المجموع : 84
تمنَّى رجالٌ ما أرادُوا وإنَّما
تمنَّى رجالٌ ما أرادُوا وإنَّما / تمنَّيْتُ أنْ ألقاكَ حيثُ أُرِيدُ
وقد غَفلتْ عينُ الرقيبِ ومُقلتِي / بلا حَذَرٍ في عارضيكَ تَرودُ
وأشكُو الذي لاقيتُ بعدَك إنَّهُ / عجائبُ يُجْرِي الدمعَ وهي جَمودُ
وما بينَ أثناءِ الكلامِ تَغَازُلٌ / عِتَابٌ وعَتْبٌ كاذِبٌ ووعُودُ
حديثٌ يُزِلُّ العُصْمَ وهيَ منيعَةٌ / وتُنْظَمُ منه في النُّحورِ عُقودُ
وضمٌّ كَلَفِّ الريحِ غُصْنَي أراكةٍ / تَميدُ على عِطْفيَّ حيثُ أمِيدُ
وبين مجاري اللحظتينِ من الهَوى / عقودٌ عليهنَّ القلوبُ شهودُ
أناولكَ الصَّهباءَ طَوراً وتارةً / تناولني والحادِثَاتُ رقودُ
فيا قَمَراً قد بانَ عَنِّيَ ضَوؤهُ / لياليَّ والأيامُ بعدَك سُودُ
ويا مورِداً قد سَدَّ عنِي طريقَهُ / رماحُ العِدَى هل لي عيك وُرودُ
ويا بَرَدَاً ما ذُقْتُه غيرَ أنَّهُ / على ما أرى عَذْبُ المذَاقِ بَرودُ
أما نغبةٌ من فضلِ كاسِكَ يشتفي / بها من لهُ بين الضُلوعِ وقودُ
نَعِمنا زماناً ثم فرَّقَ بينَنا / يَدُ الدَّهْرِ تُبْدي كيدهُ وتُعيدُ
أُعَلِّلُ نفسي باللِّقاءِ فإن أعِشْ / إِلى أنْ أراكُمْ إنَّني لجليدُ
وإنْ لم يكنْ بيني وبينَ لِقائِكمْ / سِوى عُمْرِ يومٍ إنَّه لَبعيدُ
رأى اللّهُ لي فيما يراهُ لِيَ العِدَى
رأى اللّهُ لي فيما يراهُ لِيَ العِدَى / وكان بهِم لا بي وقد جَهِدُوا الرَّدَى
بلغتُ المَدى لما صبرتُ وأخطأتْ / مساعي رجالٍ أخطَأوا سُبُلَ الهُدَى
ومن رامَ ما لا بُدَّ منهُ فما لَهُ / من الصْبرِ بُدٌّ طالَ أم قَصُرَ المَدى
وإنَّ الذي أعطَى وأجزلَ أوَّلاً / ومنَّ أخيراً ليس يترُكُنِي سُدى
أُهنِّئُ مولانا بأيمنِ قادمٍ
أُهنِّئُ مولانا بأيمنِ قادمٍ / تَقَيَّلَ في الإحسانِ أفعالَهُ الزُّهْرا
بيومٍ أجَدَّ الدهرُ فيه لِباسَهُ / وأبرزَ من مكنونِ زينتِه الذُّخْرا
وقد حلَّ فيه الشمسُ بيتَ سنَائِها / كطلعةِ مولانا وقد مَلأَ الصَّدْرَا
وعُدِّلَ ميزانُ الزمانِ كأنَّما / تعلَّمَ عدلاً منه قد ثَقِفَ الدَّهْرا
ولانَ بهِ قلبُ الغَمامِ على الثَّرَى / كرأفتِه إذْ يَطْرد البُؤْسَ والفَقْرَا
وألبسَهُ وشيَ الثيابِ مُحَبَّراً / كما هو يكسونِي أيادِيَه تَتْرَى
وأُهدي إليهِ رسمَ خدمتيَ التي / تقيمُ علاهُ في خَفَارتِه العُذْرَا
فلا غَرو أن أهديتُ من فيضِ بِرِّهِ / إليهِ قليلاً ليس يعتَدُّهُ نَزْرَا
فإني رأيتُ الغَيْمَ يحملُ ماءَهُ / من البحرِ غَمْراً ثم يُهْدِي له قَطْرَا
