المجموع : 39
وشهرٍ أدرنا لارتقاب هلاله
وشهرٍ أدرنا لارتقاب هلاله / عيوناً إلى جو السماء موائلا
إلى أن بدا أحوى المدامع أحورٌ / يجرُّ لأبراد الشباب ذَلاذِلا
فقلت له أهلاً وسهلاً ومرحباً / ببدرٍ حوى طيب الشمول شمائلا
أتطلبكَ الأبصارُ في الجو ناقصاً / وأنت كذا تمشي على الأرض كاملا
سمحتُ بقلبي والهوى يورثُ الفتى
سمحتُ بقلبي والهوى يورثُ الفتى / طباعَ الجواد المحضِ وهو بخيلُ
ولم تخلُ من حسن القبول مطامعي / وظنيَ بالوجه الجميل جميل
إذا قبَّل المعشوقُ تحفة عاشق / فيوشك أن يرجَى إليه وصول
خليليَّ ما لي كلما هبَّ بارقٌ
خليليَّ ما لي كلما هبَّ بارقٌ / جَرَتْ عَبَرَاتُ العينِ سَحَّاً وتَهْتانا
فمن مقلةٍ عبرى تصوبُ صبابةً / ومن كبدٍ حرَّى تُكابِدُ أَحزانا
وما ذاك إلا أنني جدُّ هائمٍ / أَروحُ وأغدو دون صهباءَ نشوانا
تذكرتُ مملوكاً على شَحَطِ النَّوى / فهاجَ شجىً بالمستهامِ وأَشجانا
وما أنا إلا مِلْكُ مملوكي الذي / جَفا النومُ عني مذ تباعد أجفانا
أساءَ ولكنِّي أقولُ علاقةً / جزى اللهُ ذاك الظَبي عنِّيَ إحسانا
تَطَلَّعَ مثلَ البدرِ في غَسَقِ الدجى
تَطَلَّعَ مثلَ البدرِ في غَسَقِ الدجى / فحنَّتْ قلوبٌ حائماتٌ وأجفان
تودُّ سويدا الوالهين لو انها / إذا ما بدا في صحنِ خَدَّيْهِ خيلان
وساق يحثُّ الكاسَ وَهْيَ كأنما
وساق يحثُّ الكاسَ وَهْيَ كأنما / تلألأ منها مثلُ ضوءِ جبينهِ
سقاني بها صِرْفَ الحميَّا عشيَّةً / وثنَّى بأُخْرى من رحيقِ جفونه
هضيم الحشا ذو وجنةٍ عَنْدَمِيَّةٍ / تريكَ قِطافَ الوردِ في غير حينه
فأشْرَبُ منْ يُمناهُ ما فوقَ خدِّهِ / وألثُمُ من خَدَّيْهِ ما في يمينه
ألا عظةٌ إنَّ الزمانَ خؤونُ
ألا عظةٌ إنَّ الزمانَ خؤونُ / وإنَّ ملمَّاتِ الزمانِ فنونُ
لقد آن أن تُجلى الخطوبُ عن العمى / وتُلْفى شكوكٌ للمنى وظنون
فكم قد مَضَتْ من أُمَّةٍ إثْرَ أُمَّةٍ / وقَرْنٌ يليه بعد ذاك قرون
وقد أبصرَتْ عيني وأَصغتْ مسامعي / لو انَّ صفاةً للفؤادِ تلين
فلم أرَ إلاَّ وافداً قد تحللت / عُرى رَحْلِهِ حتَّى يُقالَ ظعين
ولا غابراً إلا على إثْرِ سالفٍ / أَوائِلُهُمْ للآخرينَ رُهون
ولا فرحاً إلا وأَعقبَ يَوْمَهُ / من الدهر نَوْحٌ دائمٌ وشجون
فَبُؤْسَى لصرفِ الدهر كم مرَّ عنده / تراثٌ لنا لا ينقضي وديون
وقد كان يُنْبي عن نصيحةِ مُشْفقٍ / علينا ولكنَّ النصيحَ ظنين
وبالأمسِ قد رُوِّعتُ ملءَ جوانحي / بنعيٍ يَسُدُّ الأفْقَ منه طنين
أتاني فلم يُمْهِلْ لأفزعَ عنده / إلى كذبٍ حتى استفاضَ يقين
ووافى كمثلِ الصبحِ عُرْيان كلَّما / تُكذِّبه عينُ البصيرِ يَبين
فيا حسرتا أن مالَ للبين والنوى / وأقفرَ من ليثِ المجالِ عرين
وصوَّحَ غصنٌ من ذرى المجدِ ناضرٌ / وأَقوى من القصرِ الرفيع مكين
