المجموع : 103
ألاَ كلُّ يوم من زمانك عيدُ
ألاَ كلُّ يوم من زمانك عيدُ / وهل فوق إشراقِ الضَّحَاءِ مَزِيدُ
زمانٌ كرَيْعان الشَّبيبة ناعمٌ / وعصرٌ قديمٌ بالمُعزّ جديد
ولكنّ يومَ العيدِ خُصَّ بموقف / له كلُّ أيام الحياةِ سُعودُ
يلوح عليه من تجلِّيك رونقٌ / ويَظْهرَ فيه من سَناك وَقُود
فلا تحسبوا اللفظَ الذي سار خُطْبةً / ولكنّه حَلْيٌ لهم وعقود
تبلَّج هذا المُلْكُ عنك وأشرقت / ترائبُ من أفعاله وخدود
لِيَهْنِك أنّ الله فوقك مالك / ودونك كلّ المالِكين عبيد
وأنّك غرس الله فينا وأنّنا / غُرُوسُك يَنْمي فضلُها ويزيد
وجوهٌ تجلّت في سناك وأنفس / ونبتٌ تروِّي في ثراك وعود
وهل أنا إلا من بِناك التي غَدتْ / يشيِّدها فضلٌ لديك وجود
وكلّ بحمد الله قد رام هدمَه / فأعياهمُ ما تَبْتَني وتَشِيد
وتأبي ويأبى اللهُ أن يَنْقُضَ الذي / تُريد وأن يعلو عليك مُرِيد
وقد شَّرد الله الأعاديّ والضَّنَى / وأعقب نارَ الحادثات خمودُ
بعزٍّ يُسدّ الخافقين ودولةٍ / لها فوق أعنان السماء صعود
فَرُحتَ وحسنُ البرء مثلكُ زاهرٌ / وشخصُ الضَّنى كالمارقين طريد
فأيُّ أَيَادِي الله نبدا بشكرها / لديك وأيَّ المَكْرُمات نُعيد
لئن خصّني منها الإلهُ بِحُظْوةٍ / لقد عمَّ منها العالمين سعود
وللناس آمالٌ ضروبٌ وأنفس / تسوق إلى أوطارهم وتقود
وليس لنا إلاّ عليك مُعوَّلٌ / وليس لنا إلا إليك مَحِيد
فلا زالت الدنيا ونورُك لِبْسُها / ولِبْسُك فيها صحّة وخلود
يُعدّ وجِيعَ الوجد ما هيَّج البعدُ
يُعدّ وجِيعَ الوجد ما هيَّج البعدُ / وأوجعُ منه قرب من قربهُ الصدُّ
أبي الدّمعُ إلاَّ أن تَفِيض شئونه / فيبدو إذا أبدته ما لم يكن يبدو
وعصيانُ دمع العين غَدْرٌ بربّه / إذا بان عنه الصبر واحتكم الوجدُ
وما يَنْقضي عهدُ الأسى من متَّيم / إذا لم يدم يوماً لمحبوبه عهد
أآمرِتي بالصبر وهي تَحُدّه / وعاذلتي في السُّقم وهي له جندُ
كما لم تجد عيناكِ بُدّاً من الضَّنَى / كذا ما لجسمي من ضنىً بهما بدّ
إذا وعدت هندٌ ثَنى جودَها الوعد / وإن سَمحت يوما فنائِلُهَا ثَمْد
يَضيق بها خَلْخالها وسِوارُها / ويَجْذِبها من خلفها كفَلٌ نَهدُ
وإن هي أسرت في الدُّجى نمّ حسنُها / عليها ونمّ الحَلْى والمسك والنَّدّ
لها خُلُق في كلّ يوم من الجفا / طريفٌ له بين الحشى حُرَق تُلْد
ولم أر مثلي يكره العار خالياً / ويُصْبِيه سحرُ الطرف والجيدُ والخدّ
أراني إذا ما رمتُ أمراً يعوقني / من الدهر والأيام عن كونه طرد
وأُصبح فرداً في مرامي ومن يَرُم / عظيماً يَقلّ المُسْعِدون له بَعْد
كذا الشرف العُلْويّ ليس يناله / من الناس إلا الفذّ في سعيه الفردُ
أرى محنُ الأيام ماليّ مذ سَطَتْ / يدٌ ليس يخلو من شَباها ولا زَنْد