فدُمْتَ كذا للمُلكِ منبسطاً يَداً / ومبتسماً ثغراً ومنشَرِحاً صَدْرَا
ولا زلتَ تنضُو من ثيابِكَ بالياً / وتَلبسُ غَضَّاً من أوانِقِه نَضْرَا
أيا سابقاً طلّابُ غايتِه حَسْرَى
أيا سابقاً طلّابُ غايتِه حَسْرَى / ويا واحِداً أمدادُ نعمتِه تَتْرَى
ومَنْ أذنب الأيامَ حتّى إِذا انتهتْ / إِلى يومهِ الميمونِ كان لها عُذْرَا
ومن يُوسِعُ الأيّامَ بأسَاً ونائلاً / ويملأ في ديوانِه العَيْنَ والصَّدْرَا
أترضَى لمثلي أن يعيشَ مطَرَّحاً / لدى معشرٍ لا يَعرِفونَ له قَدْرَا
قلوبُهمُ من جهلِهمْ في أَكِنَّةٍ / وآذانُهم من غَيّهمْ مُلِئَتْ وَقْرَا
إِذا سَمعِوا بالفضلِ يوماً تربَّدَتْ / وجوهُهمُ سُوداً قسائِمُها غُبْرَا
يُغالونَ بي عن غيرِ علمٍ وإنَّما / يرَون مُقامي بين أظهُرِهم فَخْرَا
ولو عَرَفُوا مقدارَ فضلي ألِفْتُهمْ / ولم ألتمسْ منهم ثَواباً ولا أجْرَا
وما أنا إلا كالكريمةِ كُلَّما / رأتْ كُفْأَها في المجدِ أرخصتِ المَهْرا
فهل فيكَ أن تفتَكَّني من إِسارِهم / فإنّيَ بينَ القومِ من جُمْلةِ الأسرى
تمُرُّ الليالي لستُ أسمعُ عندَهمْ / من الفضلِ نظماً يونقُ السمعَ أو نثرا
وما ساقَني فقرٌ إليكَ وإنَّما / أبَى لي عزوفُ النفسِ أن أعرِفَ الفقرا
وما أبتغي إلا الكرامةَ إنها / سجيَّةُ نفسٍ مِرَّةٍ مُلِئَتْ كِبْرا
أقولُ وقد غالَ الرَّدَى من أُحِبُّهُ
أقولُ وقد غالَ الرَّدَى من أُحِبُّهُ / ومن ذا الذي يُعْدِي على نُوَبِ الدَّهْرِ
أأبقَى حُطاماً بالياً فوقَ ظهرِها / ومن تحتِها خُرعوبةُ الغُصُنِ النَّضْرِ
أعينيَّ جُوداً بالدماءِ وأسْعِدا / فقد جلَّ قدْرُ الرُّزِء عن عَبْرةٍ تجري
أذُمُّ جفوني أن تضِنَّ بذُخْرِها / وأمقتُ قلبي وهو يهدأُ في صدري
بنفسيَ من غاليتُ فيها بمهجتي / وجاهي وما حازتْ يدايَ من الوَفْرِ
وغايظتُ فيها أهلَ بيتي فكلُّهمْ / بعيدُ الرِّضَا يطوي الضُّلوعَ على غَمْرِ
وفُزْتُ بها من بعدِ يأسٍ وخَيْبَةٍ / كما استخرجَ الغَوَّاصُ لُؤلؤةَ البحرِ
فجاءتْ كما شاء المُنْى واشتَهى الهَوى / كمالاً ونُبلاً في عَفافٍ وفي سِتْرِ
فصارتْ يدي ملأى وعيني قريرةً / بها كيفما أصبحتُ في العُسْرِ واليسرِ
فنافسني المِقدارُ فيها ولم يَدَعْ / سوى مقلةٍ مطروفةٍ ويَدٍ صِفرِ
وما كنت أخشى أن يكونَ اجتماعُنَا / قصيرَ المدى ثم البِعادُ مدَى العُمْرِ
لقد أسلمتني صحبةٌ سلفتْ لنا / يُرَدُّ بها بعضُ الغليلِ إِلى الجَمْرِ
ألا ليتنا لم نصطحبْ عُمْرَ ليلةٍ / ولم نجتمعْ من قبلِ هذا على قَدْرِ