فما للرُّبى لا جادها بارقُ الحيا / ترفُّ أزاهيرٌ لها وغصون
وما للجبالِ الصمِّ لم تنصدعْ أَسىً / وللزهرِ خَفْقٌ بَعْدَهُ وسكون
وما للظُّبا لم تنبُ منها مضاربٌ / وللسمرِ لم تُقْصَفْ لهنَّ متون
كذا يُكْسَفُ البدرُ المنيرُ متمماً / كذا يَعْقُبُ الصبحَ المنيرَ دُجون
كذا يُسْتَضامُ المجدُ وهو مؤثَّلٌ / كذا يُسْتَخَفُّ الطَّوْدُ وهو رصين
كذا يذهبُ الجود الحَلالُ وترتمي / نوىً بالسجايا العاطراتِ شَطونُ
كأن لم تكنْ تلك الصوارمُ والقنا / بطاعتِهِ يومَ الهياجِ تدين
كأنْ لم يكنْ للدهرِ عِلْقَ مَضِنَّةٍ / تَحَلَّى به أيامُهُ فيَزين
كأنْ لك يكنْ في رمحِهِ وسنانِهِ / منايا العدا تدنو به وتحين
أما خجلتْ من كرِّهِ وجِلادِه / فوارسُ كَفَّتْ عنه وهي صُفُون
ألم تكترثْ للمجدِ والجودِ والعلا / صوارمُ ما اهتزَّتْ بهنَّ يمين
وقد كان بالسمر الذوابلِ في الوغى / مصوناً كما صانَ العيون جفونُ
فهلاَّ وقد خاضَ المكارةَ لُجَّةً / وقاهُ من الجُرْدِ العِتاقِ صَفين
وإذ كان لا يهوى الفرار من الردى / حماهُ من المجدِ الأثيلِ مكين
وهلاَّ به ضنَّ الزمانُ فإنَّه / على أنْ يرينا مثلَهُ لضنيني
فإن يكُ قد ولَّى حميداً فإنما / له اللهُ بالذخرِ الجسيمِ ضمين
أيا برقُ نافحْ ذكرَ ظبيٍ مهفهفٍ
أيا برقُ نافحْ ذكرَ ظبيٍ مهفهفٍ / حوى نفحاتِ المسكِ والندِّ ريَّاهُ
قسا فرماني عنْ قِسيِّ حواجبٍ / تنوبُ لها دأباً عن الرشقِ عيناه
تمنيتُ من أهوى به وهو قاتلي / وربَّ مُنىً للمرءِ فيها مناياه
وما راعني إلا تأوُّدُ عِطْفِهِ / وقد مالَ سُكراً والرضابُ حميَّاه
أَذلنا دماءً في هواه وأدمعاً / وضنَّ لنا ظُلماً بِظَلْمِ ثناياه
فما بَرِحَ الشوقُ المبرِّحُ سامياً / لأحوى حوى كلَّ المحاسنِ مرآه
فمنظرُهُ والثغرُ منه وعَرْفُهُ / وقامتُهُ والردفُ منه وخدَّاهر
لشمسِ الضحى والدرِّ والمسكِ ونفحةً / وغصنِ النقا والدعصِ والورد أَشباه
وركبٍ تَساقَوْا كؤوسَ الكرى
وركبٍ تَساقَوْا كؤوسَ الكرى / وقد طلب النومَ طولُ السرى
يؤمُّون نجداً فيا نجدُ بشرى / سيغبطُ منكَ الثريَّا الثرى
وقفتُ بواديهمُ لا أرى / كواعبَه البيضَ فيما أرى
أسائلُهُ أين أُدْمَ الصريمِ / وأَنْشُدُهُ أَيْنَ أُسْدُ الشرى
فلو كنتَ تُبصرني عنده / ذكرتَ جميلاً بوادي القرى
أحنُّ إلى دينِ اليهودِ من أجلهِ
أحنُّ إلى دينِ اليهودِ من أجلهِ / ولولا حذارُ السيفِ كنتُ يهوديَّا
ولستُ أخافُ السيفَ إلاَّ لأنني / أموتُ بأشواقي وأتركه حيَّا
سرى البرق من مثواكَ والليلُ مسودُّ
سرى البرق من مثواكَ والليلُ مسودُّ / تُشَقُّ دياجيه كما شُقِّقَ البرد
فهيّج لي شوقاً كما لفح الغَضَا / وذكَّرني عهداً كما نَفَحَ الند
تغيرتِ الأيام حتى أَحبَّني / فكلُّ خليلٍ بين أضلعه حقد
أيا مَن به أُمسي كئيباً وأغتدي / أآليت أن تُمسي إلى الغدر أو تغدو
