنُ أن يُمْسِكَ الحيا / وعارضَهُ دمعي بها فتحدَّرا
منازلُ كم حاورتُ فيهنَّ شادِناً / مِن الإنسِ مصقولَ الترائبِ أحورا
اِذا ما تبارى الغيثُ فيها وأدمعي / غدتْ أدمعي فيها مِن الغيثِ أغزرا
وقائلةٍ ما بالُ وجدِكَ زائداً / وقد كان عندي أن وجدَكَ أقصرا
فقلتُ لها يأبى الوفاءُ لصبوتي / على قِدَمِ الأيامِ أن يتغيَّرا
مقالةُ محنيَّ الضلوعِ على هوًى / اِذا ما دعاهُ الوجدُ سارَ مشمَّرا
تعوَّدَ في لُقيا الأحبَّةِ دائماً / لقاءَ الأعادي يافعاً وحَزَوَّرا
مُعَنًّى بأسرابِ الصريمِ فتارةً / يلاحظُ ظبياً أو يغازلُ جُؤذَرا
يداوي أليمَ الشوقِ بالربعِ ضَلَّةً / وهيهاتَ أن يزدادَ إلا تذكُّرا
سقاهُ الهوى كأساً وسقَّى رجالَهُ / بفضلةِ ما أبقاه فيها وأسأرا
فاِنْ أنجدَ الأحبابُ أنجدَ وجدُه / واِنْ غوَّروا أمسى الحنينُ مغوَّرا
يهونُ عليهم أن تنامَ عيونُهمْ / اِذا طالَ ليلُ المستهامِ ويسهرا
وخَرْقٍ أزرناهُ النجائبَ ضلَّعاً / تجوبُ بنا مَرْتاً مِن البيدِ أزورا
نكلَّفُها السيرَ الحثيثَ واِنْ غدتْ / من النجمِ في الظلماءِ اهدى وأسيَرا
حروفٌ محتْ في مُهْرَق البيدِ أسطراً / بأخفافِها طوراً وأثبتنَ أسطرا
عليهنَّ مِن أهلِ الغرامِ عصابةٌ / نفى الوجدُ عن أجفانِها لذَّةَ الكرى
فكُلاًّ ترى فوق المطيَّةِ منهمُ / على شُعَبِ الأكوارِ أشعثَ أغبَرا
تُميلُهمُ كأسُ الكَلالِ كأنَّما / تعاطَوا على أعلى الغواربِ مُسْكِرا
وأحماسِ حربٍ فوقَ كلَّ طِمِرَّةٍ / مُضبَرَّةِ المتنينِ محبوكةِ الفَرا
ليوثُ وغًى يومَ الكفاحِ تراهمُ / أقلَّ عديداً في اللقاءِ وأكثرا
مُعَوَّدَةٌ أن تتركَ البيضَ في الوغى / محطمةً والسمهريَّ مُكَسَّرا
بحيثُ لسانُ السيفِ يصبحُ خاطباً / وحيث يكونُ الهامُ للسيفِ منبرا
واِنْ أقبلتْ زرقُ الأسنَّةِ شرَّعاً / وعاينتَ في أطرافِها الموتَ أحمرا
بأيدي رجالٍ ما أخفَّ إلى الوغى / اِذا ما دعا داعي الجِلادِ وأصبرا
رأيتَهم والموتُ مُرٌّ مذاقُه / يخوضونَ منه في الملمّاتِ أبحُرا
أسودٌ تخالُ السمهريةَ في الوغى / لها أُجُماً والمشرفيَّةَ أظفُرا
يبيعونَ في يومِ النزالِ نفوسَهمْ / اِذا ما رأوا اِبنَ المحامدِ يُشترى
واَمّا دعا داعي الصريخِ وأقبلتْ / كتائبُ يحملن القنا والسنورا
يحفُّونَ بالبزلِ الحراجيجِ سُهَّماً / اليها وبالجُردِ العناجيجِ ضُمَّرا
ومَنْ كان في يومِ اللقاءِ ابنَ حرةٍ / تَقدَّمَ لا يختارُ أن يتأخَّرا
بعزم يفسل المرهفات بحده / ويهزم في يوم الكريهة عسكرا
وما روضةٌ باتَ القِطارُ يجودُها / فأعشبَ مغبرُّ الرياضِ وأزهرا
تَدرهمَ نُوّارُ القاحيَّ مَوْهِناً / ولاحتْ له شمسُ الضحى فتدنَّرا
وهبَّ نسيمُ الصبحِ في جنباتِه / سُحيراً بأخبارِ الحمى فتعطَّرا
ورنَّحَ رندَ الواديينِ هبوبُه / فمالَ على حَوذانِه وتأطَّرا
وشعَ فيها القَطْرُ ديباجَ روضِه / فراقتكَ أزهارُ الخميلةِ منظرا
بأحسنَ مِن شِعري إذا ما نظمتُه / وفصَّلتُ منه في القلائدِ جوهرا
نظيمٌ إذا ما حكتُه قالتِ النُّهى / حنانيكَ ما أحيا فؤاداً وأشعرا
ونلتُ مِنَ الشَّعرِ الثريا تطاولاً / فيا ليتهمْ نالوا على قربهِ الثرى
تركتُ لأهلِ الشعرِ ضحضاحَ مائهِ / وأحرزتُ منه رائقَ الوِردِ كوثرا
حقيقٌ بأنْ يبكي الديارَ غريبُها
حقيقٌ بأنْ يبكي الديارَ غريبُها / بأدمعِ عينٍ لا تَجِفُّ غروبُها
ديارٌ على بعدِ المسافةِ شاقَني / نضارتُها قبلَ الفراقِ وطيبُها
شهيٌّ إلى هذي النفوسِ حِمامُها / اِذا بانَ عنها بعدَ قربٍ حبيبُها
تناءَى فما أبقى وقد بانَ أُنسُه / عنِ الجِزعِ لي مِن راحةٍ أستطيبُها
