القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أبو فِراس الحمَداني الكل
المجموع : 63
عَطِفتُ عَلى عَمرِ اِبنِ تَغلِبَ بَعدَما
عَطِفتُ عَلى عَمرِ اِبنِ تَغلِبَ بَعدَما / تَعَرَّضَ مِنّي جانِبٌ لَهُمُ صَلدُ
وَلا خَيرَ في هَجرِ العَشيرَةِ لِاِمرِئٍ / يَروحُ عَلى ذَمِّ العَشيرَةِ أَو يَغدو
وَلَكِن دُنُوُّ لايُوَلَّدُ هِجرَةً / وَهَجرٌ رَفيقٌ لايُصاحِبُهُ زُهدُ
نُباعِدُهُم طَوراً كَما يُبعَدُ العِدى / وَنِكرِمُهُم طَوراً كَما يُكرَمُ الوَفدُ
دَعَوناكَ وَالهِجرانُ دونَكَ دَعوَةً
دَعَوناكَ وَالهِجرانُ دونَكَ دَعوَةً / أَتاكَ بِها يَقظانَ فِكرُكَ لا البُردُ
فَأَصبَحتَ مابَينَ العَدُوِّ وَبَينَنا / تَجارى بِكَ الخَيلُ المُسَوَّمَةُ الجُردُ
أَتَيناكَ أَدنى مانُجيبُكَ جُهدَنا / فَأَهوَنَ سَيرِ الخَيلِ مِن تَحتِنا الشَدُّ
بِكُلِّ نِزارِيٍّ أَتَتكَ بِشَخصِهِ / عَوائِدُ مِن حالَيكَ لَيسَ لَها رَدُّ
نُباعِدُهُم وَقتاً كَما يُبعَدُ العِدى / وَنُكرِمُهُم وَقتاً كَما يُكرَمُ الوَفدُ
وَنَدنو دُنُوّاً لا يُوَلَّدُ جُرأَةً / وَنَجفو جَفاءً لايُوَلِّدُهُ زُهدُ
أَفضَت عَلَيهِ الجودَ مِن قَبلِ هَذِهِ / وَأَفضَلُ مِنهُ ما يُؤَمِّلُهُ بَعدُ
وَحُمرِ سُيوفٍ لا تَجِفُّ لَها ظُبىً / بِأَيدي رِجالٍ لا يُحَطُّ لَها لِبدُ
وَزُرقٍ تَشُقُّ البُردَ عَن مُهَجِ العِدى / وَتَسكُنُ مِنهُم أَينَما سَكَنَ الحِقدُ
وَمُصطَحَباتٍ قارَبَ الرَكضُ بَينَها / وَلَكِن بِها عَن غَيرِها أَبَداً بُعدُ
نُشَرِّدُهُم ضَرباً كَما شَرَّدَ القَطا / وَنَنظِمُهُم طَعناً كَما نُظِمَ العِقدُ
لَئِن خانَكَ المَقدورُ فيما نَوَيتَهُ / فَما خانَكَ الرَكضُ المَواصِلُ وَالجُهدُ
تُعادُ كَما عَوَّدتَ وَالهامُ صَخرُها / وَيُبنى بِها المَجدُ المُؤَثَّلُ وَالحَمدُ
فَفي كَفِّكَ الدُنيا وَشيمَتُكَ العُلا / وَطائِرُكَ الأَعلى وَكَوكَبَكَ السَعدُ
وَلَمّا تَخَيَّرتِ الأَخِلّاءَ لَم أَجِد
وَلَمّا تَخَيَّرتِ الأَخِلّاءَ لَم أَجِد / صَبوراً عَلى حِفظِ المَوَدَّةِ وَالعَهدِ
سَليماً عَلى طَيِّ الزَمانِ وَنَشرِهِ / أَميناً عَلى النَجوى صَحيحاً عَلى البُعدِ
وَلَمّا أَساءَ الظَنَّ بي مَن جَعَلتُهُ / وَإِيّايَ مِثلَ الكَفِّ نيطَت إِلى الزِندِ
حَمَلتُ عَلى ضَنّي بِهِ سوءَ ظَنِّهِ / وَأَيقَنتُ أَنّي بِالوَفا أُمَّةٌ وَحدي
وَأَنّي عَلى الحالَينِ في العَتبِ وَالرِضى / مُقيمٌ عَلى ماكانَ يَعرِفُ مَن وُدّي
أَيا عاتِباً لا أَحمِلُ الدَهرَ عَتبَهُ
أَيا عاتِباً لا أَحمِلُ الدَهرَ عَتبَهُ / عَلَيَّ وَلا عِندي لِأَنعُمِهِ جَحدُ
سَأَسكُتُ إِجلالاً لِعِلمِكَ أَنَّني / إِذا لَم تَكُن خَصمي لِيَ الحُجَجُ اللُدُّ
أَيا قَومَنا لاتَنشُبوا الحَربَ بَينَنا
أَيا قَومَنا لاتَنشُبوا الحَربَ بَينَنا / أَيا قَومَنا لاتَقطَعوا اليَدَ بِاليَدِ
عَداوَةُ ذي القُربى أَشَدُّ مَضاضَةً / عَلى المَرءِ مِن وَقعِ الحُسامِ المُهَنَّدِ
فَيا لَيتَ داني الرَحمِ مِنّا وَمِنكُمُ / إِذا لَم يُقَرِّب بَينَنا لَم يُبَعِّدِ
لَعَلَّ خَيالَ العامِرِيَّةِ زائِرُ
لَعَلَّ خَيالَ العامِرِيَّةِ زائِرُ / فَيُسعَدَ مَهجورٌ وَيُسعَدَ هاجِرُ
وَقَد كُنتُ لا أَرضى مِنَ الوَصلِ بِالرِضا / لَيالِيَ ما بَيني وَبَينَكَ عامِرُ
وَإِنّي عَلى طولِ الشِماسِ عَنِ الصِبا / أَحِنُّ وَتُصبيني إِلَيكِ الجَآذِرُ
وَإِنّي إِذا لَم أَرجُ يَقظانَ وَصلَها / لَيُقنِعُني مِنها الخَيالُ المُزاوِرُ
وَفي كِلَّتَي ذاكَ الخِباءِ خَريدَةٌ / لَها مِن طِعانِ الدارِعينَ سَتائِرُ
تَقولُ إِذا ماجِئتُها مُتَدَرِّعاً / أَزائِرُ شَوقٍ أَنتَ أَم أَنتَ ثائِرُ
فَقُلتُ لَها كَلّا وَلَكِن زِيارَةٌ / تُخاضُ الحُتوفُ دونَها وَالمَحاذِرُ
تَثَنَّت فَغُصنٌ ناعِمٌ أَم شَمائِلٌ / وَوَلَّت فَلَيلٌ فاحِمٌ أَم غَدائِرُ
فَأَمّا وَقَد طالَ الصُدودُ فَإِنَّهُ / يَقَرُّ بِعَينَيَّ الخَيالُ المُزاوِرُ
تَنامُ فَتاةُ الحَيِّ عَنّي خَلِيَّةً / وَقَد كَثُرَت حَولي البَواكي السَواهِرُ
وَتُسعِدُني غُبرُ البَوادي لِأَجلِها / وَإِن رَغِمَت بَينَ البُيوتِ الحَواضِرُ
وَما هِيَ إِلّا نَظرَةٌ ما اِحتَسَبتُها / بِعَدّانَ صارَت بي إِلَيها المَصايِرُ
طَلَعتُ بِها وَالرَكبُ وَالحَيُّ كُلَّهُ / حَيارى إِلى وَجهٍ بِهِ الحُسنُ حائِرُ
وَما سَفَرَت عَن رَيِّقِ الحُسنِ إِنَّما / نَمَمنَ عَلى ما تَحتَهُنَّ المَعاجِرُ
فَيا نَفسُ مالاقَيتِ مِن لاعِجِ الهَوى / وَياقَلبُ ماجَرَّت عَلَيكَ النَواظِرُ
وَيا عِفَّتي مالي وَما لَكَ كُلَّما / هَمَمتُ بِأَمرٍ هَمَّ لي مِنكَ زاجِرُ
كَأَنَّ الحِجا وَالصَونُ وَالعَقلُ وَالتُقى / لَدَيَّ لِرَبّاتِ الخُدورِ ضَرائِرُ
وَهُنَّ وَإِن جانَبتُ ما يَشتَهينَهُ / حَبائِبُ عِندي مُنذُ كُنَّ أَثائِرُ
وَكَم لَيلَةٍ خُضتُ الأَسِنَّةَ نَحوَها / وَما هَدَأَت عَينٌ وَلا نامَ سامِرُ
فَلَمّا خَلَونا يَعلَمُ اللَهُ وَحدَهُ / لَقَد كَرُمَت نَجوى وَعَفَّت سَرائِرُ
وَبِتُّ يَظُنُّ الناسُ فِيَّ ظُنونَهُم / وَثَوبِيَ مِمّا يَرجُمُ الناسُ طاهِرُ
وَكَم لَيلَةٍ ماشَيتُ بَدرَ تَمامِها / إِلى الصُبحِ لَم يَشعُر بِأَمرِيَ شاعِرُ