فيا نومُ لا تعمُرْ وِسادي ولا تَطُر / بمقلةِ مرهوم الإزارين بالقَطْرِ
وما لكما يا مقلتيَّ وللكَرى / ونورُكما قد غاب في ظُلمةِ القبرِ
فما عثرة الساقي بكأس رويَّةٍ / بأغزرَ فيضاً من دمائِكما الغُزْرِ
ويا موتُ ألحقِني بها غيرَ غادرٍ / فإن بقائي بعدَها غايةُ الغَدْرِ
ويا صبرُ زُلْ عنِّي ذميماً وخَلِّني / ولوعةَ وجدي والدموعَ التي تَمْرِي
ولا تَعِدَنِّي الأجرَ عنها فإنَّها / ألذُّ وأحلى في فؤادي من الأجرِ
أَتُبذَلُ لي حُورُ الجِنانِ نَسِيئَةً / وتُؤخذُ نَقْداً من ورائي وفي خِدْري
وأقنعُ بالموعودِ وهو كما تَرى / وأصبرُ للمقدورِ وهو كما تَدرِي
ومن ذا الذي يرضَى إن اعتاضَ كفُّهُ / يواقيتَ حُمْراً من أنامِلهَا العشْرِ
بلَى إنْ يكنْ حظِّي من الخُلْدِ وحدَها / صبرتُ فكانت نِعْمَ عاقبةُ الصَّبرِ
بنا أنتِ من مهجورةٍ لم أُرِدْ لَها / فِراقاً ولم تَطْوِ الضلوعَ على هَجْرِي
طلعتِ طلوعَ البدرِ ليلةَ تَمِّهِ / وفُقْتِ كما أربَى على الأنجُم الزُّهْرِ
وآنستِنَا حتى إِذا ما بَهَرْتِنَا / سناً وسناءً غِبْتِ غَيبوبةَ البَدْرِ
فقد كان رَبْعِي آهِلاً بكِ مدَّة / أحِنُّ إليه حَنَّةَ الطيرِ للوَكْرِ
وآوي إليهِ وهو رَوْضَةُ جَنَّةٍ / بدائِعُها يَخْتَلْنَ في حُلَلٍ خُضْرِ
فمُذْ بِنْتِ عنهُ صارَ أوحشَ من لظَىً / وأضيقَ من قبرٍ وأجدبَ من قَفْرٍ
وما كنتِ إلا نعمةَ اللّهِ لم تدُمْ / عليَّ لعجزِي عن قيامِيَ بالشُّكْرِ
وما كنتِ إلا شطرَ قلبيَ حافظاً / ذمامي وهل يبقى الفؤادُ بلا شَطْرِ
فانْ سكنتْ نفسي إِلى سكَنٍ لها / سواكِ مدى عُمْري فقد بُؤْتُ بالكُفْرِ
وإنْ أسْلُ يوماً عنكِ أسْلُ ضرورةً / وإلّا فإنّي عن قريبٍ على الأِثْرِ
عسى اللّهُ في دارِ القَرارِ يضُمُّنَا / ويجمعُ شملاً إنَّه مالكُ الأَمْرِ
فيا أسفا أنْ لا تزاورَ بينَنا / ويا حسرتا أنْ لا لقاءَ إِلى الحَشْرِ
برغمي خلا رَبْعِي وأُسْكِنتِ خاطري / وغُيِّبْتِ عن عيني وأُحضِرْتِ في فكري
ذرِيني وما أختارُهُ من تَصَوُّنِي
ذرِيني وما أختارُهُ من تَصَوُّنِي / ومَصِّي ثِمَادَ الرِزْقِ غيرَ مُكَدَّرِ
فقد خِيرَ لي ملكُ القَناعةِ واستوتْ / لديَّ به حالا مُقِلٍّ ومُكْثرِ
وزهَّدنِي بالكَدِّ علمي بأنني / خُلقتُ على ما فِيَّ غيرَ مُخَيَّرِ
فلستُ مفيتا بالهُوينا مقدَّراً / ولا بالغاً بالكدِّ ما لم يُقَدَّرِ
أَلمْ تَرَ أنَّ الصبرَ للشكرِ توأَمٌ
أَلمْ تَرَ أنَّ الصبرَ للشكرِ توأَمٌ / وأنهما ذُخْرانِ للعُسْرِ واليُسْرِ