خطوبٌ وأحداثٌ إذا ما لقِينَني / تفرّقن والمبيضّ منّيَ مسودّ
وكم سِرتُ لا أبغي سواي مشيِّعا / لقلبي ولا عزمي بغيريّ يشتدّ
وأقدمتُ إلحاحاً على كلّ مَطْلب / فلم ينفع الإقدامُ إذ لم يكن جَدّ
وبي فُتِّحت للناس كلُّ غريبة / ومُحْكَمةٍ ينشقّ منها الصَّفا الصَّلْد
ومن كان ذا علم بأهل زمانه / تيقّن أنّ الناس كُلَّهُمُ وَغْد
وأنّهمُ لا يسترقّ حِفاظَهم / وفاءٌ ولا يَفْنى لهم أبداً حقد
إذا فَرِقوا أبدَوْ وداداً وذلّة / وأنفسُهمْ حربٌ وألسُنُهمْ لُدُّ
فلا تَرْحمِ الأعداءَ يوماً ولا تَلُمْ / حسوداً فما إن يَرْتضى ضدَّه الضّدّ
وإنّي ليُبقى بعض جهدي مآربي / مخافَة ألاّ ينفعَ الجاهدَ الجَهْد
وأزهدُ في كلّ الأنام صيانةً / لقدري وأمّا في المعزّ فلا زُهْد
هو الملك القَرْم الذي سبقتْ له / إليّ أيادٍ ليس يُحْصَى لها عَدّ
وما راح عن كسب المحامد مُقْصِراً / ولو خبّأتها بين أنيابها الأُسْد
عليمٌ بوجه الأمر من قبل كونه / بصيرٌ بعَدْوِا الخطب من قبل أن يعدو
فتىً ليس بين المال يوما وبينه / ذِمامٌ إذا ما زاره الشكر والحمدُ
إذا زاره وفدٌ غدا من تليده / وطارفه عند الذي لم يَزُرْ رِفد
سحائبُ معروفٍ لكفّيه تَنْهمي / علينا ولا بَرْق لهنّ ولا رعدُ
رأيتُ مَعَدّاً كالحسين وإنما / يطول على المولود إن أنجب الجَدّ
تَغرَّب فهْماً مثل ما ذاب رقّةً / وظَرْفاً فما في كنه وصفٍ له حدّ
به يَشتفي السّمعُ الأصمُّ بلفظه / وتُشْفَى برؤيا وجهه الأعين الرُّمدْ
كأنّ ضياء الشمس ردّاه نورَه / وأهدى إليه قلبه الأسَدُ الوَرد
وليس يُبالِي أن يَرُوح ويَغتدي / من المال صِفراً حين يصفو له المجد
كأنّك لا تَرْضى لنفسك خلّة / إذا لم يكن في كلّ كفّ لها رِفْد
ولستَ تُبالي أن تروح بعيشةٍ / تَضِيق إذا كانت عُلاك هي الرَّغد
ولولا احتمالُ النّفس كلّ مشقَّة / إذاً لتساوى في العلا الحرُّ والعبد
حجبتُ سنا شعري زماناً ولم يزل / لديّ مصوناً لا يَبِين ولا يبدو
ونزّهتُه دهراً فلمّا هززتَني / هززتَ حساماً ليس ينبو له حَدّ
كذا السيف لا تَسْتخبِرُ العينُ عِنْقَه / إذا لم تفارقه الحمائل والغمد
فسار بمدحي فيك كلُّ مهجِّر / وغنّى به في السهل والوعر من يحدو
وصاغْت له عَلْياك حسناً وزينةً / وصيغ لها من حَلْي ألفاظه بُردُ
وليس لكّل الناس يُسْتحسَن الثَّنا / كما ليس في كلّ الطُّلى يحسُن العِقْد
وكم لك عندي من يدٍ وصنيعة / أقرّ بها منّي لك اللّحم والجلدُ
فلا يَعْجَب الحسّاد لي أن ودِدْتني / فحقّ لمثلي من مثالك ذا الودّ
رأيتُك يُفْنِي العذْرُ حقدُك كلَّه / فتَرْضى وما يُفْنِي مواهبَك القصدُ
ولا تُوعدُ الجاني إذا زلّ بل له / فإذا اعتذر المعروفُ عندك والوعد
