القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ دَرّاج القَسْطَلّي الكل
المجموع : 47
ليَهْنِ لَكَ العيدُ الَّذِي بِكَ يَهْنِينا
ليَهْنِ لَكَ العيدُ الَّذِي بِكَ يَهْنِينا / سلاماً وإِسلاماً وأَمناً وتأْمِينا
ولا أُعْدِمَتْ أَسماؤُكُمُ وسماؤكُمْ / نجومَ السُّعودِ والطُّيُورَ الميامِينا
بِمَنْ يَمُنَتْ أَيامُنا وتلأْلأَتْ / بنُور المُنى والمكْرُمَاتِ ليالينا
دعانا وسقَّانا سِجالَ يمينِهِ / فسَقْياً لساقِينا ورعْياً لراعينا
ومُلْكاً وتمْلِيكاً وفَلْجاً وغبطَةً / وعزّاً وإِعزازاً ونصراً وتمكينا
دعاءٌ لمن عَزَّتْ بِهِ دعوةُ الهُدى / يقُولُ لَهُ الإِسلامُ آمِينَ آمينا
فتىً مَلَكَ الدنيا فَمَلَّكَنا بِهَا / وجاهدَ عنَّا ينصُرُ المُلْكَ والدينا
فقلَّدَ أَعناقَ الأُسودِ أَساوِداً / وحلَّى أَكُفَّ الدَّارِعينَ ثعابينا
وخلَّى القصورَ البيضَ والبِيضَ كالدُّمى / لِبِيضٍ يُكَشِّفْنَ العَمى ويُجَلِّينا
إِذَا مَا كساها من دماءِ عُدَاتِهِ / سَلَبْنَ هواهُ الغيدَ والخُرَّدَ العِينا
وعطَّلَ أَشجارَ البساتينِ واكْتفى / بمُشْتَجِرِ الأَرماحِ منها بساتينا
ليَسْتَفْتِحَ الوردَ الجنيَّ من الطُّلى / ويَشْتَمَّ أرواحَ العُداةِ رياحينا
ويَسْمَعَ من وَقْعِ القَنا فِي نحورِها / حمائِمَ فِي أَغْصانِها وشَفانِينا
يسيرٌ عَلَيْهِ أَنْ يَسيرَ إِذَا الدُّجى / كسا بالجِلالِ البيضِ أَفْراسَهُ الجُونا
سرى ليلَ كانونَينِ لَمْ يَدَّخِرْ لَهُ / سوى الجَوِّ كِنَّاً والنجومِ كوانينا
قريبٌ وَمَا أَدناهُ من صارِخِ الوغى / بعيدٌ وَمَا أَدْنى لَهُ صوتَ داعِينا
وإِن شئتَ لَمْ تعدمْكَ غُرَّةُ وجهِهِ / أَناسِيَّ من أَحداقِنا ومآقِينا
ومثواهُ فِي الأَرواحِ وسطَ صدورِنا / ومجراهُ فِي الأَنفاسِ بَيْنَ تراقِينا
ونعم كفيلُ الشَّمْسِ حاجِبُها الَّذِي / يشيِّعُنا فِيهَا ويَخْلُفُها فينا
يطالعنا فِي نورِها فيعُمُّنا / ويسمو لَنَا فِي شِبْهِهَا فَيُسَلِّيِنا
وصدَّقَ فينا ظَنَّها حينَ صدَّقَتْ / سحابُ نداهُ مَا النفوسُ تُمَنِّينا
وَقَدْ أَثمرَتْ فينا يداهُ بأَنْعُمٍ / تساقَطُ فِي أَفواهِنا قبلَ أَيدينا
وذكَّرَ منه الصومُ والفطرُ هَدْيَهُ / وجمعُ المصلَّى وابتهالُ المصلِّينا
ومقعدُهُ فِي تاجِهِ وسريرِهِ / ليومِ السَّلامِ وازدحامِ المُحَيِّينا
فَمُلِّيتُمُوها آلَ يَحْيى تَحِيَّةً / تُحَيَّوْنَ بالملكِ التَّليدِ وتُحيُونَا
وتُرْجَوْنَ للجُلَّى فنِعْمَ المُجَلُّونَا / وتُدْعَوْنَ للنُّعمى فنعمَ المُجِيبونا
تُشَرِّدُ آفاقُ البلادِ فتُؤْوونا / وتَجْرَحُ أَيدِي النائِباتِ فتَأْسُونا
تُدَاوونَ من ريبِ الزمانِ فتَشْفَوْنا / وتسقُونَ من كَأْسِ الحياةِ فتُرْوونا
حُفاةُ المحزِّ فِي عظامِ عُدَاتِكُمْ / ولكِنْ عَلَى الإِسلامِ هَيْنُونَ لَيْنُونا
فلَوْ لَمْ تَلُونا مالِكينَ لكنتُمُ / بأَخْلاقِكُم ساداتنا وموالينا
ولم لَمْ نكُنْ فِي حمدِكم كَيْفَ شئتُمُ / لكنتُمْ لَنَا فِي الصَّفْحِ عنَّا كَمَا شِينا
وحُبُّكُمُ فِي اللهِ أَزكى فعالنا / وطاعتكم فِي اللهِ أَعلى مساعينا
خَلا الدهرُ من خطبٍ يضيقُ لَهُ ذَرْعِي
خَلا الدهرُ من خطبٍ يضيقُ لَهُ ذَرْعِي / ومن طارقٍ للهمِّ يعيا بِهِ وُسْعِي
ومن مُؤْيِدٍ صَمَّاءَ تَقصُرُ من يدِي / ومعضلةٍ دهياءَ تكبُرُ عن دفعِي
ومن فزعٍ ينزُو لروعتِهِ دَمِي / ومن نَبْأَةٍ يستَكُّ من ذكرِها سمعِي
وكيف ودوني سيفُ يحيى بن منذِرٍ / بعيدُ المدى ماضِي الشَّبا ساطعُ اللَّمْعِ
إِذا انهلَّ فِي الإِسلامِ أَرْغَدَ بالحَيا / وإِن حَلَّ فِي الأَعداءِ أَرْعَدَ بالصَّقْعِ
سناً لَوْ عدانا منه أَن يَجْلُوَ العَمى / لأَشرقَ فِي النَّجْوى وأُبْصِرَ بالسَّمْعِ
تخَلَّلْتُهُ من ليلِ هَمٍّ كأنَّما / بِهِ تمَّ ليل التِّمِّ قِطْعاً إِلَى قِطعِ
وشِمْتُ وراءَ الموتِ بارقَةَ الحَيا / وآنستُ من نارِ الوغى يانِعَ النَّبْعِ
وَقَدْ نَفَقَتْ بي سُوقُ موتٍ يقودُها / سنا البارِقَاتِ الصُّمِّ والأَسَلِ الصُّمْعِ
أُغالي بأَثمانِ النَّوى بائعَ الرَّدى / وأُضْعِفُ صَرْفِي ناجِزَ الدَّمِ بالدَّمْعِ
لخطبٍ أَبوهُ البغيُ والحربُ أُمُّهُ / ودرَّتْ عَلَيْهِ فِتْنَةٌ حافِلُ الضَّرْعِ
فَوَشْكَانَ مَا شدَّدتُ حيزومَ حازِمٍ / عَلَى كِبدٍ للبينِ بائِنَةِ الصَّدْعِ
وقلتُ لمغنى الدَّارِ ربعَكِ والبِلى / وللمُورِ والإِعصارِ شَأْنَكِ بالرَّبْعِ
لعلكما أَن تخلُفا فِي معاهِدِي / زوافِرَ صدرِي والسَّواكِبَ من دَمْعِي
وأَنْ تؤنِسا مَا أَوْحَشَتْ مِنِّيَ النَّوى / وأَن ترفعا مَا مَزَّقَ الدهرُ من جَمْعِي
ولا زادَ من دارِ الغنى غَيْرُ حَسْرَةٍ / تَجَرُّعُها حسبي وكَظْمِي لَهَا شَرْعِي
بلاغاً لأَقصى مَا لعُمْرِي من مَدىً / ومَبْلَغُ أَنْأَى مَا عَلَى الأَرْضِ من صُقْعِ
طوارِقُ لَمْ أُغْمِضْ لَهُنَّ عَلَى القَذَى / جفوني وَلَمْ أَرْبَعْ لَهُنَّ عَلَى ضِلْعِ
مددْتُ بِهَا فِي البِيدِ ضَبْعَيْ شِمِلَّةٍ / تُبارِي زماناً لا أَمُدُّ بِهِ ضَبْعي
ولا مِثْلها فِي مثلِ هَمِّي رَكُوبَةٌ / رَدَعْتُ المنايا إِذ رَكِبْتُ بِهَا رَدْعِي
سَمامَةُ ليلٍ بات مُرْتَبِكَ الخُطى / ونكباءُ يومٍ ظلَّ منقَطِعَ الشِّسْعِ
ومُدْرَجَتي فِي طَيِّ كلِّ صحيفةٍ / من المُوثِقَاتِ الفَجْرَ فِي خاتمِ الطَّبْعِ
إِذَا العقربُ العوجاءُ أَمْسَتْ كأنما / أَثارَتْ عليها ثَأْرَ عادِيَةِ اللَّسْعِ
وراقَبَها نجمُ الثُّريَّا بِمَطْلَعٍ / كَمَا انْفَرَقَتْ فِي العِذْقِ ناجِمَةُ الطَّلْعِ
وأَبْرَزَتِ الجوزاءُ صدرَ زُمُرُّدٍ / مُحَلَّى بأَفذاذٍ من الدُّرِّ والوَدْعِ
يُشاكِهُ زَهْرَ الروضِ فِي ماتِعِ الضُّحى / عَلَى بَوْنِ مَا بَيْنَ التَّرَفُّعِ والوَضْعِ
سَرَيْتُ دُجى هذِي وجُبْتَ هجِيرَ ذَا / بأَغْوَلَ من غُولٍ وأَسْمَعَ من سِمْعِ
نجيبةُ هَوْلِ القَفْرِ فِي مُطبِقِ الدُّجى / وصَفْوَةُ لمعِ الآلِ فِي القُنَنِ الصُّلْعِ
فَلأْياً حططتُ الرَّحْلَ عن مثلِ جَفْنِهِ / وأَطلَقْتُ عَقْدَ النِّسْعِ عن شَبَهِ النِّسْعِ
فإِنْ تُؤْوِ منها يَا مُظَفَّرُ غربةً / فنازِحَةُ الأَوطانِ مُؤْيِسَةَ الرَّجْعِ
وإِن أَعلقَتْ فِي حبلِ مُلْكِكَ حَبْلَها / فحبلٌ من الأَحبابِ مُنْصَرِمُ القَطْعِ
وإِن أَخصَبَتْ فِي زَرْعِ نعماكَ رَعْيَها / فكَمْ قَدْ تخَطَّتْ وداِياً غَيْرَ ذي زَرْعِ
وإِن أرفَهَتْ فِي بحرِ جودِكَ شِرْبَها / فَمِنْ ظِمْءِ عَشْرٍ فِي الهجيرِ إِلَى تِسْعِ
وإِنْ تُحْيِ يَا يَحْيَى حُشاشَةَ نفسِها / فَنُغْبَةُ حَسْوِ الموتِ موشِكَةُ الجَزْعِ
أَيادي مليكٍ كلُّها بِكْرُ مَفْزَعِي / وَلَيْسَت بِبِكْرٍ فِي الأَنامِ ولا بِدْعِ
لفرعٍ سما ثُمَّ انثنى دانيَ الجَنى / لأَصلٍ زَكَا ثُمَّ اعتلى باسِقَ الفَرْعِ
فأَوْدَقَ بالحُسنى وأَغدقَ بالمُنى / وأَثمر بالنُّعمى وأجزلَ بالصُّنْعِ
وساقَ إِلَيْهِ الملكُ ميراثَ تُبَّعٍ / بما قادَ من جيشٍ وأتبَعَ من جَمْعِ
وتَوَّجَ من تاجٍ وأَلْبَسَ من حُلىً / وقَلَّدَ من سيفٍ ودَرَّعَ من دِرْعِ
وصفوةُ طيٍّ والسَّكونِ ومَذْحِجٍ / وكِندةَ والأَنصارِ والأَزْدِ والنَّخْعِ
ووَتْرُ مثاني المكرُماتِ وَمَا لَهُ / سوى سيفِهِ فِي مقدَمِ الرَّوْعِ من شَفْعِ
وذو قلمٍ يُنسِيكَ فِي صدرِ مُهْرَقٍ / صدورَ العذارَى فِي القلائِدِ والرَّدْعِ
وإِنْ لَقِيَ الأَقْران خَطَّ صدورَها / بأَقلامِ خَطِّيٍّ وأَتْرَبَ بالنَّقْعِ
وكم أَعْجَمَتْ بالخفْضِ فِي العُجْمِ أَوْجُهاً / وبالكَسْرِ والإِسلامَ بالفتحِ والرَّفْعِ
وكائِنْ لَهَا فِي كلِّ مُلكٍ من العدى / وإِنْ جَلَّ من فَتْقٍ يجلُّ عن الرَّقْعِ
ومن معقِلٍ أُشْرِعْنَ حولَيْهِ فاغتدى / أَذَلَّ لوطْءِ المُقْرَباتِ من الفَقْعِ