وَلا رَيبَةٌ إِلّا الحَديثُ كَأَنَّهُ / جُمانٌ وَهى أَو لُؤلُؤٌ مُتَناثِرُ
أَقولُ وَقَد ضَجَّ الحُلِيُّ وَأَشرَفَت / وَلَم أُروَ مِنها لِلصَباحِ بَشائِرُ
أَيا رَبِّ حَتّى الحَليُ مِمّا نَخافُهُ / وَحَتّى بَياضُ الصُبحِ مِمّا نُحاذِرِ
وَلي فيكِ مِن فَرطِ الصَبابَةِ آمِرٌ / وَدونَكِ مِن حُسنِ الصَيانَةِ زاجِرُ
عَفافُكَ غَيٌّ إِنَّما عِفَّةُ الفَتى / إِذا عَفَّ عَن لَذّاتِهِ وَهوَ قادِرُ
نَفى الهَمَّ عَنّي هِمَّةٌ عَدَوِيَّةٌ / وَقَلبٌ عَلى ماشِئتُ مِنهُ مُظاهِرُ
وَأَسمَرُ مِمّا يُنبِتُ الخَطُّ ذابِلٌ / وَأَبيَضُ مِمّا تَطبَعُ الهِندُ باتِرُ
وَنَفسٌ لَها في كُلِّ أَرضٍ لُبانَةً / وَفي كُلِّ حَيٍّ أُسرَةٌ وَمَعاشِرُ
وَقَلبٌ يُقِرُّ الحَربَ وَهوَ مُحارِبٌ / وَعَزمٌ يُقيمُ الجِسمَ وَهوَ مُسافِرُ
إِذا لَم أَجِد في كُلِّ فَجٍّ عَشيرَةً / فَإِنَّ الكِرامَ لِلكِرامِن عَشائِرُ
وَلاحِقَةِ الإِطلَينِ مِن نَسلِ لاحِقٍ / أَمينَةَ ما نِطَت إِلَيهِ الحَوافِرُ
مِنَ اللاءِ تَأبى أَن تُعانِدَ رَبَّها / إِذا حُسِرَت عِندَ المُغارِ المَآزِرُ
وَخَرقاءُ وَرقاءُ بَطيءٌ كَلالُها / تَكَلَّفُ بي ما لا تُطيقُ الأَباعِرُ
غُرَيرِيَّةٌ صافَت شَقائِقَ دابِقٍ / مَدى قَيظَها حَتّى تَصَرَّمَ ناجِرُ
وَحَمَّضَها الراعي بِمَيثاءِ بُرهَةً / تَناوَلَ مِن خِذرافِهِ وَتُغادِرُ
أَقامَت بِها شَيبانَ ثُمَّ تَضَمَّنَت / بَقِيَّةَ صَفوانٍ قِراها المَناظِرُ
وَخَوَّضَها بَطنَ السَلَوطَحِ رَيثَما / أُديرَت بِمِلحانَ الشُهورُ الدَوائِرُ
فَجاءَ بِكَوماءٍ إِذا هِيَ أَقبَلَت / حَسِبتَ عَلَيها رَحلَها وَهيَ حاسِرُ
فَيا بُعدَ نابَينَ الكَلالِ وَبَينَها / وَياقُربَ مايَرجو عَلَيها المُسافِرُ
دَعِ الوَطَنَ المَألوفَ رابَكَ أَهلُهُ / وَعُدَّ عَنِ الأَهلِ الَّذينَ تَكاثَروا
فَأَهلُكَ مَن أَصفى وَوُدُّكَ ماصَفا / وَإِن نَزَحَت دارٌ وَقَلَّت عَشائِرُ
تَبَوَّأتُ مِن قَرمَي مَعَدٍّ كِلَيهِما / مَكاناً أَراني كَيفَ تُبنى المَفاخِرُ
لَئِن كانَ أَصلي مِن سَعيدٍ نِجارُهُ / فَفَرعي لِسَيفِ الدَولَةِ القَرمِ ناصِرُ
وَما كانَ لَولاهُ لِيَنفَعَ أَوَّلٌ / إِذا لَم يُزَيِّن أَوَّلَ المَجدِ آخِرُ
لَعَمرُكَ ما الأَبصارُ تَنفَعُ أَهلَها / إِذا لَم يَكُن لِلمُبصِرينَ بَصائِرُ
وَهَل يَنفَعُ الخَطِّيُّ غَيرَ مُثَقَّفٍ / وَتَظهَرُ إِلّا بِالصَقالِ الجَواهِرُ
أُناضِلُ عَن أَحسابِ قَومي بِفَضلِهِ / وَأَفخَرُ حَتّى لا أَرى مَن يُفاخِرُ
وَأَسعى لِأَمرٍ عُدَّتي لِمَنالِهِ / أَواخَيَّ مِن آرائِهِ وَأَواصِرُ
أَيا راكِباً تُحدى بِأَعوادِ رَحلِهِ / عُذافِرَةٌ عَيرانَةٌ وَعُذافِرُ
أَلِكني إِلى أَفناءِ بَكرٍ رِسالَةً / عَلى نَأيِها وَهيَ القَوافي السَوائِرُ
لَئِن باعَدَتكُم نِيَّةٌ طالَ شَحطُها / لَقَد قَرَّبَتكُم نِيَّةٌ وَضَمائِرُ
وَنَشرُ ثَناءٍ لايَغِبُّ كَأَنَّما / بِهِ نَشَرَ العَصبَ اليَمانِيَّ ناشِرُ
وَيَجمَعُنا في وائِلٍ عَشَرِيَّةٌ / وَوِدٌّ وَأَرحامٌ هُناكَ شَواجِرُ
فَقُل لِبَني وَرقاءَ إِن شَطَّ مَنزِلٌ / فَلا العَهدُ مَنسِيٌّ وَلا الوِدُّ داثِرُ
وَكَيفَ يَرِثُّ الحَبلُ أَو تَضعُفُ القِوى / وَقَد قَرُبَت قُربى وَشُدَّت أَواصِرُ
أَبا أَحمَدٍ مَهلاً إِذا الفَرعُ لَم يَطِب / فَلا طِبنَ يَومَ الإِفتِخارِ العَناصِرُ
أَتَسمو بِما شادَت أَوائِلُ وائِلٍ / وَقَد غَمَرَت تِلكَ الأَوالي الأَواخِرُ
أَيَشغَلُكُم وَصفُ القَديمِ وَدونَهُ / مَفاخِرُ فيها شاغِلٌ وَمَآثِرُ
لَنا أَوَّلٌ في المَكرُماتِ وَآخِرٌ / وَباطِنُ مَجدٍ تَغلَبِيٍّ وَظاهِرُ
وَهَل يُطلَبُ العِزُّ الَّذي هُوَ غائِبٌ / وَيُترَكُ ذا العِزُّ الَّذي هُوَ حاضِرُ
عَلَيَّ لِأَبكارِ الكَلامِ وَعَونِهِ / مَفاخِرُ تُفنيهِ وَتَبقى مَفاخِرُ
أَنا الحارِثُ المُختارُ مِن نَسلِ حارِثٍ / إِذا لَم يَسُد في القَومِ إِلّا الأَخايِرُ
فَجَدّي الَّذي لَمَّ العَشيرَةَ جودُهُ / وَقَد طارَ فيها بِالتَفَرُّقِ طائِرُ
تَحَمَّلَ قَتلاها وَساقَ دِياتِها / حَمولٌ لِما جَرَّت عَلَيهِ الجَرائِرُ
وَدى ماءَةً لَولاهُ جَرَّت دِمائُهُم / مَوارِدَ مَوتٍ مالَهُنَّ مَصادِرُ
وَمِنّا الَّذي ضافَ الإِمامَ وَجَيشِهِ / وَلا جودَ إِلّا أَن تَضيفَ العَساكِرُ
وَجَدّي الَّذي اِنتاشَ الدِيارَ وَأَهلَها / وَلِلدَهرِ نابٌ فيهِمُ وَأَظافِرُ
ثَلاثَةُ أَعوامٍ يُكابِدُ مَحلَها / أَشَمُّ طَويلُ الساعِدَينِ عُراعِرُ
فَآبوا بِجَدواهُ وَآبَ بِشُكرِهِم / وَما مِنهُمُ في صَفقَةِ المَجدِ خاسِرُ
وَكَيفَ يُنالُ المَجدُ وَالجِسمُ وادِعٌ / وَكَيفَ يُحازُ الحَمدُ وَالوَفرُ وافِرُ
أَساداءَ ثَغرٍ كانَ أَعيا دَوائُهُ / وَفي قَلبِ مَلكِ الرومِ داءٌ مُخامِرُ
بَنى ثَغرَها الباقي عَلى الدَهرِ ذِكرُهُ / نَتائِجُ فيها السابِقاتُ الضَوامِرُ
وَسَوفَ عَلى رَغمِ العَدُوِّ يُعيدُها / مُعَوَّدُ رَدِّ الثَغرِ وَالثَغرُ دائِرُ
وَلَمّا أَلَمَّت بِالدِيارَينِ أَزمَةٌ / جَلاها وَنابَ المَوتِ بِالمَوتِ كاشِرُ
كَفَت غَدَواتِ الغَيثِ دِرّاتُ كَفِّهِ / فَأَمرَعَ بادٍ وَاِجتَنى العَيشَ حاضِرُ