فللّهِ أغصانُ الوصالِ لقد ذوى / سريعاً بحكمِ البينِ منها رطيبُها
وللهِ ليلاتٌ يطولُ على المدى / نحيبي على أمثالِها ونحيبُها
متى ذكرتْها النفسُ ذابتْ صبابةً / وتَذكارُ أيامِ اللقاءِ يُذيبُها
ليالي قلبي في الغرامِ كأنَّما / يُجِنُّ الذي باتتْ تُجِنُّ قلوبُها
قريبٌ الينا الأُنسُ منهنَّ كلمَّا / تباعدَ عن ليلى الغداةَ رقيبُها
فيا حبذا تلكَ الليالي وطيبُها / ويا حبذا اِحسانُها وذنوبُها
وما ذاتُ طوقٍ لا تزالُ على الغَضا / تنوحُ اشتياقاً والهديلُ يُجيبُها
باكثرَ مِن قلبي حنيناً إلى الحمى / اِذا عَنَّ مِن تلكَ الرياحِ هبوبُها
قد طالَ بعدَكِ في الديارِ وقوفي / أُذري مدامعَ ناظرٍ مطروفِ
ولهانَ لستُ بسامعٍ في ربعِها / ولعَ العذولِ بمؤلمِ التعنيفِ
حيرانَ أسألُ كلَّ رسمٍ داثرٍ / والدمعُ وِردي والسَّقامُ حليفي
ولربَّ مقروحِ الفؤادِ مرَّوعٍ / بالبينِ مسلوبِ الرقادِ نحيفِ
يهوى الغزالَ الحاجريَّ ودونَه / غَربانِ غَربُ أسنَّةٍ وسيوفِ
يرتاحُ للآرواحِ أن نسمتْ له / سحراً وتلكَ عُلالةُ المشغوفِ
حرّانُ مَنْ لغليلهِ أن يرتوي / يوماً ببردِ رضابهِ المرشوفِ
شاكٍ الىالأطلالِ بعدَ رحيلهِ / المَ الفراقِ وغُلَّةَ الملهوفِ
مضنًى يقولُ لحظَّهِ في وجدِه / هل كنتَ فيما كنتَ غيرَ طفيفِ
ولِجُرحِ حبَّةِ قلبهِ يومَ النوى / لا كنتَ مِن جُرحٍ بها مقروفِ
أفنيتُ في ذا الوجدِ كلَّ ذخيرةٍ / أعددتُها من تالدٍ وطريفِ
ووقفتُ أسألُ كلَّ ربعٍ ماحلٍ / عن جيرةٍ بالرقمتينِ خُلُوفِ
كلِفاً بأربابِ الخصورِ دقيقةٍ / مِن تحت أغصانِ القدودِ الهِيفِ
غبرَ الزمانُ وما أرى مِن وعدِهمْ / شيئاً سوى التعليلِ والتسويفِ
مِن كلَّ جائلةِ الوشاحِ رشيقةٍ / مِن فوقِ خَصرٍ كالجَديلِ قَصيفِ
تَغْنَى رماحُ قدودهنَّ اِذا انبرتْ / تحكي رماحَ الخطَّ عن تثقيفِ
يا منزلاً قد طالَ نحوَ ربوعهِ / خَبَبي على طولِ المدى ووجيفي
مِن فوقِ كلَّ شِمِلَّةٍ عَيرانَةٍ / في مهمٍ نائى المحلَّ مخوفِ
أحتثُّها شوقاً إلى بانِ الحمى / وظِلالِه والمنزلِ المألوفِ
فهناكَ أقمارُ الخدورِ تَزينُها / هالاتُها في مربعٍ ومصيفِ
وهناكَ أفنيتُ الشبيبةَ طائعاً / لِجوًى على حكمِ الهوى موقوفِ
ما روضةٌ باتَ القطارُ يجودُها / غَنّاءُ ذاتُ تهدُّلٍ ورفيفِ
يمشي النسيمُ بأرضِها متمهََّلاً / فيها كمشي الشاربِ المنزوفِ
فيعيدُ ثوبَ النبتِ في أرجائها / ما بينَ تدبيجٍ إلى تفويفِ
يوماً بأحسنَ من قريضٍ ناصعٍ / نَضَّدتُه كاللؤلؤِ المرصوفِ
تُمليهِ أفكاري فيطغى بحرُه / مدّاً وليس البحرُ بالمنزوفِ
فِقَرٌ إذا ألفتُهنَّ مُنظَّماً / جاءتكَ مثلَ العِقْدِ في التأليفِ
ما جلَّ منه فهو عِقدٌ فاخرٌ / أو دقٌ منه فهو سِمطُ شُنُوفِ
مِن كلَّ قافيةٍ إذا أنشدتٌها / فَغَمتْ بنشرٍ كالعبيرِ مَدوفِ
سَهُلَتْ عليَّ فكلَّما أمهيتُها / بالفكرِ أمستْ وهي غيرُ عيوفِ
تأتي منقَّحةَ الكلامِ شريفةً / من خاطرٍ سهلِ القيادِ شريفِ
وروضٍ بديعِ النَّورِ يضحكُ باكياً
وروضٍ بديعِ النَّورِ يضحكُ باكياً / مِن الغَيمِ يهمي فوقَ تلكَ الحدائقِ
بكتْ حسداً للنرحسِ الغضِّ أعينٌ / به عندما احمرَّتْ خدودُ الشقائقِ
ومصفرَّ أوراقِ الغصونِ وخضرِها
ومصفرَّ أوراقِ الغصونِ وخضرِها / لعينيكَ في فصلِ الخريفِ تروقُ
فذا ذهب فيها وذاكَ زبرجدٌ / جلتْهُ لكاساتِ المُدامِ بُروقُ
بروقُ رحيقٍ في الزجاجاتِ لُمَّعٌ / لدى الشَّربِ لا يُخشى لهنَّ حريقُ
فهنَّ إلى ربعِ المسرَّةِ كلَّما / دجا لكَ ليلٌ للهمومِ طريقُ
معتَّقةٌ مَنْ باتَ يُعمِلُ كاسَها / فذاكَ مِن الهمَّ الطويلِ عَتيقُ
أذالَ على بالي الرسومِ المدامعا