قرعتَ ذُرَاهُ يَا مُظَفَّرُ قرعةً / أَصمَّ صداها كلَّ مسترِقِ السَّمْعِ
وصبَّحْتَهُ أُسْداً عَلَى مَضْرَحِيَّةٍ / ترَكْنَ صفاةَ الشركِ صدعاً عَلَى صَدْعِ
وويلٌ لهم من وقعةٍ لَكَ خَيَّلَتْ / عَلَيْهِمْ سماءَ اللهِ دانيةَ الوَقْعِ
فمن عُقْرِ دارٍ غيرِ محميَّةِ الحِمى / ومَصْرَعِ قِرْنٍ غيرِ منتعِش الصَّرْعِ
وأَشلاءِ قفرٍ شاكَهَتْ فِيهِ مَا عَفَتْ / خيولُكَ من معنىً لَهُنَّ ومن رَبْعِ
بهامٍ إِلَى هامٍ كَأَنَّ جُثُومَها / بأَطلالِها مثوى أَثافِيِّها السُّفْعِ
فلا عدِمَ الإِسلامُ رعْيَكَ لا يَني / ولا أَمِنَ الإِشراكُ بأْسَكَ لا يُرْعِ
ولا زالَت الأَعيادُ عائِدَةً لَنَا / بمُلكِكَ مَا عادَ الحَمامُ إِلَى السَّجْعِ
ولا أُخلِيَتْ منكَ المُصَلَّى بمشهَدٍ / شهيدٍ عَلَى مَا أَتقنَ اللهُ من صُنْعِ
ولا أَوْحَشَتْ ذكراكَ أَعوادَ منبَرٍ / بداعٍ لَكَ الرحمنَ فِيهَا ومُسْتَدْعِ
ولا رَدَّ مَنْ أَعلاكَ لي فيكَ دعوةً / تجلَّى إِلَيْها من سَموَاتِهِ السَّبْعِ
بما رِشْتَ من سهمِي وأَيَّدْتَ من يدي / وجلَّيْتَ من ضَرِّي وأَدْنَيْتَ من نَفْعِي
فأًصبحَ حَمدِي فيكَ ملتحِمَ السَّدى / كَمَا راح شملي فيك ملتئِمَ الجَمْعِ
سلامٌ عَلَى الأَيَّامِ تسليمَ إِقْبالِ
سلامٌ عَلَى الأَيَّامِ تسليمَ إِقْبالِ / بآمالِ تحقيقٍ وتحقيقِ آمالِ
بمَقْدَمِ فتحٍ من مليكٍ مُظَفَّرٍ / وأَوْبَةِ نَصْرٍ فِي تباشِيرِ إِقْبالِ
وشاهدِ مُلْكٍ لاحَ فِي تاجِ مَفْرِقٍ / مُحَيَّاً بإِعظامٍ مُحَلَّىً بإِجلالِ
ذخيرةُ أَملاكٍ وعِلْقُ تَبابِعٍ / وصفوةُ أَذْواءٍ وميراثُ أَقْيالِ
فبُشْرَاكِ يَا دُنيا سَمِيُّ الَّذِي بِهِ / عَلا صوتُ جِبْرِيلٍ بَشيراً ومِيكالِ
وبشراكِ باستقبالِ أَرضٍ حَياتُها / بما فِي اسمِهِ من صادِقِ الظَّنِّ والفالِ
فَهَذِي رِياضُ الأَمنِ تُزْهِرُ بالمُنى / وهذِي سماءُ الفضلِ تَهْمِي بإِفْضالِ
وهذا سناءُ الفخرِ يُشْرِقُ بالسَّنا / وهذا جمالُ الدهرِ يُزْهى بإِجْمالِ
بِمَنْ كَشَفَ الخَطْبَ الَّذِي أَظْلَمَ الضُّحى / وأَلقى عَلَى الأَلبابِ حَيْرَةَ إِضْلالِ
ومن رَتَقَ الفتْقَ الَّذِي أَعْجَزَ الورى / وأعْدَمَ فِيهِ الدَّهْرُ حِيلَةَ مُحْتالِ
ومن رَدَّ فِي جسمِ المكارِمِ رُوحَهُ / فلا عُذْرَ للباكِي ولا ذَنْبَ للسَّالي
ومَنْ وَسِعَ الإسلامَ رَأْفَةَ مُنْعِمٍ / وهيَّأَ للإِشراكِ عَدْوَةَ رِئْبَالِ
ومن ركِبَ الفُلْكَ السَّوابِحَ فِي الوغَى / إِلَى كلِّ هَوْلٍ ينتحيهِ بأَهوالِ
ورفَّعَ أَعلاماً كَأَنَّ خفوقَها / عَلَى عَلَمِ الإِشراكِ إِرجافُ زِلْزَالِ
وسامَرَ بالشِّعْرى خيولاً كَأَنَّما / تَمَشَّى بِهِنَّ الأَرضُ مِشْيَةَ مُختالِ
سرى ليلَ كانُونَيْنِ والدَّجْنُ ذائِبٌ / عَلَيْهِ بحمدٍ فِي دُجى الليلِ مُنْهَالِ
وَلَيْسَ سِوى نارِ الطِّعانِ لَهُ صِلىً / ولا غَيْرُهُ فِي حَرِّ أَوَّلِها صالِ
بجمعٍ كَأَنَّ الجَوَّ مرآةُ عَيْنِهِ / إِذَا مَا سَرى أَوْ بالغُدُوِّ والآصالِ
فَتِمْثالُ أَطرافِ العوالي نُجُومُهُ / وشَمْسُ ضحاهُ منكَ أَبْيَنُ تِمْثَالِ
كَأَنَّكَ عَوَّضْتَ الأَباطِحَ والرُّبى / وشيجَ القنا من مَنْبِتِ السِّدْرِ والضَّالِ
كما عَمَّها جَدْوى يَدَيْكَ فوصَّلَتْ / مساءً بإِصباحٍ وسَهْلاً بأَجْبالِ
فكَمْ أَلبَسَتْ شُمَّ الرُّبى من عمائِمٍ / وجَرَّتْ عَلَى البيداءِ من فَضْلِ أَذْيالِ
حدائِقُ ماذِيٍّ يُضاحِكُ فِي الدُّجى / حبيكاً كَلَمْعِ الشمسِ فِي رَيِّق الآلِ
إِذَا هَبَّ ريحُ النصرِ فِيهَا تَفَتَّحَتْ / بأَبْيَضَ قَضَّابٍ وأَسْمَرَ عَسَّالِ
وطاقَةِ نَبعٍ في بنانِ مُوَتِّرٍ / وَزَهْرَةِ نَوْرٍ فِي كِنانَةِ نَبَّالِ
تجارَةُ غَزْوٍ نَقْدُها البِيضُ والقنا / قضاءَ حُقوقٍ واقتِضاءً لآجالِ
فلِلَّهِ كم أَغلَيْتَ من دَمِ مُسْلِمٍ / وأَرخَصْتَ فِي أَعدائِهِ من دَمٍ غالِ
وأَسلَمْتَ للإِسلامِ فِيهَا بضاعَةً / تعود بأَضعافٍ وتوفي بأَمثالِ
وحسبُكَ فِيهَا بِابْنِ شَنْجٍ وجُنْدِهِ / من السَّبْيِ أَبْدالاً وأَيَّةُ أَبدالِ
مليكاً وَمَا يحوي شَرَيْتَ بِبَعْضِهِ / وأَرْبِحْ بِقِنطارٍ يُباعُ بمثقالِ
فما حازَ غازٍ مثلَهُ فَيْءَ مَغْنَمٍ / ولا نالَ سابٍ مثلَها سَبْيَ أَنفالِ
وما بعتَ رِقَّ المُلكِ مِنْهُمْ نَسِيئَةً / ولا مُستجِيزَاً كالِئَ الدَّيْنِ بالكَالي
ولكنَّ نقداً ناجِزاً فِي رِقابِهِمْ / بإِذْعانِ تَمْلِيكٍ وإِذْعانِ إِذلالِ
وإِقرارِ من لا يبتغي عنكَ مَوْئِلاً / وَلَيْسَ لَهُ من دونِ سيفِكَ مِنْ والِ
فَعُدْ بمفاتِيحِ الفتوحِ الَّتِي شَفَتْ / عَلَى غَلَقٍ من غَدْرَةٍ تحتَ أَقفالِ
بمَنْ لَمْ يُسِغْهُ كَرُّهُ بَعْدَ فَرِّهِ / ولا رَدَّ من عَيْنَيْهِ نَظْرَةَ إِجفالِ
غداةَ تقاضى منه أَكفالَ خيلِهِ / بأَجيادِ خيلٍ لا تَقَرُّ بأَكفالِ
وأُلقِحَ منهُ بَطْنُ أُمٍّ طَوَتْ بِهِ / مَشِيمَةُ شُومٍ جَالَ فِي سُخْدِ أَوْجالِ
إِذَا أَسْقَطَتْهُ رَوْعَةٌ منكَ راعَهُ / هشيمُ رياضٍ فِي دوارِسِ أَطلالِ
شَفا جَنَّةٍ لَمْ تُجْنَ حَتَّى جَنى لَهَا / حروباً جَناها من جحيمٍ وأَنْكالِ
يقلِّبُ كفَّيْهِ بحَسْرَةِ حاسِرٍ / عَلَيْها وعيْنَيْهِ بعبرةِ إِعْوالِ
مصانِعُ رَوْضاتٍ رَعى البَغْيُ نَبْتَها / فعَوَّضَهُ منها شواهِقَ أَوْعالِ
فأَيَّةُ أَسوارٍ ونُصْحُكَ سِرُّها / إِلَى أَن طوى غِلّاً فأَيَّةُ أَغلالِ
وأَيَّةُ أَشجارٍ وسَلْمُكَ سَقْيُها / إِلَى أَنْ بَغى فِيهَا فأَيَّةُ أَجْذالِ
حَماها فأَعْلاها بِناءً وَمَا رأى / مكانَكَ يَعْلُو كُلَّ ذي شَرَفٍ عالِ
وشيَّدَها عُجْباً ويا رُبَّ مِثْلِهِ / عَلَى مِثلِها أَبكيْتَ من طلَلٍ بالِ
وعَطَّلَها من حَلْيِ نُصْحِكَ باغِياً / فيا عَجَبَ الأَيامِ للعاطِلِ الحالي
يُتَوِّجُها بالنَّقْعِ نَظْمُكَ حولَها / مجالَ عُقُودٍ من خيولٍ وأَبطالِ
فيُمْسي لَهَا منهُ لِحافٌ ومِلْحَفٌ / وتُصْبِحُ منه بَيْنَ دِرْعٍ وسِرْبالِ
كما وَصَفَ الكِنْدِيُّ بَعْلَ فَتاتِهِ / عَلَيْهِ القَتامُ سَيِّءَ الظَّنِّ والبالِ
فأَبْقِ لَهَا بأْسَ ابْنِ باقٍ ونُصْحَهُ / فما لَمَسَ الجَرْباءَ مِثْلُ يَدِ الطَّالِي
ولا أَحْصَنَ الحربَ العوانَ كَبَعْلِها / ولا راعَ آساداً كغاصِبٍ أَشْبَالِ
ولاسِيَّما حُرٌّ جَلا لَكَ غَيْمُهُ / نصيحةَ لا وانٍ وإِشفاقَ لا آلِ
وشِيعِيَّةٌ لا مُقْصِراً عن غُلُوِّها / ولا مُشْكِلاً بَيْنَ المقصِّرِ والغالي
وطائرُ يُمْنٍ لا تَزَالُ تَرِيشُهُ / قوادِمَ إِقدامٍ ونَهْضَةَ إِعجالِ
بِهَا رَدَّ خيلَ البغيِ تَدْمى كُلُومُها / وَقَدْ يَئِسَتْ من نُصْرَةِ العَمِّ والخالِ
وأَمَّنَ من عُدوانِها كُلَّ خائِفٍ / وأَثكلَها مُسْتَوْدَعَ الأَهلِ والمالِ
وإِنَّ هلالاً لاح من حَدِّ سيفِهِ / لمضمونُ إِتمامٍ عَلَيْهِ وإِكمالِ
فهاكَ نجومَ السَّعْدِ من كُلِّ مطلعٍ / تُوالي بتكبيرٍ إِلَيْكَ وإِهلالِ
فلا عَرِيَتْ منكَ الجيادُ إِلَى الوغى / ولا العيسُ من حِلٍّ إِلَيْكَ وتَرْحالِ
دوالَيْكَ من دهرٍ يواليكَ بالنُّجْحِ
دوالَيْكَ من دهرٍ يواليكَ بالنُّجْحِ / ففتحٌ إِلَى عيدٍ وعيدٌ إِلَى فتحِ
كما بَشَّرَتْ بالغيثِ بارِقَةُ الحَيا / ووأَسفر عن شمسِ الضحى فَلَقُ الصُّبْحِ
وريحٌ من الإِقبالِ تعصِفُ بالعِدى / وتنشأُ للإِسلامِ بالوابِلِ السَّحِّ
حياً منكَ يَا يحيى عَلَى الدينِ والهدى / بوارِقُهُ فِي الكفرِ خاطفَةُ اللَّمْحِ
جديرُ الندى أن تُتْبِعَ المَنَّ بالمُنى / وسُمُّ العِدى أَن تنكأَ القرحَ بالقرحِ
فَوُفِّيتَ من سعْيِ الجهادِ تجارةً / مضاعَفَةَ الأَضعافِ نامِيَةَ الرِّبْحِ
كما بشّرت بالغيثِ بارقة الحيا / ووأَسفرَ عن شمس الضحى فلقُ الصبحِ
رفعتَ لَهَا أَعلامَ نَصرٍ كَأَنَّما / كستها طيورُ اليُمْنِ أَجنِحَةَ النُّجْحِ
تمورُ بِهَا فِي كُلِّ بحرٍ من الوغى / سوابِحُ محمودٌ لَهَا شِيَمُ السَّبْحِ