أَناخوا بِوَهّابِ النَفائيسِ ماجِدٍ / يُقاسِمُهُم أَموالَهُ وَيُشاطِرُ
وَعَمّي الَّذي أَردى الوَزيرَ وَفاتِكاً / وَما الفارِسُ الفَتّاكُ إِلّا المُجاهِرُ
أَذاقَهُما كَأسَ الحِمامِ مُشَيَّعٌ / مُثَوِرُ غاراتِ الزَمانِ مُساوِرُ
يُطيعُهُمُ ما أَصبَحَ العَدلُ فيهِمُ / وَلا طاعَةٌ لِلمَرءِ وَالمَرءُ جائِرُ
لَنا في خِلافِ الناسِ عُثمانَ أُسوَةٌ / وَقَد جَرَّتِ البَلوى عَلَيهِ الجَرائِرُ
وَسارَ إِلى دارِ الخِلافَةِ عَنوَةً / فَحَرَّقَها وَالجَيشُ بِالدارِ دائِرُ
أَذَلَّ تَميماً بَعدَ عِزٍّ وَطالَما / أُذِلَّ بِنا الباغي وَعَزَّ المُجاوِرُ
وَصَدَّقَ في بَكرٍ مَواعيدَ ضَيفِهِ / وَثَوَّرَ بِاِبنِ الغَمرِ وَالنَقعُ ثائِرُ
وَأَقبَلَ بِالشاري يُقادُ أَمامَهُ / وَلِلقَيدِ في كِلتا يَدَيهِ ضَفائِرُ
وَشَنَّ عَلى ذي الخالِ خَيلاً تَناهَبَت / سَماوَةُ كَلبٍ بَينَها وَعُراعِرُ
أَضَقنَ عَلَيهِ البيدَ وَهيَ فَضافِضٌ / وَأَضلَلنَهُ عَن سُبلِهِ وَهوَ خابِرُ
أَماطَ عَنِ الأَعرابِ ذُلُّ إِتاوَةٍ / تَساوى البَوادي عِندَها وَالحَواضِرُ
وَأَجلَت لَهُ عَن فَتحِ مِصرَ سَحائِبٌ / مِنَ الطَعنِ سُقياها المَنايا الحَواضِرُ
تَخالَطَ فيها الجَحفَلانِ كِلاهُما / فَغِبنَ القَنا عَنّا وَنُبنَ البَواتِرُ
وَقادَ إِلى أَرضِ السَبَكرِيِّ جَحفَلاً / يُسافِرُ فيهِ الطَرفُ حينَ يُسافِرُ
تَناسى بِهِ القَتّالُ في القَدِّ قَتلَهُ / وَدارَت بِرَبِّ الجَيشِ فيهِ الدَوائِرُ
وَعَمّي الَّذي سُلَّت بِنَجدٍ سُيوفُهُ / فَرَوَّعَ بِالغَورَينِ مَن هُوَ غائيرُ
تَناصَرَتِ الأَحياءُ مِن كُلِّ وِجهَةٍ / وَلَيسَ لَهُ إِلّا مِنَ اللَهِ ناصِرُ
فَلَم وِبقِ غَمراً طَعنُهُ الغَمرُ فيهِمُ / وَلَم يُبقِ وِتراً ضَربُهُ المُتَواتِرُ
وَساقَ إِلى اِبنِ الدَيدَواذِ كَتيبَةً / لَها لَجَبٌ مِن دونِها وَزَماجِرُ
جَلاها وَقَد ضاقَ الخِناقُ بِضَربَةٍ / لَها مِن يَدَيهِ في المُلوكِ نَظائِرُ
بِحَيثُ الحُسامُ الهِندُوانِيُّ خاطِبٌ / بَليغٌ وَهاماتُ المُلوكِ مَنابِرُ
وَعَمّي الَّذي سَمَّتهُ قَيسٌ مُزَرنَفاً / وَقَد شَجَرَت فيهِ الرِماحُ الشَواجِرُ
وَرَدَّ اِبنَ مَزروعٍ يَنوءُ بِصَدرِهِ / وَفي صَدرِهِ مالاتَنالُ المَسابِرُ
وَعَمّي الَّذي أَفنى الشُراةَ بِوَقعَةٍ / شَهيدانِ فيها الرائِبانِ وَجازِرُ
أَصَبنَ وَراءَ السِنِّ صالِحَ وَاِبنَهُ / وَمِنهُنَّ نَوءٌ بِالبَوازيجِ ماطِرُ
كَفاهُ أَخي وَالخَيلُ فَوضى كَأَنَّها / وَقَد غَصَّتِ الحَربُ النِعامُ النَوافِرُ
غَداةَ وَأَحزابُ الشُراةِ بِمَنزِلٍ / يُعاشِرُ فيهِ المَرءُ مَن لايُعاشِرُ
وَعَمّي الَّذي ذَلَّت حَبيبٌ لِسَيفِهِ / وَكانَت وَمَرعاها مِنَ العِزِّ ناضِرُ
وَعَمّي الحَرونُ عِندَ كُلِّ كَتيبَةٍ / تَخِفُّ جِبالٌ وَهوَ لِلمَوتِ صابِرُ
أولَئِكَ أَعمامي وَوالِدِيَ الَّذي / حَمى جَنَباتِ المُلكِ وَالمُلكُ شاغِرُ
بِحَيثُ نِساءُ الغادِرينَ طَوالِقٌ / وَحَيثُ إِماءُ الناكِثينَ حَرائِرُ
لَهُ بِسُلَيمٍ وَقعَةٌ جاهِلِيَّةٌ / تُقِرُّ بِها فَيدٌ وَتَشهَدُ حاجِرُ
وَأَذكَت مَذاكيهِ بِسَرحٍ وَأَرضِها / مِنَ الضَربِ ناراً جَمرُها مُتَطايِرُ
شَفَت مِن عُقَيلٍ أَنفُساً شَفَّها السُرى / فَهَوَّمَ عَجلانٌ وَنَوَّمَ ساهِرُ
وَأَوَّلُ مَن شَدَّ المَجيدُ بِعَينِهِ / وَأَوَّلُ مَن قَدَّ الكَمِيُّ المُظاهِرُ
غَزا الرومَ لَم يَقصِد جَوانِبَ غِرَّةٍ / وَلا سَبَقَتهُ بِالمُرادِ النَذائِرُ
فَلَم تَرَ إِلّا فالِقاً هامَ فَيلَقٍ / وَبَحراً لَهُ تَحتَ العَجاجَةِ ماخِرُ
وَمُستَردَفاتٍ مِن نِساءٍ وَصِبيَةٍ / تَثَنّى عَلى أَكتافِهِنَّ الضَفائِرُ
بُنَيّاتُ أَملاكٍ أُتينَ فُجاءَةً / قُهِرنَ وَفي أَعناقِهِنَّ الجَواهِرُ
فَإِن تَمضِ أَشياخي فَلَم يَمضِ مَجدَها / وَلا دَثَرَت تِلكَ العُلى وَالمَآثِرُ
نَشيدُ كَما شادوا وَنَبني كَما بَنَوا / لَنا شَرَفٌ ماضٍ وَآخَرُ حاضِرُ
فَفينا لِدينِ اللَهِ عِزٌّ وَمَنعَةٌ / وَفينا لِدينِ اللَهِ سَيفٌ وَناصِرُ
هُما وَأَميرُ المُؤمِنينَ مُشَرَّدٌ / أَجاراهُ لَمّا لَم يَجِد مَن يُجاوِرُ
وَرَدّاهُ حَتّى مَلَّكاهُ سَريرَهُ / بِعِشرينَ أَلفاً بَينَها المَوتُ سافِرُ
وَساسا أُمورَ المُسلِمينَ سِياسَةً / لَها اللَهُ وَالإِسلامُ وَالدينُ شاكِرُ
وَلَمّا طَغى عِلجُ العِراقِ اِبنُ رائِقٍ / شَفى مِنهُ لاطاغٍ وَلا مُتَكاثِرُ
إِذِ العَرَبُ العَرباءُ تَبني عِمادَهُ / وَمِنّا لَهُ طاوٍ عَلى الثَأرِ ذاكِرُ
أَذاقَ العَلاءَ التَغلِبِيَّ وَرَهطَهُ / عَواقِبَ ماجَرَّت عَلَيهِ الجَرائِرُ
وَأَوطَأَ حِصنَي وَرتَنيسَ خُيولُهُ / وَقَبلَهُما لَم يَقرَعِ النَجمَ حافِرُ
فَآبَ بِأَسراها تُغَنّي كُبولَها / وَتِلكَ غَوانٍ مالَهُنَّ مَزاهِرُ
وَأَطلَقَها فَوضى عَلى مَرجِ قِلِّزٍ / حَوادِرَ في أَشباحِهِنَّ المَحاذِرُ
وَصَبَّ عَلى الأَتراكِ نِقمَةَ مُنعِمٍ / رَماهُ بِكُفرانِ الصَنيعَةِ غادِرُ
وَإِنَّ مَعاليهِ لَكُثرٌ غَوالِبٌ / وَإِنَّ أَياديهِ لَغُرٌّ غَرائِرُ
وَلَكِنَّ قَولي لَيسَ يَفضُلُ عَنفَتىً / عَلى كُلِّ قَولٍ مِن مَعاليهِ خاطِرُ