أذالَ على بالي الرسومِ المدامعا / مشوقٌ رأى برقاً على الغَورِ لامعا
وخاطبَ اطلالاً رآها أواهلاً / بأهلِ الحمى دهراً فعادتْ بلاقِعا
فلم يرَ في الأطلالِ إلا ابنَ دايةٍ / يُرى طائراً فوقَ الربوعِ وواقعا
منازلُ قد كان الشبابُ إلى المها / زمانَ الحِمى والحاجبيَّةِ شافعا
مرابعُ سقّاها مِنَ المزنِ هاطلٌ / كدمعي إذا أصبحتُ مِلْهينِ جازعا
وحيّا الحيا قوماً على الجِزْعِ والحِمى / أضاعوا على حكمِ الضلال الودائعا
لئن ضيَّعوا عهدي فما ضاعَ عهدهمْ / وحاشا بعدَ الحفظِ يُحسَبُ ضائعا
حبائبُ أدنتني اليهنَّ في الهوى / نوازعُ شوقٍ لا أُرى عنه نازعا
وفي عرصاتِ الدارِ منَّيَ والهٌ / يُرى في ذُراه داميَ الجفنِ دامعا
أُسقَّي ثرى تلكَ الطلولِ بادمعي / وأخلُفُ في النوحِ الحمامَ السواجعا
وأنظُر هاتيكَ الرسومَ خوالياً / فتنهلُّ فيهنَ الدموعُ هوامعا
ومما شجاني البرقُ في عرصاتِها / وقد لاحَ محمرَّ الذوائبِ ناصعا
فأَذكَى صباباتٍ تقادَمَ عهدُها / بأهلِ الحِمى حيَّ الحِمى والأجارعا
وأشتاقُ أيامَ الدنوَّ فهل أَرى / زمانَ التداني بالأحبَّةِ راجعا
وما لغليلِ الشوقِ إلا دنوُّه / دواءٌ إذا جمرُ الهوى عادَ لاذعا
وما شوقُ ورقٍ غابَ عنها هديلُها / وقد كانَ ما بينَ الحدائقِ ساجعا
تنوحُ سُحَيراً في الغصونِ كأنَّما / لها عَذَبُ الباناتِ أمستْ صوامعا
فتصدعُ قلبي حينَ تصدحُ سُحرةً / وقد حلَّ أهلُ الرقمتينِ مُتالعا
كشوقي إلى جيرانِ سَلْعٍ وحاجرٍ / واِنْ ضيَّعوا سِرّى فأصبحَ ذائعا
وهَجْلٍ به تُنضَى القَطا الكُدْرُ جُبْتُهُ / بأعيسَ يُدينهِ واِنْ كانَ شاسِعا
اخوضُ به لُجَّ العساقيلِ بعدَ ما / شقتُ به نحوَ الخليطِ اليَلامِعا
يُجاذِبني فضلَ الجديلِ وقد غدتْ / عياءً بُنيّاتُ الجَديلِ خواضِعا
يَطُسنَ بركبانِ الغرامِ على الوَجا / الى جيرةٍ بالرقمتينِ اليَرامِعا
فأغدو على ظهرِ المطيَّةِ ساجداً / مِن الأينِ ما بينَ الصَّحابِ وراكِعا
الى أن أرى شمساً شهيّاً بزوغُها / مِن الحيَّ أو بدراً مِن الخِدْرِ طالِعا
وكم ليلةٍ قد بتُّ ارعى نجومَها / وقد حَسَدَتْ عيني العيونَ الهواجِعا
أُساهرُ ديجورِها النجمَ حائراً / وأهجرُ في ظَلْمائِهنَّ المضاجِعا
غراماً بوجهٍ لو بدا من خبائه / رأيتَ له نوراً على الأُفْقِ ساطِعا
يعودُ له بدرُ السماءِ إذا بدا / له ورآه خاسئَ الطرفِ خاشعا
وما روضةٌ قد وشَّحَتْها يدُ الحيا / بدمعِ سحابٍ قد كساها الوشائعا
فاصبحَ فيها النَّورُ يَبسِمُ ثغرُه / وفاحَ بها عَرفُ الأزاهيرِ رادِعا
بأحسنَ مِن شعري وأين كمثلِه / جواهرُ من لفظٍ تُحلَّي المسامعا
يُحيَّرُ ربَّ المنطقِ الجزلِ لفظُه / فيصبحُ مِن بعدِ التعاظُمِ ضارعا
تراه على ذاكَ الترفُّعِ نادماً / اِذا حطَّهُ شعري وللسنَّ قارعا
ويغدو وما بينَ الأضالِعِ جذوةٌ / على الشعرِ نظمي قد حشاها الأضالِعا
متى حانَ مِن شمسِ النهارِ غروبُ
متى حانَ مِن شمسِ النهارِ غروبُ / جرتْ مِن دموعِ المقلتينِ غروبُ
وما الحبُّ إلا زفرةٌ بعدَ زفرةٍ / ودمعٌ على بالي الرسومِ يَصُوبُ
ووجدٌ إذا ما قلتُ تسكنُ نارُه / أثارَ لظاها للنسيمِ هبوبُ
فميعادُ شوقي أن تلوحَ على الحمى / خيامُهمُ أو أن تَهُبَّ جَنُوبُ
خليليَّ قُصّا لي أحاديثَ هاجرٍ / اِذا شئتما عقلي اليَّ يثوبُ
فاِنَّ به قوماً عليَّ أعزَّةً / أحاديثُهمْ للمستهامِ تطيبُ
همُ القومُ ما ألقى نصيراً عليهمُ / فكيف غدا لي في الغرامِ نصيبُ
لقد لازمَ القلبَ المعنَّى ببينِهمْ / خُفُوقٌ على طولِ المدى ووجيبُ
أُناسٌ جفونا والديارُ قريبةٌ / عليه محبٌّ في الغرامِ غريبُ
