المجموع : 31
إذا كان سمعي فيكم يعشق العذلا
إذا كان سمعي فيكم يعشق العذلا / فماذا على جار يرى جوركم عدلا
أأحبابنا لا تقطعوا بصدودكم / كرى ربما أهدى بطيفكم وصلا
علام هديتم مهجتي طرق الأسى / ولم ترشدوا نوماً عن الطرف قد ضلا
فكيف خدعتم جيش صبري فلم يهج / كمين هوى إلا تضعضع أو ولَّى
أرى عهدكم مثل النسيم بأرضكم / تصحّ به أشواقنا كلما اعتلاّ
لقد جرتمُ لما غدوتم بحسنكم / ولاة على قلبي فلا ذقتم العزلا
وسقمي الذي شكَّكْتُمُ في ادعائه / بقذف دموعي قد غدا شاهداً عدلا
ويا ليت قلبي باشر السمر والظبا / ولم يعشق الأعطاف والأعين النُّجلا
ومما شجاني سجع ورقاء رجعت / حنيناً غدا يستعطف البان والأثلا
تغنت وأجريت الدموع فأظهرت / بترجيعها شكلاً وخالفتها شكلا
وما قصدت إلا غرامي فليتها / تعوض عما زان من طوقها غُلاّ
ويا حبذا غيث تألّق برقه / فقلت نضا سيفاً به يقتل المَحْلا
تألق علويّ السنى فظننته / يسل بأعلى جوشن في الدجى نصلا
أسال جراح الغاديات فأصبحت / وأعينها بالسكب تروي الثرى هطلا
طويت إليه حاملاً أثر الندى / وما صحَّ من إسناد وابله فعلا
فهل كان عن جود الإله وبشره / يحدثني لما تهلل وانهلاّ
وأين الحيا من جود غازي بن يوسف / إذا طبقت أنواؤه الحزن والسهلا
أشدّ ملوك الأرض بأساً وسطوة / وأصدقهم قولاً وأحسنهم فعلا
وأجزلهم جوداً وأطولهم علاً / وأصلبهم عوداً وأطيبهم أصلا
أمات الردى والخوف والبخل / وأحيا الهدى والجود والأمن والعدلا
مليك لو ان الله أوعد ناره / بتعذيبها كانت بعزمته تُصْلَى
هزبر إذا حاضت ذكور سيوفه / دماً من كماة الشرك كان لها غسلا
أبى سيفه إلا الجماجم والطُّلَى / لذلك قد أضحى اللجين له نعلا
تهلل بشراً واستهلَّ سماحةً / فقد جمعت أوصافه الشمس والوبلا
يعلّ العدا سمّ الردى من قناته / إذا هزّ يوماً من أنابيبها نصلا
فإن أعجمت في أوجه القوم أحرفاً / أبى السيف إلا أن يبينها شكلا
فكم غدت العقبان فوق عقابه / تشق عجاجاً ظلَّ ينسلها نسلا
فما وصلت من جو عثير جوده / إلى الأرض إلا وهي قتلى على القتلى
وفي كل يوم يلتقي بجنابه / جيوش المقال الجزل والنائل الجزلا
فأنور من بدر سناه إذا اختفى / وأغزر من بحر نداه إذا قلا
أحامي حمى الإسلام في كل مأزق / جلا النصر وجهاً فيه مذ جرَّد النصلا
أرى الأرض قد أضحت إليك مشوقة / على ثقة أن سوف تملأها عدلا
وقد طال تهويم المذاكي فلم تذق / كعادتها سهداً وتطرح الثكلا
أجلها خفافاً يثقل الأرض وطؤها / فلا عدمت يوماً لوطأتها ثقلا
دنا الأجل الأقصى فكن مترقباً / طلائع سعد يقدم الخيل والرَّجْلا
فأولى ملوك الأرض بالملك والعلا / مليك غدا كل على جوده كَلاَّ
هنالك يعطي الدين ما كان آملاً / فيلبسه عزّاً ويسلبه ذلا
وأخطر ما بين السماطين منشداً / مدائح تستجلى لديك وتستحلى
تجود وقد جادت بأضعاف سؤلها / فمن منح تترى ومن مدح تتلى
فيا من أسمت الشعر في روض جوده / على ثقة بالخصب إذ سم المحلا
جزيت المعالي ناشئاً عن صنيعها / إليك وقد غذتك من ثديها طفلا
أفضت بحاراً من نداك على الورى / فقد قطعت إلا إلى بابك السبلا
سمحت فكم باب فتحت ونائل / منحت فلم تحرمه نيلاً ولا نبلا
أراح قِلاصي من وجى السير نصُّها / إليك فقد أضحت أزمتها عقلا
وأغنيتني عن قصد كل مُبَخِّل / يكف عن المسترفدين يداً شلاّ