فشُكراً إِذا أُوتيتَ فاضلَ نِعْمَةٍ / وصبراً إِذا نابَتْكَ نائبةُ الدهرِ
فلم أرَ مثلَ الشُّكْرِ حارسَ نعمةٍ / ولا ناصراً عند الكريهةِ كالصَّبْرِ
وما طابَ نشرُ الروض إلّا لأنّهُ / شكورٌ لما أسدَتْ إليه يَدُ القَطْرِ
وما فُضِّلَ الإبريزُ إلّا لأَنّهُ / صبورٌ إِذا ما مَسَّهُ وهجُ الجمرِ
رأيتُ رِجالاً يطلُبونَ مساءَتِي
رأيتُ رِجالاً يطلُبونَ مساءَتِي / بجهدِهمُ من غيرِ ذَحْلٍ ولا وِتْرِ
وما سبقتْ منِّي إليهم اساءَةٌ / ولكنّهمْ مالُوا عليَّ مع الدهرِ
فهلّا اكتفَوْا بالدهرِ فيما يسوؤُني / أما فيهِ ما يَشفي الصدورَ من الغمرِ
فانْ أَصطلِحْ والدهرَ أَجعَلْ مودَّتِي / ويُسري لمن واسَى وساعدَ في العُسْرِ
ونَيلوفَرٍ أعناقُه أبداً صُفْرُ
ونَيلوفَرٍ أعناقُه أبداً صُفْرُ / كأنَّ بهِ سُكراً وليس به سُكْرُ
إِذا انفتحتْ أوراقُه فكأنَّها / وقد ظَهرتْ ألوانُها البيضُ والصُّفْرُ
أناملُ صَبَّاغٍ صُبِغْنَ بنيلةٍ / وراحتُهُ بيضاءُ في وسطِها تبرُ
وحولَ ميادينِ الرياضِ تراصفَتْ
وحولَ ميادينِ الرياضِ تراصفَتْ / نظائرُ أشباهٍ ملابسُها خُضْرُ
تلاقتْ أعاليها وأشَّتْ أصولُها / فقد عجزتْ عن خَرْقِها الريحُ والقَطْرُ
وقد قُرِضَتْ منها جِعادُ لِمَامها / وقامتْ صفوفاً مثلما قُوِّمَ السَّطْرُ
يقولون تاجُ المُلْكِ بعد خمولِه
يقولون تاجُ المُلْكِ بعد خمولِه / تَفَرْعَنَ واستولَى على النهي والأمرِ
فقلتُ لهم لا تحسُدوهُ وأبْصِرُوا / عواقبَ ما يأتي به نُوَبُ الدَّهرِ
كأني بهِ والنصلُ يأخذُ رأسَهُ / وأطرافُهُ يُسلكْنَ في الحَلَقِ السُّمْرِ
سَلوا اللّهَ إبقاءَ الوزيرِ فإنَّهُ / سيحمِلُهُ يوماً على مركَبٍ وَعْرِ
على مركبٍ لا يلقحُ الفحلُ أمَّهُ / يعافى على متنيهِ من ضَغْطةِ القبرِ
فإنْ فاتَهُ واللّهُ بالغُ أمرِه / فأعمَى يُكَدِّي في المساجدِ أو يُقْرِي
أقولُ وصرفُ الدهرِ يَحْرُقُ نابَهُ
أقولُ وصرفُ الدهرِ يَحْرُقُ نابَهُ / عليَّ ويستولي عليَّ فواقِرُهْ
وقد صَرَدتْ في جانبيَّ نِبالُهُ / وأولعَ بي أنيابُهُ وأظافِرُهْ
خُذيني وجُرِّيني جَعارِ وأبْشِري / بلحمِ امريءٍ لم يُشهدِ اليومَ ناصِرُهْ
فبعدَ ابنِ فضلِ اللّه طأطأ منكبي / يدُ الدهرِ مدلولاً عليَّ فواقِرُهْ
وأَثَّرَ في عُودي النُيوبَ وطالَما / تمنَّعَ واستعصَى عليها مكاسِرُهْ
وأسلمني للنائباتِ بِعَادُهُ / كما أَسلمَ العظمَ المَهيضَ جبائِرُهْ
وراعَ جَنانِي نبأةُ الخطبِ بعدَهْ / ويا رُبَّما هانتْ عليَّ زماجِرُهْ