يساهرُ نجمَ الليلِ عندَ طلوعِه / ويَرْقُبُ شمسَ اليومِ أين تغيبُ
فيا ليت شعري هل يُعيدُ دنوَّهمْ / زمانٌ بشملِ العاشقينَ لعوبُ
اِذا ما بدا برقٌ من الغورِ لائحٌ / شكتْ من تباريحِ الغرامِ قلوبُ
ولمّا نأتْ تلكَ الحُدُوجُ وطوَّحتْ / بهنَّ نوًى تُنضي النياقَ شَعُوبُ
وسارَ فؤادي في الظعائنِ غُدوةً / وراءَ مطايا القومِ وهو جَنيبُ
وسارتْ بهمْ عن منحنى الجِزْعِ أينقٌ / براهنَّ وخدٌ في الفلا ودُؤوبُ
سمحتُ بدمعي في الديارِ وقد غدتْ / وليس بها مِن أهلهنَّ غريبُ
واِنَّي واِنْ ضنُّوا عليَّ بزَوْرَةٍ / تحومُ عليها غُلَّتي وتلوبُ
سأعذرُهمْ فيها واِنْ كنتُ كارهاً / مخافةَ أمرٍ في الغرامِ يُريبُ
فمِنْ نفحاتِ الطيبِ واشٍ عليهمُ / نمومٌ ومِنْ جَرْسِ الحُليَّ رقيبُ
ولي من نسيمِ الأبرقَيْنِ إذا سرى / بريّاهمُ بعدَ الهدوَّ طبيبُ
وعندي مِن الأشواقِ ما لم يلاقِه / على قربِ ما بينَ المزارِ كئيبُ
وما بنتُ دوحٍ غابَ عنها قرينُها / وطالتْ نواه فهو ليس يؤوبُ
تُؤرَّقها قمريَّةٌ فوقَ بانةٍ / تُداعي هديلاً عندها فيُجيبُ
اِذا سمعتْ صوتَ الحمائمِ سُحرةً / وقد رفَّ غصنٌ بالغَضا فتجيبُ
أجدَّ لها ذاكَ التغرُّدُ لوعةً / تكادُ لها حَبُّ القلوبِ تذوبُ
فتشتاقُه والشوقُ يُضْرِمُ نارَها / اليه وما بينَ الضلوعِ لهيبُ
كشوقي إذا أنشدتُ شِعري وزادَني / بهمْ طرباً أن المحبَّ طَرُوبُ
قوافٍ إذا فوَّقتُ سهمَ نضيدِها / غدتْ لخفيّاتِ الصَّوابِ تُصيبُ
نسيبٌ كمعتلَّ النسيمِ معطَّراً / غدا في نِجارِ الشعرِ وهو نسيبُ
لكلَّ فؤادٍ منه وجدٌ مُجَدَّدٌ / وفي كلَّ قلبٍ مِن هواه حبيبُ
علامةُ سُلواني إذا قلتُ بعدكمْ
علامةُ سُلواني إذا قلتُ بعدكمْ / وقد بِنتمُ أن المزارَ بعيدُ
وميعادُ اِحراقي بنارِ هواكُمُ / اِذا حانَ مِن ذاكَ النسيمِ زكودُ
أحِنُّ إلى أيامِ نجدٍِلعلِّها / بقربكمُ يوماً عليَّ تجودُ
مواسمُ لهوٍ أن رجعنَ حميدةً / بجيرانِ سَلْعٍ اِنَّني لسعيدُ
مقالةُ مَحنيِّ الضلوعِ على هوًى / يَرِثُّ جديدُ الدهرِ وهو جديدُ
محبُّ له دمعٌ وشوقٌ مُجَدَّدٌ / على الدارِ يقوى سَحُّهُ ويزيدُ
فليس لنارِ الشوقِ في الربعِ بعدَكمْ / خمودٌولا للسافحاتِ جمودُ
يؤرِّقها ذكراكمُ كلَّ ليلةٍ / وأعينُ باقي العاشقينَ رقودُ
مُعنَّى بتسآلِ الرسومِ وتارةً / يسائلُ حادي العيسِ أين يُريدُ
واِنَّ امراً لم يَفْضَحِ البينُ سِرَّهُ / على ما يعانيهِ بكم لجليدُ
كتابُكَ كالروضِ الذي فاحَ نشرُه
كتابُكَ كالروضِ الذي فاحَ نشرُه / وفاضتْ به الغدرانُ وابتسمَ الزهرُ
ففي كلَّ سمعِ منه شنْفٌ مرصَّعُ / وفي كلَّ قطرٍ مِن تأرُّجِه عِطُرُ
فللّهِ ما تحوي السطورُ التي به / كأنَّ رياضّ الحَزْنِ ما قد حوى السَّطْرُ
حرامٌ على الجفنِ القريحِ منامُه
حرامٌ على الجفنِ القريحِ منامُه / اِذا بانَ مَنْ تهوى وغزَّ لِمامُهُ
حياةُ الفتى / والعيسُ تُحدَجُ للنوى
حِمامٌ واِنْ لم يُقضَ فيها حِمامُهُ /
ومضنًى بكى في الربعِ حتى بكى له / به رحمةً عُذّالُهُ وسَقامُهُ
به لاعجٌ مِن شدَّةِ الوجدِ مُقلِقُ / يزيدُ على بعدِ المزارِ ضِرامُهُ
غريمُ الهوى العذريِّ في كلَّ حالةٍ / على ما يراهُ وجدُهُ وغرامُهُ
حمامَ الحِمى قلْ لي هلِ البانُ مثمرٌ / وويحَ المُنى أن لم يُحِبني حَمامُهُ
فهذا الحِمى والبانُ والأثلُ قد بدا / لعيني وأين المنحنى وخيامُهُ
وأين غزالٌ كان يهدي مع الصَّبا اليَّ / إذا ما بانَ عنّي سلامُهُ
يُذكِّرنُي ومض البروقِ اِذا بدتْ / تلوحُ على وادي الأراكَ ابتسامُهُ
وألمحُ ذاكَ الثغرَ يلمعُ برقُه / متى حُطَّ عن درِّ الثنايا لِثامُهُ