وقد كنت عنست المدائح برهة / فلولاك لم تعرف وليّاً ولا بعلا
فيا ملبسي بين الأنام ملابساً / كروض تلقى ثغر نواره الطلاّ
سأكسوك ما يبقى على الدهر وشيه / وتبلى الليالي والأنام ولا يبلى
على أن ما خلدته من مناقب / يغادر جد القول في وصفه هزلا
فلا زال هذا الملك في عنفوانه / ولا ذاقت الدنيا لأيامه ثكلا
أما وهوىً فيه الغرام ألذُّ لي
أما وهوىً فيه الغرام ألذُّ لي / من الصبر لا فرغت سمعي لعذَّلي
وراءك عني بالملام فإنني / بسنة أحكام الهوى لم أبدلِ
جُبِلْت على دين الوفاء ولم تَحُلْ / طباعي فرم قلباً كثير التنقل
فلو كنتَ عذريَّ الصبابة والهوى / عذرت جفوني بالعذار المسلسل
فللَّه ساجي المقلتين مقاتل / بكلّ سلاح وهو في زِيِّ أعزل
ثنى رمح قَدٍّ لا عدمت اهتزازه / ولاحظني من كل جفن بمنصل
وأرسل صدغاً لا يزال مزرداً / لحزبي فحدث عن ضلالي بمرسل
فليت لواو الصدغ عطفاً يكون لي / شفيعاً إلى تقبيل ميم المقبل
ولما تثنى ما علمت أَمَيْلُه / لكأس شمول أو لأنفاس شمأل
عسى زورة منه تعود وليلة / وفى لي بها دهري وفاء السموأل
خلوت به لا كامرئ القيس خلوة / لها ضحك من يوم دارة جُلْجُل
ذهبت لها منها قفا نبك وحدها / ومتعت من ذكرى حبيب ومنزل
وبت فلا تسأل بما كان بيننا / أقضي لُباناتي وإن شئت فاسأل
أحكم في غصن من البان مورق / وأكرع في عذب من الريق سلسل
إلى أن تجلى الصبح طلقاً كأنه / ولا خاب في نعماه قصد مؤمل
محيا فتى ما فات مسعاه مطلب / محيا ابن غرس الدين خلف العلا عَلِي
أغر إذا قابلت صفحة وجهه / أغاثك نوء البارق المتهلل
وراءك يا باغي عداه فإنه / مكان السها من ناظر المتأمل
هزبر حصور في عرين ذوابل / وبدر منير في دُجُنَّة قَسْطَل
جواد إذا ما أعمل السيف في الوغى / فناهيك من بحر يجول بجدول
يكرّ على أسد العدا بأراقم / على ظهر برق بالأهلة منعل
لك الله سيف الدين من رب همة / إلى العالم العلويّ تسمو وتعتلي
فداؤك من يرنو إلى كل سؤدد / بعين رجاً أقذاؤها ليس تنجلي
يبيت له هم بجمع حطامه / ويصبح عن طرق المعالي بمعزل
فكم معتد أفنيته بتطاول / وكم مجتد أغنيته بتطول
فما زلت يوم السلم صدراً لمجتلى / وما زلت يوم الحرب قلباً لجحفل
كفاك غياث الدين غازي بن يوسف / أحالك في أعلى الفخار المؤثل
وما اختارك السلطان حتى كفيته / أموراً لها عبء على المتحمل
فللَّه ملك ليس يبرح فكره / يبين من سر العلا كل مشكل
أجلّ ملوك الأرض قدراً وهمة / وأسماهم فخراً وأحمى لمعقل
فطل يا ابن غرس الدين باعاً إلى العلا / وقم فاتحاً من دونها كل مقفل
فيا حبذا يوم تأرج عرفه / بعرفك حتى خلته عَرف مندل
فإن كنت قد أغربت فيه تطولاً / فكم لك من يوم أغرّ محجّل
عُلاً ما غدا الفتح بن خاقان سامياً / إلى مثلها في دولة المتوكل
رأى منك عزّ الدين ابنك همة / طريق المعالي عندها غير مهمل
فلم ينعقد إلا عليك ضميره / ولم يغش غير المطلب المتسهل
فأوليته الآلاء زاكٍ نِجاره / رصين الحيا طلق الجبين مبجَّل
فدونكها الغراء يشرق صبحها / بحمدك في ليل من النقس أليل
فكن عند ظني في علاك فلم يكن / على أحد إلا عليك معولي
فإن كنت قد أوليتني منك نائلاً / غدا حمله من خفف الهم مثقلي
فأصلحت أحوالي بما غاظ حُسَّدِي / وَرَوَّيْتَ آمالي وقد غاض منهلي
فيا طالما حدثت عنك بفضل ما / سمحت به لما سألت وقيل لي