أَلا قُل لِسَيفِ الدَولَةِ القَرمِ إِنَّني / عَلى كُلِّ شَيءٍ غَيرِ وَصفِكَ قادِرُ
فَلا تُلزَمَنّي خِطَّةً لا أُطيقُها / فَمَجدُكَ غَلّابٌ وَفَضلُكَ باهِرُ
وَلَو لَم يَكُن فَخري وَفَخرُكَ واحِداً / لَما سارَ عَنّي بِالمَدائِحِ سائِرُ
وَلَكِنَّني لا أُغفِلُ القَولَ عَن فَتىً / أُساهِمُ في عَليائِهِ وَأُشاطِرُ
وَعَن ذِكرِ أَيّامٍ مَضَت وَمَواقِفٍ / مَكانِيَ مِنها بَيِّنُ الفَضلِ ظاهِرُ
مَساعٍ يَضِلُّ القَولُ فيهِنَّ جَهدُهُ / وَتُهلِكُ في أَوصافِهِنَّ الخَواطِرُ
بَناهُنَّ باني الثَغرِ وَالثَغرُ دارِسٌ / وَعامِرُ دينِ اللَهِ وَالدينُ داثِرُ
وَنازَلَ مِنهُ الدَيلَمِيَّ بِأَرزَنٍ / لَجوجٌ إِذا ناوى مَطولٌ مُصابِرُ
وَذَلَّت لَهُ بِالسَيفِ بَعدَ إِبائِها / مُلوكُ بَني الجَحّافِ تِلكَ المَساعِرُ
وَشَقَّ إِلى نَفسِ الدُمُستُقِ جَيشُهُ / بِأَرضِ سُلامٍ وَالقَنا مُتَشاجِرُ
سَقى أَسَناساً مِثلَهُ مِن دِمائِهِم / عَشِيَّةَ غَصَّت بِالقُلوبِ الحَناجِرُ
وَباتَ يُديرُ الرَأيَ مِن كُلِّ وِجهَةٍ / وَذو الحَزمِ ناهيهِ وَذو العَزمِ آمِرُ
وَأَورَدَها أَعلى قَلونِيَّةَ اِمرُؤٌ / بَعيدُ مُغارِ الجَيشِ أَلوى مُخاطِرُ
وَساقَ نُمَيراً أَعنَفَ السَوقِ بِالقَنا / فَلَم يُمسِ شامِيٌّ وَلَم يُضحِ حادِرُ
وَناهَضَ أَهلَ الشامِ مِنهُ مُشَيَّعٌ / يُسايِرُهُ الإِقبالُ فيمَن يُسايِرُ
لَهُ وَعَلَيهِ وَقعَةٌ بَعدَ وَقعَةٍ / وَلودٌ بِأَطرافِ الأَسِنَّةِ عاقِرُ
فَلا هُوَ فيما سَرَّهُ مُتَطاوِلٌ / وَلا هُوَ فيما سائَهُ مُتَقاصِرُ
فَلَمّا رَأى الإِخشيدُ ماقَد أَظَلَّهُ / تَلافاهُ يَثني غَربَهُ وَيُكاشِرُ
رَأى الصِهرَ وَالرُسلَ الَّذي هُوَ عاقِدٌ / يُنالُ بِهِ ما لاتَنالُ العَساكِرُ
وَأَوقَعَ في جُلباطَ بِالرومِ وَقعَةً / بِها العَمقُ وَاللُكّامُ وَالبُرجُ فاخِرُ
وَأَوطَأَها بَطنَ اللُقانِ وَظَهرَهُ / يَطَأنَ بِهِ القَتلى خِفافٌ خَوادِرُ
أَخَذنَ بِأَنفاسِ الدُمُستُقِ وَاِبنِهِ / وَعَبَّرنَ بِالتيجانِ مَن هُوَ عابِرُ
وَجُبنَ بِلادَ الرومِ سِتّينَ لَيلَةً / تُغاوِرُ مَلكَ الرومِ فيمَن تُغاوِرُ
تَخِرَّ لَنا تِلكَ المَعاقِلُ سُجَّداً / وَتَرمي لَنا بِالأَهلِ تِلكَ المَطامِرُ
وَما زالَ مِنّا جارَ شَرشَنَةَ اِمرُؤٌ / يُراوِحُها في غارَةٍ وَيُباكِرُ
وَلَمّا وَرَدنا الدَربَ وَالرومُ فَوقَهُ / وَقَدَّرَ قُسطَنطينُ أَن لَيسَ صادِرُ
ضَرَبنا بِها عُرضَ الفُراتِ كَأَنَّما / تَسيرُ بِنا تَحتَ السُروجِ جَزائِرُ
إِلى أَن وَرَدنا أَرقَنينَ نَسوقُها / وَقَد نَكَلَت أَعقابُها وَالمَحاضِرُ
وَمالَ بِها ذاتَ اليَمينِ لِمَرعَشٍ / مَجاهيدُ يَتلو الصابِرَ المُتَصابِرُ
فَلَمّا رَأَت جَيشَ الدُمُستُقِ راجَعَت / عَزائِمَها وَاِستَنهَضَتها البَصائِرُ
وَما زِلنَ يَحمِلنَ النُفوسَ عَلى الوَجى / إِلى أَن خُضِبنَ بِالدِماءِ الأَشاعِرُ
وَأُبنَ بِقُسطَنطينَ وَهوَ مُكَبَّلٌ / تَحُفُّ بَطاريقٌ بِهِ وَزَراوِرُ
وَوَلّى عَلى الرَسمِ الدُمُستُقُ هارِباً / وَفي وَجهِهِ عُذرٌ مِنَ السَيفِ عاذِرُ
فَدى نَفسَهُ بِاِبنٍ عَلَيهِ كَنَفسِهِ / وَلِلشِدَّةِ الصَمّاءِ تُقنى الذَخائِرُ
وَقَد يُقطَعُ العُضوُ النَفيسُ لِغَيرِهِ / وَتُدفَعُ بِالأَمرِ الكَبيرِ الكَبائِرُ
وَحَسبي بِها يَومَ الأَحَيدِبِ وَقعَةً / عَلى مِثلِها في العِزِّ تُثنى الخَناصِرُ
عَدَلنا بِها في قِسمَةِ المَوتِ بَينَهُم / وَلِلسَيفِ حُكمٌ في الكَتيبَةِ جائِرُ
إِذِ الشَيخُ لا يَلوي وَنَقفورُ مُجحِرٌ / وَفي القَيدِ أَلفٌ كَاللُيوثِ قَساوِرُ
وَلَم يَبقَ إِلّا صِهرُهُ وَاِبنُ بِنتِهِ / وَثَوَّرَ بِالباقينَ مَن هُوَ ثائِرُ
وَأَجلى إِلى الجَولانِ كَلباً وَطَيِّئً / وَأَقفَرَ عَجبٌ مِنهُمُ وَأَشاعِرُ
وَباتَت نِزارٌ يُقسِمُ الشامَ بَينَها / كَريمُ المُحَيّا لَوذَعِيُّ مُغاوِرُ
عَلاءَةُ كَلبٍ لِلضَبابِ عَلاءَةٌ / وَحاضِرُ طَيءٍ لِلجَعافِرِ حاضِرُ
وَأَنقَذَ مِن مَسِّ الحَديدِ وَثِقلِهِ / أَبا وائِلٍ وَالدَهرُ أَجدَعُ صاغِرُ
وَآبَ وَرَأسُ القَرمَطِيُّ أَمامَهُ / لَهُ جَسَدٌ مِن أَكعُبِ الرِمحِ ضامِرُ
وَقَد يَكبُرُ الخَطبُ اليَسيرُ وَتَجتَني / أَكابِرُ قَومٍ ماجَناهُ الأَصاغِرُ
كَما أَهلَكَت كَلباً غُواةُ جُناتِها / وَعَمَّ كِلاباً ما جَنَتهُ الجَعافِرُ
شَرَينا وَبِعنا بِالسُيوفِ نُفوسَهُم / وَنَحنُ أُناسٌ بِالسُيوفِ نُتاجِرُ
وَصُنّا نِساءً نَحنَ أَولى بِصَونِها / رَجَعنَ وَلَم تُكشَف لَهُنَّ سَتائِرُ
يُنادينَهُ وَالعيسُ تُزجى كَأَنَّها / عَلى شُرُفاتِ الرومِ نَخلٌ مُواقِرُ
أَلا إِنَّ مَن أَبقَيتَ ياخَيرَ مُنعِمٍ / عَبيدُكَ ماناحَ الحَمامُ السَواجِرُ
فَنَرجوكَ إِحساناً وَنَخشاكَ صَولَةً / لِأَنَّكَ جَبّارٌ وَأَنَّكَ جابِرُ
وَجَشَّمَها بَطنَ السَماوَةِ قائِظاً / وَقَد أوقِدَت نارَ السُمومِ الهَواجِرُ
فَيَطرُدُ كَعباً حَيثُ لاماءَ يُرتَجى / لِتَعلَمَ كَعبٌ أَيُّ قَرمٍ تُصابِرُ
وَيَطلُبُ كَعباً حَيثُ لا الإِثرُ يُقتَفى / لِتَعلَمَ كَعبٌ أَيَّ عودٍ تُكاسِرُ
فَجَعنا بِنِصفِ الجَيشِ جَونَةَ كُلَّها / وَأَرهَقَ جَرّاحٌ وَوَلّى مُغاوِرُ