له مِن غزالِ الرملِ جيدٌ ومقلةٌ / وما شانَهُ اِذ ليس فيه بُغامُهُ
فكلُّ كلامٍ في الحشا مِن حديثهِ / اِذا ذُكِرَتْ ألفاظُه وكلامُهُ
مِنَ الحور وَدَّ البدرُ مِن فرطِ حسنهِ / وفرطِ الحيا لوعادَ وهو غلامُهُ
فلم أُعطِ يوماً للعذولِ مسامعي / عليه ولم يَثنِ الغرامَ ملامُهُ
هو البدرُ إلا أنَّه غيرُ خائفٍ / مِنَ النقصِ يوماً حين تمَّ تمامُهُ
وأين الحِمى يبدو أنيقاً جميمُه / ومنهَلهُ الفياضُ تطغى جِمامُهُ
وتلكَ الرياضُ الفيحُ فيه وزهرُها / تَفتَّحُ عن مثلِ الثغورِ كِمامُهُ
وخرقٍ أزرناه النجائبَ سُهَّما / يُسابِقُها مِن كلَّ مَرْتٍ نعامُهُ
فتنأى النعامَ الرُّبدَ فيه لواغباً / واِنْ بَعُدَتْ أعوارُه وأكامُهُ
أمامَ المطايا شاهقُ الكُورِ أهوجٌ / تَخَمَّطَ أن يَثنيهِ عنه خِطامُهُ
تناثرَ في البيداءِ وردُ خِفافِه / وَيندِفُ ندفَ البُرسِ فيها لُغامُهُ
بحيث تراه في الفلاةِ كأنَّما / تقاضاه وجدي بالحِمى وغرامُهُ
هما سَبَبا ذاكَ التماسكِ بعدَما / أضرَّ به اِرقالُه ودوامُهُ
يناحلُه في البيدِ وهو مُهربِدٌ / الى الجِزعِ يشأى الواخداتِ زِمامُهُ
ودارٍ وقفنا بعدَما بانَ أهلُها / بها فسقاها دمعُ جفني غمامُهُ
حبستُ بها صحبي مِن الوجدِ لاثماً / ثرى منزلٍ يَشفي الغليلَ التثامُهُ
مُسائلَ أطلالٍِ صحبتُ بها الهوى / حليفايَ فيها عهدُهُ وذِمامُهُ
وليلٍ عقدتُ الطرفَ وجداً بنجمهِ / وقد بانَ مَنْ أهوى وعزَّ مَرامُهُ
فيا حارِ أن جئتَ العقيقَ فحيِّهِ / واِنْ بانَ عنه أهلُه وكِرامُهُ
تحيِّةَ مشغوفِ الفؤادِ مُلَدَّدٍ / يُروِّعُه اِصباحُه وظلامُهُ
اِذا ذُكِرَ الأحبابُ أثجمَ دمعُه / وطالَ على بالي الرسومِ انسجامُهُ
وأنشدَ فيها مِن نتائجِ فكرِه / فريداً تساوى قَدُّهُ وقَوامُهُ
يُحيِّرُ أربابَ النظيمِ إذا بدا / وقد راقَ في سلكِ القريضِ نظامُهُ
ويفعلُ في عقلِ الأريبِ سماعُهُ / من السكرِ ما لم تستطعْهُ مُدامُهُ
صباه الهوى ما أحوجَ الخِلْوَ أن يصبو
صباه الهوى ما أحوجَ الخِلْوَ أن يصبو / خليٌّ مِنَ الأشجانِ ما شفَّهُ الحبُّ
أقامَ زماناً ليس يعرفُ ما الهوى / الى أن تولَّتْهُ البراقعُ والنُّقْبُ
رمتْهُ على عمدٍ فلم تُخطِ قلبَهُ / سهامُ عيونٍ راشَهنَّ له الهُدبُ
عيونُ مهاً تنبو السيوفُ مواضياً / وتلكَ العيونُ البابليةُ لا تنبو
ولم تبدَّى السربُ قلتُ لصاحبي / لأمرٍ تبدَّى في مراتِعه السَّربُ
فلم يُستَتمَّ إلا وقد غدا / فؤادي بحكمِ الوجدِ وهو له نهبُ
الى اللهِ أشكو مِن غرامٍ إذا خبتْ / لوافحُ نيرانِ الغَضا فهو لا يخبو
ومِن جيرةٍ بانوا فأصبحتُ بعدَهمْ / مقيماً بجسمٍ ليس يَصحَبُه قلبُ
ومِن مقلةٍ لم يَفْنَ فائضُ غَربِها / على الدارِ إلا فاضَ مِن بعدِه غَربُ
اِذا انهلَّ في تلكَ المرابعِ دمعُها / تضاءلَ شؤبوبٌ به العارضُ السَّكْبُ
تَحدَّرَ في بالي الرسومِ كأنَّه / عقيبَ نوى سكانِها لؤلؤٌ رطبُ
أسا البعدُ في حقي بغيرِ جنايةٍ / غداةَ النوى أضعافَ ما أحسنَ القربُ
فلّلهِ قلبي كم يُجَنُّ جنونُه / بليلاهُ في تلكَ الديارِ وكم يصبو
وكم يشتكي جدَّ الفراقِ وعندها / بأنَّ النوى والهجرَ مِن مثلِها لِعبُ
ومُضْنَى هوًى يشتاقُ قوماً ترحَّلوا / وسارتْ بهم عنه الغريريَّةُ الصُّهْبُ
بكى بسحابِ الدمعِ حتى تعجبتْ / على الدارِ مِن تَهمالِ أدمعِه السُّحْبُ
وسافَ ترابَ الربعِ شوقاً كأنَّما / تبدَّلَ مسكاً بعدَهمْ ذلكَ التربُ
وعاينَ هاتيكَ الديارَ خوالياً / فما شاقَهُ النادي ولا المنزلُ الرحبُ
وأصبحَ فيها بعدما بانَ أهلُها / وأدمعُه فيهنَّ وهي له شُرْبُ