وما أنا ممن استزيدك نائلاً / وغيثك عندي سكبه غير ماحل
أنا ابن القوافي الغرّ أرضعت ثديها / فَشَبَّ إلى ما شئت في الشعر مقولي
سلكت بها نهج الكميت بمدحه / عليّاً فجلّت عن جرير وجرول
ولما تعاوتني الكلاب رميتها / بأثقل من أركان رَضْوَى وَيَذْبُل
عَوَوْا ثم أَقْعَوْا خيفة وتضاؤلاً / لأصيد مشبوح الذراعين مُشْبِل
وإني نجاشيّ القريض فسل به / ليخبرك العجلان رهط ابن مقبل
وما زلت لي سيفاً أصول بحدِّه / فحقّ لأعناق العدا أن تذلَّ لي
فدمْ دامت النعمى عليك ولا وَهَتْ / علاك فخير الذخر إبقاء مُفْضِل
متى شام طرفي برقَ غَيْرِ منيل
متى شام طرفي برقَ غَيْرِ منيل / فلا جاد نوء النُّجح أرض مُحُول
أبى لي كريم الخيم والفضل أنني / أحث مطايا الحمد نحو بخيل
وعندي بحمد الله غرة نخوة / تنزه نفسي عن مقام ذليل
أنا ابن السرى والعيس تَنْفحُ في / البَرَى مليء بنص في الفلا وذميل
إذا ونيت أرض أبت لي همتي / مقامي بها واخترت وشك رحيل
وما كل ماء لي إليه تلفت / ولو كان في الأحشاء وخز غليل
وكم طرقتني نازلات حوادث / فبتّ بها مستأنساً كنزيل
وكم من خليل قد تنكر وده / فلم يغنني عنه ابتدال خليل
ولست إذا ما هجر الخطب لاجئاً / إلى غير صبري طالباً لمقيل
وما المرء إلا من يروح وهمه / تكسب حمد باصطناع جميل
فإيثار كعب في الفلاة بمائه / ثناه نبيه الذكر بعد خمول
ولولا ابتذال الزاد لم يك حاتم / يمت بباع في السماح طويل
وأحرز عز الدين أيبك مفخراً / له أنجم ما روعت بأفول
سقاك ملثٌّ من حيا المزن هطَّال
سقاك ملثٌّ من حيا المزن هطَّال / تَجِدُّ به من وشي روضك أسمال
وراحت بك الأرواح في سرحة اللوى / نشاوى على أفنان دوحك تختال
أراجعة لي فيك وهي تَعِلَّة / غُدَيَّات ليلات تقضت وآصال
زمان كصِرف البابلية طالما / تمشت لذكراه بِعِطْفِيَ جِريال
فلا غرو إن هاجت لي الوجد دمنة / وربع أحالته رياح وأحوال
فللشوق رسم لم يزل يقتضي الجوى / قلوباً إذا لاحت رسوم وأطلال
ولله قلب لا تزال تروعه / من البين أوجاع وتعروه أوجال
طليح غرام ضلّ رائد صبره / عن القصد لما استشرف الطلح والضال
له لفتة نحو التسلي يكفها / حنين وأحوال المحبين أهوال
إذا ما النسيم البابليّ تعرضت / له نفحات عَادَهُ منه بلبال
ويا حبذا الريح البليل لَوَ انَّها / تبلُّ غليلاً ليس لي منه إبلال
وعندي بآجال الصريم علاقة / وإن صرمت للوصل منهنَّ آجال
ولم أدر هل بان على كُثُبِ النقا / هفا بفؤادي أم قدود وأكفال
ثكلت الهوى لولاه ما كان غرني / غَرِير ولا راحت بصبري مِكْسَال
وثقت بأسماء الغواني وخادعت / فؤادي مواعيد مواردها آل
فلا القرب يوماً من سعادٍ بمسعد / ولا عند جُمْل للمحبين إجمال
ومن لي بِسَلْمَى وهي حرب لسلمها / ونُعْم ولم ينعم لعاشقها بال
فيا عرصة السعديّ إن جادك الحيا / فلا وضعت من غارب المزن أثقال
ويا نخلات الجامعين هل الألى / عهدتهم في ذلك الجوّ نزال
أجل أنتما سعد وجمع وإنني / لمرتقب في القرب أن يصدق الفال
كما صدقت في الصاحب بن محمد / ظنون وفازت للموالين آمال
أغرّ إذا قابلت صفحة وجهه / فكن آمناً أن ليس يعدوك إقبال
إذا ما امرؤ ناط الرجاء ببابه / فللنجح إيضاع إليه وإرقال
بحيث المنى يلقى الغنى يانع الجنى / وذاك السنى يجلو الندى منه إجلال
ولابن أبي يَعْلَى على ذروة العلا / حلول ومغنى الحمد بالوفد مِحْلال