حنانَيْكَ في نفسٍ تذوبُ ومقلةٍ / يؤرِّقُها دمعٌ ويؤلمها سُهْد
وممَّا طوى قلبي على الحزن أنني / أرى الوصلَ موروداً ومالي به وِرْدُ
وما كنت أدري أنَّ عهدَكَ حائلٌ / وأنك عن دينِ المودة مُرْتَد
إلى أن دهتني من صدودِكَ لوعةٌ / يُشَبُّ على الأحشاءِ من حرِّها وقد
ألا فاخبرنِّي عن وفائِكَ هل عفا / كما عَفَتِ الأطلالُ أم ضَمَّه لحد
فديتُك ما هذا الجفاءُ ألم يكن / يُرى بيننا نظمٌ كما نُظِمَ العقد
وكنتُ إذا الواشي مشى بنميمةٍ / تضاعفَ إمحاضاً على رغمه الود
فما بالُ ذاك العهدِ غُيِّرَ رَسْمُهُ / فلا وصلَ إلا حالَ منْ دونِهِ صدّ
رويدَكَ لا يدعى خليلك هاجراً / فأوصاله من خيفةِ البينِ تنقد
تذكَّرْ إخاءً كان بالأمس عَقْدُهُ / وثيقاً فأضحى اليوم ليس له عقد
أغدراً وقلبي ما يفارقُهُ الجوى / وخوفاً وأنَّى والحشا حَشْوُها الوجد
ألا ليت شعري والظنونُ كثيرةٌ / أَهَزْلٌ جنى هذي القطيعةَ أم جِدّ
مضى العيدُ لم أكحلْ جفوني بنظرةٍ / إليكَ فأضحى يومُهُ وهو مسودّ
وهل طمس الواشون بيني وبينكم / سبيلَ الرضى أم كان ما بيننا سدّ
أحين بكى الواشون من شَرَقٍ بنا / وأنجزني فيما رجوتُ بك الوعد
عتبتَ ولا عُتْبى وحُلْتَ فلا رضى / وغبتَ فلا لُقيا وخنت فلا عهد
أهذا جزاءُ الشوقِ إن كنتَ منصفاً / أما للهوى حقٌّ أما للنوى بُدُّ
أَجِدٌّ ولكن أنت بالشوق لاعبٌ / وما خيرُ جِدٍّ لا يساعده جَدّ
دعِ النفسَ يذهبْ عن رضاها حياتها / لئن ذهبتْ نفسي فما ذهب الودّ
عليك سلام الله ما حَنَّ أَوْرَقٌ / وما انهلَّ وسميٌّ وما سبَّح الرَّعد
غريرٌ يباري الصبحَ إشراقُ خدِّه
غريرٌ يباري الصبحَ إشراقُ خدِّه / وفي مفرقِ الظلماءِ منه نصيبُ
ترفُّ بفيهِ ضاحكاً أقحوانةٌ / ويهتزُّ في بُرْدَيْهِ منه قضيبُ
يذكِّرني تحنانُ شدوِ غنائه
يذكِّرني تحنانُ شدوِ غنائه / على الأيكِ تحنانَ الحمامِ المغرِّدِ
له نغماتٌ أَفحمْت كلَّ صادحٍ / وصوتُ نشيدٍ قد شجا كلَّ منشد
فدعْ كلَّ ما حُدِّثتَ عن صوتِ معبدٍ / وطارحْ نشيداً عن نشيدِ ابنِ معبد
ألا ادنُ وإن ضاق النَّديّ فإنه
ألا ادنُ وإن ضاق النَّديّ فإنه / رحيبٌ بودٍّ ضُمِّنَتْهُ الأضالعُ
يضيقُ الفضا عن صاحبينِ تباغضا / وسمُّ خياطٍ بالحبيبين واسعُ
دعاكَ خليلٌ والأصيلُ كأنَّه
دعاكَ خليلٌ والأصيلُ كأنَّه / عليلٌ يقضي مدة الرَّمَق الباقي
إلى شطِّ منسابٍ كأنك ماؤه / صفاءَ ضميرٍ أو عذوبةَ أخلاق
ومهوى جناحٍ للصبا يمسحُ الربى / خفيَّ الخوافي والقوادمِ خفَّاق
على حينِ راحَ البرقُ في الجو مغمداً / ظباهُ ودمعُ المزنِ من جفنه راق
وقد حان مني للرياضِ التفاتةٌ / حبستُ بها كأسي قليلاً عن الساقي
على سطحِ خيرٍّ ذكرتُكَ فانثنى / يميلُ بأعناقٍ ويرنو بأحداق
فَصِلْ زهراتٍ منه هذا كأنَّها / وقد خَضِلَت قطْراً محاجرُ عشَّاق