وتَجْحَد ما تُولى يداك من النَّدى / وإن كان عند المُجْتدِي للنَّدَى جَحْد
ولو كفَر العافون نُعماك لم يكن / لطبعك منك الآن عن كرم رَدُّ
وتهتزّ للمدح اهتزاز مُهَنَّد / تناوَله يوم الوغى بطلٌ نَجْد
عليك سلامُ الله ما لاح بارقٌ / وما حنّ مشتاق تداوَلَه الفقد
معانيك أمضى من شَبا قُضُبِ الهند
معانيك أمضى من شَبا قُضُبِ الهند / ولفظُك أحلى موقِعاً من جنى الشّهْدِ
بعثتَ به عن سرّ نفس وفيّةٍ / ومكنونِ قلبٍ لا يُخالِف ما يُبدى
كلاماً وتأويلاً تجسّم فيهما / وفاءُ السّجايا حاملاً مهجَة الوُدّ
فلم أَرَ لفظاً مثلَه عاد لافِظاً / فأخبَرني عمّا لديك بما عندي
كلانا وإن طال التفرُّق بيننا / لصاحبه وافٍ مقيمٌ على العهد
ومثلكُ من لم يَرْضَ بالغدر شيمةً / ولم ينصرف مذ كان عن طاعة المجد
جريتَ على آثار أسلافك الألى / وخيرُ البنين المُقْتفِي سَنَن الجَدِّ
لئن لَؤُمتْ فيك الليالي لقد بدا / لها منك ماضي العزم والحزم والجِدّ
وما نقصَتْ من وزن حلمك ذَرّةً / بخطبٍ ولا حلَّت لصبرك من عَقْد
ولم تَرْمِك الأيامُ إلاّ للؤمها / وكلُّ لئيم للكريم على حقد
فلا تَبتئس بالدَهر إن سَرَّ معشَراً / فنحسُهُم فيه على قدَر السّعد
حَلفتُ بأطراف الرِّماح رواعفاً / دماً وبتقريب المطَّهمة الجُرد
وبالطَّاهر المهديِّ سيّدِ هاشم / أَليّةَ مأمونِ الهدى صادق الوعد
لَتَنْكَشِفنْ عما قليل عَمَاية / تُريك سبيلَ العدل واضحة الرّشد
فإن كنتَ تَدْري أنّ قوليّ صادقٌ / فأجمِلْ معي صبراً لذا الزمنِ المُكْدِى
وثِقْ بي ولا تَحْفِلْ برغوة معشرٍ / ستُقْلع إقلاعَ السحاب عن الرّعد
وإلاّ فمن يُعْدِيك منهم وكلُّهمْ / شديدٌ على الأحرار يعدو ولا يُعْدي
إذا هبّ عِطْريّ النَّسيم على عَمْد
إذا هبّ عِطْريّ النَّسيم على عَمْد / بنشر الأقاحي والبنَفْسَج والوردِ
فأهلا بما فاحت به نفحةُ الصِّبا / وأهلاً بما أهدت إلى الشوق من بَرْد
رياضٌ تَناهى الماءُ في حسن رَقْمها / فجاء بها مثلَ العِذار على الخدّ
فحُثَّا كُئُوسَ الراح فيها فإنّني / أرى الصحوَ مما لا يُفِيد ولا يُجْدي
جَزَيتَ بفَرْط الودّ مثْنَى ومَوْحدا
جَزَيتَ بفَرْط الودّ مثْنَى ومَوْحدا / ومثلُك من سامَ الهدَاية واهتدى
وما زلتَ في مِنهاج سنّة أحمد / تشيِّد منه كلّ ما كان شُيِّدا
وتُشْبِهُهُ هَدْياً وبرّاً ومذهباً / كذا يُشْبه الآباءَ من طاب مولِدا
وما زلتُ أرجو فيك هذا فِراسةً / وأعلَمه حتى بدا منك ما بدا
سعودُك قادت صفوَ ودِّك نحونا / وما زال سعدُ المرء للمرء مرشِدا
فلا يَبْتعد ما يعتريك به المُنى / فقد آن منه كلُّ ما قد تبعدا
إذا استبعد الأمرَ الجهولُ تضايقت / خلائقه عنه وملَّ التّجلُّدا
وتَلْقى اللبيبَ الماجدَ الطبع ثابتاً / تَزيد سجاياه الرّزايا تشدّدا