فتىً أصبحت منه الوزارة في حمى / منيع أيا لله خَيْسٌ ورئبال
تداوى بِمَرْآهُ الهموم ونطقه / إذا برهنت عن علمه الجم أقوال
اباء أب أو جد جد مرامه / وبغيته إذ هَمَّ بَعْضَهم المال
فِدىً لك شمس الدين كل مبخل / على ماله من دون راجيه أقفال
فِدىً لك مجبول على الغل قلبه / مهمته عن شأو مجدك أغلال
صفا ورد نعماك النمير كما ضفا / عليك من الحمد المضاعف سربال
وأنت من القوم الذين احتوى لهم / على قصبات السبق فضل وإفضال
بدور فإن جادوا وعادوا بحملهم / تسامت بحور زاخرات وأجبال
نجيبون إن عُدُّو مجيبون إن دُعوا / غصيبون إن عادوا مصيبون إن قالوا
إذا شائم الإحسان شام بروقهم / فللغاديات الغرّ سحٌّ وإرسال
تحنُّ الدُّسوت الساميات إليهم / وهل لسوى الآساد تصلح أغيال
يميناً لقد ماتوا وأحيا فخارَهم / أغرُّ كريم الخيم أبلج مفضال
تملكت شمس الدين ما شرفت به / على الدهر أعمام كرام وأخوال
وطلت إلى عز المعالي فنلتها / بغر المساعي حين قصر تِنْبَال
فما دِيمة وطفاء دانٍ سحابها / لهيدبه فوق البسيطة أذيال
تبسم فيها البرق والدجن عابس / عبوساً به وَسْمَ الربا وهي أَعقال
إذا ركب ذاك القطر من قطر بلدة / دنا فمحال أن يدانيه إمحال
بأغزر من جدوى يديك وإنما / لإكثاره في جنب جودك إقلال
إذا سال العافي سواك ولمن يُعَنْ / فعن طالب المعروف عرفك سآل
وأنت إذا مُيِّزْتَ أصبحت مفرداً / وكل له في الخلق ندّ وأشكال
فعطفك مرجوّ به خفض عيشتي / ورفع محلّي حيث يستحسن الحال
فدونكها مختالة العطف مالها / بخدمة ذا المجد المؤثل إخلال
فلا زلت تُحْيِي بالغنى رِمَمَ المنى / ويُعْيِي أناساً بعضُ ما أنت حمال
ألا ما لعين المزن تَرْوِي الثرى هطلا
ألا ما لعين المزن تَرْوِي الثرى هطلا / لِمُعْتَنِّ برق هزَّ إيماضه نصلا
بكت وهي لا تدري بموقع صنعها / إليه ولولاها لما قبل المَجْلا
فإن سل سيف منه في وجه أزمة / فيا طالما قد فَوَّقَتْ ريحُها نصلا
تبسم في وطفاء طال عبوسها / وللرعد في أرجائها أنة الثكلى
ودافع أعناق السيوف فأصبحت / بطون المجابي لا تُطيق لها حَملا
فيا حسن ذاك الغيث لو أن ركبه / تعرض أو ألقى على نائل رسلا
ومر بأرض الجامعين مخففاً / بتلك العراص الفِيحِ عن ظهره ثقلا
بلادي التي أَشْتَاقُ مربع سِربها / ومسرح ذاك السلسل العذب والظلا
أيا ساكني ظل العقيق أممكن / تجاوزكم عمن يرى جَوركم عدلا
ألم يك صبري في الكمين فمذ بدت / خيول هواكم كان أول من ولَّى
حمى الله من ريب الحوادث منكم / وجوهاً حماها الصَّوْن أن تعرف الذُّلا
وبي حُرَق بين الحشا مستكنة / بكلِّ خليِّ القلب صُيِّر لي شغلا
وبين بيوت الحيِّ كل ملية / من الحسن ما تنفكُّ توسعني مَطْلا
وفي كبدي نار هدى حائر الأسى / إلينا فبعداً للسلو الذي ضلا
وما كان قلبي يستباح لو انه / تحامى القدود الهيف والأعين النجلا
فلله من كُعْب كواعب كالدمى / عقائل لم تترك لذي صبوة عقلا
فوجدي بهاتيك الترائب والطُّلى / كوجد العلا بالصاحب بن أبي يَعْلى
بمن لم يحز رقّ الوزارة فلتة / ولم يقتنصها من مجاثمها ختلا
ولكن بإرث أبيه حسن سعيه / وباهر علم عنه آياته تتلى
إذا سدَّ ثغراً عجز الناس فتحه / وإن شدَّ أمراً لا يطيقوا له حملا
فكم سؤدد عاناه طالب شأوه / فعاد وما داناه نيلاً ولا نسلا
وإن جاد بالنُّعمى وأبدى طلاقة / فقل في الحيا المنهلّ والنير الأعلى