تَضَوَّعْنَ أَنفاساً وأَشرقنَ أوجهاً
تَضَوَّعْنَ أَنفاساً وأَشرقنَ أوجهاً / فهنَّ منيراتُ الصباح بواسم
لئن كنَّ زُهراً فالجوانحُ أبرجٌ / وإن كنَّ زَهراً فالقلوبُ كمائم
هُوَ البينُ لا تَعصِي الدُمُوعُ لَهُ أَمرا
هُوَ البينُ لا تَعصِي الدُمُوعُ لَهُ أَمرا / فَعُذراً إِلى العُذّال في فَيضِها عُذرا
وَتعساً لأحداثِ الليالي فَإِنَّها / مَسالِمَةٌ يَوماً وَحارِبَةٌ دَهرا
فِراقُكَ عَبدَ اللَهِ لَم يَدَعِ الهَوى / عَلى حالِهِ أَو يُجمَعَ الماءُ وَالجَمرا
وَما هِيَ إِلّا أَدمُعٌ وَلَواعِجٌ / يُميتُ الغَرامُ الصَبرَ بَينَهُما صَبرا
فَمِن فُرقَةٍ قاسَيتُها بَعدَ فُرقَةٍ / وَمِن لَوَعَةٍ في إِثرِها لَوعَةٌ أُخرى
وَقَد فارَقَ الأَحبابَ قَومٌ فَأَسبَلُوا / دُمُوعَهُمُ بَيضاً وَأَسبَلتُها حُمرا
وَما وَدّعُوا إِلّا أُناساً كَمِثلِهِم / وَوَدّعت مِنكَ الغُصنَ وَالقمرَ البَدرا
فَيا كَبِدِي زِيدي ضَنىً وَصَبابَةً / وَيا جَلَدِي لَن تَستَطيع مَعي صَبرا
وَما أَنَسَ لا أَنسَ اِزدِياري بِلَيلَةٍ
وَما أَنَسَ لا أَنسَ اِزدِياري بِلَيلَةٍ / طَرَقتُ بِها الذَلفاءَ دُونَ رَقِيبِ
دَعَوتُ وَراء السِجفِ مِنها جِدايَةً / مَرابُعها في أَضلُعٍ وَقُلُوبِ
تُمَسِّحُ عَن أَجفانِها سِنَةَ الكَرى / بِراحَةِ فِضِّيّ البَنانِ خَضِيبِ
فَغازَلتُها وَاللَيلُ مُلقٍ جِرانَهُ / إِلى أَن تَهادَت نجمَةٌ لِغُرُوبِ
وَنازَعتُها شَكوى أَلَذَّ مِن الكَرى / تُسَكِّنُ مِن لَذعٍ بِها وَوَجيبِ
فَيا لَيتَ أَنَّ النَسرَ قُصَّ جَناحُهُ / وَيا لَيتَ أَنّ الصُبحَ غَيرُ قَرِيب
أَلا هَل لِعُلوِيٍّ الرِياحِ هُبوبُ
أَلا هَل لِعُلوِيٍّ الرِياحِ هُبوبُ / فَيُخبِرنَ هَل عَهدُ المزارِ قَرِيبُ
وَهَل أَطرُقُ الحَيّ الِّذي كُنتُ طارِقاً / إِذ العَيشُ محضٌ وَالزَمانُ خَصِيبُ
عَزيزٌ يُباهي الصُبحَ إِشراقُ نَحرِهِ / وَفي مَفرِقِ الظَلماءِ مِنهُ مَشِيبُ
تَرِفُّ بِفِيهِ ضاحِكاً أَقحُوانَةٌ / وَيَهتَزُّ في بُردَيهِ مِنهُ قَضِيبُ
سَقى اللَهُ ذاكَ العَهدَ عَهدَ غَمامَةٍ / وَقَد جَنَّبت مِنهُ السَحابَ جَنُوبُ
تَصُوبُ دُمُوعُ العَينِ مِنهُ صَبابَةً / وَيَهفو بِقَلبِ البَرقِ مِنهُ حَبيبُ
سَلامٌ كَما هَبَّ النَسيمُ عَلى الوَردِ
سَلامٌ كَما هَبَّ النَسيمُ عَلى الوَردِ / وَخاضَت جُفونَ اللَيلِ إِغفاءَةُ الفَجرِ
وَهَزَّ هُبوبُ الريح عِطفَ أَراكَةٍ / فَمالَت كَما مالَ النَزيفُ مَع السكرِ
عَلى مَن إِذا وَدّعتُهُ أَودَع الحَشى / لَهيباً تَلَظّى في الجَوانِحِ وَالصَدرِ
وَمَن لَم يَزَل نَشوانَ مِن خَمرَةِ الصِبا / كَما لَم أَزَل نَشوان مِن خَمرَةِ الذُكرِ
عَسى اللَهُ أَن يُدني التزاوُرَ بَينَنا / فَأُنقَلَ مِن عُسرِ الفِراقِ إِلى يُسرِ