وإنّك لَلْمَشهود رأياً وحكمةً / وحزماً إذا اشتدّ الزمان وسؤددا
ولم أزْج وعظي نحو ودِّك أنّني / أخاف عليه الدهر أن يَتبدَّدا
ولكنّه ذكرٌ يزيد هواك لي / وفاءً إذا كلّ الهوى وتجددا
حَلفتُ بآبائي الكرام ألِيّةً / وبالله حَلْفاً بعد ذاك مؤكّدا
لَتجْتَنِينّ السُؤل ممّا تُحبّه / وتبلغُ أقصى ما تؤمِّل في العِدا
وما هي إلاّ ليلة طاب جَوْنُها / فلا تَبْتئس إذ ذاك وارقب لها غدا
نأتْ بعد ما بان العزاءُ سُعادُ
نأتْ بعد ما بان العزاءُ سُعادُ / فحشوَ جفونِ المُقْلَتين سُهَادُ
فليت فؤادي للظعائن مَرْبَعٌ / وليت دموعي للخليط مَزاد
نأوا بعد ما ألقتْ مكايِدها النوى / وقرَّت بهم دار وصحَّ ودادُ
وقد تؤمنَ الأحداث من حيثُ تُتَّقَى / ويبعدُ نُجْح الأمر حين يراد
أعاذِلَ لي عن فُسْحة الصبر مَذْهَبٌ / وللَّهْو غيري مأْلَفٌ ومَصَاد
ثوت لِيَ أسْلافٌ كرام بِكَرْبلاَ / هُمُ لثُغُور المسلمين سِدَاد
أصابتهمُ من عبد شمس عداوةٌ / وعاجَلَهم بالناكثِين حَصَاد
فكيف يلذُّ العيشُ عفوا وقد سطا / وجارَ على آل النبيّ زِياد
وقتَّلهمْ بغيا عُبَيدٌ وكادهم / يزيدُ بأنواع الشقاء فبادوا
بثاراتِ بدرٍ طالبَوهم ومكَّةٍ / وكادهُمُ والحقُّ ليس يُكاد
فحُكِّمت الأسيافُ فيهم وسُلِّطت / عليهم رِماح للنفاق حِدَاد
فكم كُرْبةٍ في كربلاءَ شديدةٍ / دهاهُمْ بها للناكثِين كِياد
تحكَّم فيهم كلُّ أنْوَكَ جاهلٍ / ويُغْزَون عَزْواً ليس فيه مَحَاد
كأنهمُ ارتدَّوا ارتدادَ أُمَيَّةٍ / وحادوا كما حادت ثمود وعاد
ألم تُعظِموا يا قوم رهطَ نبِّيكم / أما لكُمُ يوم النُّشُور مَعاد
تداس بأقدام العصاة جُسومُهم / وتدرسُهم جُرْدٌ هناك جِياد
تَضِيمُهمُ بالقتل أمَّةُ جَدّهم / سَفَاهاً وعن ماء الفرات تُذَادُ
فماتوا عِطاشاً صابرين على الوغَى / ولم يَجْبُنُوا بل جالدَوا فأجادوا
ولم يقبلوا حكم الدعِيّ لأنهم / تسامَوا وسادُوا في المهود وقادوا
ولكنهم ماتوا كِراماَ أعِزَّةً / وعاش بهم قبل الممات عِباد
وكم بأعالي كربلا من حفائر / بها جُثَثُ الأبرار ليس تعاد
بها من بني الزهراء كلّ سَمْيدَع / جوادٍ إذا أعيا الأنامَ جوادُ
معفَّرة في ذلك الترب منهمُ / وجوهٌ بها كان النجاح يفاد
فلهفي على قتل الحسين ومسلمٍ / وخِزيٌ لمن عاداهما وبِعاد
ولهفي على زيدٍ وبَثّاً مردَّداً / إذا حان من بَثّ الكئيب نفاد
ألا كبِدٌ تفنَى عليهمْ صَبَابة / فيَقْطُرَ حُزْناً أو يذوبَ فؤاد
ألا مُقْلَة تَهْمِي ألا أذُنٌ تعي / أكُلُّ قلوب العالمين جَمَاد
تُقاد دماء المارقين ولا أرى / دماءَ بني بنت النبيّ تقاد
أليس همُ الهادون والعِتْرة التي / بها أنجابَ شِرْكٌ واضمحل فساد
تُساق على الإرغام قَسْرا نِساؤهم / سبايا إلى أرض الشآم تقادُ