به حلت العلياء دون معاشر / جفوها على عمد فكان لها خلا
فيا حبذا صدر يخفُّ إلى العلا / على أنه ما زال يحتمل الثقلا
إذا اجترم الجاني وعاذ بصفحه / رأيت الإباء الصعب والخلق السهلا
سما نحو غايات الجدود فنالها / ولا عجب للفرع أن يشبه الأصلا
وإن قصر الساعون عن شأو فضله / فأصغر منهم من يؤنبهم عذلا
أعندهم ما عنده من مناقب / إذا بثها فالدهر يكتب ما أملى
أأبياتهم تحكي رحيب محلة / ببذل القِرى والعام قد عمنا مَحْلا
له قلم ما خلته غير عامل / غدا من قلوب القوم يستخرج الغلا
إذا عب في داج من النفس وارتوى / سعى مثلما يسعى معانده ذلا
بعمر ورزق يحسن القطع والوصلا /
إذا ما وشى في الطرس روضاً مدبجاً / تعاهده نقطاً فراق الورى شكلا
فيا أيها الحِبْر الذي في فنائه / عرضت المقال السهل والنائل الجزلا
فداؤك من يرنو بعين كليلة / إلى عبء مجد لا يطيق له حملا
تجافى عن العلياء مستوحشاً لها / فلو قلدته طوقها ظنه غُلاَّ
فداؤك قوم أجدبت عرصاتهم / وضنوا فما سيموا ربيعاً ولا فصلا
ينادي نَدَاك الحائمات من المنى / بحيَّ هلا قد أوضح الأمل السبلا
بحيث مَقِيل الأمن تندى ظلاله / فيسرج فيما اخضرَّ منها وما اخضلاَّ
حلمت عن الجاني وزدت طلاقة / وجدت فكنت الطود والشمس والوبلا
وما اختارك السلطان للرتبة التي / خصصت بها حتى رآك لها أهلا
نهضت بأعباء الوزارة فارعاً / بهذي المساعي الغرّ ما طال واستعلى
وكان حديث المجد عند معاشر / بتجريحهم والقدح فيهم قد استعلى
تداركت منه مسنداً بصحيحه / تفرَّدْتَ لما قمت ترفعه نقلا
فيا مُتْحِف الدنيا بعزّ محاسن / يتوق العلا ما دق منها وما جلاَّ
تلقَّ القوافي الشاردات تعرضت / لأنعمك الحسنى فكانت لها أهلا
ودونكها زهر الخدود كأنها / حديثة روض نورها يلثم الطلا
كما استعطف المعشوق صب عتابه / مقدمة كانت نتيجته وصلا
وكيف أجاري من يفاجئ بالندى / فأمنحه قولاً فيمنحني فعلا
فإني سأبقيها عليك مدائحاً / مؤيدة يبلى الزمان ولا تبلى
فدم أمن مَزْؤود ومنية عائل / وموئل مطرود تبوئه ظلاّ
ملكت كما شاء الهوى فَتَحَكَّمِ
ملكت كما شاء الهوى فَتَحَكَّمِ / وإلا ففيم الهجر لي وإلى كَمِ
أخذت توري عن دمي أو ما ترى / بخديك من آثاره لون عندم
فلو جحدت عيناك قتلي وأنكرت / أقر به خطُّ العذار المنمنم
أيحسن أن تمسي من الحسن مثرياً / وتمنع من ماعونه فقر معدم
متى تسمح الأيام منك بعطفة / وهل في منى من راحة لمتيم
وبي حرق بين الجوانح كلما / جلت منك عيدان الأراك بمبسم
يحدث عن برد الثنايا نسيمها / فيا طيب ما أدته عن ذلك الفم
وظلت نَشَاوى مورقات غصونها / تَثَنَّى وباتت وُرْقها في ترنم
فمالي إذا حاولت منك التفاتة / أحلت على تمويه طيف مسلم
وهبني أرضى بالخيال وزوره / فمن لِيَ إذ تجفو بجفن مهوم
لِيَ الله من غصن وريق ومبسم / وريق حماه الله عن ورد حوم
فيا شَغَلِي بالفارغ القلب والحشا / أطلتُ سِقامي بالغزال المنعم
وعيس رحلناها قِسِيّاً وأرقلت / إلى غرض الآمال منا بأسهم
تظلُّ الثنايا مدميات نحورها / فتقبض أيديهن عن أنف محرم
وَزِنْجِيُّ ليل بات روميّ ثلجه / أغرّ يريني منه تحجيل أدهم
تَدَرَّعْتُه لما دجى فضربته / إذا ضَرَبَتْه الريح لم أتلثم
وفي شعب الأكوار أبناء مطلب / شعارهمُ ترصيعُ شعر مُتَمِّم