فماذا أرادوا بالفراقِ وبالنوى / لقد كان يكفي منهمُ الصونُ والُحجْبُ
لهم منَّيَ العُتبى على كلَّ حالةٍ / ولي منهمُ في كلَّ حالاتيَ العَتبُ
ويُلزمُني العَذّالُ ذنباً وليس لي / كما زعموا جُرْمٌ بُعَدُّ ولا ذَنْبُ
فيا ليت شعري هل أرى الدارَ بعدما / تناءوا بهمْ تدنو ويلتئمُ الشَّعبُ
ويُدني مزاري منهمُ كلُّ بازلٍ / سواءٌ عليه القربُ والمرتمى السَّهبُ
اِذا ما تبارى والرياحُ إلى مدًى / كبتْ لَغَباً في اِثرِه وهو ولا يكبو
يَغُذُّ برحلي منه في كلَّ مهمٍه / وبي عند حاجاتي إلى مثلِه هَضْبُ
ويسري وتسري الريحُ حسرى وراءَهُ / إلى حيث لم تَبلُغْ مجالهَهُ النُّجْبُ
ويَرْجِعُ ذاكَ البعدُ قرباً وتنثني / به سَجْسَجاً عندي زعازعُه النُّكْبُ
ومما شجاني في الغصونِ ابنُ أيكةٍ / تميلُ به مِن طيبِ تغريدِه القضبُ
ينوحُ ووجهُ الصبحُ قد لاحَ مشرقاً / يقولُ لنوّامِ الدُّجى ويحكُمْ هبّوا
فلم أرَ مثلي في الغرامِ ومثلَه / خليلَيْ وفاءٍ بَزَّ صبرَيهما الحبُّ
غرامٌ إذا ما قلتُ هانَ رأيتُه / وقد بانَ أهلوهِ له مركبٌ صعبُ
وبرقٌ بدا والليلُ ملقٍ جِرانَه / يلوحُ على بعدٍ كما اختُرِطَ العَضبُ
سَهِرْتُ لجرّاهُ إلى أن تمايلتْ / الى الغربِ مِن أقصى مشارِقها الشُّهبُ
أُنظَّمُ شعراً كالِغرِنْدِ كلامُه / شَرودٌ ولا تِيهٌ لديهِ ولا عُجبُ
فسائرُ أشعارِ الخلائقِ جملةً / لِحاءٌ وهذا الشعرُ مِن دونِها لُبُّ
يغنَّي به الساري فَيَسْتَعْبذب الهوى / ويستبعد المرمى فيحدو به الركبُ
أعيدوا حديثَ الظاعنينَ على سمعي
أعيدوا حديثَ الظاعنينَ على سمعي / اِذا شئتمُ مِن دونِ أهلِ الورى نفعي
واِلاّ فخلُّوني وما شاءَ هُ الهوى / فما ضاقَ يوماً عن معاناتِه ذَرْعي
وخلُّوا المطيَّ الهوجَ تبتدرُ الفلا / فاِنْ ظمئتْ فيها المطايا فها دمعي
مدامع قد أضحت على كل حادث / موزعة حتى على العيس والربع
واِنْ لمعَ البرقُ الحِجازيُّ شاقني / تألقُّهُ ما بين خَبْتٍ إلى جَمْعِ
تألَّقَ خفّاقَ الوميضِ كانَّه / فؤادي وقد سارَ الأحبَّةُ عن سَلْعِ
فأجرى وأذكى جاحمَ الشوقِ لمعُه / دموعي وما بين الجوانحِ مِن لَذْعِ
فللّهِ ايماضُ البروقِ كأنَّها / قواضبُ شيمتْ تحت ليلٍ مِنَ النقعِ
ومشمّا شجاني في الظلامِ ابنُ دوحةٍ / يُغَنَّي مِنَ الباناتِ شوقاً على فرعِ
فهمتُ بتسجيعِ الحمامةِ سُحرةً / وكلُّ أخي وجدٍ يَحِنُّ إلى السجعِ
وأحسستُ مِن ذاكَ التغرُّدِ في الحشا / لذكرِ الحمى لَسْعاً أشدَّ مِن اللَّسعِ
فمَنْ لي به والعيسُ في الآلِ ترتمي / بنا نحوَهُ ما بين خفضٍ إلى رفعِ
وتلكَ المطايا الخُوصُ في غَمَراتِه / مِن الضُّمرِ كلٌّ في العَساقيلِ كالنَّسْعِ
تؤمُّ بنا ماءَ العُذَيبِ وأهلَهُ / اِذا عاقَها الشوقُ المطاعُ عن الجِزعِ
فيا حارِ هل عاينتَ ناراً على الحمى / بدتْ لكَ وهناً أم رأيتَ سنا لمعِ
وهل نفحتْ عن منحنى البانِ نفحةٌ / ففزتَ بما فيها للمياءَ مَنْ رَدْعِ
فعينايَ في شُغْلٍ بفائضِ دمعِها / وقد نَثَرَتْهُ مِن فُرادى ومِن شَفْعِ
ومِن عجبٍ أنَّي اُريدُ عليهما / معيناً ومَن بُعدي على العينِ والدمعِ
ومَنْ ذا الذي مِن بعدِ جيرانِ حاجرٍ / يحاولُ صدَّي أو يَعِنَّ له منعي
وغيرُ عجيبٍ أن جَزِعتْ وقد سرتْ / حمولُهمُ تأتمُّ نجداً ولا بِدْعِ
بلاداً بها جادَ الزمانُ بقربِهمْ / عليَّ ولم يجنحْ إلى البُخْلِ والمَنْعِ
لئن سارَ مَنْ أهوى وسارتْ برحلهِ / مُضبَّرةُ المتنينِ مَوّارةُ الضَّبْعِ
لارتحلنَّ العيسَ بُدْناً توامِكاً / اِذا كان شملُ الوصلِ آلَ إلى صَدْعِ
وأتركُنها وهي التوامكُ سُهَّماً / تروحُ على أينٍ وتغدو على ظَلْعِ