لقد حازَ نُعماهُ رجالٌ صفَتْ لهمْ / أصائلُ عيشٍ أرمضتهُ هواجرُهْ
أظلَّهمُ منه سَحابٌ تَفَرَّقَتْ / صواعقُه فيه وفيهم مواطِرُهْ
جزتهُمْ جوازي الشَرِّ عن حَسَناتِهِ / ودارتْ عليه بالمَنونِ دوائِرُهْ
ومن يجحدِ النُّعْمى التي هو ربُّها / فإني على العِلّاتِ ما عِشْتُ شاكِرُهْ
لقد كنتُ في غيطاءَ ممطولةِ الذُّرَى / يَبيتُ عليها النجمُ وهي تُسامرُهْ
فلمّا رماهُ الدهرُ أصبحتُ بعدَهُ / بمُستنّ سيلِ الذُّلّ تطغَى زواجِرُهْ
توعَّدَنِي في حُبِّ آلِ محمَّدٍ
توعَّدَنِي في حُبِّ آلِ محمَّدٍ / وحبِّ ابنِ فضلِ اللّه قومٌ فأكثروا
فقلتُ لهم لا تُكْثِروا ودعُوا دَمِي / يُراقُ على حُبِّي لهم ثم يُهدَرُ
فهذا نجاحٌ حاضِرٌ لمعيشتِي / وذاكَ نجاةٌ أرتجي يوم أُحْشَرُ
جَنابُ نظامِ المُلك بحرٌ وردتُهٌ
جَنابُ نظامِ المُلك بحرٌ وردتُهٌ / على ظَمأٍ منِّي وأنتَ له جسرُ
وأنت الذي أوردتَنِي بعد ما انطوى / على غُلَّةٍ صدري وطالَ بيَ العَسْرُ
وما يهتدِي صرفُ النوائبِ لامرئٍ / وأنت لهُ من دونِ ما نابَهُ سِتْرُ
سأصبرُ حتَّى تنجلي كلُّ غُمَّةٍ
سأصبرُ حتَّى تنجلي كلُّ غُمَّةٍ / وتأتي بما تهواهُ نفسي المقادرُ
وإِنّي لبئسَ العبدُ إِنْ كنتُ آيِسَاً / من اللّهِ أنْ دارتْ عليَّ الدوائِرُ
فلا أنا للنعماءِ تشملُ شاكِرٌ / ولا أنا للبأساءِ تنزِلُ صابرُ
كأن لم يكنْ بالمرء من قبلُ عَثْرةٌ / إِذا انتعشتْ تلك الجدودُ العواثرُ
وذي وَطنٍ بالغَوْرِ يصبُو إِلى الحِمَى
وذي وَطنٍ بالغَوْرِ يصبُو إِلى الحِمَى / قضَى وطَراً منه السُّرَى والمفاوِزُ
بهِ غُبَّرٌ من داءِ حُبٍّ مُمَاطلٍ / يجدِّدُهُ وَعْدٌ من البَيْنِ ناجِزُ
قسمتُ صفايَا الوَجْدِ بيني وبينَهُ / فلا أنا مشكورٌ ولا هو فائِزُ
وأروعُ قُرْحَانٌ من الحُبِّ أمرُهُ / عليَّ إِذا لم يُومِ بالصبرِ جائزُ
يقولُ ووجِدي عن ضميريَ طالعٌ / إِليهِ وسرِّي عن جُفونِيَ بارزُ
تَسلَّ فما الأهواءُ إِلّا لجاجةٌ / تمادتْ ولا السُّلوانُ إِلّا غرائزُ
ألم تَرَ أنَّ الحبَّ بيني وبينَهُ / من العقلِ نَاهٍ أو من الدينِ حاجزُ
فقلتُ له هذا الذي أنت قادِرٌ / على كلِّهِ عن بعضِه أنا عاجزُ
خليليَّ هل من مُسْعِدٍ أو معالِجٍ
خليليَّ هل من مُسْعِدٍ أو معالِجٍ / فؤاداً به داءٌ من الحُبِّ ناكسُ
وهل ترجُوانِ البُرْءَ مما يجنُّهُ / فإني وبيتِ اللّهِ منه لآيسُ
هوىً لا يُديلُ القربُ منه ولا النَّوى / ولا هوَ عن طولِ التقادُمِ دارسُ