إِذِ الحربُ بالأَبطالِ فِي لُجَّةِ الرَّدى / تُذَكِّرُهُمْ بَلْقيسَ فِي لُجَّةِ الصَّرْحِ
وسيفُكَ فِي الأعناقِ والسُّوقِ مُقْتَدٍ / بسيفِ سليمانَ المُوَكَّلِ بالمَسْحِ
لَمَعْتَ بِهِ فِي جوِّ ناجِرَ لمعةً / ثَنَتْ كَبِدَ الشيطانِ دامِيَةَ الجُرْحِ
وصبَّحْتَها فِي جنح ليلٍ من القَنا / أَحَلَّ بِهَا ليلَ الأَسى مُطْبِقَ الجُنْحِ
فأَيَّةُ أُمٍّ للضلالِ قَهَرْتَها / بَنِيها بضربٍ فِي الطُّلى فائِزِ القِدْحِ
وبيضةِ كفرٍ كم وكم لكَ أَسْمَحَتْ / ببيضةِ خِدْرٍ لا تُواتي يَدَ السَّمحِ
جَلَلْنَ عن الأَكفاءِ قدراً وأَوجُها / فأُصْمِمْنَ عن خِطْبٍ وأُخْرِسْنَ عن نِكْحِ
فسرعانَ مَا أَبرزْتَ منهنَّ للفلا / غدائِرَ تُمْسِي فِي سنا أَوْجُهٍ تُضْحِي
مُظَلَّلَةً بالخافِقاتِ كَأَنَّها / ظِباءٌ تَهادى فِي ذرَا الأَيْكِ والطَّلْحِ
كواعِبُ إِلّا أَنَّهُنَّ كواكِبٌ / جَلَوْتَ سناها من سَنا السيفِ والرُّمْحِ
تردُّ إِلينا عن سهامِكَ فِيهِمُ / سهامَ عيونٍ حربُها موشِكُ الصُّلحِ
وتُسْفِرُ عن أَشباهِ مَا نَضَحَتْ بِهِ / سيوفٌ سَبَتْهَا من دَمٍ شَرِقِ النّضْحِ
فهاتيكَ أُمُّ الكفرِ ناجِرُ بَعْدَها / ظلاماً بلا نجمٍ وليلاً بلا صُبحِ
لبستَ بِهَا ثوبَ الفخارِ مُجَدَّداً / وغادَرْتَها تلتفُّ فِي خَلَقِ المِسْحِ
تُباكِي صَدى الهامِ الَّتِي تَرَكَتْ بِهَا / سيوفُكَ عن ذاتِ المحاسِنِ والمِلْحِ
وعَبْرَةِ ثكلى مَا تقلِّبُ ناظِراً / إِلَى أُفُقٍ إِلّا يقولُ لَهَا سُحِّي
وينعى إِليها كلَّ بيضَةِ فِتْنَةٍ / ستترُكُها قَيْضاً هشِيماً بلا مُحِّ
بما قَدْ رأَى فِي كلِّ ماءٍ أَمَمْتَهُ / لتشْفِيَ منها غُلَّة الظَّمَأِ البَرْحِ
وإِن أُشْرِعَتْ من دونِ مشربِهِ القنا / وكاشَرَ عَنهُ الأسدُ دامِيَةَ الأَلْحِي
فأَيُّ دلاءِ فِيهِ أَدلَيْتَ ماتِحاً / وأَيَّةَ أَشْطَانٍ مَدَدْتَ إِلَى المَتْحِ
هوائِمُ بِيضٌ لا يُصَدُّ بِهَا الرِّوى / وسُمْرٌ ظِماءٌ لا يُعَلَّلْنَ بالنَّشْحِ
سَماءُ العُلا منكُمْ وأنتَ لَهَا بَدْرُ
سَماءُ العُلا منكُمْ وأنتَ لَهَا بَدْرُ / وأَخلاقُكَ الحسنى كواكِبُها الزُّهْرُ
وَقَدْ تَمَّ فِي هَذَا الورى بكَ أَنْعُمٌ / يُقَصِّرُ عن أَدنى عوارِفِها الشُّكْرُ
فَمِنْها النُّهى والحِلْمُ والدينُ والتقى / وبذلُ اللُّهى والجودُ والبأْسُ والبِرُّ
وَزَحْفٌ إِلَى الأَعداءِ أَغراضُهُ العِدى / وسيفٌ عن الإِسلامِ إِقدامُهُ النَّصْرُ
وبذلُكَ دونَ الثغرِ نفساً عزيزةً / حَمَتْ عنه حَتَّى عادَ وَهْيَ لَهُ ثغرُ
وفِي سِرِّ علمِ اللهِ لِي فيكَ أَنَّني / ودادُكَ لي سِرٌّ وحمدُكَ لي جَهْرُ
وذِكْرُكَ لي عزٌّ وعزُّكَ لي غنىً / وبِرُّكَ لي عَهدٌ وعهدُكَ لي ذُخْرُ
وإِنَّكَ أَقصى مَا بَلَغْتُ من المنى / وإِنَّكَ أَسنى مَا أَفادَنِيَ الدهرُ
وإِنِّي وإِنْ قصَّرْتُ فيكَ مدائِحِي / فلا قِصَرٌ بالسلكِ إِن عَظُمَ الدُّرُّ
وما قصَّرَتْ بي هِمَّةٌ عنكَ حُرَّةٌ / ولا أَمَلٌ حُرٌّ ولا منطِقٌ حُرُّ
فإِنْ تقبلِ العذرَ المُقَصِّرَ طولَها / فشُغلي بشكرِ اللهِ فِيكَ هو العذرُ
فلا قَصَّرَ الرحمنُ عنكَ سيادَةً / تَمَلّأَها عُمْراً يُمَدُّ بِهِ عُمْرُ
دَعِي عَزَماتِ المستضامِ تسيرُ
دَعِي عَزَماتِ المستضامِ تسيرُ / فَتُنْجِدُ فِي عُرْضِ الفَلا وتَغُورُ
لعلَّ بما أَشجاكِ من لوعةِ النَّوى / يُعَزُّ ذليلٌ أَوْ يُفَكُّ أَسيرُ
أَلَمْ تعلَمِي أَن الثَّواءَ هو التَّوى / وأَنَّ بيوتَ العاجِزينَ قُبورُ
ولم تزجُرِي طَيْرَ السُّرى بِحروفِها / فَتُنْبِئْكِ إِنْ يَمَّنَّ فَهْيَ سُرورُ
تُخَوِّفُنِي طولَ السِّفارِ وإِنَّهُ / لتقبيلِ كفِّ العامِريّ سَفِيرُ
دَعِيني أَرِدْ ماءَ المفاوِزِ آجِناً / إِلَى حَيْثُ ماءُ المكرُمَاتِ نميرُ
وأَخْتَلِسِ الأَيَّامَ خُلْسَةَ فاتِكٍ / إِلَى حَيْثُ لي مِنْ غَدْرِهِنَّ خَفِيرُ
فإِنَّ خطيراتِ المهالِكِ ضُمَّنٌ / لراكِبِها أَنَّ الجزاءَ خطيرُ
ولَمَّا تدانَتْ للوداعِ وَقَدْ هَفا / بصَبْرِيَ منها أَنَّةٌ وزَفيرُ
تناشِدُني عَهْدَ المَوَدَّةِ والهَوى / وَفِي المَهْدِ مبغومُ النِّداءِ صَغيرُ
عِيِيٌّ بمرجوعِ الخطابِ ولَفْظُهُ / بمَوْقِعِ أَهواءِ النفوسِ خَبيرُ
تبوَّأَ ممنوعَ القلوبِ ومُهِّدَتْ / لَهُ أَذرُعٌ محفوفَةٌ ونُحُورُ
فكلُّ مُفَدَّاةِ الترائِبِ مُرْضِعٌ / وكلُّ مُحَيَّاةِ المحاسِنِ ظِيرُ
عَصَيْتُ شفيعَ النفس فِيهِ وقادَنِي / رَوَاحٌ لِتَدْآبَ السُّرى وبُكُورُ
وطارَ جَناحُ الشَّوْقِ بِي وَهَفَتْ بِهَا / جوانِحُ من ذُعْرِ الفِراقِ تطيرُ
لئِنْ وَدَّعَتْ مني غَيوراً فإِنَّنِي / عَلَى عَزْمَتِي من شَجْوِها لَغَيُورُ
ولو شاهَدَتْنِي والصَّواخِدُ تَلْتَظِي / عَلَيَّ ورقراقُ السراب يَمُورُ
أُسَلِّطُ حَرَّ الهاجِراتِ إذَا سَطَا / عَلَى حُرِّ وَجْهِي والأَصيلُ هَجِيرُ
وأَسْتَنْشِقُ النَّكْباءَ وَهْيَ بَوارِحٌ / وأَسْتَوْطِئُ الرَّمْضاءَ وَهْيَ تَفُورُ
ولِلْمَوْتِ فِي عيشِ الجبانِ تلوُّنٌ / وللذُّعْرِ فِي سَمْعِ الجريءِ صَفيرُ
لَبانَ لَهَا أَنِّي مِنَ الضَّيْمِ جازِعٌ / وأَنِّي عَلَى مَضِّ الخُطُوبِ صَبُورُ
أَمِيرٌ عَلَى غَوْلِ التَّنائِفِ مَا لَهُ / إذَا رِيعَ إلّا المَشْرِفيَّ وَزِيرُ
ولو بَصُرَتْ بِي والسُّرى جُلُّ عَزْمَتي / وجَرْسِي لِجِنَّانِ الفَلاةِ سَمِيرُ
وأَعْتَسِفُ المَوْمَاةَ فِي غَسْقِ الدُّجى / وللأُسْدِ فِي غِيلِ الغِياضِ زَئِيرُ
وَقَدْ حَوَّمَتْ زُهْرُ النُّجومِ كَأَنَّها / كواعِبُ فِي خُضْرِ الحَدائِقِ حُورُ
ودارَتْ نجومُ القُطْبِ حَتَّى كَأَنَّها / كُؤوسُ مَهاً والى بِهِنَّ مُدِيرُ
وَقَدْ خَيَّلَتْ طُرْقُ المَجَرَّةِ أَنَّها / عَلَى مَفْرِقِ الليلِ البهيمِ قَتِيرُ
وثاقِبَ عَزْمِي والظَّلامُ مُرَوِّعٌ / وَقَدْ غَضَّ أَجفانَ النجومِ فُتُورُ
لَقَدْ أَيْقَنَتْ أَنَّ المنى طَوْعُ هِمَّتِي / وأَنِّي بعطفِ العامِريِّ جديرُ
وأَنِّي بذكراهُ لِهَمِّيَ زاجِرٌ / وأَنِّيَ منهُ للخطوبِ نذِيرُ
وأَيُّ فتىً للدينِ والملكِ والنَّدى / وتَصْدِيقُ ظَنِّ الراغِبِينَ نَزُورُ
مُجِيرُ الهُدى والدينِ من كُلِّ مُلْحِدٍ / وَلَيْسَ عَلَيْهِ لِلضَّلالِ مُجِيرُ
تلاقَتْ عَلَيْهِ من تَميمٍ ويَعْرُبٍ / شُموسٌ تَلالا فِي العُلا وبُدُورُ
منَ الحِمْيَرَيِّينَ الَّذِينَ أَكُفُّهُمْ / سحائِبُ تَهْمِي بالنَّدى وبُحُورُ
ذَوُو دُوَلِ المُلْكِ الَّذِي سَلَفَتْ بِهَا / لَهُمْ أَعصُرٌ مَوْصُولَةٌ ودُهُورُ
لَهُمْ بَذَلَ الدهرُ الأَبيُّ قِيادَهُ / وهُمْ سَكَّنُوا الأَيَّامَ وَهْيَ نَفُورُ
وهُمْ ضَرَبُوا الآفاقَ شرقاً ومغرِباً / بِجَمْعٍ يَسيرُ النَّصْرُ حَيْثُ يَسيرُ
وهُمْ يَستَقِلُّونَ الحياةَ لِرَاغِبٍ / ويَسْتَصْغِرُونَ الخطْبَ وَهْوَ كبيرُ
وهُمْ نَصَرُوا حِزْبَ النُّبُوَّةِ والهُدى / وَلَيْسَ لَهَا فِي العالَمِينَ نَصِيرُ
وهُمْ صَدَّقُوا بالوَحْيِ لَمّا أَتاهُمُ / وَمَا النَّاسُ إِلّا عائِدٌ وكَفُورُ
مناقِبُ يَعْيا الوَصْفُ عَنْ كُنْهِ قَدْرِها / ويَرْجِعُ عَنْها الوَهْمُ وَهْوَ حَسِيرُ
ألا كُلُّ مَدْحٍ عَنْ مَدَاكَ مُقَصِّرٌ / وكلُّ رجاءٍ فِي سِواكَ غُرُورُ
تَمَلَّيْتَ هَذَا العيدَ عِدَّةَ أَعْصُرٍ / تُوَالِيكَ منها أَنعُمٌ وحُبُورُ
ولا فَقَدَتْ أَيَّامَكَ الغُرَّ أَنفُسٌ / حياتُكَ أَعيادٌ لهم وسُرورُ
ولما تَوافَوْا للسَّلامِ ورُفِّعَتْ / عن الشمسِ فِي أُفْقِ الشُّروقِ سُتورُ
وَقَدْ قامَ من زُرقِ الأَسِنَّةِ دُونَها / صفوفٌ ومن بِيضِ السُّيوفِ سُطُورُ
رأَوْا طاعَةَ الرَّحمنِ كَيْفَ اعتِزازُها / وآياتِ صُنْعِ اللهِ كَيْفَ تُنيرُ
وكَيْفَ اسْتَوى بالبَحْرِ والبَدْرِ مَجْلِسٌ / وقامَ بِعِبْءِ الرَّاسِياتِ سَريرُ