هداهم غلام من خزيمة عالم / بقطع الفيافي بالمَطِيِّ المخزم
جنبنا المذاكي وامتطينا إلى العلا / نجائب من نسل الجَدِيل وشَدْقم
وكم من هلال فوق بدر يريكه / إذا هي ألقت حافراً فوق مَنْسَم
تيممن أرض الغوطتين فلم تمل / بنا العيس عن أبواب عيسى المعظم
إلى شرف الدين انبرت في بُرينها / حَرَاجِيحُ قد أُدْمين في كل مخدم
إلى ملك من دوحة شادوية / تضيء على ورد من الجود منعم
إلى الأبلج الطلق الأغرّ الذي به / غدا مشرقاً من دهرنا كل مظلم
إلى طود حلم ثابت الهضب شامخ / إلى بحر علم زاخر اللُّجِّ خضرم
إلى كعبة تدعو الوفود إلى الندى / فيلبس أثواب الندى كل محرم
إلى من كأن اللائذين بظله / من الأمن ما بين الحطيم وزمزم
إلى مخبت يُغْضي حياءً وسمعُه / يصيخ فيرضي دعوة المتظلم
تريه وجوه الغيث مرآة فكره / فتؤمنه من كل ظنٍّ مرجم
ويغشى غمار الموت في كل معرك / يراع له قلب الخميس العرمرم
ويطربه خلع النفوس على القنا / إذا رنحت أعطافها حمرة الدم
فكم نشرت عقبان جوٍّ بظله / بسفك دم الأنداد ثعلب أرقم
له نشوة في الجود ليست لحاتم / وشَنْشِنة في المجد ليست لأخزم
وبحر من العلم الإلهي لم يكن / لتدركه إلا قريحةُ مُلْهَم
يشفُّ على الأسماع جوهر لفظه / وقد دقَّ من لفظ فلم يتجسم
الندى في كل قطر كأنما / أغرن على نَوْأَيْ سماك ومِرْزَم
أعيذ علاكم أن يباح لملككم / حمى وبكم غر الممالك تَحْتَمِي
فسفح خِلاط قاسيون وتركها / يقلد طوق العار جيد المقطم
فقد أنف الجفنيُّ من عار لطمة / فباع يعز الكفر ذلة مسلم
وجر على عبس وأشجع حتفها / مغار دريد بعد طعنة زهدم
وصبّح في جو اليمامة حاجب / بأشأم يوم عابس حيّ أشأم
وعمرو بن كلثوم أبى الضيم فاغتدى / لعمرو بن هند ساقياً كأس علقم
وما مات من نجى الظعائن هُلْكُهُ / وأبقى جميل الذكر كابن مكرم
أبت لكم آباء صدق نموكم / تَخَيَّل طعن يقتضي نقض مبرم
فقد جر قبح الفعل مصرع مالك / فما رده ترصيع شعر متمم
نصيحة عبد عاش في ظلّ ملككم / تقابلُه بالنجح أوجه منعم
فدونكها أحلى من الأمن موقعاً / وأطيب من وصل إلى قلب مَغْرِمِ
إذا حَدَّثَتْ أبياتها عن علاكم / غدت أم أوفى دمنة لم تكلم
نداك به نادى فجاء مرخماً / وإن كان أصل الوضع غير مرخم
أتلك بروق أم ثغورٌ بواسمُ
أتلك بروق أم ثغورٌ بواسمُ / شجتني فساجي الدمع في الخد ساجمُ
أضاءت لنا وهناً وقد عسعس الدجى / فقلنا عجاج فيه سُلَّت صوارم
وما عنَّ لي برق فغرَّ وميضه / وكيف ولي بين الجفون غمائم
وكنا ضللنا في الظلام وإنما / هدتنا إلى سبل المرام المباسم
تنبه أصحابي بأعلام عالج / للمع سناه والمطيّ رواسم
خليلي ما يبرين منا بعيدة / وإني بعرفان الديار لعالم
أما هذه أنفاسها قد تُنُسِّمَتْ / سحيراً وما مثلي بذي الأثل واهم
تَهَادَتْ صَباها وهي تندى ذيولها / علينا وأنفاس الرقاق سمائم
سقى الله أجراع الكثيب وضارج /
وحيا الحيا أرضاً لِنَعْمان لدنة / تضوع منها آخر الليل ناسم
أحنُّ إلى نجد وإن حال دونها / زمان بتفريق الأحبة ظالم
وأهفو إلى وادي الأراك كما هفت / ظماء على ماء النقيب حوائم
ويجذبني نحو الحمى وتلاعه / نوازع لي منها غريم ملازم
وبالرمل أشجاني دنوُّ محجَّر / رسيس جوى تَرْفَضُّ منه الحيازم
وكم دون ذاك الأجرع الفرد من جوى / له بفؤادي لاعج متقادم
وبالبان أبكاني وقد بان أهله / حنين أجابتني عليه الحمائم