أَبو الفَيضِ مارى الناسَ حَولاً مُجَرَّماً / وَكانَ لَهُ جَدٌّ مِنَ القَومِ مائِرُ
فَإِنّا وَإِيّاكُم ذُراها وَهامُها / إِذِ الناسُ أَعناقٌ لَها وَكَراكِرُ
فَإِنّا وَإِيّاكُم ذُراها وَهامُها / إِذِ الناسُ أَعناقٌ لَها وَكَراكِرُ
تَرى أَيَّنا لاقَيتَهُ مِن بَني أَبي / لَهُ حالِبٌ لايَستَفيقُ وَجازِرُ
وَكانَ أَخي إِن رامَ أَمراً بِنَفسِهِ / فَلا الخَوفُ مَوجودٌ وَلا العَجزُ حاضِرُ
وَكانَ أَخي إِن يَسعَ ساعٍ بِمَجدِهِ / فَلا المَوتُ مَحذورٌ وَلا السُمُّ ضائِرُ
فَإِن جَدَّ أَو لَفَّ الأُمورَ بِعَزمِهِ / فَقُل هُوَ مَوتورُ الحَشى وَهوَ واتِرُ
أَزالَ العِدى عَن أَردَبيلَ بِوَقعَةٍ / صَريعانِ فيها عاذِلٌ وَمُساوِرُ
وَجازَ أَراضي أَذرَبَيجانَ بِالقَنا / لِوادٍ إِلَيهِ المَرزُبانَ مُسافِرُ
وَناهَضَ مِنهُ الرَقَّتَينِ مُشَيَّعٌ / بَعيدُ المَدى عَبلُ الذِراعَينِ قاهِرُ
فَلَمّا اِستَقَرَّت بِالجَزيرَةِ خَيلُهُ / تَضَعضَعَ بادٍ بِالشَآمِ وَحاضِرُ
مَمالِكُها لِلبيضِ بيضِ سُيوفِنا / سَبايا وَهُنَّ لِلمُلوكِ مَهابِرُ
وَحَلَّ بِبالِيّا عُرى الجَيشِ كُلَّهُ / وَحُكَّمَ حَرّانَ وَمولاهُ داغِرُ
لَهُ يَومَ عَدلٍ مَوقِفٌ بَل مَواقِفٌ / رَدَدنا إِلَينا العِزَّ وَالعِزُّ نافِرُ
غَداةَ يُصَبُّ الجَيشَ مِن كُلِّ جانِبٍ / بَصيرٌ بِضَربِ الخَيلِ وَالجَيشِ ماهِرُ
بِكُلِّ حُسامٍ بَينَ حَدَّيهِ شُعلَةٌ / بِكَفِّ غُلامٍ حَشوُ دِرعَيهِ خادِرُ
عَلى كُلِّ طَيّارِ الضُلوعِ كَأَنَّهُ / إِذا اِنقَضَّ مِن عَلياءَ فَتخاءُ كاسِرُ
إِذا ذُكِرَت يَوماً غَطاريفُ وائِلٍ / فَنَحنُ أَعاليها وَنَحنُ الجَماهِرُ
وَمِنّا الفَتى يَحيى وَمِنّا اِبنُ عَمِّهِ / هُما ماهُما لِلعِزِّ سَمعٌ وَناظِرُ
لَهُ بِالهُمامِ اِبنِ المُعَمَّرِ فَتكَةٌ / وَفي السَيفُ فيها وَالرِماحُ غَوادِرُ
وَمِنّا أَبو اليَقظانِ مُنتاشَ خالِدٍ / وَمِنّا أَخوهُ الأُفعُوانُ المُساوِرُ
شَفى النَفسَ يَومَ الخالِدِيَّةِ بَعدَما / حَلَلنَ بِإِحدى جانِبَيهِ البَواتِرُ
وَمِنّا اِبنُ قَنّاصِ الفَوارِسِ أَحمَدٌ / غُلامٌ كَمِثلِ السَيفِ أَبلَجُ زاهِرُ
فَتىً حازَ أَسبابَ المَكارِمِ كُلَّها / وَما شَعِرَت مِنهُ الخُدودُ النَواضِرُ
وَمِنّا أَبو عَدنانَ سَيِّدُ قَومِهِ / وَمِنّا قَريعا العِزِّ جَبرٌ وَجابِرُ
فَهَذا الَّذي التاجَ المُعَصَّبَ قاتِلٌ / وَهَذا الَّذي البَيتَ المُمَنَّعَ آسِرُ
وَمِنّا الأَغَرَّ اِبنُ الأَغَرَّ مُهَلهَلٌ / خَليلِيَ إِن ذُمَّ الخَليلُ المُعاشِرُ
فَإِن أَدعُ في اللَأواءِ فَهوَ مُحارِبٌ / وَإِن أَسعَ لِلعَلياءِ فَهوَ مُظاهِرُ
وَلَمّا أَظَلَّ الخَوفُ دارَ رَبيعَةٍ / وَلَم يَبقَ إِلّا ماحَوَتهُ الحَفائِرُ
شَفى دائَها يَومَ الشُراةِ بِوَقعَةٍ / جُدودُ بَني شَيبانَ فيها العَواثِرُ
وَمِنّا عَلَيَّ فارِسُ الخَيلِ صِنوُهُ / عَلَيَّ اِبنُ نَصرٍ خَيرُ مَن زارَ زائِرُ
وَمِنّا الحُسَينُ القَرمُ مُشبِهُ جَدِّهِ / حَمى نَفسَهُ وَالجَيشُ لِلجَيشِ غامِرُ
لَنا في بَني عَمّي وَأَحياءِ إِخوَتي / عُلىً حَيثُ سارَ النَيِّرانِ سَوائِرُ
إِنَّهُمُ الساداتُ وَالغُرَرُ الَّتي / أَطولُ عَلى خَصمي بِها وَأُكاثِرُ
وَلَولا اِجتِنابي العَتبَ مِن غَيرِ مُنصِفٍ / لَما عَزَّني قَولٌ وَلا خانَ خاطِرُ
وَلا أَنا فيما قَد تَقَدَّمَ طالِبٌ / جَزاءَ وَلا فيما تَأَخَّرَ وازِرُ
يُسَرُّ صَديقي أَنَّ أَكثَرَ واصِفي / عَدُوّي وَإِن ساءَتهُ تِلكَ المَفاخِرُ
نَطَقتُ بِفَضلي وَاِمتَدَحتُ عَشيرَتي / وَما أَنا مَدّاحٌ وَلا أَنا شاعِرُ
وَهَل تَجحَدُ الشَمسُ المُنيرَةُ ضَوءُها / وَيُستَرُ نورُ البَدرِ وَالبَدرُ زاهِرُ
وَما نِعمَةٌ مَشكورَةٌ قَد صَنَعتُها
وَما نِعمَةٌ مَشكورَةٌ قَد صَنَعتُها / إِلى غَيرِ ذي شُكرٍ بِمانِعَتي أُخرى
سَآتي جَميلاً ما حَيِيتُ فَإِنَّني / إِذا لَم أُفِد شُكراً أَفَدتُ بِهِ أَجرا
أَيَحلو لِمَن لا صَبرَ يُنجِدُهُ صَبرُ
أَيَحلو لِمَن لا صَبرَ يُنجِدُهُ صَبرُ / إِذا ما اِنقَضى فِكرٌ أَلَمَّ بِهِ فِكرُ
أَمُمعِنَةً في العَذلِ رِفقاً بِقَلبِهِ / أَيَحمِلُ ذا قَلبٌ وَلو أَنَّهُ صَخرُ
عَذيري مِنَ اللائي يَلُمنَ عَلى اَلهَوى / أَما في الهَوى لَو ذُقنَ طَعمَ الهَوى عُذرُ
أَطَلنَ عَلَيهِ اللَومَ حَتّى تَرَكنَهُ / وَساعَتُهُ شَهرٌ وَلَيلَتُهُ دَهرُ
وَمِنكِرَةٌ ماعايَنَت مِن شُحوبِهِ / وَلا عَجَبٌ ما عايَنَتهُ وَلا نُكرُ
وَيُحمَدُ في العَضبِ البِلى وَهوَ قاطِعٌ / وَيَحسُنُ في الخَيلِ المُسَوَّمَةِ الضُمرُ
وَقائِلَةٍ ماذا دَهاكَ تَعَجُّباً / فَقُلتُ لَها ياهَذِهِ أَنتِ وَالدَهرِ
أَبِالبَينِ أَم بِالهَجرِ أَم بِكِلَيهِما / تَشارَكَ فيما ساءَني البَينُ وَالهَجرُ
يُذَكِّرُني نَجداً حَبيبٌ بِأَرضِها / أَيا صاحِبي نَجوايَ هَل يَنفَعُ الذِكرُ
تَطاوَلَتِ الكُثبانُ بَيني وَبَينَهُ / وَباعَدَ فيما بَينَنا البَلَدُ القَفرُ
مَفاوِزُ لا يُعجِزنَ صاحِبَ هِمَّةٍ / وَإِن عَجَزَت عَنها الغُرَيرِيَّةُ الصُبرُ
كَأَنَّ سَفيناً بَينَ فَيدٍ وَحاجِزٍ / يَحُفُّ بِهِ مِن آلِ قيعانِهِ بَحرُ
عَدانِيَ عَنهُ ذَودُ أَعداءِ مَنهَلٍ / كَثيرٌ إِلى وُرّادِهِ النَظَرُ الشَزرُ