فَسارُوا عِجالاً والقُلوبُ خَوَافِقٌ / وأُدْنُوا بِطاءً والنَّوَاظِرُ صُورُ
يَقُولونَ والإِجلالُ يُخْرِسُ أَلسُناً / وحازَتْ عُيُونٌ مِلأَها وصُدُورُ
لقَدْ حاطَ أَعلامَ الهُدى بِكَ حائِطٌ / وقَدَّرَ فيكَ المَكْرماتِ قَدِيرُ
مُقِيمٌ عَلَى بَذْلِ الرَّغائِبِ واللُّهى / وفِكْرُكَ فِي أَقْصى البِلادِ يَسيرُ
وأَيْنَ انْتَوى فَلُّ الضَّلالَةِ فَانْتَهى / وأَيْنَ جُيُوشُ المسلِمينَ تُغِيرُ
وحَسْبُكَ من خَفْضِ النَّعِيمِ مُعَيِّداً / جِهازٌ إِلَى أَرضِ العِدى ونَفِيرُ
فَقُدْها إِلَى الأَعداءِ شُعْثاً كَأَنَّها / أَرَاقِمُ فِي شُمِّ الرُّبى وصُقُورُ
فَعَزْمُكَ بالنَّصْرِ العَزِيزِ مُخَبِّرٌ / وسَعْدُكَ بالفَتْحِ المُبِينِ بَشِيرُ
ونادَاكَ يَا ابْنَ المُنْعِمِينَ ابْنُ عَشرَةٍ / وعَبدٌ لِنُعْماكَ الجِسامِ شَكُورُ
غَنِيٌّ بِجَدْوى واحَتَيْكَ وإِنَّهُ / إِلَى سَبَبٍ يُدْني رِضاكَ فَقِيرُ
ومِنْ دُونِ سِتْرَيْ عِفَّتِي وتَجَمُّلِي / لَرَيْبٌ وصَرْفٌ للزَّمانِ يَجُورُ
وضاءَلَ قَدْرِي فِي ذَرَاكَ عوائِقٌ / جَرَتْ ليَ بَرْحاً والقضاءُ عَسِيرُ
وَمَا شَكَرَ النَّخْعِيُّ شُكْرِي ولا وَفى / وفائيَ إِذْ عَزَّ الوَفاءُ قَصِيرُ
فَقُدْنِي لِكَشْفِ الخَطْبِ والخَطْبُ مُعضِلٌ / وكِلْنِي لِلَيْثِ الغابِ وَهْوَ هَصُورُ
فَقَدْ تَخْفِضُ الأَسماءُ وَهْيَ سَوَاكِنٌ / ويَعْمَلُ فِي الفِعْلِ الصَّحيحِ ضَمِيرُ
وتَنْبُو الرُّدَيْنيَّاتُ والطُّولُ وافِرٌ / ويَنْفُذُ وَقْعُ السَّهْمِ وَهْوَ قَصِيرُ
حنانَيْكَ فِي غُفْرانِ زَلَّةِ تائِبٍ / وإِنَّ الَّذِي يَجْزِي بِهِ لغَفورُ
سلامٌ عَلَى مُسْتَوْدَع الرُّوحِ والنَّفْسِ
سلامٌ عَلَى مُسْتَوْدَع الرُّوحِ والنَّفْسِ / وذُخْرِ غَدي مِمَّا انْتَحَبْتُ لَهُ أَمْسِ
بِحَيْثُ تَخَطَّيْتُ المنايا إِلَى المُنى / وآنَسَ وَحْشِي بالفَلا كَرَمُ الأُنْسِ
وحيثُ اعْتَلى بِالمُعْتَلِي صَوْتُ رائِدِي / مُهِلّاً إِلَى خِمْسِي بأَنْمُلِهِ الخَمْسِ
وحَيْثُ سَقى يَحْيى حياتي فأَيْنَعَتْ / لَهُ من ثَنائِي زَهْرَةُ الجِنِّ والإِنْسِ
فمِنْ يَدِ أَنفاسِي إِلَى مُنْتَهى الدُّنا / ومن خَطِّ أقلامي إِلَى مَطْلَعِ الشَّمْسِ
شوارِدُ لَوْلا حِلْمُ يَحْيى دَنا بِهَا / لَجَلَّتْ أَدَانِيها عَنِ الشَّمِّ واللَّمْسِ
فكَيْفَ بأَنْ أُزرِي بِهَا فأَبِيعَها / كَمَا زَعَمَ الواشُونَ بالثَّمَنِ البَخْسِ
وكَمْ فَتَّقَتْ فِي الأَرضِ من وَقْرِ مَسْمَعٍ / وكم أَنْطَقَتْ بِالحَمْدِ من أَلْسُنِ خُرْسِ
ثناءٌ عَلَى مَنْ رَدَّ رُوحي رَوْحُهُ / وَقَرَّبَ أَنفاسَ الحياةِ من النَّفْسِ
فهلْ أنا مُسدٍ لُبْسَ هَجْوِي لِمُنْعِمٍ / كساني فَسَدّى من هِجاءِ اسْمِهِ لِبْسِي
فأَصبحتُ مِنْهُ فِي حُلىً لَوْ أَفَكْتُها / لَطُفْتُ بِهَا فِي الأَرْضِ تَنْضَحُ بِالرِّجْسِ
وهل أَنا عَنِّي خالِعٌ تاجَ عُرْفِهِ / فأَهْوِي بِهِ فِي هُوَّةِ الخَسفِ والنَّكْسِ
كَأَنِّيَ قَدْ أنهَجْتُ لبسِي من الهُدى / وأَصْبَحْتُ من مِنْهاجِ جَدِّكَ فِي لَبْسِ
وأَنْكَرْتُ حَقَّ اللهِ فيكُمْ مَوَدَّةً / عَلَى كلِّ مَنْ أَمْسى عَلَى الأَرْضِ أَوْ يُمْسِي
وحَطِّيَ رَحْلِي مِنْكَ بَيْنَ مَكارِمٍ / يُمَزِّقْنَ عَنِّي راكِدَ الظُّلَمِ الطُّمْسِ
وبحْرُكَ لي يختالُ بالخَيْلِ والمَها / وبَرُّكَ لي ينهلُّ بالبِرِّ والأُنْسِ
فَمنْ ذا الَّذِي مِنْ بُعْدِ أَرْضِي ومَشْهَدِي / تَخَبَّطَهُ شيطانُ ضِغْني من المَسِّ
فدبَّ بما لَوْ سامَني الخوفُ ذِكْرَهُ / لَما جالَ فِي وَهْمِي ولا دَبَّ من حِسِّي
ولو رُدَّ فِيَّ الرُّوحُ من قَتْلِ قاتِلٍ / لما باتَ من ذمِّي وعَتْبي عَلَى وَجْسِ
وكيفَ بكُفْرِي من هَدى وابْنُ مَنْ هَدى / أَبُوكَ ويُمْناكَ الَّتِي أَثمَرَتْ غَرْسِي
وهَبْني ذَمَمْتُ العالَمِينَ فكيفَ لي / بذَمِّيَ من أَوْدَعْتُ راحَتَهُ نَفْسِي
وإِنَّ اختِلاقَ الغدرِ عَنِّي لِحَاسِدٍ / لأَدْنَى لَهُ أَن يَصْبِغَ الشمسَ بالنِّقْسِ
وإِنَّ أخا غَسّانَ عِندي لَذو يَدٍ / بِكَ ابْتاعَ مِنِّي شُكْرَها غَيْرَ ذِي وَكْسِ
غداةَ تَجَلَّى لي بذكرِكَ فاجْتلى / عَرُوسَ ثنائي فيكَ مشهودَةَ العُرْسِ
فلم يُلْفِ صدرِي خامداً نارُ شَوْقِهِ / إِلَيْكَ ولكِنْ ضَمَّ قَبْساً إِلَى قَبْسِ
ولا زادَني فِي حفظِ عهدِكَ بَسْطَةً / سِوى أَنَّ حفظَ العِلْمِ أَثْبَتُ بالدَّرْسِ
وطِيبُ حديثي عنكَ صادَفَ مُصْغِياً / لأَفْصَحِ مُقتصٍّ وأَرْبَحِ مُقْتَسِّ
فراسلَ نَشْري عنك شدواً بشَدْوِهِ / ونادَمَ حَمْدِي فيكَ كأْساً إِلَى كَأْسِ
أَياديكَ فِي أُولى الزَّمانِ وإِنَّها / لأَدْنى إِلَى ذكرِي ونشريَ من أَمْسِي
لَياليَ فِي مأْواكَ أَمْني منَ الرَّدى / وَفِي ظِلِّكَ الممدودِ نشْرِي من الرَّمْسِ
ومَضْجَعُ طِيبِ النَّومِ فِي أَمَدِ السُّرى / ومشرَبُ عَذْبِ الماءِ فِي مُنْتهى الخِمْسِ
فلا زالَ دينُ اللهِ منكَ بِمَعْقِلٍ / منيعٍ وسَمْكُ الحقِّ منكَ عَلَى أُسِّ
ولا رَمَتِ الأَقدارُ عنكَ مُعَانِداً / بأَفْوَقَ مفلُولِ الغِرارِ ولا نِكْسِ
ولا ماتَ من والاكَ من غُرْبَة النَّوى / ولا عاشَ من عاداكَ من عَثْرَةِ التَّعْسِ
سأَمْنَعُ قَلبِي أن يَحِنَّ إِلَيْكِ
سأَمْنَعُ قَلبِي أن يَحِنَّ إِلَيْكِ / وأنْهى دموعِي أَن تَفيضَ عَلَيْكِ
أَغَدْراً وَلَمْ أَغدِرْ وخَوْناً وَلَمْ أَخُنْ / لقد ضاعَ لي صدْقُ الوفاءِ لَدَيْكِ
بِفِعْلِكِ عِيبَ الحَسنُ عندِي وإِنْ غَدَتْ / مهاةُ النَّقا والشَّمْسُ مُشْتَبِهَيْكِ
أَصُدُّ بوجهي عن سَنا الشَّمْسِ طالِعاً / لأَنْ صار مَنْسُوبَ الصِّفَاتِ إِلَيْكِ
وأَستَفْظِعُ الشَّهْدَ اللذِيذَ مَذَاقُهُ / لِمَطْعَمِهِ الموجودِ فِي شَفَتَيْكِ
وأَصرِفُ عن ذِكْرَاكِ سمعي ومَنْطِقِي / ولو نازَعَتْنِيها حَمامةُ أَيْكِ
ولو عَنَّ لي ظَبْيُ الفَلا لاجْتَنَبْتُهُ / لِتِمْثالِ عَيْنَيْكِ وسالِفَتَيْكِ
غرامٌ ولا شكْوى وعَتْبٌ ولا عُتْبى
غرامٌ ولا شكْوى وعَتْبٌ ولا عُتْبى / وشوقٌ ولا لُقْيا وصبرٌ ولا عُقْبى
وكم حَنَّ معشوقٌ وأَعْتَبَ عاشِقٌ / وقلبُكَ مَا أَقْسى وقَلْبِيَ مَا أَصْبى
سأَصْدَعُ أَحناءَ الضُّلوعِ بِزَفْرَةٍ / تُطيرُ إِلَيْكِ القلبَ لَوْ أَنَّ لي قَلْبا
وأُسْبِلُ آماقَ الجفونِ بِعَبْرَةٍ / وإِنْ حُرِمَتْ منكِ المودَّةَ فِي القُرْبى
بِنِسْبَتِنا فِي رِقِّ مولىً أَضافَنا / فَبَوَّأَنا الإِكرامَ والمنزِلَ الرَّحْبا
وحسبُكِ و المَنْصُورُ جامِعُ شَمْلِنا / وكُنْتِ لَهُ شَرْقاً وكُنتُ لَهُ غَرْبا
فَجَهَّزَ فِيَّ العلمَ والحلمَ والنُّهى / وجَهَّزَ فيكِ الخيلَ والطعنَ والحربا
فَلَبَّيْتِهِ سَيْباً ولَبَّيْتُهُ مُنىً / ودِنْتُ لَهُ سلْماً ودِنْتِ لَهُ حَرْبا
فلا عَدِمَ الإِسلامُ من عَزَمَاتِهِ / سيوفاً بِهَا نَسْبِي وُجُوهاً بِهَا نُسْبى
هُوَ النَّصْرُ والتَّمْكِينُ أَدْرَكَ طالِبُهُ
هُوَ النَّصْرُ والتَّمْكِينُ أَدْرَكَ طالِبُهُ / ولاحَتْ وَشيكاً بالسُّعودِ كواكِبُهْ
وبَشَّرَ بالفتحِ المُبينِ افْتِتاحُهُ / وأَحْرَزَتِ الصُّنعَ الجليلَ عواقِبُهْ
وسلطانُ عِزٍّ فِي أَرُومَةِ مَفْخَرٍ / تعالَتْ عَلَى زُهْرِ النجومِ مَرَاقِبُهْ
وجُودٌ تناهى فِي الخلائِقِ وانْتَهَتْ / إِلَى حاتِمٍ فِي الأَكْرَميْنَ مَناسِبُهْ
تَقَضَّتْ رَجاءَ الراغِبينَ سِجَالُهُ / وعَمَّتْ كما عَمَّ الغَمامُ مَوَاهِبُهْ
ومَلْجَأُ أَمْنِ المُسْتَضَامِ ومَعْقِلٌ / كَفى الدهرَ حَتَّى مَا تنوبُ نوائِبُهْ
وسيفٌ مُحَلَّىً بالمَكارِمِ جَفْنُهُ / مُعَوَّدَةٌ نصرَ الإِلهِ مَضارِبُهْ
إذَا سلَّهُ دينُ الهُدى بَكَّرَ الرَّدى / لديهِ يُرَاعِي أَمرَهُ ويُرَاقِبُهْ
تَخَيَّرَهُ الرَّحمنُ من سَرْوِ حِمْيَرٍ / فَناضَلَ عنه باتِكُ الخَدِّ قاضِبُهْ