سجعن كسجعي لو عرفن فصاحة / ولكنهن الهاتفات الأعاجم
فلله عيْنا من رأى مثل رفقة / وسام ولكن الوجوه سواهم
نشاوى من الإدلاج غناهم الندى / وتذكار داود بن عيسى منادم
إليه ارتحلنا واثقين بماجد / مغارمه يوم العطاء مغانم
من الشادويين الذين ثناؤهم / هو المسك فضت عن شذاه لطائم
إلى الناصر السلطان حثت ركابنا / وعادت بنا قد أثلتها المكارم
وأيّ ركاب لي سوى ما بِجُودِهِ / أَفَدْتُ وأنف الفقر حَوْلِيَ راغم
عطاء فتى من آل أيوب باسمه / تعرض ثغر النجح لي وهو باسم
بمرضع ثدي البأس قبل فطامه / له السرج مهد والسيوف تمائم
إذا ما أساء العامُ فعلاً فمحسن / وإن ما قسا قلب الزمان فزاحم
من القوم ترتاح العوالي إليهمُ / وبيض المواضي والجياد الصلادم
مساعير حرب حولهم أجم القنا / فهم في عرين الذابلات ضراغم
إذا غضبت يوم الهياج سيوفهم / أتت تترضاها الطّلى والجماجم
وإن قعدوا في مجلس الملك قعدة / فخادمهم دهر مع الصيد قائم
بعيسى وداود بن عيسى ترفعت / مباني علاهم والسيوف دعائم
بأزهر لا ينبو عن المجد عزمه / ولا طرفه عن مكسب الحمد نائم
تقاصر عمرو عن نداه وعامر / وقصَّر كعب عن مداه وحاتم
إليك صلاح الدين زهر مدائح / تودّ مساعيها النجوم العواتم
فأقسم لا خفت الخطوب وحشدها / وأنت لها باز وبأسك هازم
وما القلب إلا حيث أنت مخيم / وإن باعدتني عنك يوماً عزائم
إذا ما هفا قول فأنت مسدِّد / وإن ما بدا جرم فعفوك كاظم
فلولا تغاضٍ فيك ما جاد ناثر / ولا كان يدري كيف ينظم ناظم
إذا خدعت سمعي ملامةُ لائم
إذا خدعت سمعي ملامةُ لائم / فأين إشارات الهوى المتقادم
أبى القلب إلا لوعة كلما شدت / على عذبات الدوح ورق حمائم
ولي مقلة تهمي شآبيب دمعها / إذا هي شامت بارقات المباسم
غدا الشوق يستسقي لقلبي سحابها / فلم يك في هام شفاء لهائم
فيا بعد ما بين الجفون ونومها / ويا قرب ما بين الجوى والحيازم
ويالي من سرب عواطٍ عواطلٍ / سوالٍ من الداء الدفين سوالم
سنحن فكم دمع سفحن ومهجة / جرحن وكم سرٍّ أبحن لكاتم
دُمىً طالما أجرت لواحظها دماً / فيالسواج ما رثت لسواجم
مهىً لم تزل تهمي نوافث سحرها / من الفاترات السود بيض الصوارم
هززن قدوداً كالغصون نواضراً / ولحن بدوراً في دجى كل فاحم
وأومضن إيماض البروق بواسماً / فحلت فريد الدر في سلك ناظم
وريان من ماء الشباب كأنما / حرام عليه نقع غلة حائم
إذا فوّقت نحوي سهام لحاظه / أغار على قتلي بها من مساهم
حمى طرفه من مقلتي بجفونه / فللَّه غمد ذبَّ عن حدِّ صارم
ورد على الثغر اللثام فحبذا / جنى الأقحوان الغض تحت الكمائم
غدا آمناً كيد العيون لأنها / على خصره قد علقت كالتمائم
عقارب صدغيه حمت ورد خده / ولو أرسلت كان احتمى بالأراقم
أظن ظُبَا أَلْحَاظِه سفكت دَمِي / وأغلب ظني أنني غير واهم
أما وكمون السحر في لحظاته / لقد سار في العشاق سيرة ظالم
وليل طويت البيد فيه وبدره / مع الشهب كالدينار بين الدراهم
تدرعته حيث المطيُّ سفائن / تشقُّ بنا في بحره المتلاطم
وقدَّتْ أديم الأرض أخفافُ ضُمَّر / ترامت بأمثال السهام سواهم
إلى الظاهر الغازي الذي عزَّ أن يُرَى / له من مقاوٍ في الورى أو مقاوم
ولم تعتصم دون الملوك مطالبي / بغير غياث الدين حامي العواصم
مليك إذا حدثت عن سطواته / يقول الندى أذكر حديث المكارم
سطا أقدع العمرين بأساً ونجدةً / وجاد فخذ في غير كعب وحاتم