وَسُمرُ أَعادٍ تَلمَعُ البيضُ بَينَهُم / وَبيضُ أَعادٍ في أَكُفِّهِمُ السُمرُ
وَقَومٌ مَتى ما أَلقَهُم رَوِيَ القَنا / وَأَرضٌ مَتى ما أَغزُها شَبِعَ النَسرُ
وَخَيلٌ يَلوحُ الخَيرُ بَينَ عُيونِها / وَنَصلٌ مَتى ماشِمتُهُ نَزَلَ النَصرُ
إِذا ما الفَتى أَذكى مُغاوَرَةَ العِدى / فَكُلُّ بِلادٍ حَلَّ ساحَتَها ثَغرُ
وَيَومٍ كَأَنَّ الأَرضَ شابَت لِهَولِهِ / قَطَعتُ بِخَيلٍ حَشوُ فُرسانِها صَبرُ
تَسيرُ عَلى مِثلِ المُلاءِ مُنَشَّراً / وَآثارُها طَرزٌ لِأَطرافِها حُمرُ
أُشَيِّعُهُ وَالدَمعُ مِن شِدَّةِ الأَسى / عَلى خَدِّهِ نَظمٌ وَفي نَحرِهِ نَثرُ
وَعُدتُ وَقَلبي في سِجافِ غَبيطَهُ / وَلي لَفَتاتٌ نَحوَ هَودَجِهِ كُثرُ
وَفيمَن حَوى ذاكَ الحَجيجُ خَريدَةٌ / لَها دونَ عَطفِ السَترِ مِن صَونِها سِترُ
وَفي الكُمِّ كَفٌّ لا يَراها عَديلُها / وَفي الخِدرِ وَجهٌ لَيسَ يَعرِفُهُ الخِدرُ
فَهَل عَرَفاتٌ عارِفاتٌ بِزَورِها / وَهَل شَعَرَت تِلكَ المَشاعِرُ وَالحِجرُ
أَما اِخضَرَّ مِن بُطنانِ مَكَّةَ ماذَوى / أَما أَعشَبَ الوادي أَما أَنبَتَ الصَخرُ
سَقى اللَهُ قَوماً حَلَّ رَحلُكَ فيهِمُ / سَحائِبَ لاقُلٌّ جَداها وَلا نَزرُ
بَكَيتُ فَلَمّا لَم أَرَ الدَمعَ نافِعي
بَكَيتُ فَلَمّا لَم أَرَ الدَمعَ نافِعي / رَجَعتُ إِلى صَبرٍ أَمَرَّ مِنَ الصَبرِ
وَقَدَّرتُ أَنَّ الصَبرَ بَعدَ فِراقِهِم / يُساعِدُني وَقتاً فَعُزّيتُ عَن صَبري
سَأَثني عَلى تِلكَ الثَنايا لِأَنَّني
سَأَثني عَلى تِلكَ الثَنايا لِأَنَّني / أَقولُ عَلى عِلمٍ وَأَنطِقُ عَن خُبرِ
وَأُنصِفُها لا أَكذِبُ اللَهَ أَنَّني / رَشَفتُ بِها ريقاً أَلَذُّ مِنَ الخَمرِ
وَوَاللَهِ ما أَضمَرتُ في الحُبِّ سَلوَةً
وَوَاللَهِ ما أَضمَرتُ في الحُبِّ سَلوَةً / وَوَاللَهِ ما حَدَّثتِ نَفسِيَ بِالصَبرِ
فَإِنَّكَ في عَيني لَأَبهى مِنَ الغِنى / وَإِنَّكَ في قَلبي لَأَحلى مِنَ النَصرِ
فَيا حَكَمي المَأمولَ جُرتَ مَعَ الهَوى / وَيا ثِقَتي المَأمونَ خُنتَ مَعَ الدَهرِ
وَيَومٍ جَلا فيهِ الرَبيعُ رِياضَهُ
وَيَومٍ جَلا فيهِ الرَبيعُ رِياضَهُ / بِأَنواعِ حَليٍ فَوقَ أَثوابِهِ الخُضرِ
كَأَنَّ ذُيولَ الجُلَّنارِ مُطِلَّةً / فُضولُ ذُيولِ الغانِياتِ مِنَ الأُزرِ
وَكُنتُ إِذا مانابَني مِنهُ نائِبٌ
وَكُنتُ إِذا مانابَني مِنهُ نائِبٌ / لَطَفتُ لِقَلبي أَو يُقيمَ لَهُ عُذرا
وَأَكرَهُ إِعلامَ الوُشاةِ بِهَجرِهِ / فَأَعتِبُهُ سِرّاً وَأَشكُرُهُ جَهرا
وَهَبتُ لِضَنّي سوءَ ظَنّي وَلَم أَدَع / عَلى حالِهِ قَلبي يُسِرُّ لَهُ شَرّا
إِذا شِئتَ أَن تَلقى أُسوداً قَساوِرا
إِذا شِئتَ أَن تَلقى أُسوداً قَساوِرا / لِنُعماهُمُ الصَفوُ الَّذي لَن يُكَدَّرا
يُلاقيكَ مِنّا كُلُّ قَرمٍ سَمَيذَعٍ / يُطاعِنُ حَتّى يُحسَبَ الجَونُ أَشقَرا
بِدَولَةِ سَيفِ اللَهِ طُلنا عَلى الوَرى / وَفي عِزِّهِ صُلنا عَلى مَن تَجَبَّرا
حَمَلنا عَلى الأَعداءِ وَسطَ دِيارِهِم / بِضَربٍ يُرى مِن وَقعِهِ الجَوَّ أَغبَرا
فَسائِل كِلاباً يَومَ غَزوَةِ بالِسٍ / أَلَم يَترُكوا النُسوانَ في القاعِ حُسَّرا
وَسائِل نُمَيراً يَومَ سارَ إِلَيهِمُ / أَلَم يوقِنوا بِالمَوتِ لَمّا تَنَمَّرا
وَسائِل عُقَيلاً حينَ لاذَت بِتَدمُرٍ / أَلَم نُقرِها ضَرباً يُقَدُّ السَنَوَّرا
وَسائِل قُشَيراً حينَ جَفَّت حُلوقُها / أَلَم نَسقِها كَأساً مِنَ المَوتِ أَحمَرا
وَفي طَيِّئٍ لَمّا أَثارَت سُيوفُهُ / كُماتُهُمُ مَرأىً لِمَن كانَ مُبصِرا
وَكَلبٌ غَداةَ اِستَعصَموا بِحِبالِهِم / رَماهُم بِها شُعثاً شَوازِبَ ضُمَّرا
فَأَشبَعَ مِن أَبطالِهِم كُلَّ طائِرٍ / وَذِئبٍ غَدا يَطوي البَسيطَةَ أَعفَرا
وَظَبيٍ غَريرٍ في فُؤادي كِناسُهُ
وَظَبيٍ غَريرٍ في فُؤادي كِناسُهُ / إِذا اِكتَنَسَ العَينُ الفَلاةَ وَحَورُها
تُقِرُّ لَهُ بيضُ الظِباءِ وَأُدمُها / وَيَحكيهِ في بَعضِ الأُمورِ غَريرُها
فَمِن خَلقِهِ لِبّاتُها وَنُحورُها / وَمِن خُلقِهِ عِصيانُها وَنُفورُها
أَراكَ عَصِيَّ الدَمعِ شيمَتُكَ الصَبرُ
أَراكَ عَصِيَّ الدَمعِ شيمَتُكَ الصَبرُ / أَما لِلهَوى نَهيٌ عَلَيكَ وَلا أَمرُ
بَلى أَنا مُشتاقٌ وَعِندِيَ لَوعَةٌ / وَلَكِنَّ مِثلي لايُذاعُ لَهُ سِرُّ
إِذا اللَيلُ أَضواني بَسَطتُ يَدَ الهَوى / وَأَذلَلتُ دَمعاً مِن خَلائِقِهِ الكِبرُ
تَكادُ تُضيءُ النارُ بَينَ جَوانِحي / إِذا هِيَ أَذكَتها الصَبابَةُ وَالفِكرُ
مُعَلِّلَتي بِالوَصلِ وَالمَوتُ دونَهُ / إِذا مِتَّ ظَمآناً فَلا نَزَلَ القَطرُ
حَفِظتُ وَضَيَّعتِ المَوَدَّةَ بَينَنا / وَأَحسَنَ مِن بَعضِ الوَفاءِ لَكِ العُذرُ
وَما هَذِهِ الأَيّامُ إِلّا صَحائِفٌ / لِأَحرُفِها مِن كَفِّ كاتِبِها بَشرُ
بِنَفسي مِنَ الغادينَ في الحَيِّ غادَةً / هَوايَ لَها ذَنبٌ وَبَهجَتُها عُذرُ
تَروغُ إِلى الواشينَ فِيَّ وَإِنَّ لي / لَأُذناً بِها عَن كُلِّ واشِيَةٍ وَقرُ
بَدَوتُ وَأَهلي حاضِرونَ لِأَنَّني / أَرى أَنَّ داراً لَستِ مِن أَهلِها قَفرُ
وَحارَبتُ قَومي في هَواكِ وَإِنَّهُم / وَإِيّايَ لَولا حُبَّكِ الماءُ وَالخَمرُ