سرى حيثُ لا يدري الضميرُ مكانَهُ / ولا تهتدي يوماً إليه الهواجسُ
إِذا قلتُ هذا حينَ أسلو تراجعتْ / عقابيلُ من أسقامهِ ورسائِسُ
فيا سَرحتَيْ وداي العقيقِ سقاكما / وإن لم تُظِلَّانِي الغَمامُ الرواجِسُ
وحانٍ على الشحناءِ عوجَ ضُلوعهِ
وحانٍ على الشحناءِ عوجَ ضُلوعهِ / يسدِّدُ نحوي صادراتِ المشاقصِ
يُكاثِرُ فضلي بالثراء نواقحاً / وفي المالِ للجُهَّالِ جبرُ النقائصِ
أقولُ له لما اشرأَبَّ لغايتي / ومدَّ إليها نظرةَ المتخاوصِ
وأيقظَ منِّي ساهراً غيرَ راقدٍ / وحرَّضَ منّي هاجماً غير حائصِ
لقد فاتَ قَرْنُ الشمسِ راحةَ لامسٍ / وأعيا مناطُ النَّسْرِ كفّةَ قانصِ
وإن حدثتكَ النفسُ أنّك مدركٌ / لشأوي فطالِبْهَا بمثلِ خصائصي
نزاهةَ نفسي طالباً وسماحتي / مُنِيلاً وصبري لاحتمال القوارصِ
وعلمي بما لم يَحْوِ خاطرُ عالمٍ / وغوصي على ما لم يَنَلْ فَهْمُ غائصِ
وتركيَ أخلاقَ اللِئامِ وغِشَّها / إِلى كل خُلْقٍ كالوذيلةِ خالصِ
فما عهدُ أحبابي على البُعْدِ ضائعٌ / لديَّ ولا ظِلُّ الوفاءِ بقالصِ
وما أنا عمَّا استودعوني بذاهلٍ / ولا أنا عمَّا كاتَموني بفاحصِ
وإن الأُلَى راموا اللِّحاقَ بغايتي / سَعَوا بينَ مبهورٍ حثيثٍ وشاخصِ
فلم يَكُ فيهمْ غيرُ وقفةِ ظالعٍ / ولم يُرَ منهم غيرُ أعقابِ ناكصِ
وراموا بأطرافِ الأنامل غايةً / وطِئتُ وقد أعيتهُمُ بالأخامصِ
إِذا حُمِدَتْ بين الأفاضلِ سيرتي / فأهوِنْ بنقصٍ جاءَ من عندِ ناقصِ
صحَا عن فؤادي ظِلُّ كُلِّ عَلاقَةٍ
صحَا عن فؤادي ظِلُّ كُلِّ عَلاقَةٍ / وظِلُّ الهَوى النجديِّ لا يتقلَّصُ
هوىً ليس يُسْلِي القربُ عنه ولا النَّوَى / ولا هو في الحالينِ يصفُو ويَخْلُصُ
ففي البعدِ قلبٌ بالفِراقِ مُعَذَّبٌ / وفي القُربِ عيشٌ بالوُشاةِ مُنَغّصُ
وإنَّ خَلاصاً كنت أرجوهُ بُرْهَةً / وكان يزيدُ الأمر فيه وينقُصُ
قطعتُ رجائِي عنه إذْ قال صاحبِي / رَمِيُّ العيونِ النُّجْلِ لا يتخلّصُ
وزائرةٍ وافتْ فأجللتُ خَّدها
وزائرةٍ وافتْ فأجللتُ خَّدها / وقبَّلتُ إِكراماً لموردِها الأرضَا
فيا زورةً جاءت على غير موعدٍ / فقرَّتْ عيونٌ واشتفتْ أنفسٌ مرضى
أتت وجنودُ الحُسْنِ دونَ لثامها / فنحَّتْهُ بالكفينِ تعرِضُهمْ عَرْضَا
فلم أرَ إِلّا ما ألَذُّ وأشتهِي / ولم يكُ إلا ما أوَدُّ وما أرضَى
على أنها ولَّتْ ولم أقضِ سُنَّةً / من الوطرِ الممطولِ نَفْلاً ولا فَرْضا
وما سوَّغَتْنَا ليلةَ الوَصْلِ قرضَها / إِلى أنْ بدَا الإِصباحُ يرتجِعُ القرضَا