الى أن يعودَ الشملُ بعدَ انصداعِه / وبعدَ فراقِ الظاعنينَ إلى جَمْعِ
وأُنشِدُ أشعاراً براهنَّ فاغتدتْ / كما أشتهيهِ جودةُ الفكرِ والطبعِ
قريضاً له في كلَّ عقلٍ خديعةٌ / ومُعجِبُه ما كان ضرباً مِنَ الخضدْعِ
قلائدُ أشعارٍ أُنضَّدُ دُرَّها / اِذا نضَّدَ الأقوامُ شِعراً مِنَ الوَدْعِ
نظيمٌ غدتْ ألفاظُه وهي نُصَّعٌ / مُبرأةٌ مما يَشينُ مِنَ القَرْعِ
يقولُ رجالٌ يسمعونَ بديعَهُ / لعمرُكَ ما في الطوقِ هذا ولا الوَسْعِ
لها في نفوسِ الناسِ وقعٌ إذا غدا / قريضُ أناسٍ وهو مُسْتَضْعَفُ الوَقْعِ
تمنَّى فكنتُمْ جُلَّ ما يتمناهُ
تمنَّى فكنتُمْ جُلَّ ما يتمناهُ / أخو وَلَهٍ مضنى الفؤادِ مُعنّاهُ
دعا لُبَّهُ داعي الغرامِ ودونكمْ / مفاوزُ تَعني الناجياتِ فلبّاهُ
مشوقٌ إذا ما الليلُ جُنَّ ظلامهُ / تضاعفَ فيه بالأحبَّةِ بلواهُ
دعاهُ اليهم قائدُ الشوقِ عَنْوَةً / ودونهمُ رملُ العُذَيبِ ومَرْماهُ
موامٍ تَكِلُّ النُّجبُ في جنباتِها / وخَرْقٌ يهولُ الأرحبيَّةَ مسراهُ
وهَجْلٌ إذا ما قلتُ للعيسِ هذه / أواخرُه كانتْ مِن البعدِ أُولاهُ
يحاذرُه الخِرَّيتُ مِن بعدِ خرقهِ / اِذا ما طمى لُجُّ السَّرابِ ويخشاهُ
كأنَّ عتاقَ النُّجبِ فيه سفائنٌ / وموّارَ آذيَّ العساقيلِ أمواهُ
أحبَّتَنا بِنتمْ فلي بعد بينكمْ / فؤادٌ أَجَدَّ الوجدُ لي فيه ذِكراهُ
نأيتمْ فلي قلبٌ شديدٌ خُفُوقُه / وبِنتمْ فلي طرفٌ جفا النومَ جفناهُ
أُسائلُ عنكمْ كلَّ ربعٍ رأيتُه / لكم مُقْفِراً قد أنهجَ الدهرُ مغناهُ
وأبكي بجفنٍ مِن أليمِ نواكمُ / قريحٍ ألحَّ الدمعُ فيه فادماهُ
تُجدَّدُ لي ربّاهُ كلُّ صبابةٍ / وتُذْكِرُني عهداً تقادمَ رؤياهُ
وتُسعِدُني عينايَ فيه بدمعِها / فيا ويحَ مَنْ أمسى وعيناهُ عوناهُ
لقد قلَّ أنصارُ الذي قد غدتْ له / على البينِ عوناً في المحبَّةِ عيناهُ
وأرخصَ في يومِ التفرُّقِ دمعَهُ / بحكمِ النوى والهجرِ ما كانَ أغلاهُ
وأبدى عليه مِن سرائرِ حبَّهِ / بما فاضَ منه كلُّ ما كانَ أخفاهُ
حنيناً على بعدِ الديارِ وقربِها / الى جيرةٍ بالمنحنى يتقاضاهُ
وشوقاً إلى أهلِ العقيقِ كثيرُه / يذودُ الكرى عن مقلتيِه وأدناهُ
أمِنْ بعدِ ما شابَ في الوجدِ فَودُهُ / وأبلى الشبابَ الغضَّ فيهم وأفناهُ
تناءوا وأمسى قانعاً بسلامِهم / على النأي أو طيفٍ إذا نامَ يغشاه
وما كانَ في ظنَّ المحبَّ بأنَّه / تخيبُ أمانيهِ ويُخفِقُ مسعاهُ
وقد كانَ لا يرضى على قربِ دارِهمْ / بما كانَ يرجوه وما يتوخّاهُ
ولمّا نأى ذاكَ الفريقُ عنِ الحِمى / وسارتْ تؤمُّ المازِمَيْنِ مطاياهُ
وسارَ غزالٌ كانَ يَهدي مع الصبَّا / اِذا منعوه مِن وصالي تحاياهُ
وأصبحَ قلبي وهو في الحبَّ مُوثَقٌ / يروحُ ويغدو وهو مِن بعضِ أسراهُ
سَمَحتُ بدمعي والسحابُ بدمعهِ / ضنينٌ على الربعِ المُحيلِ فرّواهُ
وأجريتُ دمعاً في الطلولِ مورَّداً / غزيرَ الحيا لا يبلغُ القطرُ شرواهُ
وقلتُ لقلبي طالَ عهدُكَ باللَّوى / فأين لياليهِ ومَنْ كنتَ تهواهُ
وقلتُ لِمَنْ قد كانَ يَعذِلُني على / غرامي به دعْ عنكَ ما لستُ أرضاهُ
فما لجَّ بالمشتاقِ في مذهبِ الهوى / على ما أراه العَذْلُ إلا وأغراهُ
وما كنتُ قبلَ البينِ والشمل جامعٌ / أرى العيشَ مخضرَّ الجنابِ بلقياهُ
حميداً إذا ما ربعُه عادَ مُكِثباً / شهيّاً إذا لم تفقدِ العينُ مرآهُ
فما كانَ أصفى ذلكَ العيشَ برهةً / وقد غابَ واشيه وما كانَ أسناهُ
وليلةَ وافاني على غيرِ موعدٍ / يجوبُ الدجى لا أصغرَ اللهُ ممشاهُ
وباتَ وذاكَ الحسنُ يجلوه طائعاً / على ناظري في الليلِ نورُ محيّاهُ