فَإِن يَكُ ماقالَ الوُشاةُ وَلَم يَكُن / فَقَد يَهدِمُ الإيمانُ ماشَيَّدَ الكُفرُ
وَفَيتُ وَفي بَعضِ الوَفاءِ مَذَلَّةٌ / لِإِنسانَةٍ في الحَيِّ شيمَتُها الغَدرُ
وَقورٌ وَرَيعانُ الصِبا يَستَفِزُّها / فَتَأرَنُ أَحياناً كَما أَرِنَ المُهرُ
تُسائِلُني مَن أَنتَ وَهيَ عَليمَةٌ / وَهَل بِفَتىً مِثلي عَلى حالِهِ نُكرُ
فَقُلتُ كَما شاءَت وَشاءَ لَها الهَوى / قَتيلُكِ قالَت أَيَّهُم فَهُمُ كُثرُ
فَقُلتُ لَها لَو شِئتِ لَم تَتَعَنَّتي / وَلَم تَسأَلي عَنّي وَعِندَكِ بي خُبرُ
فَقالَت لَقَد أَزرى بِكَ الدَهرُ بَعدَنا / فَقُلتُ مَعاذَ اللَهِ بَل أَنتِ لا الدَهرُ
وَما كانَ لِلأَحزانِ لَولاكِ مَسلَكٌ / إِلى القَلبِ لَكِنَّ الهَوى لِلبِلى جِسرُ
وَتَهلِكُ بَينَ الهَزلِ وَالجَدِّ مُهجَةٌ / إِذا ماعَداها البَينُ عَذَّبَها الهَجرُ
فَأَيقَنتُ أَن لاعِزَّ بَعدي لِعاشِقٍ / وَأَنَّ يَدي مِمّا عَلِقتُ بِهِ صِفرُ
وَقَلَّبتُ أَمري لا أَرى لِيَ راحَةً / إِذا البَينُ أَنساني أَلَحَّ بِيَ الهَجرُ
فَعُدتُ إِلى حُكمِ الزَمانِ وَحُكمِها / لَها الذَنبُ لاتُجزى بِهِ وَلِيَ العُذرُ
كَأَنّي أُنادي دونَ مَيثاءَ ظَبيَةً / عَلى شَرَفٍ ظَمياءَ جَلَّلَها الذُعرُ
تَجَفَّلُ حيناً ثُمَّ تَرنو كَأَنَّها / تُنادي طَلاً بِالوادِ أَعجَزَهُ الخُضرُ
فَلا تُنكِريني يا اِبنَةَ العَمِّ إِنَّهُ / لِيَعرِفُ مَن أَنكَرتِهِ البَدوُ وَالحَضرُ
وَلا تُنكِريني إِنَّني غَيرُ مُنكِرٍ / إِذا زَلَّتِ الأَقدامُ وَاِستُنزِلَ النَصرُ
وَإِنّي لَجَرّارٌ لِكُلِّ كَتيبَةٍ / مُعَوَّدَةٍ أَن لايُخِلَّ بِها النَصرُ
وَإِنّي لَنَزّالٌ بِكُلِّ مَخوفَةٍ / كَثيرٌ إِلى نُزّالِها النَظَرُ الشَزرُ
فَأَظمَأُ حَتّى تَرتَوي البيضُ وَالقَنا / وَأَسغَبُ حَتّى يَشبَعَ الذِئبُ وَالنَسرُ
وَلا أُصبِحُ الحَيَّ الخَلوفَ بِغارَةٍ / وَلا الجَيشَ مالَم تَأتِهِ قَبلِيَ النُذرُ
وَيارُبَّ دارٍ لَم تَخَفني مَنيعَةٍ / طَلَعتُ عَلَيها بِالرَدى أَنا وَالفَجرُ
وَحَيٍّ رَدَدتُ الخَيلَ حَتّى مَلَكتُهُ / هَزيماً وَرَدَّتني البَراقِعُ وَالخُمرُ
وَساحِبَةِ الأَذيالِ نَحوي لَقيتُها / فَلَم يَلقَها جافي اللِقاءِ وَلا وَعرُ
وَهَبتُ لَها ما حازَهُ الجَيشُ كُلَّهُ / وَرُحتُ وَلَم يُكشَف لِأَبياتِها سِترُ
وَلا راحَ يُطغيني بِأَثوابِهِ الغِنى / وَلا باتَ يَثنيني عَنِ الكَرَمِ الفَقرُ
وَما حاجَتي بِالمالِ أَبغي وُفورَهُ / إِذا لَم أَفِر عِرضي فَلا وَفَرَ الوَفرُ
أَسِرتُ وَما صَحبي بِعُزلٍ لَدى الوَغى / وَلا فَرَسي مُهرٌ وَلا رَبُّهُ غَمرُ
وَلَكِن إِذا حُمَّ القَضاءُ عَلى اِمرِئٍ / فَلَيسَ لَهُ بَرٌّ يَقيهِ وَلا بَحرُ
وَقالَ أُصَيحابي الفِرارُ أَوِ الرَدى / فَقُلتُ هُما أَمرانِ أَحلاهُما مُرُّ
وَلَكِنَّني أَمضي لِما لايُعيبُني / وَحَسبُكَ مِن أَمرَينِ خَيرَهُما الأَسرُ
يَقولونَ لي بِعتَ السَلامَةَ بِالرَدى / فَقُلتُ أَما وَاللَهِ مانالَني خُسرُ
وَهَل يَتَجافى عَنِّيَ المَوتُ ساعَةً / إِذا ماتَجافى عَنِّيَ الأَسرُ وَالضَرُّ
هُوَ المَوتُ فَاِختَر ماعَلا لَكَ ذِكرُهُ / فَلَم يَمُتِ الإِنسانُ ماحَيِيَ الذِكرُ
وَلا خَيرَ في دَفعِ الرَدى بِمَذَلَّةٍ / كَما رَدَّها يَوماً بِسَوءَتِهِ عَمروُ
يَمُنّونَ أَن خَلّوا ثِيابي وَإِنَّما / عَلَيَّ ثِيابٌ مِن دِمائِهِمُ حُمرُ
وَقائِمُ سَيفٍ فيهِمُ اندَقَّ نَصلُهُ / وَأَعقابُ رُمحٍ فيهِمُ حُطِّمَ الصَدرُ
سَيَذكُرُني قَومي إِذا جَدَّ جِدُّهُم / وَفي اللَيلَةِ الظَلماءِ يُفتَقَدُ البَدرُ
فَإِن عِشتُ فَالطَعنُ الَّذي يَعرِفونَهُ / وَتِلكَ القَنا وَالبيضُ وَالضُمَّرُ الشُقرُ
وَإِن مُتُّ فَالإِنسانُ لابُدَّ مَيِّتٌ / وَإِن طالَتِ الأَيّامُ وَاِنفَسَحَ العُمرُ
وَلَو سَدَّ غَيري ماسَدَدتُ اِكتَفوا بِهِ / وَما كانَ يَغلو التِبرُ لَو نَفَقَ الصُفرُ
وَنَحنُ أُناسٌ لا تَوَسُّطَ عِندَنا / لَنا الصَدرُ دونَ العالَمينَ أَوِ القَبرُ
تَهونُ عَلَينا في المَعالي نُفوسُنا / وَمَن خَطَبَ الحَسناءَ لَم يُغلِها المَهرُ
أَعَزُّ بَني الدُنيا وَأَعلى ذَوي العُلا / وَأَكرَمُ مَن فَوقَ التُرابِ وَلا فَخرُ
أَلا ما لِمَن أَمسى يَراكَ وَلِلبَدرِ
أَلا ما لِمَن أَمسى يَراكَ وَلِلبَدرِ / وَما لِمَكانٍ أَنتَ فيهِ وَلِلقَطرِ
تَجَلَّلتَ بِالتَقوى وَأُفرِدتَ بِالعُلا / وَأُهَّلتَ لِلجُلّى وَحُلّيتَ بِالفَخرِ
وَقَلَّدتَني لَمّا اِبتَدَأتَ بِمِدحَتي / يَداً لا أُوَفّي شُكرَها أَبَدَ الدَهرِ
فَإِن أَنا لَم أَمنَحكَ صِدقَ مَوَدَّتي / فَما لي إِلى المَجدِ المُؤَثَّلِ مِن عُذرِ
أَيا اِبنَ الكِرامِ الصَيدِ جاءَت كَريمَةً / أَيا اِبنَ الكِرامِ الصَيدِ وَالسادَةِ الغُرِّ
فَضَلتَ بِها أَهلَ القَريضِ فَأَصبَحَت / تَحِيَّةَ أَهلِ البَدوِ مُؤنِسَةَ الحَضرِ
وَمِثلُكَ مَعدومُ النَظيرِ مِنَ الوَرى / وَشِعرُكَ مَعدومُ الشَبيهِ مِنَ الشِعرِ
كَأَنَّ عَلى أَلفاظِهِ وَنِظامِهِ / بَدائِعَ ماحاكَ الرَبيعُ مِنَ الزَهرِ
تَنَفَّسَ فيهِ الرَوضُ فَاِخضَلَّ بِالنَدى / وَهَبَّ نَسيمُ الرَوضِ يُخبِرُ بِالفَجرِ
إِلى اللَهِ أَشكو مِن فِراقِكَ لَوعَةً / طَوَيتُ لَها مِنّي الضُلوعَ عَلى جَمرِ