لقيت به صرف الزمان محارباً / فعاد كما آثرتُ وهو مسالمي
خبير بتدبير الممالك ما دنا / إلى رعيها إلا بمقلة حازم
إذا ركبت يمناه قائم سيفه / تَرَجَّلُ هامات الملوك القماقم
وإن شيم برق الجود في قسماته / أتت كفه بالعارض المتراكم
جرى المجد في أعطافه فكأنه / زلالٌ جرى في عطف ريّان ناعم
رصين حصاة الحلم مُسْتَحْصِد القوى / بعيد مرامي الفكر ماضي العزائم
يسدّ مهب العاصفات إذا سرى / نسيم الصبا بالمُقْرِبات الصلادم
ولا ينتضي يوم الجلاد سيوفه / فتغمد إلا في الطُّلى والجماجم
وقائعه صيد الملوك تذمها / وتثني عليها كاسرات القشاعم
إذا اسودَّ ليل النقع جلَّى ظلامه / ببيض سيوف أو بروق لهاذم
وإن هيجته نحو ملك حفيظة / رأى فرصة الإقدام ضربة لازم
جفا جفنه طيبُ الرقاد لعلمه / ببعد مرام الحزم عن كل نائم
وكيف ينام الليل من بات همه / طلاب المعالي من شدوق الأراقم
أحامل أثقال العلا دون معشر / يرون احتمال المجد إحدى المغارم
نهضت بما أعيا الملوك ولم يفز / بما نلت إلا ناهض بالعظائم
فللَّه طود منك يغدو / وعيد العدا مثل الرياح النواسم
قدير على نفع الأعادي وضرّها / بجزّ النواصي أو بحزّ الغلاصم
لك الله من كافٍ لراجيك كافلٍ / لنيل المنى غاشٍ لشانيك غاشم
تقوم بما يرضى الهدى متجشماً / بنفسك ضنك المأزق المتلاحم
تهاب أسود الغاب بأسك في الوغى / وتخجل من جدواك صوب الغمائم
وكم حساد لي كان قبل إقامتي / ببابك يبدي لي توجع راحم
بسطت له عذراً وأيقنت أنه / سَيَقْرع فيما سرني سنَّ نادم
لأني أرى الأغصان تسقى إذا ذوت / فإن أثمرت لم تخل عن رجم راجم
فيا خير من ساس الملوك بعدله / فأمسى به الإسلام سامي الدعائم
تلقَّ القوافي الشاردات كأنها / فرائد أبكار النجوم العواتم
تولد في صرف المدامة نشوة / وتحدث شجواً في هديل الحمائم
فلا زلت يا أزكى الملوك سجية / وأعدل من يجري لكشف المظالم
شهاباً لمستهد وأمناً لخائف / وكنزاً لمستجد وريّاً لحائم
هنيئاً فإن السعد راح مخلدا
هنيئاً فإن السعد راح مخلدا / وقد أنجز الرحمن بالنصر موعدا
حبانا إله العرش فتحاً بدا لنا / مبيناً وإنعاماً وعزّاً مؤيَّدا
تهلل وجه الدهر بعد قطوبه / وأصبح وجه الشرك بالظلم أسودا
ولما طغى البحر الخضمّ بأهله الطغ / اة وأضحى بالمراكب مزبدا
أقام لهذا الدين من سلَّ سيفه / صقيلاً كما سلَّ الحسام مجردا
فلم ينج إلا كلُّ شلوٍ مجدَّلٍ / ثوى منهم أو من تراه مقيدا
ونادى لسان الكون في الأرض رافع / اً عقيرته في الخافقين ومنشدا
أعبَّادَ عيسى إن عيسى وحزبه / وموسى جميعاً يخدمون محمدا
نعم هي نعمى بشرها أوضح البشرى
نعم هي نعمى بشرها أوضح البشرى / فما عذر من لم يخترع مدحه عذرا
سما قدر هذا اليوم عن موقف به / نصوغ حليَّ النظم أو ننظم النثرا
هي الآية الكبرى فيا عيّ مادح / ولو نظم الشعرى لأمثالها شعرا
ومذ نشر اليوم الأغرّ رداءه / نشرنا على أعطافه المِدَحَ الغرّا
فقم دون ملك عادليّ حميته
فقم دون ملك عادليّ حميته / مواقع كيد القوم واشدد به أزرا
فبالأمس قد أوليته ما كفيته / به الخطب إذ أصليت أفئدة جمرا
ولا سيما أضفى ظلال ولاية / وأصفى كما أصفيته السرّ والجهرا
وما زال يدعوه إلى الرشد سعده / إلى أن أقر الملك وانتخب الصهرا
فلو رمت لاصطفاك بملكها / لأنك لما شئت أخلى لك القصرا