يُسَقن إلى دار اللعِين صواغِرا / كما سِيق في عَصِف الرياح جراد
كأنهمُ فَيْءُ النصارى وإنهمْ / لأَكَرمُ مَن قد عزَّ منه قِياد
يعِزُّ على الزهراء ذِلَّةُ زينب / وقتلُ حسين والقلوبُ شِداد
وَقَرْع يزيد بالقضيب لِسنِّه / لقد مَجَسَوا أهلُ الشآم وهادوا
قتلتم بني الإيمان والوحِي والهُدَى / متى صحَّ منكمْ في الإله مُرَاد
ولَمْ تقتلوهم بل قتلتم هداكُمُ / بهمْ ونقصتم عند ذاك وزادوا
أمَيَّةُ ما زلتم لأبناء هاشِمٍ / عِدىً فاملئوا طُرقَ النفاق وعادوا
إلى كم وقد لاحت براهينُ فضلهمْ / عليكم نِفار منكُم وعِناد
متى قطُّ أضحى عبد شمس كهاشمٍ / لقد قلَّ إنصاف وطال شِراد
متى وُزِنت صُمُّ الحجار بجوهر / متى شارفت شُمَّ الجبال وِهاد
متى بعث الرحمنُ منكم كجدّهم / نبيّاً علت للحقّ منه زناد
متى كان يوماً صخرُكم كعَليّهم / إذا عُدّ إيمان وعُدّ جهاد
متى أصبحت هِند كفاطمةَ الرضا / متى قيس بالصبح المنير سواد
أآلَ رسول الله سُؤتمْ وكِدْتمُ / ستحيا عليكم ذِلَّةٌ وكساد
أليس رسول الله فيهم خصيمَكم / إذا اشتدّ إبعادٌ وأَرمَلَ زادُ
بكمْ أم بهمْ جاء القُرآنُ مبشّراً / بكمْ أم بهمْ دين الآله يشاد
سأبكيكم يا سادتي بمدامع / غزارٍ وحزن ليس عنه رقاد
وإن لم أعاد عبدَ شمس عليكُم / فلا أتَّسعت بي ما حييت بلادُ
وأطلبهمْ حتى يروحوا وما لهم / على الأرض من طول القرار مِهاد
سقى حُفَرا وارتكُمُ وحَوَتْكُمُ / من المستهلاَّت العذابِ عِهاد
بقِيتَ أبا عبدِ الإله مسلِّماً
بقِيتَ أبا عبدِ الإله مسلِّماً / سعيداً لِتشييد المكارم والمجدِ
يزيد مع الأيام وُدّك جِدَّةً / إذا حال فيها كلُّ خِلّ عن الوُدّ
ومِثلُك من يزداد عُقْدُ إخائه / وفاءً إذا لم يَبقَ خِدْنٌ على عَقْد
وما زلتَ حُرَّ النفس في السُّخط والرضا / كريمَ السجايا ماجدَ القَبْل والبَعْد
طِبَاعٌ كمثل الراح بالماء جَزْلةٌ
طِبَاعٌ كمثل الراح بالماء جَزْلةٌ / عِذابٌ وأخلاق ألذُّ من الشَهْدِ
بعثتَ بنجليك اللَّذَين نمتُهما / وِلادتُك العُلْويّةُ الأبِ والجَدِّ
غُلامَينِ حازا الفهم قبل ابتداهُما / ونالا جسيماتِ المكارم في المهد
فناطقتُ شِبلَيْ قَسْوَرٍ حين وافَيَا / ولاحظتُ من حُسنَيهما قمرَيْ سعد
فعاشا رفيقيْ غِبطةِ وسلامةٍ / يزيدانِ فيما يَحوِيان على الحدّ
غدت لك عندي بازديارهما يدٌ / تملَّكُ لفظي فيك للشكر والحمد
فهذا الذي عندي وقلَّ لك الثنا / على أنَّ ما أُخفِيه أضعافُ ما أبدي
ولمَّا هززتُ السيف ثم اشتملتُه
ولمَّا هززتُ السيف ثم اشتملتُه / على ذابلٍ أضنى من الصبّ في الصدّ
لحتْنِي وقالت لِمْ تشبَّهت ظالماً / بلحظي وقدّي قلَّ هذا وما يُجْدي
فهبك طبعتَ السيف من لحظ مقلتي / وهبك قددتَ الذابلَ الرمحَ من قدّي