مُخَلَّدَةٌ فِي الصالحينَ سِماتُهُ / وباقِيةٌ فِي العالَمِينَ مَنَاقِبُهْ
حسامُ الإِمامِ المُصْطَفى وسِنانُهُ / ومَفْزَعُهُ فِي المُشْكِلاتِ وحاجِبُهْ
هو القَدَرُ المحتومُ من ذا يَرُدُّهُ / وسلطانُ ربِّ العرشِ مَنْ ذا يُغَالِبُهْ
سما لعميدِ المشركِينَ بعزمَةٍ / تداعَتْ لَهَا أَركانُهُ وجوانِبُهْ
وشَيَّعْتَهُ يَا ابْنَ الكرامِ بجحفَلٍ / سواءٌ عَلَيْهِ خَرقُهُ وسباسِبُهْ
يُكاثِرُ أَعدادَ الحصَى بِكُمَاتِهِ / وتَعْتَدُّ أَضعافَ النجومِ قواضِبُهْ
لَهَامٌ كسا أرضَ الفضاءِ بِجَمْعِهِ / وفاضَتْ عَلَى شمسِ النهارِ ذَوَائِبُهْ
نَهَضْتَ بِهِ والجَوُّ بالنَّقْعِ مُفْعَمٌ / وأَنَّسْتَهُ والليلُ تسطُو غَياهِبُهْ
وأَعلى لَكَ القدرَ الجليلَ أَمَامَهُ / لواءٌ أَضاءَ الشرقَ والغربَ ثاقِبُهْ
فلما رأَى غَرْسِيَّةٌ أَنَّهُ الرَّدى / يقيناً وأَنَّ اللهَ لا شَكَّ غالِبُهْ
وَقَدْ حَلَّ حزبُ اللهِ دونَ شَغافِهِ / وَقَدْ سَلَكَتْ فِي ناظِرَيْهِ كتائبُهْ
ووافاهُ ريحُ العزمِ يسقي رُبُوعَهُ / وتنهَلُّ بالموتِ الزؤامِ سحائِبُهْ
وأَبصَرَ بحرَ الموتِ طَمَّ عُبابُهُ / وفاضَتْ نواحِيهِ وجاشَتْ غوارِبُهْ
وأَيقَنَ أَن اللهَ صادقُ وَعْدِهِ / وأَنَّ أَمانيَّ الضلالِ كواذِبُهْ
وأَسلَمَهُ ضنكُ المقامِ إِلَى الَّتِي / لَهَا قامَ ناعِيهِ وضَجَّتْ نوادِبُهْ
وَقَدْ رابَهُ أَنصارُهُ وكُماتُهُ / وأَوْحَشَهُ أَشياعُهُ وأَقارِبُهْ
وأَخلفَهُ الشيطانُ خادِعَ وعدِهِ / وأَيقنَ أَنَّ اللهَ عنكَ مُحارِبُهْ
تلقَّاكَ فِي جيشٍ من الذُّلِّ جحفلٍ / صوارِمُهُ آمالُهُ ورغائِبُهْ
ومِن قَبْلُ أَحفى الرُّسْلَ نحوَكَ ضارِعاً / عَلَى حينَ أَنْ عَزَّتْ لديكَ مطالبُهْ
وأَعْيا بآراءِ التَّرَضِّي وزيرُهُ / وأَنْفَذَ أَلفاظَ التَّذَلُّلِ كاتِبُهْ
فأَعْطى بِكِلْتَيْ راحَتَيْهِ مُبادِراً / لأَمْرِكَ مُرْضٍ بالَّذِي أَنتَ راغبُهْ
وأَمْكَنَ حَبْلَ الرِّقِّ من حُرِّ جِيدِهِ / مُتابِعَ عَزْمٍ حَيْثُ أَمْرُكَ جاذِبُهْ
فأَعْطَيْتَهُ مَا لَوْ تَأَخَّرَ ساعَةً / لَزُمَّتْ إِلَى نارِ الجحيمِ رَكائِبُهْ
وأَضْحَتْ سَبايا المسلمينَ حُصُونُهُ / وَقَدْ نَفِدَتْ وِلْدَانُهُ وكواعِبُهُ
فَمَلّاكَ عِزَّ الملكِ والنصرِ رَبُّهُ / وهَنَّأَكَ الصُّنْعَ المُتَمَّمَ واهِبُهْ
تَبَلَّجَ عن إِشراقِ غُرَّتِكَ الصُّبْحُ
تَبَلَّجَ عن إِشراقِ غُرَّتِكَ الصُّبْحُ / وأَسفَرَ عن إِقدامِكَ النصرُ والفَتْحُ
وقَرَّتْ عيونُ المسلمينَ بأَوْبَةٍ / مصادِرُها عِزٌّ ومَوْرِدُها نُجْحُ
كَأَنَّ شُعاعَ الشمسِ من نُورِ هَدْيها / وعَرْفَ نسيمِ الروضِ من طِيبِها نَفْحُ
ضَرَبْتَ بِحِزْبِ اللهِ فِي الأَرْضِ مُقْدِماً / إِلَى مَتْجَرٍ جنَّاتُ عَدْنٍ لَهُ رِبْحُ
فَضَعْضَعْتَ تيجانَ الضَّلالِ بوقْعَةٍ / عَلَى الشِّرْكِ لا يُؤْسى لَهَا أَبداً جُرْحُ
ورَوَّيْتَ من ماءِ الجَماجِمِ والطُّلى / مُتونَ جِيادٍ شَفَّها الظَّمَأُ التَّرْحُ
بوارِقَ مَا أَوْمَضْنَ عنكَ لِناكِثٍ / فأَخْلَفَ من سُقْيا دَمٍ دِيمَةً تَسْحُو
صفائِحَ أَعداها سناكَ فأَشْرَقَتْ / وَلَمْ يَعْدُهُنَّ العفوُ منكَ ولا الصَّفْحُ
وزُرقاً تَعالى لِلْعُداةِ كَأَنَّما / تَطايَرَ من زَنْدِ المَنُونِ لَهَا قَدْحُ
هَوَادٍ إِذَا جَلَّيْنَ عنكَ لِناكِثٍ / فَحَتْمُ المنايا من لَواحِظِها لَمْحُ
وسابِحَةٌ فِي البَرِّ والبَحْرِ لَمْ يَزَلْ / بِبَأْسِكَ فِي بحرِ الدماءِ لَهَا سَبْحُ
إِذا جَمْجَمَتْ يوماً بِهَا منكَ صَوْلَةٌ / إِلَى الشِّرْكِ لَمْ يَمْلِكْ أَعِنَّتَها الكَبْحُ
رفَعْتَ براياتِ الهُدى من صدورِها / هوادِيَ أَدْنَى شَأْوِها الشَّدُّ والضَّبْحُ
فما حَمَلَتْ خَطْباً إِلَى دارِ خالِعٍ / وإِنْ عَزَّ إِلّا كَانَ أَيْسَرَهُ الفَدْحُ
ولا وَطِئَتْ لِلْكُفْرِ أَرْضاً وإِنْ نَأَى / بِهَا الغَوْلُ إِلّا مَسَّها مِنْهُمُ قَرْحُ
فَكَمْ رَوَّعَتْ لِلْغَيِّ فِي عُقْرِ دارِهِ / حِمىً لَمْ يُرَعْ من قَبْلِهِنَّ لَهُ سَرْحُ
بكُلِّ حَمِيِّ الأَنْفِ دونَكَ لَم يَخِمْ / بِهِ ساعِدٌ عَبْلٌ ولا صارِمٌ شَبْحُ
تَحَلَّوا فَنَاطُوا بالْعَوَائِقِ فِي الوَغَى / جيوباً كِراماً حَشْوُهُنَّ لَكَ النُّصْحُ
وكم طَردُوا من تحتِ غيلٍ وغابَةٍ / إِلَيْكَ أُسوداً مَا يُمَلُّ لَهَا ذَبْحُ
وسِرْبِ مهاً أَخلى الهياجُ خدودَها / فأَسفر عن أَحداقِها الضَّالُ والطَّلْحُ
لَوَاهٍ عن الأَكفاءِ عِزَّاً وإِن تَقُلْ / لَهَا بالقنا الخَطِّيِّ خِطْبٌ تَقُلْ نِكْحُ
تركْنَ عميدَ الشِّرْكِ مَا بَيْنَ جفنِهِ / وبَيْنَ غِرارِ النَّوْمِ عهدٌ ولا صُلْحُ
يلوذ بِشُمِّ الراسياتِ وسَحْرُهُ / من الطَّوْدِ شِعْبٌ للمُخاتِلِ أَوْ سَفْحُ
وَمَا كَرَّ إِلّا نادِباً لمعاهِدٍ / لَكَ الفَوَحُ الباقِي بِهَا وَلَهُ التَّرْحُ
ويا رُبَّ عِلْقٍ لَمْ يَسُسْهُ مُوَفَّقٌ / فَوَفَّرَهُ جودٌ وبَدَّدَهْ شُحُّ
تركْتَ لعينَيْهِ مقاصِرَ عِزِّهِ / وأَحْسَنُ مَا حَلَّيْتَ أَوْجُهَها القُبْحُ
وأَوطأْتَ أَيدي الخيلِ بَيْضَةَ مُلْكِهِ / فأَقْلَعْنَ لا قَيْضٌ هُناكَ ولا مُحُّ
وإِنْ حَمَتِ الآجالُ بَعْضَ حُماتِهِ / فإِنَّكَ فِي أَعجازِ ليلِهمُ صُبْحُ
وأَنْتَ رَكزْتَ الملك فِي الأَرضِ مثلَما / يُثَبِّتُ فِيهَا ذُو الجلالِ وَمَا يمحُو
لقد كَدَحُوا نَكْثاً لعهدِكَ منهمُ / فَخُيِّبَ ذَاكَ السَّعيُ وانقلبَ الكَدْحُ
وأَمْسَوا وأَضْحَوا مُوجِفِينَ ببغيِهِمْ / إِلَى نِقَمٍ أَمسَوْا لَهُنَّ وَلَمْ يُضْحُوا
موارِدُ لا مرعى السيوفِ بِعُقْرِها / جديبٌ ولا شُرْبُ الرِّماحِ بِهَا نَشْحُ
سريتَ لَهُمْ بالخَيْلِ فِي ظِلِّ غَيْهَبٍ / من الليلِ مَا يُطْوى عَلَيْكَ لَهُ كَشْحُ
تقابَلَ فِيهِ البدرُ والبدرُ والقنا / وزُهْرُ نجومِ الليلِ والجُنْحُ والجُنْحُ
وسبطانِ من أَملاكِ يعرُبَ أَقْدَما / بأَجنادِها كالنجمِ يَقْدُمُهُ النَّطْحُ
سِراجانِ للإِسلامِ مَا طَلَعَا مَعاً / عَلَى الخطبِ إِلّا بَشَّرَ اليُمْنُ والنُّجْحُ
فهذا حسامٌ فِي يدِ الملك قاضِبٌ / رَسُوبٌ وهذا فِي يمينِ الهُدى رُمْحُ
هو الحاجِبُ المُحْتَلُّ من رُتَبِ العُلا / بِحيثُ تناهى الفخرُ والحمدُ والمدحُ
وأَنْفَسُ نفسٍ فِي الوَرى غيرَ أَنَّهُ / إِذَا لَقِيَ الأَعداءَ فَهْوَ بِهَا سَمْحُ
وصِنْوُ عُلاهُ ناصِرُ الدَّولَةِ الَّذِي / يفوزُ لَهُ فِي كُلِّ مكرُمَةٍ قِدْحُ
فتِلكَ الرُّبى من بَنْبِلُونَةَ والحِمى / منَ الرَّاحِ مُسْوَدٌّ بأَرْجائِهِ الصُّبْحُ
وبيعَةُ شَنْتَ اقْروجُ أَوْرَيْتَ فَوْقَها / سَنا لَهَبٍ فِيهِ لَعَمْيائِها شَرْحُ
وَكَانَ لَهَا الفِصْحُ الأَجَلُّ فأَصْبَحَتْ / لنارِكَ فِصْحاً مَا لَهَا بَعْدَهُ فِصْحُ
فلِلَّهِ عَيْنا من رأَى بِكَ صَرْحَها / ومِنْ جاحِمِ النِّيرانِ فِي سَمْكِهِ صَرْحُ
رفعتَ من الصُّلْبَانِ فِي عَرَصاتِها / وقُوداً لَهُ فِي وَجْهِ رُومِيَّةٍ لَفْحُ
وفَجَّرْتَ فِيهَا من دِماءِ حُماتِها / بُحُوراً لَهَا فِي تاجِ مُلكِهِمُ نَضْحُ
وأَشرعْتَ فِي أَرجائِها كُلَّ ثاقِبٍ / لَهُ فِي شَغافِ القلبِ من قَيْصَرٍ جُرْحُ
طوالِعَ من آفاقِ جيشٍ كَأَنَّهُ / بِخَرْقِ المَلا كِسْفٌ من الليلِ أَوْ جُنْحُ
يضِلُّ مدى الأَبصارِ فِي جَنَبَاتِهِ / ويَحْسرُ عن غاياتِهِ الرِّيحُ والضِّحُّ
فجوزيتَ عن سعيِ البِلادِ بأَنْعُمٍ / ذخائِرُها فَوْزٌ وعاجِلُها فَتْحُ
ووُفِّيتَ أَجْرَ الصابِرينَ مُضاعَفاً / من الدينِ والدُّنيا لَكَ المَنُّ والمَنْحُ
ومُلِّيتَ شهراً للصيامِ نَسَكْتَهُ / بأَشْفاعِ غزو دأْبُها الضربُ والكَفْحُ
ولا زَالَ عِزُّ النصرِ والفتحِ عامِداً / لآيةِ مَا يَنْوِي وآيَةِ مَا يَنْحُو
أَلا هَكَذَا فَلْيَسْمُ للمجدِ مَنْ سَما