فبتُّ ولي ضوءانِ ضوءُ جبينهِ / على غرَّةِ الواشي وضوءُ ثناياهُ
أُعاطيهِ كأساً مِن مُدامٍ كأنَّما / عصارةُ خدَّيهِ الذي يتعاطاهُ
مُدامٌ إذا راقتْ ورقَّتْ حسبتَها / جنى ظَلْمِه مقطوبةً وسجاياهُ
وحيّاً بها صبّاً أماتَ سرورَهُ / تطاولُ أيامِ البعادِ فأحياهُ
وروَّحَ قلباً طالَ بالبينِ هَمُّهُ / وصبّاً به طولُ التفرُّقِ أضناهُ
ومضنًى يُراعي النيَّراتِ لأجلِه / غراماً فهلاّ في المحبَّةِ يرعاهُ
وما كانَ يدري ما الفراقُ ولا الهوى / ولا مؤلماتُ الصدَّ والبينِ لولاهُ
وما الروضُ سقّاهُ الغمامُ بمائهِ / فطرَّزهُ دمعُ السحابُ ووشّاهُ
تأرَّجَ طيباً عندما هبَّتِ الصبَّا / على جانبيهِ نَوْرُه وخُزماهُ
وأطلعَ فيه الزهرَ أخلافُ دَرَّهِ / كشعري إذا ما دبَّجَ الفكرُ معناهُ
يصوغُ له اللفظَ الصحيحَ فيغتدي / جلياً على الفَهمِ السقيمِ مُعمّاهُ
له نشواتٌ في العقولِ كأنَّما / أُديرتْ على الأذهانِ منه حُميّاهُ
ويلعبُ بالألبابِ سِحْرُ كلامِه / متى أوردتْهُ في المحافلِ أفواهُ
قريضٌ إذا فصَّلتُ جوهرَ لفظهِ / وبينَّتُ معناهُ وأحكمتُ مبناهُ
دنا جيدُ هذا الدهرِ منه وطالما / غدا عاطلاً مِن قبلِ شعري فحلاّهُ
أبثُّكَ ما بي أم كفاكَ نحولي
أبثُّكَ ما بي أم كفاكَ نحولي / ففيه على وجدي أتَمُّ دليلِ
يُخبَّرُ عما في الضمائرِ صادقاً / بغيرِ كلامٍ لا يُفيدُ طويلِ
ومذ نَمَّ فرطُ السُّقمِ عنه بحالهِ / تَرَفَّعَ عن واشٍ به وعذولِ
فيا أهلَ ودَّي كيفَ حلَّلتمُ النوى / أمِنْ خوفِ مالٍ في الغرامِ وقيلِ
مللتُمْ هوًى ما أن مللتُ عذابَهُ / على أن ما في الغيدِ غيرُ ملولِ
وخلَّفتموني في الديارِ وبنتمُ / بطرفٍ على بالي الديارِ هَمولِ
وتندو دموعي والدموعُ بواعثٌ / دواعي الأسى مِن زفرةٍ وعويلِ
وألفى شجاعُ البينِ منّي تجلداً / بصبرٍ على حكمِ الغرامِ ذليلِ
فما حيلتي ما في الأحبَّةِ راحمٌ / ولا في رجالِ الوجدِ غيرُ جهولِ
وكم لهم في كلَّ ربعٍ ومنزلٍ / حليفَيْ هوًى مِن قاتلٍ وقتيلِ
ولمّا جَزَعنا الجِزعَ قلتُ لناقتي / الى دارِ ليلى بالأجارعِ ميلي
تُراحَيْ مِن الاراقلِ في كلَّ مهمهٍ / وهَجْلٍ إلى سكانِها وذميلِ
مِنَ الهوجِ لم تغلْ واِنْ كظَّها السُّرى / الى كلَّ حيًّ نازحٍ وقبيلِ
اِذا هالَها الاِدلاجُ والخرقُ لم تُرَعْ / واِنْ سمعتْ للموتِ كلَّ أليلِ
تَغُذُّ بذي وجدٍ براهُ على النوى / نوازعُ شوقٍ في الفؤادِ دخيلِ
فمَنْ لأخِ الوجدِ العليلِ على النوى / بقربِ مزارٍ أو بِبَلَّ غليلِ
معنًّى بأغصانِ القدودِ رشيقةً / كبانِ الحِمى في دِقَّةٍ وذبولِ
يُرنَّحُها سكرُ الصَّبا فيُميلُها / دلالاً على العلاّتِ كلَّ مَمِيلِ
ولمّا وقفنا للوَداعِ اِشارةً / بطرفٍ مِنَ السَّجفِ الخفيَّ كحيلِ
وقد عنَّ مِن سربِ الغواني ربابٌ / سنحنَ لنا في مَرْبَعٍ ومَقيلِ
وقفتُ فلم أملِكْ بوادرَ عبرةٍ / تَسُحُّ على ربعٍ لهنَّ مَحيلِ
وما الدمعُ إلا للفراقِ فيها بأهلِها / وعهدَ الصَّبا في بُكْرَةٍ وأصيلِ
اِذا بَعُدَ الأحبابُ عنّي ولم أجدْ / رسولاً اليهمْ فالنسيمُ رسولي
أسائلُ عنهمْ كلَّ ريحٍ تنسَّمتْ / عليَّ ضُحًى مِن شمأَلٍ وقَبُولِ
فيا حبذا ذاكَ الزمانُ الذي مضى / حميداً باِلْفٍ يُرتضى وخليلِ
زماناً تقضَّى ما رأيناهُ سامنا / على ولَعٍ في الدهرِ غيرَ جميلِ
صَحِبْنا به تلكَ الغواني أوانساً / الى ظِلَّ عيشٍ للشبابِ ظليلِ
سأمدحُ ذيّاكَ الزمانَ بمِقْولٍ / يُريكَ لسانَ الشعرِ غيرَ كليلِ
بمدحٍ إذا فاهَ الرواةُ به غداً / قليلٌ مديحي وهو غيرُ قليلِ
على أن أهلَ الشَّعرِ امْسَوا وأصبحوا / كثيراً وما في الأكثرينَ عديلي