أَلِلرمح رِدْفٌ مثلُ رِدفي يَزِينه / فيشبِهَني أم فيه رُمَّانتا نهدي
وللسيف غِمْد مثل جفْني يسُلُّه / ويُغمده في قلب كلّ فتى جَلدْ
إذا انقبض الجُلاِّسُ عن كلّ حاجب
إذا انقبض الجُلاِّسُ عن كلّ حاجب / فلستُ بمملولٍ ولا بمبعَّدِ
ولكنني أُرْخَي على كلّ مجلسٍ / وتُسْبَل أطنابي على كلّ مَرْقَد
فَواهاً على ذات اللَّمَى كلَّما نأتْ
فَواهاً على ذات اللَّمَى كلَّما نأتْ / بها الدّار واستولى عليّ صدودُها
تَضَنُّ ببذل الوصل في القرب والنوى / فسَّيانِ عندي قربُها وبعيدها
وأقبحُ ما في الماجِد الحُرِّ بخلُه / وأقبح ما عند الخريدة جودها
إذا رُمتُ تشبيها لها حال بينه / وبيني خِصال كلَّ يوم تزيدها
أيا دَيْرَ مَرْحَنَّا سقتك رُعود
أيا دَيْرَ مَرْحَنَّا سقتك رُعود / من الغيث تَهْمِي مرّةً وتعودُ
فكم واصلتْنا في رُبَاك أوانِسٌ / يَطُفْنَ علينا بالمدامة غِيد
وكم ناب عن نُوْر الضحى فيك مَبْسِم / ونابت عن الوَرْد الجنِيّ خدود
وماسَتْ على الكُثْبان قضبانُ فِضَّة / وأثقلْنَهَا من حملهنَّ نُهُود
لياليَ أغدو بين ثوبَيْ صبابةٍ / ولهوٍ وأيّام الزمان هُجُود
وإذْ لمِتَّي لم يوقِظ الشيبُ ليلَها / وإذْ أثَرِي في الغانياتِ حميد
على الطائر الميمون والطالع السعيدِ
على الطائر الميمون والطالع السعيدِ / أرَقْتَ أمير المؤمنين دَمَ الفَصْدِ
جرى لك فيه النجمُ بالسعد وانثنى / على كلّ من عاداك نَحساً بلا سعد
ولم يك ضُرّاً ذلك الدمُ إنما / نَدَى راحتيك انهلَّ من ذلك الزَّند
قلا زِلتَ تبقَي مدّة الدهر مالكاً / ولو لم أَخَفْ عيناً لبَشَّرْتُ بالخلدْ
أسالبتي قلبي بعينٍ كأنها
أسالبتي قلبي بعينٍ كأنها / وما رَقَدَتْ مكحولة بُرقادِ
خذي الجسم أو رُدّي الفؤادَ مكانَه / ولا تتركي جسمي بغير فؤاد
أأَنْ لبِست خدّاكِ نَوْرَ شقائقٍ / وأصبح عن رِدْفَيكِ خَصْرِك صادِ
منعتِ الكَرَى مِن مُقْلة هو قُوتُها / فلم يبقَ للعينين غيرُ سُهاد
وأعجبُ شيءٍ أنكم لي أحِبَّةٌ / وأنّكُمُ في فعلكمْ كأعادي
إلى الله أشكو مَن أراد منيَّتي / ومَنْ حال ما بيني وبين مرادي
رأتْني وفي كفِّيَّ وَرْدٌ أشُمُّه
رأتْني وفي كفِّيَّ وَرْدٌ أشُمُّه / وأرفعُه حُبّاً على العين والخدّ
فقالت تذكَّر وجنتِي باحمراره / فقلت ولِمْ لا يُذكَر الوَرْد بالوَرْد
ولما أثاروا البُزْلَ وَهْنا وأشأموا
ولما أثاروا البُزْلَ وَهْنا وأشأموا / وحَثَّ بأقمارِ الهوادج حادي
وحال الأَسَى دون البكا فدموعُنا / من البين حَسْرَى والتأسف بادي
أَمَطْنَ دِمَقْسِيَّ المُلاَ عَنْ روادفٍ / رِوَاءٍ ولكنّ الخصور صوادي
فلم تعِص سلطانَ المدامع مُقْلتي / ولم يتحصَّن بالضلوع فؤادي