أَلا هَكَذَا فَلْيَسْمُ للمجدِ مَنْ سَما / ويَحْمِ ذِمارَ الملكِ والدينِ مَنْ حَمى
وإِلّا فللمنصورِ غاياتُ مَا شَآ / إِلَيْهِ بَني الدنيا وأَغراضُ مَنْ رَمى
وحَقٌّ لِمَنْ لاقى فأَقدمَ سَيْفُهُ / عَلَى غَمَراتِ الموتِ أَن يَتَقَدَّمَا
ومن حَقَرَتْ مستعظَمَ الهولِ نَفْسُهُ / إِذَا الخيلُ كرَّتْ أَن يكونَ المعظَّما
ومن مَلَّ أُنْسَ المالِ حَتَّى تحَكَّمَتْ / عَلَى مَا حَوَتْ كفَّاهُ أَن يَتَحَكَّما
ومَنْ حَمَتِ العِلْقَ النَّفيسَ سيوفُهُ / من الضيمِ أن تختارَ مُرتَبَعَ الحَما
ومن تَيَّمَتْهُ أَوْجُهُ المجدِ أَن يُرى / وقلبُ العلا صَبّاً إِلَيْهِ مُتَيَّما
ولله يَا منصورُ آراؤُكَ الَّتِي / بنيتَ بِهَا نحوَ الكواكِبِ سُلَّما
وهذا عظيمُ الشِّرْكِ قَدْ جاءَ خاضِعاً / وأَلقى بكفَّيْهِ إِلَيْكَ مُحَكِّما
سليلُ ملوكِ الكفرِ فِي ذِرْوَةِ السَّنا / ووارِثُ ملكِ الرُّومِ أَقْدَمَ أَقْدَما
توسَّطَ أَنسابَ القياصِرِ فانتمى / من الصِّيدِ والأَملاكِ أَقرَبَ مُنْتَمى
ولما تقاضى غَرْبُ سيفِكَ نَفْسَهُ / وحاطَتْ لَهُ الأَقدارُ مُحْتَقَنَ الدِّمَا
وَلَمْ يستطِعْ نحوَ الحياةِ تأَخُّراً / بِفَوْتٍ ولا نحوَ النَّجاةِ تَقَدُّما
تدارَكُهُ المقدارُ فِي قبضةِ الردى / وخاطَبَهُ حنَّاً عَلَيْهِ فأَفْهَمَا
وبشَّرَهُ التَّأْمِيلُ منكَ بعَطْفَةٍ / تلقَّى بِهَا رَوْحَ الحياةِ تَنَسُّما
فأَشْرَعَ أرْماحَ التَّذَلُّلِ ظاعِناً / وأَصْلَتَ أَسيافَ الخضوعِ مُصَمِّما
وقابَلَهُ النصرُ الَّذِي لَكَ صَفوُهُ / مع السَّعدِ حَتَّى احتازَهُ لَكَ مَغْنَما
وقادَ لحبلِ الرِّقِّ نحوكَ نَفْسَهُ / فلاقاكَ مُمْتَنّاً ووافاكَ مُنْعِما
وحَفَّتْ بِهِ للحاجِبِ القائِدِ الَّذِي / أَبى الدهرُ إِلّا مَا أَمَرَّ وأَحْكَما
حمايَةُ آباءٍ ومنعةُ قادرٍ / يتَيهُ عَلَى صرفِ الزمانِ مُحَرَّمَا
فَراحَ ذليلاً ثُمَّ أَضحى مُبَجَّلاً / وأَمسى مُهاناً ثُمَّ أَصبحَ مُكْرَما
وأَصبحَ من حظِّ السلامةِ وافِراً / بأَن راحَ من عزِّ الإِمارَةِ مُعْدِما
ولاقاكَ فاسْتَخْذى لديكَ تذلُّلاً / ليحتازَ من أدنى رضاكَ تَرَحُّما
لئن خَفَرَتْهُ منكَ ذمَّةُ قادرٍ / لقد فارقَ الكُفْرَ الخَذُولَ مُذَمَّما
لئن سُمْتَهُ البأْساءَ فِي عُقْرِ دارِهِ / لقد عُضْتَهُ فِي دارِ ملكِكَ أَنْعُما
لَئِنْ خاضَ فِي اسْتِقبالِكَ الجودَ والنَّدى / لَقَدْ خاضَ فِي آثارِكَ النَّقع والدِّما
ومَرَّ يُبَكِّي من معاهِدِ مُلكِهِ / معالِمَ عَفَّتْها السيوفُ وأَرْسُما
تُراعُ بِهَا الأَجبالُ من رَنَّةِ الصَّدى / ويُذْعَرُ فِيهَا الطيرُ أَن يَتَرَنَّما
بسطْتَ لَهُ أَمْناً وَقَدْ بَسَطَ القنا / ثَرَى أَرضِه من هَلَّهَا بكَ أَعظُما
سقيتَ بِهِ الإِسلامَ أَرْياً وطالما / سقاهُمْ بكأْسِ الموتِ صاباً وعلقما
وها هُوَ ذَا فِي راحَتَيْكَ مُذَلَّلاً / رهيناً لما أَمْضَيْتَ فِيهِ مُحْكَّما
رمَى نفسَهُ قَسْراً إِلَى المَلِكِ الَّذِي / رأَى الدهرَ مملوكاً لَهُ فَتَعَلَّما
ولولا سيوف النصرِ حينَ انْتَضَيْتَها / لقد جلَّ هَذَا الصُّنعُ أن يُتَوَهَّما
فجاءَ وقَيْدُ الرَّوْعِ يَقصُرُ خطوَهُ / ويَمْتَدُّ فِي حبلِ الخضوعِ تَقَدُّما
يخاطِبُ عن رعْبٍ وإِن كَانَ مفصحاً / ويُفْصِحُ عن ذعرٍ وإِن كَانَ أَعجما
إِذا راعَهُ هولُ الجنودِ فأَحْجَما / تدارَكَهُ ذِكرى رِضاكَ فأَقدما
وَمَا كرَّ رجْعَ الطرفِ إِلّا وضَيغَمٌ / يُساوِرُ فِي رُعْبِ الأَسِنَّةِ ضيغما
وأَرْقَمُ يسطُو بالهواءِ اضْطِرابُهُ / يناهِسُ فِي ليلٍ من النقعِ أَرقما
وعِقبانُ أَعلامٍ تَمُرُّ يخالُها / عَلَى نفسِهِ فِي مَعْرَكِ الحربِ حُوَّما
فلله يومٌ جلَّ قدرُ عديدِهِ / وعُدَّتِهِ عن مِثْلَما وكأَنَّما
جنودٌ كَأَنَّ الأَرضَ من لَمَعانِها / بروقٌ تلالا أَوْ حَريقٌ تَضَرَّما
سحابٌ من البيضِ الخوافِقِ قَدْ عَلا / وبحرٌ من السَّرْدِ المضاعَفِ قَدْ طَمى
بكلِّ كَمِيٍّ عامِرِيٍّ كَأَنَّما / تَسَرْبَلَ من شمس الضِّحى وتَعَمَّمَا
يُحَيِّي الأَميرَ بالحياةِ مُبَشِّراً / وإِن كَانَ قَدْ فاجاهُ بالموتِ مُعْلِما
وَقَدْ طالَما لاقاهُ قِرْناً مُساوِراً / فَوَشْكَانَ مَا لاقاهُ حِزْباً مُسَلِّما
كَأَنَّ النجومَ الزُّهْرَ حَفَّتْ بوجْهِهِ / فأَدَّتْهُ محروساً إِلَى قَمَرِ السَّما
فقابَلَ وجهاً بالجمالِ مُتَوَّجاً / وقبَّلَ كَفّاً بالسماحِ مُخَتَّما
فَهُنِّيت يَا منصورُ سَعْداً مُجَدَّداً / وإِقبالَ صُنعٍ بالبقاءِ مُتَمَّما
ومُلِّيتَ من أَسباطِ مَجْدِكَ حاجِباً / يباشِرُ منه المجدُ والفخرُ مَقْدِما
رَمَيْتَ بِهِ بحرَ الضلالَةِ فانْتهى / وجَشَّمْتَهُ عِبْءَ العُلا فَتَجَشَّما
إِذَا شِئْتِ كَانَ النَّجْمُ عندَكِ شاهِدِي
إِذَا شِئْتِ كَانَ النَّجْمُ عندَكِ شاهِدِي / بلَوْعَةِ مُشتاقٍ ومُقْلَةِ ساهِدِ
غريبٌ كساهُ البينُ أَثوابَ مُدْنَفٍ / وحَفَّتْ بِهِ الأَشجانُ حفَّ الولائِدِ
بَعيدِ الضُّحى من بَعْدِ إِلْفٍ مُفارِقٍ / طويلِ الدُّجى من طولِ بَثٍّ مُعاوِدِ
كَأَنَّ ظلامَ الليلِ سَدَّ طَرِيقَهُ / تعلُّقُ أَجفانِي بِرَعْيِ الفراقِدِ
وَقَدْ لَبِسَتْ آفاقُهُ من دُجُونِهِ / حِدادَ نواعٍ للصباحِ فَوَاقِدُ
سَلِيني عن الليلِ التَّمامِ قطعْتُهُ / بزفرَةِ مُشتاقٍ وأَنفاسِ واجِدِ
طَوَاكِ على طِيبِ الكرى فطَوَيْتُهُ / بشكوى سَلي عنهُنَّ صُمَّ الجَلامِدِ
يطاولُ ليلُ التِّمِّ بَثِّيَ مُسْعِداً / عَلَى ذِكْرِ إِلْفٍ بانَ غيرِ مُساعِدِ
ويوحِشُني ملْءُ السماءِ كواكِباً / إِلَى كوكبٍ فِي مَغْرِبِ البَيْنِ واحِدِ
أَلَمْ أَدْرِ أَنَّ الصُّبحَ شِبْهُكَ قَبْلَها / فأَعرِفَ منه الآنَ خُلْفَ المَوَاعِدِ
ستَرْعى وفاءَ العهدِ لي إن نَقَضْتَهُ / لواعِجُ بَثٍّ فِي هواكِ مُعاهِدِي
ويُوشِكُ أَن تُجْلى وُجوهُ مَطَالبِي / بأَزْهَرَ وضَّاحٍ وأَرْوَعَ ماجِدِ
مليكٍ لشملِ الملكِ والعِزِّ جامِعٍ / وعن حُرَمِ الأَحسابِ والمجدِ ذائِدِ
أَغَرَّ سَما للدِّينِ فاعْتَصَمَ الهُدى / بِهِ وهَدى المعروفَ سُبْلَ المحامِدِ
حَياً طبَّقَ الآفاقَ شَرْقاً ومَغْرِباً / فما تُقْتَفى فِي المَحْلِ آثارُ رَائِدِ
بسيفٍ لأَقدارِ الحُتُوفِ مساوِرٍ / وسَيْبٍ لِتَهْتَانِ الغيومِ مُجاوِدِ
سليلُ عُلاً تَنْمِيهِ أَنسابُ حِمْيَرٍ / إِلَى كُلِّ بانٍ للمفاخِرِ شائِدِ
همامٌ لَهُ من فَخْرِ يَعْرُبَ فِي العُلا / ذُرى كلِّ سَامِي السَّبْكِ راسِي القواعِدِ
محاتِدُ عِزٍّ واعتلاءٍ كَأَنَّما / سنا الشمسِ من إِشراقِ تِلْكَ المحاتِدِ
فتىً أَذْعَنَ الدهرُ الأَبيُّ لِحُكْمِهِ / فأَضحى إِلَيْهِ مُلْقِياً بالمَقالِدِ
هُوَ البَدْرُ إِشراقاً ونوراً وسيفُهُ / مَدى الدهرِ منه فِي مَحَلِّ عُطَارِدِ
تدانَتْ من الآمالِ أَنواءُ كَفِّهِ / وبَرَّزَ سَبْقاً فِي المدى المُتباعِدِ
فَحَجَّبَ منهُ الملكَ أَكرمُ حاجِبٍ / وقادَ جنودَ النصرِ أَكرمُ قائِدِ
كتائِبُ توحيدُ الإِلَهِ شِعارُها / وَمَا يومُ خِزْيِ الكفر فِيهَا بِواحِدِ
إِذَا يَمَّمَتْ منه حِمىً فكأَنَّما / أَرَبَّتْ عَلَيْهِ مُصْعِقاتُ الرَّواعِدِ
لئِنْ حَلَّ دارَ الملكِ من بَعْدُ قافِلاً / لقد شَدَّ أَقصاها برأْيِ مُجاهِدِ
فشاهَدَ عنه النصرُ إِنْ لَمْ يُشَاهِدِ / وجالَدَ عنهُ الصَّبْرُ إِن لَمْ يُجالِدِ
رعى اللهُ للمَنْصُورِ نُصْرَةَ دِينِهِ / فَجَازَاهُ خيرَ ابْنٍ تلا خَيْرَ والِدِ
وأيّد هَذَا المُلْكَ والدِّينَ مِنْهُما / بأَيمَنِ يُمْنى ساعَدَتْ خَيْرَ سَاعِدِ
فيا جامِعَ الإِسلامِ شَمْلاً وتارِكاً / دِيارَ الأَعادِي مُوحِشاتِ المعاهِدِ
ومقتحِمَ الأَهْوالِ فِي حَوْمَةِ الوغى / كَمَا بادرَ الظمآنُ عذبَ المَوَارِدِ
لِيَهْنِكَ أَنَّ العيدَ وافاكَ قادِماً / بأوشَكِ بادٍ للسرورِ وعائِدِ