وَحَسرَةَ مُرتاحٍ إِذا اِشتاقَ قَلبُهُ / تَعَلَّلَ بِالشَكوى وَعادَ إِلى الصَبرِ
فَعُد يازَمانَ القُربِ في خَيرِ عيشَةٍ / وَأَنعَمِ بالٍ مابَدا كَوكَبٌ دُرّي
وَعِش يا اِبنَ نَصرٍ ما اِستَهَلَّت غَمامَةٌ / تَروحُ إِلى عِزٍّ وَتَغدو عَلى نَصرِ
وَما كُنتُ أَخشى أَن أَبيتَ وَبَينَنا
وَما كُنتُ أَخشى أَن أَبيتَ وَبَينَنا / خَليجانِ وَالدَربُ الأَشَمُّ وَآلِسُ
وَلا أَنَّني أَستَصحِبُ الصَبرَ ساعَةً / وَلي عَنكَ مَنّاعٌ وَدونَكَ حابِسُ
يُنافِسُني فيكَ الزَمانُ وَأَهلُهُ / وَكُلُّ زَمانٍ لي عَلَيكَ مُنافِسُ
شَرَيتُكَ مِن دَهري بِذي الناسِ كُلِّهُم / فَلا أَنا مَبخوسٌ وَلا الدَهرُ باخِسُ
وَمَلَّكتُكَ النَفسَ النَفيسَةَ طائِعاً / وَتُبذَلُ لِلمَولى النُفوسُ النَفائِسُ
تَشَوَّقَني الأَهلُ الكِرامُ وَأَوحَشَت / مَواكِبُ بَعدي عِندَهُم وَمَجالِسُ
وَرُبَّتَما زانَ الأَماجِدَ ماجِدٌ / وَرُبَّتَما زانَ الفَوارِسَ فارِسُ
رَفَعتُ عَلى الحُسّادِ نَفسي وَهَل هُمُ / وَما جَمَعوا لَو شِئتُ إِلّا فَرائِسُ
أَيُدرِكُ ما أَدرَكتُ إِلّا اِبنُ هِمَّةٍ / يُمارِسُ في كَسبِ العُلا ما أُمارِسُ
يَضيقُ مَكاني عَن سِوايَ لِأَنَّني / عَلى قِمَّةِ المَجدِ المُؤَثَّلِ جالِسُ
سَبَقتُ وَقَومي بِالمَكارِمِ وَالعُلا / وَإِن رَغِمَت مِن آخَرينَ المَعاطِسُ
لَئِن جَمَعَتنا غَدوَةً أَرضُ بالِسٍ
لَئِن جَمَعَتنا غَدوَةً أَرضُ بالِسٍ / فَإِنَّ لَها عِندي يَداً لا أُضيعُها
أَحَبُّ بِلادِ اللَهِ أَرضٌ تَحُلُّها / إِلَيَّ وَدارٌ تَحتَويكَ رُبوعُها
أَفي كُلِّ يَومٍ رِحلَةٌ بَعدَ رِحلَةٍ / تَجَرَّعُ نَفسي حَسرَةً وَتَروعُها
فَلي أَبَداً قَلبٌ كَثيرٌ نِزاعُهُ / وَلي أَبَداً نَفسٌ قَليلٌ نُزوعُها
لَحى اللَهُ قَلباً لايَهيمُ صَبابَةً / إِلَيكَ وَعَيناً لاتَفيضُ دُموعُها
أَبى غَربُ هَذا الدَمعِ إِلّا تَسَرُّعا
أَبى غَربُ هَذا الدَمعِ إِلّا تَسَرُّعا / وَمَكنونُ هَذا الحُبِّ إِلّا تَضَوُّعا
وَكُنتُ أَرى أَنّي مَعَ الحَزمِ واحِدٌ / إِذا شِئتُ لي مَمضىً وَإِن شِئتُ مَرجِعا
فَلَمّا اِستَمَرَّ الحُبُّ في غُلَوائِهِ / رَعَيتُ مَعَ المِضياعَةِ الحُبَّ ما رَعى
فَحُزنِيَ حُزنُ الهائِمينَ مُبَرِّحاً / وَسِرِّيَ سِرُّ العاشِقينَ مُضَيَّعا
خَليلَيَّ لِم لا تَبكِياني صَبابَةً / أَأَبدَلتُما بِالأَجرَعِ الفَردِ أَجرَعا
عَلَيَّ لِمَن ضَنَّت عَلَيَّ جُفونُهُ / غَوارِبُ دَمعٍ يَشمَلُ الحَيَّ أَجمَعا
وَهَبتُ شَبابي وَالشَبابُ مَضِنَّةٌ / لِأَبلَجَ مِن أَبناءِ عَمِّيَ أَجمَعا
أَبيتُ مُعَنّىً مِن مَخافَةِ عَتبِهِ / وَأُصبِحُ مَحزوناً وَأُمسي مُرَوَّعا
فَلَمّا مَضى عَصرُ الشَبيبَةِ كُلَّهُ / وَفارَقَني شَرخُ الشَبابِ مُوَدَّعا
تَطَلَّبتُ بَينَ الهَجرِ وَالعَتبِ فُرجَةً / فَحاوَلتُ أَمراً لايُرامُ مُمَنَّعا
وَصِرتُ إِذا مارُمتُ في الخَيرِ لَذَّةً / تَتَبَّعتُها بَينَ الهُمومُ تَتَبُّعا
وَها أَنا قَد حَلّى الزَمانُ مَفارِقي / وَتَوَّجَني بِالشَيبِ تاجاً مُرَصَّعا
فَلَو أَنَّني مُكِّنتُ مِمّا أُريدُهُ / مِنَ العَيشِ يَوماً لَم يَجِد فِيَّ مَوضِعاً
أَما لَيلَةٌ تَمضي وَلا بَعضُ لَيلَةٍ / أُسَرُّ بِها هَذا الفُؤادَ المُفَجَّعا
أَما صاحِبٌ فَردٌ يَدومُ وَفاؤُهُ / فَيُصفي لِمَن أَصفى وَيَرعى لِمَن رَعى
أَفي كُلِّ دارٍ لي صَديقٌ أَوَدُّهُ / إِذا ماتَفَرَّقنا حَفِظتُ وَضَيَّعا
أَقَمتُ بِأَرضِ الرومِ عامَينِ لا أَرى / مِنَ الناسِ مَحزوناً وَلا مُتَصَنِّعا
إِذا خِفتُ مِن أَخوالِيَ الرومِ خُطَّةً / تَخَوَّفتُ مِن أَعمامِيَ العُربِ أَربَعا
وَإِن أَوجَعَتني مِن أَعادِيَّ شيمَةٌ / لَقيتُ مِنَ الأَحبابِ أَدهى وَأَوجَعا
وَلَو قَد رَجَوتُ اللَهَ لاشَيءَ غَيرَهُ / رَجَعتُ إِلى أَعلى وَأَمَّلتُ أَوسَعا
لَقَد قَنِعوا بَعدي مِنَ القَطرِ بِالنَدى / وَمَن لَم يَجِد إِلّا القُنوعَ تَقَنَّعا
وَما مَرَّ إِنسانٌ فَأَخلَفَ مِثلَهُ / وَلَكِن يُزَجّي الناسُ أَمراً مُوَقَّعا
تَنَكَّرَ سَيفُ الدينِ لَمّا عَتَبتُهُ / وَعَرَّضَ بي تَحتَ الكَلامِ وَقَرَّعا
فَقولا لَهُ مِن أَصدَقِ الوُدِّ أَنَّني / جَعَلتُكَ مِمّا رابَني الدَهرَ مَفزَعا
وَلَو أَنَّني أَكنَنتُهُ في جَوانِحي / لَأَورَقَ ما بَينَ الضُلوعِ وَفَرَّعا
فَلا تَغتَرِر بِالناسِ ماكُلُّ مَن تَرى / أَخوكَ إِذا أَوضَعتَ في الأَمرِ أَوضَعا
وَلا تَتَقَلَّد مايَروعُكَ حَليُهُ / تَقَلَّد إِذا حارَبتَ ماكانَ أَقطَعا
وَلاتَقبَلَنَّ القَولَ مِن كُلِّ قائِلٍ / سَأُرضيكَ مَرأىً لَستُ أُرضيكَ مَسمَعا
فَلِلَّهِ إِحسانٌ إِلَيَّ وَنِعمَةٌ / وَلِلَّهِ صُنعٌ قَد كَفاني التَصَنُّعا
أَراني طَريقَ المَكرُماتِ كَما رَأى / عَلِيُّ وَأَسماني عَلى كُلِّ مَن سَعى
فَإِن يَكُ بُطءٌ مَرَّةً فَلَطالَما / تَعَجَّلَ نَحوي بِالجَميلِ وَأَسرَعا
وَإِن يَجفُ في بَعضِ الأُمورِ فَإِنَّني / لَأَشكُرُهُ النُعمى الَّتي كانَ أَودَعا
وَإِن يَستَجِدَّ الناسَ بَعدي فَلا يَزَل / بِذاكَ البَديلِ المُستَجَدِّ مُمَتَّعا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025