أجِدَّك لا أنفكُّ في كلّ ليلةٍ / أُرَاعُ بِبينٍ أو أهيم بوادي
فليت زماناً بان بالحظّ وانتحى / على المال واساني بأهل وِدادي
إذا الدهرُ أعطاك القِياد مملَّكاً
إذا الدهرُ أعطاك القِياد مملَّكاً / ودارت بما ترجو عليك سعودُهُ
فلا تَعْمَ فيه عينُ قلبِك حَيْرةً / وخُذْ وأَفِد من كلّ ما تستفيدهُ
يموت الفتى طِفْلاً وكهلاً وعَبْطة / ويَبقَى على الأيام والدهر جودُهُ
فكن لجميع الناس فيه مشارِكاً / فعمّا قليلٍ سوف تصحو رُعوده
ولا تتكّبر إنّ قَدْرك فوق ما / ملكتَ وإنّ الكِبر ما لا يزيده
وزِدْ لعطاء الله ذُلَّ تواضع / فإنك والأقوامَ طرّاً عبيده
طوى البينُ عهد الوصل فهو قصيرُ
طوى البينُ عهد الوصل فهو قصيرُ / ففاض له دمع وطال زَفِيرُ
أحادِي الحُدوج المستحِثَّ أَخُذَّلُ / من الأُدْم فيها أم نواعِم حُور
صَدَعْنَ فؤاداً كاد ينهلُّ أدمُعاً / وقلباً غداة البين كاد يطير
أوانِس في أثوابهن وفي المُلاَ / غُصون وفي تنقِيبهن بُدور
كأنَّ نقا خَبْثٍ لهن روادفٍ / تأَزَّرنها والأقحوان ثغور
إذا ما دجا جِنْحُ الظلام أناره / لهنّ تَراقٍ وُصَّحٌ ونُحور
وإن هنّ حاولن النهوضَ تمايدتْ / بهنّ مُتونٌ وانتصبن صدور
فهنّ المُنَى لولا رقيبُ وحاسد / عدوٌّ وواشٍ كاشحٌ وغَيُور
وإني على ما بي إليهنّ من جَوىً / بكّل عفافٍ كاملٍ لجَدير
تبعِّدُني عن منزل الذمّ والخنا / خلائقُ زُهْرٌ كالنجوم وخِير
ولو شئتُ عاودتُ الصِبا واستفزَّني / من الغِيد مكحولُ الجفون غَرير
ولكن سمت بي هِمَّةٌ عَلَوِيَّةٌ / وقلبٌ إذا ارتاع الجَبانُ جَسُور
ونَفْسٌ سواءٌ عندها الفقرُ والغنى / وسيَّانِ بؤسٌ نالهَا وحُبُور
وما لي أخاف الدهر أو أحتنى له / ولي من أبي المنصور فيه نصير
عَزيزٌ به عزَّت خلافةُ هاشمٍ / وراح عمودُ البغي وهو كسيرُ
تباشرت الدنيا به وبملكه / وأشرق منه مِنْبَر وسرير
فيا بن الذين استُنبِطَ الوحيُ عنهمُ / وأضحى بهم وجه الزمان ينِير
ويا بن الملوك الشُمِّ من آل هاشمٍ / ومن طاب منهم ظاهر وضمير
لك الأوّل العالي الزكيُّ الذي انتهى / به المجد يُزْجَى والأوائل زُور
إذا عدّ قوم للفَخار عشيرةً / غدا لك من آل النبيّ عشير
هنيئاً لك العيدُ الذي أنت بالرضا / من الله للمرضيك فيه بشير
برزت كبدر التِمّ تَقْدُم جَحْفَلاً / تكاد بن الأرض الفضاء تمور
فلِلبيض بَرْقٌ في أعاليه خاطفٌ / وللأُسْد رَكْضٌ تحته وزئير
كأنّ الدُّروعَ السابِغاتِ عليهمُ / لمِا ألَفوها سُنْدُسٌ وحرير
وقد منحوك الّلحظّ من كل جانبٍ / وكلّهمُ صافي الضمير شَكور
فمِن مُقْلةٍ منهمْ عليك حبِيسةٍ / ومن إصبع فيهمْ إليك تِشير
ولو نطقت أحجار أرضٍ لسَلَّمتْ / عليك المُصَلَّى أو أتتك تسير
فلمَّا بلغت المِنبر الطاهر الّذي / له بك فضلٌ لا يُنال كبير