تلقَّاكَ بالبُشْرَى وحيَّاكَ بالمنى / وساعَدَ للبُشْرى لأَعْدَلِ شاهِدِ
فلا زَالَتِ الأَيَّامُ أَعيادَ فضلِكُمْ / لكُلِّ مُوالٍ خالِصِ الشكرِ حامِدِ
ولا زِلْتُمُ مأْوَى غريبٍ وآمِلٍ / ومَفْزَعَ ملهوفٍ وفُرْصَةَ قاصِدِ
تَسَلَّيْتَ حَتَّى أُنْسِيَ الهائِمُ الهَمَّا
تَسَلَّيْتَ حَتَّى أُنْسِيَ الهائِمُ الهَمَّا / وأَغْنَيْتَ حَتَّى أُعْدِمَ المُعْدِمُ العُدْمَا
وإِلّا فكيفَ اغتالَتِ القُطْبَ والسُّها / وعارَضَتِ الجوزاءَ واعْتامَتِ النَّجْما
وكيفَ دَنَتْ منكَ الخطوبُ وَمَا رَجَتْ / بساحَةِ من والاكَ ظُلْماً ولا هَضْما
وكيفَ ابْتَغَتْ للسُّقْمِ عِنْدَكَ موضِعاً / وأَنتَ الَّذِي يشفي الإِلَهُ بِهِ السُّقْما
وكم رُعْتَها بالسَّيْفِ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ / فإِنْ أَقْدَمَتْ يَوْماً ففِي بَسْطِكَ السَّلْما
أَلا أَقْدَمَتْ فِي حَوْمَةِ الموتِ والرَّدى / تُطارِدُهُ حمرا وتبهره قدما
وَهَلَّا وأَبْصارُ الكُماةِ شواخِصٌ / وبِيضُ الظُّبى تَحْمى وسُمْرُ القَنا تَدْمى
وَمَا كَانَتِ الحُمَّى بأَوَّلِ كاشِحٍ / سَعى لَكَ بالبُؤْسَى فجازَيْتَهُ النُّعْمَى
فأَوْلَيْتَها الصَّبْرَ اللَّجوجَ إِلَى العِدى / وَعَرَّفْتَها الصَّبْرَ الخَرُوجَ من الغُمَّى
ومن قبلُ مَا أَوْسَعْتَها صَدْرَ صافِحٍ / ونفساً يَلَذُّ المِسْكَ أَنفاسُها شَمَّا
فإِنْ جُدِّدَتْ فِي بُعْدِها لَكَ صِحَّةٌ / فمِنْ بَعْدِ أَنْ زَوَّدْتَها الطِّيبَ والحلْما
وإِنْ تَلْقَ جِسْماً بعد جِسْمِكَ فِي الورى / وكَيْفَ بِهَا أَنْ تَرْتَضِي بَعْدَهُ جِسْما
فَقَدْ أَهْدَتِ البُشْرى إِلَيْهِ وأَفْرَغَتْ / عَلَيْهِ السُّرورَ المَحْضَ والكَرَمَ الجَمَّا
وَمَا نَقَصَتْ منكَ الليالي فَعُوَّدٌ / عَلَيْكَ بِهِ إِلّا الخَطِيئَةَ والإِثْما
وعندَ ذُبُولِ الرَّوْضِ يُرْجى لَهُ الحَيا / وعِنْدَ محاقِ البدرِ يَسْتَقْبِلُ التِّما
ومَنْ يَصْلَ نارَ الحربِ فِي جاحِمِ الوغى / فلا غَرْوَ أَن يَحصى حشاهُ وأَنْ يَحْمى
ولا عَجَبٌ من وَهْن جسمٍ تعاوَرَتْ / قواهُ الحصونَ الصُّمَّ والمُدُنَ الشُّمَّا
فَبَسْطَةُ باعٍ جازَتِ الوَهْمَ والمدى / ورَحْبُ ذِراعٍ حازَتِ العُرْبَ والعُجْما
فإِنْ يَبْقَ من شكواكَ باقٍ فَهَذِهِ / تمائِمُكَ اللاتي شَفَيْتَ بِهَا قِدْما
خيولاً كساها الجَوُّ نُوراً فأَقْدَمَتْ / مُحَجَّلَةً غُرّاً وإِنْ نُتِجَتْ دُهْما
وبيضاً تَشَكَّتْ من شَكاتِكَ وَحْشَةً / بما أَنِسَتْ حَتَّى قَرَنْتَ بِهَا العَزْما
وسُمْراً كَأَنَّ الليلَ لما سَرَيْتَهُ / كَسا كُلَّ لَدْنٍ من كواكِبِهِ نَجْما
وكُلَّ غَريقٍ فِي الحديدِ كَأَنَّما / تَسَرْبَلَ من غَزْلِ الغزالَةِ واعْتَمَّا
تهاوَتْ بِهِ الأَهواءُ حَتَّى أَمَمْتَهُ / إِلَى طاعَةِ الرحمنِ فانْقَادَ وائتَمَّا
فلم يَدْرِ إِلّا ظِلَّ مُلْكِكَ مَوْطِناً / ولا والِداً إِلّا لَدَيْكَ ولا أُمَّا
ويا ذَا الرِّياساتِ افْتَتِحْ فَقَدِ انْجَلَتْ / فواتِحُكَ اللاتِي ضَمِنَّ لَكَ الحَتْما
ويا مُنْذِرَ الراياتِ والسَّابحاتِ قُمْ / فأَنْذِرْ عِداكَ الذُّلَّ والخِزْيَ والرَّغْما
ونادَتْ بكَ الدنيا أَبا الحَكَمِ احْتَكِمْ / بِحَوْلِ الَّذِي أَلقى إِلَى يَدِكَ الحُكْما
وأَوْفِ عَلَى العَلْياءِ واسْتَوفِ أَنعُماً / حباكَ الَّذِي يَحْبُو بأَجْزَلِها قِسْما
بَدَا لَكَ نَجْمُ السَّعْدِ واطَّلَعَ النُّجْحُ
بَدَا لَكَ نَجْمُ السَّعْدِ واطَّلَعَ النُّجْحُ / فبِاللهِ فَاسْتَفْتِحْ فقد جاءَكَ الفَتْحُ
وَقَدْ قَدَّمَ النَّصْرُ العزيزُ لِواءَهُ / وقبلَ طُلوعِ الشَّمْسِ يَنْبَلِجُ الصُّبْحُ
فَقُدْ فِي سبيلِ اللهِ جَيْشاً كَأَنَّهُ / من الليلِ قِطْعٌ طَبَّقَ الأَرضَ أَوْ جُنْحُ
كتائِبُ فِي إِقدامِها الحَقُّ والهُدى / وأَلوِيَةٌ فِي عَقْدِها اليُمْنُ والنُّجْحُ
فَقَدْ حانَ يومُ الفتحِ واهْتَزَّتِ المُنى / وصَحَّ رَجاءُ السَّيْفِ واستبشَرَ الرُّمْحُ
وحَنَّتْ إِلَى يَومِ اللِّقاءِ سَوَابِحٌ / لَهَا فِي بِحارِ المَوْتِ نَحْوَ العِدى سَبْحُ
حَمَلْتَ عليها كُلَّ حامِلِ نِعْمَةٍ / بيُمْناكَ مقروناً بِهِ الصِّدْقُ والنُّصْحُ
بضائِعُهُمْ فِي مَتْجَرِ الحَرْبِ أَنْفُسٌ / رِضاكَ لَهَا فِي كُلِّ مَلْحَمَةٍ رِبْحُ
فيا أَنْفَسَ الأَملاكِ نَفْساً وإِنَّهُ / بِهَا فِي سِبيلِ اللهِ يَوْمَ الوَغى سَمْحُ
ويا أَيُّهَا المشغوفُ بالبأْسِ والندى / وَمَا زالَ مشغوفاً بِهِ الحمدُ والمدحُ
وبَحْرُكَ مَوْرُودُ السَّواحِل مُفْعَمٌ / وعَبْدُكَ قَدْ أَوْدَى بِهِ الظَّمَأُ البَرْحُ
إلى أيِّ ذكرٍ غيرِ ذكرِكَ أرتاحُ
إلى أيِّ ذكرٍ غيرِ ذكرِكَ أرتاحُ / ومن أيّ بحرٍ بعد بحرِكَ أمتاحُ
إليكَ انتهى الرِّيُّ الَّذِي بكَ ينتهي / ولاحَ ليَ الرأيُ الَّذِي بكَ يَلتَاحُ
وفي ماِئكَ الإغداقُ والصَّفوُ والرَّوى / وَفِي ظلِّكَ الريحانُ والرَّوحُ والرَّاحُ
وكلٌّ بأثمارِ الحياةِ مُهَدَّلٌ / وبالعطفِ مَيَّاسٌ وبالعُرفِ مَيَّاحُ
فأغدَقَ للظمآنِ مَحْياً ومَشرَبٌ / وأفْصَحَ بالضَّاحِي غُصُونٌ وأدواحُ
تُغَنِّي طيورُ الأمنِ فِيهَا كأنَّما / بِعَلْيَاكَ تشدو أو بذكرِكَ ترتاحُ
فألحانُها فِي سَمْع من أنتَ حِزْبُهُ / أغانٍ وَفِي أسماعِ شانِيكَ أنْواحُ
وكم قُدْتَ للأَعداءِ من حُزْنِ ليلةٍ / ضُحاها لمن والاكَ غُنْمٌ وأفراحُ
سموتَ لَهَا باسمٍ وفعلٍ كِلاهُما / بِسَيْفِكَ فِي الهيجاءِ أزْهَرُ وَضَّاحُ
جِهادٌ وَفَتْ آياتُ فِعلِكَ باسمِهِ / كَمَا شَرَحَ المعنى بيانٌ وإيضاحُ
وكالجَيشِ إذ أعلقْتهُ مِنكَ نِسبَةً / بِعِزَّتها تعلُو الجيوشُ وتجتاحُ
أبُوَّةُ آباءٍ لأبناءِ مُلْكِهِ / مَشابِهُ يحدوهنَّ صِدقٌ وإفصاحُ
فما ظَلَموها قائمينَ بشِبهِها / إذا غَوَّروا تحتَ السَّنَوَّرِ أو لاحوا
سوابِغُ لَمْ تُخْلِلْ بِصِبغِ جُسومِهم / إذا مَا غَدَوا فِي لبسِ نُعماكَ أو راحوا
ولا أسهَكَتهُمْ فِي سبيلِك لِبسةٌ / بإسهاكِها طابوا ومن رِيحها فاحوا
وكم من فَتىً أعْدَيتَهُ منكَ شِيمَةً / يَشُمُّ بِهَا ريحَ العُداةِ فَيَرتاحُ
ويُزْجِي منَ الخَطِّي أشطانَ ماتِحٍ / إلى قُلُبٍ وَسْطَ القلوبِ فَيَمتَاحُ
وبَدْرٍ إذا مَا غُمَّ فِي رَهَجِ الوغى / تَجلَّى بِهِ قَرنٌ من الشمس لَمَّاحُ
وقرمٍ لِشَولِ الحق إن حالَ وَسْقُها / تَجلَّلهَا منه ضِرابٌ وإلقاحُ
جَعلتَ عَلَيْهِ البَرَّ والبحرَ إسْوَةً / ففي البرِّ طيَّارٌ وَفِي البحرِ سَبَّاحُ
وأقبَستَهُ من نورِ هَديِكَ فاهتَدى / إلى حيثُ لا يُهدْى شِراعٌ وَمَلّاحُ
بفلكٍ كأفلاكِ السَّماءِ نُجُومُها / كَمِيٌّ ونَبَّالٌ وشاكٍ ورَمَّاحُ
وغُرٌّ إلى الغاباتِ هِيمٌ نوازِعٌ / تهيم بِهَا فِي لُجَّةِ البحرِ أشباحُ
قَرَعتَ بِهَا أمواجَ بَحرٍ تركتَهُ / وأمواجُهُ تحتَ الكلاكِلِ أطلاحُ
مفاتيحُ أقفالِ الفتوحِ الَّتِي نأَتْ / وأنتَ بِهَا في طاعَةِ اللهِ فتّاحُ
وصابحَةٍ للمسلمين بغارَةٍ / غنائمُهُمْ فِيهَا تَمورُ وتَنساحُ
حَكَمتَ بِرَدِّ الحقِ عنها فأسمَحَتْ / ولولا ظُبَاكَ الحُمرُ مَا كَانَ إسماحُ
غداةَ طَمَستَ الغَيَّ منهم بوقعَةٍ / وَمَا قَدرُ مصباحٍ إذا لاح إصْباحُ
مآثِرُ لَمْ يَعطَل بِهَا قَرنُ ناطِحٍ / وكيفَ وقَرنُ الحقِّ عَنهُنَّ نَطَّاحُ
قد اكتُتِبَتْ فِي اللَّوحِ فخراً مؤيَّداً / صُدورُ الدُّنا منها سطورٌ وألواحُ
وآمالنا فِيهَا بضائِعُ مَتجَرٍ / سجاياكَ أموالٌ لهُنَّ وأرباحُ
مساعِيَ أبقينَ الدهورَ كأَنَّها / جُسومٌ لَهَا منه نفوسٌ وأرواحُ
محاسِنَ تتلوها الليالي كأنَّها / علومٌ إليها تَستَهلُّ وترتاحُ
فلو أُعطِيتْ غِيدُ الكواعبِ سُولَها / لَصِيغَ لَهَا منها عُقودٌ وأوْضاحُ
وبأسٌ لَوِ استعطى الكماةُ فُضُولَهُ / لقُدَّ لهُم منه سيوفٌ وأرماحُ
إليها حَدَتني حادِثاتٌ كأَنَّها / بَوارِحُ يَحدُوهُنَّ بَرحٌ وأبرَاحُ
عَلى غَولِ بحرٍ من هُمومٍ عُبابُهُ / بِرَحلي إلى غَول المتالفِ طوَّاح
إذا رام تغريقي فَلُجٌّ وغَمرةٌ / وإن مُدَّ فِي ظِمئي فآلٌ وضَحضَاحُ
وحَسبيَ منه فِي الهواجِرِ والسُّرى / جَناحٌ لَهُ من حُسنِ ظَنِّي وإنجاحُ
وشَأوُ مَدىً فِي مورِدِ النُجحِ شارِعٌ / وزندُ هدىً فِي فحمةِ الليلِ قَدَّاحُ
إذا مَدَّ إظلامُ الأسى ظُلَمَ الدُّجى / تَمَثَّلَ لي من نورِ وجهِكَ مِصباحُ
وإن أبهَمَتْ أقفَالَها عَنِّيَ الفَلاَ / تَخَيَّلَ لي من بِشرِ برِّكَ مِفتاحُ
فما صَدَّني عن مُلتَقى الغِيلِ ضيغَمٌ / ولا راعَني فِي مَورِدِ الماءِ تِمساحُ
ولا بَرَّحَتني يَا مُوفَّقُ نشوةٌ / سجاياكَ لي فِيهَا كؤوسٌ وأقداحُ
فكلُّ فؤادٍ مُخْلِصٍ فيكَ مُخلَصٌ / وكلُّ لسانِ صادِقٍ لَكَ مَدَّاحُ
أهنِّيكَ يَا عِيدَ الرَّغائِبِ عيدا
أهنِّيكَ يَا عِيدَ الرَّغائِبِ عيدا / تَلَقَّاكَ بِاسمٍ صادقٍ لِتَعُودَا
كنُعماك فينا فاتِحاً ومُتمِّماً / وجُهدِكَ فينا مُبدِئاً ومُعِيدا
فأعطاكَ بالعَهدِ الكريمِ مَوَاثِقاً / وبالنصر فِي طُولِ البقاءِ عهودا
وقد مَلأَ الأيَّامَ منك مَحاسِناً / وآفاقَها العليا إليكَ سُعودا
وحلّاكَ عِقدَ المَكرُمَاتِ مُنَظَّماً / وأَلبَستَهُ ثوبَ السرورِ جديدا
وقد أشرقَت منكَ المُصَلَّى بغرَّةٍ / يظلُّ لَهَا وجهُ الصباحِ حَسودا
أضاءَت بنورِ الحقِّ والعدلِ والنُّهى / فجاءَتكَ أحرارُ الرِّجالِ عَبيدا
سَجَدتَ لربِّ العرشِ ديناً وطاعةً / فَخَرَّتْ إليكَ النائباتُ سُجودا
ومَدَّ إليك الناظرونَ نواظِراً / أقامَتْ بإخلاصِ القلوبِ شُهودا
فَمَلَّأْتَها هَدياً وبِرّاً وسُودَداً / وبأساً عَلَى أعدائِهنَّ وجُودا
وأعلامَ عِزٍّ أحدَقتْ بمكارِمٍ / فواتخ عقبانٍ حَمَلْنَ أُسودَا
كأَنَّ نَدى يُمناكَ مِمَّا تجودُها / كساها من الرَّوضِ النَّضِيدِ بُرُودا
وقد طَلَعَ الدِّيباجُ والوشيُ فَوقَها / حَدَائِقَ زَهرٍ فِي الغصونِ نَضِيدا
وكم لَبِستْ منه عِداكَ حِدادَها / إذا لَبِسُوا فوقَ السُّروجِ حَديدا
وكم مَلؤُوا الأرضَ الفضاءَ حَوَافِراً / وجَوَّ السَّماء قَسطَلاً وبُنُودا
وبِيضاً ردَدْنَ الليلَ أبيضَ مُشرقاً / علينا وأيَّامَ المعانِدِ سُودا
وزُرقاً من الخطِّيِّ أوقدها الوغى / فأضحَتْ لَهَا غُلبُ الرِّقابِ وَقُودا
مَساعٍ رَعَينَ الملكَ حَتَّى تَلأَلأَت / قلائِدَ فِي لَبَّاتِهِ وعُقودا
فَلَو لَمْ تُشَيِّعكَ الجنودُ إلى العِدى / لأضحى لَكَ النصرُ العزيزُ جُنودا
فلا زِلتَ للإسلامِ سَيفاً مُحامِياً / وصِنوُكَ رُكناً للثُغورِ شَديدا
تُنادِمُهُ كأسَ الوفاءِ فإن غَدَا / بعيداً فما مثواهُ مِنكَ بَعِيدا
فَمُلِّيتُما نُصحاً يعودُ بغبطَةٍ / وألهِمتُما حَمدا يقودُ مَزيدا
فِداؤكَ من لَوْ كَانَ فِي وُسعِهِ الفِدا
فِداؤكَ من لَوْ كَانَ فِي وُسعِهِ الفِدا / للاقى الأسى من دونِ نَفسِكَ والرَّدى
فلم تُضحِ من صرفِ الزمانِ مُرَوَّعاً / ولا بِتَّ من ليلِ المنونِ مُسَهَّدا
ولا راعَ منك الصبحُ سِرباً مُسَوَّماً / ولا هَزَّ عنكَ الليلُ مَثوىً مُمَهَّدا
ولم تَجِدِ الشكوى لِعَلْيَاكَ مُرتَقىً / ولا النائباتُ فِي سَماِئكَ مَصعَدا
ولا الحُزنُ فِي رَوْضاتِ عِزِّكَ مَرتَعاً / ولا الهمُّ فِي أرجاءِ بَحرِكَ مَورِدا
ولا ماءُ دَمْعٍ فِي جفونكَ مَسلَكاً / ولا نارُ وَجْدٍ فِي ضلوعِكَ مَوقِدا
وأصبَحَ جَدِّي حِينَ أفديكَ طائِعاً / بنفسِيَ أحظى بالوفاءِ وأسعَدا
ومالي لا أفدِي المكارِمَ والعُلا / وناهِجَ سُبلِ الفضلِ والجودِ والندى
ولكِن أرى مِنْ سَلِّ رأيِكَ للنُهى / وسعيِكَ للحسنى وَهدْيِكَ للهُدى
لقاءَكَ مَا لُقِّيتَ إلّا تَصَبُّراً / وحملَكَ مَا حُمِّلتَ إلّا تَجَلُّدا
مُرَزَّأَ أفلاذِ الفؤادِ مصائِباً / توالت بِهَا الأيامُ مَثَنىً ومَوحَدَا
فلم تَبدَ إلّا كُنتَ بالصَّبرِ بادِياً / ولا عُدنَ إلّا كنتَ بالعَودِ أحمدا
جَدِيراً وَقَدْ أشجاكَ فقدُ مُحَمَّدٍ / بِسَلوَةِ ذِكرَاكَ النَّبيَ مُحَمَّدَا
لِتقتَضِيَ الأَجرَ الجَزيلَ مُضَاعَفاً / وتَشتمِلَ الصَبرَ الجَمِيلَ مُمَدَّدَا
بأعلى مِنَ النَّجمِ الَّذِي غَارَ مُقتنىً / وأزكى منَ الغُصْنِ الَّذِي
هِلالاً يُسامِي فيكَ مَجرىً ومَطلعَاً / وفَرعاً يبارِي مِنكَ أصلاً ومَحتِدا
تَتِمُّ بِهِ النُعمى ويُسلى بِهِ الأَسى / وتَبأى بِهِ الدنيا ويَشجى بِهِ العِدى
إذا سُقِيَتْ أرضٌ فقد بُشِّرت أرضُ
إذا سُقِيَتْ أرضٌ فقد بُشِّرت أرضُ / وعِندَ عُمومِ الكُلِّ ينتظرُ البعضُ
وقد ذَبُلَت فِي رَوضِ جُودِكَ زَهرَةٌ / ثناؤكَ منها فِي الورى يانِعٌ غَضُّ
وأَظلَمَ فِي عُلْيا سمِائكَ كوكَبٌ / يُسامِي بذكراكَ الظَّلامَ فَيَبيَضُّ
وقد بَسَطَتْ للجُندِ منكَ شفاءَها / يَدٌ شَفَّني منها التَّأخُّرُ والقَبضُ
وأجنادُ شُكرِي لَمْ تَفُتكَ بِعَرضِها / ولا فاتها فِي الأرضِ طُولٌ ولا عَرضُ
نداكَ حبيبٌ لا يشِطُّ مزارُهُ
نداكَ حبيبٌ لا يشِطُّ مزارُهُ / وإنْ غَنِيَت بينَ الكواكب دارُهُ
وأكرِمْ بِهِ ألفاً دعا الحمدَ راغِباً / فلَبَّاهُ مخلوعاً إليه عِذارُهُ
أبانَ سبيلَ النُّجْحِ ساطِعُ نورِهِ / ولاحَتْ لعلياء النواظر نارُهُ
فصُبْحُ الَّذِي يغدو إليكَ بَشِيرُهُ / ولَيْلُ الَّذِي يسري إليك نهارُهُ
وأيُّ رجاءٍ حادَ منكَ طريقُهُ / وأيُّ ثناءٍ قَرَّ عنك قرارُهُ
ولا أمَلٌ إلّا إليك مآلُهُ / ولا سُودَدٌ إلّا عَلَيْكَ مدارُهُ
ولو أنَّ قلباً شاقه المجدُ والعُلا / فطارَ إليها مَا عَداك مطارُهُ
ولو نَثَرَ البحرُ المُسَخَّرُ دُرَّهُ / لما كانَ إِلّا فِي ذَراك انتثارُهُ
لو كانَ من زُهْرِ الكواكبِ زائرٌ / إلى مَلِكٍ مَا حادَ عنكَ مَزَارُهُ
لَأَمَّكَ مشدوداً إليكَ زِمامُهُ / ووافاكَ مرفوعاً إليكَ عَمارُهُ
ولو كانَ للدهرِ المؤَبَّدِ مَفْخَرٌ / لكانَ بما أبْدَعْتَ فِيهِ افتخارُهُ
ولم يعْدَمِ الشادِي بذكرِكَ زَهْرَةً / يطولُ بِهَا إعجابُهُ وازْدِهارُهُ
لَبْوسُ ثناءٍ من مساعيكَ بِينُهُ / ومن غُرَرِ الأشعارِ فيكَ شِعارُهُ
تُهِلُّ بِهِ الدنيا إلى المَلِكِ الَّذي / زَكَا وتعالى جِذْمُهُ ونِجارُهُ
مَليِكٌ تَرَدَّى من تُجيبَ سَكِينَةً / وحِلْماً يَفِي بالرّاسياتِ وَقارُهُ
ودَوْحٌ تعالَتْ فِي السَّماءِ فُروعُهُ / ولَكِنْ دَنَتْ للمُجتَنِينَ ثِمارُهُ
بمَطْعَمِ سَلْمٍ لا يُمَلُّ مَساغُهُ / ومَطْعَمِ حَرب لا يُساغُ مرَارُهُ
إذا نَشَأتْ بالبارِقاتِ سَحابُهُ / وجاشَتْ بجيشِ الدَّارِعينَ بِحارُهُ
وقد أضرَمَ الآفاقَ من حرِّ بأسِهِ / لَظى لَهَبٍ زُرْقُ الوَشيجِ شَرارُهُ
وغَرَّةُ شمسِ المجدِ تسمو كأنّما / تراءى لَهْ فِي غُرَّةِ الشمس نارُهُ
وكَمْ وَصَلَتْهُ بالكواكِبِ هِمَّةٌ / تُجَلّي إلى الآفاقِ أينَ مَغارُهُ
وليثُ ليوثٍ يُصْعِقُ الأرضَ زأرُها / ويَقْدُمُها فِي حَوْمَةِ الموتِ زَارُهُ
وشمسٌ وَفِي كِسْفِ العَجاجِ كُسوفُها / وبَدْرٌ وَفِي خَفْقِ البُنودِ سِرارُهُ
وأكرِمْ بِهِ أنْ يَعْرِفَ النَّكْثَ عَقْدُهُ / أو الخُلْفَ راجِيهِ أو الضَّيْمَ جَارُهُ
ومن طَرَقَتْ خَيْلُ الخطوبِ حَرِيمَهُ / فأوَّلُ دعواهُ إليهِ انْتِصارُهُ
فتىً جَعَلَ الجُرْدَ الجيادَ قِداحَهُ / ففازَ بأقمارِ المعالي قِمارُهُ
ضَمانٌ عليهِ أنْ يَذِلَّ عَدُوُّهُ / وحَقٌّ إليهِ أنْ يعِزَّ جِوارُهُ
وماليَ لا أختارُ قُربَكَ بادِياً / وأنتَ من الدَّهرِ الخيارِ خِيارُهُ
ومَنْ ذا لداعِ لا يُجابُ دُعاؤُهُ / سِواكَ وعانٍ لا يُفَكُّ إسارُهُ
ومهوى غَريقٍ لا يُرَّجى غِياثُهُ / وعاثِرِ جَدٍّ لا يُقالُ عِثارُهُ
ألا عَزَّ من أبَدى إليكَ خُضُوعَهُ / وحازَ غِناهُ من إليكَ افتقارُهُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025