تواضعت للرحمن ثم علوتَه / خطيباً وكُلُّ اللحظ عنك حسير
فأبديت ما أبدى النبيُّ من الهدى / كذا الفَرْعُ للأصل الزكيّ نظير
وأسهبتَ في حمد الإله بخطبة / تَفَجَّرُ منها للصواب بحور
وبَشَّرتَ ترغيباً وأنذرتَ خَشْيةً / بإيجاز قولٍ ما حواه نذِيرُ
فُدمْ لأبي المنصور يا مُلْكُ سالماً / فليست عليك الدائرات تدور
لأنك بالمَلْك العزيز ممنَّعٌ / وأَنّ له يعقوبَ فيك وزير
أغَرُّ إذا ما قابل الخطبَ رأيُهُ / تيسَّر صَعْبُ الخَطْب وهْوَ عسير
تطلّبتَ مرضاة الإِله فنِلتَها / وقصَّر عنها طالبون كثير
فأنت له في الحرب سَهْم ومُنْصُلٌ / وفي السِّلم لألاءٌ يلوحُ ونور
فيا بن معزّ الدين دعوةَ شاكرٍ / على كلّ ما أوليتَ ليس يحور
ودادُك في قلبي صحيحٌ صفاؤه / وغَرْسُك عندي فيه ليس يبور
بلغُت بك الحالَ التي كنتُ أرتجي / عُلاها فحالِي غِبْطةٌ وسرور
وماليّ لا أحوِي بك العزَّ والمنى / وأنت على كلّ الأمور قدير
وكيف أخاف الحاسِدين وبغَيهم / وأنت عليهمْ لي يدٌ وأمير
كلانَا لأصلٍ واحد ولوالدٍ / إذا ما دعانا الانتسابُ نصير
فلا تَنْسَ منّي ناصحاً وابنَ والدٍ / ووالدةٍ ما فيه عنك نُفُور
يودّ بأن تبقى عزيزاً مسلَّماً / ويَفديك من صَرْف الرّدى ويُجير
وإني بتقبيلي لك الأرض والثرى / على كل من فاخرته لفخور
عليك صلاةُ الله ما ذَرّ شارقٌ / وما دام رَضْوَى باقياً وثَبِير
غدا عامرُ الأوطان في مقلتِي قَفْراً
غدا عامرُ الأوطان في مقلتِي قَفْراً / لِبَيْنك عنها واغتدى سهلُها وَعْرا
وأظلمت الآفاقُ منها توحُّشاً / كأنك كنتَ الصبح والشمس والبدرا
ومالي أرى هذي القصورَ كأَنها / قد امتلأَت مذ غِبت عن أرضها ذُعْرا
ولم أتخلَّف أَنني عنك صابِر / فكيف تُطِيقُ العين عن نورها صبرا
ولكنَّ دهراً عاقني واستهاضني / فخلَّفَني رَغْماً وأوجعني ضُرّا
ولو طار مِن قبلي مَشُوقٌ لشائقٍ / لِطرتُ بشوق يقطع القلب والصدرا
وعلمك بي يكفينَي العذَر كُلَّه / لأنك تدري صفو سِرِّيَ والجهرا
فيا ليتني أَفدِيك من كل حادثٍ / وألقَي خطوب الدهر دونك والدهرا
ولو أنّ عمري كنتُ أدري أتنهاءَه / أحطتُ به علماً وأعطتك الشطرا
سَقَى سَردوسَ الغيثُ ما دمتَ ثاوياً / بها وكساها صوبُه الورقَ الخُضْرا
ولا برحتْ تختال في حَليْ روضها / كم اختالت العذراءُ في حَليْها كِبرا
رُبوعُ ديارٍ بالعزيز عزيزةٌ / يطاول فيها مجدُه الأَنجمَ الزُهْرا
عليك صلاة الله من مَلِك به / نفى الله عنا الجور والظلم والفَقْرا
أخَفّف تسليمي وأُصفِي مودَّتي
أخَفّف تسليمي وأُصفِي مودَّتي / وأطوى على نصحي لك القلب والصدرا
وإني إذا ما غِبتُ عنك لناظِرٌ / إليك بقلب منك ممتلئ فِكرا
ويذكر قلبي حسْن وجهك إن رأى / شبيهك في إشراقك الشمس والبدرا